السبت، 4 مارس 2017

كتاب - معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة - الجزء الثاني


الفصل الخامس
في الحث على إنكار المنكر
وكيفية الإنكار على الأمراء
 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل من أصول الدين، به يظهر الخير ويعم، ويختفي الباطل ويضمحل.
ولقد فرق الله بين المؤمنين والمنافقين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فدل ذلك على أن أخص صفات المؤمنين قيامهم به.
فقال تعالي: )وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ...(. الآية([1])
وقد ذكر قبلها: )الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ(.([2])
وقد أوجبه الله تعالي على هذه الأمة في قوله: )وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ(.([3])
فيجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على هذه الأمة بدلالة هذه الآية، ولكن وجوبه وجوب كفائي، إذا قام به من يكفي سقط الآثم عن الباقين، في أصح أقوال أهل العلم.
وهذه الأمة المحمدية إنما حازت الشرف والخيرية على الأمم الماضية بهذه الخصلة الشريفة، كما قال تعالي: )كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَر(.([4])
فمن تحقق فيه هذا الوصف فهو من أفضل الأمة.
وقد لعن الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - من كفر من بني إسرائيل بسبب تركهم إنكار المنكر، كما قال تعالي: )لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ(78) كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(.([5])
فقوله: )ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ(، أي أن لعنهم بسبب عصيانهم واعتدائهم، ثم فسر الاعتداء بقوله: )كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ(، أي: لا ينهي بعضهم بعضاً عن المنكر، ثم أقسم الله تعالي على ذم هذا فقال: )لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(.
وقد جاءت السنة مقررة هذه الأحكام المنصوص عليها في كتاب الله تعالي، ففي "صحيح مسلم"([6])، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله r يقول: "من رأي منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
فهذا الحديث خطاب لجميع الأمة، وهو دال على وجوب إنكار المنكر بحسب القدرة، وأن إنكاره بالقلب لابد منه، فمن لم ينكر قلبه المنكر فقد هلك، كما قال ابن مسعود – عندما سمع رجلاً يقول: هلك من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر، قال ابن مسعود: "هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر".([7])
قال العلامة ابن رجب - رحمه الله - شارحاً هذا الأثر: "يشير إلي أن معرفة المعروف والمنكر بالقلب فرض لا يسقط عن أحد، فمن لم يعرفه هلك".([8])
وقد ذهب بعضهم إلي أن الإنكار باليد للولاة ومن قاربهم، وبالقول للعلماء.([9])
وهذا القول ضعيف، إذ هو تخصيص بلا مخصص، فالإنكار باليد لكل من قدر عليه من المسلمين.
ولعل قائل هذا القول إنما أتي من تلازم السيف واليد في ذهنه، ففرق هذا التفريق حذراً من الوقوع في المحظور، وهو التغيير بالخروج على ولاة الأمر، وليس كذلك.
قال الإمام أحمد في - رواية صالح -: "التغيير باليد، ليس بالسيف والسلاح".
وقال المروذي: "قلت لأبي عبد الله كيف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: باليد واللسان، وبالقلب وهو أضعف، قلت: كيف باليد؟ قال: يفرق بينهم".
قال: "ورأيت عبد الله مر على صبيان الكتاب يقتتلون ففرق بينهم".([10])
فعموم الحديث يقضي بمشروعية الإنكار باليد لمن قدر عليه، كمن استطاع أن يكسر مزماراً، أو أن يطمس صورة، ونحو ذلك.
لكن هذا مشروط بشروط، منها: ألا يفضي إنكاره هذا إلي منكر أشد منه، وأن لا يكون الإنكار باليد مما اختص السلطان به شرعاً كإقامة حد، أو شهر سيف، ونحو ذلك.
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالي -: "الضرب باليد والرجل وغير ذلك، مما ليس فيه إشهار سلاح أو سيف، يجوز للآحاد، بشرط الضرورة والاقتصار على قدر الحاجة".([11])
وقال ابن الأزرق في "بدائع السلك في طبائع الملك"([12]) - عندما ذكر أن من المخالفات الافتيات على ولي الأمر - قال: "ومن أعظمه فساداً تغيير المنكر بالقدر الذي لا يليق إلا بالسلطان".
وهذا كله فيما إذا كان صاحب المنكر غير السلطان، فإن كان السلطان "فليس لأحد منعه بالقهر باليد، ولا أن يشهر عليه سلاحاً، أو يجمع عليه أعواناً، لأن في ذلك تحريكاً للفتن وتهييجاً للشر، وإذهاباً لهيبة السلطان من قلوب الرعية، وربما أدي ذلك إلي تجرِّيهم على الخروج عليه، وتخريب البلاد، وغير ذلك مما لا يخفي". قاله: ابن النحاس.([13])
وقد قال الإمام أحمد - رحمه الله -: "لا يتعرض للسلطان، فإن سيفه مسلول".([14])

طريقة الإنكار على الولاة:
فإن سألت عن الطريقة الشرعية للإنكار على السلاطين، فهي مبسوطة في كتب السُّنَّة وغيرها من كتب أهل العلم.
وفي مقدم الإجابة عن هذا السؤال أمهد بنقلين، ثم أورد الأدلة على ما أقروه، والله الموفق :
النقل الأول:
قال ابن مفلح في "الآداب الشرعية": "ولا ينكر أحد على سلطان إلا واعظاً له وتخويفاً أو تحذيراً من العاقبة في الدنيا والآخرة، فإنه يجب، ويحرم بغير ذلك". ذكره القاضي، وغيره.
والمراد: ولم يَخَفْ منه بالتَّخْويِفِ والتحذير، إلا سقط، وكان حكم ذلك كغيره.
قال ابن الجوزي: "الجائز من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع السلاطين: التعريف والوعظ، فأما تخشين القول نحو: يا ظالم، يا من لا يخاف الله، فإن كان ذلك يحرك فتنة يتعدى شَرَرُهَا إلي الغير لم يجز، وإن لم يخف إلا على نفسه فهو جائز عنه جمهور العلماء".
قال: "والذي أراه: المنع من ذلك".([15])
النقل الثاني:
قال ابن النحاس في كتابه "تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين، وتحذير السالكين من أفعال الهالكين" ([16]): "ويختار الكلام مع السلطان في الخلوة على الكلام معه على رأس الأشهاد، بل يود لو كلمة سراً ونصحه خفية من غير ثالث لها".
لقد كان موقف سلفنا الصالح من المنكرات الصادرة من الحكام وسطاً بين طائفتين:
أحدهما: الخوارج والمعتزلة، والذين يرون الخروج على السلطان إذا فعل منكراً.
والأخرى: الروافض الذين أضفوا على حكامهم قداسة، حتى بلغوا بهم مرتبة العصمة.
وكلا الطائفتين بمعزل عن الصواب، وبمنأى عن صريح السنة والكتاب.
ووفق الله أهل السنة والجماعة - أهل الحديث - إلي عين الهدى والحق، فذهبوا إلي وجوب إنكار المنكر، لكن بالضوابط الشرعية التي جاءت بها السنة، وكان عليها سلف هذه الأمة.
ومن أهم ذلك، وأعظمه قدراً، أن يناصح ولاة الأمر سراً فيما صدر عنهم من منكرات، ولا يكون ذلك على رؤوس المنابر وفي مجامع الناس لما ينجم على ذلك - غالباً - من تأليب العامة وإثارة الرعاع، وإشعال الفتن.
وهذا ليس من دأب أهل السنة والجماعة، بل سبيلهم ومنهجهم: جمع قلوب الناس على ولاتهم، والعمل على نشر المحبة بين الراعي والرعية، والأمر بالصبر على ما يصدر عن الولاة من استئثار بالمال أو ظلم للعباد، مع قيامهم بمُنَاصَحَةِ الولاة سراً، والتحذير من المنكرات عموماً أمام الناس دون تخصيص فاعل، كالتحذير من الزني عموماً ومن الربا عموماً، ومن الظلم عموماً، ونحو ذلك.
 يقول العلامة الشيخ عبد العزيز ابن باز - رحمه الله تعالي -: "ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر، لأن ذلك يفضي إلي الفوضى، وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلي الخوض الذي يضر ولا ينفع. ولكن الطريقة المتبعة عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلي الخير. وإنكار المنكر من دون ذكر الفاعل، فينكر الزني، وينكر الخمر، وينكر الربا، من دون ذكر من فعله، ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير ذكر أن فلانا يفعلها، لا حاكم ولا غير حاكم.
ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان، قال بعض الناس لأسامة ابن زيد - رضي الله عنه -: ألا تنكر على عثمان؟ قال: أأنكر عليه عند الناس؟ لكن أنكر عليه بيني وبينه، ولا أفتح باب شر على الناس.
ولما فتحوا الشر في زمن عثمان - رضي الله عنه - وأنكروا على عثمان جهرة، تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلي اليوم، حتى حصلت الفتنة بين على ومعاوية، وقتل عثمان وعلي بأسباب ذلك، وقتل جمٌ كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني وذكر العيوب علناً، حتى أبغض الناس ولي أمرهم، وحتى قتلوه. نسال الله العافية".([17])
وهذا الذي قرره الشيخ - رحمه الله - هو امتداد لما قرره أئمة الدعوة - رحمهم الله تعالي - في كتبهم، وهو في الحقيقة امتداد لما عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن سلك مسلكهم من أهل العلم والدين.
وفي هذا يقول أئمة الدعوة: الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ، والشيخ سعد بن عتيق، والشيخ عمرو بن سليم والشيخ عبد الله العنقري - رحم الله الجمع - عندما شغب بعض المنتسبين إلي الدين والدعوة في زمنهم على هذا الأصل، وأثاروا الشبه الشيطانية حوله، فقال أولئك الأئمة:
"وأما ما قد يقع من ولاة الأمور من المعاصي والمخالفات التي لا توجب الكفر والخروج من الإسلام فالواجب فيها: مناصحتهم على الوجه الشرعي برفق، وإتباع ما كان عليه السلف الصالح من عدم التشنيع في المجالس ومجامع الناس. واعتقاد أن ذلك من إنكار المنكر الواجب إنكاره على العباد، غلط فاحش، وجهل ظاهر، لا يعلم صاحبه ما يترتب عليه من المفاسد العظام في الدين والدنيا، كما يعرف ذلك من نور الله قلبه، وعرف طريقة السلف الصالح، وأئمة الدين".
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في رسالة له نوردها – هنا – لعظم فائدتها، قال - رحمه الله تعالي -: "
بسم الله الرحمن الرحيم  
من محمد بن عبد الوهاب إلي من يصل إليه هذا الكتاب من الإخوان:
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته:
وبعد:
يجري عندكم أمور تجري عندنا من سابق، وننصح إخواننا إذا جرى منها شيء حتى فهموها، وسببها أن بعض أهل الدين ينكر منكراً، وهو مصيب، ولكن يخطئ في تغليظ الأمر إلي شيء يوجب الفرقة بين الإخوان: وقد قال تعالي:
)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ(102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(.([18])
وقال r: "إن الله يرضي لكم ثلاثاً : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم".([19])
وأهل العلم يقولون: الذي يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر يحتاج إلي ثلاث: أن يعرف ما يأمر به وينهي عنه، ويكون رفيقاً فيما يأمر به وينهي عنه، صابراً على ما جاءه من الأذى.
وأنتم محتاجون للحرص على فهم هذا، والعمل به، فإن الخلل إنما يدخل على صاحب الدين من قلة العمل بهذا أو قلة فهمه.
وأيضاً يذكر العلماء أن إنكار المنكر إذا صار يحصل بسببه افتراق لم يجز إنكاره.
فالله الله في العمل بما ذكرت لكم، والتفقه فيه، فإنكم إن لم تفعلوا صار إنكاركم مضرة على الدين، والمسلم لا يسعى إلا في صلاح دينه ودنياه.
وسبب هذه المقالة التي وقعت بين أهل الحوطة – لو صار([20]) – أهل الدين واجب عليهم إنكار المنكر، فلما غلظوا الكلام صار فيه اختلاف بين أهل الدين، فصار فيه مضرة على الدين والدنيا.
وهذا الكلام وإن كان قصيراً فمعناه طويل ،فلازم لازم، تأملوه وتفقهوا فيه، واعملوا به، فإن عملتم به صار نصراً للدين واستقام الأمر إن شاء الله.
والجامع لهذا كله أنه صدر المنكر من أمير أو غيره، ، أن ينصح برفق خفية، ما يشترف([21]) أحد، فإن وافق وإلا استلحق عليه رجلاً يقبل منه بخفية، فإن لم يفعل فيمكن الإنكار ظاهراً، إلا إن كان على أمير ونصحه ولا وافق، واستلحق عليه ولا وافق، فيرفع الأمر إلينا خفية.
هذا الكتاب كل أهل بلد ينسخون منه نسخة، ويجعلونها عندهم، ثم يرسلونها لحرمه والمجمعة، ثم للغاط والزلفي، والله أعلم".([22])
وهذا الذي قرره هؤلاء الأئمة - رحمهم الله تعالي - من كون مناصحة ولي الأمر إنما تكون سراً، قد نطقت به النصوص النبوية وشهدت له الآثار السلفية، وها هي الأدلة على ذلك:

الدليل الأول:
قال الإمام أحمد - رحمه الله -: "حدثنا أبو المغرة، ثنا صفوان، حدثني شريح بن عبيد الحضرمي وغيره، قال: جَلَدَ عياض بن غنم([23]) صاحب (دارا) حين فتحت، فأغلظ له هشام بن حكيم القول حتى غضب عياض، ثم مكث ليالي، فأتاه هشام بن حكيم، فاعتذر إليه ثم قال هشام لعياض: ألم تسمع النبي r يقول: "إن من أشد الناس عذاباً أشدهم عذاباً في الدنيا للناس". فقال عياض ابن غنم: يا هشام بن حكيم! قد سمعنا ما سمعت، ورأينا ما رأيت، أولم تسمع رسول الله r يقول: "من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له علانية، ولكن ليأخذ بيده، فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدي الذي عليه له"، وإنك يا هشام لأنت الجريء إذ تجترئ على سلطان الله، فهلا خشيت أن يقتلك السلطان فتكون قتيل سلطان الله تبارك وتعالي".
عياض بن غنم، هو: ابن زهير ابن أبي شداد أبو سعيد الفهري صحابي جليل، وهو ممن بايع بيعة الرضوان، وتوفي سنة عشرين بالشام.
وهشام بن حكيم، هو: ابن حزام بن خويلد، القرشي الأسدي، صحابي جليل، توفي في أول خلافة معاوية.
وشريح بن عبد الخضرمي الحمصي: تابعي ثقة.
قال الهيثمي في "المجمع"([24]): "قلت: في "الصحيح" طرف منه من حديث هشام فقط، رواه أحمد، ورجاله ثقات، إلا أني لم أجد لشريح من عياض وهشام سماعاً وإن كان تابعياً".
قلت: شريح سمع هذا الحديث من جبير بن نفير عن عياض وهشام فقد أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة"([25]) من طريق محمد ابن إسماعيل بن عياش، عن أبيه، عن ضمضم بن زرعة الحمصي، عن شريح بن عبيد، قال: قال جبير بن نفير: قال عياض بن غنم لهشام بن حكيم ... (الحديث).
ومحمد بن إسماعيل: ضعيف الحديث.
وأخرجه أبو نعيم في "معرفة الصحابة"([26]) من طريق عبد الوهاب بن الضحاك عن إسماعيل بن عياش ... به.
وعبد الوهاب: متروك.
قال أبو نعيم - عقبه -: "رواه بقية من صفوان بن عمرو، عن شريح، عن جبير".
وبقية قد صرح بالحديث عن ابن أبي عاصم.
وقد ذكر أبو نعيم – أيضاً – متابعين لشريح في هذا الحديث فقال: رواه الزبيدي، عن الفضيل بن فضالة، عن ابن عايذ، عن جبير بن نفير.
رواه الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عياض بن غنم ...".
قلت: أما المتابعة الأولي: فقد أخرجها الحاكم في "مستدركه"([27]) من طريق عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن زبريق الحمصي: ثنا أبي: ثنا عمرو ابن الحارث عن عبد الله بن سالم عن الزبيدي، ثنا الفضيل([28]) بن فضالة يرده إلي ابن عايذ([29]) إلي جبير بن نفير، أن عياض بن غنم ... الحديث.
وأخرجه الطبراني في الكبير"([30])، قال : "حدثنا عمرو بن إسحاق بن زبريق الحمصي: ثنا أبي. (ح) وحدثنا عمارة بن وثيمة المصري وعبد الرحمن بن معاوية العتبى قالا: ثنا إسحاق بن زبريق الحمصي: ثنا عمرو بن الحارث ... به":
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"([31]): "رجاله ثقات، وإسناده متصل".
قلت: إسحاق بن إبراهيم بن العلاء، قال فيه أبو حاتم: شيخ لا بأس به، ولكنهم يحسدونه، سمعت يحي بن معين أثني عليه خيراً".
وجاء في "تاريخ ابن عساكر" - كما في "تهذيبه" لابن بدران([32]) -  أن النسائي قال: إسحاق ليس بثقة، إذ روي عن عمر بن الحارث".
وهذا طريق من روايته عن عمر بن الحارث.
وقد قال الحافظ ابن حجر في حال إسحاق: "صدوق يهم كثيراً، وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب".
ولذا فإن الحاكم لما صحح الحديث تعقبه الذهبي فقال: "ابن زبريق: واه".
وأما شيخة عمر بن الحارث، فقد ذكر بن حبان في "ثقاته"([33]) وقال: "مستقيم الحديث".
وذكر الذهبي في "الميزان"([34])، وقال: "تفرد بالرواية عنه إسحاق بن إبراهيم بن زبريق ومولاة له أسمها: علوة، فهو غير معروف العادلة ...".
ولهذا الطريق إسناد آخر، أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة"([35]) وفي "الآحاد والمثاني"([36]): حدثنا محمد بن عوف: ثنا عبد الحميد بن إبراهيم، عن عبد الله بن سالم، عن الزبيدي عن الفضل بن فضالة يرده إلي ابن عايذ إلي بير بن نفير، عن عايض بن غنم، قال لهشام بن حكيم ... الحديث.
ورجاله كلهم ثقات، سوى عبد الحميد بن إبراهيم - وهو الحضرمي -قال الحافظ ابن حجر في حاله: "صدوق، إلا أنه ذهبت كتبه فساء حفظه".
أما المتابعة الثانية التي أشار إليها أبو نعيم، فقد أسندها هو، فقال: "حدثنا الحسن بن علان: ثنا الحسين بن أبي الأحوص: ثنا محمد بن إسحاق البلخي: ثنا ابن المبارك: ثنا يونس، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عياض بن غنم، أنه رأى نبطيا يشمس في الجزيرة، فقال لعاملهم: أني سمعت رسول الله r يقول: "إن الله - عز وجل - يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا".
ورواه الليث بن سعد عن يونس.
قلت: الحسن بن أبي الأحوص، وهو الحسين بن عمرو بن أبي الأحوص.
ترجمة الخطيب في "تاريخ بغداد"([37])، وقال: "ثقة".
ومحمد بن إسحاق هو: ابن حرب اللؤلؤي البلخي، كان أحد الحفاظ إلا أن صالح بن محمد جرة قال: "كذاب" من "ميزان الاعتدال".([38])
والمعروف أن هذا الحديث من مسند هشام بن حكيم بن حزام، لا من مسند عياض بن غنم، فلعل هذا ما قبل البلخي، فقد أخرجه الإمام مسلم في صحيحه - كتاب البر والصلة والآداب - من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن هشام بن حكيم ابن حزام قال: مر بالشام على أناس وقد أقيموا في الشمس وصب على رؤوسهم الزيت، فقال: ما هذا؟ قيل: يعذبون في الخراج، فقال: أما إني سمعت رسول الله r يقول: "إن الله يعذب الذين يعذبون في الدنيا".
كما أخرجه من طريق يونس عن الزهري، عن عروة بن الزبير، أن هشام بن حكيم، وجد رجلاً – وهو على حمص – يشمس ناساً من النبط في أداء الجزية، فقال: ما هذا؟ إني سمعت رسول الله r يقول: "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا".
وهذه متابعة قوية، ولذا، فإن الهيثمي([39]) لما ذكر حديث عياض بن غنم من رواية شريح بن عبيد عند الإمام أحمد، قال: "قلت: في "الصحيح" طرف منه من حديث هشام فقط ...".
فعلى هذا فالحديث صحيح بهذا الطريق ،وليس حسناً كما قال بعضهم فضلاً عن تضعيفه.
وممن صححه المحدث الشيخ ناصر الدين الألباني في كتابه "ظلال الجنة في تخريج السنة".([40])
وهذا الحديث أصل في إخفاء نصيحة السلطان، وأن الناصح إذا قام بالنصح على هذا الوجه، فقد برئ وخلت ذمته من التبعة.  
قال العلامة السندي في "حاشيته على مسند الإمام أحمد" ([41]): قوله: "من أراد أن ينصح لسلطان": نصيحة السلطان ينبغي أن تكون في السر، لا بين الخلق".
وفي القصة التي وردت بين الصحابيين الجليلين هشام بن حكيم بن حزام وعياض بن غنم، أبلغ رد على من أستدل بإنكار هشام بن حكيم علانية على السلطان، أو بإنكار غيره من الصحابة، إذ إن عياض بن غنم أنكر عليهم ذلك، وساق النص القاطع للنزاع الصريح في الدلالة وهو قوله r: "من أراد أن ينصح لذي سلطان، فلا يبده علانية"، فما كان من هشام بن حكيم – رضي الله عنه - إلا التسليم والقبول لهذا الحديث الذي هو غاية في الدلالة على المقصود.
والحجة إنما هي في حديث رسول الله r، لا في قول أو فعل أحد من الناس، مهما كان.
قال الله تعالي: )إنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ(51) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ(.([42])
وقال تعالي: )وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً(.([43])
وقال تعالي: )وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً(([44]) إلي قول تعالي: )فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً(([45]) وبناء على هذا الحديث العظيم جاءت أقوال السلف وأفعالهم على وفقه، كما سترى النقل عن بعضهم في هذا المسطور.
قال الشوكاني في "السيل الجرار"([46]): "ينبغي لمن ظهر له غلط في بعض المسائل أن تناصحه، ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد. بل كما ورد في الحديث: أنه يأخذ بيده ويخلوا به، ويبذل له النصيحة، ولا يذل سلطان الله. وقد قدمنا: أنه لا يجوز الخروج على الأئمة، وإن بلغوا في الظلم أي مبلغ، ما أقاموا الصلاة، ولم يظهر منهم الكفر البواح، والأحاديث الواردة في هذا المعني متواترة. ولكن على المأموم أن يطيع الإمام في طاعة الله، ويعصيه في معصية الله، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". انتهى.
الدليل الثاني:
أخرج البخاري في "صحيحه"([47]) - كتاب الإيمان وكتاب الزكاة - ومسلم في "صحيحه"([48]) - كتاب الإيمان وكتاب الزكاة - عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "قال: أعطي رسول الله r رهطاً - وأنا جالس فيهم - قال: فترك رسول الله r منهم رجلاً لم يعطه، وهو أعجبهم إلي، فقمت إلي رسول الله r فساررته، فقلت: يا رسول الله ! ما لك عن فلان؟ والله إني لأراه مؤمناً، قال: "أو مسلماً ..."، وفيه قال r: "إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه وخشية أن يكب في النار على وجهه".
قال النووي - رحمه الله -: "فيه التأدب مع الكبار، وأنهم يسارون بما كان من باب التذكير لهم والتنبيه ونحوه، ولا يجاهرون فقد يكون في المجاهرة به مفسدة".([49])
الدليل الثالث:
أخرج الترمذي في "سننه"([50]) - أبواب الفتن - قال: حدثنا بندار، حدثنا أبو داود، حدثنا حميد بن مهران، عن سعد بن أوس، عن زياد بن كسيب العدوى، قال: كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر - وهو يخطب وعليه ثياب رقاق - فقال أبو بلال([51]): انظر إلي أميرنا يلبس ثياب الفساق! فقال أبو بكرة: اسكت، سمعت رسول الله r يقول: "من أهان سلطان الله في الأرض، أهانه الله".
قال الترمذي: "حسن غريب".
وأخرجه الإمام أحمد في المسند([52]) من الطريق نفسه دون ذكر القصة، ولفظه: "من أكرم سلطان الله – تبارك وتعالي – في الدنيا، أكرمه الله يوم القيامة، ومن أهان سلطان الله – تبارك وتعالي – في الدنيا، أهانه الله يوم القيامة"
وقال الهيثمي في "المجمع"([53]): "رواه أحمد والطبراني باختصار، وزاد في أوله : "الإمام ظل الله في الأرض"، ورجال أحمد ثقات".
قلت: زياد بن كسيب العدوى، قال الحافظ ابن حجر: "مقبول".
وقد تابعه عبد الرحمن بن أبي بكرة، كما عند ابن أبي عاصم في "السنة"([54])، وفي إسناده ابن أبي لهيعة ورجل مجهول.
وقد حسن الحديث الشيخ الألباني - رحمه الله - في "السلسلة الصحيحة".([55])
قال الشيخ صالح بن عثيمين – رحمه الله تعالي – في كتابه "مقاصد الإسلام"([56]) – عندما قرر أن النصيحة تكون للولاة سراً لا علانية وساق بعض الأدلة على ذلك، ومنها هذا الحديث، قال: "فإذا كان الكلام في الملك بغيبة، أو نصحه جهراً، والتشهير به من إهانته التي توعد الله فاعلها بإهانته، فلا شك أنه يجب مراعاة ما ذكرناه – يريد الإسرار بالنصح ونحوه – لمن استطاع نصيحتهم من العلماء الذين يغشونهم ويخالطونهم، وينتفعون بنصيحتهم دون غيرهم ..."
إلي أن قال: "فإن مخالفة السلطان فيما ليس من ضروريات الدين علناً، وإنكار ذلك عليه في المحافل والمساجد والصحف ومواضع الوعظ وغير ذلك، ليس من باب النصيحة في شيء، فلا تغتر بمن يفعل ذلك، وإن كان عن حسن نية، فإنه خلاف ما عليه السلف الصالح المقتدي بهم، والله يتولى هداك".
الدليل الرابع:
قال الإمام أحمد في (0 المسند )([57]): "ثنا أبو النضر، ثنا الحشرج بن نباتة العبسي - كوفي -: حدثنا سعيد بن جمهان([58]) قال: أتيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصرة، فسلمت عليه.
قال لي: من أنت؟ فقلت: أنا سعيد بن جهمان.
قال: فما فعل والدك؟ قال: قلت: قتلته الأزارقة.
قال: لعن الله الأزراقة، لعن الله الأزارقة، حدثنا رسول الله r أنهم كلاب النار.
قال: قلت: الأزارقة وحدهم، أم الخوارج كلها؟ قال: بلى، الخوارج كلها.
قال: قلت: فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم، قال: فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة، ثم قال: "ويحك يا ابن جمهان، عليك بالسواد الأعظم، عليك بأسواد الأعظم، إن كان السلطان يسمع منك، فائته في بيته، فأخبره بما تعلم، فإن قبل منك وإلا فدعه، فإنك لست بأعلم منه".
قال الهيثمي في "المجمع"([59]): "رواه أحمد، والطبراني، ورجال أحمد ثقات".
وقد حسنه الشيخ الألباني في "تخريج السنة"([60])، وهو كما قال.
الدليل الخامس:
أخرج البخاري، ومسلم في "صحيحيهما"([61])، عن أسامة بن زيد، أنه "قيل له: ألا تدخل على عثمان لتكلمه؟ فقال: "أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه". هذا سياق مسلم.
قال الحافظ في "الفتح"([62]) قال المهلب: قوله: "قد كلمته سراً دون أن أفتح باباً"، أي باب الإنكار على الأئمة علانية، خشية أن تفترق الكلمة ... وقال عياض: مراد أسامة أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام لما يخشى من عاقبة ذلك، بل يتلطف به وينصحه سراً، فذلك أجدر بالقبول.
وقال الشيخ الألباني في تعليقه على "مختصر صحيح مسلم"([63]): "يعني المجاهرة بالإنكار على الأمراء في الملإ، لأن في الإنكار جهاراً ما يخشى عاقبته، كما أتفق في الإنكار على عثمان جهاراً، إذ نشأ عنه قتله".
الدليل السادس:
أخرج هناد بن السري في "الزهد"([64]) عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: "أيتها الرعية! إن لنا عليكم حقاً، النصيحة بالغيب، والمعاونة على الخير ...".
الدليل السابع:
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"([65])، وسعيد بن منصور في "سننه"([66])، وابن أبي الدنيا في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"([67])، والبيهقي في "الشعب"([68])، عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس آمر إمامي بالمعروف؟ فقال: ابن عباس: "إن خشيت أن يقتلك فلا، فإن كنت فاعلاً ففيما بينك وبينه، ولا تغتب إمامك". وهذا أثر صحيح.
الدليل الثامن:
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"([69])، وسعيد بن منصور في "سننه"([70])، عن خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة، قال: قال عبد الله: "إذا أتيت الأمير المُؤَمَّرَ، فلا تأته على رؤوس الناس". هذا لفظ سعيد.



الفصل السادس
في الصبر على جور الأئمة
 الصبر على جور الأئمة أصل من أصول السنة والجماعة([71])، لا تكاد تري مؤلفا في السنة يخلو من تقرير هذا الأصل، والحض عليه. وقد بلغت الأحاديث حد التواتر في ذلك.([72])
وهذا من محاسن الشريعة، فإن الأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم يجلب من المصالح ودرأ من المفاسد ما يكون به صلاح العباد والبلاد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالي -: "وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير سائغ، فلا يجوز أن يزال لما فيه من ظلم وجور، كما هو عادة أكثر النفوس، تزيل الشر بما هو شر منه، وتزيل العدوان بما هو أعدى منه، فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم فيصبر عليه، كما يصبر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ظلم المأمور والمنهي - في مواضع كثيرة - كقوله تعالي: )يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ(.([73])، وقوله تعالى: )فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ(.([74])، وقوله تعالى: )وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا(.([75])". انتهى.
فالصبر على السلاطين إذا جاروا من عزائم الدين ومن وصايا الأئمة الناصحين.([76])
جاء في "الشريعة"([77]) للأجري: عن عمر بن يزيد، أنه قال: "سمعت الحسن - أيام يزيد بن المهلب يقول - وأتاه رهط - فأمرهم أن يلزموا بيوتهم ويغلقوا عليهم أبوابهم، ثم قال: "والله لو أن الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم صبروا، ما لبثوا أن يرفع الله - عز وجل – ذلك عنهم، وذلك أنهم يفزعون إلي السيف، فيوكلون إليه، والله ما جاؤوا بيوم خير قط، ثم تلا: )وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ(.([78])
وقال الحسن أيضاً: "أعلم - عافاك الله - أن جور الملوك نقمة من نقم الله تعالي، ونقم الله لا تلاقي بالسيوف، وإنما تتقي وتستدفع بالدعاء والتوبة والإنابة والإقلاع عن الذنوب.  
إن نقم الله متي لقيت بالسيوف، كانت هي أقطع.  
ولقد حدثني مالك بن دينار أن الحجاج كان يقول: اعلموا أنكم كلما أحدثتم ذنباً، أحدث الله في سلطانكم عقوبة.
ولقد حُدثتَ أن قائلاً قال للحجاج: إنك تفعل بأمة رسول الله r كيت وكيت. فقال: أجل، إنما أنا نقمة على أهل العراق، لما أحدثوا في دينهم ما أحدثوا، وتركوا من شراع نبيهم عليه السلام ما تركوا".([79])
وقيل: سمع الحسن رجلاً يدعو على الحجاج، فقال: "لا تفعل - رحمك الله - إنكم من أنفسكم أتيتم، إنما نخاف إن عزل الحجاج أو مات، أن تليكم القردة والخنازير".
ولقد بلغني أن رجلاً كتب إلي بعض الصالحين يشكو إليه جور العمال، فكتب إليه: "يا أخي، وصلني كتابك تذكر ما أنتم فيه من جور العمال، وإنه ليس ينبغي لمن عمل بالمعصية أن ينكر العقوبة، وما أظن الذي أنتم فيه إلا من شؤم الذنوب، والسلام".([80])
فهذا موقف أهل السنة والجماعة من جور السلطان، يقابلونه بالصبر والاحتساب، ويعزون حلول ذلك الجور بهم إلي ما اقترفته أيديهم من خطايا وسيئات، كما قال الله جلا وعلا: )وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ(([81])، فيهرعون إلي التوبة والاستغفار، ويسألون الله – جل وعلا – أن يكشف ما بهم من ضر.
ولا يقدمون على شيء مما نهي عنه الشرع المطهر في هذه الحال - من حمل السلاح أو إثارة فتنة أو نزع يد من طاعة - لعلمهم أن هذه الأمور إنما يفزع إليها من لا قدر لنصوص الشرع في قلبه من أهل الأهواء الذين تسيرهم "الآراء" لا "الآثار"، وتتخطفهم الشبه، ويستزلهم الشيطان.
ولقد جاء في النصوص: "من التحذير عن مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله - عز وجل الكريم - عن مذهب الخوارج، ولم ير رأيهم، وصبر على جور الأئمة وحيف الأمراء، ولم يخرج عليهم بسيفه، وسال الله العظيم كشف الظلم عنه وعن جميع المسلمين، ودعا للولاة بالصلح، وحج معهم، وجاهد معهم كل عدو للمسلمين، وصلى خلفهم الجمعة والعيدين، وإن أمروه بطاعتهم فأمكنته طاعتهم أطاعهم، وإن لم يمكنه اعتذر إليهم، وإن أمروه بمعصية لم يطعهم، وإذا دارت بينهم الفتن لزم بيته، وكف لسانه ويده، ولم يهو ما هم فيه ،ولم يُعِنْ على فتنة، فمن كان هذا وصفه كان على الطريق المستقيم - إن شاء الله -".([82])
وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي r تأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم، أسوق طرفاً منها:
الدليل الأول:
أخرج البخاري ومسلم في "صحيحيهما"([83]) عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي r قال: "من رأي من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجمعة شبراً، فمات، فميتةٌ جاهليةٌ".
وفي رواية لمسلم: "من كره من أميره شيئاً، فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً، فمات عليه، إلا مات ميتة جاهلية".
قال ابن أبي جمرة: "المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء، فكنى عنها بمقدار الشبر، لأن الأخذ في ذلك يؤول إلي سفك الدماء بغير حق".
"والمراد بالميتة الجاهلية: حالة الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال، وليس له إمام مطاع، لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك، وليس المراد أنه يموت كافراً، بل يموت عاصياً". قاله الحافظ في "الفتح".([84])
الدليل الثاني:
أخرج البخاري ومسلم في "صحيحيهما"([85]) - أيضا - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -:
"أن رسول الله r قال: "إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها".
قالوا: يا رسول الله ! فما تأمرنا؟
قال: تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم". (الحديث).
قوله: "أثرة" هي: الانفراد بالشيء عمن له فيه حق.
وقوله أمور تنكرونها: يعني: من أمور الدين.
وقد أرشدهم النبي r في هذه الحالة - وهي استئثار الأمراء بالأموال وإظهارهم للمخالفات الشرعية - إلي المسلك السليم والمعاملة الحسنة التي يبرا صاحبها من الوقوع في الإثم، وهي إعطاء الأمراء الحق الذي كتب لهم علينا، من الانقياد لهم وعدم الخروج عليهم. وسؤال الله الحق الذي لنا في بيت المال بتسخير قلوبهم لأدائه أو بتعويضنا عنه.
قال النووي([86]) - رحمه الله تعالي - على هذا الحديث: "فيه الحث على السمع والطاعة، وإن كان المتولي ظالماً عسوفاً، فيعطى حقه من الطاعة، ولا يخرج عليه، ولا يخلع، بل يتضرع إلي الله تعالي في كشف أذاه، ودفع شره، وإصلاحه". انتهى.
وقال ابن علان: "فيه الصبر على المقدور، والرضي بالقضاء حلوه ومره، والتسليم لمراد الرب العليم الحكيم".([87])
الدليل الثالث:
أخرج البخاري ومسلم في "صحيحيهما"([88]) - أيضا - عن أسيد بن حضير: أن رجلاً من الأنصار خلا برسول الله r، فقال: ألا تستعملني كما استعملت فلاناً؟ فقال: "إنكم ستلقون بعدي أثرةً، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض".
وقد بوب عليه النووي في "شرح مسلم"([89])، فقال: "باب الأمر بالصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم".
وبوب عليه ابن أبي عاصم في "السنة"، فقال : "باب ما أمر به النبي r من الصبر عندما يري المرء من الأمور التي يفعلها الولاة".([90])
الدليل الرابع:
أخرج الإسماعيلي في "مسند عمر بن الخطاب"([91])، عن عمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - مرفوعاً، قال: "أتاني جبريل، فقال: إن أمتك مفتتنة من بعدك، فقلت: من أين؟ فقال: من قبل أمرائهم، وقرائهم، يمنع الأمراء الناس الحقوق، فيطلبون حقوقهم، فيفتنون، ويتبع القراء هؤلاء الأمراء فيفتنون. قلت: فكيف يسلم من سلم منهم؟ قال: بالكف والصبر، إن أعطوا الذي لهم أخذوه، وإن منعوه تركوه".
قال ابن كثير في مسند الفاروق عمر بن الخطاب"([92]): "حديث غريب من هذا الوجه، فإن مسلمة بن على الخشني "ضعيف".
الدليل الخامس:
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"([93])، والخلال في "السنة"([94]) وأبو عمرو الداني في "الفتن"([95])، وابن أبي زمنين في "أصول السنة"([96])، بإسناد جيد عن سويد بن غفلة قال:
قال لي عمر - رضي الله عنه -: "يا أبا أمية، إني لا أدري، لعلى لا ألقاك بعد عامي هذا، فإن أمر عليك عبد حبشي مجدع، فاسمع له وأطع، وإن ضربك فاصبر، وإن حرمك فاصبر، وإن أراد أمراً ينقض دينك فقل: سمعاً وطاعة، ودمي دون ديني، ولا تفارق الجماعة".
الدليل السادس:
أخرج أبو عمرو الداني في "الفتن"([97])، عن محمد بن المنكدر، قال: لما بويع يزيد بن معاوية ذكر ذلك لابن عمرو فقال: "إن كان خيراً رضينا، وإن كان شراً صبرنا".
وأخرجه ابن أبي شيبة([98])وابن أبي زمنين في "أصول السنة".([99])
الدليل السابع:
روي التبريزي في "النصيحة للراعي والرعية"([100])، عن كعب الأحبار، أنه قال: "السلطان ظل الله في الأرض، فإذا عمل بطاعة الله، كان له الأجر وعليكم الشكر، وإذا عمل بمعصية الله، كان عليه الوزر وعليكم الصبر، ولا يحملنك حبه على أن تدخل في معصية الله، ولا بغضة على أن تخرج من طاعته".
ففي هذه الأحاديث والآثار - وغيرها كثير - وجوب الصبر على جور الأئمة واحتمال الأذى مهم، لما في ذلك من درء المفاسد العظيمة التي تترتب على عدم الصبر عليهم.
يقول ابن أبي العز الحنفي - رحمه الله -: "وأما لزوم طاعتهم، وإن جاروا، لأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات، ومضاعفة الأجور، فإن الله تعالي ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل".
قال تعالي: )وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ(.([101])
قال تعالي: )أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ(.([102])
قال تعالي: )مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ(.([103])
قال تعالي: )وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(.([104])
فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم، فليتركوا الظلم.
وعن مالك بن دينار أنه جاء في بعض كتب الله: "إنا الله مالك الملك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك، ولكن توبوا أعطفهم عليكم".([105]) انتهى.
وهذا الأثر الذي ذكره في الإسرائيليات، وقد روي عن النبي r مرفوعاً، ولا يثبت.([106])
وإنما أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"([107]) بسند صحيح إلي مالك بن مغول، قال: كان في زابور داود: "إني أنا الله لا إله إلا أنا ..." بنحوه.
وقد جزم ابن الجوزي في "العلل"([108]) أن هذا من الكلام الوارد في بعض الكتب السابقة، وتبعه على ذلك السخاوي في "تخريج أحاديث العادلين".([109])

الفصل السابع
في النهي عن سب الأمراء

الوقيعة في أعراض الأمراء، والاشتغال بسبهم، وذكر معايبهم خطيئة كبيرة، وجريمة شنيعة، نهى عنها الشرع المطهر، وذم فاعلها.
وهي نواة الخروج على ولاة الأمر، الذي هو أصل فساد الدين والدنيا معاً.
وقد عُلِمَ أن "الوسائل" لها أحكام "المقاصد"، فكل نص في تحريم "الخروج" وذم أهله، دليل على تحريم "السب"، وذم فاعله.
وقد ثبت في "الصحيحين"([110]) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي r قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت".
وفي "الصحيحين"([111]) - أيضاً - عن أبي موسي الأشعري - رضي الله عنه - قالو يا رسول الله أي الإسلام أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده".
وقد ورد النهي عن سب الأمراء على الخصوص لما في سبهم من إذكاء نار الفتنة، وفتح أبواب الشرور على الأمة، وها هي النصوص في ذلك:
الدليل الأول:
أخرج الترمذي عن زياد بن كسيب العدوى قال: كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر – وهو يخطب وعليه ثياب رقاق – فقال أبو بلال: "أنظروا إلي أميرنا يلبس ثياب الفساق". فقال أبو بكرة: اسكت، سمعت رسول الله r يقول: "من أهان سلطان الله في الأرض، أهانه الله".([112])
الدليل الثاني:
قال ابن بشران في "أمالية"([113]) أخبرنا دعلج بن أحمد: ثنا حامد بن محمد بن شعيب البلخي، ثنا سريج([114]) بن يونس، ثنا مروان بن معاوية الفزاري، عن محمد ابن أبي قيس، ثنا أبو المصبح الجهني الحمصي، قال: جلست إلي نفر من أصحاب رسول الله r وفيهم شداد أبن أوس، قال: فقالوا: إن رسول الله r قال: "إن الرجل ليعمل بكذا وكذا من الخير، وإنه لمنافق". قالوا: وكيف يكون منافقاً وهو مؤمن؟ قال: "يلعن أئمته، ويطعن عليهم".
رجاله ثقات، سوى محمد بن أبي قيس، وهو شامي، لم أعرفه، ولعله من المجاهيل، إذ مروان بن معاوية معروف بالرواية عنهم، والله أعلم.
الدليل الثالث:
أخرج البزار في "مسنده"([115])، ومن طريقة الطبراني في "المعجم الكبير"([116]) حدثنا محمد بن المثني، حدثنا إبراهيم بن سليمان الدباس، حدثنا مجاعة بن الزبير العتكي، عن عمرو البكالي، قال: "سمعت رسول الله r يقول: "إذا كان عليكم أمراء يأمرونكم بالصلاة والزكاة والجهاد، فقد حرم الله سبهم، وحل لكم الصلاة خلفهم".
قال الهيثمي في "المجمع"([117]): وفيه مجاعة بن الزبير العتكي، وثقه أحمد، وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات.
قلت ضعفه الدرارقطني وذكره العقيلي في "الضعفاء"([118])، أم ابن عدي فقال: "هو ممن يحتمل، ويكتب حديثه".([119])
وكان جاراً لشعبة بن الحجاج، وفيه يقول شعبة: هو كثير الصوم والصلاة.  
وقد تابعه على هذا الحديث: صدقة بن طيسلة، كما عند أبي نعيم في "معرفة الصحابة"([120])، وصدقة ذكره أبي حاتم في "الجرح والتعديل"([121])، ولم يذكر فيه شيئاً.
وأخرجه البخاري في "التاريخ الصغير"([122])، ومحمد بن نصر في "قيام الليل"، وابن مندة – كما أفاد الحافظ في "الإصابة"([123])، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"([124]) من طريق الجريري عن أبي تميمة الهجيمي، أنه سمع عمراً البكالي يقول: "إذا كانت عليكم أمراء يأمرونكم بالصلاة والزكاة، حلت لكم الصلاة خلفهم، وحرم عليكم سبهم"، وهذا لفظ أبي نعيم.
قال الحافظ في "الإصابة"([125]): وسنده صحيح.
قال: وأخرجه ابن السكن من هذا الوجه فقال: عمر بن عبد الله البكالي يقال: له صحبة، سكن الشام، وحديثه موقوف، ثم ساقه كما تقدم لكن قال: فسمعته يقول: "إذا أمرك الإمام بالصلاة، والزكاة، والجهاد، فقد حلت لك الصلاة خلفه، وحرم عليك سبه".
وقال أبو سعد الأشبح: حدثنا حفص بن غياث عن خالد الحذاء، وعن قلابة، عن عمرو البكالي – وكان من أصحاب رسول الله r، وكان ذا فقه فذكر حديثاً موقوفاً، وهذا سنده صحيح.   
الدليل الرابع:
قال ابن أبي عاصم - رحمه الله ([126]) -: حدثنا هدية بن عبد الوهاب، ثنا الفضل بن موسي، حدثنا حسين بن واقد، عن قيس ابن وهب، عن أنس بن مالك، قال: نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله r، قال: "لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تبغضوهم، واتقوا الله واصبروا، فإن الأمر قريب".
إسناده جيد، ورجاله كلهم ثقات، والحسن بن واقد ثقة له أوهام، وقد توبع، فقد رواه ابن حبان في "الثقات"([127])، وابن عبد البر في "التمهيد"([128]) من طريق يحي ابن يمان، قال: حدثنا سفيان عن قيس بن وهب، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كان الأكابر من أصحاب رسول الله r ينهوننا عن سب الأمراء".  سفيان: هو الثوري.
وقد روي هذا الأثر الحافظ أبو القاسم الأصبهاني، الملقب بـ (قوام السُّنَّة) في كتابه "الترغيب والترهيب"([129])، وكتابه "الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السُّنَّة"([130])، من طريق على بن الحسين بن شقيق، حدثنا الحسين بن واقد، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "نهانا كبراؤنا من أصحاب رسول الله r أن لا تسبوا أمراءكم، ولا تغشوهم، ولا تعصوهم، واصبروا، واتقوا الله - عز وجل - فإن الأمر قريب".([131])
وبوب عليه في كتابه "الحجة" بقوله: "فصل في النهي عن سب الأمراء والولاة وعصاينهم".
كما أخرج هذا الأثر - أيضاً - البيهقي في كتابه "الجامع لشعب الإيمان"([132]) من طريق قيس بن وهب، بلفظ: "أمرنا أكابرنا من أصحاب محمد r أن لا نسب أمراءنا ..."، الخ، وإسناده جيد.
وأخرج أيضاً - أبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن.([133])  
ففي هذا الأثر: اتفاق أكابر أصحاب رسول الله r على تحريم الوقيعة في الأمراء بالسب.
وهذا النهي منهم - رضي الله عنهم - ليس تعظيماً لذوات الأمراء، وإنما لعظم المسئولية التي وكلت إليهم في الشرع، والتي لا يقام بها على الوجه المطلوب مع وجود سبهم والواقعية فيهم، لأن سبهم يفضي إلي عدم طاعتهم في المعروف، وإلي إيغار صدور العامة عليهم، مما يفتح مجالاً للفوضى التي لا تعود على الناس إلا بالشر المستطير، كما أن مطاف سبهم ينتهي بالخروج عليهم وقتالهم وتلك الطامة الكبرى والمصيبة العظمي.
فهل يتصور بعد الوقوف على هذا النهي الصريح عن سب الأمراء - أن مسلماً وقر الإيمان في قلبه، وعظم شعائر الله يُقْدِمُ على هذا الجرم؟ أو يسكت عن هذا المنكر؟
 لا نظن بمسلم هذا، ولا نتصور وقوعه منه، لأن نصوص الشرع وما كان عليه صحابة رسول الله r أعظم في قلبه من العواطف والانفعالات التي هي في الحقيقة إيحاءات شيطانية ونفثات بدعية لم يُسْلِمْ لها إلا أهل الأهواء الذين لا قدر للنصوص في صدورهم، بل لسان حالهم يقول: إن النصوص في هذا الباب قد قصرت، )كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبا(.([134])
الدليل الخامس:
قال ابن أبي شيبة([135]) - رحمه الله تعالي - حدثنا ابن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس قال: ذكرت الأمراء عند ابن عباس، فانبرك([136]) فيهم رجل، فتطاول حتى ما رأي في البيت أطول منه. فسمعت ابن عباس يقول: "لا تجعل نفسك فتنة للقوم الظالمين"، فتقاصر حتى ما أري في البيت أقصر منه.
الدليل السادس:
أخرج البيهقي في "شعب الإيمان"([137])، وابن عبد البر في "التمهيد"([138])، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنه قال: "إن أول نفاق المرء، طعنه على إمامه".
الدليل السابع:
أخرج ابن أبي عاصم في "السنة"([139])، عن أبي اليمان الهوزني، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: "إياكم ولعن الولاة، فإن لعنهم الحالقة، وبغضهم العاقرة". قيل: يا أبا الدرداء! فكيف نصنع إذا رأينا منهم ما لا نحب؟         قال: "اصبروا، فإن الله إذا رأي ذلك منهم، حبسهم عنكم بالموت".
رجاله ثقات، غير أبي اليمان الهوزني، وأسمه عامر بن عبد الله بن لحي الهوزني الحمصي.
روي عن أبي أمامة وأبي الدرداء وأبيه عبد الله بن لحي وكعب الأحبار.
وعنه صفوان بن عمرو، وأبو عبد الرحمن الحلبي: عبد الله بن يزيد، والشاميون.
ذكره ابن حبان في "الثقات".([140])
وقال ابن القطان: لا يعرف له حال.([141])
وقال الحافظ ابن حجر: "مقبول".
والأثر أخرجه ابن زنجويه في كتاب "الأموال" في الطريق نفسه.([142])
الدليل الثامن:
جاء في "التاريخ الكبير"([143]) للبخاري، عن عون السهمي، قال: أتيت أبا أمامة فقال: "لا تسبوا الحجاج، فإنه عليك أمير، وليس على بأمير".
قوله: "ليس على بأمير"، لأن أبا أمامة في الشام ، والحجاج والِ في العراق.
الدليل التاسع:
جاء في "التاريخ الكبير"([144]) للبخاري - أيضا - عن أبي جمرة الضبعي، قال: لما بلغني تحريق البيت خرجت إلي مكة، واختلفت إلي ابن عباس، حتى عرفني واستأنس بي، فسببت الحجاج عند ابن العباس فقال: "لا تكن عوناً للشيطان".
الدليل العاشر:
أخرج ابن سعيد في "الطبقات"([145])، أخبرنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن أبي أيوب، عن هلال بن أبي حميد، قال: سمعت عبد الله بن عكيم يقول: "لا أعين على دم خليفة أبداً بعد عثمان". فيقال له: يا أبا معبد أو أعنت على دمه؟! فيقول: "أني أعد ذِكْرَ مَسَاوِيهِ عوناً على دمه".
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"([146])، والفسوي في "المعرفة والتاريخ"([147])، عن ابن نمير ... به، وهذا إسناد صحيح.
الدليل الحادي عشر:
أخرج هناد في "الزاهيد"([148])، حدثنا عبدة، عن الزبرقان، قال: كنت عند أبي وائل - شقيق بن سلمة - فجعلت أسب الحجاج، وأذكر مساويه. قال: "لا تسبه، وما يدريك لعله يقول: اللهم اغفر لي، فغفر له".
الدليل الثاني عشر:
أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب "الصمت وآداب اللسان"([149])، وابن الأعرابي في "معجمه"([150])، وأبو نعيم في "الحلية"([151]) عن زائدة بن قدامة، قال : قلت لمنصور بن المعتمر: إذا كنت صائماً أنال من السلطان؟
قال: "لا". قلت: فأنال من أصحاب الأهواء؟ قال: "نعم".
الدليل الثالث عشر:
أخرج ابن عبد البر في "التمهيد"([152])، وأبو عمرو الداني في "الفتن"([153])، عن أبي إسحاق السبيعي، أنه قال: "ما سب قوم أميرهم، إلا حرموا خيره".   
الدليل الرابع عشر:
أخرج أبو عمر الداني في "السنن الواردة في الفتن"([154])، عن معاذ بن جبل، قال: "الأمير من أمر الله - عز وجل - فمن طعن في الأمير، فإنما يطعن في أمر الله - عز وجل".
الدليل الخامس عشر:
أخرج ابن زنجويه في "كتاب الأموال"([155]) بسند حسن، عن أبي مجلز، قال: "سب الإمام الحالقة لا أقول: حالقة الشعر، ولكن حالقة الدين".
الدليل السادس عشر:
أخرج ابن زنجوية - أيضا - بسنده، عن أبي إدريس الخولاني أنه قال: "إياكم والطعن على الأئمة، فإن الطعن عليهم هي الحالقة، حالقة الدين ليس حالقة الشعر، ألا إن الطعانين هم الخائبون وشرار الأشرار".([156])
الدليل السابع عشر:
ذكر ابن الجوزي في "مناقب معروف الكرخي وأخباره"([157]) بسنده من طريق ابن حكمان، أن معروفاً قال: "من لعن إمامه، حرم عدله"([158])
وفي "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم"([159]) لابن الجوزي، أن خالد بن عبد الله القسري خطب يوم أن كان والياً على مكة، فقال: "إني والله ما أوتي بأحد يطعن على إمامه إلا صلبته في الحرم".
ففي هذه الآثار وما جاء في معناها - دليل جلي، وحجة قوية على المنع الشديد والنهي الأكيد عن سب الأمراء، وذكر معايبهم.
فليقف المسلم حيث وقف القوم، فهم خير الناس بشهادة سيد الناس r، عن علم وقفوا، وببصر نافد كفوا، فما دونهم مقصر، وما فوقهم محسر.
فمن خالف هذا المنهج السلفي، واتبع هواه، فلا ريب أن قلبه مليء بالغل إذ أن السباب والشتائم ينافي النصح للولاة، وقد ثبت عن النبي r أنه قال: "ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين".([160])
ومن ظن أن الوقوع في ولاة الأمر بسبهم وانتقاصهم من شرع الله تعالي، أو من إنكار المنكر، ونحو ذلك، فقد ضل وقال على الله وعلى شرعه غير الحق، بل هو مخالف لمقتضي الكتاب والسنة، وما نطقت به آثار سلف الأمة.
فالواجب على من وقف على هذه النصوص الجليلة أن يزجر كل من سمعه يقع في ولاة الأمر حسبه لله تعالي، ونصحاً للعامة.
وهذا هو فعل أهل العلم والدين، يكفون ألسنتهم عن الولاة، ويأمرون الناس بالكف عن الوقوع فيهم، لأن العلم الذي حملوه دلهم على ذلك وأرشدهم إليه.
وقد ذكر العلامة ابن جماعة أن من حقوق ولاة الأمر: "رد القلوب النافرة عنه إليه، وجمع محبة الناس عليه، لما في ذلك من مصالح الأمة، وانتظام أمور الملة. والذَّبَّ عنه بالقول والفعل، وبالمال والنفس والأهل، في الظاهر والباطن، والسر والعلانية".([161])
هذا، وإن أكثر الناس إنما يقعون في أمرائهم بالسب ويعصونهم بسبب الدنيا إن أعطوا منها رضوا، وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون.
ومن هذه حاله فإن جرمه أشد، إذ قد جمع ألواناً من البلايا، وباء بأثم عظيم. ففي "الصحيحين"([162]) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله r:      "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل. ورجل بايع رجل بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه، وهو على غير ذلك. ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها وفى، وإن لم يعطه منها لم يف".
قال شيخ الإسلام (ابن تيمية) - رحمه الله تعالي -: "فطاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم. فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر لله، فأجره على الله.  ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذ من الولاية والمال فإن أعطوه أطاعهم وإن منعوه عصاهم، فما له في الآخرة من خلاق ...".([163]) انتهي.
وقد روي ابن عساكر في "تاريخ دمشق"([164])، والتبريزي في "النصيحة"([165])، أن ابن مبارك - رحمه الله تعالي - قال: "من استخف بالعلماء، ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء، ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان، ذهبت مروءته".
 
من بدأ بالطعن على أئمة المسلمين؟
الطعن في الأمراء - تحت شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - بدعة سبئية، ابتدأها عبد الله بن سبأ، لتفريق الأمة وإشعال الفتن بين أبنائها، وكان نتاج بدعته هذه: قتل خليفة المسلمين عثمان بن عفان رضي الله عنه.
قال ابن عساكر في "تاريخ دمشق"([166]): "عبد الله بن سبأ الذي ينسب إليه السبئية - وهم الغلاة من الرافضة - وأصله من أهل اليمن، كان يهودياً، وأظهر الإسلام، وطاف بلاد المسلمين، ليلفتهم عن طاعة الأئمة ويدخل بينهم الشر، وقد دخل دمشق لذلك في زمن عثمان بن عفان".
قلت: طاف بن سبأ البلاد لذلك، فبدأ بالحجاز، ثم البصرة، ثم الكوفة ثم الشام، فأخرجه أهلها منها، فأتي مصر، وزعم أن محمداً r يرجع وهو أحق بالرجوع من عيسي - عليه السلام - فقُبِلَ ذلك منه، ثم زعم أن على بن أبي طالب - رضي الله عنه وأرضاه - وَصَيُّ رسول الله r ثم قال بعد ذلك: "من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله r ووثب على وصي رسول الله r، ثم تناول أمر الأمة". ثم بعد ذلك قال: "إن عثمان ابن عفان قد جمع أموالاً أخذها بغير حقها، وهذا وصي رسول الله r - يشير إلي على بن أبي طالب - فانهضوا في هذا الأمر فحركوه، وابدؤوا بالطعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واستميلوا الناس، وادعوا إلي هذا الأمر".
فبث دعاةً، وكاتب من كان استفسد في الأمصار، وكاتبوه ودعوا في السر إلي ما عليه رأيهم([167])، وأظهروا الأمر بالمعروف، وجعلوا يكتبون إلي الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم([168])، ويكاتبون إخوانهم بمثل ذلك، فكتب أهل كل مصر فيهم إلي أهل مصر آخر ما يصنعون، فيقرؤه أولئك في أمصارهم، وهؤلاء في أمصارهم، حتى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا الأرض إذاعة.
وهم يريدون غير ما يظهرون، ويسرون غير ما يبدون، فيقول أهل كل مصر: إنا لفي عافية مما ابتلي به هؤلاء، إلا أهل المدينة فإنهم جاءهم ذلك عن جميع أهل الأمصار، فقالوا: إنا لفي عافية مما الناس فيه.([169])
فأتوا عثمان فقالوا: يا أمير المؤمنين، أيأتيك عن الناس الذي يأتينا؟
قال: لا والله، ما جاءني إلا السلامة.
قالوا: فإنا قد أتانا، وأخبروه بالذي أسقطوا إليهم.
قال: فأنتم شركائي، وشهود المؤمنين، فأشيروا علي.
قالوا: نشير عليك أن تبعث رجالاً ممن تثق بهم من الناس إلي الأمصار، حتى يرجعوا إليك بأخبارهم.
فدعا محمد بن مسلمة، فأرسله إلي الكوفة، وأرسل أسامة ابن زيد إلي البصرة، وأرسل عمار بن ياسر إلي مصر، وأرسل عبد الله ابن عمر إلي الشام، وفرق رجالاً سواهم، فرجعوا جميعاً قبل عمار.
وقالوا: أيها الناس، والله ما أنكرنا شيئاً، ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم.
وقالوا جميعاً: الأمر أمر المسلمين، إلا أن أمرائهم يقسطون بينهم، ويقومون عليهم.
واستبطأ الناس عماراً، حتى ظنوا أنه قد اغتيل واشتهروه.
فلم يفاجئهم إلا كتاب من عبد الله بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عماراً قد استماله قوم بمصر، وقد انقطعوا إليه، فيهم عبد الله بن السوداء، وخالد بن ملجم، وسودان بن حمران، وكنانة بن بشر، يريدونه على أن يقول بقولهم، يزعمون أن محمداً راجع، ويدعونه إلي خلع عثمان، ويخبرونه أن رأي أهل المدينة على مثل رأيهم، فإن رأي أمير المؤمنين أن يأذن لي في قتله وقتلهم قبل أن يتابعهم.
فكتب إليه عثمان لعمري إنك لجريء يا ابن أم عبد الله، والله لا أقتله، ولا أنكاه، ولا إياهم، حتى يكون الله - عز وجل - ينتقم منهم ومنه بمن أحب، فدعهم، ما لم يخلعوا يداً من طاعة، ويخوضوا ويلعبوا.
وكتب عثمان إلى عمار: إني أنشدك الله، ألا تخلع يداً من طاعة أو تفارقها، فتبوء بالنار. ولعمري إني على يقين من الله تعالي لأستكملن أجلي، ولأستوفين رزقي غير منقوص شيئاً من ذلك، فيغفر الله لك.
فثار أهل مصر فهموا بقتله وقتل أولئك، فنهاهم عنه عبد الله ابن سعد وأقر عماراً حتى أراد القفل، فحمله وجهزه بأمر عثمان فلما قدم على عثمان، قال (عثمان لعمار): يا أبا اليقظان قذفت ابن أبي لهب أن قذفك، وغضبت على أن أوطأك فعنفك، وغضبت على أني أخذت لك بحقك وله بحقه، اللهم إني قد وهبت ما بين أمتي وبيني من مظلمة، اللهم إني متقرب إليك بإقامة حدودك في كل أحد ولا أبالي، أخرج عني يا عمار، فخرج. فكان إذا لقي العوام نضح عن نفسه، وانتقل من ذلك([170])، وإذا لقي من يأمنه أقر بذلك، وأظهر الندم، فلامه الناس، وهجروه، وكرهوه.


 الفصل الثامن
في عقوبة المثبط عن ولي الأمر والمثير عليه
 التثبيط عن ولي الأمر له صور عديدة بعضها أشد من بعض، وكذلك إثارة الرعية عليه.
فإذا دعا رجل إلي التثبيط - أو الإثارة - فإن لولي الأمر إيقاع العقوبة المتلائمة مع جرمه، من ضرب، أو حبس، أو نفي ... أو غير ذلك، لأن التثبيط والإثارة من أعظم مقدمات الخروج، والخروج من أشنع الجرائم وأبشعها، فكان ما يفضي إليه كذلك.
قال الشوكاني - رحمه الله - في شرح قول صاحب "الأزهار": "ويؤدب من يثبط عنه، فالواجب دفعه عن هذا التثبيط، فإن كف، وإلا كان مستحقاً لتغليظ العقوبة، والحيلولة بينه وبين من صار يسعى لديه بالتثبيط بحبس أو غيره، لأنه مرتكب لمحرم عظيم، وساع في إثارة فتنة تراق بسببها الدماء، وتهتك عندها الحرم، وفي هذا التثبيط نزع ليده من طاعة الإمام. وقد ثبت في الصحيح عنه r،أنه قال: "من نزع يداً من طاعة الإمام، فإنه يجيء يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وهو مفارق للجماعة، فإنه يموت موتة جاهلية".([171])
وقال ابن فرحون في "تبصرة الحكام"([172]): "من تكلم بكلمة لغير موجب في أمير من أمراء المسلمين لزمته العقوبة الشديدة، ويسجن شهراً. ومن خالف أميراً، وقد كرر دعوته، لزمته العقوبة الشديدة بقدر اجتهاد الإمام".
وقد ذكر ابن الأزرق بعض المخالفات التي من الرعية في حق السلطان، فقال: "المخالفة الثانية: الطعن عليه، وذلك لأمرين:
أحدهما: أنه خلاف ما يجب له من التجلة والتعظيم، فقد قيل: من إجلال الله إجلال السلطان، عادلاً كان أو جائراً.
ومن كلام الصاحب بن عباد: تهيب السلطان فرض أكيد، وحتم على من ألقى السمع وهو شهيد.
الثاني: أن الاشتغال به سبب تسليط السلطان، وجزاء على المخالفة بذلك، ففي بعض الكتب أن الله - تعالي - يقول: "إنني أنا الله، ملك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه نعمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا بسبب الملوك، ولكن توبو إلي أعطفهم عليكم".([173])
والمخالفة الثالثة: الافتيات عليه في التعرض لكل ما هو منوط به، ومن أعظمه فساداً تغيير المنكر بالقدر الذي لا يليق إلا بالسلطان، لما في السمح به والتجاوز به إلي التغيير عليه.
وقد سبق أن من السياسة تعجيل الأخذ على يد من يتشوق لذلك، وتظهر منه مبادئ الاستظهار به، وإن كان لا ينجح له سعي ولا يتم له غرض ...".([174])
وبهذا يعلم أن إثارة الرعية على الولاة، وتأليب العامة عليهم، داء عضال، تجب المبادرة إلي كيه، وورم خبيث يتعين استئصاله لئلا يستفحل فيخرج خبثه، فتسحتكم البلية، وتعظم الرزية، ولا ينفع الندم عندئذ.
فإن المثير والمثبط كفأرة السد، إن تركت أغرقت العباد والبلاد، وأشاعت في الأرض الفساد.
فيتعين على الناس عموماً: التكاتف لدفع المثير الساعي إلي الفتنة، وعزله كما تعزل الجرباء، ونفيه من المجتمع كل حسب جهده وطاقته.
وهذا من أفضل الأعمال وأجل القرب إلي الله تعالي، إذ به يندفع شر عظيم وتطفأ فتنة عمياء.
نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
  
الفصل التاسع
أداء العبادات مع الولاة
 الصلاة:
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"([175])، عن الأعمش إبراهيم النخعي - رحمه الله - أنه قال: "كانوا يصلون خلف الأمراء، ما كانوا".
هذا إخبار عن عمل الصحابة - رضي الله تعالي عنهم - فقد كانوا يصلون خلف الأمراء حتى لو كانوا فجرة فسقة، بل ينكرون على من لا يصلي خلفهم، ويحتجون عليه بسنة رسول الله r، ففي "مصنف ابن أبي شيبة"([176]) عن إبراهيم بن أبي حفصة، قال: قلت لعلي بن حسين: إن أبا حمزة الثمالي - وكان فيه غلو - يقول: لا نصلي خلف الأئمة، ولا نناكح إلا من يري مثل ما رأينا. فقال على بن حسين: "بل نصلي خلفهم، ونناكحهم بالسنة".
وأنكر سفيان الثوري على الحسن بن صالح بن حي تركه صلاة الجمعة خلف الأئمة. ([177])
بل ذكر عند بشر بن الحارث، عبد الرحمن بن عفان الصوفي، فقال: سمعت حفص بن غياث يقول: هؤلاء يرون السيف – أحسبه عن ابن حي وأصحابه - ثم قال بشر: هات من لم ير السيف من أهل زمانك كلهم إلا قليل، ولا يرون الصلاة - أيضاً - ثم قال: "كان زائدة يجلس في المسجد يحذر الناس من ابن حي وأصحابه، قال: كانوا يرون السيف.([178])
ولما وقعت الفتنة في زمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فحاصره الخوارج في بيته بالمدينة، دخل عليه عبيد الله بن عدى بن الخيار، فقال له: إنك إمام عامة، ونزل بك ما نرى، ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج؟ فأجابه عثمان - رضي الله عنه - بتأكد الصلاة خلفه، حيث قال: "الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس، فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم".
رواه البخاري في "صحيحه"، قال: وقال لنا محمد بن يوسف: حدثنا الأوزعي: حدثنا الزهري ... به.([179])
قوله: "إمام فتنة"، هو كنانة بن بشر، أحد الخوارج على عثمان - رضي الله عنه - رواه سيف بن عمر في كتاب "الفتوح".([180])
وقوله: "نتحرج": التحرج: التأثم، أي: نخاف من الوقوع في الإثم.
وفي رواية ابن المبارك: "وإنا لنتحرج من الصلاة معه".([181])  
وقد بوب البخاري - رحمه الله تعالي - على هذا الأثر فقال: "باب إمامة المفتون، والمبتدع".
قال الحافظ في "الفتح"([182]) "المفتون أي الذي دخل في الفتنة فخرج على الإمام"، قال: "وفي هذا الأثر الحض على شهود الجماعة، ولا سيما في زمن الفتنة لئلا يزداد تفرق الكلمة".
وهكذا من جاء بعد عثمان من كبار علماء الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يصلون خلف الأمراء، ويعتدون بها.
وتابعوهم على ذلك - أيضاً - فابن عمر صلي خلف الحجاج ابن يوسف، وهكذا أنس بن مالك.([183])
وصلي ابن عمر خلف نجدة الحروري، رواه ابن أبي زمنين.([184])
وصلي الحسن والحسين خلف مروان، رواه ابن أبي شيبة في "المصنف".([185])
وصلي سعيد بن جبير خلف الحجاج، رواه ابن أبي شيبة أيضاً.([186])  
وبناء على هذا، وغيره من الآثار - جاء اعتقاد السلف مصرحاً بمدلول ما ورد في هذا الباب، مودعاً في "العقائد" التي نقلها السلف، ودونوها.
وقد خص أكثر السلف الحديث عن صلاة الجمعة والعيدين خلف الأمراء، إذ صلاة الفرض غير الجمعة، لا يفتقد من صلاها مع غير الإمام، لكثرة المساجد وصحة إقامة أكثر من جماعة في البلد.
أما الجمعة، فلا يجوز إقامة أكثر من جمعة في البلد خشية التفرق، إلا لحاجة ملحة، كسعة البلد وتباعد أطرافه.
فلما كان الأصل في الجمعة والعيدين عدم تعددها، نص السلف على صلاتها خلف الأمراء.
جاء في معتقد الإمام سفيان الثوري - رحمه الله - الذي رواه عنه شعيب بن حرب: "يا شعيب: لا ينفعك ما كتبت حتى تري الصلاة خلف كل بر وفاجر. قال شعيب لسفيان: يا أبا عبد الله: الصلاة كلها؟ قال: لا، ولكن صلاة الجمعة والعيدين، صل خلف من أدركت. وأما سائر ذلك فأنت مخير لا تصل إلا خلف من تثق به، وتعلم أنه من أهل السنة والجماعة ...". أخرجه اللالكائي في "أصول اعتقاد أهل السنة".([187])
وأخرج - أيضاً -([188]) في اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل، الذي رواه عنه عبدوس بن مالك العطار، أنه قال: "وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولي جائزة، تامة ركعتين، من أعاداهما فهو مبدع، تارك للآثار، مخالف للسنة، وليس له من فضل الجمعة شيء إذا لم ير الصلاة خلف الأئمة من كانوا برهم وفاجرهم. فالسنة أن تصلي معهم ركعتين، من أعادهما فهو مبتدع وتدين بأنها تامة، ولا يكن في صدرك من ذلك شك".
وحكى "حرب" إجماع أهل العلم على ذلك، في "مسائله" المشهورة، والتي جاء فيها: "هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر، وأهل السنة المتمسكين بها، المقتدي بهم فيها، من لدن أصحاب النبي r إلي يومنا هذا، وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها. فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب، أو طعن فيها، أو عاب قائلها، فهو مخالف مبتدع، خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق. قال: وهو مذهب أحمد، وإسحاق بن إبراهيم، وعبد الله بن مخلد، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وسعد بن منصور، وغيرهم ممن جالسنا، وأخذنا عنهم العلم، وكان من قولهم ... والجمعة والعيدان، والحج مع السلطان، وإن لم يكونوا بررة عدولاً أتقياء، ودفع الصدقات، والخراج والأعشار والفيء، والغنائم إليهم، عدلوا فيها، أو جاروا ...".([189])
وقد بوب أبو داود في "سننه"([190]) كتاب الجهاد: باب في الغزو مع أئمة الجور، ذكر فيه حديثين ضعيفين، أحدهما عن مكحول، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله r: "الجهاد واجب عليكم مع كل أمير براً كان أو فاجراً، وإن عمل الكبائر".

الزكاة:
كانت الصدقات تدفع إلي رسول الله r، وإلي من أمر بها، ثم إلي أبي بكر ثم إلي عمر ثم إلي عثمان، فلما قتل عثمان اختلفوا، فمنهم من اختار أن يقسمها ومنهم من اختار دفعها للسلطان([191])، وأما إن طلبها السلطان، فيجب دفعها إليه.
وأكثر السلف على أن دفع زكاة المواشي إلي السلطان، ذكره عنهم أبو حاتم الرازي، وأبو زرعة الرازي.([192])
وقال ابن زنجوية في "الأموال"([193]): "أحسن ما سمعنا في زكاة الورق والذهب أنه إن كان الإمام عدلاً، دفعها إليه، لأن السنة قد مضت بذلك. وإن كان غير عدل، تولي قسمتها بنفسه. ولو أخذها منه وهو غير عدل، أجزأ ذلك، ولم يكن عليه أن يتولى قسمتها بنفسه مرة أخرى".
وقد أخرج مسلم في "صحيحه"([194])، عن جرير بن عبد الله، قال: جاءنا ناس من الأعراب إلي رسول الله r فقالوا: إن ناسا من المصدقين([195]) يأتوننا فيظلموننا، قال: فقال رسول الله r: "أرضوا مصدقكم".
قال جرير ما صدر عني مصدق منذ سمعت هذا من رسول الله r إلا وهو عني راض.
فيه من العلم: أن السلطان الظالم لا يغالب باليد، ولا ينازع بالسلاح.([196])
وأخرج أبو داود في "سننه"([197])، عن بشير بن الخصاصية - رضي الله عنه - قال: قلنا: إن أهل الصدقة يعتدون علينا، أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا؟ فقال: "لا".
ثم رواه أبو داود - مرفوعاً - إلي النبي r .
وفي إسناده ديسم الدوسي، لم يوثقه سوى ابن حبان.
قال الخطابي، في "معالم السنن"([198]): "وفي هذا تحريض على طاعة السلطان، وإن كان ظالماً، وتوكيد لقول من ذهب إلي أن الصدقات الظاهرة لا يجوز أن يتولاها المرء بنفسه، ولكن يخرجها إلي السلطان".
وأخرج عبد الرازق في "المصنف"([199])، وعبد الرحمن بن القاسم في "المدونة"([200])، وابن أبي شيبة في "المصنف"([201])، وابن زنجوية في "الأموال"([202])، والبيهقي في "السنن"([203])، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه قال:
"اجتمع عندي مال، قال: فذهبت إلي ابن عمر، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وسعد بن أبي وقاص، فأتيت كل رجل منهم وحدة، فقلت: إنه اجتمع عندي مال، وإن هؤلاء يضعونها حيث ترون، وإني قد وجدت لها موضعاً فكيف تري؟ فكلهم قالوا: أدها إليهم". هذا لفظ عبد الرازق.
وأخرج ابن أبي شيبة ([204])، وأبو عبيد في "الأموال"([205])، وابن زنجوية([206]) عن ابن عمر، أنه قال: "ادفعوا زكاة أموالكم إلي من ولاة الله أمركم، فمن بر فلنفسه، ومن أثم فعليها".
وأخرج ابن قتيبة في "عيون الأخبار"([207]) عن العجاج - وهو عبد الله العجاج بن رؤبة([208])، "قال: قال لي أبو هريرة: من أنت؟ قال: قلت: من أهل العراق. قال: يوشك أن يأتيك بقعان([209]) الشام، فيأخذوا صدقتك، فإذا أتوك، فتلقهم بها، فإذا دخلوها، فكن في أقاصيها، وخل عنهم وعنها، وإياك وأن تسبهم، فإنك إن سببتهم ذهب أجرك وأخذوا صدقتك، وأن صبرت جاءتك في ميزانك يوم القيامة".
وفي رواية أخري، أنه قال: "إذا أتاك المصدق فقل: خذ الحق ودع الباطل، فإن أبى فلا تمنعه إذا أقبل، ولا تلعنه إذا أدبر، فتكون عاصياً خفف عن ظالم".

الحج والجهاد:
قال حرب في "عقيدته" التي ذكر إجماع السلف على ما جاء فيها: "والجهاد ماض قائم مع الأئمة بروا أو فجروا، ولا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل، والجمعة، والعيدان، والحج مع السلطان، وإن لم يكونوا بررة عدولا أتقياء ...".([210])
وقال الإمامان أبو حاتم وأبو زرعة - رحمهما الله تعالي -: "أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازاً، وعراقاً، ومصراً، وشاماً، ويمناً، فكان من مذهبهم: "نقيم فرض الحج مع أئمة المسلمين، في كل دهر وزمان. والجهاد ماض منذ بعث الله نبيه r إلى قيام الساعة، مع أولى الأمر من أئمة المسلمين، لا يبطله شيء، والحج كذلك".([211])
ومما تقدم يتضح ما عليه أئمة الإسلام من الأمر بالصلاة خلف الأمراء، أبراراً كانوا أو فجاراً، ودفع الزكاة إليهم، ومن الحج والجهاد معهم، وكل ذلك قامت عليه أدلة شرعية من الوحيين الشريفين [القرآن والسنة]، وبه يعلم كمال دين الله - تعالي - الإسلام، حيث أمر بتحصيل المصالح ودرء المفاسد، ولو وكل الله تعالي الأمر إلي الخوارج - ومن تأثر بهم - لما قامت في الإسلام جمعة ولا جماعة، ولما حج بيت الله الحرام، ولا جاهد المسلمون الكفار.
والحُجَّة في ذلك الإجماع البين من السلف الصالح، والآثار الكثيرة عن الصحابة - رضي الله عنهم - فقد أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف"([212])، عن أبي حمزة قال: "سألت ابن عباس عن الغزو مع الأمراء، وقد أحدثوا؟ فقال: "تقاتل على نصيبك من الآخرة، ويقاتلون على نصيبهم من الدنيا".
وأخرج - أيضاً - عن سليمان اليشكري، عن جابر قال: "قلت له: أغزو أهل الضلالة مع السلطان؟ قال: "اغز، فإنما عليك ما حملت، وعليهم ما حملوا".
وفيه - أيضاً - عن ابن سيرين، والحسن سئلا عن الغزو مع أئمة السوء، فقالا: "لك شرفه وأجره وفضله، وعليهم إثمهم".
وفيه - أيضاً - عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، قال "قلت لأبي: يا أبه، في إمارة الحجاج تغزو؟ قال: يا بني، لقد أدركت أقواماً أشد بغضاً منكم للحجاج، وكانوا لا يدعون الجهاد على حال، ولو كان رأي الناس في الجهاد مثل رأيك، ما أري الإتاوة - يعني: الخراج -".
وأخرج سعيد بن منصور في "سننه"([213])، عن المغيرة قال: "سئل - أي: إبراهيم النخعي - عن الغزو مع بني مروان، وذكر ما يصنعون؟ فقال: "إن عرض به إلا الشيطان ليثبطهم عن جهاد عدوهم".
 
الفصل العاشر
مشروعية الدعاء لولاة الأمر بالصلاح

صلاح ولاة الأمر مطلب لكل مسلم غيور على دينه، إذ صلاحهم صلاح للعباد والبلاد، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عند موته: "أعلموا أن الناس لن يزالوا بخير ما استقامت لهم ولاتهم وهداتهم".
أخرجه البيهقي في "السنن" - كتاب قتال أهل البغي، باب فصل الإمام العادل([214]) - بإسناد صحيح.
وفيها - أيضا - عن القاسم بن مخيمرة قال: "إنما زمانكم سلطانكم، فإذا صلح سلطانكم، صلح زمانكم، وإذا فسد سلطانكم، فسد زمانكم".
وصلاح الولاة إلي الله – تعالي – وحده، يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم، فكان حقاً على كل مؤمن بالله - تعالي - واليوم الآخر، أن يدعوا لهم بالهداية والتوفيق إلي طاعة الله - تعالي - والسير في مرضاته، لأن نفع ذلك يعود على كل مؤمن بالخير في الدين والدنيا.
ذكر ابن المنير المالكي - رحمه الله - في "الانتصاف"([215])، أنه نقل عن بعض السلف أنه دعا لسلطان ظالم فقيل له: أتدعوا له وهو ظالم؟ فقال: إي - والله - أدعو له، إن ما يدفع الله ببقائه، أعظم مما يدفع بزواله".
وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان"([216]) عن أبي عثمان سعيد ابن إسماعيل الواعظ الزاهد أنه قال - بعد روايته لحديث تميم الداري - مرفوعاً: "الدين النصيحة"، قال: "فانصح للسلطان، وأكثر له من الدعاء بالصلاح والرشاد بالقول والعمل والحكم، فإنهم إذا صلحوا، صلح العباد بصلاحهم. وإياك أن تدعوا عليهم بالعنة، فيزدادوا شراً ويزداد البلاء علي المسلمين، ولكن أدعو لهم بالتوبة، فيتركوا الشر، فيرتفع البلاء عن المؤمنين ...".
ولقد أعتني علماء المسلمين بهذه القضية - الدعاء لولاة الأمر - عناية واضحة، وتجلت في صور ناصعة رائعة، منها:
أولاً: إيداع الأمر بالدعاء لولاة الأمر في مختصرات العقائد السلفية، التي يطالب المسلم باعتقاد ما فيها، لكونه مبنياً على الحجج الشرعية من الكتاب والسنة، وإجماع الأئمة، وسيأتي نماذج من ذلك إن شاء الله.
ثانياً: تخصيص بعض علماء الإسلام مؤلفاً في ذلك. فقد ألف (الإمام العلامة المفتي المحدث الرحال، بقية السلف، سيد المعمرين الأخيار، عَلَمُ السنة)([217]) يحيى بن منصور الحراني الحنبلي - المعروف بابن الحبشي - كتاباً سماه: "دعائم الإسلام في وجوب الدعاء للإمام".
وابن الحبيشي هذا له مناقب جمة، عدد بعضها ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة"([218]) فكان منها: قول الحق، وإنكار المنكر على من كان، لم يكن عنده من المداهنة والمراءاة شيء أصلاً، يقول الحق ويصدع به.
وإنما ذكرت ذلك ليعلم أن علماء الإسلام والسنة يؤلفون في هذه الأمور بعيداً عن الأغراض الدنيئة الدنيوية، بل ألفوا في ذلك ديانة لله - تعالي - وخوفاً على الأمة من الاختلاف المؤدي إلي الهرج والمرج، وهو الخلاف على السلطان.
فلا تغتر بأولئك المنافقين، الذين ينهون عن التأليف - بل الحديث - في ذلك، ويرجفون بأن ذلك مداهنة ورياء، بل هو دين وشرع.
ثالثاً: جعل بعض العلماء المحققين علامة من كان سنياً سلفياً: الدعاء لولاة الأمر، وعكسه من كان مبتدعاً ضالاً، دعا على ولاة الأمر.
قال العلامة البربهاري - رحمه الله تعالي - في "شرح السنة"([219]): "وإذا رأيت الرجل يدعوا على السلطان، فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح، فاعلم أنه صاحب سنة – إن شاء الله -".
فأنت ترى هذا الاهتمام القوي من السلف بالدعاء لولاة الأمر واضحاً جلياً وهم في ذلك متبعون، سالمون من الهوى، مقدمون لنصوص الشريعة على حظوظ النفس وما تهوى.
وإليك – أيها الموفق – جملة مما جاء عن أهل السنة المرضيين في ذلك:  
1 - أخرج الخلال في "السنة"([220])، عن أبي مسلم الخولاني - رحمه الله - أنه قال عن الأمير: "إنه مؤمر عليك مثلك، فإن أهتدي فاحمد الله، وإن عمل بغير ذلك، فادع له بالهدى، ولا تخالفه فتضل".
2 - أخرج أبو نعيم في "اللحية"([221]) حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا أبو يعلى الموصلي، ثنا عبد الصمد بن يزيد البغدادي – ولقبه مردويه - قال: "سمعت الفضل بن عياض يقول: "لو أن لي دعوة مستجابة، ما صيرتها إلا في إمام". قيل: وكيف ذلك يا أبا على؟ قال: متي صيرتها في نفسي، لم تجزني، ومتي صيرتها في الإمام - يعني: عمت - فصلاح الإمام صلاح العباد والبلاد ... فقبل ابن المبارك جبهته وقال: يا معلم الخير من يحسن هذا غيرك؟"
إسناده صحيح، محمد بن إبراهيم هو أبو بكر المشهور بابن المقرئ، الإمام، محدث أصبهان، الحافظ الثقة، راوي "المسند الكبير" عن أبي يعلي، صاحب سنة.([222])  
وعبد الصمد بن يزيد، هو عبد الله الصائغ المعروف بمردويه، خادم الفضيل بن عياض، قال ابن معين: لا بأس به، ليس ممن يكذب، وقال الحسين بن فهم: كان ثقة من أهل السنة والورع. من "تاريخ بغداد".([223])
3 - أخرج الخلال في "السنة"([224])، عن حنبل، أن الإمام أحمد قال عن الإمام: "وإني لأدعو له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار والتأييد، وأري ذلك واجباً على".([225])
وأخرج - أيضاً - عن أبي بكر المروذي، قال: "سمعت أبا عبد الله، وذكر الخليفة المتوكل - رحمه الله تعالي - فقال: إني لأدعو له بالصلاح والعافية. وقال: لئن حدث به حدث، لتنظرن ما يحل بالإسلام".
4 - وقال أبو عثمان الصابوني المتوفى سنة (449هـ) في "عقيدة السلف أصحاب الحديث"([226]): "ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح، وبسط العدل في الرعية".
5 - وقال البربهاري - أبو محمد الحسن بن على - المتوفى سنة (329 هـ) في "شرح السنة"([227]): "فأمرنا أن ندعوا لهم بالصلاح، ولم نؤمر أن ندعو عليهم، وإن ظلموا وجاروا، لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين".
6 - وقال أبو بكر الإسماعيلي، المتوفى في سنة (371 هـ) في "اعتقاد أهل السنة"([228]): "ويرون الدعاء لهم بالصلاح والعطف إلي العدل".
"فحقيق على كل رعية أن ترغب إلي الله - تعالي - في إصلاح السلطان، وأن تبذل له نصه، وتخصه بصالح دعائها، فإن في صلاحه صلاح العباد والبلاد، وفي فساده فساد البلاد والعباد".([229])
أنشد ابن عبد البر في "جامع بيان العلم"([230]) عن أحمد ابن عمر بن عبد الله، أنه أنشد لنفسه:
نسأل الله صلاحاً للولاة الرؤســــــاء
فصلاح الدين والدنيا صلاح الأمراء
فبهم يلتئم الشمل على بُعد التنـــــــاء
 وقال الأجري المتوفى سنة (360 هـ) في كتاب "الشريعة"([231]): "وقد ذكرت من التحذير من مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله - تعالي - عن مذاهب الخوارج، ولم ير رأيهم، فصبر على جور الأئمة ... ودعا للولاة بالصلاح، وحج معهم، وجاهد معهم كل عدو للمسلمين، فصلي خلفهم الجمعة والعيدين. فمن كان هذا وصفه، كان على الصراط المستقيم - إن شاء الله -".
فهذه جملة مختارة من نصوص السلف تكفي وتغني لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
 
شذرات من در السلف الصالحين
مهداة إلي الولاة والسلاطين

1 - أخرج ابن قتيبة في "عيون الأخبار"([233]) بسنده عن كعب الأحبار، أنه قال: "مثل الإسلام والسلطان والناس، مثل الفسطاط والعمود، والأطناب والأوتاد، فالفسطاط الإسلام، والعمود السلطان، والأطناب والأوتاد الناس، لا يصلح بعضه إلا ببعض".
2 - أخرج البيهقي في "الشعب"([234]) عن إياس بن معاوية، أنه قال: "لا بد للناس من ثلاثة أشياء: لابد لهم من أن تأمن سبلهم، ويختار محكمهم حتى يعدل الحكم فيهم، وأن تقام لهم الثغور التي بينهم وبين عدوهم، فإن هذه الأشياء إذا قام بها السلطان احتمل الناس ما سوى ذلك من أثرة السلطان وكل ما يكرهون".
3 - أخرج البيهقي في "الشعب"([235]) - أيضاً - بسنده إلي أبي حازم أنه قال: "لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً ما لم تقع هذه الأهواء في السلطان، لأنهم يؤدبون الناس، ويذبون عن الدين ويهابونهم - قال موسي بن هارون أحد رجال السند: يعني: الناس يهابون السلطان - فإذا كانت فيهم، فمن يؤدبهم؟"
4 - قال الراغب الأصفهاني: "لا شيء أوجب على السلطان من رعاية أحوال المتصدين للرياسة بالعلم، فمن الإخلال بها ينتشر الشر، ويكثر الأشرار، ويقع بين الناس التباغض والتنافر ...".
قال: "ولما ترشح قوم للزعامة في العلم بغير استحقاق، وأحدثوا بجهلهم بدعاً استغروا بها للعامة، واستجلبوا بها منفعة ورياسة، فوجدوا من العامة مساعدة، لمشاكلتهم لهم، وقرب جوهرهم منهم، وفتحوا بذلك طرقاً منسدة، رفعوا به ستوراً مسبلة، وطلبوا منزلة الخاصة فوصلوا إليها بالوقاحة، وبما فيهم من الشره، فبدعوا العلماء وجهلوهم اغتصاباً لسلطانهم، ومنازعة لمكانهم، فأغروا بهم أتباعهم حتى وطئوهم بأظلافهم وأخفافهم، فتولد بذلك البوار، والجور العام والعار".([236])
  

اللهم اعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أصلح ولاة أمر المسلمين، واحفظهم وبارك لهم وعليهم، اللهم أبعد عنهم بطانة السوء، واجعل خاصة بطانتهم أهل العلم الصادقين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


[1]) سورة التوبة: الآية 71.
[2]) سورة التوبة: الآية 67.
[3]) سورة آل عمران: الآية 104.
[4]) سورة آل عمران: الآية 110.
[5]) سورة المائدة: الآية 78-79.
[6]) (1/69).
[7]) رواه الطبراني في ((الكبير)) (9/112)، وإسناده صحيح، وقال الهيثمي في ((المجمع)) (7/275): ((رجاله رجال الصحيح)).
[8]) ((جامع العلوم والحكم)): (2/ 245)  ط. الرسالة.  
[9]) ينظر : ((دليل الفالحين)) لابن علان ((1/466)).
[10]) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (1/ 182).
[11]) ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح (1/ 195).
[12]) (2/45)، ط. العراق.
[13]) (( تنبيه الغافلين)) (ص 46)، ط. مطابع النعيمي، وسيأتي الكلام على ذلك بأدلته إن شاء الله تعالي.
[14]) ((الآداب الشرعية)): (1/ 197).
[15]) ((الآداب الشرعية)): (1/195-197).
[16]) (ص 64).
[17]) من فتوى للشيخ مطبوعة في آخر رسالة ((حقوق الراعي والرعية)) لابن عثيمين (ص 27-28).  
[18] ) سورة آل عمران الآيتان 102-103.
[19] ) أخرجه مسلم في (( صحيحه )) : ( 3/1340 )  والإمام أحمد في (( المسند )) : ( 2/367 ) عن أبي هريرة – رضي الله عنه – واللفظ للإمام أحمد
[20] ) كذا في الأصل .
[21] ) أي : ما يطلع عليه أحد
[22]) من ((نصيحة مهمة في ثلاث قضايا)): (ص 49-53)
[23] ) بفتح الغين، ينظر: ((المغني في ضبط أسماء الرجال ومعرفة كنى الرواة وألقابهم وأنسابهم)) للعلامة محمد طاهر الهندي.
[24]) (5/229).
[25]) (2/522).
[26]) (2/ب 161 /أ)  
[27]) ( 3/290) وعنه البيهقي في ((السنن)): (8/164)
[28]) في (( المستدرك )): ((الفضل ))، والتصويب من كتب الرجال. أنظر : (( تهذيب الكمال )) : ( 33/304 )
[29]) في ((المستدرك)): ((عائذ)) ،والصواب ما أثبته، وهو عبد الرحمن بن عايذ الأزردي الثمالي، يقال : إن له صحبه. ينظر ((تهذيب الكمال)) (17/198).
[30]) (7/367).
[31]) (5/ 230).
[32]) (2/407).
[33]) (8/480).
[34]) (3/351).
[35]) (2/522).
[36]) (2/154).
[37]) (8/81).
[38]) (3/475).
[39]) (5/229).
[40]) (2/521-522).
[41]) المطبوع مع ((المسند)) (24/50) ط. مؤسسة الرسالة.
[42]) سورة النور: الآيتان 51-52.
[43])  سورة الأحزاب: الآية 36.
[44]) سورة النساء: الآية 61.
[45]) سورة النساء: الآية 65.
[46]) (4/556).
[47]) ("فتح"- 1/79)، و (3/340).
[48]) (نووي – 7/148).
[49]) المصدر السابق (7/149)
[50]) (2225).
[51]) هو مرداس بن أدية أحد الخوارج، قاله المزي في هامش كتابه : ((تهذيب الكمال)) (7/399).
[52]) (5/42).
[53]) (5/215).
[54]) (2/492).
[55]) (5/376).
[56]) (ص 393).
[57]) (4/382).
[58]) جمهان: جيم مضمومة، وسكون ميم، وبنون، مولى عمر بن الخطاب: ((المغني في ضبط أسماء الرجال)) للهندي (ص 62).
[59]) (5/230) .
[60]) (2/523).
[61]) البخاري (6/230)، و (13/48) – ومسلم (4/2290).
[62]) (13/52).
[63]) (335).
[64]) (2/206) .
[65]) (15/75).
[66]) (4/1657).
[67]) (ص 113).
[68]) (13/273).
[69]) (15/74- 75).
[70]) (4/1660) وعبد الله هنا هو ابن مسعود، قاله الخليلي في ((الإرشاد)) (1/440):
إذ قال "المصري": عن عبد الله، ولا ينسبه فهو: ابن عمرو.
وإذا قال "المكي": عن عبد الله، لا ينسبه، فهو: ابن عباس.
وإذا قال "المدني": عن عبد الله، ولا ينسبه، فهو : ابن عمر.
وإذا قال "الكوفي": عن عبد الله، ولا ينسبه، فهو ابن مسعود.
قال أحمد في العلل: لم يسمع خيثمة من أبن مسعود.
[71]) قاله شيخ الإسلام ابن تيمية ((الفتاوى)): (28/179).
[72]) ((رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين)) للشوكاني (ص 81-82).
[73]) سورة لقمان: الآية 17.
[74]) سورة الأحقاف: الآية 35.
[75]) سورة الطور: الآية 48.
[76]) ((بدائع السلك في طبائع الملك)): (1/76)
[77]) (ص 38)، ط. أنصار السنة.
[78]) سورة الأعراف: الآية 137.
[79]) ينظر المصدر الآتي:
[80]) من كتاب ((آداب الحسن البصري)) لابن الجوزي: (ص 119 – 120).
[81]) سورة الشورى: الآية 30.
[82]) "انتهي"، من كلام الآجري في "الشريعة": (ص 37).  
[83]) البخاري: ( 13/5) - ومسلم (3/1477).
[84]) (13/7).
[85]) البخاري:( 13/5)، ومسلم: (3/1472).
[86]) في ((شرح مسلم)): (12/232).
[87] ) (( دليل الفالحين)) : ( 1/197 ).
[88]) البخاري: (13/5)، ومسلم: ( 3/1474).
[89]) (12/235). 
[90]) (2/523) .
[91]) ذكره الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) ( 13 /6 )، وسكت عنه وقد ذكره السيوطي في رسالته: ((ما رواه الأساطين في عدم المجيء إلي السلاطين)): (17-48)، ونسبه إلي الحكيم الترمذي في ((نوادر الاصول)). 
[92] ) ( 2/659 ).
[93]) (12/544).
[94]) (ص 111)، وانظر : شرح الإمام الآجري على هذا الأثر في كتابه الشريعة (ص 40) ط. أنصار السنة، و((كتاب الأموال)) لابن زنجوية: (1/76).
[95]) (1/403).  
[96]) (ص 279).   
[97]) (1/404).  
[98]) (11/100).
[101]) سورة الشورى: الآية 30.
[102]) سورة آل عمران: الآية 165.
[103]) سورة النساء: الآية 79.
[104]) سورة الأنعام: الآية 129.
[105]) ((شرح العقيدة الطحاوية )): ( ص 368)، ط 3، المكتب الإسلامي.
[106]) ينظر ((مجمع الزوائد)): (5/294).
[107]) (13/187، 203).
[108]) (2/768).
[109]) (ص 158).
[110]) البخاري: (1/445-531، الفتح)، مسلم (1/68).
[111]) البخاري: (1/54، الفتح)، مسلم: (1/65).
[112]) تقدم تخريجه.  
[113]) (ص 78).
[114]) في المطبوع: ( شريح ) وهو خطأ.
[115]) (( زوائد البزار )) (1).
[116]) (17/43-44).
[117]) (5/221).
[118]) (4/255)، وينظر ((ميزان الاعتدال)) (3/437).
[119]) ((الكامل)) (6/2420).
[120]) (4/2027).
[121]) (4/433).
[122]) (1/203).
[123]) ( 7/152).
[124]) (4/2027).
[125]) (7/152).
[126]) ((السنة)) (2/488).
[127]) (5/314-315).
[128]) (21/287).
[129]) (3/68).
[130]) (2/406).
[131]) ورد عن أبي أمامة عن النبي r قال: ((لا تسبوا الأئمة وادعوا الله لهم بالصلاح، فإن صلاحهم لكم صلاح)) ينظر (( فيض القدير )): (6/398-399).  
وأخرج البيهقي في ((الجامع)): (13/71) والعقيلي في ((الضعفاء)) (3/59-60) عن أبي عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - مرفوعاً: ((لا تسبوا السلطان، فإنه فيء الله في أرضه))، وإسناده ضعيف جداً.
قال العقيلي: ليس في الباب شيء يرجع منه إلى صحته. يعني: المرفوع.
[132]) (13/186-202).
[133]) (1/398).
[134]) سورة الكهف: الآية 6.
[135]) ((المصنف)): (15/75)، (11/137-138).
[136]) انبرك الرجل في عرض أخيه يقصبه، إذا اجتهد في ذمه. من ((تهذيب اللغة)) (10/229).
[137]) (7/48) ط. زغلول.
[138]) (21/287).
[139]) (2/488).
[140]) (5/188).
[141]) ((التهذيب )): (5/75).
[142]) ((الأموال)): (1/79).
[143]) (7/18) .
[144]) (8/104).
[145]) (6/115).
[146]) (12/47).
[147]) (1/231-232).
[148]) (1/464).
[150]) (2/815).
[151]) (5/41-42).
[152]) (21/287).
[153]) (1/405).
[154]) (1/404).
[155]) (1/78).
[156]) ((الأموال)): (1/80).
[157]) (132).  
[158]) ينظر ((طبقات الحنابلة)) لابن أبي يعلى (1/386).
[159]) (6/299)، حوادث سنة إحدى وتسعين.
[160]) ((مسند الإمام أحمد)): (4/80-82) من حديث جبير بن مطعم.
[161]) ((تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام)): (ص 64)، وقد تقدم سرد جميع هذه الحقوق (ص 74).
[162]) البخاري: (13/201)، ومسلم: (1/103).
[163]) ((مجموع فتاوى ابن تيمية)): (35/16-17).
[164]) (32/444).                                                           
[165]) (ص 97).
[166]) (29/3).
[167]) هكذا أهل المذاهب الرديئة، يسرون بالذي هم عليه، حال وجود دولة الإسلام وعلماء المسلمين.
[168]) وهذا ما عرف في زماننا بالمنشورات، حيث يكتب أهل الفتن أوراقاً في الطعن على الولاة، ويبثونها بين الناس، بل في زماننا قد يكتبون ذلك على ألسنة غيرهم من الكفار العلمانيين، زعموا أن ذلك وسيلة للدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر!!
[169]) إلي هنا رواية سيف بن عمر الدبي، عن شيخة عطية بن الحارث الهمداني، وما بعده يرويه سيف عن عطية - وأيضاً - عن محمد بن عبد الله بن سواد، وطلحة ابن الأعلم الحنفي، جاء ذلك في رواية ابن عساكر.
[170]) نضح عن نفسه: دافع عنها، وانتقل من ذلك: تبرأ منه. والمقصود بذلك: عمار. بخلاف ما تفضل به الدكتور الفاضل سليمان بن حمد العودة في كتابه ((عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام)) (ص 151) من أن المراد بذلك عثمان – رضي الله عنهم أجمعين.
[171]) ((السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار)) (4/514).
[172]) (1/227).  
[173]) سبق الكلام عنه، وقد ذكره شيخ الإسلام في ((منهاج السنة)): ( 3/133)، فقال: ((وفي الأثر المعروف ...)).
[174]) ((بدائع السلك في طباع الملك)) لأبي عبد الله بن الأزرق (896 هـ) (2/45).
[175]) (2/378).
[176]) (2/379).
[177]) ((سير أعلام النبلاء)) (7/363).
[179]) (1/17، 171).
[180]) ((فتح الباري)) (2/189).  
[181]) المصدر السابق.
[182]) (2/188).
[183]) تقدم أن: ابن عمر كان زمن الفتنة لا يأتي أمير إلا صلي خلفه، وأدى إليه زكاة ماله.
[184]) ((أصول السنة)) (ص 283).  
[185]) (2/378).
[186]) المصدر السابق: وتقدم حديث عمر البكالي مرفوعاً: ((إذا كان عليكم أمراء يأمرونكم بالصلاة والزكاة والجهاد فقد حرم الله عليكم سبهم، وحل لكم الصلاة خلفهم))، ينظر (ص 147 -149).
[187]) (1/154).
[188]) (1/161)، وينظر: ((المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل)) (2/6-7).
[189]) نقلها كاملة ابن القيم في ((حادي الأرواح)) (ص 399).
[190]) (3/40).
[191])  أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (4/47)، وابن زنجوية في ((الأموال)) (3/1147) عن ابن سيرين ... به.
[192])  ((عقيدتهما)) (ص 179).
[193]) (3/1161).
[194]) (2/685،686).
[195]) هم السعاة العاملون على الصدقات.
[196]) ينظر ((معالم السنن )) (2/202).
[197]) (2/244).            
[198]) (2/201).
[199]) (4/46).
[200]) (1/85).
[201]) (3/156).
[202]) (3/1148).
[203]) (4/115).
[204] ) (3/156).
[206] ) (3/1149).
[207]) (1/7)، ونحوه في ((مصنف عبد الرازق)) (4/16).
[208]) ينظر ((التاريخ الكبير)) للبخاري (7/97)، و((ثقات ابن حبان)) (5/287).
[209]) بالضم: خدمهم وعبيدهم، سموا بذلك لاختلاف ألوانهم وتناسلهم من جنسين.
[210]) ينظر ((حادي الأرواح)) (ص 401).
[211]) ((عقيدتهما)) (181).
[212]) (12/499) في الجهاد، في الغزو مع أئمة الجور.
[213]) (2/153)، ورواه ابن أبي شيبة - أيضاً - بنحوه (12/449).
[214]) (8/162).
[215]) ((الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال)) (4/106).
[216]) (13/99).
[217])  بهذه الأوصاف وصفه الذهبي في ((معجم الشيوخ)) (2/377).
[218]) (2/297).
[220]) (1/86).
[221]) (8/91). وأخرجه ابن عساكر من طريق أبي يعلي، عن عبد الصمد (48/445).
[222])  ينظر ((تذكرة الحفاظ)) (3/973/975).
[223]) (11/40).
[224]) (1/83).
[225]) ذكر شيخ الإسلام أن الفضل بن عياض، وأحمد بن حنبل وغيرهما كانوا يقولون: ((لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان)) ((الفتاوى)) (28/391).
[229]) سراج الملوك للطرطوشي (ص 43).  
[230]) (1/184).
[231]) (1/371).
[232] ) (( فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ )) ( 12/182-183).
[233]) (1/2).
[234]) (13/187)، وينظر: ((فضل السلطنة الشريفة)) للسيوطي: (ص 34).
[235]) ((الجامع لشعب الإيمان)): (123/129) وهو في ((السنن)) (8/163) لفظ ((لا يزال الناس بخير ...))
[236]) نقلاً عن ((فيض القدير شرح الجامع الصغير))، للعلامة المناوي: (2/274) ثم وجدته في كتاب الراغب: ((الذريعة إلي مكارم الشريعة)) (ص 251)، والتصحيح منه.
[237]) العدد (9245)، بتاريخ  22/9/1418هـ.
[238]) ((ديوان الشافعي)) (ص 116) ط. دار البشائر بدمشق.
[239]) (10/210).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق