الجمعة، 8 مايو 2009

نبذة عن "الوقف" وأنواعه وشروطه وأحكامه

المقصود بالوقف:

يُقصد بالوقف: منع الأعيان المالية من التصرف فيها والتصدق بمنفعتها. فالوقف بناء على هذا سبب من أسباب الملكية الناقصة التي لا تجتمع فيها ملكية الرقبة والمنفعة – في يد واحدة وفي وقت واحد. إذ تصبح الأعيان الموقوفة ممنوعة من التداول الناقل للملكية حالاً ومآلاً بأي سبب من الأسباب. أما منفعة هذه الأعيان وثمرتها فإنها تكون لبعض الجهات الخيرية ذات النفع العام أو الخاص، أو تكون لبعض الأفراد عوناً لهم وبراً بهم. (المرجع: "مُنازعات الأوقاف والأحكار في ضوء الفقه والقضاء والتشريع" – للدكتور/ عبد الحميد الشواربي والمستشار/ أُسامة عثمان – طبعة 1995 الإسكندرية – صـ 13).

أنواع الوقف:

الوقف نوعان: وقف خيري ، ووقف أهلي.

الوقف الخيري: هو ما خُصِصَ ريعه ابتداء للصرف على جهة من جهات البر العام (كالمستشفيات، والملاجئ، والمساجد).

الوقف الأهلي: هو ما كان استحقاق الريع فيه من أول الأمر للواقف نفسه أو لغيره من الأشخاص المُعينين بالذات أو بالوصف سواء أكانوا من أقاربه أم من غيرهم. (المرجع: مُنازعات الأوقاف والأحكار – المرجع السابق – صـ 15).

علماً بأنه يوجد الكثير من الأوقاف "مشتركة" أن يكون فيها نصيب لجهات البر العام "خيري" وحصة أخرى لذوي القربى "أهلي".

معيار خيرية الوقف في ضوء قضاء النقض:

ولقد وضعت محكمة النقض معياراً للتفرقة بين الوقف على وجوه الخير والوقف على غير الخيرات، وهذا المعيار هو: "مصرف ريع الوقف"، فإذا كان هذا المصرف على سبيل التقرب لله والصدقة كان الوقف خيرياً، أما إذا كان المصرف على سبيل البر والصلة كان الوقف أهلياً. فقد قضت محكمة النقض بأن: "الوقف يُعد خيرياً إذا كان مصرفه جهة من جهات البر التي لا تنقطع". (نقض مدني في الطعن رقم 875 لسنة 46 قضائية – جلسة 28/5/1980 مجموعة المكتب الفني – السنة 31 – الجزء الثاني – صـ 1560).

الشروط العشرة:

ومن المُسلم به والمُتفق عليه بين جمهور فقهاء الشريعة والقانون أن الشروط التي يشترطها الواقفون كثيرة ومُتنوعة تنوع أغراضهم ومقاصدهم، غير أن عدداً من هذه الشروط قد دارت كثيراً على ألسنة الواقفين في كتب وقفياتهم. لذا أهتم الفقهاء ببحث أحكامها، وهذه هي "الشروط العشرة" في اصطلاح الفقهاء، وتشمل اشتراط الزيادة والنقصان والإدخال والإخراج والإعطاء والحرمان والتغيير والتبديل والبدل والاستبدال. (ويُضيف بعضهم لذلك شرطي التفضيل والتخصيص). وهذه الشروط على الجُملة شروط صحيحة لأنها لا تخل بأصل الوقف ولا بحكم من أحكامه الجاري بها العمل.

وهذه الشروط العشرة غير مُترادفة فيما بينها، وأن كلاً منها يُراد به معنى غير المعنى الذي يُفيده الشرط الآخر، لأن القاعدة الفقهية هي: "حمل الكلام وتفسيره على التأسيس أولى من حمله على التأكيد". والتأسيس هو حمل الكلام بحيث يُفيد معنى جديداً، أما التأكيد فهو حمله بحيث يتفق مع المعنى السابق ويُرادفه ويُساق لتأكيده.

غير أن هذه الشروط واردة على "الاحتفاظ للواقف بالحق في تغيير مصارف الوقف"، سواء بالزيادة أو النقصان أو بالإعطاء والحرمان أو بالإدخال و الإخراج أو بالتفضيل والتخصيص، على حين يتعلق اثنان منها [من هذه الشروط] باحتفاظ الواقف بحقه في تغيير العين الموقوفة، وهذا هو ما يُفيده اشتراط الإبدال والاستبدال.

شرطي الإعطاء والحرمان :

ويُقصد بهذين الشرطين احتفاظ الواقف بحقه في حرمان بعض الموقوف عليهم وإعطاء بعضهم الآخر، كأن يقول أرضي موقوفة على الموظفين والعاملين في مدرسة مُعينة أو مُستشفى معين على أن لي أن أعطي غلتها لمن شئت منهم. وله إذا اشترط ذلك الحق في إعطاء الغلة كلها أو بعضها لأي هؤلاء الموظفين والعاملين، واحداً أو أكثر، مُدة معينة أو طول حياته. ولو اشترط الإعطاء وحده لم يكن له حق في الحرمان: فيصير من أعطاه مُستحقاً أبداً، ولا حق للواقف في حرمانه. أما إذا ذكر الواقف في كتاب وقفه أن له الحق في الحرمان وحده فإن له أن يمنع من أعطاه. ولذا لو قال أرضي موقوفة على موظفي هذه المدرسة ولي الحق في الإعطاء والحرمان جاز له أن يعطي ويمنع من شاء منهم بناء على ما يراه. والفائدة العملية لمثل هذا الاشتراط أن الواقفين كانوا يستخدمون مثل هذا الحق في حفز المُستحقين على أداء واجباتهم العملية التي قصد إليها الواقف من وقفه، وذلك بإثابتهم وإعطائهم وزيادة استحقاقهم إن أحسنوا ومُعاقبتهم بالنقصان في استحقاقهم بل وحرمانهم إن أساءوا ولم يتقنوا أداء ما وجب عليهم.

شرطي الإدخال والإخراج:

ويُقصد بهذين الشرطين احتفاظ الواقف بحقه في إدخال من يرى إدخاله من مُستحقين جُدد مع المُستحقين الذين عينهم من قبل، وإخراج من يرى إخراجه من المُستحقين بحرمانه ومنعه من الاستحقاق متى شاء. ويعني الإدخال بهذا أن يجعل من ليس مُستحقاً في الوقف مُستحقاً فيه، على حين يعني الإخراج أن يجعل المُستحق في الوقف غير مُستحق فيه. ويصح هذا الشرط مُطلقاً ولو لم يُقيده بأي شيء. من ذلك أن يقول وقفت أرضي على موظفي مدرسة مُعينة، ولي الحق في إدخال وإخراج من أشاء منهم.

ويلتقي الإدخال والإخراج مع الإعطاء والحرمان، فإن الإخراج نوع من الحرمان للموقوف عليه، ولو حرمه أبداً فكأنه أخرجه من الاستحقاق مُطلقاً.

قاعدة: "شرط الواقف كنص الشارع":

والشرط الذي يشترطه الواقف – إذا كان صحيحاً – فإنه يكون مُلزماً، حتى قال الفقهاء بأن: "شرط الواقف كنص الشارع" في الفهم والدلالة وفي وجوب العمل به.

وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأن: "المُقرر في قضاء محكمة النقض أن المادة العاشرة من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف لم ترسم طريقة خاصة لاستظهار المعنى الذي أراده الواقف من كلامه، وأطلقت للقاضي حرية فهم غرض الواقف من عبارته على ألا يخرج بشرط الواقف عن معناه الظاهر إلى معنى آخر يُخالفه، وكان المُراد من كلام الواقف مجموع كلامه في كتاب وقفه لا خصوص كلمة أو عبارة بذاتها، بل يُنظر إلى ما تضمنه كتابه كله كوحدة مُتكاملة، ويُعمل بما يظهر أنه أراده منه واتجه إليه مقصده، اعتباراً بأن شرط الواقف كنص الشارع في الفهم والدلالة ووجوب العمل به". (نقض مدني في الطعن رقم 5 لسنة 49 قضائية – جلسة 26/5/1981).

لا مُعقب على إرادة الواقفين:

كما أنه من المُقرر في أراء فقهاء الشريعة والقانون وقضاء محكمة النقض أن: "التخصيص هو قصر العام على بعض أفراده بكلام مُستقل موصول فلا يُعتبر الخاص مُخصصاً إلا إذا كان مُتصلاً أما المُنفصل فيُعتبر ناسخاً. ولا يسوغ العدول عن الأخذ بهذا التفسير الذي تمليه النصوص الفقهية والقواعد الأصولية والأوضاع اللغوية فراراً مما يُؤدي إليه من التفرقة في الحرمان والإعطاء بين مُتساويين من أولاد البطون وجعل بعض أولاد من أخرج منهم مُستحقاً مع حرمان أصله لأن هذه التفرقة على فرض وجودها إنما هي وليدة إرادة الواقفين فلا مُعقب عليها". (نقض مدني في الطعن رقم 48 لسنة 31 قضائية – جلسة 29/12/1966 مجموعة المكتب الفني السنة 17 صـ 1996).

نموذج من حجة تغيير في وقف:

بموجب حجة تغيير صادرة من محكمة مصر الشرعية والمُسجلة برقم 1 في يوم الثلاثاء 7/رجب/1350 هجرية والموافق 17/11/1931 ميلادية (بالصفحة 1 من المضبطة والسجل - قسم أول - جزء 1 متنوعة – عملية 1931/1932 القضائية) ... وبعد الإطلاع على كتاب الوقف الصادر من المرحوم محمد راتب باشا سالف الذكر وعلى إشهادات التغيير المحدث عنها وبعد أن أخبرت الست المُشهِدة بوفاة الحاج/ عبد اللطيف أغا رأفت المُدخل المذكور؛ أشهدت على نفسها الست كلبرى هانم المُشهِدة المذكورة طائعة مُختارة بما لها من حق الإخراج والإعطاء والحرمان وباقي الشروط المذكورة؛ بأنها قد أخرجت من كامل ريع وقف المرحوم الواقف محمد راتب باشا المُشار إليه المُعين بحجة وقفه السالفة الذكر كلا من أخوي الواقف المذكور لأبيه وهما سعادة على باشا رضا ومحمود باشا طلعت وكذلك الست خنسوك هانم [خاتون هانم] كريمة المرحوم خليل بك حلمي حرم حضرة محمد بك يوسف المُحامي وذرية كل من أخوي الواقف المذكورين والست خنسوك هانم [خاتون هانم] سالفة الذكر ونسل كل من الثلاثة المذكورين وعقبهم وحرمتهم جميعاً هم وأولادهم وذريتهم ونسلهم وعقبهم من الاستحقاق بشيء من ريع هذا الوقف كلاً أو بعضاً حالاً ومآلاً وصيرتهم جميعاً لا حق لهم ولا لأحد منهم ولا لذريتهم في هذا الوقف بأي وجه من الوجوه ؛ كما أخرجـت السـادة المُدرسيـن والمجاورين من طلبة العلم الشريف بالجامع الأزهر والمُدرسين والمجاورين من طلبة العلم الشريف بالحرمين الشريفين وخدمة الحرمين المُشار إليهما من إمام وخطيب وفراشين ووقادين وبوابين والسادة القراء بالعشر المقارئ المُسماة بكتاب الوقف ... وصيرتهم جميعاً لا حق لهم ولا استحقاق في ريع هذا الوقف بأي وجه من الوجوه لا في الحال ولا في المآل؛ وقد أبقت وقف كامل المائة فدان وخمسة أفدنه وربع وسدس وثمن فدان وثلثي قيراط من فدان الوارد ذكرها بحجة الوقف أولاً كما هي وقفاً مصروفاً ريعها في الوجوه المُبينة بحجة الوقف السابقة الذكر فيما قبل حسبما هو وارد في كتاب الوقف الذي نص فيه بشأن وقف هذا المقدار على أن يُصرف من ريعها ما يلزم صرفه لعِمارة ومرمة الحوش والترب المعروفة بإنشاء الواقف المُشار إليه الكائن ذلك بصحراء الإمام الشافعي وفي باقي الوجوه المُبينة على الصفة المشروحة في كتاب الوقف المذكور؛ وأشهدت على نفسها أيضاً ببقاء ريع باقي الأعيان الموقوفة من ثانياً إلى أخراً بكتاب الوقف الأول وقفاً عليها مُدة حياتها طبقاً لما هو منصوص عليه في كتاب الوقف المذكور، وصيرت ذلك من بعدها وقفاً خيرياً يُصرف ريعه – أي ريع باقي تلك الأعيان الموقوفة من ثانياً إلى أخراً – على (المعهد العلمي المعروف باسم "الجمعية الجغرافية الملكية") التي أنشأها المغفور له إسماعيل باشا الخديوي الأسبق الكائن مقرها بمصر القاهرة ... وبالجملة يكون صرف ريع ذلك حسب قوانين ونظام هذا المعهد في كل زمان، وبحسب اللوائح والأنظمة والقرارات والمراسيم وغيرها التي تصدر خاصة بهذا المعهد، ويكون الصرف في الوجوه التي تعين لذلك حسب القوانين والأنظمة التي تتعلق به، على الدوام والاستمرار وما دام المعهد قائماً بتحقيق الأغراض العلمية التي ترسم له حسبما يوضع له من القوانين والأنظمة، فإذا تعذر الصرف على ذلك يُصرف ريع ما ذُكِرَ على الفقراء والمساكين من المُسلمين بالقطر المصري إلى أن يزول المانع فيعود حق الصرف كما كان، وهكذا تعذراً وإمكاناً؛ وأقرت بأنها أسقطت وتنازلت عن الشروط العشرة التي كانت مشروطة لها من قِبَل الواقف في كتاب الوقف سالف الذكر، وأقرت بأنه لا حق لها من الآن في العمل بأي شرط من الشروط العشرة التي شرطها لها المرحوم [زوجها] الواقف في كتاب الوقف وهي الإدخال والإخراج وما عُطِفَ عليها من باقي الشروط، ولا في فعل أي شيء يُخالف ما أشهدت به في هذا المجلس أو يُنافيه، وأنها أصبحت غير مالكة لشيء من ذلك من الآن، وجعلت العمل والمعول على ما ورد في هذا الإشهاد وما لا يُخالفه فيما هو منصوص عليه في كتاب الوقف المُشار إليه كما جاء نصاً بتلك الحجة الأخيرة. ومدون في أعلى الصفحة الأولى من هذه الحُجة – تحت عنوان مقدار الرسم وما تم فيه – عبارة: "لا رسم على هذا الإشهاد لأنه إخراج وإدخال حول الوقف إلى جهة خيرية محضة".

القانون الواجب التطبيق (على حجة الوقف) من حيث الزمان:

وإذا كان المُدعون قد زعموا في مجال دفاعهم في دعوى الاستحقاق سالفة الذكر بأن حجة التغيير الخامسة لوقف التداعي (والتي تحول الوقف فيها إلى وقف خيري محض) باطلة طبقاً لنص المادة 12 من القانون رقم 48 لسنة 1946 بشأن أحكام الوقف والتي تعطي للواقف فقط الحق في الاحتفاظ بالشروط العشرة ولا تعطي هذا الحق لغيره.

إلا أن هذا الزعم في غير محله، ومردود عليه بأن حجة التغيير الخامسة سالفة الذكر قد صدرت وعمل بها من تاريخ إصدارها في 17/11/1931، بينما قانون الوقف الذي يستند إليه المُدعي لم يصدر إلا في عام 1946 ولم يعمل به إلا من تاريخ نشره في الوقائع المصرية في تاريخ 17/6/1946 (بالعدد 61) أي بعد تاريخ إصدار وإنفاذ حجة التغيير الخامسة بحوالي خمس عشرة سنة كاملة.

والمادتين 187 و 188 من الدستور المصري تنصان على أن: أحكام القوانين لا تسري إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها، وأن القوانين تنشر في الجريدة الرسمية خلال أسبوعين من يوم صدورها، ويعمل بها بعد شهر من اليوم التالي لتاريخ نشرها إلا إذا حدد لذلك ميعاداً آخر في قانون الإصدار.

وعدم سريان القوانين بأثر رجعي قاعدة أصولية عامة معمول بها في كافة الشرائع والقوانين، وقانون أحكام الوقف ذاته أخذ بها حين نص في صدر المادة الأولى منه على أنه: "من وقت العمل بهذا القانون لا يصح الوقف ولا الرجوع فيه ولا التغيير في مصارفه وشروطه ولا الاستبدال به من الواقف إلا إذا صدر بذلك إشهاد ممن يملكه لدى إحدى المحاكم ...".

كما أخذ القانون المدني أيضاً بذلك (وهو الشريعة العامة لكافة القوانين المُنظمة للمعاملات) حينما نص في 6/2 منه على أنه: "إذا عاد شخص توافرت فيه الأهلية، بحسب نصوص قديمة، ناقص الأهلية بحسب نصوص جديدة، فإن ذلك لا يؤثر في تصرفاته السابقة".

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "وإن كان من أسس النظام القانوني والمبادئ الدستورية العامة أن لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها إلا أنه مع ذلك يجوز للسلطة التشريعية في غير المواد الجنائية ولاعتبارات من العدالة والمصلحة العامة تستقل هي بتقدير مُبرراتها ودوافعها، أن تجري تطبيق حكم قانون معين على الوقائع السابقة بنص صريح فيه". (نقض مدني في الطعن رقم 517 لسنة 29 قضائية – جلسة 31/3/1965 مجموعة المكتب الفني – السنة 16 – صـ 420)

كما أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "الأصل أنه لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها، فليس للمحاكم أن ترجع إلى الماضي لتطبيق القانون الجديد على علاقات قانونية نشأت قبل نفاذه أو على الآثار التي ترتبت في الماضي على هذه العلاقات قبل العمل بالقانون الجديد بل يجب على القاضي عند بحثه في هذه العلاقات القانونية وما يترتب عليها من آثار أن يرجع إلى القانون الساري عند نشوئها وعند إنتاجها هذه الآثار". (نقض مدني في الطعن رقم 482 لسنة 39 قضائية – جلسة 23/2/1977 مجموعة المكتب الفني – السنة 18 – صـ 511).

وحيث أستقر قضاء محكمة النقض على أن: "الأصل ألا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يترتب أي أثر بالنسبة لما وقع قبلها، ومن ثم فليس للمحاكم – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن تعود إلى الماضي لتطبيق القانون الجديد على ما نشأ من علاقات قانونية وما يترتب عليها من آثار قبل العمل بأحكامه، وإنما يجب عليها وهي بصدد بحث هذه العلاقات وتلك الآثار أن ترجع إلى القانون الذي نشأت في ظله". (نقض مدني في الطعن رقم 210 لسنة 42 قضائية – جلسة 29/12/1982).

وهدياً بما تقدم، ولما كانت حجة الوقف الخامسة التي قامت فيها زوجة الواقف والمُستحقة الوحيدة فيه والناظرة الوحيدة عليها وبما أعطاه لها زوجها الواقف من حق في استعمال الشروط العشرة (سالفة الذكر) بتغيير مصارف الوقف وتحويله كله إلى وقف خيري، لما كانت هذه الحجة المذكورة قد صدرت في تاريخ 17/11/1931م فمن ثم تسري عليها لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والإجراءات المُتعلقة بها الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 المنشور بالوقائع المصرية بالعدد 53 "غير عادي" في تاريخ 20/5/1931.. ولما كانت هذا المرسوم بقانون قد جاء خلواً من أي نص يمنع أو يحظر على الواقف منح أو إعطاء الشروط العشرة لغيره فإن هذا الشرط الوارد في حجج أوقاف التداعي والتي استعملته زوجة الواقف في حجة الوقف الخامسة والأخيرة يكون جائزاً شرعاً وقانوناً ولا مخالفة فيه ولا يشوبه أي شائبة، فضلاً عن أن الأصل في الأشياء الإباحة.

كما أن حجة الوقف الثانية بخصوص وقف التداعي (حجة التغيير والإدخال) الصادرة من محكمة مصر الشرعية في 13/3/1910 ميلادية والتي أشهد الواقف/ محمد راتب باشا على نفسه طائعاً مُختاراً إنه بما له في وقفه المُعين بحجة الوقف المُحررة من هذه المحكمة المُؤرخة في 14/ربيع أول/1319 والمُسجلة في 4/7/1901، شرط الواقف في كامل وقفه المشروح بحجة الوقف المذكورة لنفس حرمه الست كلبرى هانم المذكورة بعد وفاته ما هو مشروط لدولته فيه من الإدخال والإخراج والإعطاء والحرمان والزيادة والنقصان والتغيير والتبديل والإبدال والاستبدال (الشروط العشرة) لمن شاءت متى شاءت على الوجه المسطور بحجة الوقف المذكورة مُدة حياتها وليس لأحد من بعدها فعل شيء من ذلك (ما لم يُشترط له ذلك)..

ولما كانت هذه الحجة الثانية المذكورة صادرة في مارس 1910 ومن ثم ينطبق عليها أول لائحة شرعية تنظم الإجراءات والاختصاص بنظر دعاوى الأحوال الشخصية والوقف وهي لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة في تاريخ 27/5/1897 ولما كانت هذه اللائحة المذكورة قد جاءت خلواً من أي نص يمنع أو يحظر على الواقف منح أو إعطاء الشروط العشرة لغيره فإن هذا الشرط الوارد في حجج أوقاف التداعي والتي بناء عليها استعمله الواقف في منح زوجته من بعده الشروط العشرة يكون جائزاً شرعاً وقانوناً ولا مخالفة فيه ولا يشوبه أي شائبة.

وعليه، فإن صدور قانون الوقف الجديد الصادر في عام 1946 والقاضي في المادة 12 منه بعدم إعطاء الحق في استعمال الشروط العشرة إلا للواقف نفسه دون غيره، ولكن بعد أن منح الواقف الشروط العشرة لزوجته من بعده، ومن ثم استعملت زوجة الواقف حقها في استخدام الشروط العشرة، فإن صدور هذا قانون الأوقاف الجديد (في عام 1946) لا يؤثر على التصرفات التي نشأت وتمت صحيحة قبل صدوره بمدة طويلة جداً.

الرد على زعم المُدعي ببطلان حجة وقف التداعي الأخيرة:

لما كان ما تقدم، وكان من المُقرر قانوناً أنه - وفي جميع الأحوال - لا يجوز طلب إبطال تصرف قانوني بعد مُضي حوالي 66 عاماً من صدوره، فحجة التغيير الخامسة سالفة الذكر صادرة في عام 1931 ودعوى الاستحقاق المذكورة والتي بنيت وأسست على بطلان هذه الحجة أقيمت في عام 1997؟!! أي بعد أكثر من 66 عاماً على تلك الحجة المذكورة.

علماً بأن حجة التغيير الخامسة سالفة الذكر الصادرة في عام 1931 والتي استعملت بموجبها زوجة الواقف حقها في استخدام الشروط العشرة إنما جاءت بناء على حجة التغيير الثانية التي منح فيها الواقف الشروط العشرة لزوجته من بعده وتلك الحجة الثانية المذكورة صادرة في عام 1910 بينما الدعوى الماثلة مقامة في عام 1997 أي بعد الحجة الأساسية المذكورة (والمشروط فيها الشروط العشرة لزوجة الواقف من بعده) بحوالي 87 سنة كاملة؟!!

لما كان ذلك، وكانت المادة 140 مدني تنص على أنه: "يسقط الحق في إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه خلال ثلاث سنوات. ويبدأ سريان هذه المدة، في حال نقص الأهلية، من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب، وفي حالة الغلط أو التدليس، من اليوم الذي ينكشف فيه، وفي حالة الإكراه، من يوم انقطاعه، وفي كل حال لا يجوز التمسك بحق الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه إذا انقضت خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد".

ولما كانت المادة 141/2 مدني تنص على أنه: "تسقط دعوى البُطلان بمضي خمس عشرة سنة من وقت العقد".

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "النص في المادة 140 من القانون المدني يدل على أنه في العقد القابل للإبطال يسقط الحق في طلب إبطاله بانقضاء ثلاث سنوات دون التمسك به من صاحبه، حيث تتقادم دعوى طلب إبطال العقد في أحوال الغلط والتدليس والإكراه بأقصر الأجلين إما بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي ينكشف فيه الغلط أو التدليس أو من يوم انقطاع الإكراه، وإما بمضي خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد". (نقض مدني في الطعن رقم 1439 لسنة 51 قضائية – جلسة 28/12/1989).

وكذلك فمن المُقرر في قضاء النقض أن: "بطلان بيع الوفاء بطلاناً مطلقاً. سقوط دعوى البطلان المطلق بمضي خمس عشرة سنة من وقت العقد عملاً بالمادة 141 من القانون المدني". (نقض مدني في الطعن رقم 136 لسنة 41 قضائية – جلسة 25/11/1975 مجموعة المكتب الفني – السنة 26 – صـ 1477).

ويتبين من هذه النصوص أن الحق في إبطال العقد يسقط بالتقادم إذا مضت المُدة القانونية المُقررة، فلا يجوز بعد ذلك إبطاله لا من طريق الدعوى ولا من طريق الدفع، وبذلك يستقر العقد نهائياً بعد أن كان مُهدداً بالزوال، ويترتب على ذلك أن يصبح العقد صحيحاً بصفة نهائية.

هذا، والله أعلى وأعلم،،،

أشرف رشوان

المحامي بالنقض

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق