الأحد، 26 فبراير 2017

حديث نبوي شريف - الظاهرون على الحق



بسم الله الرحمن الرحيم

الحديث الثالث
الظاهرون على الحق
تمهيد:
 الإسلام نور مبين يكشف مواهب النفس، ويمحو ظلمات الجهل ويبين عوار([1]) الأديان والمناهج، ويفضح الطغاة والظالمين، ويدعو للتي هي أقوم.
فلا عجب أن نرى الباطل يحشد كلَّ قواه لإطفاء نور الله، بالقوة تارة، وبالمؤامرات والدسائس تارة، وبإلقاء الشبهات تارة ثالثة.
ولقد واجه الإسلام منذ بزوغه وإلى يومنا هذا أعدائه الذين يريدون إطفاء نوره، وأنتصر المسلمون على الوثنية، واليهودية، والصليبية. انتصروا عليهم ـ ما وُجِدَ فيهم رجال يؤمنون بهذا الدين، ويعتزون به دون سواه، ويدعون إليه قومهم.
ولا يزال أمثال هؤلاء الرجال ينبتون في كل عصر وجيل، يجبهون الطغاة، ويَدفعون الباطل، مصداقاً لما بشَّرنا به الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآتي:
الحديث:
عن (ثوبان)[2] رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله، وهم كذلك". (رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي، واللفظ لمسلم).

غريب الحديث:
طائفة من أمتي: الطائفة: الجماعة من الناس.
ظاهرين على الحق: منصورين على أعدائهم ما داموا ملتزمين بالحق.
حتى يأتي أمر الله: حتى قرب يوم القيامة، حين يرسل إليه ريحا طيبة، تتوفي كل من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان. كما ثبت ذلك في حديث رواه مسلم في صحيحه.  
الإيضاح والبيان:
1- أزلية الحق واصالته:
الحق قديم أزلي، والباطل طارئ دخيل، فالله هو الحق: "ذلك بأن الله هو الحق"([3]). وقوله الحق: "والله يقول الحق وهو يهدي السبيل"([4]). وهذا الكون قام بالحق: "وخلق الله السموات والأرض بالحق"([5]).
وحتى لا يضل الناس عن معرفة ربهم، وعما يجب عليهم نحوه، وعن الحق الذي خلقوا من أجله ـ أرسل الله إليهم رسلاً يعرفونهم بالحق: بالله تعالى، أسمائه، وصفاته، وكيفيه عبادته، وبأصل الكون، ومنشئته. ويعرفونهم بأنفسهم، ودورهم في الحياة، ومصيرهم بعد الحياة.
2- تتابع الرسالات بالحق:
لم ينطفئ مِشْعَلُ الحقيقة من الأرض على مدار التاريخ فالإنسان الأول (آدم) عرفه الله الحقيقة: "وعلم ادم الأسماء كلها"([6]).
ثم ضلت البشرية من بعده، فأرسل إليها أوّل رسله (نوحاً) يعيدها إلى الجادّة، ويقّوم اعوجاجها، فدعاهم إلى المنهج الرباني: "اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"([7]).
وقد توالت الرُّسل، كلما خفت ضوء الحق في الأرض، "ثم أرسلنا رسلنا تترا كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلنهم أحاديث"([8]).
وكانت الرسالات من الكثرة بحيث غطت جميع الأمم في مختلف العصور: "وإن من أمة إلا خلا فيها نذير"([9]). وذلك كي يقيموا الحجة على الخلق: "رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل"([10]).  
3- هذه الأمة وارثة الحق:
كان محمد - صلى الله عليه وسلم - آخر الرسل الذين حملوا مشعل الحقيقة والهداية، لقد جاء بالنور المبين، الذي يضئ دياجير الظلام، ويحي موات النفوس، ويصلح العباد والبلاد: "وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم"([11]).
وتميزت هذه الرسالة بعمومها إلى البشرية جمعاء: "وما أرسلناك إلا كافة للناس"([12]). وتكفل الله بحفظ هذا الوحي الذي أنزله على رسوله: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"([13]). وكان هذا العهد الذي قطعه الله على نفسه بحفظ هذا الذكر ملائماً لخلود الرسالة إلى يوم الدين، حتى يستمر مبعث الهداية، وتقوم به الحجة على العالمين.  
4- الطائفة المنصورة:
إن وجود الحق في بطون الكتب دون أن يتمثل في حياة طائفة من الناس ـ لا يكفي لإبرازه وإظهاره، وإقامة الحجة على الناس به، ولذا جاء في وصف هذه الأمة أنها تشهد على الناس: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس"([14]).
وقد بشرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديثة باستمرار وجود طائفة من هذه الأمة، متمسكة بالحق، داعية إليه، تنصره وتضحي في سبيله، وينصرها الله به، وبذلك يتحقق استمرار الحق وخلوده، ويتحقق البلاغ المبين، وإقامة الحجة على الخلق.
5- المراد بظهور هذه الطائفة:
لا شك أن النصر العسكري أحد مظاهر النصر والظهور. وقد يتم النصر أيضا في ميدان الحجاج والخصام: "وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه"([15]).
وقد يتم الظهور بالثبات على الحق، فيكون هذا الثبات وما يتبعه من اضطهاد، وتعذيب، وتنكيل، وسجون، وإرهاب – معلناً عن الحق الذي يحملونه، ويتحملون في سبيله الأذى ابتغاء مرضاة الله: "ومن المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا"([16]).
6- سمات هذه الطائفة:
تتميز هذه الطائفة بصفات عديدة:
أ) اتخاذ الكتاب والسنة منهجا وسبيلا، لا ترضى بهما بديلا، عملاً بقوله تعالى: "وأن هذا صراطي مستقيم فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله"([17]).
ويلزم من ذلك، مجافاة كل مذهب، والكفر بكل منهج غير الإسلام: "فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها"([18]).  
ب) الفهم الصحيح، فهي تفقه الكتاب والسنة وفق الأصول التي أقرها السلف الصالح من الصحابة والذين اتبعوهم بإحسان. وقد سئل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الفرقة الناجية، فقال: "من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي اليوم". وقال  صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين"([19]).
ج) الثبات على الحق مهما طال الأمد، "ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم"([20]).
والاستقامة: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا"([21]).
د) نصرة الحق بالقول والفعل، دعوة ومحاجة وبذلا وتضحية وجهادا. عملاً بقوله تعالى: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"([22]).
وقال تعالى: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"([23]).
فقه الحديث وتوجيهه:
1-   الإسلام دين الله تكفل بحفظه ونصرته.
2-   تتحقق نصرة الإسلام بقيام طائفة، تؤمن بالإسلام، وتجاهد في سبيله.
3-   لا يخلوا عصر من العصور من وجود طائفة عاملة بالإسلام مجاهدة في سبيله، حتى قرب قيام الساعة.
4-   لا يمكن أن تجمع الأمة جميعها على إقرار فهم خاطئ، أو وضع باطل.
5-   المسلم مطالب بأن يسعى ليكون من الطائفة الناصرة للحق.
6-   الإسلام سبيلنا إلى النصر، والذين يطالبون بتنحية الإسلام من المعركة هم الأعداء.
7-   لا يلغي الحق قلة أنصاره، ولا يعزز الباطل كثرة أتباعه.
8-   في الحديث معجزة ظاهرة لوقوع الأمر كما أنبأ الرسول - صلى الله عليه وسلم.
*****


المناقشة
1-   لم تكفل الله يحفظ الدين الإسلامي دون بقية الأديان؟
2-   ما السبيل الذي حقق الله به نصرة دينه على غيره من الأديان؟
3-   تتميز الطائفة المنصورة بعلامات. اذكرها.
4-   مرت على المسلمين فترات ضعف فأين كانت الطائفة الظاهرة على الحق آنذاك؟
5-   لا يمكن أن تجمع الأمة الإسلامية على خطأ في أمر اعتقادي، أو حكم تشريعي، أو إقرار وضع باطل. كيف تستنج ذلك من الحديث؟
*****




([1]) مثلثة العين، بمعنى: عيْب.
([2]) هو ثوبان بن يجدد من أهل السراة (موضع بين مكة واليمن) أصابه سبي فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتقه. ولم يزل عنده حتى توفي الرسول صلى الله عليه وسلم، فارتحل إلى الشام مجاهدا، وتوفي في مدينة حمص عام 54هـ. وكان ممن حفظ كثيرا من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
([3]) سورة الحج – الآية 6 .
([4]) سورة الأحزاب – الآية 4 .
([5]) سورة الجاثية – الآية 22 .
([6]) سورة البقرة – الآية 31 .
([7]) سورة المؤمنون – الآية 23 .
([8]) سورة المؤمنون – الآية 44 .
([9]) سورة فاطر – الآية 24 .
([10]) سورة النساء – الآية 165 .
([11]) سورة الشورى – 52 .
([12]) سورة سبأ – الآية 28 .
([13]) سورة الحجر – الآية 9 .
([14]) سورة البقرة – الآية 143 .
([15]) سورة الأنعام – الآية 83 .
([16]) سورة الأحزاب – الآية 23 .
([17]) سورة الأنعام – 153 .
([18]) سورة البقرة – الآية 256 .
([19]) رواه أبو داود.
([20]) سورة الحديد – الآية 16 .
([21]) سورة فصلت – الآية 30 .
([22]) سورة آل عمران – الآية 104 .
([23]) سورة آل عمران – الآية 110 .