الأحد، 24 مايو 2009

التطليق للضرر أو لعقم أحد الزوجين والنفقة

أولاً- في التطليق للضرر

التفريق للضرر:

تنص المادة 9 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 ببعض أحكام الأحوال الشخصية على أن: "للزوجة أن تطلب التفريق بينها وبين زوجها إذا وجدت به عيباً مستحكماً لا يمكن البرء منه، أو يمكن بعد زمن طويل، ولا يمكنها المقام معه إلا بضرر كالجنون والجذام والبرص، سواء كان ذلك العيب بالزوج قبل العقد ولم تعلم به، أم حدث بعد العقد ولم ترض به، فإن تزوجته عالمة بالعيب، أو حدث بعد العقد ورضيت به صراحة أو دلالة بعد علمها، فلا يجوز التفريق".

كما تنص المادة 10 من ذات القانون على أن: "الفرقة بالعيب، طلاق بائن".

كما تنص المادة 11 من ذات القانون على أن: "يستعان بأهل الخبرة في العيوب التي يطلب فسخ الزواج من أجلها".

فشروط التفريق للضرر أربعة هي:

1- أن تجد الزوجة بزوجها عيباً مستحكماً، جسماني (كمرض الجذام أو البرص أو الإيدز)، أو خلقي كمرض نفسي مستعصي (كالجنون)، أو جنسي (كالعنة أو الجب أو الخصاء)، فإذا لم يكن العيب مستحكماً فلا طلاق.

2- ألا يكون من الممكن البرء والشفاء من هذا العيب، أو يمكن ذلك ولكن بعد مرور زمن طويل، فإذا كان من الممكن البرء والشفاء منه بعد زمن يسير فلا طلاق. ويقدر استحكام العيب أهل الخبرة.

3- أن تتضرر الزوجة من العيب على نحو لا يمكنها المقام مع الزوج مع قيام العيب به، ويستوي في الضرر أن يكون مادياً أو معنوياً، ويقدر توافره قاضي الموضوع مستعيناً في ذلك بأهل الخبرة.

4- ألا تعلم الزوجة بالسبب قبل العقد أو ترضى به بعده. فإذا كانت تعلم أو رضيت به فلا طلاق.

ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "النص في المادة التاسعة من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1920 بشأن النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية وفى المادة الحادية عشرة يدل ـ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ على أن المشرع جعل الزوجة حق طلب التفريق من الزوج إن ثبت به عيب مستحكم لا يمكن البرء منه أصلاً، أو يمكن البرء منه بعد زمن طويل بحيث لا يتسنى لها الإقامة معه إلا بضرر شديد، وإنه توسع في العيوب المبيحة للفرقة فلم يذكرها على سبيل الحصر مخولا الاستعانة بأهل الخبرة لبيان استحكام المرض، ومدى الضرر الناجم عن الإقامة مع وجوده، على ألا تكون الزوجة قد رضت بالزوج مع علمها بعيبه صراحة أو دلالة، شريطة أن يكون هذا العلم وذلك الرضا مستندين إلى معرفة حقيقة بالعيب وإرادة صحيحة من الزوجة بالعيش مع الزوج رغم علمها بالعيب، وكان مؤدى هذا وفقاً لمذهب الحنفية: أنه إذا تأكد للزوجة أن هناك عيباً مستحكماً ولم ترض به رضاء صحيحا نابعاً عن علم يقيني به، أو استمرت في المقام معه زمناً للتجربة أو إعطاء الفرصة لاحتمال زوال هذا العيب طبياً ولم يتم ذلك، فإن حقها في طلب التفريق يظل قائماً، ولا يسقط حتى لو تراخت في رفع أمرها إلى القضاء، وإن هذا الحق يتجدد بتجدد عقد الزواج، بما مؤداه إن العلم بقيام العيب الذي يستوجب الفرقة الزوجية لا يتحقق إلا بعد استظهاره بمعرفة أهل الخبرة من الأطباء، ولو تجدد عقد الزواج أكثر من مرة قبل ثبوت ذلك. (نقض مدني في الطعن رقم 673 لسنة 67 قضائية – جلسة 7/1/2002 المستحدث في قضاء النقض المدني – صـ 32).

الطلاق لعقم أحد الزوجين:

يثور الجدل والخلاف بشأن مسألة أحقية الزوجة في طلب الطلاق لعقم الزوج:

ويذهب فريق من الفقهاء إلى القول بأن عقم الرجل يعد من العيوب المستحكمة في مفهوم المادة التاسعة سالفة الذكر، ومن ثم يعطي الحق للزوجة في طلب التطليق. ويستند هذا الفريق في رأيه إلى اتحاد العلة مع تلك العيوب، وهي الإضرار بالزوجة الصالحة للإنجاب والقادرة عليه، وكذلك إلى تفويت أهم مقاصد الزواج بالنسبة للزوجة وهو التناسل، وهذه الرأي منسوب إلى فتوى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، كما أن فيه ضرر نفسي بليغ بالنسبة للزوجة لحرمانها من إشباع غريزة الأمومة لديها.

إلا أن محكمة النقض لم تأخذ بهذا الرأي، سواء في قضائها في مسائل الأحوال الشخصية للمسلمين أو لغير المسلمين، مستندة في قضائها إلى أن القانون – في شأن التفريق بين الزوجين – نص على "العيوب" التي بالزوج وتحول دون الاتصال الجنسي، باعتبار أن تلك العيوب تعد "أمراضاً" مستحكمة لا يمكن البرء منها، بينما عدم القدرة على الإنجاب ليست "مرضاً"، وبالتالي فالعقم بذاته ليس مبرراً للتطليق، إذ لا دخل للإنسان فيه {وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (سورة الشورى – الآية 50)، فطالما إن الزوج قادر على مباشرة زوجته بطريقة طبيعية، فعقمه لا يكون سبباً للتطليق إلا إذا أقترن به عيباً آخر، ويكون التطليق هنا للعيب الآخر وليس للعقم.

فمن المُقرر في قضاء النقض (في قضايا الأحوال الشخصية لغير المسلمين) أن: "العقم طالما كان مستقلاً بذاته لا يعتبر سبباً للتطليق في شريعة الأقباط الأرثوذكس لأن قواعدها لم تنص عليه من بين أسبابه، واكتفت بذكر الموانع التي تحول دون الاتصال الجنسي مما مفاده أنه لا يمكن الربط بين التطليق وبين عدم تحقيق الغاية من الزواج، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض دعوى التطليق، لا يكون قد خالف القانون لأنه حصل بما له من سلطة فهم الواقع في الدعوى وفى حدود سلطته التقديرية أن أساس طلب التطليق يرجع إلى عقم المطعون عليه وأن الفرقة بينه وبين زوجته المطعون ضدها نجمت عن هذا السبب الذي لا يد له فيه وأنه ليس من خطأ مرده إليه". (نقض مدني في الطعن رقم 31 لسنة 45 قضائية – جلسة 10/11/1976 مجموعة المكتب الفني – السنة 27 – الجزء الثاني – صـ 1574).

وفي ذات المعني بالنسبة لقضايا الأحوال الشخصية للمسلمين، نقض مدني في الطعن رقم 287 لسنة 62 قضائية – جلسة 23/9/1996، ونقض مدني في الطعن رقم 357 لسنة 63 قضائية – جلسة 29/12/1997. وراجع في هذا الشأن: "موسوعة قوانين الأحوال الشخصية" - للمستشار/ أشرف مصطفى كمال - الجزء الأول - صـ 106 و 107.

وقريباً من هذا المعنى - راجع بالتفصيل حكم النقض التالي والذي جاء فيه أن: مؤدى نص المادتين التاسعة والحادية عشرة من القانون رقم 25 لسنة 1920 بأحكام النفقة وبعض مسائل الأحوال الشخصية أن المشرع جعل للزوجة حق طلب التفريق من الرجل أن ثبت به عيب "مستحكم" لا يمكن البرء منه أصلاً أو بعد زمن طويل بحيث لا يتسنى للزوجة الإقامة مع زوجها المعيب إلا بضرر شديد. وتوسع القانون في العيوب المبيحة للفرقة فلم يذكرها على سبيل الحصر مخولاً الاستعانة بأهل الخبرة لبيان مدى استحكام المرض ومدى الضرر الناجم عن الإقامة مع وجوده كل ذلك على شريطة ألا تكون الزوجة قد رضيت بالزوج مع علمها بعيبه صراحة أو دلالة.

إذ كانت المذكرة الإيضاحية للقانون - رقم 25 لسنة 1920 - قد أوضحت أن التفريق للعيب في الرجل قسمان: قسم كان معمولاً به بمقتضى مذهب أبى حنيفة وهو التفريق للعيوب التي تتصل بقربان الرجل لأهله وهي عيوب العنه والجب والخصاء وباق الحكم فيه؛ وقسم جاء به القانون وزاده على ما كان معمولاً به وهو التفريق لكل عيب مستحكم لا تعيش الزوجة معه إلا بضرر، وكان المقرر في مذهب الحنفية أن من شرائط إباحة حق التطليق للزوجة بسبب العنه ألا يكون زوجها قد وصل إليها في النكاح، فإن كان قد وصل إليها ولو مرة واحدة لم يثبت لها هذا الحق، لأن حقها إنما هو في أن يباشرها مرة واحدة وقد استوفته، وما زاد عن ذلك لا يؤمر به قضاء بل ديانة فإن ما قرره الأحناف من أن القول للزوج بيمينه إذا وجدت الزوجة ثيباً أو كانت ثيباً من الأصل، قاصر عندهم على العيب الذي يتبين بالزوج قبل الدخول وقبل الوصول إلى زوجته، دون العيب الحادث بعد الدخول لأن هذا النوع الأخير لا يثبت به خيار العيب عندهم، وعلى خلاف هذا المذهب أجازت المادة التاسعة من القانون رقم 25 لسنة 1920 التطليق للعيب الحادث بعد الدخول دون أن توجب يميناً على الزوج، وإذ كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن المطعون عليها قررت أن الطاعن دخل بها وفض بكارتها وأن الضعف الجنسي طرأ بعد الدخول، فإن تحليفه اليمين يكون في غير موضعه.

وتقدير وجود العيب المستحكم بالزوج الذي لا يرجى زواله أو لا يمكن البرء منه إلا بعد زمن طويل ويحول دون مباشرة العلاقة الزوجية، بما تتضرر منه الزوجة هو مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع دون رقابة عليها من محكمة النقض متى كان قضاؤها يقوم على أسباباً سائغة.

فالإضرار الذي تعنيه المادة السادسة من القانون رقم 25 لسنة 1929 ببعض أحكام الأحوال الشخصية يشترط فيه أن يكون الزوج قد قصده وتعمده، سواء كان ضرراً إيجابياً من قبيل الإيذاء بالقول أو الفعل، أو ضرراً سلبياً يتمثل في هجر الزوج لزوجته ومنعها مما تدعو إليه الحاجة الجنسية، على أن يكون ذلك باختياره لا قهراً عنه، يؤيد ذلك أن المشرع استعمل لفظ "الإضرار" لا الضرر، كما يؤيده أن مذهب المالكية مأخذ هذا النص يبيح للزوجة طلب التفريق إذا ما ضارها الزوج بأي نوع الإيذاء التي تتمخض كلها في أن للزوج مدخلاً فيها، وإرادة متحكمة في اتخاذها. والعنة النفسية (ومن باب أولى العقم) لا يمكن عدها بهذه المثابة من قبيل الإضرار في معنى المادة السادسة سالفة الإشارة لأن الحيلولة دون ممارسة الحياة الزوجية بسببها لا يد للزوج فيها بل هي تحصل رغماً عنه و بغير إرادته.

(نقض مدني في الطعن رقم 8 لسنة 43 قضائية – جلسة 19/11/1975 مجموعة المكتب الفني – السنة 26 – الجزء الثاني – صـ 1426 وما بعدها).

ثانياً- في النفقة

وجوب النفقة:

نفقة الزوجة مناطها احتباسها لحق زوجها عليها ــ ولو كانت موسرة أو مختلفة معه في الدين ــ ليملك زوجها عليها تلك المنافع التي ينفرد بالاستمتاع بها بحكم قصرها عليه بإذن من الله تعالى، ومن خلال تسليمها نفسها لزوجها تسليماً فعلياً أو حكمياً. والنفقة بذلك حق ثابت لها على زوجها في نكاح صحيح. ومن ثم كان احتباسها أو استعدادها لتمكين زوجها منها، سبباً لوجوبها، وكان قدرها مرتبطاً بكفايتها، وبشرط ألا تقل عما يكون لازماً لاستيفاء احتياجاتها الضرورية، امتثالا لقوله تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} (سورة الطلاق – الآية 7) ولقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} (سورة الطلاق – الآية 6) بما مؤداه أن عصيانها زوجها فيما يباشره عليها من الحقوق التي يوجبها النكاح، يدل على نشوزها، ويعتبر مسقطاً لنفقتها بالنظر إلى ترفعها وإبائها أن تطاوع زوجها، وتجاهلها أن حقوق الزوجين وواجباتهما تتقابل فيما بينها، فلا يتقيد زوجها بالإنفاق عليها مع ارتفاعها عن أوامره. فإذا ظلمها زوجها بعد توبتها، كان معتدياً وباغياً عليها بالمخالفة لأمر الله "فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا" في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} (سورة النساء – الآية 34). (من حكم المحكمة الدستورية في الطعن رقم 18 لسنة 14 قضائية "دستورية عليا" – جلسة 3/5/1997 مجموعة المكتب الفني – السنة 8 – صـ 611).

إذ كانت النفقة تشمل الطعام والكسوة والسكنى (ومصاريف العلاج وأجر الخادم وغير ذلك مما يقتضيه الشرع)، بقدر حاجة الزوجة وبحسب يسار الزوجة، بما لازمة أن إعالة الزوجة إنما تجب على الزوج دون وليها وبمجرد العقد سواء دخل بها أو لم يدخل طالما إنها في طاعته ولم يثبت نشوزها، إذ تصبح النفقة ديناً في ذمة الزوج من تاريخ امتناعه عن الإنفاق عليها. (نقض مدني في الطعن رقم 7545 لسنة 63 قضائية – جلسة 24/3/2002 المستحدث في قضاء النقض – صـ 309).

النصوص القانونية في النفقة:

تنص المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 ببعض أحكام الأحوال الشخصية على أن: "

تقدر نفقة الزوجة بحسب حال الزوج وقت استحقاقها يسراً أو عسراً على ألا تقل النفقة في حالة العسر عن القدر الذي يفي بحاجاتها الضرورية.

وعلى القاضي في حالة قيام سبب استحقاق النفقة وتوافر شروطه أن يفرض للزوجة وصغارها منه في مدى أسبوعين على الأكثر من تاريخ رفع الدعوى نفقة مؤقتة (بحاجاتها الضرورية) بحكم غير مسبب واجب النفاذ فوراً إلى حين الحكم بالنفقة بحكم واجب النفاذ.

وللزوج أن يجري المقاصة بين ما أداه من النفقة المؤقتة وبين النفقة المحكوم بها عليه نهائياً، بحيث لا يقل ما تقبضه الزوجة وصغارها عن القدر الذي يفي بحاجاتهم الضرورية".

كما تنص الفقرة الأولى من المادة 17 من ذات القانون على أن: "لا تسمع الدعوى لنفقة عدة لمدة تزيد على سنة من تاريخ الطلاق".

كما تنص المادة 18 مكرر1 من ذات القانون على أن: "الزوجة المدخول بها في زواج صحيح، إذا طلقها زوجها دون رضاها ولا بسبب من قِبلها، تستحق فوق نفقة عدتها، متعة تقدر بنفقة سنتين على الأقل، وبمراعاة حال المطلق يسراً وعسراً وظروف الطلاق ومدة الزوجية، ويجوز أن يرخص للمطلق في سداد هذه المتعة على أقساط".

ويستند الحكم الوارد في هذا النص الأخير إلى أن الأصل في تشريع المتعة هو جبر خاطر المطلقة، لأن مواساتها من المرؤة التي تتطلبها الشريعة الإسلامية، طبقاً لقوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ} (سورة البقرة – الآية 236) وقد أقر مذهب الشافعية الجديد المتعة للمطلقة إذا لم تكن الفرقة منها أو بسببها، وهو قول أحمد بن حنبل وبن تيمية وأهل الظاهر وأحد أقوال الإمام مالك. كما أن رأي المذاهب الأخرى المختلفة في المتعة أنها مستحبة للمطلقة بعد الدخول بها وإن كان لا يُقضى بها. والأخذ بتقرير المتعة يتفق فضلاً عن سنده الشرعي والفقهي مع الأصل الإسلامي في التكافل الاجتماعي. (من تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الشئون الدينية والاجتماعية والأوقاف عن اقتراح بمشروع القانون).

تقدير النفقة:

تنص المادة 23 من قانون الأحوال الشخصية الجديد رقم 1 لسنة 2000 بشأن إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية على أنه: "إذا كان دخل المحكوم عليه بنفقة أو ما في حكمها محل منازعة جدية، ولم يكن في أوراق الدعوى ما يكفي لتحديده، وجب على المحكمة أن تطلب من النيابة العامة إجراء التحقيق الذي يمكنها من بلوغ هذا التحديد.

وتباشر النيابة العامة بنفسها إجراء التحقيق في هذا الشأن.

ومع عدم الإخلال بأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 205 لسنة 1990 بشأن سرية الحسابات بالبنوك، تلتزم أي جهة حكومية أو غير حكومية بإفادة النيابة العامة بما تحت يدها من معلومات، تكون منتجة في تحديد دخل المطلوب منه النفقة.

ولا يجوز استخدام ما تسفر عنه هذه التحقيقات من معلومات في غير المادة التي أجريت بشأنها.

ويجب على النيابة العامة أن تنهى التحقيق وترسله مشفوعاً بمذكرة موجزة بالنتائج التي خلصت إليها في موعد لا يجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ وصول طلب المحكمة إليها".

ويشترط لتكليف النيابة العامة بإجراء التحقيق والتحري عن يسار الزوج ثلاثة شروط هي:

1- أن يكون دخل المطلوب الحكم عليه محل منازعة، فإن لم تكن هناك منازعة فلا محل للتحقيق المذكور.

2- أن تكون تلك المنازعة على قدر من الجدية يبرر إجراء التحقيق، وتقدير تلك الجدية يعد من إطلاقات محكمة الموضوع ولا تخضع في شأنه لرقابة محكمة النقض.

3- أن تخلو أوراق الدعوى من دليل يكفي لتحديد دخل الملتزم بالنفقة.

وقد أوجب النص على المحكمة إذا ما توافرت الشروط المتقدمة إحالة أوراق الدعوى إلى النيابة العامة المختصة لتحقيق يسار الملتزم بالنفقة، فإن هي لم تفعل أضحى الحكم الصادر منها باطلاً.

كما أوجب النص على النيابة العامة مباشرة تحقيق يسار الملتزم بالنفقة عن طريق أحد أعضاء النيابة العامة، وقد حظر الكتاب الدوري الصادر عن النائب العام برقم 8 لسنة 2000 ندب أحد مأموري الضبطية القضائية لإجراء هذا التحقيق. ولكن يجوز لعضو النيابة العامة – في سبيل إنجازه للتحقيق – الاستعلام من أي جهة يراها واتخاذ كافة الإجراءات الموصلة إلى تحقيق هدفه ومنها سماع الشهود وطلب التحريات من الجهات الإدارية والبنوك وغيرها.

وقد أوجب النص على النيابة العامة أن تنتهي من إجراء التحقيق عن يسار الملتزم بالنفقة في موعد غايته 30 يوماً من تاريخ وصول طلب المحكمة، وليس من تاريخ صدور قرارها بتكليف النيابة العامة بالتحري. وهذا الموعد من المواعيد التنظيمية ولا يترتب على مخالفته ثمة بطلان.

وإذا كان الملتزم بالنفقة موظفاً، فيجوز إثبات الحالة المالية له بـ "بيان مفردات المرتب"، وإذا كان من أرباب المهن الأخرى، فيجوز إثبات حالته المالية بكافة طرق الإثبات الأخرى، ومنها التحريات الإدارية والبينة الشرعية خاصة إذا ادعت الزوجة أن للزوج مصادر أخرى بخلاف راتبه الثابت.

وتدخل كافة موارد الزوج في تقدير يساره، ومن ثم في تحديد مقدار النفقة المستحقة عليه، ومن ذلك: أرصدته النقدية بالبنوك، ومقدار الريع المستحق له كعائد ودائع أو سندات بنكية (شهادات استثمار أو إدخار وما شابه)، وقيمة الأراضي الزراعية وغيرها من العقارات المملوكة ...الخ.

وتقدير موارد الزوج والنفقة يخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، فقد يكون امتلاك الزوج لسيارة مثلاً، عند إحدى المحاكم دليلاً على يساره، وقد يكون عند محاكم أخرى من قبيل الأعباء المالية التي تستنزل من موارده عند تقدير النفقة المستحقة عليه.

كما يجوز للملتزم بالنفقة إثبات وفائه بها بكافة طرق الإثبات، ومنها شهادة الشهود، دون التقيد بقاعدة عدم جواز إثبات ما يجاوز 5000 جنيه إلا بالكتابة، طبقاً للقول الراجح في المذهب الحنفي بجواز الإثبات بالبينة أياً ما كانت قيمة التصرف. وقد استقر الفقه والقضاء الشرعي على أن: "ثبوت قبض – الزوجة أو المطلقة أو المستحقة – لنفقة شهر، قرينة قاطعة على قبض المتجمد عن الشهر السابق عليه.

وحجية الأحكام الصادرة بالنفقات، حجية مؤقتة، بحيث يجوز – بعد صدورها – إقامة دعوى النفقة من جديد بطلب زيادتها (من جانب الزوجة أو المطلقة أو المستحقة) أو بطلب إنقاصها (من جانب الزوج)، لأن النفقة بطبيعتها تقبل التغيير والتبديل ويرد عليها الزيادة والنقصان بسبب تغير الظروف، فقد يطرأ على أحوال الزوج المالية زيادة أو نقصان، كما قد تتغير الأسعار والقوة الشرائية للنقود، كما قد تزيد الحاجات والمطالب. والحكم الذي يصدر بزيادة النفقة يسري من تاريخ زيادة يسار الزوج، والحكم الذي يصدر بإنقاص النفقة يسري من تاريخ إعساره.

وفي شأن تنفيذ الأحكام النهائية الصادرة بالنفقة، تنص المادة 76 من قانون الأحوال الشخصية الجديد رقم 1 لسنة 2000 بشأن إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية على أنه: "استثناء مما تقرره القوانين في شأن قواعد الحجز على المرتبات أو الأجور أو المعاشات وما في حكمها، يكون الحد الأقصى لما يجوز الحجز عليه منها وفاءً لدين نفقة أو أجر أو ما في حكمها للزوجة أو المطلقة أو الأولاد أو الوالدين، في حدود النسب الآتية:

أ‌.25% للزوجة أو المطلقة، وتكون 40% في حالة وجود أكثر من واحدة.

ب‌. 25% للوالدين أو أيهما.

ت‌. 35% للولدين أو أقل.

ث‌. 40% للزوجة أو المطلقة ولولد أو اثنين والوالدين أو أيهما.

ج‌. 50% للزوجة أو المطلقة وأكثر من ولدين والوالدين أو أيهما.

وفي جميع الأحوال، لا يجوز أن تزيد النسبة التي يجوز الحجز عليها على 50% تقسم بين المستحقين بنسبة ما حُكِمَ به لكل منهم".

والنفقة المؤقتة تكون عند الضرورة ولحين تقرير النفقة النهائية بحكم نهائي واجب النفاذ، ونفقة العدة تكون عن شهور العدة فقط، ونفقة المتعة إنما تقرر للزوجة المدخول بها في زواج صحيح، إذا طلقها زوجها دون رضاها ولا بسبب من قِبلها، وتقدر بنفقة سنتين على الأقل، وبمراعاة حال المطلق يسراً وعسراً وظروف الطلاق (علماً بأن الزوجة هي التي طلبت الطلاق) ومدة الزوجية (وهي مدة قصيرة لا تتعدى الثلاث سنوات)، ويجوز أن يرخص للمطلق في سداد هذه المتعة على أقساط. فحتى إذا تقرر للمطلقة نفقة متعة بقدر نفقة سنتين، فبعد سداد الزوج لتلك النفقات (سواء دفعة واحدة أو على أقساط) تبرأ ذمته من ديون النفقة، ولا يكون ملزماً أمام مطلقته بأي نفقات أخرى (لا سيما وأنها ليست حاضنة).

هذا والله أعلى وأعلم

وإن أصبت، فمن الله، وله الحمد والمنة

وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان فأستغفره وأتوب إليه

أشرف رشوان

المحامي بالنقض

ashraf.rashwan@gmail.com