الاثنين، 17 أكتوبر 2016

صفحات مشرقة من تاريخ السنة - الفصل الأول : معنى السنة و تعريفها في اللغة والإصطلاح








كتاب
صفحات مُشرقة من تاريخ السُنَّة



جمع وإعداد:
منى ناصر الطيار


مُراجعة:
الشيخ/ عثمان محمد الخميس
والأستاذة/ مريم الخراز





مُقدمة:
الإسلام دين عظيم، أهتم بكل جوانب الحياة الإنسانية، ومن ذلك حث على طلب العلم والتزود منه، ولم يحدد سنًّا معينة أو زمناً يتوقف عنده المرء عن طلب العلم، ولم يفرق بين المرأة والرجل، وبهذه الدعوة تقع على كل مسلم مسئولية تبليغ هذا الدين، ودعوة الناس كافة لاعتناقه، مستخدماً في ذلك ما وهبه الله من علم شرعي، وفهم صحيح لهذا الدين، وقدرة على توصيل ذلك إلى الآخرين، سواء بالقدوة والممارسة العملية لما يدعو إليه، أم بالنصح والموعظة والإقناع، مع عدم إغفال جانب القدوة. وهكـذا نحمـل جميعاً أمانة تبليغ هذا الدين ونشره بين الناس، لكن بالحسنى.

ومن صورة تبليغ هذا الدين:
·      تعريف المسلمين بالسنة النبوية، وتاريخها، والمراحل التي مرت بها قبل التدوين.
·      كذلك تعريفهم ببدايات التدوين، وجهود الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين في حفظ السنة وجمعها.
·      إظهار مدى حرص الصحابة وتابعيهم على السنة تلقياً وأداء، وبيان أثرهم في ذلك.

ولا يفوتنا بيان أهمية السنة ومنزلتها في التشريع الإسلامي، فهي الشارحة للقرآن الكريم، والمبينة له، وفيها يتمثل التفسير النظري، والتطبيق العلمي لكتاب الله تعالى، الذي هو المصدر الأصلي للعقيدة والأخلاق والأحكام، وبالتالي تكون السنة النبوية المصدر الثاني للشريعة الإسلامية من حيث الثبوت عند المسلمين، لا من حيث الالتزام.
وقد حرصت على الالتزام بالأحاديث المقبولة، وابتعدت عن الأحاديث الضعيفة والواهية، وقد كان من العسير بمكان أن أحصر أهم الجوانب في تاريخ السنة وأطوارها وتلخيصها في هذه الصفحات، حيث لا مجال لإشباع بعض الموضوعات وإعطائها حقها بذكر تفاصيلها.
وأسأل الله العلي القدير أن يتقبل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يعينني على خدمة كتابه وسنة نبيه صل الله عليه وسلم، هو ولي ذلك والقادر عليه، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبته
منى ناصر الطيار



الفصل الأول
معنى السُنَّة

السنة في اللغة:
هي "الطريقة"([1]) و "السيرة" حسنةً كانت أم سيئة وعند الإطلاق تنصرف إلى السنة الحميدة، ومنه قوله تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء - 26]. قال الإمام الحافظ ابن كثير في معنى الآية: يعني يهديكم طرائقهم الحميدة، وإتباع شرائعه التي يحبها ويرضاه([2]).
وقال تعالى: {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} [الإسراء - 77]. قال ابن كثير: أي هكذا عاداتنا في الذين كفروا برسلنا([3]).
يستخلص من هذه النصوص القرآنية أن الكلمة استعملت في القرآن الكريم بمعنى "الطريقة" و "العادة".
وفي الحديث النبوي جاءت السنة بمعنى "الطريقة" و "السيرة"، ومنه ما أخرجه مسلم بسنده عن جرير بن عبد الله البجلي، قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزره([4])، ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء([5])).
ومنه ما رواه الشيخان - البخاري ومسلم - عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم (لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم. قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال : فمن؟!([6]))

السنة في الاصطلاح:
السنة في الاصطلاح يختلف معناها باختلاف مناهج العلماء.

السنة عند المُحدِثين:
هي أقول النبي وأفعاله وتقريراته، وصفاته الخِلْقية والخُلُقية، وسيرته ومغازيه، سواء كان ذلك قبل البعثة (مثل تحنثه([7]) في غار حراء، وأنه كان أمياً لا يقرأ، وحُسن سيرته، وما إلى ذلك من صفات الخير)، وكذلك ما كان بعد البعثة([8]).
وتعريفهم هذا مبني على عنايتهم بإثبات وتصحيح كل ما يتصل بالنبي من أقوال، أو أفعال، أو تقريرات، أو خُلق، أو سيرة، أو شمائل، أو أخبار، سواء أثبتت أحكاماً شرعية أم لا([9]).
مثال "القول": ما تحدث به النبي في مختلف المناسبات والأغراض فيما يتعلق بتشريع الأحكام، كقوله: (إنما الأعمال بالنيات([10]))، وقوله: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا([11]))
مثال "الفعل": ما نقله الصحابة – رضوان الله عليهم - إلينا من أفعاله في شئون العبادة وغيرها كأداء الصلوات الخمس بأركانها وكيفيتها ومناسك الحج وآداب الصيام وقضائه بالشاهد واليمين وما إلى ذلك.
مثال "التقرير": ما أقره الرسول من أفعال صدرت من بعض أصحابه بسكوته عنها مع دلالة الرضا أو بموافقته وتأييده فيعتبرها ما صدر عنهم بهذا الإقرار والموافقة صادراً عن رسول الله.
مثال الأول: سكوت مع دلالة الرضا: إقراره لاجتهاد الصحابة – رضوان الله عليهم – في أمر صلاة العصر في غزوة بني قريظة، حين قال لهم: (لا يُصلين أحد العصر إلا في بني قريظة([12])).
فقد فهم بعض الصحابة هذا النهي على حقيقته، فأخرها إلى ما بعد المغرب، وفهمه البعض الآخر على أن المقصود حث الصحابة على الإسراع، فصلاها في وقتها، وبلغ النبي ما فعل الفريقان، فأقرهما، ولم ينكر على أحدهما ما فعل.
مثال الثاني: إظهار الموافقة والتأييد: ما جاء عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه أكل ضباً قُدَّم عند النبي بينما امتنع النبي عن أكله، فقال بعض الصحابة: أو يحرم أكله يا رسول الله ؟ فقال: (لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه[13]).
مثال "الصفات الخِلْقية": ما أخرجه البخاري عن أنس بن مالك أنه قال: (كان رسول الله ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وليس بالأبيض الأمهق([14]) وليس بالآدم([15])، ولا بالجعد القطط([16]) ولا بالسبط([17])) الحديث([18]).
مثال "الصفات الخُلقُية": ما أخرجه البخاري عن أنس بن مالك قال: (لم يكن رسول الله سباباً ولا فحاشاً، ولا لعاناً، وكان يقول لأحدنا عند المعتبة: ما له ترب جبينه([19])).

السنة عند الفقهاء:
هي كل ما ثبت عن النبي من غير افتراض ولا وجوب، وتقابل الواجب وغيره من الأحكام الخمسة([20]).
ويمكن تعريفها – أيضاً بأنها: الطريقة المسلوكة في الدين من غير افتراض ولا وجوب([21])، بمعني النافلة والندوب، مثل الرواتب وصيام الاثنين والخميس وغيرها.
وتعريفهم هذا مبني على عنايتهم بالحكم([22]).

السنة عند الأصوليين:
ما صدر عن النبي غير القرآن من الأقوال والأفعال والتقرير([23]). وتعريفهم هذا مبني على عنايتهم بالدليل، ومنه السنة التي أمرنا بإتباعها([24]).

السنة عند علماء العقيدة والوعظ والإرشاد:
ما وافقت الكتاب والحديث وإجماع سلف الأمة من الاعتقادات والعبادات، وتقابلها "البدعة"، ومن هنـا أستعمـل الاصطلاح المشهور (أهل السنة([25])).
وتعريفهم هنا مبني على عنايتهم بالأعمال التعبدية، وموافقتها للدليل، ورد ما خالف ذلك.
وهكذا نرى أن أوسع الإطلاقات هو إطلاق المُحدِثين الذين يقصدون بالسنة: كل أثر عن الرسول من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خُلقية أو خِلقية أو سيرة، كان ذلك قبل البعثة أم بعدها، وسواء أثبتت حكماً شرعياً أم لا.


[1])) أنظر: مادة ( س ن ن ) في: "النهاية في غريب الحديث والأثر" - لابن الأثير؛ و "لسان العرب" - لابن منظور؛ و "الهادي إلى لغة العرب" - لحسن سعيد الكرمي.
([2]) تفسير القرآن العظيم - لابن كثير 1/479.
([3]) تفسير القرآن العظيم - لأبن كثير 3/53.
([4]) الوزر: الحمل الثقيل.  أنظر: مادة ( وزر ) في" النهاية" و "اللسان" و "الهادي".
([5]) أخرجه مسلم - في كتاب "الزكاة"، ح 69، ( 1017).
([6]) أخرجه البخاري - في كتاب "الاعتصام بالكتاب والسنة"، باب قول النبي صل الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم"، ح 7320. ومسلم - في كتاب "العلم"، ح 6 ـ ( 2669 ).
([7]) تحنثه: تعبده.  أنظر "النهاية" و "اللسان" و "الهادي"، مادة ( ح ن ث ).
([8]) الحديث والمحدثون: 10 - السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي: 47.
([9]) المستشرقون والسنة: 26.
([10]) أخرجه البخاري في كتاب "بدء الوحي"، باب "كيف كان بدء الوحي إلى النبي"، ح 7. ومسلم في كتاب "الإمارة"، ح 155 ـ ( 1907).
([11])  أخرجه البخاري في كتاب "البيوع"، باب "إذا بين البيعان ولم يكتما"، ح 2079.  ومسلم في كتاب "البيوع"، ح 47 ـ (1532).
([12]) أخرجه البخاري في كتاب "المغازي"، باب "مرجع النبي من الأحزاب"، ح 4119.  ومسلم في كتاب "الجهاد والسير"، ح 69، ( 1770).
([13]) أخرجه مسلم، في كتاب "الصيد والذباح"، ح 43 ـ (1945 ).
([14]) الأمهق: شديد البياض كلون الجص.  أنظر: "النهاية" و "اللسان" و "الهادي".
([15]) الآدم: الأسمر.  أنظر "النهاية" و "اللسان" و "الهادي".
([16]) القطط: جعد الشعر كشعر الزنجي.  أنظر "النهاية" و "اللسان" و "الهادي".
([17]) السبط: المنبسط المسترسل لا جعودة فيه.   أنظر "النهاية" و "اللسان" و "الهادي".
([18]) أخرجه البخاري في كتاب "اللباس"، باب "الجعد"، ح 5900. ومسلم في كتاب "الفضائل" ـ ح 93  ـ ( 2337 ) ـ بمعناه، ح 94 ـ ( 2338 ) بمعناه.
([19]) أخرجه البخاري في كتاب "الأدب"، باب "لم يكن النبي صل الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفاحشاً" ـ ح 6031. ومسلم في كتاب "الفضائل" ـ ح 68 ـ ( 2321) بمعناه.
([20]) السنة ومكانتها في التشريع: 48.
([21]) الحديث والمحدثون: 10.
([22]) المستشرقون والسنة: 27.
([23]) المستشرقون والسنة: 9.
([24]) المستشرقون والسنة: 27.
([25]) الحديث والمحدثون :10.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق