الثلاثاء، 7 نوفمبر 2017

حجز ما للمدين لدى الغير




حجز ما للمدين لدى الغير..
حجز ما للمدين لدى الغير:
عندما يكون شخص دائناً لآخر ويكون هذا الآخر دائناً بدوره لشخص ثالث – فقد خول القانون للشخص الأول أن يقتضى حقه لا من مدينه مباشرة وإنما من أموال مدينه الموجودة في ذمة الشخص الثالث. وهذه هى طريقة حجز ما للمدين لدى الغير. ومثال ذلك أن يحجز الدائن على أموال مدينه المودعة في أحد البنوك ا أن يكون المدين مالكاً لعقار يؤجره فيحجز الدائن على الأجرة المستحقة في ذمة المستأجرين أو أن يكون المدين مقاولا وله مستحقات في ذمة أرباب العمل الذين قام بالمقاولة لحسابهم ولصالحهم فيحجز الدائن على مستحقاته لدى أرباب العمل.
وهناك صورة ثانية لحجز ما للمدين لدى الغير وهى أن يكون للمدين منقولات مادية موجودة في حيازة شخص آخر فيحجز الدائن عليها لدى ذلك الشخص.
وظاهر من ذلك أن حجز ما للمدين لدى الغير قد ينصب على (دين) مستحق للمدين في ذمة الغير أو على (عين) أي على منقول مادى مملوك للمدين ولكنه ليس تحت يده بل هو موجود في حيازة الغير.
وحجز ما للمدين لدى الغير يعتبر في مجال الإجراءات المدنية صورة من صور الدعوى غير المباشرة التي يستعمل الدائن بمقتضاها حقوق مدينه ويقتضى حقوق مدينه من مديني ذلك المدين ويسمى هذا النوع أيضاً باسم: الحجز تحت يد شخص ثالث.
وقد يتم حجز ما للمدين تحت يد الغير بطريق حجز ما للمدين تحت يد الدائن نفسه (وهو ما يسمى بالحجز تحت يد النفس) وذلك في حالة ما إذا كان الدائن نفسه مديناً لمدينه – أو إذا كان للمدين منقولات موجودة تحت يد الدائن.
ويمكن أن نتمثل حجز ما للمدين لدى الغير في شكل مثلث في رأسه الدائن ولنطلق عليه اسم (أ) أما القاعدة ففي الزاوية اليمنى منها يوجد المدين المباشر لذلك الدائن ولنسمه (ب) وفى الزاوية اليسرى من القاعدة يوجد الغير أي مدين المدين أو الشخص الثالث الذى توجد عنده أموال المدين حقوقاً كانت ام منقولات ويسمى (ج).
وفى هذه الصورة يكون (ب) دائناً للغير (ج) ومديناً للدائن الأصلي (الحاجز) وهو (أ) – أي أنه يجمع بين صفة المدين/بالنسبة إلى (أ) – وصفة الدائن/ بالنسبة إلى (ج) ويقوم الدائن (أ) بالحجز على حقوق مدينه (ب) الموجودة تحت يد (ج) لكى يقتضى لنفسه ما له من حقوق في ذمة مدينه (ب). فهذا طريق غير مباشر لاقتضاء الحقوق شبيه بالدعوى المنحرفة في القانون المدني أو ما تسمى بالدعوى غير المباشرة.

صور وحالات خلافية:
وقد أسلفنا (عند الكلام في حجز المنقول) أن هناك صورا وحالات خلافية يتردد فيها الرأي بين طريق حجز ما للمدين لدى الغير وطريق حجز المنقول. ولا شك في أن تحديد طريق الحجز الذى يجب اتباعه يعتبر من المسائل الهامة لما قد يترتب من البطلان إذا اتبع طريق في موضع كان ينبغي فيه اتباع طريق آخر. فالحجز بغير الطريق القانوني يؤدى إلى بطلان الإجراءات ولذلك كان من المفيد (ومن الأهمية بمكان) تحديد طريق الحجز الواجب الاتباع بالنسبة لهذه الحالات الخلافية.
وتنحصر هذه الحالات فيما يأتي:
1) الحالة الأولى- حجز الخزائن:
وصورة المسألة هنا تتلخص في أن المدين (ب) تكون له خزينة في بنك يودع بها ما يشاء من نقود أو مصاغ أو أوراق. وقد جرى التساؤل عما إذا كان طريق الحجز الذى يجب اتباعه بالنسبة للخزائن في المصارف هو طريق حجز المنقول ام طريق حجز ما للمدين لدى الغير.
ويوجد في هذه المسألة رأيان: يقول أولهما أن الخزينة في حيازة صاحبها لأنه مستأجر للخزانة من البنك فيحجز على محتويات الخزانة حجز منقول كما لو كان شخص يستأجر شقة في منزل ويضع فيها منقولات فتحجز المنقولات حجز منقول لا بطريق حجز ما للمدين لدى الغير. وحجة هذا الرأي أن العقد المبرم بين البنك والعميل بشأن الخزانة هو عقد أجارة وان اتصال العميل بالخزانة مباشر ومن ثم فالعميل هو الحائز لمحتويات الخزانة أما البنك فإنه يجهل تلك المحتويات وليست لديه وسيلة لمعرفتها حتى يتمكن من التقرير بما في ذمته إذا ما اتبع طريق حجز ما للمدين لدى الغير.
أما الرأي الثاني فهو يكيف العقد القائم بين البنك والعميل بشأن الخزانة – بأنه عقد وديعة وليس عقد ايجار وان الخزينة (ومحتوياتها) هى في حيازة البنك الذى يتعهد بحراستها وحراسة محتوياتها والمحافظة عليها فالبنك هو الذى له الحيازة في الواقع والعميل يتطرق إلى خزانته (ليودع بها ما يشاء أو ليسحب منها ما يشاء) عن طريق البنك وبواسطته فلابد من تدخل البنك حتى يتصل العميل بخزانته ويملك البنك أن يمنع العميل من الدخول إلى حرم البنك حيث توجد الخزائن ومن الوصول إلى خزانته. فالبنك هو الحائز الحقيقي للخزانة وبالتالي يجب الحجز عليها تحت يده بطريق حجز ما للمدين لدى الغير ومتى أعلن البنك بالحجز وجب عليه منع العميل من الاتصال بالخزانة. أما التقرير بما في الذمة فإنه يتم عن طريق ذكر رقم الخزينة وهذا يكفى أما فتح الخزينة وجرد ما فيها فإنه ممكن عن طريق استصدار أمر بذلك من قاضى التنفيذ. على أن من يقولون بأن طريق حجز المنقول هو الواجب الاتباع في هذه الحالة يحتجون لرأيهم بأن اتباع طريق حجز ما للمدين لدى الغير يحقق غاية معينة هى منع الازعاج ومنع الفضيحة التي يسببها حجز المنقول وهو أمر غير ذي موضوع بالنسبة للبنوك إذ أن دخول المحضر فيها أمر مألوف لا يسبب فضيحة ولا ازعاجا لأحد ولا يمس سمعة البنك بشيء.
كما أن خشية اختلاط الأموال غير متحققة في هذه الحالة أيضاً لأن كل خزينة من الخزائن المؤجرة للعملاء في البنك مستقلة بذاتها ومتميزة عن غيرها بما لا يدع مجالاً للخط بين خزانة وأخرى.
ومهما يكن من أمر – فإن الرأي في الفقه وفى القضاء منقسم فهناك من يذهب إلى أن طريق حجز ما للمدين لدى الغير هو الواجب الاتباع وهناك من يذهب إلى أنه طريق حجز المنقول. وقد كان هذا هو رأينا في كتابنا الوجيز في التنفيذ طبعة 1959 (ص 346) وهو رأى نعتقد الآن (بعد امعان النظر) أنه لا يزال محلاً للبحث والنظر.

2) الحالة الثانية- الحجز على مال القاصر تحت يد الوصي وما إليها:
أما الحالة الثانية فإن صورة المسألة فيها تتمثل في حجز ما قد يكون للقاصر في يد الموصى أو للمحجوز عليه في يد القيم أو للشخص البالغ الرشيد في يد وكيله أو نائبه – فهل يحجز على المال هنا حجز ما للمدين لدى الغير ام بطريق حجز المنقول؟
هناك رأيان: فقد اتجه البعض إلى القول بأن يد النائب (سواء كان وكيلاً ام وصياً ام قيماً) – تعتبر يداً عارضة والحق هو حق المدين (الأصيل: أي القاصر أو المحجوز عليه أو الموكل) وينصرف إلى ذمته فيكون الطريق الصحيح هنا هو حجز المنقول لأن الحيازة هنا هى حيازة القاصر أو عديم الأهلية (أو الأصيل عموماً). أما حيازة النائب فهي عرضية.
أما الرأي الثاني فيتجه إلى أن حيازة النائب هى حيازة مستقلة لأن الوصي ليس خاضعاً للقاصر بل بالعكس هو مشرف عليه ولذلك يحجز على المنقول المملوك للقاصر والموجود تحت يد الوصي حجز ما للمدين لدى الغير. وكذلك الشأن بالنسبة للمحجوز عليه فيحجز على المنقول المملوك له تحت يد القيم بطريق حجز ما للمدين لدى الغير. وكذلك قل بالنسبة للمفلس وأمواله الموجودة تحت يد السنديك – والمستأجر وما قد يكون تحت يده من منقولات مملوكة للمؤجر – والمستعير بالنسبة لأموال المعير – والمودع لديه بالنسبة للمودع – وأمين النقل بالنسبة لصاحب البضاعة – والدائن المرتهن رهن حيازة بالنسبة للمدين الراهن – فكل هؤلاء يحجز على المال (المنقول) الموجود تحت يدهم بطريق حجز ما للمدين لدى الغير. وهذا بخلاف ما إذا كان الشخص الذى توجد الأموال تحت يده خادماً أو ساعياً أو بواباً أو صرافاً في محل تجارى فإن المال الذى في يده يحجز حجز منقول.
ويذهب الرأي الراجح إلى أن الخادم وأمثاله في هذه الصور هو شخص خاضع لصاحب المال خضوع التابع للمتبوع فليس له حيازة مستقلة وكذلك الحال بالنسبة للصراف (أو أمين الخزنة) في المحل التجاري يحجز على الأموال الموجودة في صندوقه (الكيس) حجز منقول لأن حيازته لها ليست مستقلة ولا متميزة وانما هى حيازة مسندة إلى صاحب المحل وهذا هو المناط في تحديد معنى الغير في حجز ما للمدين لدى الغير فالغير هنا هو كل شخص ليس خاضعا للمدين (المحجوز عليه خضوع التابع للمتبوع وبالتالي فإن له حيازة مادية مستقلة عن الأصيل.
أما في حالة قيام علاقة التبعية والخضوع فإن الحيازة المتميزة (للغير) تنتفى. وبذلك يكون طريق الحجز الواجب الاتباع هو طريق حجز المنقول.
وهنا أيضاً تنتفى الحكمة من اتباع طريق حج ما للمدين لدى الغير وهى تفادى ازعاج الغير بدخول المحضر إلى محل اقامته (مما يؤدى إلى اساءة سمعته وإلى فضيحته) – وحشية اختلاط الأموال.
كذلك يجوز حجز الأموال الموجودة لدى الغير بطريق حجز المنقول (ويكون اتباع هذا الطريق صحيحا) إذا رضى الغير بدخول المحضر إلى مسكنه – لأن إذنه للمحضر بالدخول يجعل الحكمة المشار إليها فيما تقدم منتفية.
وشبيه بحالة قبول الغير وإذنه للمحضر بالدخول إلى مسكنه حالة ما إذا تم تهريب الأموال بنقل حيازتها إلى شخص من الغير ففي هذه الحالة يمكن استصدار أمر من قاضى التنفيذ بحجزها تحت يد ذلك الغير بطريق حجز المنقول لأنه متواطئ مع المدين على التهرب أو التهريب.
ففي هذه الحالة يكون إذن القاضي كإذن المدين وتعتبر إجراءات حجز المنقول صحيحة.
على أنه ينبغي أن يراعى في هذا المقام أن القاضي لا يأذن إلا إذا قامت قرائن قوية على حصول غش أو تواطؤ من جانب الغير مما يبيح إيقاع الحجز عنده بطريق مباشر هو طريق حجز المنقول حماية للدائن من هذا الغش.

3) الحالة الثالثة- حالة الحجز على أموال معروضة في معرض عام:
اختلف الرأي أيضاً بالنسبة لهذه الحالة فمن الفقهاء من يرى أن طريق الحجز الواجب سلوكه هو طريق حجز المنقول على أساس أن المعرض أو إدارة المعرض ليس مودعاً لديها. بل هى تؤجر مكاناً للتاجر ليضع فيه بضائعه التي يعرضها فهي إذن في حيازته هو وليس في حيازة المعرض ومن الشراح من يرى أن حجز ما للمدين لدى الغير هو الطريق الصحيح للتنفيذ في هذه الحالة على أساس أن التاجر سلم الأشياء المعروضة إلى المعرض لوضعها مع غيرها وعرضها بمعرفة إدارة المعرض نفسه. فالعقد هنا عقد وديعة والحيازة للمعرض (المودع عنده) وليس للعارض (الذى قام بالإيداع).
وينطبق هذا الرأي كذلك على السلع التي تودع في المحلات التجارية لتباع على ذمة أصحابها مع احتساب عمولة للمتجر فإذا أراد أحد دائني صاحب السلعة أن يحجز على تلك السلعة في المتجر الذى تعرض فيه للبيع فيجب اتباع حجز ما للمدين لدى الغير لأن الحيازة للمتجر الذى أودعت السلعة فيه والعقد هنا عقد وديعة. (يراجع كتابنا: الوجيز في التنفيذ – المطبوع سنة 1959 صحيفة (340) وما بعدها). 

إجراءات حجز ما للمدين لدى الغير:
إجراءات حجز ما للمدين لدى الغير تتلخص في أمرين: إعلان وإبلاغ – أما الإعلان فهو قيام الدائن بإعلان ورقة (عن طريق المحضر) إلى الشخص الثالث الذى يوجد تحت يده مال المدين، وهذه الورقة تسمى (إعلان الحجز): وفيها ينهى الدائن ذلك الشخص الثالث (ويسمى المحجوز لديه) عن الوفاء بما في ذمته إلى المدين أو عن تسليم المنقولات التي عنده.
ولا يلزم أن يسبق هذه الورقة إعلان الحكم أو العقد الرسمي الذى يستند إليه الدائن في إجراء الحجز، ولكن يجب أن تتضمن هذه الورقة صورة ذلك الحكم أو العقد الرسمي، وان يورد فيها الدائن بعد ذلك بيان المبلغ المستحق له الذى يجرى الحجز من أجله (وملحقاته).
ولما كان الدائن لا يعلم مقدار ما في ذمة المدين لدى الغير فإن إعلان الحجز يتضمن عادة تكليف ذلك الغير المحجوز لديه بأن يقرر بما في ذمته خلال 15 يوماً.
ولما كان قلم الكتاب لا يتلقى ذلك التقرير إلا إذا دفع الرسم المستحق إليه، وكان تكليف المحجوز لديه بدفع ذلك الرسم أمراً لا مبرر له، فقد أوجب القانون على الحاجز أن يقوم بإيداع ذلك الرسم في خزانة المحكمة ويؤشر على أصل ورقة الحجز بما يفيد ذلك الإيداع.
وجزاء عدم إيداع رسم التقرير ألا يقوم المحضر بإعلان الحجز، فقد أوجب القانون على قلم المحضرين ألا يقوم بإعلان الحجز إلا إذا تحقق من حصول ذلك الإيداع. على أنه إذا لم يتضمن إعلان الحجز تكليف المحجوز لديه بالتقرير بما في الذمة فإن الحجز لا يكون لذلك باطلاً، ويجوز للحاجز أن يتدارك ذلك بإعلان المحجوز لديه بورقة أخرى لاحقة يكلفه فيها بالتقرير بما في الذمة.
وهذه الخطوة الأولى في الحجز، وهى إعلان الشخص الثالث (الغير) بحجز ما لديه للمدين تعقبها بداهة خطوة أخرى وهى اخطار المدين نفسه (المحجوز عليه) بهذا الحجز أو إبلاغه به.
وقد أوجب القانون أن يتم ذلك الأخطار (أو الابلاغ) في خلال الثمانية أيام التالية لإعلان الحجز إلى المحجوز لديه – وإلا اعتبر الحجز كأن لم يكن.
ويتم ذلك الاخطار بنفس ورقة إعلان الحجز بعد إعلانها إلى المحجوز لديه.
وفى إبلاغ المحجوز عليه بالحجز يجب أن يذكر الدائن أنه قد أوقع الحجز على مال المدين لدى الغير، وتاريخ إعلان ورقة الحجز إلى المحجوز لديه، وأن يبين سند التنفيذ والمبلغ المطلوب.
بهذا تتم إجراءات الحجز، في صورته البسيطة وهى تتلخص في كلمتين: إعلان وإبلاغ. ثم يعقب ذلك إجراءات أخرى المقصود منها أن يتوصل الدائن إلى اقتضاء حقه فعلاً.

فرض آخر- حالة عدم وجود سند تنفيذي:
ولكن الأمور لا تجرى دائماً بهذه البساطة، بل أن الدائن الذى يريد أن يحجز ما للمدين لدى الغير قد لا يكون بيده حكم أو سند تنفيذي، وقد يكون دينه غير معين المقدار. وفى هذه الحالة أجاز القانون له أن يحجز ما لمدينه لدى الغير، ولكنه أوجب عليه قبل ذلك الالتجاء إلى قاضى التنفيذ لاستصدار إذن منه بذلك أي بإيقاع الحجز أو لاستصدار أمر منه بتعيين مقدار الدين، بصفة مؤقتة، وتعلن ورقة الحجز مشتملة على صورة من إذن القاضي ثم يتم إبلاغ المدين (المحجوز عليه) بورقة الحجز خلال الثمانية أيام التالية لإعلانها إلى المحجوز لديه.
كما أوجب عليه من ناحية أخرى أن يشفع الحجز برفع دعوى أمام المحكمة المختصة ضد المحجوز عليه (تسمى دعوى صحة الحجز) تهدف إلى تزويد الدائن بحكم يثبت الدين الذى له عند المدين، والذى من أجله أوقع الحجز على ما لهذا المدين لدى الغير، كما يتقرر بهذا الحكم صحة إجراءات الحجز.
ويجب أن ترفع هذه الدعوى خلال الأيام الثمانية التي تلى إعلان الحجز للمحجوز لديه، أي خلال مدة الابلاغ، وترفع هذه الدعوى بالإجراءات المعتادة لرفع الدعاوى أي بصحيفة تودع قلم الكتاب في الميعاد المذكور.
وعلى هذا، فإن الدائن الذى يكون دينه غير معين المقدار (ولو كان ثابتاً بحكم أو سند تنفيذي) يجب أن يتقدم إلى قاضى التنفيذ بعريضة يطلب فيها اصدار الأمر بتقدير دينه تقديراً مؤقتاً – والإذن للدائن بتوقيع الحجز بمقتضى ذلك الدين.
والدائن الذى لا يكون بيده حكم أو سند تنفيذي يجب أن يتقدم إلى قاضى التنفيذ بعريضة يطلب فيها الأذن بتوقيع الحجز على ما للمدين لدى الغير، وعند صدور الأمر أو الإذن بذلك من القاضي يتسلم الدائن صورة من العريضة التي قدمها، مذيلة بأمر القاضي، ويعلن هذه الصورة (من العريضة والأمر الصادر عليها) إلى الشخص المراد الحجز لديه (البنك أو المستأجر في أثملتنا السابقة) مع إعلانه بأن يحجز تحت يده ما عساه يكون للمدين من أموال، ونهيه عن وفاء هذه الأموال للمدين، وإلا كان مسئولا، وتكليفه بالتقرير بما في الذمة مع بيان المبلغ المحجوز من أجله.
ثم يعقب ذلك إبلاغ الحجز للمدين، مع إقامة دعوى صحة الحجز عليه، ويتم ذلك خلال ثمانية أيام من إعلان ورقة الحجز للمحجوز لديه.
تفرقة بين حالتين
ومما تقدم يبين لنا أنه يجب أن نفرق بين حالتين:
الحالة الأولى:
وهى اني كون بيد الدائن حكم (ولو كان غير واجب النفاذ) أو سند تنفيذي، وان يكون دينه معلوم المقدار. الحجز بإعلان الغير (المحجوز لديه) ثم إبلاغ المدين (المحجوز عليه) بذلك خلال الثمانية أيام التالية للإعلان.
الحالة الثانية:
وهى أن يكون الدين غير معين المقدار ولا يكون بيد الدائن حكم أو سند تنفيذي، فيضطر إلى استصدار أمر الحجز، أو بالحجز وتعيين مقدار الدين بصفة مؤقتة، ثم يعلن الحجز إلى الغير (المحجوز لديه) وعندئذ يعلنه بصورة من أمر القاضي الصادر بالحجز، ثم يبلغ الحجز إلى المدين (المحجوز عليه) مع دعوى صحة الحجز خلال ثمانية أيام.

ملاحظات إجرائية:
ولا يفوتنا أن نذكر أن من بين البيانات التي استلزمها المشرع في إعلان الحجز (للمحجوز لديه) وفى ورقة إبلاغ الحجز (للمحجوز عليه) بيانا مقتضاه أن يعين الحاجز لنفسه موطناً مختاراً في البلدة التي بها محكمة مقر المواد الجزئية التي يتبعها المحجوز لديه (بالنسبة لإبلاغ الحجز) والغرض من هذا الإجراء تيسير إعلان الحاجز بالأوراق المتعلقة بالحجز. ولكن لا يترتب على إغفاله بطلان الحجز، وغاية الأمر أنه يجوز عندئذ إعلان الحاجز بالأوراق المتعلقة بالحجز في قلم الكتاب.

دعوى صحة الحجز:
لا تكتمل إجراءات حجز المدين – في بعض الصور – إلا برفع دعوى تسمى "دعوى صحة الحجز" في خلال ثمانية أيام من توقيع الحجز. وإذا لم ترفع هذه الدعوى – في تلك الحالات – أو رفعت بعد الميعاد – كان الجزاء على ذلك هو اعتبار الحجز كأن لم يكن.
وهذه الدعوى تعتبر من المكملات الضرورية لحجز ما للمدين في بعض الحالات على ما قلنا، فما هى هذه الحالات؟
يجيب الشراح على ذلك بأن دعوى صحة الحجز هى الدعوى التي يجب أن يرفعها الحاجز كلما كان الحجز موقعاً بأمر من القاضي: أي عندما يكون الحاجز غير مزود بحكم أو بأي سند تنفيذي آخر – فيضطر إلى استئذان القاضي في توقيع الحجز – أو عندما يكون دين الحاجز غير معين المقدار فيضطر إلى الالتجاء للقاضي لتعيين مقداره (بصفة مؤقتة) حتى يتسنى له الحجز بمقتضاه.
ففي هاتين الحالتين ينبغي أن يقوم الحاجز برفع دعوى صحة الحجز في الميعاد المحدد لها – بمعنى أن إجراءات الحجز هنا تتكون أو تتركب من أربع خطوات:
استصدار أمر من القاضي الوقتي.
إعلان الحجز إلى المحجوز لديه.
إبلاغ الحجز إلى المحجوز لديه.
رفع دعوى صحة الحجز.
يوجب أن تتم الخطوتان الأخيرتان (الثالثة والرابعة) خلال (8) أيام من تاريخ إيقاع الحجز – أي من تاريخ إعلانه إلى المحجوز لديه.
ويلاحظ أن الميعاد يبدأ من تاريخ إعلان الحجز لا من تاريخ صدور الأمر: لأن أمر القاضي الوقتي الذى يأذن فيه بالحجز أو يقدر فيه الدين لا يعدو أن يكون أمراً على عريضة – فيجب أن يقدم للتنفيذ خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره.
ويتم تنفيذه بإعلان ورقة الحجز إلى المحجوز لديه. ثم تلى ذلك الخطوات التالية من إبلاغ ورفع دعوى (بصفة الحجز) وتستجد للحاجز عندئذ مهلة جديدة مقدارها ثمانية أيام لإبلاغ المحجوز عليه بالحجز ولرفع دعوى صحة الحجز.
أما إذا كان دين الحاجز معين المقدار وكان بيده سند تنفيذي (كعقد رسمي مثلاً أو حكم ولو غير واجب النفاذ) فإنه لا يحتاج إلى استصدار أمر من القاضي وبالتالي لا يحتاج إلى رفع دعوى صحة الحجز: على أساس أن حقه أو دينه ثابت في ذمة المدين المحجوز عليه بموجب سند تنفيذي أو بموجب حكم ولا يقدح في ذلك كون الحكم غير واجب النفاذ لأن هذا الحكم إذا طعن فيه ثبوت المديونية (أو المنازعة فيها – سيثار أمرها في الاستئناف – وهو ما يغنى عن رفع دعوى بحصة الحجز لأنها لن تعدو عندئذ أن تكون تكرارا للنزاع ذاته).
أما إذا لم يطعن في الحكم فإنه سيصبح نهائياً وبذلك يستقر الحجز الواقع بموجبه إذ أن المنازعة في المديونية ستكون عندئذ قد حسمت بصورة نهائية بموجب حكم نهائي حائز لقوة الأمر المقضي مما لا يدع مجالاً لإثارتها من جديد.
وعلى ذلك يمكن القول بأن دعوى صحة الحجز ترفع كلما كان الحجز موقعاً بأمر من القاضي.
تلك هى الحالات التي يجب فيها أو لا يجب رفع دعوى صحة الحجز.
ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه الدعوى وان سميت "دعوى صحة الحجز" إلا أنها في حقيقتها دعوى موضوعية غايتها ثبوت حق الدائن الحاج في ذمة المدين. وهذا هو الطلب الأساسي الذى ترفع به. أما طلب صحة إجراءات الحجز فهو طلب فرعى أو تبعي مكمل للطلب الأساسي الذى ترفع به الدعوى. ولذلك فإن تسميتها باسم "دعوى صحة الحجز" هى تسمية مضللة: لأن ذلك قد يوحى بأن صحة إجراءات الحجز هى الهدف الرئيسي فيها في حين أن طبيعتها أو تكييفها القانوني الصحيح يتمخض عن كونها دعوى موضوعية بثبوت الحق (حق الدائن الحاجز): وترفع عادة بطلبين (أحدهما) أساسي وهو طلب الحكم على المدين المحجوز عليه بثبوت حق الدائن في ذمته أو بتحديد مقداره بشكل نهائي. (وثانيهما) ثانوي وتبعي وهو طلب الحكم بصحة إجراءات الحجز سواء من حيث شكلها أو من حيث موضوعها. وفى هذا الطلب (الفرعي) تبحث المحكمة الحجز شكلاً وموضوعاً. وقد تنتهى إلى القضاء بصحة الحجز – كما أنها قد تنتهى إلى رفض هذا الطلب غير أن هذا الرفض لا يؤثر على الطلب الأساسي الذى يبقى قائماً ويكفى وحده لحمل الدعوى، بمعنى أنه قد يحكم بالمديونية مع الحكم بأن الحجز غير صحيح (شكلاً أو موضوعاً). ولا يكون هناك تعارض بين رفض الطلب الفرعي وإجابة الطلب الأساسي لعدم التلازم بينهما: أي أن إجابة المحكمة للطلب الأساسي لا تستتبع حتما إجابة الطلب الفرعي. ولا عكس: لأن رفض الطلب الأساسي يؤدى بالضرورة إلى رفض الطلب الفرعي باعتباره نتيجة له: فإن من مفترضات صحة الحجز أن يكون ثمة دين يرتكز عليه الحاجز وإلا فإن الحجز يكون قائماً على غير سبب.
ولذلك لا يتصور أن تقضى المحكمة بالرفض بالنسبة للمديونية وبالقبول بالنسبة لصحة الحجز. وان كان من المتصور أن تقضى قضاء إيجابياً (لصالح الدائن الحاجز) في طلب ثبوت المديونية وتقضى في نفس الوقت برفض طلب صحة الحجز إذا تبين لها الخلل في إجراءاته.

أطراف الدعوى:
هم أساساً: الحاجز والمحجوز عليهِ.
أما المحجوز لديه فهو من الغير ولا يؤثر في الدعوى عدم اختصامه فيها وغاية ما هنالك أن الحكم الصادر فيها لا يعتبر حجة عليه لأن الأحكام لا يحتج بها إلا على من كان طرفاً فيها.
إنما إذا اختصم المحجوز لديه في دعوى صحة الحجز فلا يجوز أن يطلب إخراجه منها بل يجب عليه أن يبقى فيها باعتباره أحد أطرافها إلى أن تنتهى. ويكون الحكم الصادر فيها حجة عليه. ولعل هذا في الواقع هو الهدف العملي من اختصاه إذ أن إدخال المحجوز لديه في دعوى صحة الحجز سواء بمعرفة الحاجز أو بمعرفة المحجوز عليه – مقصود به أن يكون الحكم الصادر فيها حجة عليه حتى لا ينازع فيما بعد في صحة الحجز.
والمحجوز لديه بالخيار بين التسليم بصحة الحجز أو المنازعة فيه على أنه لا يلزم بالمصروفات إذا سلم بصحة الحجز أو وقف في الدعوى موقف المتفرج.

جواز تعدد الطلبات في دعوى صحة الحجز:
وقد ثار التساؤل عما إذا كان يمكن أن تنطوي دعوى صحة الحجز على طلبات أخرى غير الطلبين اللذين سبقت الإشارة إليهما – أي بالإضافة إلى ذينك الطلبين.
وسر هذا التساؤل هو أن المادة (334) من قانون المرافعات تقرر أن الحكم في دعوى صحة الحجز لا يكون حجة على المحجوز لديه (إذا ما اختصم فيها) إلا "فيما يتعلق بصحة إجراءات الحجز" ففهم من ذلك أن دعوى صحة الحجز يجب ألا تتضمن أي طلب آخر غير طلب إلزام المحجوز عليه بدين الحاجز وطلب صحة إجراءات الحجز، وإنه لا يجوز للحاجز أن يطلب إلزام المحجوز لديه بأي شيء آخر خلاف طلب صحة إجراءات الحجز كأن يطلب (الحاجز) مثلاً إلزام المحجوز لديه بالدين الذى في ذمته للمحجوز عليه. ولا أوافق على هذه الوجهة من النظر، لأن القانون الساري لا يضع لكل دعوى صيغة معينة – لا تتجاوزها – ولا يجمد الدعاوى في قوالب ثابتة ومحدودة كما كان الحالي في القانون الروماني، بل أن كل مدع حر في أن يحدد نطاق دعواه من حيث موضوعها وفقاً لما يراه أوفق لمصلحته فليس ثمة ما يمنع من رفع دعوى يطلب فيها المدعى ثبوت حقه في ذمة مدينه المحجوز عليه ويطلب فيها (عن طريق ممارسة حقوق المدين) ثبوت حق المحجوز عليه في ذمة مدين المدين (المحجوز لديه) ويطلب فيها إلى جانب ذلك كله الحكم بصحة إجراءات الحجز الذى أوقعه تحت يد المحجوز لديه على مال المحجوز عليه – فتكون هذه الدعوى (دعوى صحة حجز) تداخلها دعوى أخرى مرفوعة عن طريق استعمال الدائن لحقوق مدينه يطالب فيها المدعى بحقوق مدينه (المحجوز عليه) التي في ذمة المحجوز لديه – ويتحمل الحاجز نتائج دعواه التي رفعها على هذا النحو وما قد تقتضيه من وقت ومن طول إجراءات.
لا نرى مانعاً من ذلك – فليس في القانون تحديد صارم لصيغ الدعاوى أو قيد على عدد أو نوع الطلبات التي تبدى فيها.
وإنما يستقيم الفهم الذى تطرق إلى أذهان الشراح من نص المادة (334) مرافعات إذا ما اقتصرت دعوى صحة الحجز على الطلبين التقليديين المشار إليهما فيما سبق([1]) فإن نطاقهما يتحدد بهما فلا يجوز للمحكمة عندئذ أن تبحث في حق المحجوز عليه من حيث ثبوت أو عدم ثبوته في ذمة المحجوز لديه لأن ذلك غير مطروح عليها وخارج عن نطاق الدعوى وفقاً لما حددها به صاحبها.
وإنما يعتبر حكمها بصحة الحجز منطويا بالضرورة على إلزام المحجوز لديه بأن يؤدى إلى الحاجز ما في ذمته أو تحت يده من أموال أو حقوق للمحجوز عليه – متى ثبت وجودها تحت يده.
ونخلص من ذلك إلى أنه يجوز أن تعدد الطلبات في دعوى صحة الحجز فلا تقتصر على طلب صحة الإجراءات ولطب ثبوت المديونية التي للحاجز في ذمة المحجوز عليه بل يجوز أن يتسع نطاق الخصومة بما يضيفه المدعى من طلبات أخرى على أن تقدر قيمة الدعوى على أساس أكبر الطلبات قيمة ويتحدد الاختصاص النوعي تبعاً لذلك وفقاً لقيمة أكبر الطلبات إذا كانت مرتبطة.

المحكمة المختصة بدعوى صحة الحجز:
لو كانت دعوى صحة الحجز منازعة تنفيذية كما هو الشأن في القانون الفرنسي الذى يوجب رفعها في جميع الأحوال أي حتى لو كان حجز ما للمدين لدى الغير موقعاً بموجب حكم أو سند تنفيذي مثبت لحق معين المقدار – نقول انها لو كانت كذلك لوجب أن يعقد لواء الاختصاص بها لقاضى التنفيذ الذى يقرر المشرع أنه مختص بجميع منازعات التنفيذ الموضوعية والوقتية. إلا أن المشرع المصري لا ينظر إلى دعوى صحة الحجز على أنها منازعة من منازعات التنفيذ بل يعتبرها دعوى مديونية عادية أي دعوى موضوعية مرفوعة أساساً بثبوت حق الدائن (الحاجز) في ذمة المدين (المحجوز عليه) وان كان ملحقاً بها طلب تبعي أو فرعى هو طلب صحة الحجز إلا أنه ليس هو بيت القصيد فيها. ولذلك أسند المشرع الاختصاص بها إلى قاضيها الطبيعي فقرر أن الاختصاص النوعي بتلك الدعوى يسند إلى القاضي الجزئي أو إلى المحكمة الابتدائية تبعاً لقيمة الدعوى وذلك بحسب مقدار الدين المطلوب ثبوته والمحجوز من أجله (المطلوب للحاجز) إلا أنه إذا اقترنت بطلب الزام المحجوز عليه بأداء ما عليه للمدين المحجوز عليه (عن طريق الدعوى غير المباشرة) فتقدر قيمة الدعوى عندئذ بحسب قيمة الدين المطلوب من المحجوز عليه أن كان هو الأكبر.

المحكمة المختصة محلياً:
هي المحكمة التي يتبعها المحجوز عليه ويستوى في ذلك أن تكون قد رفعت على المحجوز عليه وحده أو يكون المحجوز لديه قد اختصم فيها حتى لو كان موطنه مختلفاً عن موطن المحجوز عليه وذلك خلافاً لقاعدة الاختصاص المحلى عند تعدد المدعى عليهم حيث يعطى القانون الخيار للمدعى في رفع الدعوى امام محكمة أي واحد منهم. والسبب في ذلك أن دعوى صحة الحجز تعتبر أساساً انها دعوى مطالبة بالدين ومرفوعة من الحاجز على المدين أي ضد المحجوز عليه أما المحجوز لديه فهو مختصم بصفة فرعية أو تبعية للحكم في مواجهته بصحة إجراءات الحجز حتى لا ينازع فيها بعد ذلك أي لكى يكون الحكم فيها حجة عليه وان كان من الغير وهو في ذلك مجرد مستمع أو خصم محايد لا ناقة له في الدعوى ولا جمل. وغالباً ما ترفع الدعوى دون أن توجه إليه فيها طلبات فهو بهذه المثابة لا يعتبر خصماً حقيقياً فيها. على أنه إذا كانت دعوى المطالبة بالدين مرفوعة من قبل فان دعوى صحة الحجز ترفع إلى المحكمة الناظرة لدعوى المطالبة ويكون الطلب الوحيد في دعوى صحة الحجز في هذه الحالة هو طلب الحكم بصحة الحجز وان كان ذلك يتناول الحجز شكلاً وموضوعاً. ولكن ما الحكم إذا كانت دعوى المطالبة مرفوعة من قبل وحكم فيها ابتدائياً ثم استؤنفت؟ قيل أن دعوى صحة الحجز يجب أن ترفع إلى المحكمة المختصة ابتداء ولكن هذا يؤدى إلى تعدد الدعاوى الناشئة عن المطالبة بذات الحق والجواب الصحيح أن دعوى صحة الحجز ترفع عندئذ إلى محكمة الدرجة الثانية رأسا ومباشرة لأنه لا يمكن انفصال الطلبين وان كان ذلك مخالفاً للمبادئ العامة ومن شأنه تفويت درجة. على أنه إذا بلغ النزاع إلى محكمة النقض فلا يجوز رفع دعوى صحة الحجز أمامها لأنها ليست درجة من درجات التقاضي. ولأن الحكم النهائي يغنى عندئذ عن أمر القاضي.

كيفية رفع الدعوى:
ترفع الدعوى بالطريق المعتاد لرفع الدعاوى وهو في القانون الحالي يتمثل في قيد الدعوى في جدول المحكمة ثم اعلانها إلى الخصوم. وهذا يعكس الحال في القانون القديم حيث كانت الدعوى ترفع بتكليف بالحضور ثم يتم قيدها بعد ذلك فكان من المتصور أن توجه إلى المحجوز عليه ورقة واحدة تتضمن ابلاغه بتوقيع الحجز على ما له تحت يد المحجوز لديه كما تتضمن في ذات الوقت الدعوى عليه بصحة الحجز عن طريق تكليفه بالحضور أمام المحكمة لسماع الحكم عليه بالدين وصحة الحجز بل لق قيل أنه يجب أن يتم ابلاغ الحجز ورفع الدعوى بورقة واحدة وقيل انه يصح أن يتم كل من الإجراءين بورقة مستقلة.
أما في ظل النظام الحالي لرفع الدعوى فلا يتصور ذلك بل ترفع دعوى صحة الحجز كما ترفع أية دعوى عادية أي بالقيد والإعلان اما إبلاغ الحجز إلى المدين المحجوز عليه فيتم عن طريق ورقة تتضمن إبلاغه بتوقيع الحجز على أمواله تحت يد ذلك الشخص الثالث (المحجوز لديه) – وتعلن إلى المحجوز عليه على محضر وينتهى الأمر عند هذا الحد، ويتم كل من الإجراءين عادة بورقة مستقلة ولكن تجمع بينهما وحدة الميعاد.
وقد أشرنا إلى أنه يتصور أن يحصل الابلاغ في ذات الورقة التي ترفع الدعوى بموجبها (أي صحيفة افتتاح دعوى صحة الحجز) إذا ما قيدت وأعلنت في ميعاد الأيام الثمانية التالية لتوقيع الحجز (عن طريق إعلانه إلى المحجوز لديه).
ولكن نظراً لضيق الميعاد نعتقد أن من الأفضل أن يتم الإبلاغ بورقة مستقلة تعلن خلال 8 أيام من توقيع الحجز (أي من تاريخ إعلانه إلى المحجوز لديه) ويتم رفع الدعوى بورقة أخرى مستقلة وهى صحيفة افتتاحها التي تعتبر مرفوعة بقيدها خلال الميعاد المذكور (8 أيام) – ثم تعلن بعد ذلك في الوقت المناسب دون عجلة وللمدعى في هذا السبيل فسحة من الوقت مقدارها ثلاثة شهور كما هو معلوم (وأنظر المادة / 70 مرافعات).

الجزاء على عدم رفع الدعوى:
إذا لم ترفع دعوى صحة الحجز أصلاً أو رفعت بعد الميعاد فالجزاء هو اعتبار اجراءات الحجز كأن لم تكن وهذا الجزاء ينصب على اجراءات الحجز أي على الإعلان والابلاغ – فيسقطان ويزول أثرهما أما أمر الحجز ذاته فيبقى قائماً ويمكن عمل اجراءات جديدة بموجبه إلا إذا كان قد سقط لسبب آخر كأن يكون قد مضى على صدوره ميعاد الثلاثين يوماً دون أن يقدم للتنفيذ باعتباره أمراً على عريضة.
واعتبار الحجز كأن لم يكن يقع بقوة القانون ولكن يجب التمسك به من جانب من شرع لمصلحته أي من جانب المحجوز عليه أو من جانب المحجوز لديه.
ولا شك في أن رفع دعوى صحة الحجز بعد الميعاد يؤدى إلى اعتبار الحجز كأن لم يكن ولكن ذلك لا يؤثر على جوهر الدعوى فتبقى قائمة كدعوى مستقلة مرفوعة للمطالبة بالدين وقد تنتهى إلى الحكم فيها لمصلحة رافعها ولا يمنع ذلك من تجديد الحجز بإجراءات مبتدأه أو بأمر جديد من القاضي إذا كان الأمر الأول قد سقط لأى سبب من الأسباب. وقد ينتظر المدعى إلى أن يقضى له موضوعيا بالدين ثم يوقع بعد ذلك حجزا تحت يده بموجب الحكم الصادر لصالحه فلا يحتاج إلى استصدار امر من القاضي وبالتالي لا يحتاج إلى رفع الدعوى بطلب صحة الحجز.

بيان مدى تأثر حجز ما للمدين لدى الغير بنظام أوامر الأداء:
تعدلت نصوص قانون المرافعات أكثر من مرة نتيجة لإدخال نظام أوامر الأداء الذى جعله الشارع وجوبياً كلما كان موضع المطالبة ديناً ثابتاً بالكتابة – وحال الأداء – ومعين المقدار. وقد كان هذا النظام قاصراً على الديون النقدية فجاء قانون المرافعات الجديد وبسطه إلى الالتزامات التي يكون موضوعها مثليات أي منقولات معينة بالنوع متى كان مقدارها محدداً كمائة أردب قمح أو مائة قناطر قطن – فأصبح من الواجب استصدار أمر أداء كلما كان موضوع المديونية نقوداً أو مثليات – متى كان الدين ثابتاً بالكتابة وكان معين المقدار وحل ميعاد أدائه. (تراجع المادة 201 من قانون المرافعات).
ويحق لنا الآن أن نتساءل: ما مدى تأثر نظام حجز ما للمدين لدى الغير بنظام أوامر الأداء.
وللإجابة عن هذا التساؤل يجب أن نفرق بين فرضين:

الفرض الأول- حالة الحجز تنفيذاً لأمر أداء قائم:
وصورة المسألة في هذا الفرض أن يكون الدائن قد استصدر أمراً بأداء دينه ويريد تنفيذ هذه الأمر بحجز ما لمدينه لدى الغير، ففي هذه الحالة يجب أن يقوم بإعلان أمر الأداء للمدين طبقاً للمادة (281) وبعد مضى يوم على هذا الإعلان يعمد إلى حجز ما للمدين لدى الغير. ويجرى هذا الحجز عندئذ طبقاً للأوضاع المقررة في المادة (328) وما بعدها.
أي أن ايقاع الحجز يتم بورقة من أوراق المحضرين تعلن إلى المحجوز لديه وتشتمل على البيانات الآتية:
صورة أمر الأداء الذى يوقع الحجز بمقتضاه (مع بيان تاريخ إعلانها) وغالباً ما يوقع الحجز بموجب الصورة التنفيذية المعلنة.
بيان أصل المبلغ المحجوز من أجله وفوائده والمصاريف.
نهى المحجوز لديه عن الوفاء بما في يده إلى المحجوز عليه أو تسليمه اياه.
وغالباً ما يشتمل إعلان الحجز على تكليف المحجوز لديه بالتقرير بما في ذمته. (تراجع المادة 328 مرافعات جديد)
ثم يعقب ذلك – فلا خلاص ثمانية الأيام التالية لإعلان الحجز إلى المحجوز لديه – إبلاغ المحجوز عليه بنفس ورقة الحجز – وذلك لكى يعلم بحصول الحجز وايقاعه على أمواله لدى الغير (تراجع المادة 332).
فإن لم يحصل هذا الابلاغ – أو حصل بعد ثمانية أيام من إعلان الحجز إلى المحجوز لديه – فإن الحجز يعتبر كأن لم يكن وينبغي إعادة إجراءاته مجدداً. وكذلك إذا تم الإبلاغ بورقة مستقلة غير ورقة الحجز نفسها.
ويقوم المحجوز لديه بالتقرير بما في ذمته خلال (15) يوماً من تكليفه بذلك سواء أكان ذلك التكليف وارداً في إعلان الحجز إلى المحجوز لديه – وهذا هو الغالب – أو في ورقة لاحقة مستقلة.
وإذا لم يقم بذلك جاز الزامه بدين الحاجز (مادة 342) – وتصفى المنازعة الخاصة بالتقرير أن كان لها وجه (مادة 342) – ويتخذ الدائن إجراءات التنفيذ على الغير طبقاً للمادة (285) ثم يعمد (الدائن) إلى استيفاء حقه من المحجوز لديه بشرط انقضاء (15) يوماً على التقرير بما في الذمة (تراجع المادة 344).
وبذلك يتبين أن نظام أوامر الأداء لا يؤثر على إجراءات حجز ما للمدين لدى الغير إذا كان هذا الحجز تنفيذياً – أي يقصد به استيفاء دين صدر بموجبه أمر بالأداء.

الفرص الثاني- حالة الحجز قبل أمر الأداء:
أما الفرض الثاني فصورة المسألة فيه تتلخص في اتجاه رغبة الدائن إلى حجز ما لمدينه لدى الغير قبل استصدار الأمر بالأداء – أي حيث يكون المقصود من الحجز هو التحفظ على المال الذى للمدين في يد الغير.
ففي هذه الحالة – لو طبقنا القواعد العادية – السابق بيانها في إجراءات حجز ما للمدين لدى الغير – لوجب أن يلجأ الدائن إلى قاضى التنفيذ لاستصدار أمر (على عريضة) يأذن فيه القاضي بالحجز – وذلك وفقاً للمادة (327) – ثم يعلن الحجز إلى المحجوز لديه ويشتمل إعلان الحجز على صورة من أمر القاضي الذى يتضمن الاذن بالحجز – ويعقب ذلك ابلاغ المحجوز عليه بالحجز خلال ثمانية أيام من إعلان الحجز إلى المحجوز لديه – مع رفع دعوى صحة الحجز – أي أن ابلاغ الحجز يجب أن يتم بنفس ورقة الحجز وأن يقترن برفع دعوى صحة الحجز (مادة 333) وإلا فان الحجز يعتبر كأن لم يكن.
غير أن المشرع قدر أن هذه الإجراءات العادية المقررة بمقتضى القواعد العامة لا تتفق مع طبيعة نظام أوامر الأداء، ولذلك قرر عدم اتباعها في حالة الديون التي يجب استصدار أمر بأدائها – واستعاذ عنها بأحكام أخرى خاصة تتضمن نظاماً آخر يتناسق مع فكرة أوامر الأداء. فقرر في هذا الشأن ما يأتي:
1- أن الدائن في هذه الحالة يلجأ إلى القاضي المختص بإصدار أمر الأداء لكى يستأذنه في إيقاع الحجز على ما لمدينه لدى الغير([2]). ويتم ذلك بطريق تقديم عريضة بمضمون ما تقدم إلى القاضي المختص بإصدار أوامر الأداء.
ويلاحظ أن القاضي المختص بإصدار إذن الحجز في هذه الحالة هو القاضي المختص بإصدار أمر الأداء، وليس قاضى التنفيذ (الذى يختص بإصدار أوامر الحجز في الأحوال العادية). وقد نصت على ذلك المادة (210) وقررت أنه استثناء من القواعد العامة المقررة بالمواد 275 و 319 و 327 وهى المواد المتعلقة ببيان اختصاصات قاضى التنفيذ وبيان القاضي المختص بإصدار أمر الحجز التحفظي في المنقول وفى حجز ما للمدين لدى الغير.
ولما كان قاضى التنفيذ قاضياً جزئياً فإن المفارقة تظهر بوضوح في حالة ما إذا كانت قيمة الدين تزيد عن 500 جنيه – فإن استصدار أمر الحجز في هذه الحالة يكون من القاضي المختص بإصدار أمر الأداء في المحكمة الكلية.
أما الاختصاص المحلى فهو للقاضي المختص بإصدار أوامر الأداء الذى يقع موطن المدين في دائرة اختصاصه إلا إذا كان هناك اتفاق على اختصاص قاضى آخر لأن قواعد الاختصاص المحلى ليست من النظام العام كما هو معلوم فيجوز الاتفاق على ما يخالفها.

2- بعد أن يحصل الدائن على أمر الحجز، يقوم بإعلان الحجز إلى المحجوز لديه بموجب ورقة من أوراق المحضرين تشتمل على صورة من أمر القاضي وبيان المبلغ المطلوب ونهى المحجوز لديه عن الوفاء بما في يده إلى المحجوز عليه أو تسليمه اياه – كما يشتمل إعلان الحجز في العادة على تكليف المحجوز لديه بالتقرير بما في ذمته. (ويتم ذلك خلال 30 يوماً من تاريخ صدور أمر الحجز).

3- بعد ذلك يتقدم الدائن بطلب أمر الأداء اللازم. وهو يتقدم بهذا الطلب إلى القاضي المختص بإصدار أوامر الأداء (وهو نفس القاضي الذى استصدر الدائن منه أمر الحجز) وقد نص المشرع على أنه يجب أن يتم تقدير أمر الأداء خلال ثمانية الأيام التالية لتوقيع الحجز – أي لإعلان ورقة الحجز إلى المحجوز لديه.
فإذا لم يقدم طلب أمر الأداء، أو قدم بعد هذا الميعاد فإن الحجز يعتبر كأن لم يكن. وان كان ذلك لا يحول دون اصدار أمر أداء يلزم المدين (المحجوز عليه) بأداء الدين الذى عليه للحاجز.

4- ويجب أن يشتمل طلب الأمر بالأداء على طلب آخر وهو الأمر بصحة إجراءات الحجز. وهو ما يغنى عن رفع دعوى بصحة الحجز، على أنه إذا رأى القاضي أن يصدر أمراً بالأداء وان يرفض طلب صحة الحجز فإنه يجب أن يحدد جلسة لنظر الموضوع لأن ذلك يعتبر تجزئة للطلبات وهو ما لا يجوز فعليه إذن أن يتمنع عن اصدار أمر بالأداء وأن يحدد لنظر الموضوع جلسة.

5- وقد نصل المشرع على أن ورقة تبليغ الحجز إلى المحجوز عليه يجب أن تشتمل على اخطاره بتقديم الطلب (أي طلب أمر الأداء وصحة الحجز). والا فإن الحجز يعتبر كأن لم يكن فدل ذلك على أمرين:
أولهما: أن الحجز يجب أن يبلغ إلى المحجوز عليه.
وثانيهما: أن التبليغ يتم بعد تقديم طلب أمر الأداء للقاضي المختص.
ولكن لم يقرر المشرع أن التبليغ يجب أن يتم خلال الأيام الثمانية ولم يحدد للتبليغ مدة. وغاية ما هنالك أن طالب أمر الأداء يجب أن يبلغ المدين المحجوز عليه بأن طلب أمر الأداء (مشفوعاً بطلب صحة إجراءات الحجز) قد قدم إلى القاضي المختص، مع بيان تاريخ تقديمه، لكى يتحقق المدين من أنه مقدم في الميعاد والا جاز له أن يطلب اعتبار الحجز كأن لم يكن. إلا أن التبليغ يتم في العادة خلال 8 أيام من إعلان الحجز إلى المحجوز لديه.

6- ولكن المشرع لم يشترط أن يتم صدور أمر الأداء خلال ثمانية أيام من توقيع الحجز – وهذا بديهي، لأن القاضي الذى يقدم إليه طلب أمر الأداء قد يتراخى في اصداره، وقد يمتنع عن اصداره ويحدد له جلسة.
ولا يملك الدائن ازاء ذلك كله شيئاً، فلا يجوز أن يؤاخذ بفعل القاضي وان يجازى باعتبار اجراءاته كأن لم يكن، إذا تأخر القاضي مثلاً في اصدار أمر الأداء – ولذلك اكتفى منه المشرع بتقديم الطلب خلال ذلك الميعاد.

7- كذلك لم يشترط المشرع أن يتم تبليغ الحجز إلى المدين المحجوز عليه بنفس ورقة الحجز المعلنة إلى المحجوز لديه، فيجوز أن يتم التبليغ بورقة أخرى.

8- ولما كان المشرع لم يحدد ميعادا للتبليغ، فإن الدائن يستطيع أن يجرى هذا التبليغ حتى بعد مضى ثمانية أيام من ايقاع الحجز، وكل ما استلزمه المشرع في هذا الشأن هو أن يشتمل التبليغ على اخطار المدين بتقديم طلب أمر الأداء.
ومعنى هذا التبليغ لا يتم بعد توقيع الحجز مباشرة – وإنما بعد تقديم طلب أمر الأداء للقاضي – ولما كان القانون يتطلب تقديم الطلب خلال ثمانية أيام من توقيع الحجز فإن من المتصور أن يقوم الدائن بتوقيع الحجز، ثم يقوم في اليوم الثامن من الأيام التالية بتقديم الطلب للقاضي، ثم يقوم بالتبليغ بعد ذلك أي في اليوم التاسع أو العاشر أو ما بعدهما – ولهذا لم يحدد المشرع ميعاداً للتبليغ فإن التأخر عن الأيام الثمانية أمر طبيعي طبقاً لتسلسل الاجراءات على هذا الوضع.
ولهذا نعتقد أن الجزاء الذى قرره المشرع وهو اعتبار الحجز كأن لم يكن – إنما يطبق في حالي ما إذا لم يتقدم الدائن للقاضي بطلب أمر الأداء خلال ثمانية أيام من توقيع الحجز – أو في حالة ما إذا قام بتبليغ المدين بالحجز قبل التقدم بالطلب إلى القاضي. أو في حالة ما إذا خلال التبليغ من اخطار المدين المحجوز عليه بما يفيد تقديم الطلب المذكور إلى القاضي في الميعاد المحدد.

حالة التظلم من أمر الحجز:
وقد أضافت المادة (210) في ختامها حكماً خاصاً مؤداه أنه في حالة التظلم من أمر الحجز لسبب يتصل بأصل الحق – فإنه يمتنع على القاضي اصدار الأمر بالأداء – ويتعين عليه في هذه الحالة أن يحدد جلسة لنظر الدعوى – وتعتبر هذه الدعوى بمثابة دعوى صحة حجز.
وهذا الذى يقرره المشرع في عجز المادة (210) – ينطوي على حكم غريب يصعب تطبيقه لأنه لا توجد وسيلة قانونية محكمة تفرض علم القاضي بالتظلم وقت نظره في طلب أمر الأداء، حتى لو كان هذا التظلم قد رفع إليه.
كما أن المادة تفرق بين تظلم مبنى على سبب يتصل بأصل الحق، وتظلم مبنى على أسباب أخرى – وهى تفرقة قد يدق الأمر فيها حتى على القاضي.
ويضاف إلى ذلك أيضاً – أن التظلم الذى يمنع القاضي من اصدار أمر الأداء – أي الذى يكون مبنياً على سبب يتصل بأصل احق – ينبغي أن يكون مقدماً من المدين المحجوز عليه، ولهذا فغن الحكم الذى أورده المشرع في هذا المقام ينطوي (من ناحية) على تصور لا يتفق مع القانون، لأنه يفترض علم المحجوز عليه بإيقاع الحجز مع أن ايقاع الحجز يتم بورقة تعلن إلى المحجوز لديه أي بإجراء لا يوجه إلى المحجوز عليه، وهو قانوناً غير مخاطب به، كما أنه من الناحية الواقعية قد لا يعلم به فعلاً. فيكيف نتصور مع ذلك أن يتظلم المدين من ذلك الاجراء ونرتب عل هذا التصور الغريب حكماً قانونياً.
كما أن هذا الحكم ينطوي (من ناحية أخرى) على تشدد لا مبرر له – لأنه يجبر المدين على التظلم خلال ثمانية أيام من ايقاع الحجز – وهو ما يضيق عليه الميعاد بلا مبرر.
ثم – أخيراً – ما هو الجزاء إذا أصدر القاضي أمر الأداء رغم قيام التظلم؟
لم يقرر المشرع شيئاً في هذا الشأن، ولو أنصف لقرر أن التظلم من أمر الحجز يتحول عندئذ إلى تظلم من أمر الأداء – أي يعتبر بمثابة تظلم من أمر الأداء ذاته – وتنظر فيه المحكمة على هذا الاعتبار (بعد استكمال الرسم عند الاقتضاء).
ولهذا كله، نقترح حذف هذا النص عند تعديل القانون.

التزامات المحجوز لديه:
المحجوز لديه شخص من الغير لا شأن له بالنزاع الحاصل بين الحاجز والمحجوز عليه ولكن علاقته بالمحجوز عليه توجب ادخاله في إجراءات الحجز وطبيعة حجز ما للمدين لدى الغير تقتضى أن يكون طرفاً في الحجز بحكم أن الحجز يتم تحت يده على أموال المحجوز عليه ديناً كانت ام عينا. وحجز ما للمدين لدى الغير يولد التزامات قانونية على عاتق الغير المحجوز تحت يده. وهذه الالتزامات مصدرها القانون (مباشرة) وهى تتلخص فيما يأتي:
أولاً: التزام سلبى مؤداه امتناع المحجوز لديه عن الوفاء لدائنه (المحجوز عليه) بما تحت يده من دين أو امتناعه عن تسليم ما تحت يده من منقولات لأن الحجز يتضمن نهيه عن الوفاء أو التسليم. وهو هنا مكلف بالا يوفى أي مبلغ مهما كان ضئيلاً وألا يسلم أي شيء مهما كان تافهاً لأن الحبس المتولد عن الحجز الموقع تحت يده هو حبس كلى يشمل كل ما تحت يده من أموال أو نقود ينصب عليها الحجز (وفقاً للصيغة التي وقع بها: سواء كان حجزاً عاماً ام مخصصا بمال معين أو نوع معين من الأموال).

التقرير بما في الذمة:
ثانياً: أما الالتزام الثاني فهو التزام إيجابي مؤداه أن يتوجه المحجوز لديه إلى المحكمة المختصة لكى يقرر لدى قلم الكتاب بما في ذمته أي بما هو مدين به للمحجوز عليه أو بما هو موجود تحت يده من منقولات مملوكة للمحجوز عليه.
والتقرير بما في الذمة هو اقرار من المحجوز لديه بما تحت يده من أموال (ديون أو منقولات مادية) مملوكة للمحجوز عليه. ويعتبر ذلك الاقرار حجة عليه بما ورد فيه. وهو اقرار رسمي. ولكنه لا يعتبر اقراراً قضائياً لأن قلم الكتاب ليس جهة قضاء. والأصل أنه لا يجوز اكراه شخص على أن يعترف أو أن يقر بمديونيته لغيره – ألا أن الالتزام بالإقرار هنا هو التزام قانونيا مصدره نص التشريع – فالمشرع يجبر المحجوز لديه في حجز ما للمدين على الاعتراف بما في ذمته لدائنه المحجوز عليه. فالإقرار هنا (منتزع) ولكن وصفه بأنه منتزع لا ينفى عنه صفة الاقرار لأن هذا هو تكيفه القانوني الصحيح.
ميعاده: ويتم التقرير بما في الذمة في خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إعلان المحجوز لديه بالحجز إذا اشتمل إعلان الحجز على تكليفه بالتقرير. فإن لم يشتمل على ذلك جاز تكليفه بالتقرير بورقة أخرى لاحقة أي بإعلان مستقل ويحسب ميعاد الخمسة عشر يوماً من تاريخ تكليفه بالتقرير ويراعى في هذا الشأن أن عدم اشتمال إعلان الحجز على التكليف بالتقرير لا يبطل الإعلان ولا يؤثر في صحة الحجز وكل ما هنالك أنه يؤخر ميعاد التقرير لأن الميعاد الذى يلتزم المحجوز لديه بالتقرير خلاله لا يبدأ إلا من تاريخ التكليف به وهو ما يتفق مع إعلان الحجز إذا تم معه وما قد يبدأ من تاريخ لاحق إذا انفصل التكليف عن إعلان الحجز وتم كل منهما بورقة منفصلة.
ويجب لكى يلتزم المحجوز لديه بالتقرير بما في ذمته أن يودع الحاجز مقدماً في خزينة المحكمة رسم التقرير بما في الذمة وان يتضمن التكليف بالتقرير ما يفيد ذلك وما يدل عليه وإلا فإن المحضر يستطيع أن يمتنع عن إعلان ورقة التكليف إلى المحجوز لديه. ويرجع ذلك إلى أن المحجوز لديه يعتبر من الغير فلا يجوز أن يكلف بإنفاق المصروفات التي يستلزمها التقرير بما في الذمة مهما كانت ضئيلة بل يجب أن يبذلها الحاجز لأنه هو المستفيد من الحجز كما أن في تكليف المحجوز لديه يبذل هذه النفقات الزام له بما يلزم وحسبه أنه يجبر على الإقرار والاعتراف بما في ذمته هذا فضلاً عن أن سداد رسم التقرير بما في الذمة قد يؤدى إلى ارهاقه خصوصاً إذا ما تعددت الحجوز الموقعة تحت يده وحسبنا في هذا المقام أن نتصور مصرفاً من المصارف التي يوقع تحت يده وحسبنا في هذا المقام أن نتصور مصرفاً من المصارف التي يوقع تحت يدها مئات الحجوز يومياً على ما للعملاء تحت يدها فلو ألزمناها برسوم التقرير لأدى ذلك إلى الزامها بدفع مئات الجنيهات في الشهر الواحد بل في اليوم الواحد أحياناً – مع ملاحظة أنه لا يوجد مبرر أو سبب قانونيا لإلزام المحجوز لديه برسم التقرير كما يلاحظ من جهة أخرى أن التقرير قد يكون سلبياً بمعنى أن المحجوز عليه قد لا يكون له شيء أصلاً تحت يد المحجوز لديه وقد لا تكون له به صلة بل وقد لا يكون معروفاً لديه ولا يتسنى الرجوع عليه برسوم التقرير إذا دفعت بالنيابة عنه. ولذلك أوجب القانون على الحاجز سدادها مقدماً وأباح للمحضر الامتناع عن إعلان ورقة التكليف بالتقرير إذا لم تسدد – ولا يجوز استصدار أمر من قاضى التنفيذ أو غيره لإجبار المحضر على إعلان ورقة التكليف في هذه الحالة – لأن ذلك غير منتج إذ أن قلم الكتاب سيمتنع في كل حالة عن تلقى التقرير بما في الذمة ما لم يسدد إليه رسمه.

إجراءات التقرير بما في الذمة:
يتم ذلك بتوجيه المحجوز لديه إلى قلم كتاب المحكمة الجزئية التابع هو لها ليقرر (في محضر مكتوب) بما في ذمته للمحجوز عليه تقريراً مفصلاً يبين فيه أساس مديونيته ومقدار دينه وما وفاه إلى المدين أو ما وقعت فيه المقاصة بينه وبين المدين وإذا كان الدين قد انقضى أو لم يكن المحجوز لديه مديناً أصلاً فيجب عليه أن يقرر ذلك.
ويجب عليه أن يبين ما هى الحجوز التي توقعت تحت يده وما تم من تحويل بعض أو كل المبالغ التي تحت يده.
ويجب عليه كذلك أن يودع مع التقرير المستندات المؤيدة لما يقرر من البيانات، وقد قرر القانون وسائل تدفع المحجوز لديه إلى القيام بهذا الالتزام، أي بالتقرير بما في ذمته، بل وتكرهه عليه، لأنه لو امتنع عن ذلك أو تأخر أو تعمد الخطأ أثناء تنفيذه لهذا الالتزام فإن ذلك قد يؤدى إلى التزامه فيما بعد – (فضلاً عن التعويضات) – بمبلغ من النقود يدفعه إلى الحاجز على ما سنفصله فيما يلى:

دعوى المنازعة في التقرير:
لم يترك الأمر لإرادة المحجوز لديه في التقرير بما في ذمته بغير رقيب بل خول القانون لأصحاب الشأن الحق في المنازعة في التقرير الحاصل من المحجوز لديه.
وتحصل المنازعة برفع دعوى على المحجوز لديه أمام قاضى التنفيذ الذى يقع في دائرته موطن المحجوز لديه.
وهذه الدعوى قد يرفعها الحاجز، وقد يرفعها المحجوز عليه نفسه إذا رأى أن المحجوز لديه قد قرر غير الحقيقة اضراراً به أو للانتقاص من حقوقه، وإذا رفعها الحاجز فإنها تكون صورة من صور الدعوى غير المباشرة، ولذلك يجب أن يختصم فيها المحجوز عليه ويكون الحكم الصادر فيها حجة على هذا الأخير.
وإذا رفعت هذه الدعوى من المحجوز عليه ضد المحجوز لديه فإنه تتبع فيها قواعد الاثبات المقررة في القانون المدني. وهذا بديهي.
وإذا رفعت هذه الدعوى من الحاجز فإنه ينتصب فيها خصماً بصفته خلقاً للمحجوز عليه، فلا يجوز له من طرق الإثبات إلا ما يجوز للمحجوز عليه، وإلا لجاز التحايل على قواعد الإثبات بإيقاع حجز ما للمدين لدى الغير بمعرفة حاجز من صنائع الدائن المزعوم – يعتبر على التقرير بما في الذمة – ويتمسك بأدلة لا يجوز التمسك بها قانوناً – على تقدير أنه من الغير وله أن يثبت بالبينة فيكون حجز ما للمدين لدى الغير مثابة أو وسيلة للإثبات بغير الطرق الواجبة قانوناً أي يكون ذلك الحجز بابا للتحايل يفتحه الدائن المزعوم بفعله أو بفعل أحد أبتاعه والمتواطئين معه.
على أن البعض يرى أن الحاجز هنا لا يستعمل حقوق مدينه وإنما يعتبر من الغير ويستعمل حقاً خاصاً له.
ولكن هل يحتج عليه بما يحتج به على مدينه (المحجوز عليه) – أي هل تكون الأوراق العرفية الصادرة من المحجوز عليه، كالإيصالات والمخالصات، حجة على الحاجز؟ أم أن صفته كحاجز تعطيه الحق في استلزام ثبوت تاريخ المحررات العرفية المقدمة في الدعوى لكى تكون حجة عليه؟
الجواب هو أن القانون المدني ينص في المادة 395 فقرة ثانية، على أنه يجوز الاحتجاج على الغير بالمخالصات الصادرة من المدين ولو لم تكن ثابتة التاريخ. وفى هذا تيسير على المحجوز لديه، لأنه لم يكن يتوقع وقت الوفاء لدائنه أنه قد يوقع تحت يده حجز فيحتاط لذلك بإثبات تاريخ المخالصة. ولو قلنا بغير ذلك لأوقعنا المتعاملين في حرج شديد.
غير أنه يجوز للحاجز أن يثبت صورية المخالصة، وهو في هذا يعتبر من الغير فله الاثبات بكافة الطرق.
ولكن ما حكم المحررات العرفية الأخرى، كحوالة الدين أو التنازل عن جزء منه أو الاعتراف بدين مقابل مما يؤدى إلى المقاصة.
نرى أنه ينبغي التشدد في هذا الشأن واشتراط اثبات تاريخ هذه المحررات، لأن الدائن الحاجز بمقتضى ما أوقعه من حجز قد أصبح في مركز متميز يرفعه عن مرتبة الدائن العادي – المعتبر خلفاً للمدين يتقيد بما يتقيد به المدين – إلى مرتبة الغير في معنى ثبوت التاريخ على ما هو مقرر في نظام الاثبات.
وبعبارة أخرى يجوز للحاجز التمسك بعدم ثبوت التاريخ فيما عدا المخالصات التي جرى العرف على التسامح فيها. ويلاحظ أن تمسك الحاجز بثبوت التاريخ جائز له سواء كان هو الذى رفع دعوى المنازعة في التقرير أو كانت تلك الدعوى قد رفعت من المحجوز عليه واختصم الحاجز فيها.
إلا أنه إذا رفعت الدعوى من المحجوز عليه ولم يختصم فيها الحاجز فإن الحكم الصادر فيها لا يحتج به على الحاجز نظراً لما هو مقرر من نسبية أثر الأحكام ولأن الدعوى قد تكون مرفوعة بالتواطؤ بين المحجوز عليه والمحجوز عليه والمحجوز لديه اضراراً بحق الحاجز.
وإذا تعدد الحاجزون وجب ادخالهم في دعوى المنازعة ليدافعوا عن حقوقهم وليكون الحكم فيها حجة عليهم. ولذلك فإن من لا يختم فيها منهم لا ينفذ في حقه الحكم الصادر فيها، حتى لو كان متضامناً مع أحدهم في الدائنية إلا إذا كان الحكم الصادر فيها مفيداً لهم فإن كان ضاراً بهم فلا. ولهذا يجوز تعدد دعاوى المنازعة بتعدد الدائنين.
ويختص بهذه الدعوى قاضى التنفيذ الذى يتبعه المحجوز لديه مهما كانت قيمتها وحكمه فيها يستأنف للمحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف حسب قيمة الدعوى (في حدود 500 جنيه أو أكثر).

الجزاء على الاخلال بواجب التقرير بما في الذمة (دعوى الالزام الشخصي):
قرر المشرع هذا الجزاء في المادة 343 من قانون المرافعات الجديد وهو الحكم على المحجوز لديه بدين الحاجز، ويكون ذلك إذا لم يقم المحجوز لديه بالتقرير بما في ذمته رغم تكليفه في الميعاد على الوجه المبين في المادة 339 أو إذا قرر غير الحقيقة أو إذا أخفى الأوراق الواجب عليه ايداعها لتأييد التقرير، وهذا الجزاء من قبيل العقوبة المدنية، وهو وسيلة ناجحة لإكراه المحجوز لديه على التقرير بما في ذمته.
وهذا الجزاء لا يوقع إلا بناء على طلب الدائن الحاصل على سند تنفيذي وتوقيعه جوازي للمحكمة.

شروط توقيع الجزاء:
يشترط لتوقيع الجزاء شرطان:
الشرط الأول: أن يكون بيد الحاجز الدائن سند تنفيذي.
الشرط الثاني: أن يرتكب المحجوز لديه أحد الأمور الثلاثة الأتية:
أن يكون المحجوز لديه قد تخلف عن التقرير بما في ذمته في ميعاد خمسة عشر يوماً من تكليفه بذلك أو إذا قام بالتقرير على غير الوجه المبين في القانون.
فيجوز للحاجز عندئذ أن يرفع دعوى يطلب فيها الحكم بالزام المحجوز لديه شخصياً بأن يدفع الدين الذى أوقع الحجز من أجله، ويستوى عندئذ أن يكون المحجوز لديه مديناً للمحجوز عليه أو غير مدين أو أن يكون مديناً له بأقل من دين الحاجز فإن الزامه شخصياً بدين الحاجز هو عقوبة له على امتناعه عن القيام بالالتزام الذى فرضه عليه القانون، ولذلك لا يلزم اختصام المحجوز عليه في هذه الدعوى.
أو أن يكون المحجوز لديه قرر غير الحقيقة: بأن ذكر أنه ليس مديناً وأثبت الحاجز أنه مدين أو أثبت أنه مدين بأكثر مما قرر أنه مدين به.
أو أن يخفى الأوراق الواجب عليه ايداعها.
ولكن لا يشترط أن يثبت الحاجز سوء نية المحجوز لديه أو غشة أو تدليسه في تقريره غير الحقيقة أو في اخفائه للأوراق، فإن الإهمال من جانبه كاف لتوقيع الجزاء عليه.
والدعوى المرفوعة من الحاجز على المحجوز لديه لإلزام هذا الأخير بأداء دين الحاجز تسمى عملاً دعوى الالزام الشخصي.
وترفع هذه الدعوى إلى قاضى التنفيذ الذى يقع في دائرة اختصاصه موطن المحجوز لديه، أياً كانت القيمة المطلوبة.

نتائج الحكم في دعوى الالزام الشخص:
أولاً: يعتبر المحجوز لديه ملتزماً شخصياً تجاه الحاجز بالمبلغ المحكوم عليه به في دعوى الالزام الشخصي، ولذلك يجوز للحاجز أن ينفذ على أموال المحجوز لديه لاقتضاء هذا المبلغ ولا يعتبر هذا تنفيذا على الغير تتبع فيه أحكام التنفيذ على الغير لأن المحجوز لديه يصبح بذلك الحكم هو المدين الشخصي للحاجز مباشرة.
ثانياً: لا يجوز للحاجزين الآخرين مشاركة الحاجز في المبلغ المقضي له به في دعوى الالزام الشخصي، وفى مقابل ذلك يجوز لكل منهم أن يرفع الدعوى على المحجوز لديه لإلزام هذا الأخير شخصياً بدين كل من هؤلاء الحاجزين، ومن ثم يجوز أن تتعدد الأحكام الصادرة ضد المحجوز لديه في هذا الشأن، نتيجة لتعدد دعاوى الإلزام.
ثالثاً: ولكن لا يجوز للحاجز الجمع بين استيفاء المبلغ من المحجوز لديه والمحجوز عليه، فإذا قام بالتنفيذ على أحدهما امتنع عليه التنفيذ على الآخر لأن قيام المحجوز لديه بوفاء دين الحاجز يؤدى إلى براءة ذمة المحجوز عليه.
ولذلك فإنه إذا تبين في دعوى الالزام الشخصي أن الحاجز قد استوفى ماله من المحجوز عليه فإن ذلك يؤدى إلى رفض الدعوى.
رابعاً: ولا يجوز أن تكون نتيجة الحكم في هذه الدعوى أن يثرى المحجوز عليه بلا سبب، ولذلك فإنه يترتب على تنفيذ الحكم الصادر في هذه الدعوى حلول المحجوز لديه محل الحاجز فيما للحاجز من دين طرف المحجوز عليه، ويكون للمحجوز لديه الحق في الرجوع (بما أوفاه إلى الحاجز) على المحجوز عليه، بدعوى الحلول (بعد خصم قيمة الدين الذى كان مستحقاً للمحجوز عليه طرف المحجوز لديه).
ولذلك فإن تصوير هذا الجزاء بأنه محض عقوبة لا يتفق مع نتائج الحكم على المحجوز لديه بدين الحاجز، بل ِأنه يعتبر وفاء مبرئاً لذمة المحجوز عليه في مواجهة الحاجز، بل أنه يعتبر وفاء مبرئاً لذمة المحجوز عليه في مواجهة الحاجز، ومؤدياً إلى حلول المحجوز لديه محل الحاجز في الرجوع على المحجوز عليه.
ويلاحظ أخيراً أن كون الحكم على المحجوز لديه بدين الحاجز جوازياً يقتضى أن تملك المحكمة الحكم عليه بجزء من ذلك الدين فقط، لأنها إذا كانت تملك رفض الدعوى أصلا، فهي تملك من باب أولى أن تحكم ببعض المطلوب فيها وترفض ما عداه من الطلبات، فمن يملك الأكثر يملك الأقل. والحكم في ذلك منوط بما تقدره المحكمة في ظروف كل دعوى، من حيث جسامة خطأ المحجوز لديه، وحسن نيته أو سوئها، ومقدار ما أصاب الحاجز من ضرر من جراء ذلك.
على أنه سواء حكم للحاجز بكل دينه، أو ببعضه، أو رفضت دعواه ولم يحكم له بشيء، فإنه يجب في جميع الأحوال الزام المحجوز لديه بمصاريف الدعوى.
كما أنه يجوز الحكم عليه بالتضمينات المترتبة على تقصيره أو تأخيره، وتكون هذه التضمينات حقاً ذاتياً خالصاً للحاجز، ولا تخصم من دينه، كما لا تخصم من الدين الذى على المحجوز لديه للمحجوز عليه.
والحكم في دعوى الالزام الشخصي يقبل الاستئناف أما إلى المحكمة الابتدائية، وأما إلى محكمة الاستئناف حسب قيمة الدعوى، ما لم تكن داخلة في حدود النصاب النهائي للقاضي الجزئي (قاضى التنفيذ).

طبيعة التقرير بما في الذمة ونتائجه:
أما وقد خلصنا من بيان مضمون التقرير بما في الذمة وإجراءاته والمنازعة فيه والجزاء على التراخي فيه أو الامتناع عنه فينبغي أن نتساءل ما هى طبيعته، وما هى النتائج التي تترتب عليه؟
أما عن طبيعته فلا شك لدينا ازاء ما تقدم في أن التقرير بما في الذمة هو تصرف قانونيا يصدر من المحجوز لديه، وهو من التصرفات الإقرارية، إذ أنه لا ينشئ التزاماً مبتدأ، وانما يثبت ديناً سابقاً. فالمحجوز لديه يعترف بالدين الذى هو مدين به للمحجوز عليه، فالتقرير بما في الذمة كما سبق القول هو اقرار منتزع، لأن القانون هو الذى يلزم المحجوز لديه به ويرتب على تخلفه عنه قرينة على مديونيته بما يوازى دين الحاجز، وهذا هو أساس الحكم عليه في دعوى الالزام الشخصي.
1- ويترتب على ما تقدم أنه يجوز للمحجوز عليه، كما يجوز للحاجز التمسك على المحجوز لديه بما ورد في محضر التقرير بما في الذمة، وهو ورقة رسمية، باعتباره اقراراً.
ولذلك – فإن المحجوز لديه يلتزم بعد تصفية المنازعات بأن يقوم بالوفاء إلى الحاجز من المبلغ الذى قرر أنه في ذمته أو أن يودع هذا المبلغ في خزينة المحكمة، فإن لم يحصل الوفاء ولا الايداع كان للحاجز الحق في أن ينفذ على أموال المحجوز لديه وذلك بموجب السن التنفيذي الذى بيد الحاجز مرفقاً به صورة رسمية من التقرير بما في الذمة.
2- ولما كان القانون يوجب في حالة وجود منقولات تحت يد المحجوز لديه بأن يورد هذا الأخير في تقريره بما في ذمته بياناً تفصيلياً بهذه المنقولات فقد خول القانون للحاجز الحق في بيع هذه المنقولات بالإجراءات المقررة في حجز المنقول دون حاجة إلى حجز جديد.
3- وأهمية التقرير بما في الذمة – فضلاً عن أثره في ثبوت مديونية المحجوز لديه – تبدو من ثلاث نواحي:
أولها: تجديد محل التنفيذ، لأنه إذا كان الحجز موقعاً على دين بعينه فإن محل التنفيذ يكون معيناً فحسب، ولكنه يتحدد ببيان المبلغ في التقرير – وإذا كان الحجز عاماً أي موقعاً على جميع ما يكون المحجوز لديه مديناً به للمحجوز عليه فإن التقرير بما في الذمة يؤدى إلى تعيين هذه الديون وتحديدها نظراً لما تقرره المادة 225 من أن الحجز يتناول كل دين ينشأ للمدين في ذمة المحجوز لديه إلى وقت التقرير بما في الذمة (الفقرة الثانية من المادة).
وثانيها: تحديد الوقت الذى يجب فيه على المحجوز لديه الوفاء للحاجز، إذ يجب على المحجوز لديه بعد 15 يوماً من التقرير أن يوفى إلى الحاجز المبلغ الذى أقر به أو ما يفي منه بحق الحاجز إذا كان الحاجز مزوداً بسند تنفيذي، ومع مراعاة اجراءات التنفيذ على الغير (مادة 344).
وثالثها: أنه إذا وقع حجز جديد بعد مضى 15 يوماً على التقرير فلا يكون له أثر في حق الحاجز المزود بسند قانونيا أي أن الحاجز يختص بالمبلغ الذى في ذمة المحجوز لديه بمضي 15 يوماً من التقرير بما في الذمة إذا كان حق الحاجز ثابتاً في سند تنفيذي، ومع مراعاة إجراءات التنفيذ على الغير (مادة 469).

متى يستغنى عن التقرير بما في الذمة:
وثمة حالات قد يثور التساؤل بمناسبتها عما إذا كان التقرير بما في الذمة واجباً أم يمكن الاستغناء عنه، وفيما يلى هذه الحالات وحكم كل منها:
1- إذا كان المحجوز لديه غير مدين للمحجوز عليه أصلاً أو كان مديناً وانقضى الدين أو زالت المديونية. فلا جدوى من التقرير، ولكن المشرع ألزم المحجوز لديه به مع ذلك حتى يكون الحاجز على بينة، فعدم مديونية المحجوز لديه لا تعفيه من واجب التقرير (مادة 339 فقرة أخيرة) وقد قرر المشرع كذلك أنه يجب أن يبين المحجوز لديه في التقرير انقضاء الدين أن كان قد انقضى مع تاريخ وسبب الانقضاء.
2- إذا كان المحجوز لديه قد سبق له التقرير بناء على حجز سابق فهل يعفيه ذلك من التقرير بما في ذمته من جديد إذا أعلن بحجز جديد؟ الجواب على ذلك أنه يلزم التقرير بناء على طلب الحاجز التالي إذ أن المحجوز لديه قد تنشأ في ذمته بعد تقريره الأول ديون جديده لصالح المحجوز عليه. فالتقرير يفيد الحاجز الثاني لأن حجزه يتناول عندئذ كل دين نشأ في ذمة المحجوز لديه إلى تاريخ التقرير الجديد، ولذلك يكون مصلحته أن يقرر المحجوز لديه بما في ذمته حتى يتبين ما يكون قد استجد للمدين في ذمة المحجوز لديه.
ويفهم ذلك ضمناً من نص المادة 339 التي توجب على المحجوز لديه أن يبين في تقريره جميع الحجوز الموقعة تحت يده.
3- إذا كان المحجوز لديه مصلحة حكومية فهل يجب عليها التقرير بما في الذمة؟ أجاب المشرع على ذلك في المادة 340 بأنه إذا كان الحجز تحت يد مصلحة حكومية فإنه يجب عليها أن تعطى الحاجز (بناء على طلبه) شهادة تقوم مقام التقرير.
ولذلك لا يلزم الحاجز إذا كان الحجز موقعاً تحت يد مصلحة حكومية بأن يودع رسم التقرير بما في الذمة ولا يجوز للمحضر الامتناع عن إعلان الحجز على أساس التمسك بالمادة 328 فقرة أخيرة – أي بحجة عدم ايداع رسم التقرير – لأنه مادام المحجوز لديه مصلحة حكومية فإنها لن تقرر بل سيتقدم إليها الحاجز بطلب الشهادة القائمة مقام التقرير ويدفع الرسم اللازم عنها.
وما يقال عن المصالح يصدق على وحدات الإدارة المحلية أو الهيئات العامة أو المؤسسات العامة والشركات والجمعيات التابعة لها – وذلك بنص المادة (340).
4- إذا حصل ايداع المبلغ في خزينة المحكمة فهل يجب على المحجوز لديه أن يقوم مع ذلك بالتقرير بما في ذمته؟
الأصل أنه لا محل للتقرير متى حصل الإيداع، ولكن يجب أن نفرق هنا بين الإيداع البسيط والايداع المقترن بالتخصيص.
(أ) أما الإيداع البسيط:
فهو الذى يحصل بناء على طلب المحجوز عليه أو برغبة المحجوز لديه – ذلك بأن الحجز لا ينبغي أن يكون مهرباً للمحجوز لديه ولذلك أجاز القانون للمحجوز عليه أن يطالبه بالوفاء. وقرر أن الوفاء في هذه الحالة يكون بالإيداع (مادة 336) كما أن الحجز يجب ألا يضر بالمحجوز لديه الذى قد تكون له مصلحة في الوفاء بدينه لمنع سريان الفوائد أو لمجرد الرغبة في التخلص من المدين فأجاز له القانون أن يقوم بالوفاء وذلك بطريق الإيداع (مادة 336) مادام الحجز لم يرفع، حتى لو كان مطعوناً فيه بالبطلان.
ففي حالة الإيداع البسيط يغنى الإيداع عن التقرير (مادة 337) ولكن بشرط، وهذا الشرط هو أن يكون المبلغ المودع كافياً للوفاء بدين الحاجز وإلا وجب التقرير رغم الإيداع.
على أن الاعفاء من التقرير هنا مؤقت لأنه إذا وقع حجز جديد أصبح بعده المبلغ المودع غير كاف للوفاء جاز للحاجز تكليف المحجوز لديه بالتقرير خلال خمسة عشر يوماً، ويكون تقرير المحجوز لديه في حالة وقوع حجز جديد بناء على تكليف جديد، فإن لم يحصل هذا التكليف بقى المحجوز لديه معفى من التقرير ويحصل هذا التكليف عادة من الحاجز الاثني ولكن لا مانع من أن يحصل من الحاجز الأول لأن المادة 338 قررت ذلك (للحاجز) دون أن تحدده بأنه الحاجز الأول والثاني.
فالإعفاء من التقرير في حالة الايداع البسيط مشروط وموقوت.
(ب) أما في الإيداع المقترن بالتخصيص:
وهو الذى يحص لطبقاً للمادة 302 أو المادة 303 فلا محل للتقرير بما في الذمة. والإعفاء من التقرير هنا نهائي غير مشروط بشرط ولا بقيد زمنى لأن الإيداع مع التخصيص يؤدى إلى زوال قيد الحجز أو انتهاء أثره.

آثــار حجز ما للمدين لدى الغير:
آثار هذا الحجز تترتب على مجرد إعلان المحجوز لديه، ولكنها تكون معلقة على شرط فاسخ، فإذا لم يحصل إبلاغ المحجوز عليه خلال ثمانية أيام – أو لم ترفع في ذلك الميعاد دعوى صحة الحجز حيث يجب رفعها. زالت آثار الحجز، وهذه الآثار تتلخص فيما يأتي:

الأثر الأول:
لهذا الحجز هو امتناع المحجوز لديه عن الوفاء بما لديه إلى دائنه "المحجوز عليه" وهذا هو الالتزام السلبى الذى يقع على المحجوز لديه نتيجة لنهيه في إعلان الحجز عن ذلك الوفاء، وهو ما يعبر عنه بحبس المال. وهذا الحبس كلى بمعنى أن المحجوز لديه يمتنع عن الوفاء بأي مبلغ يكون في ذمته ولو كان دين الحاجز ضئيلاً وذلك لاحتمال أن يقع حجز آخر يستغرق ما في ذمة المحجوز لديه، فيتزاحم مع الحجز الأول وينكمش بذلك ما كان الحاجز الأول يتوقع أنه سيحصل عليه.
ذلك بأن الحجز لا يؤدى إلى اختصاص الحاجز بالمال الذى لدى المحجوز لديه.
وينبغي في بيان هذا الأثر أن نعالج الأمور الآتية:

الأمر الأول- تحديد محل الحبس:
أي بيان الأموال التي يتناولها هذا الحبس والتي يمتنع على المحجوز لديه الوفاء بها أو تسليمها إلى المحجوز عليه، وفى هذا لا خلوا الحال من أن يكون المال – الموجود لدى المحجوز لديه – ديناً أو عيناً.
فإن كان محل الحجز ديناً: فإن الحجز قد يكون واقعاً على دين معين وقاصرا عليه وقد يكون شاملا فيقع على كل ما يكون المحجوز لديه مديناً به للمحجوز عليه.
ففي الحالة الأولى: لا يتناول الحجز الا الدين المعين الذى تم الحجز عليه، ومثال ذلك أن يستأجر منك عقاراً ويقترض منك مائة جنيه ويوقع دائن لك حجزاً تحت يد ذلك المستأجر على ما هو مدين به من دين الأجرة، فعندئذ لا يكون له الحق في أن يحبس عنك مبلغ القر لأن الحجز لا يشمله بل يقتصر الحجز على دين الأجرة.
وإنما تستوى في ذلك الأجرة المتأخرة أو ما يستجد منها بعد الحجز، لأن المديونية بالأجرة متحققة وقت الحجز. وتحقق المديونية هنا معناه قيما سببها وقت الحجز.
فلو لم يكن المحجوز لديه مستأجراً وقت الحجز وإنما استأجر بعدها فإن الحجز يكون واقعاً على غير محل. أما إذا ثبت أن عقد الإيجار كان قائماً وقت الحجز فإن الحبس يتحقق بالنسبة للمتأخر من الأجرة، وكذلك بالنسبة للأجرة التي تستحق مستقبلاً. وهو ما يعبر عنه بأن يكون سبب المديونية قائماً وقت الحجز فيقع الحجز على ما هو مستحق من ذلك الدين وقت الحجز وعلى ما يستجد أو يستحق بعد الحجز ومثال ذلك دين الأجرة فالحجز يشمل الأجرة المستحقة عند توقيعه وما يستجد منها مستقبلاً.
والحجز على الدين يشمل الدين وفوائده.
أما في الحالة الثانية: أي متى كان الحجز شاملاً لجميع ما يكون المحجوز لديه مديناً به للمحجوز عليه – فغن الحجز يتناول جميع هذه الديون.
ولكن الغريب في هذه الحالة أن الحجز لا يقتصر على الديون القائمة في ذمة المحجوز لديه وقت إعلانه بالحجز، بل يمتد إلى ما ينشأ منها في ذمته بعد إعلان الحجز إلى وقت التقرير بما في الذمة. وهذا الحكم استثنائي ومخالف للقواعد العامة ولكنه مقرر بنص القانون.
وعلى كل حال، فإن ما ينشأ سببه من هذه الديون بعد التقرير بما في الذمة يخرج من نطاق الحجز. فالعبرة بسبب الدين فإذا كان متحققاً وقت الحجز فإن الحجز يشمل كل ما ينشأ بهذا السبب في ذمة المحجوز عليه من ديون: أي ما يستجد من مبالغ راجعة إلى ذات السبب.
وأما إذا كان محل الحجز عيناً: فإن الحجز لا يتناول إلا ما يكون مملوكا للمدين وقت الحجز، وموجوداً في حيازة المحجوز لديه في ذلك الوقت، فلا يشمل ما تستجد للمدين ملكيته بعد الحجز كما لو باع المحجوز لديه بعض منقولات للمدين بعد الحجز، ولا يشمل كذلك ما خرج عن ملكيته كما لو كان المدين قد باع قبل الحجز بعض منقولاته المودعة لدى المحجوز لديه ويلزم في كل هذه التصرفات اثبات تاريخها.
كذلك لا يشمل الحجز ما لا يكون في حيازة المحجوز لديه وقت الحجز من منقولات المدين. فيخرج من نطاقه ما يكون قد خرج من حيازة المحجوز قبل الحجز وما يدخل في حيازته من المنقولات بعد الحجز.
أي أنه يشترط هنا شرطان: ملكية المدين، وحيازة الغير للشيء، وأن يجتمع هذان الشرطان وقت ايقاع الحجز.
 ولا يمتد الحجز هنا إلى ثمار المنقول المحجوز أو ما ينتج عنه من غلة أو ريع إذ تطبق هنا المبادئ التي رأيناها في حجز المنقول لأن الحجز واقع على منقول وان كان واقعا بطريقة حجز أموال المدين لدى الغير.

الأمر الثاني- قصر أثر الحجز:
لما كان الحجز يشمل كل ما في يد المحجوز لديه، وهو ما يعبر عنه بالحبس الكلى، ولما كان ذلك ضاراً بالمحجوز عليه، فقد هيأ المشرع الوسيلة لقصر أثر الحجز وذلك بما قررته المادتان 302، 303 من جواز إيداع مبلغ في خزينة المحكمة يخصص للحاجز فينصب الحجز عليه وحده ويزول قيد الحجز عما سواه.
ولكل من المادتين حكم يختلف عن حكم الأخرى، فالمادة 302 خاصة بالإيداع في حالة تعيين دين الحاجز فعندئذ يودع مبلغ مساو لدين الحاجز ويخصص للوفاء بدينه، ويتم الإيداع والتخصيص بمعرفة المحجوز عليه أو المحجوز لديه، أو أي شخص آخر يرى القيام بهذا الإيداع والتخصيص، فعبارة المادة قد جاءت بصيغة المبنى للمجهول، ويتم التخصيص في هذه الحالة بتقرير في قلم الكتاب يحرره المودع ويقرر فيه تخصيص الوديعة للحاجز.
أما المادة 303 فهي خاصة بالإيداع في حالة عدم تعيين دين الحاجز. حيث يتم التعيين برفع دعوى أمام قاضى التنفيذ بتقدير مبلغ يودع ويعتبر مخصصاً للحاجز دون حاجة إلى تقرير ذلك أي أن التخصيص يتم بمجرد الإيداع متى كان الإيداع حاصلاً بالتطبيق للمادة 303. ويتم الإيداع هنا بمعرفة المحجوز عليه.
ويترتب على الإيداع المقترن بالتخصيص زوال قيد الحجز أو انتهاء اثر الحجز بالنسبة للمحجوز لديه فيحقق له الوفاء بما تحت يده للمحجوز عليه وتبقى الوديعة في خزينة المحكمة على ذمة الحاجز وهو ما عبر عنه المشرع في المادة 303 بأن الحجز ينتقل إلى المبلغ المودع: فإذا حكم له بدينه أو حصل الإقرار له به قام بصرفها أو بصرف ما يعادل دينه منها، ولا يتأثر بالحجوز الواقعة عليها فقد نصت المادة 303 على أن المبلغ المودع يصبح مخصصاً للوفاء بمطلوب الحاجز عند الإقرار له به أو الحكم له بثبوته. وإذا لم يثبت دين الحاجز ترد الوديعة لصاحبها إلا إذا كانت قد وقعت عليها حجوز أخرى من دائني المودع تحت يد قلم الكتاب.

الأثر الثاني:
أما الأثر الثاني لهذا الحجز فهو عدم نفاذ تصرفات المدين: ولبيان هذا الأثر يجب أن نتذكر أن الحجز لا يخرج المال من ملك صاحبه. وهذه قاعدة عامة تنطبق في جميع الحجوز. ويترتب على ذلك أمران:
أولهما: أنه يجوز لصاحب المال أن يتصرف فيه ويكون تصرفه صحيحاً فيما بينه وبين من تصرف إليه، ولكنه لا ينفذ في حق الحاجز. فالجزاء إذن هو عدم النفاذ وليس البطلان.
وثانيهما: أنه يجوز عند وجود دائنين آخرين لنفس المدين أن يحجزوا على ماله المحجوز عليه، لأن ذلك المال رغم الحجز يظل باقياً على ملكه.
وتطبيق هذه القاعدة بشطريها في حجز ما للمدين لدى الغير يؤدى إلى القول بأن للمدين أن يتصرف في ماله الذى وقع عليه الحجز فان كان منقولا جاز له أن يبيعه أو يهبه وان كان دينا جاز له أن يقوم بتحويله للغير. ويكون تصرفه صحيحاً. ولكن لا ينفذ في حق الحاجز.
الا أنه يراعى أن عدم النفاذ انما يقرر لمصلحة الدائن الذى يكون حجزه سابقاً على التصرف. أما إذا كان الحجز لاحقاً للتصرف فإنه بحكم هذه القاعدة يقع على غير محل لأنه عندما يقع يكون المال قد خرج من ملك صاحبه بمقتضى تصرفه فيه. ولهذا يقال أن الحبس في حجز ما للمدين لدى الغير هو حبس نسبى بمعنى أن عدم نفاذ تصرفات المحجوز عليه انما يتقرر بالنسبة للحاجز السابق الذى يكون حجزه واقعاً قبل التصرف لا بالنسبة للحاجز اللاحق.
كما أن تطبيق القاعدة المتقدمة في حجز ما للمدين لدى الغير يؤدى من ناحية أخرى إلى أنه يجوز للدائنين الآخرين أن يوقعوا حجزاً تحت يد الغير على نفس المال الذى سبق حجزه، ويتزاحمون بذلك مع الحاجز الأول فيقتسمون المال المحجوز قسمة غرماء.
وتطبيق هذه القاعدة: يبدو يسيراً في الفروض البسيطة أي حيث يوجد حجز واحد وتصرف، أو حيث يوجد حجزان أو أكثر. ففي حالة الحجز والتصرف – أن كان التصرف لاحقاً للحجز فإنه لا يكون نافذا في حق الحاجز بمعنى أن الحاجز يستوفى حقه من المبلغ المحجوز بأكمله بغض النظر عن التصرف أي على افتراض أن التصرف غير قائم في مواجهته، ولكن هذا التصرف ذاته يكون صحيحاً بحيث لو سقط الحجز أو زال – زال معه ما يترتب عليه من وقف أثر التصرف، فينفذ التصرف عندئذ بين طرفيه.
أما إذا كان التصرف سابقاً على الحجز فإن الحجز يكون واقعاً على غير محل نظراً لأن التصرف قد أخرج المال من ملك المدين.
أما في حالة تعدد الحجوز دون وجود تصرف سابق أو لاحق فإن الدائنين الحاجزين يتقاسمون المال المحجوز قسمة غرماء أن لم يكن كافياً لوفاء حقوقهم جميعاً.

حالة التصرف بين حجزين:
ولكن يدق الأمر في حالة ما إذا كان ثمة تصرف يتخلل حجزين وفى هذا نفرق بين ما إذا كان المال المحجوز عليه عيناً أو ديناً.
فإذا كان المال المحجوز عليه عينا: أي منقولا مادياً – فصورة المسألة في هذا الفرض تتمثل في حجز يوقعه دائني على منقولات مدينه (الموجودة في حيازة غير المدين) تحت يد حائزها فإذا قام مالك المنقولات بعد ذلك ببيعها ثم أعقب ذلك إيقاع حجز ثان عليها من دائن آخر من دائني صاحب المنقولات، فإننا إذا فرضنا أن الحاجز الأول تنازل عن حجزه أو زال الحجز لأى سبب نجد أن المنقولات تصبح من حق المشترى ولا يكون للحاجز الثاني أن يطلب بيعها بالمزاد لأنه وقت أن أوقع الحجز عليها كانت قد خرجت من ملك مدينه فوقع حجزه على غير محل.
وإذا فرضنا أن الحاجز الأول اقتضى دينه من ثمن بعض هذه المنقولات فإن الباقي منها يكون من حق المشترى ولا يقتضى الحاجز الثاني منها شيئاً، لأن حجزه عديم الأثر لوقوعه بعد التصرف.
وهنا نرى أن طبيعة المال المحجوز لها أثرها، لأن التصرف في هذا المال المنقول من شأنه أن يعزل الحجز الأول عن الحجز الثاني: فالحجز الأول يجعل الحاجز بمعزل عن التصرف اللاحق له، وهذا التصرف يؤدى إلى عدم تأثير الحجوز التالية له، فعدم تأثر الحاجز الأول بالتصرف يؤدى بالتالي إلى عدم تأثره بالحجوز اللاحقة على التصرف، لأن أمر هذه الحجوز متوقف بدوره على التصرف، وهذا التصرف غير نافذ في حق الحاجز الأول. فهذا التسلسل المنطقي يجعل الحاجز بمنأى عن التصرفات اللاحقة وما يتلوها من حجوز. على أنه إذا سقط الحجز الأول أو زال فإن التصرف ينفذ وبذلك تعتبر الحجوز التالية التي أوقعت بعد التصرف واقعة على غير محل لأن المنقول المحجوز عليه قد خرج من ملك المدين وقت ايقاعها.
أما إذا كان المال المحجوز دينا: فهنا تبدو الصعوبة ويظهر التعقيد، لأن الطبيعة القانونية للمال المحجوز وكونه حقاً شخصياً لا عينيا – لها أثرها في مجال الحجز. وذلك لأن تصرف صاحب الدين في دينه لا يكون إلا حوالة. وبالحوالة يصبح المحال إليه – نظراً لعدم نفاذ التصرف – دائناً للمحيل فيرجع عليه ويجوز له أن يحجز ما له لدى الغير أي يزاحم الحاجز الأول، لنه يتساوى معه في كونه دائناً للمدين بدين شخصي مثله.

الحوالة بين حجزين:
وثمة رأى يذهب إلى اعتبار الحوالة بذاتها حجزاً أو بمثابة حجز تحت يد المدين، وإعفاء المحال إليه من اتخاذ اجراءات حجز ما للمدين لدى الغير، فإذا أخذنا بهذا الرأي (وهو الرأي الذى اعتمده القانون المدني المصري الجديد) فإن المحال إليه يتزاحم مع الحاجز، فإذا افترضنا أنه وقع بعد الحوالة حجز، فإن الحوالة لا تقف عازلاً بينه وبين الحجز السابق عليها (كما رأينا في مثال التصرف في المنقول) – بل يتصل الحجز الثاني بالأول عن طريق الحوالة التي تتخللهما والمعتبرة بدورها حجزاً كما هو الشأن مثلاً في السوائل التي يتصل بعضها ببعض عن طريق الأواني المستطرقة فيتزاحم الحاجز الأول والمحال إليه الأخير باعتبار الجميع حاجزين.
وهذه هى المسألة المعروفة باسم الحوالة بين حجزين. وقد اختلف في شأنها الرأي اختلافاً شديداً، وأخذ المشرع المصري بأحد الآراء العديدة التي قيلت فيها ونص عليه في المادة (314) من التقنين المدني فقرر أنه في حالة الحوالة بين حجزين يقسم الدين بين الحاجز المتقدم والمحال له والحاجز المتأخر قسمه غرماء – على أن يؤخذ من حصة الحاجز المتأخر ما يستكمل به المحال له قيمة الحوالة.
أي أن حل هذه المشكلة موجود في القانون المدني لا في قانون المرافعات.
ولفهم ذلك نضرب المثال الآتي: شخص له مبلغ 210 جنيهاً مودعة في بنك، فحجز عليها أحد دائنيه وفاء لدين قدره 300، ثم حول المدين منها 100 جنيه، ثم حجز دائن آخر بمبلغ 300 جنيه أيضاً. فما حكم هذه المسألة؟
أن حل هذه المسألة يقتضى تقسيمها إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: ينسب دين كل من الحاجزين إلى دين الآخر وتقرر لكل منهم حصة في التوزيع توازى مقدار دينه بالنسبة إلى مجموع الديون المحجوز بها، وفى حالتنا يكون التقسيم بنسبة 300-100-300.
أي 3/7 للأول، 1/7 للثاني، 3/7 للأخير.
المرحلة الثانية: يوزع المبلغ المودع في البنك بينهم بهذه النسبة توزيعاً نظرياً (على الورق) فيخص الحاجز الأول 90 جنيهاً والمحال له 30 جنيهاً والحاجز الأخير 90 جنيها.
المرحلة الثالثة: وعند التوزيع الفعلي يعطى للحاجز الأول حصته كما قدرت في التوزيع النظري. ولكن المحال إليه يزاحم الحاجز الأخير، أي يأخذ من حصته ا يكمل قيمة الحوالة بتمامها فإن بقى شيء فهو للحاجز الأخير.
ففي مثالنا يأخذ الحاجز الأول 90 جنيهاً وينتهى الأمر بالنسبة إليه، ويأخذ المحال إليه 30 جنيهاً حسب التوزيع ويكمل المائة من حصة الحاجز الأخير أي يأخذ من حصة الأخير 70 جنيهاً، فيبقى للحاجز الأخير من حصته 20 جنيهاً وتكون هى كل ما يعطى إليه.

المرحلة الأخيرة من مراحل حجز ما للمدين لدى الغير:
المرحلة الأخيرة من مراحل حجز ما للمدين لدى الغيرى هى مرحلة استيفاء الحاجز لدينه الذى حجز بمقتضاه والذى يعتبر هو سبب الحجز وأساسه. وهذه هى المرحلة التنفيذية بالمعنى الصحيح في حجز ما للمدين لدى الغير.
ذلك بأن مصير هذا الحجز يبقى معلقاً إلى أن تنهى المنازعات المتعلقة به. وسنعرض لهذه المنازعات فيما بعد بشيء من التفصيل في القسم الخاص بمنازعات التنفيذ – أي في موضعها المناسب من هذه المذكرات.
غير أن استعراض هذه المنازعات على نحو سريع موجز، يمكن أن يعطينا صورة شاملة وعامة لما يمكن أن ينتهى إليه حجز ما للمدين لدى الغير في مختلف الحالات.
(1) فإذا كان الدائن قد حجز بغير سندى تنفيذي وقام برفع دعوى صحة الحجز: فإنه لا يستطيع أن ينفذ أي أن يقبض دينه أو يستوفيه إلا إذا حكم لمصلحته في دعوى صحة الحجز فعندئذ يتحول الحجز من تحفظي إلى تنفيذي.
أما إذا كان الحجز قد سقط أو بطل فإن الحكم في دعوى صحة الحجز بثبوت المديونية يزود الدائن بالسند التنفيذي الذى كان يفتقر إليه في البداية فيستطيع في هذه الحالة أن يتخذ اجراءات حجز جديدة مبتدأه ولكن الحجز في هذه الحالة يكون تنفيذياً فلا يحتاج إلى اجراءات أكثر من الإعلان والابلاغ. ويكلف المحجوز لديه في هذه الحالة بالتقرير بما في الذمة فإذا امتنع أو انحرف جاز رفع دعوى الالزام الشخصي عليه.
وإذا كان المدين قد أقام دعوى بطلب رفع الحجز فإن هذه المنازعة تحول دون التنفيذ إلا إذا فصل في دعوى رفع برفضها.
ويلاحظ أنه إذا لم يقم المحجوز لديه بالتقرير بما في ذمته ورفعت عليه دعوى الالزام الشخصي بعد حصول الدائن على سند تنفيذي – فإن الدائن لا يستطيع أن يقوم بالتنفيذ الفعلي في هذه الحالة لأن محل التنفيذ لا يزال غي معين – فيجب عليه أن ينتظر إلى أن تنتهى دعوى الالزام الشخصي وينفذ بمقتضاها على المحجوز لديه.
وإذا قرر المحجوز لديه بما في ذمته تقريراً ثارت بشأنه منازعة فإن الدائن لا يستطيع أن ينفذ إلا في حدود المتيقن – أي الذى تم الاقرار به – أما بالنسبة للقدر المتنازع فيه فإنه يجب أن يتربص حتى يفصل لمصلحته في دعوى المنازعة في التقرير.
أما أن كان التقرير سلبياً فلابد من انتظار الفصل في دعوى المنازعة بما يفيد مديونية المحجوز لديه للمحجوز عليه.
وسنعرض لهذه المنازعات عند تناول منازعات التنفيذ. غير أننا نبادر هنا إلى القول بأنه متى تمت تصفية المنازعات فإن هذه التصفية قد تكون في غير مصلحة الحاجز كما لو حكم برفض دعوى صحة الحجز أو حكم بقبول دعوى رفع الحجز – وببطلان الحجز – أو برفض دعوى المنازعة (مع كون التقرير سلبياً) فعندئذ لا يصل الحجز إلى غايته بل يزول وتزول آثاره معه.
أما إذا تمت تصفية المنازعات بما فيه مصلحة الحاجز، فإننا نصل بذلك إلى مرحلة القبض، إذ لا يبقى الا أن يستوفى الحاجز حقه، وهذا هو الغرض الأساسي من الحجز، وهذه هى المرحلة التنفيذية الحقيقية فيه، أما المرحلة السابقة فإنها لا تعدو أن تكون مرحلة تحفظية تهدف إلى وضع ما للمدين لدى الغير تحت يد القضاء تمهيداً لاقتضاء الحاجز حقه منه، وقد يقف الحجز عند هذه المرحلة ويزول. لذلك حق القول بأن الحجز بذاته ليس تنفيذاً.
ولكن لا يجوز للحاجز أن يقتضى حقه من المحجوز لديه، كما لا يحق لهذا الأخير أن يقوم بالوفاء باختياره للحاجز، إلا إذا حصل الحاجز – أو كان من الأصل حاصلاً – على سند تنفيذي بدينه.
ولما كان التنفيذ لا يتحقق إلا في هذه المرحلة، فإنه يجب عندها إعلان السند التنفيذي لنفس المدين أو لموطنه الأصلي تطبيقاً للحكم العام الوارد في المادة 281 – مع أن هذا الإعلان غير لازم وقت ايقاع الحجز.
كما يشترط لا مكان التنفيذ في هذه الحالة، قيد زمنى يتلخص في ضرورة مضى 15 يوماً على التقرير بما في الذمة (مادة 344) ومضى ثمانية أيام على إعلان المحجوز عليه بالعزم على هذا التنفيذ (مادة 385) ويجوز أن تتداخل الثمانية أيام في الخمسة عشر يوماً، لأنه ليس ثمة ما يمنع من اتخاذ الإجراءات المقررة في المادة 385 خلال الـ 15 يوماً التالية للتقرير.
على أن المحجوز لديه قد يتلكأ رغم ذلك في الوفاء للحاجز وقد قرر المشرع للحاجز في هذه الحالة حماية مزدوجة: فقرر تخصيصه بالمبلغ المحجوز متى انقضت 15 يوماً على التقرير بما في الذمة (مادة 469)، فإذا وقع حجز جديد فلا يكون له أثره في حق الحاجز، كما قرر من ناحية أخرى أنه يكون للحاجز أن ينفذ على أموال المحجوز لديه بموجب سنده التنفيذي مرفقاً به صورة رسمية من تقرير المحجوز لديه (مادة 346).
الا أنه يلاحظ عند تعدد الحاجزين وعدم كفاية المبلغ (الذى في ذمة المحجوز لديه) للوفاء بحقوقهم جميعاً أنه يجب على المحجوز لديه ايداع المبلغ في خزينة المحكمة التي يتبعها لتقسيمه بين الدائنين طبقاً لإجراءات التوزيع المقررة في الباب الرابع من كتاب التنفيذ (تراجع المادة 471 مرافعات جديد).
وتنص المادة 348 على أنه إذا كان الدين الذى في ذمة المحجوز لديه مؤجلاً لم يجز اجباره على دفعة قبل حلول موعد استحقاقه – وإنما يباع ويستوفى الحاجز حقه من ثمنه، ويحصل بيع الدين المؤجل بالإجراءات الخاصة المقررة لبيع الأسهم والسندات (مادة 400) – على أن للحاجز – إذا كان هو الحاجز الوحيد – الحق في طلب اختصاصه بذلك الدين بدعوى خاصة ترفع امام قاضى التنفيذ التابع له المحجوز لديه ويكون الحكم فيها نهائياً وغير قابل للطعن فيه بأي طريق، وبمقتضى هذا الحكم يصبح الحاجز هو الدائن المباشر للمحجوز لديه ويقتضى منه الدين عند حلول أجله (تراجع المادة 348).
وان كان المال الذى في يد المحجوز لديه أعياناً منقولة فإن الدائن الحاجز يعمل إلى بيعها، ولكنه لا يحتاج في ذلك إلى تحرير محضر جديد بحجزها أو جردها، بل يقتصر على اجراء اللصق والنشر عنها مع بيان مفرداتها من واقع التقرير بما في الذمة، ويحدد يوماً للبيع ويجرى البيع طبقاً للمقرر في بيع المنقولات (انظر المادة 347). أي أن حجز ما للمدين لدى الغير ينقلب أو يتحول في هذه الحالة إلى حجز منقول ويعتبر إعلان حجز ما للمدين لدى الغير مضافاً إليه التقرير بما في الذمة (إذ تسحب منه صورة طبق الأصل وتضم إلى إعلان حجز ما للمدين) بمثابة محضر حجز منقول تستكمل اجراءاته باللصق والنشر وبيع المنقولات بالمزاد في اليوم الذى يحدد لذلك.

منازعات التنفيذ المتعلقة بحجز ما للمدين لدى الغير:
لا يبقى بعد ما تقدم إلا أن نعالج منازعات التنفيذ المتعلقة بحجز ما للمدين لدى الغير. وفى هذا المقام نشير إلى أن المنازعة قد تثور من جانب الدائن، وذلك في حالة ما إذا لم يقرر المحجوز لديه بما في ذمته: فيكون من حق الدائن أن يرفع عليه دعوى الالزام الشخصي وهى دعوى يطلب فيها الدائن الحكم بالزام المحجوز لديه شخصياً بأن يؤدى إلى الدائن مباشرة قيمة الدين المحجوز من أجله – وذلك جزاء له على الامتناع عن التقرير بما في الذمة أو التخلف عن أداء هذا الواجب على النحو المطلوب قانوناً: كما لو أقر بمبلغ أقل مما في ذمته فعلاً أو أقر اقراراً سلبياً في حين أن ذمته مشغولة بمال للمدين المحجوز عليه أو إذا لم يودع المستندات اللازمة التي ينبغي عليه ايداعها مع التقرير.
ولا يجوز للدائن رفع هذه الدعوى إلا إذا كان حاصلاً من الأصل على سند تنفيذي أو إذا حصل على سند تنفيذي بعد ايقاع الحجز ولكن لابد أن تكون دعوى الالزام الشخصي مسبوقة بوجود سند تنفيذي في يد الدائن.
وقد تأتى المنازعة من جانب الدائن إذا أقر المحجوز لديه بما في ذمته اقرارا غير صحيح: أي أقر بأقل مما في ذمته فعلاً فينازع الدائن في هذه الحالة في صحة الاقرار بدعوى (المنازعة في التقرير بما في الذمة) وقد سبق أن أشرنا إليها. ولا يقبل من الدائن في هذه الدعوى دليل سوى ما هو مباح للمدين المحجوز عليه لإثبات ما في ذمته المحجوز لديه. وذلك لأن الدائن يستعمل هنا حقوق مدينه ولا يجوز أن تكون له حقوق في الإثبات أكثر مما لمدينه الذى يستعمل حقوقه. لهو ليس من الغير في هذا المقام ولو قلنا بغير ذلك لكان حجز ما للمدين وسيلة سهلة للتحايل على قواعد الإثبات.
وثمة حالة مألوفة من حالات المنازعة التي تأتى من جانب الدائن بل يحتم القانون على الدائن اثارتها كلما كان الحجز واقعاً بأمر من القاضي وهى حالة دعوى صحة الحجز التي يجب على الدائن رفعها خلال ثمانية أيام من إيقاع الحجز لكى يحصل على سند تنفيذي بحقه الذى أوقع الحجز بمقتضاه أو على أساسه (ابتغاء استيفائه). وقد أشرنا إلى هذه الدعوى فيما سبق (بالتفصيل).
وقد تأتى المنازعة من جانب المحجوز لديه وذلك في حالة ما إذا اتبعت في الحجز إجراءات غير صحيحة فيكون من حق المحجوز لديه ابطالها ليدرأ عن نفسه ما يكون قد قام به من تصرفات كما لو كان قد وفى الدين إلى المحجوز عليه (رغم الحجز) وكما لو كان المدين قد أجرى حواله بجزء من المبلغ إلى شخص آخر وقام المحجوز لديه بتنفيذ هذه الحوالة ووفاء قيمتها.
ومصلحة المحجوز لديه في هذه الحالات ابطال الحجز والغائه مصلحة ظاهرة.
وقد تأتى المنازعة من قبل المحجوز عليه أي المدين ذاته: كما لو قرر المحجوز لديه بما في ذمته اقرارا غير صحيح بما يضر بمصلحة المحجوز عليه فيجوز للمحجوز عليه أن ينازع في هذا التقرير ليثبت المديونية الفعلية (الحقيقة) بطرق الاثبات المقررة والمتاحة له قانوناً.
غير أن أهم النازعات التي قد تثار في هذا الشأن هى المنازعات التي يثيرها المدين المحجوز عليه ضد الدائن الحاجز: لأن المدين قلما يسكت على الحجز الذى أوقع على أمواله. بل أنه غالباً ما ينازع فيه. وقد أوجد المشرع له سبلاً مختلفة للدفاع عن نفسه ضد هذا الحجز، فما هو موقف المدين في حجز ما للمدين لدى الغير وما هى المنازعات التي يمكن أن يثيرها والتي أتاحها له المشرع أو التي فتح له المشرع أبوابها في هذا الصدد. هذا ما نعالجه فيما يلى:

موقف المدين المحجوز عليه:
أوجد المشرع للمدين المحجوز عليه عدة سبل في حجز ما للمدين لدى الغير، وهى تتلخص فيما يلى:
1- التظلم:
يجوز للمدين المحجوز عليه، إذا كان الحجز واقعاً بأمر من القاضي أن يتظلم من هذا الأمر، أمام القاضي الآمر، أو أمام المحكمة التي يتبعها هذا القاضي. وليس هذا التظلم ميعاد.
والحكم الصادر في التظلم يكون قابلاً للطعن فيه بطريق الاستئناف اما من المدين المحجوز عليه إذا صدر بتأييد الحكم الصادر من القاضي، وأما من الدائن الحاجز إذا صدر الحكم بإلغاء أمر القاضي، ولا تجوز المعارضة فيه.
ولكن هل يؤثر رفع دعوى صحة الحجز في هذه الحالة على حق المدين (المحجوز عليه) في التظلم من الأمر الصادر بإيقاع الحجز؟ قد يقال: ما دام للمدين الحق في المدافعة عند نظر دعوى صحة الحجز، فإنه لا محل لأن يرفع تظلماً عن أمر القاضي. ولكن يرد على ذلك: بأن الدائن هو الذى يرفع دعوى صحة الحجز وقد يحدد لها جلسة بعيدة ويكون من مصلحة المدين المبادرة بالتظلم.
كما أن رفع دعوى صحة الحجز محتم في جميع الحالات التي يكون الحجز فيها بأمر القاضي. فلو قلنا أن رفع دعوى صحة الحجز مانع من التظلم فكأننا عطلنا طريقاً للطعن قرره المشرع ولم يرد نص بإلغائه.
والحكم في التظلم بقبوله والغاء أمر الحجز لا يؤدى إلى سقوط دعوى صحة الحجز بل تظل قائمة بالنسبة للطلب الموضوعي فيها وهو الزام المدين المحجوز عليه بدين الحاجز. ويجوز للحاجز توقيع حجز جديد وطلب الحكم بصحته.
أما الحكم برفض التظلم فلا يمنع المحكمة التي تنظر دعوى صحة الحجز من القضاء برفض طلب صحة الحجز إذا ما تبينت انه لم يكن في محله. وذلك لأن الحكم في التظلم هو حكم وقتي لا يقيد محكمة الموضوع.

2- المدافعة في دعوى صحة الحجز:
ويجوز للمحجوز عليه أن ينتظر حتى تنظر دعوى صحة الحجز ويبدى ما لديه من اعتراضات على الحجوز وله تعجيل هذه الدعوى إذا حدد لها الحاجز ميعاداً بعيداً، ومن حق المحجوز عليه أيضاً أن يطلب إلى المحكمة التي تنظر دعوى صحة الحجز، أن تقرر مبدئياً بإلغاء أمر القاضي بالحجز – ويعتبر ذلك مرفوعاً منه على سبيل التبع للدعوى الأصلية ويجوز له ابداؤه شفوياً في الجلسة أثناء المرافعة.

3- دعوى بطلان الحجز:
ويجوز للمحجوز عليه أن يرفع دعوى أصلية ببطلان الحجز وتسمى هذه الدعوى (دعوى رفع الحجز). وهذه الدعوى ترفع أمام قاضى التنفيذ الذى يتبعه المحجوز عليه. والغريب في هذه الدعوى أنها ترفع أمام محكمة المحجوز عليه مع انه هو المدعى فيها – وهذا استثناء من قواعد الاختصاص المحلى لأنه يجعل الاختصاص لمحكمة المدعى لا لمحكمة المدعى عليه.
ولكن رفع هذه الدعوى أمام محكمة رافعها "المحجوز عليه" ليس حتمياً بل هو جوازي. ولذلك يجوز أن يرفعها على الحاجز أما المحكمة التي يتبعها ذلك الحاجز. أي أمام قاضى التنفيذ الذى يقع في دائرته موطن الحاجز.
والخصوم في هذه الدعوى هم المحجوز عليه "رافع الدعوى" والحاجز "المدعى عليه فيها". أما المحجوز لديه فيجوز اختصامه أو عدم اختصامه فيها. وهى لا تعتبر حجة عليه الا إذا أبلغت إليه. فكان المشرع لا يعتبر المحجوز لديه خصماً وانما هو مجرد مستمع تبلغ إليه الدعوى لا توجه غليه فيها طلبات.
ويترتب على رفع هذه الدعوى: انه لا يجوز الأداء من المحجوز لديه إلا بعد الفصل فيها أي أنه لا يجوز للمحجوز لديه أن يؤدى ما للمدين عنده إلى الحاجز، وشرط ذلك كما قدمنا أن يكون قد اختصم فيها – أو أبلغت إليه على حد تعبير القانون.
وترفع هذه الدعوى إلى قاضى التنفيذ أيا كانت قيمتها، ولكن الحكم الصادر فيها يستأنف اما إلى المحكمة الابتدائية واما إلى محكمة الاستئناف حسب قيمتها ما لم تكن داخلة في حدود النصاب النهائي للقاضي الجزئي.

4- دعوى عدم الاعتداد بالحجز:
كما يجوز للمحجوز عليه أن يلجأ إلى قاضى التنفيذ باعتباره قاضياً للأمور المستعجلة ليحكم في مواجهة الحاجز بالإذن (للمحجوز عليه) في قبض دينه م المحجوز لديه، رغم الحجز وذلك في الأحوال الآتية: المنصوص على ثلاث منها في المادة 351 مرافعات وهى:
إذا كان الحجز قد وقع بغير سند تنفيذي أو أمر من القاضي.
إذا لم يبلغ الحجز إلى المحجوز عليه في الميعاد أي في ثمانية الأيام التالية لإعلانه إلى المحجوز لديه لأن الحجز عندئذ يعتبر كأن لم يكمن (أو) إذا لم ترفع الدعوى بصحة الحجز في الميعاد لأن ذلك يؤدى أيضاً إلى اعتبار الحجز كأن لم يكن.
إذا كان قد حصل الايداع – أي إذا أودع في خزينة المحكمة مبلغ مساو للدين المحجوز من أجله وخصص للوفاء بمطلوب الحاجز عند الاقرار به أو الحكم بثبوته. لأن هذا الايداع يؤدى إلى زوال قيد الحجز عن المحجوز لديه.
ويقرر الفقه أنه يجوز رفع هذه الدعوى في غير تلك الحالات الثلاث مادام وجه البطلان في الحجز ظاهراً. لأن هذه الحالات لم ترد على سبيل الحصر.
ومن أمثلة ذلك أن يكون الحجز قد وقع بأمر القاضي وحصل التظلم بقبوله والغاء الأمر. أو أن يكون الحجز قد وقع على مبلغ لا يجوز حجزه (كما لو وقع على مرتب موظف وفاء لدين عادى).
على أن يراعى أن قاضى التنفيذ هنا لا يقضى ببطلان الحجز أو الغائه لأن في ذلك مساساً بموضوع التنفيذ، وإنما يحكم بعدم الاعتداد بالحجز أي يأذن للمحجوز عليه مؤقتاً باستلام ما له لدى المحجوز لديه سواء كان مبلغاً من النقود أو منقولات، وهو لا يحكم بذلك إذا كان الحجز مستوفياً في الظاهر لشروطه الشكلية لأن النزاع في أمر الدين المحجوز من أجله أو في سند التنفيذ يمس الموضوع، وإنما يقضى بذلك في حالات البطلان الظاهر الذى لا شك فيه. ويعتبر حكمه هنا صادراً في مسألة مستعجلة أي أنه يحكم بصفته قاضياً للأمور المستعجلة بحكم لا يمس أصل الحق. ولذلك فإن قيام دعوى صحة الحجز لا يحول دون رفع هذه الدعوى المستعجلة بعدم الاعتداد بالحجز.



([1] ) وهما طلب إلزام المحجوز عليه بأداء ما عليه من دين للحاجز وطلب الحكم بصحة الحجز.
([2] ) يشترط في هذه الحالة أن تتوفر شروط اصدار أمر الأداء ويرجع في ذلك إلى نصوص القانون المتعلقة بأوامر الأداء أي أن يكون المطلوب ديناً نقدياً ثابتاً بالكتابة وحال الأداء ومعين المقدار أو أن يكون من المثليات. وتقدير توافر الشروط متروك لمحكمة الموضوع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق