الجمعة، 8 مايو 2009

بحث في الشرط الحزائي - الجزء الأول

الوجيز في "الشرط الجزائي"

وبيان مصيره في حالة زوال العقد بتقرير بطلانه أو فسخه

مع تطبيقات قضائية لمحكمة النقض المصرية ومحكمة التمييز الكويتية

مُقدمة

الحمد لله وسلاماً على عباده الذين أصطفى.

يقول الله تعالى في القرآن الكريم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }.([1])

والمقصود بالعقود في الآية – كما جاء في تفسير الجلالين – العهود المؤكدة التي بينكم وبين الله والناس.

وورد في التفسير الميسر لتلك الآية: "يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, أتِمُّوا عهود الله الموثقة, من الإيمان بشرائع الدين, والانقياد لها, وأَدُّوا العهود لبعضكم على بعض من الأمانات, والبيوع وغيرها, مما لم يخالف كتاب الله, وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ...".

ولما كان "الشرط" في العقد، هو جزء من العقد، الذي أُمِرَ المؤمنون بالوفاء به، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد قال في الحديث الشريف: "المسلمون على شروطهم، إلا شرط حرم حلالاً أو أحل حراماً".([2])

وورد عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قوله: "مقاطع الحقوق عند الشروط".

وفي الشريعة السمحاء، الأصل في الشروط "الصحة"، وأنه لا يحرُم منها ويبطل، إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصاً أو قياساً.

هذا، وقد أُثِرَ عن فضيلة الشيخ/ محمد أبو زهرة (شيخ الأزهر الأسبق) قوله: "أن الصفقات التجارية قد أتسع أفقها وتشعبت أنواعها، وتنوع بحسب العرف التجاري ما يشترطه العاقدون، حتى وجدت عقود لم تكن، وتفنن الناس في الشروط تفنناً باعد بين العقود وأصولها المذكورة في كتب الفقه، ولو حكمنا ببطلان تلك العقود وفساد هاتيك الشروط لصار الناس في حرج وضيق، ولشلت الحركة في الأسواق، ولتقطعت العلاقات التجارية بين الناس، بل لتقطعت الأسباب، فلا تنمو ثروات آحاد الناس، ولا تنمو ثروة الجماعات".([3])

وفي القول بتصحيح الشرط الجزائي سد لأبواب الفوضى والتلاعب بحقوق عباد الله، وسبب من أسباب الحفز على الوفاء بالعهود والعقود؛ تحقيقاً لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود". لذا فقد قررت هيئة كبار العلماء في تاريخ 26/9/2005 بخصوص الشرط الجزائي ما يلي: "إن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح مُعتبر، يجب الأخذ به، ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يُعتبر شرعاً، فيكون العذر مُسقطاً لوجوبه حتى يزول. وإذا كان الشرط الجزائي كثيراً عرفاً، بحيث يُراد به التهديد المالي، ويكون بعيداً عن مقتضى القواعد الشرعية - فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف، على حسب ما فات من منفعة، أو لحق من مضرة. ويرجع في تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر؛ عملاً بقوله تعالى: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"، وقوله سبحانه: "ولا يجرمنكم شنئان قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى"، وبقوله –صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار".([4])

بغية العقد – تنفيذه – عينياً أو عن طريق التعويض – الاتفاق على تقدير ذلك التعويض – الشرط الجزائي – تكييفه وطبيعته – وأثره – مصيره في حالة زوال العقد وليس انقضائه.

الحديث عن العقد وشروطه

وعلى العموم زوال العقد، والتفرقة بين الزوال والانقضاء

الحديث عن بطلان العقد (العقد الباطل والعقد القابل للإبطال)

وعن فسخ العقد والتفاسخ والإنفساخ والحياة العملية يصدر بهم حكم قضائي

تقييد سلطة القاضي وحكمه بالفسخ كاشف وليس منشئ

وفي حالة زوال العقد المتضمن لشرط جزائي فما مصير هذا الشرط

في الصفحات التالية محاولة للتأصيل القانوني للإجابة على هذا التساؤل..

فهذا البحث الصغير والمتواضع يتركز أساساً في محاولة الوصول إلى إجابة شافية وافية (مع التأصيل القانوني لها) على التساؤل التالي:

- هل يجوز إعمال وتطبيق الشرط الجزائي في حالتي تقرير بطلان أو فسخ العقد المُتضمن لهذا الشرط؟؟

مبحث أول

المبادئ العامة للشرط الجزائي

فرع أول

تعريف بالشرط الجزائي

النصوص قانونية:

نظم المُشرع المصري أحكام "الشرط الجزائي" في ثلاثة مواد من 223 إلى 225 من القانون المدني.

فنص في المادة 223 من القانون المدني المصري على أنه:

"يجوز للمُتعاقدين أن يُحددا مُقدماً قيمة التعويض بالنص عليه في العقد، أو في اتفاق لاحق، ويُراعى في هذه الحالة أحكام المواد من 215 إلى 220".([5])

كما نص في المادة 224 من القانون المدني على أنه: "

لا يكون التعويض الاتفاقي مُستحقاً إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر.

ويجوز للقاضي أن يُخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مُبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، أو أن الالتزام الأصلي قد نًفِذَ في جزء منه.

ويقع باطلاً كل اتفاق يُخالف أحكام الفقرتين السابقتين".

وأخيراً، نص في المادة 225 من القانون المدني على أنه:

"إذا جاوز الضرر قيمة التعويض الاتفاقي فلا يجوز للدائن أن يُطالب بأكثر من هذه القيمة إلا إذا أثبت أن المدين قد أرتكب غشاً أو خطأً جسيماً".([6])

تعريف الشرط الجزائي ( La Clause Pénale ):

عرف الفقيه الفرنسي "تولييه" الشرط الجزائي بقوله: "الشرط الجزائي هو ذاك الذي يفرض على شخص ضرورة أداء مبلغ أو شيء كعقوبة لعدم قيامه بتنفيذ التزام أو لتأخره في تنفيذه".([7])

كما عرف الدكتور/ عبد المُنعم البدراوي الشرط الجزائي بأنه: "اتفاق سابق على تقدير التعويض الذي يستحقه الدائن في حالة عدم التنفيذ أو التأخر فيه.([8])

وقد عرفت المادة الأولى من اتفاقية "بيوتلكس" المُتعلقة بأحكام الشرط الجزائي والمُوقعة في لاهاى في 26/11/1973، عرفت الشرط الجزائي بأنه: "كل شرط يلتزم بموجبه المدين بدفع مبلغ من المال، أو القيام بأي عمل قانوني آخر، بصفة جزاء أو تعويض، إذا لم يوف بالتزامه".

أمثلة الشرط الجزائي:

ويقول الفقيه الفرنسي "ديموج" في هذا الصدد أن: "الشرط الجزائي يصح أن يكون مبلغاً من النقود، كما يصح أن يكون شيئاً أو عملاً أو امتناعاً (عن عمل) أو تقصير ميعاد في استعمال الحق أو تشديداً في شروط استعماله أو اشتراط ترخيص أو تغيير مكان تنفيذ الالتزام".

والأمثلة على الشرط الجزائي كثيرة متنوعة:

فشروط المقاولة قد تتضمن شرطاً جزائياً يلزم المقاول بدفع مبلغ معين عن كل يوم أو عن كل أسبوع أو عن كل مدة أخرى من الزمن يتأخر فيها المقاول عن تسليم العمل المعهود إليه إنجازه.

ولائحة المصنع قد تتضمن شروطاً جزائية تقضي بخصم مبالغ معينة من أجرة العامل جزاء له على إخلاله بالتزاماته المختلفة.

وتعريفة مصلحة السكك الحديدية أو مصلحة البريد قد تتضمن تحديد مبلغ معين هو الذي تدفعه المصلحة للمتعاقد معها في حالة فقد "طرد" أو فقد رسالة.

واشتراط حلول جميع أقساط الدين إذا تأخر المدين في دفع قسط منها، فهذا شرط جزائي، ولكن من نوع مختلف، إذ هو هنا ليس مقداراً معيناً من النقود قدر به التعويض، بل هو تعجيل أقساط مؤجلة.

وأيضاً إذا اتفق المؤجر والمستأجر على أن يسلم المستأجر عند انتهاء إجارته الأطيان الزراعية المؤجرة إليه خالية من الزراعة، وشرط في العقد تعويض المؤجر عن الإخلال بهذا الاتفاق بأن الزراعة التي عسى أن تكون قائمة عند انتهاء الإيجار تكون ملكاً للمؤجر، كان الاتفاق الأصلي صحيحاً وكان الشرط الجزائي صحيحاً معه.([9])

أغراض الشرط الجزائي:

الأصل في الشرط الجزائي هو أن يكون تقديراً مقدماً للتعويض، ولكن قد يستعمله المتعاقدان لأغراض أخرى، ومن ذلك أن يتفقا على مبلغ كبير يزيد كثيراً على الضرر الذي يتوقعانه، فيكون الشرط الجزائي بمثابة تهديد مالي، وقد يتفقان على مبلغ صغير يقل كثيراً عن الضرر المتوقع، فيكون الشرط الجزائي بمثابة إعفاء أو تخفيف من المسئولية. وإذا ستر الشرط الجزائي غرضاً غير مشروع، كما أخفى إعفاء غير مشروع من المسئولية، كان الشرط بـاطـلاً.([10])

تمييز الشرط الجزائي عما يُشتبه من أوضاع:

1- الشرط الجزائي، والالتزام الشرطي:

تسمية "الشرط" تستخدم في المُصطلح القانوني بمعاني عديدة، فقد يُقصد به الدلالة على جزء من مضمون ما اتفق عليه المتعاقدان، أي جزء من التصرف القانوني أو بند من بنود العقـد([11]). وقد يُقصد به "وصف" للالتزام.([12])،([13])

و"الشرط الجزائي" هو اتفاق يُحدد بموجبه المتعاقدان مُسبقاً مقدار التعويض عند عدم التنفيذ، فهو بند من بنود العقد.

أما "الالتزام الشرطي" فهو التزام يرتبط في وجوده أو زواله بأمر مُستقبل غير مُحقق الوقوع، أي هو التزام مشروط، والشرط فيه (كوصف للالتزام) قد يكون "شرطاً واقفاً"([14]) يترتب على تحققه وجود الالتزام، وقد يكون "شرطاً فاسخاً"([15]) يترتب على تحققه زوال الالتزام.

والتفرقة بين الشرط كوصف والشرط كجزء من مضمون التصرف (أو الاتفاق) تفرقة أساسية، ولذا يجب أن تكون واضحة كل الوضوح، فالشرط كوصف يُعلق على تحققه وجود الالتزام أو زواله، هو واقعة خارجة عن غايات المُتعاملين، أي كما يقول الفقه، عنصر عرضي في الاتفاق، ولا يحمل تعليق نشوء الالتزام عليها (في الشرط الواقف مثلاً) أي قصد إلى الحصول على مُقابل مُعين. وبذا لا يدخل الاتفاق عليها في مضمون العقد، بخلاف الحال بالنسبة لما يسمى بنود العقد، فهي أعباء يتم الاتفاق على تحمل طرف العقد بها كمُقابل لالتزام على الطرف الآخر.([16])

بينما يقول السنهوري أن: "الشرط الجزائي – كتعويض – هو التزام تابع للالتزام الأصلي، وهو التزام مُعلق على شرط لأنه لا يُستحق إلا إذا أصبح تنفيذ الالتزام الأصلي مُستحيلاً بخطأ المدين([17]). وأن تكييف الالتزام بأنه التزام شرطي أو بأنه شرط جزائي يُنظر فيه إلى نية المُتعاقدين.([18])

2- الشرط الجزائي والتهديد المالي ( Les Astreintes ):

تتلخص وسيلة التهديد المالي (التي نظمتها المادتان 213 و 214 من القانون المدني المصري) في أن القاضي يلزم المدين بتنفيذ التزامه عيناً في خلال مدة معينة، فإذا تأخر في التنفيذ كان مُلزماً بدفع غرامة تهديدية عن هذا التأخر، مبلغاً مُعيناً عن كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر أو أية وحدة زمنية أخرى أو عن كل مرة يأتي عملاً يخل بالتزامه، وذلك إلى أن يقوم بالتنفيذ العيني أو إلى أن يمتنع نهائياً عن الإخلال بالالتزام. ثم يرجع إلى القاضي فيما تراكم على المدين من غرامات تهديدية، ويجوز للقاضي أن يخفض هذه الغرامات أو أن يمحوها بتاتاً.([19])

ومما تقدم نستطيع أن نميز بين التهديد المالي والشرط الجزائي من الوجوه الآتية:

فالتهديد المالي يحكم به القاضي، أما الشرط الجزائي فيتفق عليه الدائن والمدين.

والتهديد المالي "تحكمي" لا يقاس بمقياس الضرر، وإنما يُقصد به التغلب على عِناد المدين، فينظر إلى موارده المالية وقدرته على مُقاومة الضغط، أما الشرط الجزائي فالأصل فيه أن يقاس بمقياس الضرر.

والتهديد المالي "حكم وقتي تهديدي"، فهو لا يقبل التنفيذ إلا إذا حول من غرامة تهديدية إلى تعويض نهائي. أما الشرط الجزائي فليس بوقتي ولا تهديدي، وإنما هو اتفاق قابل للتنفيذ بحالته. وإذا جاز تخفيض الشرط الجزائي للمُبالغة في التقدير، فالأصل فيه عدم التخفيض، أما التهديد المالي فالأصل فيه التخفيض، لأنه يكون عادة أزيد بكثير من الضرر الحقيقي، فيغلب تخفيضه عند تحويله إلى تعويض نهائي.

وليس التهديد المالي إلا وسيلة غير مباشرة للتنفيذ العيني، أما الشرط الجزائي فعلى العكس من ذلك يتصل بالتعويض لا بالتنفيذ العيني.

والتهديد المالي يقدر عن كل وحدة زمنية أو عن كل مرة يخل فيها المدين بالتزامه. أما الشرط الجزائي فلا يُقدر على هذا النحو إلا إذا كان تعويضاً عن تأخر المدين في تنفيذ التزامه، فإذا كان تعويضاً عن عدم التنفيذ فإنه يُقدر عادة مبلغاً مقطوعاً (Forfaitaire).

ومن المُقرر في قضاء محكمة النقض المصرية أن: " مُؤدى النص المادة 213/2 من القانون المدني أن الغرامة التهديدية وسيلة للضغط على المدين لحمله على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً كلما كان ذلك ممكناً، ومن ثم فهي ليست تعويضاً يقضى به للدائن ولكنها مبلغ من المال يقدر عن كل وحدة زمنية يتأخر فيها عن تنفيذ هذا الالتزام أو عن كل مرة يخل به، فهي ليست مبلغاً يقدر دفعة واحدة، حتى يتحقق معنى التهديد، ولا تقرر إلا بحكم القاضي بناء على طلب الدائن، ويتفرع على ذلك أن الحكم بها يُعتبر وقتياً لأن القاضي يجوز له أن يزيد في مقدارها إمعاناً في تهديد المدين لحمله على التنفيذ أو العدول عنها إذا رأى أنه لا جدوى منها ومن ثم تختلف عن الشرط الجزائي الذي يجوز بمقتضاه للدائن والمدين أن يتفقا مقدماً على التعويض المُستحق لأولهما في حالة ما إذا لم يقم الثاني بالوفاء بالتزامه، هو سبب استحقاق التعويض لا الشرط الجزائي الذي يترتب على وجوده في العقد اعتبار الضرر واقعاً في تقدير المتعاقدين ومن ثم لا يكلف الدائن بإثباته كما يفترض معه أن تقدير التعويض على أساسه يتناسب مع الضرر الذي أصابه ولا يكون على القاضي إلا القضاء به إلا إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه ضرر أو أن التقدير كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة إذا يكون له في تلك الحالة ألا يقضي بالتعويض أو يخفضه إلى الحد المناسب".([20])

3- الشرط الجزائي والعربون ( Les Arrhes ):

إذا كانت دلالة العربون هي جواز العدول عن العقد([21])، فإنه يجوز لكل من المتعاقدين أن يرجع في العقد بعد إبرامه نظير دفع مبلغ العربون، فيُشتبه العربون بالشرط الجزائي من هذه الناحية، وقد يُحمل العربون على أنه شرط جزائي لتقدير التعويض في حالة العدول عن العقد.

ولكن الفرق كبير بين العربون والشرط الجزائي، ويظهر هذا الفرق في النواحي التالية:

العربون هو المُقابل لحق العدول عن العقد، فمن أراد من المُتعاقدين أن يعدل عن العقد كان ذلك في مُقابل دفع العربون، أما الشرط الجزائي فتقدير لتعويض عن ضرر قد وقع ويترتب على ذلك أن الالتزام بدفع العربون قائم حتى ولو لم يترتب على العدول عن العقد أي ضرر، أما الشرط الجزائي فلا يُستحق إلا إذا وقع ضرر للدائن.

والعربون لا يجوز تخفيضه، سواء كان الضرر الذي أصاب المُتعاقد الآخر من جراء العدول عن العقد مُناسباً للعربون أو غير مُناسب، بل يجب دفع مبلغ العربون كما هو حتى ولو لم يلحق الطرف الآخر أي ضرر من العدول عن العقد. أما الشرط الجزائي فيجوز تخفيضه حتى يتناسب مع الضرر.

ويمكن تكييف العربون بأنه البدل في التزام بدلي. ففي البيع مع العربون مثلاً، يلتزم المشتري التزاماً أصلياً بدفع الثمن في مُقابل أخذ المبيع، وله إذا شاء أن يعدل عن هذا المحل الأصلي – دفع الثمن في مُقابل أخذ المبيع – إلى محل بدلي هو دفع مبلغ العربون في غير مُقابل([22]). أما الشرط الجزائي فتكييفه القانوني هو أنه تعويض اتفاقي، لا هو بالتزام تخييري ولا هو بالتزام بدلي. ومن ثم لا يكون المدين حراً – بخلاف المشتري في المثل المُتقدم – في العدول عن تنفيذ التزامه الأصلي إذا كان هذا التنفيذ مُمكناً إلى تنفيذ الشرط الجزائي، بل يتعين عليه أن يقوم بتنفيذ التزامه الأصلي إذا طُلِبَ منه ذلك. وينبغي دائماً الرجوع إلى نية المُتعاقدين لمعرفة ما إذا كانا قد أرادا بالعربون تحديد قيمة جزافية لا يجوز الانتقاص منها، أو تقدير تعويض اتفاقي يجوز إنقاصه، لا سيما إذا كان الجزاء المشروط فادحاً.([23])

4- الشرط الجزائي وغرامات التأخير في العقود الإدارية:

المُقرر في قضاء محكمة النقض المصرية أن: "الغرامات التي ينص عليها في العقود الإدارية – على ما جرى به قضاء محكمة النقض – تختلف في طبيعتها عن الشرط الجزائي في العقود المدنية، لأنها جزاء قصد به ضمان وفاء المتعاقد مع الإدارة بالتزامه بحسن سير المرفق بانتظام واطراد، وفي سبيل تحقيق هذه الغاية يحق للإدارة أن توقع الغرامة المنصوص عليها في العقد بمجرد وقوع المخالفة التي تقررت الغرامة جزاء لها، كما أن للإدارة أن تستنزل قيمة هذه الغرامة مما يكون مستحقاً في ذمتها للمتعاقد دون أن يتوقف ذلك على ثبوت وقوع ضرر للإدارة من جراء إخلال المتعاقد معها بالتزامه، ولا يجوز للطرف الآخر أن ينازع في استحقاقها للغرامة بحجة انتفاء الضرر أو المبالغة في تقدير الغرامة إلا إذا أثبت أن الضرر راجع إلى قوة قاهرة أو إلى فعل الإدارة المتعاقد معها".([24])

وعلى ذلك، فالغرامات المنصوص عليها في العقود الإدارية تختلف عن الشرط الجزائي في أن القانون جعل من وقوع المخالفة التي تقررت الغرامة جزاء لها، قرينة قانونية لا تقبل إثبات العكس على حدوث ضرر للجهة الإدارية، وأن هذا الضرر المفترض لا يقل عن قيمة الغرامة المقررة، وبالتالي لا يجوز للمتعاقد مع الإدارة أن ينازع في هذه القرينة القانونية، فلا هو يستطيع أن يزعم عدم استحقاق الغرامة بحجة انتفاء الضرر، ولا هو يستطيع المجادلة بأن الضرر الواقع أقل من قيمة الغرامة وأن تلك الغرامة قد تمت المبالغة في تقدير قيمتها. وإن كان لهذا المتعاقد أن ينفي ركن الخطأ في جانبه بإثبات أن وقوع المخالفة التي تقررت الغرامة جزاء لها راجع إلى قوة قاهرة أو سبب أجنبي أو خطأ الإدارة ذاتها. كما أن للإدارة في حالة ما إذا كان الضرر الذي أصابها أكبر من قيمة الغرامة المقررة، ولم تستطع الحصول على مستحقاتها بالطرق الإدارية، أن تلجأ للقضاء للمطالبة باستكمال قيمة التعويض المستحق لها عما أصابها من أضرار بسبب المخالفة التي ارتكبها المتعاقد معها.

فضلاً عن أن للجهة الإدارية في حالة وقوع المخالفة التي تقررت الغرامة جزاء لها، أن توقع الغرامة بمجرد وقوع المخالفة وبدون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو اتخاذ أي إجراء آخر؛ فالإدارة توقع الجزاء بنفسها مباشرة دون اللجوء إلى القضاء.([25])

وقد قضت المحكمة الإدارية العليا (في مصر) بأنه: "ومن حيث أنه بالنسبة لغرامة التأخير فإنه طبقاً لما أستقر عليه قضاء هذه المحكمة فإن غرامات التأخير في العقود الإدارية تختلف عن الشرط الجزائي في العقود المدنية، وذلك أن الشرط الجزائي في العقود المدنية هو تعويض متفق عليه مقدماً يستحق في حالة إخلال أحد المتعاقدين بالتزامه فيشترط فيه ما يشترط لاستحقاق التعويض بوجه عام من وجوب حصول ضرر للمتعاقد الآخر وإعذار للطرف المقصر وصدور حكم به وللقضاء أن يحققه إن ثبت أنه لا يتناسب والضرر الذي لحق بالمتعاقد، بينما الحكمة في الغرامات التي ينص عليها في العقود الإدارية هي ضمان تنفيذ هذه العقود في المواعيد المتفق عليها حرصاً على حسن سير المرافق العامة بانتظام واضطراد، وقد نصت لائحة المناقصات والمزايدات على حق الإدارة في توقيعها بمجرد حصول التأخير ولو لم يترتب عليه ضرر ودون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو اتخاذ أية إجراءات قضائية أخرى، ومن ثم فالجهة الإدارية توقعها بنفسها دون حاجة إلى حكم بها إذا أخل المتعاقد بالتزامه قبلها ولا يقبل منه إثبات عدم حصول ضرر لها من تأخيره في تنفيذ التزامه فاقتضاء الغرامة منوط بتقديرها باعتبارها القوامة على حسن سير المرافق العامة".([26])

وعلى ذلك فالغرامات المنصوص عليها في العقود الإدارية تختلف من هذه الأوجه عن الشرط الجزائي الذي يشترط فيه وقوع ضرر وسبق إنذار للطرف المقصر ولا يوقع – عند المنازعة في استحقاقه – إلا عن طريق القضاء الذي يملك تخفيضه إذا كان الضرر الحادث أقل من قيمة التعويض الاتفاقي المتمثل (المتمثل هنا في الغرامة) كما لا يملك الطرف المضرور المطالبة بأكثر من قيمة التعويض الاتفاقي إلا إذا أثبت الغش أو الخطأ الجسيم في حق الطرف المقصر.


([1]) سورة المائدة – الآية رقم 1.

([2]) رواه الترمذي.

([3]) أنظر: "الشرط الجزائي في الفقه الإسلامي" – رسالة دكتوراه مُقدمة من الباحث/ عبد المُحسن سعد الرويشد لكلية الحقوق جامعة القاهرة في عام 1983 – صـ 607 وما بعدها.

([4]) أبحاث هيئة كبار العلماء - المجلد الأول - صـ 293 : 296.

([5]) ويُطابق النص في القوانين المدنية العربية الأخرى: في القانون المدني السوري المادة 224، وفي القانون المدني العراقي المادة 170/1، وفي القانون المدني الليبي المادة 226. وفي قانون الموجبات والعقود اللبناني تنص المادة 266/1 على أن: "للمتعاقدين أن يعينوا مُقدماً في العقد أو في صك لاحق، قيمة بدل العطل والضرر في حالة تخلف المديون عن تنفيذ الموجب كله أو بعضه"، فصياغة النص اختلفت في القانون اللبناني ولكن الحكم واحد. وفي القانون المدني الكويتي (رقم 67 لسنة 1980) تنص المادة 302 على أنه: "إذا لم يكن محل الالتزام مبلغاً من النقود، يجوز للمتعاقدين أن يُقدرا مُقدماً التعويض، في العقد أو في اتفاق لاحق" واستبعاد النص للالتزامات التي يكون محلها مبلغاً من النقود يتفق مع الشرع الحنيف حتى لا يتخذ من "التعويض الاتفاقي" ستاراً لمعاملات ربوية محرمة شرعاً. وقد أكد المشرع الكويتي ذلك، بنصه في المادة 305 من القانون المدني الكويتي على أن: "يقع باطلاً كل اتفاق على تقاضي فوائد مقابل الانتفاع بمبلغ من النقود أو مقابل التأخير في الوفاء بالالتزام به. ويعتبر في حكم الفائدة كل منفعة أو عمولة أياً كان نوعها اشترطها الدائن إذا ما ثبت أن ذلك لا يقابله خدمة حقيقة متناسبة يكون الدائن قد أداها فعلاً". وليت المشرع المصري، وسائر المشرعين العرب والمسلمين، أن يحتذوا بالمشرع الكويتي في شأن انصياعه لأمر التشريع الإسلامي الذي يحرم الربا في شتى صوره وأشكاله.

([6]) ويقابل نص المادتين 224 و 225 من القانون المدني المصري في القوانين العربية الأخرى ما يلي: في القانون المدني السوري نص المادتين 225 و 226 وهما مُطابقتان للنص المصري، وفي القانون المدني العراقي المادة 170 الفقرتين الثانية والثالثة وهي مُطابقة للنص المصري فيما عدا كلمة "فادحاً" بدلاً من عبارة "مُبالغاً فيه إلى درجة كبيرة". وفي القانون المدني الليبي المادتين 227 و 228 وهما مُطابقتان للنص المصري. وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني المادتين 266 (فقرة 2 و 3) و 267. فتنص المادة 266 فقرة 2 و3 لبناني على = أن: "ولقد وضع البند الجزائي لتعويض الدائن من الأضرار التي تلحق به من عدم تنفيذ الموجب. فلا يحق له أن يطالب بالأصل والغرامة معاً، إلا إذا كان البند الجزائي قد وضع لمجرد التأخير أو على سبيل إكراه المديون على الإيفاء. ويحق للقاضي أن يخفض غرامة الإكراه إذا وجدها فاحشة. وللقاضي أن ينقص البدل المعين في البند الجزائي إذا كان قد نفذ قسم من الموجب الأصلي". كما تنص المادة 267 لبناني على أن: "البند الجزائي صحيح معمول به وإن كان موازياً في الواقع لبند ناف للتبعية. وإنما تستثنى حالة الخداع الذي يرتكبه المديون". وفي القانون المدني الكويتي نص المادتين 303 و 304 وهما مُطابقتان "تقريباً" للنص المصري.

([7]) Toullier: « Le Droit Civil Français ». 5e ed T. 6 No. 799.

([8]) أنظر: للدكتور عبد المُنعم البدراوي – "النظرية العامة للالتزامات" – الأحكام – طبعة 1971 – صـ 80.

([9]) أنظر: "الوسيط في شرح القانون المدني" – للدكتور/ عبد الرزاق أحمد السنهوري – الجزء الأول: "نظرية الالتزام بوجه عام" – المُجلد الثاني: "الإثبات – آثار الالتزام" – طبعة لجنة الشريعة الإسلامية بنقابة المُحامين 2006 القاهرة – بند 477 – صـ 767 وهوامشها.

([10]) وسيط السنهوري – المرجع السابق – جـ 1 – مجلد 2 – بند 477 – صـ 767 وما بعدها وهامش 3 صـ 767 وما بعدها.

([11]) ويُسمى بالفرنسية Clause .

([12]) ويُسمى بالفرنسية Condition .

([13]) كما تُستعمل لفظة "الشرط" للدلالة على ما يستلزمه القانون في واقعة ليرتب عليها أثر قانوني مُعين، فالرسمية "شرط" لصحة التصرف القانوني بالهبة أو بالرهن الرسمي، والتسجيل في بيع العقار "شرط" لنقل الملكية بين المُتعاقدين (وفقاً لنص القانون) وبالنسبة إلى الغير، وحدوث الضرر "شرط" لنشوء التزام بالتعويض على عاتق مُرتكب الخطأ، والحاجة "شرط" لاستحقاق النفقة، والشرط في كل هذه الصور ليس وصفاً للالتزام، بل هو عنصر يلزم توافره لاكتمال الواقعة التي يترتب عليها أثر من الآثار القانونية، ولذا فإتمام التسجيل ليس شرطاً واقفاً لنشوء حق المُشتري في ملكية العقار، وكذا الرسمية في الرهن أو في الهبة، أو حدوث ضرر في الالتزام بالتعويض أو الحاجة في الالتزام بالنفقة. ويُلاحظ أن الشرط بهذا المعنى يُعبر عنه باللغة الفرنسية بنفس الكلمة الدالة على الشرط بمعنى الوصف (Condition). وفي اصطلاح الفقه الإسلامي، يُسمى الشرط بمعنى الوصف: "شرط التعليق"، أما الشرط كبند من بنود العقد، فيُسمى "شرط التقييد".

أنظر: "النظرية العامة للالتزام" – للدكتور/ جميل الشرقاوي – الكتاب الثاني "أحكام الالتزام" – طبعة 1981 القاهرة – بند 51 – هامش 1 صـ 163.

([14]) Condition Suspensive .

([15]) Condition Résolutoire .

([16]) أنظر: "النظرية العامة للالتزام" – للدكتور/ جميل الشرقاوي – الكتاب الثاني "أحكام الالتزام" – طبعة 1981 القاهرة – بند 51 – صـ 161 وما بعدها وهوامشها.

([17]) وسيط السنهوري – المرجع السابق – جـ 1 – مجلد 2 – بند 486 و 487 – صـ 775 و 776 وهامش 1 صـ 776.

([18]) وسيط السنهوري – المرجع السابق – جـ 1 – مجلد 2 – بند 488 – هامش 1 صـ 777.

ومن المُقرر في قضاء محكمة النقض المصرية أن: "المقرر في قضاء هذه المحكمة أن العبرة في تكييف العقد والتعرف على حقيقة مرماه وتحديد حقوق الطرفين فيه إنما هي بما حواه من نصوص وبما عناه المُتعاقدان، دون اعتداد بما أطلقوه عليه من أوصاف متى تبين أن هذه الأوصاف تخالف الحقيقة. وأن لمحكمة الموضوع استخلاص - نية المُتعاقدين - وما انعقد عليه اتفاقهما مُستهدية في ذلك بحقيقة الواقع والنية المُشتركة وطبيعة التعامل والعرف الجاري في المعاملات وظروف التعاقد وبالطريقة التي يتم بها تنفيذ العقد، شريطة أن يكون هذا الاستخلاص سائغاً ولا مُخالفة فيه للثابت في الأوراق".

نقض مدني في الطعن رقم 336 لسنة 53 قضائية – جلسة 23/5/1991 مجموعة المكتب الفني – السنة 42 – الجزء الأول – صـ 1180 – فقرة 1 و 2.

([19]) وسيط السنهوري – المرجع السابق – جـ 1 – مجلد 2 – بند 446 – صـ 727 وما بعدها.

([20]) نقض مدني في الطعن رقم 411 لسنة 59 قضائية – جلسة 29/12/1993 مجموعة المكتب الفني – السنة 44 – صـ ... – فقرة 1.

([21]) تنص المادة 103 من القانون المدني المصري على أن: "دفع العربون وقت إبرام العقد يُفيد أن لكل من المُتعاقدين الحق في العدول عنه، إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك. فإذا عدل من دفع العربون، فقده. وإذ عدل من قبضه، رد ضعفه. هذا ولو لم يترتب على العدول أي ضرر".

([22]) فالعربون الذي يدفع في مُقابل العدول عن العقد يمكن تكييفه بأنه البدل في التزام بدلي، ويكون المدين ملتزماً أصلاً بالالتزام الوارد في العقد ودائناً بالحق الذي يقابل هذا الالتزام، ولكن تبرأ ذمته من الالتزام الأصلي ويسقط الحق المُقابل له إذا هو أدى العربون، ومؤدى ذلك أن العدول في حالة دفع العربون لا يكون عن العقد في جملته، بل عدول عن الالتزام الأصلي والحق المُقابل له، والعربون بدل مُستحق بالعقد، إنما هو تنفيذ للعقد في أحد شطريه وهو البدل، لا عدول عن العقد في جملته. أنظر: وسيط السنهوري – المرجع السابق – جـ 1 – مجلد 1 – بند 142 – هامش 3 صـ 220.

([23]) وسيط السنهوري – المرجع السابق – جـ 1 – مُجلد 2 – بند 490 – صـ 778 وما بعدها وهوامشها.

([24]) نقض مدني في الطعن رقم 471 لسنة 30 قضائية – جلسة 26/10/1965 مجموعة المكتب الفني – السنة 16 – صـ 922.

([25]) أنظر: المادة 23 من القانون رقم 89 لسنة 1998 بشأن المُناقصات والمزايدات المصري، وكذلك المادة 83 من اللائحة التنفيذية لقانون المناقصات والمزايدات الصادرة بقرار وزير المالية رقم 1367 لسنة 1998.

([26]) الطعن رقم 1130 لسنة 33 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 20/4/1993. والطعن رقم 61 لسنة 2 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 21/9/1960. والطعن رقم 94 لسنة 9 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 11/12/1965.

دستورية قانون إنشاء هيئة الأوقاف المصرية

أولاً- تقدير محكمة الموضوع لجدية الدفع بعدم دستورية نص في قانوني ..

ليس فصلاً في دستورية هذا النص، ولا يحوز أية حجية أمام المحكمة الدستورية:

في مستهل دفاعنا ننوه إلى أن تقدير محكمة الموضوع لجدية الدفع أمام بعدم دستورية نص قانوني، ليس فصلاً في دستورية هذا النص، وأن هذا التقدير لا يحوز أية حجية أمام المحكمة الدستورية العليا.

حيث أنه من المُقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن: "تقدير محكمة الموضوع جدية الدفع بعد دستورية نص قانوني لازم للفصل في النزاع المعروض عليها، لا يتعمق المسائل الدستورية التي يثيرها هذا النزاع، ولا يعتبر فصلاً فيها بقضاء قطعي، بل يعود الأمر في شأنها إلى المحكمة الدستورية العليا، لتزن وفقاً لمقاييسها جوهر المطاعن الدستورية وأبعادها، تحديداً لصحتها أو فسادها. وإذ تفصل محكمة الموضوع في جدية دفع مثار أمامها بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، فإن قرارها في هذا الصدد إما أن يكون صريحاً أو مُستفاد ضمناً من عيون الأوراق، ويعتبر قراراً ضمنياً بقبول الدفع: إرجاء الفصل في النزاع الموضوعي إلى أن تقدم المدعية ما يدل على رفع دعواها الدستورية، وكذلك تعليق حكمها فيه على الفصل في المسائل الدستورية التي اتصل بها". (الطعن رقم 3 لسنة 18 قضائية "دستورية" – جلسة 4/1/1997. منشور بالجريدة الرسمية في العدد رقم 3 بتاريخ 16/1/1997).

ثانياً- عدم صحة الاستناد للحكم الصادر في الطعن رقم 104 لسنة 23 قضائية "دستورية":

بمُطالعة الحكم الصادر في الطعن رقم 104 لسنة 23 قضائية "دستورية" الذي استند إليه المدعي في دعواه الدستورية الماثلة، تبين أن المحكمة الدستورية قد قضت في الطعن المذكور بجلسة 9/1/2005 والذي جرى منطوقه على النحو التالي:

"بعدم دستورية البند (ح) من المادة (1) من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري المُعدل بالقانون رقم 44 لسنة 1958 فيما تضمنه من النص على جواز إتباع إجراءات الحجز الإداري عند عدم الوفاء بما يكون مُستحقاً لوزارة الأوقاف بصفتها ناظراً من إيجارات للأعيان التي تديرها الوزارة، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مُقابل أتعاب المُحاماة".

وقد أسست المحكمة الدستورية العليا حكمها سالف الذكر على أن: "البين من استعراض أحكام القانون رقم 247 لسنة 1953 بشأن النظر على الأوقاف الخيرية وتعديل مصارفها على جهات البر، والقانون رقم 272 لسنة 1959 بتنظيم وزارة الأوقاف، أنها ناطت بالوزارة النظر على الأوقاف الخيرية وإدارة أعيانها، وبهذه الصفة أجاز البند (ح) من المادة (1) من قانون الحجز الإداري للوزارة توقيع الحجز عند عدم الوفاء بالإيجارات المُستحقة للوقف، وقد خلفت هيئة الأوقاف المصرية الوزارة – إعمالاً لنص المادة (5) من القانون رقم 80 لسنة 1971 بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية – في الاختصاص بإدارة واستثمار أموال الأوقاف الخيرية والتصرف فيها، وذلك باعتبارها نائبة عن وزير الأوقاف بصفته ناظراً على تلك الأوقاف، كما حلت الهيئة – بمقتضى المادة (9) من القانون رقم 80 لسنة 1971 – محل الوزارة فيما لها من حقوق وما عليها من التزامات تتعلق بإدارة واستثمار هذه الأموال، وبالتالي أصبح للهيئة بصفتها نائبة عن وزير الأوقاف كناظر للوقف رخصة توقيع الحجز الإداري عند عدم الوفاء بالإيجارات المُستحقة للوقف، وهو الأساس القانوني لقيام الهيئة باتخاذ إجراءات الحجز في الحالة المعروضة.

وحيث أن القواعد التي تضمنها قانون الحجز الإداري غايتها أن يكون بيد أشخاص القانون العام وسائل ميسرة تمكنها من تحصيل حقوقها وهي بحسب طبيعتها أموال عامة تمثل الطاقة المحركة لحسن سير المرافق العامة وانتظامها، فلا يتقيد اقتضاؤها جبراً عن مدينيها بالقواعد التي فصلها قانون المرافعات المدنية والتجارية في شأن التنفيذ الجبري، وإنما تعتبر استثناءً منها، وامتيازاً لصالحها، وهذه الطبيعة الاستثنائية لقواعد الحجز الإداري تقتضي أن يكون نطاق تطبيقها مرتبطاً بأهدافها ومتصلاً بتسيير جهة الإدارة لمرافقها، فلا يجوز نقل هذه القواعد إلى غير مجالها، ولا إعمالها في غير نطاقها الضيق الذي يتحدد باستهداف حسن سير المرافق العامة وانتظامها.

إذ كان ذلك، وكانت أموال الأوقاف تعتبر بصريح نص المادة (5) من القانون رقم 80 لسنة 1971 أموالاً خاصة مملوكة للوقف باعتباره – عملاً بنص المادة (52/3) من القانون المدني – شخصاً اعتبارياً، وهو يدخل بحسب طبيعته في عِداد أشخاص القانون الخاص، ولو كان يباشر النظر عليه شخصاً من أشخاص القانون العام، إذ يظل النظر – في جميع الأحوال – على وصفه القانوني مُجرد نيابة عن شخص من أشخاص القانون الخاص، وفي هذا نصت المادة 50 من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف على أن "يعتبر الناظر أميناً على مال الوقف ووكيلاً عن المُستحقين ..."، ومن ثم فإن قيام وزير الأوقاف بصفته ناظراً على الأوقاف الخيرية وهيئة الأوقاف المصرية كنائبة عنه على شئون أموال الأوقاف، إنما يكون كأي ناظر من أشخاص القانون الخاص، وعلى ذلك فإن تخويل النص الطعين وزارة الأوقاف بصفتها ناظراً على الأوقاف صلاحية توقيع الحجز الإداري عند عدم الوفاء بالإيجارات المُستحقة للأوقاف، مؤداه إلحاق نشاط هذه الأوقاف – في هذا النطاق – بالأعمال التي تقوم عليها المرافق العامة، واعتبارها من جنسها، وإخضاع تحصيلها – دون مقتض – لتلك القواعد الاستثنائية التي تضمنها قانون الحجز الإداري، بما يخالف نص المادة (65) من الدستور، ذلك أن مبدأ الخضوع للقانون المُقرر بها، يفترض تقيد أشخاص القانون الخاص في مجال نشاطها واقتضاء حقوقها بقواعد ووسائل هذا القانون دون غيرها، فلا يكون الخروج عليها إلا لضرورة وبقدرها، فإذا انتفت تلك الضرورة كما هو حال النص الطعين فإنه يكون قد وقع في حمأة المُخالفة الدستورية".

والحكم بعدم دستورية البند (ح) من المادة (1) من القانون رقم 308 لسنة 1955 في شأن الحجز الإداري فيما تضمنه من النص على جواز إتباع إجراءات الحجز الإداري عند عدم الوفاء بما يكون مُستحقاً لوزارة الأوقاف بصفتها ناظراً من إيجارات للأعيان التي تديرها الوزارة، وإن كان ينفي عن مال الوقف صفة المال العامة ويعتبره مالاً خاصاً، فإنه لم ولن ينفي عن هيئة الأوقاف المصرية صفة "الهيئة العامة". ومن ثم لا يكون هناك مجالاً للاستناد إلى هذا الحكم للزعم بانتفاء صفة "الهيئة العامة" عن هيئة الأوقاف المصرية. وبالتالي تكون الدعوى الدستورية الماثلة قد جاءت على غير سند من صحيح القانون خليقة بالرفض.

ثالثاً- الأصل أن هيئة قضايا الدولة لا تنوب قضائياً عن هيئة الأوقاف المصرية:

الأصل أن "هيئة قضايا الدولة" لا تنوب عن - ولا تـُمثل - هيئة الأوقاف المصرية أمام القضاء، حيث أن لهيئة الأوقاف المصرية شخصية قانونية عامة مستقلة طبقاً للمادة الأولى من قانون إنشاء الهيئة رقم 80 لسنة 1971. ويمثلها أمام القضاء وفي صلاتها بالغير السيد/ رئيس مجلس إدارة الهيئة طبقاً لنص المادة التاسعة من القرار الجمهوري بقانون رقم 1141 لسنة 1972 بشأن تنظيم العمل بهيئة الأوقاف المصرية والتي تنص على أن: "يختص رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية بتمثيل هيئة الأوقاف المصرية أمام القضاء وفى صلاتها بالغير". (وراجع حكم النقض المدني في الطعن رقم 527 لسنة 46 قضائية - السنة 31 - الجزء الثاني - صـ 1782).

كما أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "النص في المادة الرابعة من القانون رقم 10 لسنة 1986 بشأن هيئة قضايا الدولة على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية ...الخ"، وفي مادته السادسة على أنه "تنوب هذه الهيئة عن الدولة بكافة شخصياتها الاعتبارية العامة فيما يُرفع عنها أو عليها من قضايا لدى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها ...الخ"، مُؤداه أن هذا القانون لا يخل بما ورد بالقانون رقم 47 لسنة 1973 من اختصاص الإدارات القانونية بالمُؤسسات العامة والهيئات العامة والوحدات التابعة لها؛ وكان النص في المادة الثالثة من القانون الأخير على أنه "... كما يجوز لمجلس إدارة الهيئة العامة أو المُؤسسة العامة أو الوحدة التابعة لها بناء على اقتراح إدارتها القانونية إحالة بعض الدعاوى والمنازعات التي تكون المؤسسة أو الهيئة أو إحدى الوحدات الاقتصادية التابعة لها طرفاً فيها إلى إدارة قضايا الحكومة لمباشرتها ...الخ"، مُؤداه أن إدارة قضايا الحكومة – التي تغير اسمها إلى هيئة قضايا الدولة بمُقتضى القانون رقم 10 لسنة 1986 – لا تنوب عن الهيئة العامة أو المُؤسسات العامة أو الوحدات الاقتصادية التابعة لها إلا بناء على تفويض يصدر بذلك من مجلس إدارتها". (نقض مدني في الطعن رقم 1176 لسنة 63 قضائية – جلسة 6/6/2000. المصدر: "مجموعات القوانين والمبادئ القانونية من أحكام النقض المدني في ثلاث سنوات 1999 : 2001" – المكتب الفني لهيئة قضايا الدولة – القاعدة رقم 237 – صـ 236 و 237).

ومفاد ما تقدم، أن هيئة قضايا الدولة لا تنوب قضائياً ولا تمثل قانونياً هيئة الأوقاف المصرية، إذ أن الممثل القانوني لهيئة الأوقاف المصرية أمام القضاء هو السيد/ رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية، وأن هيئة الأوقاف المصرية – طبقاً لصحيح قانون الإدارات القانونية رقم 47 لسنة 1973 – يجوز لها أن تحيل بعض الدعاوى والمنازعات التي تكون الهيئة طرفاً فيها إلى هيئة قضايا الدولة، وعادة ما يكون ذلك بتفويض يصدر من هيئة الأوقاف المصرية إلى هيئة قضايا الدولة، وتحصل هيئة قضايا الدولة على أتعابها مقابل ذلك من هيئة الأوقاف المصرية. ومن ثم يكون المدعي في الدعوى الدستورية الماثلة قد وقع في لبس إذ أعتقد أن هيئة قضايا الدولة تنوب عن وتمثل هيئة الأوقاف المصرية قضائياً بصفة دائمة، وما دام ما بني على باطل فهو باطل، فتكون الدعوى الدستورية الماثلة التي بنيت على اعتقاد خاطئ ومغلوط قد جاءت على غير سند من صحيح القانون خليقة بالرفض. وهو ما تطالب به هيئة الأوقاف المصرية على سبيل الجزم واليقين.

رابعاً- موضوع الدعوى الدستورية غير مرتبط بالدعوى الموضوعية:

لما كان من المُقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن: "المصلحة الشخصية المباشرة – هي شرط لقبول الدعوى الدستورية – ومناطها أن يكون ثمة ارتباط بينهما وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع". (الطعن رقم 6 لسنة 9 قضائية – جلسة 18/3/1995. منشور بالجريدة الرسمية في العدد رقم 14 بتاريخ 6/4/1995).

ولما كانت طلبات المدعي في الدعوى الدستورية الماثلة هي الحكم له بعدم دستورية نص المادة الأولى من قانون إنشاء هيئة الأوقاف المصرية رقم 80 لسنة 1971 بزعم أن هيئة الأوقاف ليست هيئة عامة.

ولما كان موضوع الدعوى الموضوعية الذي أثير فيها هذا الدفع بعدم الدستورية هي فسخ عقد الإيجار المحرر بين هيئة الأوقاف المصرية كمؤجرة وبين الطاعن في الدعوى الدستورية الماثلة بصفته مستأجراً، وذلك لعدم سداده الأجرة المستحقة عليه، ولما كانت هيئة الأوقاف المصرية قد عقدت عقد الإيجار معه وسلمته العين المؤجرة وقد انتفع بها بالفعل ومن ثم يكون قد التزم بسداد أجرتها في مواعيد استحقاقها، ولا شأن لكل ذلك بما إذا كانت هيئة الأوقاف هيئة عامة أم هيئة خاصة ولا بما إذا كان مال الوقف مال عام أو مال خاص، فالعلاقة منبته الصلة بين الدعويين الدستورية والموضوعية، كما أن الحكم في تلك المنازعة الدستورية غير لازم للفصل في الدعوى الموضوعية، ومن ثم يتعين القضاء بعدم قبول الدعوى الدستورية الماثلة لانتفاء المصلحة الشخصية المباشرة للمدعي في إقامتها.

خامساً- عدم الإشارة لنص الدستور المزعوم بمخالفته في قانون إنشاء الهيئة:

حيث أنه من المُقرر في قضاء المحكمة الدستورية أن: "المادة 30 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 تنص على أنه "يجب أن يتضمن القرار الصادر الإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها وفقاً لحكم المادة السابقة بيان النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته والنص الدستوري المدعى لمخالفته وأوجه المخالفة"، ومؤدى ذلك أن المشرع أوجب لقبول الدعاوى الدستورية أن يتضمن قرار الإحالة أو صحيفة الدعوى ما نصت عليه المادة 30 سالفة الذكر من بيانات جوهرية تنبئ عن جدية هذه الدعاوى ويتحدد بها موضوعها، وذلك مراعاة لقرينة الدستورية لمصلحة القوانين، وحتى يتاح لذوى الشأن فيها ومن بينهم الحكومة - الذين أوجبت المادة 35 من قانون المحكمة إعلانهم بالقرار أو الصحيفة - أن يتبينوا كافة جوانبها، ويتمكنوا في ضوء ذلك من إبداء ملاحظاتهم وردودهم وتعقيبهم عليها في المواعيد التي حددتها المادة 37 من ذات القانون، بحيث تتولى هيئة المفوضين بعد انتهاء تلك المواعيد تحضير الموضوع وتحديد المسائل الدستورية والقانونية المثارة وتبدى فيها رأياً مسبباً وفقاً لما تقضى به المادة 40 من قانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه". (الطعن رقم 116 لسنة 2 قضائية "دستورية" - جلسة 3/4/1982 مجموعة المكتب الفني - السنة 2 - صـ 24 - فقرة 1).

وإذ خالف المدعي هذه الإجراءات القانونية المطلوبة عند قيد الدعوى الدستورية فلم يبين أو حتى يشير إلى النص الدستوري المدعى لمخالفته وأوجه هذه المخالفة، حيث جاءت صحيفة دعواه عبارة عن "موضوع إنشاء" ركيك الصياغة خالي تماماً من أية أسانيد قانونية أو أسباب معقولة لتلك المزاعم والأقوال المرسلة التي ساقها المدعي في صحيفة دعواه الماثلة، ومن ثم يتعين القضاء بعدم قبول دعواه الدستورية الماثلة.

سادساً- دستورية قانون إنشاء هيئة الأوقاف المصرية كهيئة عامة:

لما كان من المُقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن: "ملاءمة التشريع والبواعث على إصداره من إطلاقات السلطة التشريعية ما لم يقيدها الدستور بحدود وضوابط معينة. وإذ كان ما يقرره المدعى بشأن إغفال المادة الثالثة من القانون رقم 52 لسنة 1966 تنظيم طريق لإشهار صفة المستأجر للأرض الزراعية حتى يتبين من تعامل معه التزامه بالإخطار عن دينه، لا يعدو أن يكون جدلاً حول ملاءمة التشريع وما قد يترتب عليه من إجحاف بحقوق طائفة من الدائنين، فإن ما ينعاه المدعى في هذا الشأن لا يشكل عيباً دستورياً يوصم به النص المطعون فيه وتمتد إليه الرقابة على دستورية القوانين". (الطعن رقم 13 لسنة 1 قضائية "دستورية" – جلسة 16/2/1980 مجموعة المكتب الفني – السنة 1 – صـ 151 – فقرة 1).

كما تواتر قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن: "مجالات التشريع الذي تمارسه سلطة التشريع إنما تمتد إلى جميع الموضوعات، كما أن ملائمات التشريع هي من أخص مظاهر السلطة التقديرية للمشرع العادي ما لم يقيده الدستور بحدود وضوابط يتعين على التشريع التزامها وإلا عد مخالفاً للدستور ومن ثم يكون من حق التشريع العادي أن يستقل بوضع القواعد القانونية التي يراها محققة للمصلحة العامة متى كان في ذلك ملتزماً بأحكام الدستور وقواعده". (الطعن رقم 93 لسنة 4 قضائية "دستورية" – جلسة 18/2/1984 مجموعة المكتب الفني – السنة 3 – صـ 29 – فقرة 1).

لما كان ما تقدم، وكانت المذكرة الإيضاحية لمشروع قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 80 لسنة 1971 (بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية) قد أوضحت ملائمة هذا التشريع والبواعث على إصداره (الذي هو من إطلاقات السلطة التشريعية) بإيرادها ما يلي:

"تتابعت خطوات الدولة لإصلاح ما فرضته ظروف التخلف على نظام الوقف من عيوب، وعملت على تنقية هذا النظام من كل ما شابه أو علق به، وانتهت كلها إلى قصر رسالة وزارة الأوقاف على نشر الدعوة الإسلامية نشر ثقافتها في الداخل والخارج وفي تحقيق شروط الواقفين على الخير والبر.

وحتى تتفرغ الوزارة لتحقيق هذه الرسالة صدر القانون رقم 44 لسنة 1962 بتسليم الأعيان التي تديرها وزارة الأوقاف إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي والمجالس المحلية لتتولى كل منها الإشراف على إدارتها واستثمار أموالها.

وقد والت الوزارة منذ صدور هذا القانون تقييم التجربة التي استهدفتها الدولة من إصداره والنتائج التي أسفرت عن تطبيقه.

ومع تقدير الجهد الذي بذلته المجالس المحلية والهيئة العامة للإصلاح الزراعي في إدارة أموال الأوقاف إلا أن انعدام وحدة التخطيط وتضارب سياسات استثمار هذه الأموال نتيجة تعدد جهات الإدارة لنفس المال الواحد، فضلاً عما كشف عنه العمل من سلبيات بالنسبة لإدارة هذه الأموال، أدى إلى حتمية إعادة النظر في القانون المذكور وضرورة البحث عن صيغة جديدة تستطيع أن توفر الدعم المالي لحركة الدعوة الإسلامية ورعاية شروط الواقفين وتشجيع أهل الخير على إيقاف أموالهم.

ولقد كانت نتائج تطبيق القانون رقم 44 لسنة 1962 محل دراسة الوزارة وسعت طويلاً بالاتصال الدائم بالجهات المعنية لحصر نطاق الجوانب السلبية التي أظهرها التطبيق العملي لنصوص هذا القانون وانتهت إلى أن الصيغة الملائمة هي توحيد إدارة هذه الأموال وتجميع كل أعيان وأموال الأوقاف في شكل هيئة عامة لتتولى إدارتها واستثمارها منعاً لتعدد جهات الإشراف في إدارة هذه الأموال وتكون مسئولة عن عملها تحقيقاً للإدارة المثلى حتى تستطيع الوزارة أداء رسالتها الأصلية معتمدة في ذلك على نتائج استثمار هذه الأموال.

وقد أيد هذا النظر القرارات الصادرة بإعادة تنظيم أجهزة الدولة بأن استحدثت هذه الهيئة وحددت تبعيتها لوزير الأوقاف وشئون الأزهر". (انتهى إيضاح المذكرة الإيضاحية)

لما كان ذلك، وكان من المُقرر أن للمُشرع سلطة تقديرية في تنظيم الحقوق بما لا معقب عليه في تقديره ما دام أن الحكم التشريعي الذي قرره لتلك الحالات قد صدرت به قاعدة عامة مجردة لا تنطوي على التمييز بين من تساوت مراكزهم القانونية ولا تهدر نصاً في الدستور، كما أن المشرع يملك لمقتضيات الصالح العام وضع شروط موضوعية تتحدد بها المراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون بحيث يكون لمن توافرت فيهم هذه الشروط دون سواهم أن يمارسوا الحقوق التي كفلها لهم المشرع. (الطعن رقم 21 لسنة 7 قضائية "دستورية" – جلسة 29/4/1989. منشور بالجريدة الرسمية في العدد رقم 20 بتاريخ 18/5/1989).

ولما كانت كل تلك القواعد سالفة الذكر قد راعها المشرع عند سنه لقانون إنشاء هيئة الأوقاف المصرية، فيكون هذا القانون قد جاء متماشياً مع الدستور نصوصاً وأحكاماً ومواداً وروحاً، ويكون الطعن عليه بدعوى عدم الدستورية الماثلة على غير سند من القانون خليقة بالرفض. لا سيما وأن صحيفة الدعوى الدستورية الماثلة قد جاءت خلواً من بيان النص الدستوري المدعى بمخالفته وأوجه هذه المخالفة، حيث جاءت كلها عبارة عن "موضوع إنشاء" ركيك الصياغة لم يحو سوى أقوال مرسلة ومزاعم باطلة (لا علاقة لها لا بالدستور ولا بالقانون) صادرة من قلب ملكوم بسبب الحكم ضده في الدعوى الموضوعية أمام محكمة أول درجة بفسخ عقد إيجاره وإخلائه من عين التداعي.

سابعاً- عدم قبول الطلب الاحتياطي في الدعوى الدستورية لخروجه عن نطاقها:

لما كان من المُقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن: "نطاق الطعن بعدم الدستورية، يتحدد بنطاق الدفع الذي أبداه المدعى أمام محكمة الموضوع وإذا كان هذا الدفع قد تعلق بالمادتين الثالثة والرابعة من القرار المطعون فيه، فإن موضوع الدعوى الماثلة يتحدد بالفصل في دستوريتهما، دون غيرهما من الأحكام التي انتظمها هذا القرار". (الطعن رقم 8 لسنة 15 قضائية "دستورية" – جلسة 14/1/1994 مجموعة المكتب الفني – السنة 6 – صـ 473 – فقرة 5).

كما أستقر قضاء المحكمة الدستورية العليا على أنه: "ومن حيث أن ولاية المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية – وعلى ما جرى به قضاؤها – لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى اتصالاً مُطابقاً للأوضاع المُقررة في قانونها، وذلك إما بإحالة الأوراق إليها من إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائي للفصل في المسألة الدستورية، وإما برفعها من أحد الخصوم بمناسبة دعوى موضوعية دفع فيها الخصم بعدم دستورية نص تشريعي، وقدرت محكمة الموضوع جدية الدفع، وهذه الأوضاع الإجرائية تتعلق بالنظام العام، باعتبارها شكلاً جوهرياً في التقاضي تغيا به المُشرع مصلحة عامة، حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية بالإجراءات التي رسمها. إذ كان ذلك، وكان الثابت مما تقدم أن المدعية قصرت دفعها بعدم الدستورية (أمام محكمة الموضوع) على نص المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977، فإن دعواها الدستورية لا تكون مقبولة بالنسبة إلى المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 لعدم اتصالها – في هذا الشق – بالمحكمة اتصالاً مُطابقاً للأوضاع المُقررة قانوناً". (الطعن رقم 44 لسنة 17 قضائية "دستورية" – جلسة 22/2/1997. منشور بالجريدة الرسمية في العدد رقم 10 بتاريخ 6/3/1997).

وهدياً بما تقدم، وتطبيقاً لتلك القواعد القانونية سالفة الذكر على وقائع الدعوى الدستورية الماثلة، ولما كان الثابت بالأوراق أن المدعي فيها قد قصر دفعه أمام محكمة الموضوع (محكمة استئناف عالي أسيوط) بعدم دستورية نص المادة الأولى من القانون رقم 80 لسنة 1971 بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية، فإن طلبه (الاحتياطي) في دعواها الماثلة بعدم دستورية قانون إنشاء الهيئة بأكمله يكون غير مقبول، لعدم اتصال عدالة المحكمة الموقرة به اتصالاً مُطابقاً للأوضاع القانونية المُقررة قانوناً.

لا سيما وأنه من المُقرر في قضاء المحكمة الدستورية أن: "مناط المصلحة الشخصية المباشرة – وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية – ارتباطها عقلاً بالمصلحة التي يقوم بها النزاع الموضوعي، وذلك بأن يكن الفصل في المسائل الدستورية لازماً للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها، وكان من المُقرر أن نطاق الطعن بعدم الدستورية إنما يتحدد بنطاق الدفع الذي أبداه المدعي أمام محكمة الموضوع". (الطعن رقم 29 لسنة 18 قضائية "دستورية" – جلسة 3/1/1998. منشور بالجريدة الرسمية في العدد رقم 3 بتاريخ 15/1/1998).

فضلاً عن رفض هذا الطلب لجميع الأسانيد والأسباب السابق بيانها في هذه المذكرة.

هذا والله أعلى وأعلم،،،

أشرف رشوان

المحامي بالنقض

نبذة عن "الوقف" وأنواعه وشروطه وأحكامه

المقصود بالوقف:

يُقصد بالوقف: منع الأعيان المالية من التصرف فيها والتصدق بمنفعتها. فالوقف بناء على هذا سبب من أسباب الملكية الناقصة التي لا تجتمع فيها ملكية الرقبة والمنفعة – في يد واحدة وفي وقت واحد. إذ تصبح الأعيان الموقوفة ممنوعة من التداول الناقل للملكية حالاً ومآلاً بأي سبب من الأسباب. أما منفعة هذه الأعيان وثمرتها فإنها تكون لبعض الجهات الخيرية ذات النفع العام أو الخاص، أو تكون لبعض الأفراد عوناً لهم وبراً بهم. (المرجع: "مُنازعات الأوقاف والأحكار في ضوء الفقه والقضاء والتشريع" – للدكتور/ عبد الحميد الشواربي والمستشار/ أُسامة عثمان – طبعة 1995 الإسكندرية – صـ 13).

أنواع الوقف:

الوقف نوعان: وقف خيري ، ووقف أهلي.

الوقف الخيري: هو ما خُصِصَ ريعه ابتداء للصرف على جهة من جهات البر العام (كالمستشفيات، والملاجئ، والمساجد).

الوقف الأهلي: هو ما كان استحقاق الريع فيه من أول الأمر للواقف نفسه أو لغيره من الأشخاص المُعينين بالذات أو بالوصف سواء أكانوا من أقاربه أم من غيرهم. (المرجع: مُنازعات الأوقاف والأحكار – المرجع السابق – صـ 15).

علماً بأنه يوجد الكثير من الأوقاف "مشتركة" أن يكون فيها نصيب لجهات البر العام "خيري" وحصة أخرى لذوي القربى "أهلي".

معيار خيرية الوقف في ضوء قضاء النقض:

ولقد وضعت محكمة النقض معياراً للتفرقة بين الوقف على وجوه الخير والوقف على غير الخيرات، وهذا المعيار هو: "مصرف ريع الوقف"، فإذا كان هذا المصرف على سبيل التقرب لله والصدقة كان الوقف خيرياً، أما إذا كان المصرف على سبيل البر والصلة كان الوقف أهلياً. فقد قضت محكمة النقض بأن: "الوقف يُعد خيرياً إذا كان مصرفه جهة من جهات البر التي لا تنقطع". (نقض مدني في الطعن رقم 875 لسنة 46 قضائية – جلسة 28/5/1980 مجموعة المكتب الفني – السنة 31 – الجزء الثاني – صـ 1560).

الشروط العشرة:

ومن المُسلم به والمُتفق عليه بين جمهور فقهاء الشريعة والقانون أن الشروط التي يشترطها الواقفون كثيرة ومُتنوعة تنوع أغراضهم ومقاصدهم، غير أن عدداً من هذه الشروط قد دارت كثيراً على ألسنة الواقفين في كتب وقفياتهم. لذا أهتم الفقهاء ببحث أحكامها، وهذه هي "الشروط العشرة" في اصطلاح الفقهاء، وتشمل اشتراط الزيادة والنقصان والإدخال والإخراج والإعطاء والحرمان والتغيير والتبديل والبدل والاستبدال. (ويُضيف بعضهم لذلك شرطي التفضيل والتخصيص). وهذه الشروط على الجُملة شروط صحيحة لأنها لا تخل بأصل الوقف ولا بحكم من أحكامه الجاري بها العمل.

وهذه الشروط العشرة غير مُترادفة فيما بينها، وأن كلاً منها يُراد به معنى غير المعنى الذي يُفيده الشرط الآخر، لأن القاعدة الفقهية هي: "حمل الكلام وتفسيره على التأسيس أولى من حمله على التأكيد". والتأسيس هو حمل الكلام بحيث يُفيد معنى جديداً، أما التأكيد فهو حمله بحيث يتفق مع المعنى السابق ويُرادفه ويُساق لتأكيده.

غير أن هذه الشروط واردة على "الاحتفاظ للواقف بالحق في تغيير مصارف الوقف"، سواء بالزيادة أو النقصان أو بالإعطاء والحرمان أو بالإدخال و الإخراج أو بالتفضيل والتخصيص، على حين يتعلق اثنان منها [من هذه الشروط] باحتفاظ الواقف بحقه في تغيير العين الموقوفة، وهذا هو ما يُفيده اشتراط الإبدال والاستبدال.

شرطي الإعطاء والحرمان :

ويُقصد بهذين الشرطين احتفاظ الواقف بحقه في حرمان بعض الموقوف عليهم وإعطاء بعضهم الآخر، كأن يقول أرضي موقوفة على الموظفين والعاملين في مدرسة مُعينة أو مُستشفى معين على أن لي أن أعطي غلتها لمن شئت منهم. وله إذا اشترط ذلك الحق في إعطاء الغلة كلها أو بعضها لأي هؤلاء الموظفين والعاملين، واحداً أو أكثر، مُدة معينة أو طول حياته. ولو اشترط الإعطاء وحده لم يكن له حق في الحرمان: فيصير من أعطاه مُستحقاً أبداً، ولا حق للواقف في حرمانه. أما إذا ذكر الواقف في كتاب وقفه أن له الحق في الحرمان وحده فإن له أن يمنع من أعطاه. ولذا لو قال أرضي موقوفة على موظفي هذه المدرسة ولي الحق في الإعطاء والحرمان جاز له أن يعطي ويمنع من شاء منهم بناء على ما يراه. والفائدة العملية لمثل هذا الاشتراط أن الواقفين كانوا يستخدمون مثل هذا الحق في حفز المُستحقين على أداء واجباتهم العملية التي قصد إليها الواقف من وقفه، وذلك بإثابتهم وإعطائهم وزيادة استحقاقهم إن أحسنوا ومُعاقبتهم بالنقصان في استحقاقهم بل وحرمانهم إن أساءوا ولم يتقنوا أداء ما وجب عليهم.

شرطي الإدخال والإخراج:

ويُقصد بهذين الشرطين احتفاظ الواقف بحقه في إدخال من يرى إدخاله من مُستحقين جُدد مع المُستحقين الذين عينهم من قبل، وإخراج من يرى إخراجه من المُستحقين بحرمانه ومنعه من الاستحقاق متى شاء. ويعني الإدخال بهذا أن يجعل من ليس مُستحقاً في الوقف مُستحقاً فيه، على حين يعني الإخراج أن يجعل المُستحق في الوقف غير مُستحق فيه. ويصح هذا الشرط مُطلقاً ولو لم يُقيده بأي شيء. من ذلك أن يقول وقفت أرضي على موظفي مدرسة مُعينة، ولي الحق في إدخال وإخراج من أشاء منهم.

ويلتقي الإدخال والإخراج مع الإعطاء والحرمان، فإن الإخراج نوع من الحرمان للموقوف عليه، ولو حرمه أبداً فكأنه أخرجه من الاستحقاق مُطلقاً.

قاعدة: "شرط الواقف كنص الشارع":

والشرط الذي يشترطه الواقف – إذا كان صحيحاً – فإنه يكون مُلزماً، حتى قال الفقهاء بأن: "شرط الواقف كنص الشارع" في الفهم والدلالة وفي وجوب العمل به.

وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأن: "المُقرر في قضاء محكمة النقض أن المادة العاشرة من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف لم ترسم طريقة خاصة لاستظهار المعنى الذي أراده الواقف من كلامه، وأطلقت للقاضي حرية فهم غرض الواقف من عبارته على ألا يخرج بشرط الواقف عن معناه الظاهر إلى معنى آخر يُخالفه، وكان المُراد من كلام الواقف مجموع كلامه في كتاب وقفه لا خصوص كلمة أو عبارة بذاتها، بل يُنظر إلى ما تضمنه كتابه كله كوحدة مُتكاملة، ويُعمل بما يظهر أنه أراده منه واتجه إليه مقصده، اعتباراً بأن شرط الواقف كنص الشارع في الفهم والدلالة ووجوب العمل به". (نقض مدني في الطعن رقم 5 لسنة 49 قضائية – جلسة 26/5/1981).

لا مُعقب على إرادة الواقفين:

كما أنه من المُقرر في أراء فقهاء الشريعة والقانون وقضاء محكمة النقض أن: "التخصيص هو قصر العام على بعض أفراده بكلام مُستقل موصول فلا يُعتبر الخاص مُخصصاً إلا إذا كان مُتصلاً أما المُنفصل فيُعتبر ناسخاً. ولا يسوغ العدول عن الأخذ بهذا التفسير الذي تمليه النصوص الفقهية والقواعد الأصولية والأوضاع اللغوية فراراً مما يُؤدي إليه من التفرقة في الحرمان والإعطاء بين مُتساويين من أولاد البطون وجعل بعض أولاد من أخرج منهم مُستحقاً مع حرمان أصله لأن هذه التفرقة على فرض وجودها إنما هي وليدة إرادة الواقفين فلا مُعقب عليها". (نقض مدني في الطعن رقم 48 لسنة 31 قضائية – جلسة 29/12/1966 مجموعة المكتب الفني السنة 17 صـ 1996).

نموذج من حجة تغيير في وقف:

بموجب حجة تغيير صادرة من محكمة مصر الشرعية والمُسجلة برقم 1 في يوم الثلاثاء 7/رجب/1350 هجرية والموافق 17/11/1931 ميلادية (بالصفحة 1 من المضبطة والسجل - قسم أول - جزء 1 متنوعة – عملية 1931/1932 القضائية) ... وبعد الإطلاع على كتاب الوقف الصادر من المرحوم محمد راتب باشا سالف الذكر وعلى إشهادات التغيير المحدث عنها وبعد أن أخبرت الست المُشهِدة بوفاة الحاج/ عبد اللطيف أغا رأفت المُدخل المذكور؛ أشهدت على نفسها الست كلبرى هانم المُشهِدة المذكورة طائعة مُختارة بما لها من حق الإخراج والإعطاء والحرمان وباقي الشروط المذكورة؛ بأنها قد أخرجت من كامل ريع وقف المرحوم الواقف محمد راتب باشا المُشار إليه المُعين بحجة وقفه السالفة الذكر كلا من أخوي الواقف المذكور لأبيه وهما سعادة على باشا رضا ومحمود باشا طلعت وكذلك الست خنسوك هانم [خاتون هانم] كريمة المرحوم خليل بك حلمي حرم حضرة محمد بك يوسف المُحامي وذرية كل من أخوي الواقف المذكورين والست خنسوك هانم [خاتون هانم] سالفة الذكر ونسل كل من الثلاثة المذكورين وعقبهم وحرمتهم جميعاً هم وأولادهم وذريتهم ونسلهم وعقبهم من الاستحقاق بشيء من ريع هذا الوقف كلاً أو بعضاً حالاً ومآلاً وصيرتهم جميعاً لا حق لهم ولا لأحد منهم ولا لذريتهم في هذا الوقف بأي وجه من الوجوه ؛ كما أخرجـت السـادة المُدرسيـن والمجاورين من طلبة العلم الشريف بالجامع الأزهر والمُدرسين والمجاورين من طلبة العلم الشريف بالحرمين الشريفين وخدمة الحرمين المُشار إليهما من إمام وخطيب وفراشين ووقادين وبوابين والسادة القراء بالعشر المقارئ المُسماة بكتاب الوقف ... وصيرتهم جميعاً لا حق لهم ولا استحقاق في ريع هذا الوقف بأي وجه من الوجوه لا في الحال ولا في المآل؛ وقد أبقت وقف كامل المائة فدان وخمسة أفدنه وربع وسدس وثمن فدان وثلثي قيراط من فدان الوارد ذكرها بحجة الوقف أولاً كما هي وقفاً مصروفاً ريعها في الوجوه المُبينة بحجة الوقف السابقة الذكر فيما قبل حسبما هو وارد في كتاب الوقف الذي نص فيه بشأن وقف هذا المقدار على أن يُصرف من ريعها ما يلزم صرفه لعِمارة ومرمة الحوش والترب المعروفة بإنشاء الواقف المُشار إليه الكائن ذلك بصحراء الإمام الشافعي وفي باقي الوجوه المُبينة على الصفة المشروحة في كتاب الوقف المذكور؛ وأشهدت على نفسها أيضاً ببقاء ريع باقي الأعيان الموقوفة من ثانياً إلى أخراً بكتاب الوقف الأول وقفاً عليها مُدة حياتها طبقاً لما هو منصوص عليه في كتاب الوقف المذكور، وصيرت ذلك من بعدها وقفاً خيرياً يُصرف ريعه – أي ريع باقي تلك الأعيان الموقوفة من ثانياً إلى أخراً – على (المعهد العلمي المعروف باسم "الجمعية الجغرافية الملكية") التي أنشأها المغفور له إسماعيل باشا الخديوي الأسبق الكائن مقرها بمصر القاهرة ... وبالجملة يكون صرف ريع ذلك حسب قوانين ونظام هذا المعهد في كل زمان، وبحسب اللوائح والأنظمة والقرارات والمراسيم وغيرها التي تصدر خاصة بهذا المعهد، ويكون الصرف في الوجوه التي تعين لذلك حسب القوانين والأنظمة التي تتعلق به، على الدوام والاستمرار وما دام المعهد قائماً بتحقيق الأغراض العلمية التي ترسم له حسبما يوضع له من القوانين والأنظمة، فإذا تعذر الصرف على ذلك يُصرف ريع ما ذُكِرَ على الفقراء والمساكين من المُسلمين بالقطر المصري إلى أن يزول المانع فيعود حق الصرف كما كان، وهكذا تعذراً وإمكاناً؛ وأقرت بأنها أسقطت وتنازلت عن الشروط العشرة التي كانت مشروطة لها من قِبَل الواقف في كتاب الوقف سالف الذكر، وأقرت بأنه لا حق لها من الآن في العمل بأي شرط من الشروط العشرة التي شرطها لها المرحوم [زوجها] الواقف في كتاب الوقف وهي الإدخال والإخراج وما عُطِفَ عليها من باقي الشروط، ولا في فعل أي شيء يُخالف ما أشهدت به في هذا المجلس أو يُنافيه، وأنها أصبحت غير مالكة لشيء من ذلك من الآن، وجعلت العمل والمعول على ما ورد في هذا الإشهاد وما لا يُخالفه فيما هو منصوص عليه في كتاب الوقف المُشار إليه كما جاء نصاً بتلك الحجة الأخيرة. ومدون في أعلى الصفحة الأولى من هذه الحُجة – تحت عنوان مقدار الرسم وما تم فيه – عبارة: "لا رسم على هذا الإشهاد لأنه إخراج وإدخال حول الوقف إلى جهة خيرية محضة".

القانون الواجب التطبيق (على حجة الوقف) من حيث الزمان:

وإذا كان المُدعون قد زعموا في مجال دفاعهم في دعوى الاستحقاق سالفة الذكر بأن حجة التغيير الخامسة لوقف التداعي (والتي تحول الوقف فيها إلى وقف خيري محض) باطلة طبقاً لنص المادة 12 من القانون رقم 48 لسنة 1946 بشأن أحكام الوقف والتي تعطي للواقف فقط الحق في الاحتفاظ بالشروط العشرة ولا تعطي هذا الحق لغيره.

إلا أن هذا الزعم في غير محله، ومردود عليه بأن حجة التغيير الخامسة سالفة الذكر قد صدرت وعمل بها من تاريخ إصدارها في 17/11/1931، بينما قانون الوقف الذي يستند إليه المُدعي لم يصدر إلا في عام 1946 ولم يعمل به إلا من تاريخ نشره في الوقائع المصرية في تاريخ 17/6/1946 (بالعدد 61) أي بعد تاريخ إصدار وإنفاذ حجة التغيير الخامسة بحوالي خمس عشرة سنة كاملة.

والمادتين 187 و 188 من الدستور المصري تنصان على أن: أحكام القوانين لا تسري إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها، وأن القوانين تنشر في الجريدة الرسمية خلال أسبوعين من يوم صدورها، ويعمل بها بعد شهر من اليوم التالي لتاريخ نشرها إلا إذا حدد لذلك ميعاداً آخر في قانون الإصدار.

وعدم سريان القوانين بأثر رجعي قاعدة أصولية عامة معمول بها في كافة الشرائع والقوانين، وقانون أحكام الوقف ذاته أخذ بها حين نص في صدر المادة الأولى منه على أنه: "من وقت العمل بهذا القانون لا يصح الوقف ولا الرجوع فيه ولا التغيير في مصارفه وشروطه ولا الاستبدال به من الواقف إلا إذا صدر بذلك إشهاد ممن يملكه لدى إحدى المحاكم ...".

كما أخذ القانون المدني أيضاً بذلك (وهو الشريعة العامة لكافة القوانين المُنظمة للمعاملات) حينما نص في 6/2 منه على أنه: "إذا عاد شخص توافرت فيه الأهلية، بحسب نصوص قديمة، ناقص الأهلية بحسب نصوص جديدة، فإن ذلك لا يؤثر في تصرفاته السابقة".

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "وإن كان من أسس النظام القانوني والمبادئ الدستورية العامة أن لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها إلا أنه مع ذلك يجوز للسلطة التشريعية في غير المواد الجنائية ولاعتبارات من العدالة والمصلحة العامة تستقل هي بتقدير مُبرراتها ودوافعها، أن تجري تطبيق حكم قانون معين على الوقائع السابقة بنص صريح فيه". (نقض مدني في الطعن رقم 517 لسنة 29 قضائية – جلسة 31/3/1965 مجموعة المكتب الفني – السنة 16 – صـ 420)

كما أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "الأصل أنه لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها، فليس للمحاكم أن ترجع إلى الماضي لتطبيق القانون الجديد على علاقات قانونية نشأت قبل نفاذه أو على الآثار التي ترتبت في الماضي على هذه العلاقات قبل العمل بالقانون الجديد بل يجب على القاضي عند بحثه في هذه العلاقات القانونية وما يترتب عليها من آثار أن يرجع إلى القانون الساري عند نشوئها وعند إنتاجها هذه الآثار". (نقض مدني في الطعن رقم 482 لسنة 39 قضائية – جلسة 23/2/1977 مجموعة المكتب الفني – السنة 18 – صـ 511).

وحيث أستقر قضاء محكمة النقض على أن: "الأصل ألا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يترتب أي أثر بالنسبة لما وقع قبلها، ومن ثم فليس للمحاكم – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن تعود إلى الماضي لتطبيق القانون الجديد على ما نشأ من علاقات قانونية وما يترتب عليها من آثار قبل العمل بأحكامه، وإنما يجب عليها وهي بصدد بحث هذه العلاقات وتلك الآثار أن ترجع إلى القانون الذي نشأت في ظله". (نقض مدني في الطعن رقم 210 لسنة 42 قضائية – جلسة 29/12/1982).

وهدياً بما تقدم، ولما كانت حجة الوقف الخامسة التي قامت فيها زوجة الواقف والمُستحقة الوحيدة فيه والناظرة الوحيدة عليها وبما أعطاه لها زوجها الواقف من حق في استعمال الشروط العشرة (سالفة الذكر) بتغيير مصارف الوقف وتحويله كله إلى وقف خيري، لما كانت هذه الحجة المذكورة قد صدرت في تاريخ 17/11/1931م فمن ثم تسري عليها لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والإجراءات المُتعلقة بها الصادرة بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 المنشور بالوقائع المصرية بالعدد 53 "غير عادي" في تاريخ 20/5/1931.. ولما كانت هذا المرسوم بقانون قد جاء خلواً من أي نص يمنع أو يحظر على الواقف منح أو إعطاء الشروط العشرة لغيره فإن هذا الشرط الوارد في حجج أوقاف التداعي والتي استعملته زوجة الواقف في حجة الوقف الخامسة والأخيرة يكون جائزاً شرعاً وقانوناً ولا مخالفة فيه ولا يشوبه أي شائبة، فضلاً عن أن الأصل في الأشياء الإباحة.

كما أن حجة الوقف الثانية بخصوص وقف التداعي (حجة التغيير والإدخال) الصادرة من محكمة مصر الشرعية في 13/3/1910 ميلادية والتي أشهد الواقف/ محمد راتب باشا على نفسه طائعاً مُختاراً إنه بما له في وقفه المُعين بحجة الوقف المُحررة من هذه المحكمة المُؤرخة في 14/ربيع أول/1319 والمُسجلة في 4/7/1901، شرط الواقف في كامل وقفه المشروح بحجة الوقف المذكورة لنفس حرمه الست كلبرى هانم المذكورة بعد وفاته ما هو مشروط لدولته فيه من الإدخال والإخراج والإعطاء والحرمان والزيادة والنقصان والتغيير والتبديل والإبدال والاستبدال (الشروط العشرة) لمن شاءت متى شاءت على الوجه المسطور بحجة الوقف المذكورة مُدة حياتها وليس لأحد من بعدها فعل شيء من ذلك (ما لم يُشترط له ذلك)..

ولما كانت هذه الحجة الثانية المذكورة صادرة في مارس 1910 ومن ثم ينطبق عليها أول لائحة شرعية تنظم الإجراءات والاختصاص بنظر دعاوى الأحوال الشخصية والوقف وهي لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة في تاريخ 27/5/1897 ولما كانت هذه اللائحة المذكورة قد جاءت خلواً من أي نص يمنع أو يحظر على الواقف منح أو إعطاء الشروط العشرة لغيره فإن هذا الشرط الوارد في حجج أوقاف التداعي والتي بناء عليها استعمله الواقف في منح زوجته من بعده الشروط العشرة يكون جائزاً شرعاً وقانوناً ولا مخالفة فيه ولا يشوبه أي شائبة.

وعليه، فإن صدور قانون الوقف الجديد الصادر في عام 1946 والقاضي في المادة 12 منه بعدم إعطاء الحق في استعمال الشروط العشرة إلا للواقف نفسه دون غيره، ولكن بعد أن منح الواقف الشروط العشرة لزوجته من بعده، ومن ثم استعملت زوجة الواقف حقها في استخدام الشروط العشرة، فإن صدور هذا قانون الأوقاف الجديد (في عام 1946) لا يؤثر على التصرفات التي نشأت وتمت صحيحة قبل صدوره بمدة طويلة جداً.

الرد على زعم المُدعي ببطلان حجة وقف التداعي الأخيرة:

لما كان ما تقدم، وكان من المُقرر قانوناً أنه - وفي جميع الأحوال - لا يجوز طلب إبطال تصرف قانوني بعد مُضي حوالي 66 عاماً من صدوره، فحجة التغيير الخامسة سالفة الذكر صادرة في عام 1931 ودعوى الاستحقاق المذكورة والتي بنيت وأسست على بطلان هذه الحجة أقيمت في عام 1997؟!! أي بعد أكثر من 66 عاماً على تلك الحجة المذكورة.

علماً بأن حجة التغيير الخامسة سالفة الذكر الصادرة في عام 1931 والتي استعملت بموجبها زوجة الواقف حقها في استخدام الشروط العشرة إنما جاءت بناء على حجة التغيير الثانية التي منح فيها الواقف الشروط العشرة لزوجته من بعده وتلك الحجة الثانية المذكورة صادرة في عام 1910 بينما الدعوى الماثلة مقامة في عام 1997 أي بعد الحجة الأساسية المذكورة (والمشروط فيها الشروط العشرة لزوجة الواقف من بعده) بحوالي 87 سنة كاملة؟!!

لما كان ذلك، وكانت المادة 140 مدني تنص على أنه: "يسقط الحق في إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه خلال ثلاث سنوات. ويبدأ سريان هذه المدة، في حال نقص الأهلية، من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب، وفي حالة الغلط أو التدليس، من اليوم الذي ينكشف فيه، وفي حالة الإكراه، من يوم انقطاعه، وفي كل حال لا يجوز التمسك بحق الإبطال لغلط أو تدليس أو إكراه إذا انقضت خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد".

ولما كانت المادة 141/2 مدني تنص على أنه: "تسقط دعوى البُطلان بمضي خمس عشرة سنة من وقت العقد".

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "النص في المادة 140 من القانون المدني يدل على أنه في العقد القابل للإبطال يسقط الحق في طلب إبطاله بانقضاء ثلاث سنوات دون التمسك به من صاحبه، حيث تتقادم دعوى طلب إبطال العقد في أحوال الغلط والتدليس والإكراه بأقصر الأجلين إما بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي ينكشف فيه الغلط أو التدليس أو من يوم انقطاع الإكراه، وإما بمضي خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد". (نقض مدني في الطعن رقم 1439 لسنة 51 قضائية – جلسة 28/12/1989).

وكذلك فمن المُقرر في قضاء النقض أن: "بطلان بيع الوفاء بطلاناً مطلقاً. سقوط دعوى البطلان المطلق بمضي خمس عشرة سنة من وقت العقد عملاً بالمادة 141 من القانون المدني". (نقض مدني في الطعن رقم 136 لسنة 41 قضائية – جلسة 25/11/1975 مجموعة المكتب الفني – السنة 26 – صـ 1477).

ويتبين من هذه النصوص أن الحق في إبطال العقد يسقط بالتقادم إذا مضت المُدة القانونية المُقررة، فلا يجوز بعد ذلك إبطاله لا من طريق الدعوى ولا من طريق الدفع، وبذلك يستقر العقد نهائياً بعد أن كان مُهدداً بالزوال، ويترتب على ذلك أن يصبح العقد صحيحاً بصفة نهائية.

هذا، والله أعلى وأعلم،،،

أشرف رشوان

المحامي بالنقض

الصفة في دعاوى الملكية لوزارة الأوقاف وليس لهيئة الأوقاف المصرية

ندفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لهيئة الأوقاف المصرية:

تنص المادة 3 من قانون المُرافعات على أنه: "لا تقبل أي دعوى كما لا يقبل أي طلب أو دفع استناداً لأحكام هذا القانون أو أي قانون آخر لا يكون لصاحبه فيها مصلحة شخصية ومُباشرة وقائمة يُقرها القانون".

ولما كانت محكمة النقض قد أصدرت حكماً هاماً، برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ ممدوح على أحمد السعيد نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ عبد المنعم الشهاوي وفتحي المصري نائبي رئيس المحكمة، ومحمد برهام عجيز وسيد الشيمي، وقررت فيه مبدأ قانوني هام، قررت فيه أنه:

"لما كان تمثيل الدولة في التقاضي – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – هو نوع من النيابة القانونية عنها، وهي نيابة المرد في تعيين مداها وبيان حدودها إنما يكون بالرجوع إلى مصدرها وهو القانون، والأصل أن الوزير هو الذي يمثل الدولة في الشئون المتعلقة بوزارته إلا إذا أسند القانون صفة النيابة القانونية فيما يتعلق بشئون هيئة معينة أو وحدة إدارية معينة إلى غير الوزير فيكون لها حينئذ هذه الصفة بالمدى وفي الحدود التي بينها القانون.

لما كان ذلك وكان نص المادة الأولى من القانون رقم 80 لسنة 1971 بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية على أن تكون لهذه الهيئة شخصية اعتبارية، والنص في المادتين الثانية والخامسة على أن تتولى هذه الهيئة إدارة أموال الأوقاف واستثمارها والتصرف فيها. وكان المرجع في بيان وتحديد صفة هيئة الأوقاف ومداها: هو القانون الصادر بإنشائها، وكان الشارع قد حدد اختصاصات هيئة الأوقاف في تسلم أعيان الوقف لإدارتها واستثمارها والتصرف فيها، ومن ثم فإن اختصام هيئة الأوقاف المصرية يكون في هذا النطاق، وفيما عدا ذلك من مسائل فإن صاحب الصفة في الدعوى هو وزير الأوقاف الذي يمثل الدولة في الشئون المتعلقة بوزارته. لما كان ذلك، وكان والثابت من الواقع المطروح على محكمة الموضوع أن النزاع لا يتعلق بإدارة الأموال الموقوفة واستثمارها والتصرف فيها، وإنما حول مُنازعة الطاعنة في طبيعة وصفة هذه الأعيان محل التداعي وعدم خضوعها للوقف وأن وزارة الأوقاف قد انتزعتها من مالكها دون سند من القانون، فإن قيام النزاع على هذه الصورة يخول للطاعنة مخاصمة وزارة الأوقاف للبت في أمر هذا الخلاف الذي يتصل بكيان وصفة هذه الأعيان، ومن ثم فإن وزير الأوقاف هو صاحب الصفة بشأن هذا النزاع، وإذ لم يلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بإلغاء الحكم المستأنف وعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة (بالنسبة لوزير الأوقاف) باعتبار أن رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية هو صاحب الصفة فيها، يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن". (نقض مدني في الطعن رقم 149 لسنة 63 قضائية – جلسة 17/6/1997 منشور بمجموعة المكتب الفني – السنة 48 – الجزء الثاني – صـ 915 : 919).

لما كان ما تقدم، وكان والثابت من الوقائع المطروحة على محكمة أول درجة أن النزاع لا يتعلق بإدارة الأموال الموقوفة واستثمارها والتصرف فيها، وإنما حول مُنازعة المستأنف ضده في طبيعة وصفة هذه الأعيان محل التداعي وعدم خضوعها للأوقاف وأن وزارة الأوقاف قد انتزعتها منه دون سند من القانون، فإن قيام النزاع على هذه الصورة يخول للمستأنف ضده مخاصمة وزارة الأوقاف للبت في أمر هذا الخلاف الذي يتصل بكيان وصفة هذه الأعيان، ومن ثم فإن وزير الأوقاف هو صاحب الصفة بشأن هذا النزاع، ولا صفة لهيئة الأوقاف المصرية في هذا النزاع، وإذ لم يلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى ضمنياً برفض الدفع المبدى من هيئة الأوقاف المصرية بعدم قبول الدعوى المستأنف حكمها لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لهيئة الأوقاف، حيث أن الصفة تنعقد فقط لوزير الأوقاف من دون هيئة الأوقاف، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وفي تأويله بما يستوجب إلغائه لهذا السبب. فضلاً عما شابه من القصور في التسبيب لكونه لم يورد ولم يرد على هذا الدفع الجوهري الذي يتغير به وجه الرأي في الدعوى.

لما كان ما تقدم، وكان قضاء النقض قد تواتر على أن: "المصلحة في الدعوى تعني أن يكون رافع الدعوى هو صاحب الحق أو المركز القانوني محل النزاع أو نائبه، وكذلك المدعى عليه بأن يكون هو صاحب المركز القانوني المعتدي على الحق المدعي به، فيجب أن ترفع الدعوى من ذي صفة على ذي صفة، ويحدد الصفة في الدعوى القانون الموضوعي الذي يحكم الحق أو المركز القانوني موضوع الدعوى، إذ يجب التطابق بين صاحب الحق ورافع الدعوى كما يجب التطابق بين المعتدي على الحق وبين المدعى عليه". (نقض مدني في الطعن رقم 176 لسنة 38 قضائية – جلسة 29/11/1973 منشور بمجموعة المكتب الفني – السنة 24 – العدد الثالث "من أكتوبر إلى نوفمبر سنة 1973" – الحكم رقم 206 – صـ 1189 : 1193).

حيث أن المادة 115/1 مُرافعات تنص على أن: "الدفع بعدم قبول الدعوى يجوز إبداؤه في أية حالة تكون عليها الدعوى". إذ لا بد من إثبات الصفة في الحكم وإلا كان مشوباً بعيب جوهري موجب لبطلانه (المادتان 3 ، 178 مرافعات).

والدفع بعدم القبول الموضوعي يجوز إبداؤه في أية حالة كانت عليها الدعوى لكفالة حق الدفاع وتمكيناً للخصوم من إثارة كل ما يتعلق بوجود الحق في الدعوى في أية حالة كانت عليها الخصومة، ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف. وهذا الدفع يتعلق بالنظام العام وعلى القاضي أثارته من تلقاء نفسه مادامت أوراق القضية تدل عليه. (المرجع: "الوسيط في شرح قانون القضاء المدني" - للدكتور فتحي والى - الطبعة الثالثة 1981 القاهرة - بند 282 - ص 559 وما بعدها).

هذا، والله إعلى وأعلم،،،

أشرف رشوان

المحامي بالنقض