السبت، 6 مارس 2010

من صور الإيجاب في عقود البيع

من صور الإيجاب في عقد البيع

عقد البيع مثله في ذلك مثل سائر العقود يلزم لانعقاده وجود إرادتين صحيحتين متوافقتين, وهاتان الإرادتان المتقابلتان يعرفان بالإيجاب والقبول.
حيث نصت المادة 89 من القانون المدني على أن: "يتم العقد بمجرد أن يتبادل (طرفان) التعبير عن إرادتين متطابقتين، مع مراعاة ما يقرره القانون فوق ذلك من أوضاع معينة لانعقاد العقد"
وعليه فيجب أن يتوافر التراضي بين إرادتي البائع والمشتري حتى ينعقد عقد البيع.
ويعني ذلك أن يتم التعبير عن الإرادة من المتعاقدين, وأن تتوافر في كل منهما إرادة التصرف, وأن تكون تلك الإرادة خالية من العيوب.
ولم يرد بشأن عقد البيع شكل معين اشترطه المشرع كي يترتب على توافره انعقاد عقد البيع بصفة عامة، وبالتالي فيطبق في شأن عقد البيع بالنسبة إلى كيفية التعبير عن الإرادة القواعد العامة للعقد بصفة عامة، فلما كان الرضا، وهو اقتران ارادتين متطابقتين، أي وجود إيجاب معين وقبول مطابق له، واقترن الأخير بالأول أي وصوله إلى علم الموجب. فمن الجائز التعبير عن كل من الإيجاب والقبول أي عن إرادة البيع وإرادة الشراء بأية طريقة سواء باللفظ أو بالكتابة أو بالإشارة المتداولة عرفاً، بل من الجائز التعبير عنهما باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود، وكذلك يجوز أن يكون التعبير ضمنياً إذا لم ينص القانون أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحاً (المادة 90 من القانون المدني).
فعقد البيع عقد رضائي، لأنه يتم بمُجرد اتفاق الطرفين، ولا يحتاج انعقاده إلى إجراء شكلي، أي أنه يتم بمُجرد تبادل ارادتين متطابقتين أياً كانت طريقة هذا التبادل، كتابة كانت أو مشافهة أو إشارة.
ويستثنى من ذلك بيع السفن التجارية إذ اعتبره المشرع عقداً شكلياً ونص في الفقرة الأولى من المادة الحادية عشر من قانون التجارة البحرية الجديد رقم 8 لسنة 1990 على أن: "تقع التصرفات التي يكون موضوعها إنشاء أو نقل أو انقضاء حق الملكية أو غيره من الحقوق العينية على السفينة بمحرر رسمي وإلا كانت باطلة".
وهو ذات الحكم الذي كان ينص عليه قانون التجارة البحرية القديم الصادر من الباب العالي في عام 1883 والذي كانت تنص المادة الثالثة منه على أن: "بيع السفينة كلها أو بعضها اختيارياً يلزم أن يكون بسند رسمي سواء حصل قبل السفر أو في أثنائه وإلا كان البيع لاغياً".
هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "لم يعن قانون التجارة البحري الصادر عام 1883 بتعريف السفينة إلا أنه يمكن تحديد معناها بالرجوع إلى أحكام ذلك القانون التي يبين منها أن نطاقه يتحدد بأعمال الملاحة البحرية وأن السفينة هي الأداة الرئيسية لهذه الملاحة. وعلى ذلك إذا أطلقت عبارة السفينة في بعض نصوصه بغير قيد كما هو الحال بالمادة الثالثة منه التي تنص على أن "بيع السفينة كلها أو بعضها بيعاً اختيارياً يلزم أن يكون بسند رسمي سواء حصل قبل السفر أو في أثنائه وإلا كان البيع لاغياً" [والمُقابلة لنص الفقرة الأولى من المادة الحادية عشر من قانون التجارة البحرية الجديد رقم 8 لسنة 1990] فإن مفاد ذلك هو إخضاع كل منشأة عائمة تقوم بالملاحة البحرية لحكم هذا النص بغض النظر عن حمولتها أو حجمها أو طريقة بنائها أو أبعادها وأيا كانت أداتها المسيرة شراعية أو بخارية وسواء أعدت السفينة بحسب صنعها لتحمل مخاطر الملاحة في أعالي البحار أو لمجرد الملاحة الساحلية أو الحدية وبغير التفات إلى الغر ض من تشغيلها بأن كانت سفينة تجارية أو سفينة للصيد أو النزهة". (نقض مدني في الطعن رقم 58 لسنة 25 قضائية – جلسة 7/5/1959 مجموعة المكتب الفني – السنة 10 – صـ 395 – فقرة 1).
ومثل بيع الطائرات.
وكذلك التصرف في حق المؤلف والحقوق المجاورة. ويقصد بالحقوق المجاورة لحق المؤلف: "الحقوق الخاصة بالأشخاص الذين تدور أعمالهم في فلك استغلال المصنف الأدبي أو الفني والمترتبة لهم بناء على الدور الذي نفذوه فيه، مثل فنانو الأداء، ومنتجو التسجيلات الصوتية، وهيئات الإذاعة., على النحو الذي نظمه القانون رقم 82 لسنة 2002 المنظم لحقوق الملكية الفكرية، حيث تنص المادة 149 من قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 على أن للمؤلف أن ينقل إلى الغير كل أو بعض حقوقه المالية المبينة في هذا القانون. ويُشترط لانعقاد التصرف أن يكون مكتوباً وأن يُحدَد فيه صراحة وبالتفصيل كل حق على حده يكون محلاً للتصرف مع بيان مداه والغرض منه ومدة الاستغلال ومكانه ...".
ومثل التنازل عن العلامات التجارية وعن براءات الاختراع, حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 21 من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 على أنه: "... لا تنتقل ملكية البراءة ولا يكون رهنها أو تقرير حق انتفاع عليها حجة على الغير إلا من تاريخ التأشير بذلك في سجل البراءات". فالتنازل عن البراءة سواء كان كلياً أو جزئياً يخضع في أحكامه لعقد البيع بصفة عامة. وبالتالي فإن التنازل يتم بمجرد موافقة إرادة كل من المتنازل والمتنازل إليه دون حاجة إلى إجراء شكلي أو رسمي لذلك. إلا أنه لكي يحتج على الغير بمثل هذه التصرفات لا بد من إتباع إجراءات معينة وهي التأشير بالتنازل في سجل البراءات. وعليه، فالكتابة هنا ليست للانعقاد بل للاحتجاج في مواجهة الغير(بحسب أن التأشير في سجل البراءات يفترض بداهة كتابة العقد). أما فيما بين المتعاقدين (المتنازل والمتنازل إليه) فلا يستطيع أحدهما التمسك بعدم إتمام إجراءات التسجيل في مواجهة الآخر.
وكذلك الحال بالنسبة للعلامات التجارية فتنص المادة 87 من ذات القانون على أنه يجوز نقل ملكية العلامة التجارية أو تقرير أي حق عيني عليها أو الحجز عليها استقلالاً عن المحل التجاري أو مشروع الاستغلال، وذلك وفقاً للقواعد والإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون والتي تنص الفقرة 6 من المادة 102 من تلك اللائحة التنفيذية (لقانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002) الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء برقم 1366 لسنة 2002 على أنه: "يقدم طلب التأشير في السجل بانتقال ملكية العلامة أو ترتيب أي حق عليها وذلك بناء على طلب ممن انتقل إليه الحق أو من يوكله في ذلك بموجب توكيل خاص رسمي. ويحرر الطلب على النموذج المعد مشتملاً على البيانات الآتية: ... 6- المستند الدال على انتقال الملكية موثقاً أو مصدقاً عليه". مما يفترض بداهة في حالة بيع العلامة التجارية أن يكون عقد بيعها أو التنازل عنها مكتوباً حتى يمكن توثيقه أو التصديق عليه ومن ثم التأشير به في سجل العلامات التجارية، ولكن أثر ذلك فقط للاحتجاج به على الغير أما فيما بين المتعاقدين فلا يجوز لأحدهما التمسك قِبل الآخر بعدم إتمام إجراءات تسجيل انتقال ملكية العلامة التجارية (بتطبيق ذات القواعد بشأن براءة الاختراع).
فالتسجيل يقتضي تدوين عقد البيع في محرر لأن التسجيل لا يرد على العمل القانوني في ذاته بل على المحرر المُثبت له.
    وفي غير هذه الحالات المستثناة، فإذا لم يدون عقد البيع في محرر، وكان مما يُشترط تسجيله، جاز إثباته من طريق الإقرار أو اليمين أو غيرهما وفقاً لقواعد الإثبات، وقام الحكم المثبت له مقام المحرر الذي يصدر من الطرفين من حيث التسجيل. فالتسجيل يقتضي تدوين عقد البيع في محرر لأن التسجيل لا يرد على العمل القانوني في ذاته بل على المحرر المُثبت له.  
أما إذا تم تحرير عقد البيع كتابة ولكن لم يثبت التراضي عليه، فلا عبرة بالكتابة إذ مناط التعاقد هو التراضي وليس الكتابة، فمن المقرر في قضاء النقض أن: "التعاقد لا يعتبر تاماً ملزماً بمجرد تدوين نصوصه كتابةً ولو حصل التوقيع عليها بل أنه لابد من قيام الدليل على تلاقى إرادة المتعاقدين على قيام الالتزام ونفاذه وهذا ما يقتضي تسليم السند المُثبت له لصاحب الحق فيه بحيث لو تبين إنه لم يسلم إليه مطلقاً لما صلح هذا دليلاً على الالتزام، كذلك إذا تبين أنه قد حرر مكتوب بالتعاقد ولكنه سلم "لأمين" فإنه يتعين البحث في ظروف وشروط تسليم ذلك المكتوب للأمين". (نقض مدني في الطعن رقم 220 لسنة 18 قضائية – جلسة 21/12/1950 مجموعة المكتب الفني – السنة 2 – صـ 185 – فقرة 1).
وعلى ذلك يمكن القول بأن عقد البيع ينعقد بمجرد تبادل الإرادتين المتوافقتين (أي الإيجاب والقبول) بين البائع والمشتري متى ما كانت الإرادتين متطابقتين بشأن الالتزامات المتبادلة وأهمها نقل ملكية وتسليم المبيع للمشتري ودفع الثمن للبائع.
وتسري على تبادل الإيجاب والقبول الأحكام العامة التي نص عليها المُشرع في المواد 90 وما بعدها من القانون المدني. 
الإيجاب الموجه إلى الجمهور:
من الشائع حالياً أن يعلن منتجو السلع عن بضائعهم وسلعهم سواء بعرضها في واجهات محلاتهم مع كتابة أثمانها عليها، أو بالنشر عنها مع أثمانها في الجرائد والصحف أو في نشرات خاصة يرسلونها إلى عملائهم أو يوزعونها على أفراد الجمهور، أو عبر وسائل الإعلام لا سيما المرئية منها فيما أصبح يعرف بـ: "التسوق عبر شاشة التليفزيون"، أو "التجارة الإلكترونية" عبر شبكة الإنترنت.
عرض السلع في المتاجر:
عرض السلع في واجهات المحلات مع كتابة أثمانها عليها، لا نزاع في أنه يعتبر إيجاباً صريحاً لأن التاجر يتخذ بذلك موقفاً لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على أنه يقصد بيع هذه البضائع بالثمن المكتوب عليها (المادة 90 مدني فقرة أولى).
الإعلان عن السلع في الصحف أو في نشرات خاصة:
الإعلان عن السلع مع بيان أثمانها في الجرائد أو في نشرات توزع على الجمهور أو "كتالوجات"، يعتبر – في الغالب – إيجاباً صحيحاً صالحاً لأن يقترن به القبول. ولكن أيترتب على ذلك التزام التاجر بإجابة جميع الطلبات التي تقدم إليه بشأن السلع التي أعلن عنها؟
إن القول بذلك يقتضي أن يكون لدى التاجر قدر من هذه السلع لا ينفذ أو على الأقل يفي بجميع الطلبات، وهو أمر نادر الوقوع.
ولذلك يجب في تعيين مدى التزام التاجر في هذه الحالة النظر في العلاقة التعاقدية بينه وبين العملاء الذين يتقدمون إليه بطلباتهم وتفسيرها بحسب النية المشتركة للمتعاقدين مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقاً للعرف الجاري في المعاملات.
بيع السلع عبر شاشة التليفزيون:
بيع السلع بواسطة التسوق عبر شاشة التليفزيون يتم فيه عرض سلعة معينة (مع الدعاية التجارية لها)، وبيان مزاياها وتحديد أوصافها، والأسعار الجاري التعامل بها (بالإضافة إلى مصاريف الشحن)، وللمتلقي أن يتصل هاتفياً بأرقام التليفونات التي تظهر على الشاشة في عدة دول لإرسال الثمن، وتسلم المبيع عن طريق مندوب، وعادة ما يتم الإعلان عن أن هذه السلعة لا تُباع في الأسواق.
ويثور التساؤل حول طرح السلع بواسطة التليفزيون، هل يعتبر إيجاباً، أم دعوة إلى التعاقد أو إلى التفاوض قد تنتهي بدورها إلى صياغة محددة تعتبر إيجاباً ينعقد بها العقد إذا صادفه قبول أو قد لا تنتهي إلى هذه النتيجة.
وإذا ما اعتبر العرض إيجاباً بالبيع، صادفه قبول مطابق، فهل ينعقد العقد بين حاضرين أم بين غائبين، مع ما يترتب على ذلك من نتائج تمس القوة الملزمة للإيجاب بصفة خاصة.
طبقاً للقواعد العامة في القانون المدني، فإن العقد ينعقد بتوافق إرادتي المتعاقدين "الإيجاب والقبول" (المادة 89 مدني مصري).
والإيجاب عرض بات بنية الارتباط بالعقد إذا صادفه قبول مطابق. ويتعين أن يتضمن الإيجاب، العناصر الأساسية للعقد المراد إبرامه بحيث يتم التعاقد بمجرد أن يقترن به قبول مطابق. فالإيجاب بالبيع يجب أن يتضمن المبيع والثمن، فإذا حدد المبيع، والثمن، فلا يلزم بعد ذلك أن يشتمل الإيجاب على المسائل التفصيلية للعقد. حيث يمكن الرجوع بشأنها إلى القواعد المكملة لإرادة المتعاقدين، ومن ذلك مكان تسليم المبيع الثمن مثلاً.
فقد نص المشرع على أنه: "إذا اتفق الطرفان على جميع المسائل الجوهرية في العقد، واحتفظا بمسائل تفصيلية يتفقان عليها فيما بعد، ولم يشترطا أن العقد لا يتم عند عدم الاتفاق عليها، اعتبر العقد قد تم، وإذا قام خلاف على المسائل التي لم يتم الاتفاق عليها، فإن المحكمة تقضي فيها طبقاً لطبيعة المعاملة ولأحكام القانون والعرف والعدالة" (المادة 95 مدني).
وهكذا، فإن المسائل الجوهرية يجب أن يتضمنها الإيجاب حتى ينعقد به العقد بقبول مطابق، أما المسائل التفصيلية فلا يشترط أن يتضمنها، ويلزم – مع ذلك – ألا يقوم بشأنها خلاف.
ولقد لوحظ عملاً أن العرض الذي يحمل في طياته ألفاظاً محددة بالبيع يعتبر إيجاباً – مع افتراض توافر العناصر الأخرى – ولا يؤثر في ذلك أن تذيل العرض عبارات من نوع "أن هذا العرض لا يعتبر عقداً إلا إذا طابقه قبول" أو عبارات "اقتراح بإيجاب، أو نداء بإيجاب" أو عبارات من نوع "دون أي تعهد من جانبنا" أو "أن هذا العرض لا يعتبر وثيقة تعاقدية".
وبتطبيق القواعد العامة على بيع السلع بواسطة التليفزيون نجد أن العرض إذا تضمن جميع العناصر الأساسية للعقد من حيث تحديد المبيع والثمن فإنه يعتبر إيجاباً صالحاً لأن يقترن به قبول المتلقي.
فإذا لم يتضمن العرض هذه العناصر الأساسية فإنه لا يعدو أن يكون مجرد دعوة إلى التعاقد أو التفاوض، حيث يدعو مقدم البرنامج المشاهدين للدخول معه في مناقشات ومساومات قد تنتهي إلى صياغة عرض محدد يعتبر إيجاباً، أو قد لا تنتهي إلى هذه النتيجة. كأن يحدد العرض أوصاف السلعة ولكنه يترك السعر ليكون موضوعاً للمناقشة أو المساومة، وأرفق عرضه بتحديد لأرقام الهاتف ليقوم المشاهد بالاتصال فإن ذلك لا يعتبر إيجاباً، وإنما دعوة للتعاقد ويكون اتصال المتلقي هاتفياً إيجاباً ينعقد به العقد إذا لحقه قبول مطابق.
وفي البيع بالتليفزيون يمكن للبرنامج أن يعلن عن بيع كمية محدودة فيكون الإيجاب في هذه الحالة معلقاً على شرط "عدم نفاذ الكمية المعروضة"، فإذا نفذت السلعة سقط الإيجاب.
ومن التحفظات التي نشاهدها عادة في برامج عرض السلع بالتليفزيون أن هذا العرض يظل سارياً حتى مدة معينة، أو أن التخفيض على الأسعار يظل سارياً حتى نفاذ الكمية. وهي تحفظات عمومية لا تعدم الإيجاب. فالقاعدة أن الإيجاب الموجه للجمهور كالإيجاب الموجه لشخص محدد يلزم به صاحبه إذا كان جازماً يتضمن العناصر الجوهرية للعقد. وهو المبدأ الذي وضعته محكمة النقض الفرنسية منذ زمن بعيد، وسار على هديه القضاء في مصر.
أما إذا احتفظ مقدم البرنامج لنفسه بإمكانية تعديل العرض، أو حقه في رفض البيع دون تحديد الأسباب، فإن العرض لا يعدو كونه دعوة إلى التعاقد.
من حيث إنه قد انتهينا بأن عرض السلع أو الخدمات بطريق التليفزيون يعتبر إيجاباً بالبيع بافتراض شموله عناصر العقد الأساسية، فإن الإيجاب يظل ملزماً لصاحبه مدة معينة بحيث ينعقد العقد إذا لحقه قبول مطابق خلال هذه المدة. وهو ما يطلق عليه القوة الملزمة (la force obligatoire) للإيجاب، وهي مسألة تختلف في التعاقد بين حاضرين "في مجلس العقد" عنها في التعاقد بين غائبين "بيوع المسافات".
وبيع السلع عن طريق التليفزيون لا يخرج عن كونه بيعاً بين حاضرين من حيث الزمان، ذلك أن البرنامج يعرض السلعة، مع بيان الثمن المحدد لها، ويطلب من المشاهد الاتصال به هاتفياً، وعندها ينعقد العقد بين حاضرين حيث لا توجد فترة زمنية بين صدور القبول، وعلم الموجب به. أما الرسالة التي يبعث بها المشاهد بعد ذلك إلى البرنامج مع المبلغ المحدد فهي لا تعدو أن تكون تنفيذاً لعقد سبق إبرامه. وبالتالي فإن عدم الوفاء بالمبلغ المحدد، أو التأخر في الدفع يدخل في نطاق قواعد تنفيذ العقد لا قواعد إبرام العقد، وشتان بين الجزاء في قواعد تنفيذ البيع وقواعد إبرامه. ففي الأولى يمكن للبرنامج أن يدفع بعدم التنفيذ أو يفسخ البيع مع المطالبة بالتعويض إن كان له مقتض، بينما يكون البطلان أو الإبطال هو الجزاء المترتب على مخالفة أحكام انعقاد العقد.
وهكذا فإن التعاقد بالتليفزيون لا يثير صعوبة تذكر إلا فيما يتعلق بتعيين مكان انعقاد العقد، إذ يأخذ في هذه الناحية حكم التعاقد بين الغائبين. وطبقاً للقواعد العامة فإن البيع بالتليفزيون، كالبيع بالتليفون، وما شابهه يكون قد تم في مكان الموجب، إذ فيه يحصل علم الموجب بالقبول ما لم يتفق على غير ذلك. وإذا افترضنا أننا بصدد إيجاب دولي عبر الحدود في تليفزيون يعرض للسلع أو الخدمات عن طريق الأقمار الصناعية (بالقنوات الفضائية) فإن تحديد مكان انعقاد العقد يصبح ضرورياً لتطبيق قواعد تنازع القوانين، حيث يخضع العقد من حيث الشكل إلى قانون البلد الذي أبرم فيه، ويخضع من حيث الموضوع لقانون هذا البلد إذا اختلف طرفاه موطناً ولم يتفقا على سريان قانون آخر عليه.  
مع ملاحظة أنه إذا كان التسوق – في هذه الحالة - يتم عبر الفضائيات وعبر حدود أكثر من دولة، فإنه يمكن أن يدخل في نطاق تطبيق اتفاقية فيينا لعام 1980 الخاصة بالبيع الدولي للبضائع، إذا توافرت سائر شروطه.
أنظر في تفصيل ذلك: بحث بعنوان "حق المشتري في إعادة النظر في عقود البيع بواسطة التليفزيون – ماهية البيع بالتليفزيون – وكيفية انعقاد العقد – وحق المشتري في إعادة النظر، أحكامه وطبيعته القانونية" – للدكتور/ أحمد السعيد الزقرد – منشور في "مجلة الحقوق" مجلة فصلية محكمة تعنى بالدراسات القانونية والشرعية تصدر عن مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت – العدد الثالث – السنة التاسعة عشر – سبتمبر 1995 – صـ 179 وما بعدها.
التجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت:
يمكن التعبير عن الإيجاب الإلكتروني (L’offre électronique) عبر الإنترنت باستخدام رسائل البريد الإلكتروني. بحيث تمثل الرسالة إيجاباً لإبرام عقد مُرسل إلى شخص واحد أو أشخاص مُحددين ما داموا مُعرفين على نحو كاف وكانت تشير إلى نية مرسل الإيجاب في أن يلتزم في حالة القبول، ولكن لا يعتبر إيجاباً الرسالة المتاحة إلكترونياً بوجه عام إلى الكافة (كإعلان) ما لم يُشر إلى غير ذلك. (الفقرة الثانية من المادة الثالثة من مشروع العقد النموذجي في شأن المعاملات الإلكترونية المحلق بقانون الأمم المتحدة النموذجي.
ومن القوانين العربية الحديثة من ضمنت قوانينها نصوصاً صريحة باعتبار المراسلة الإلكترونية وسيلة للتعبير عن الإيجاب والقبول، ومنها ما نصت عليه المادة 13 من القانون الإماراتي رقم 2 لسنة 2002 بشأن المعاملات والتجارة الإلكترونية بنصها على أنه: "لأغراض التعاقد، يجوز التعبير عن الإيجاب والقبول جزئياً أو كلياً بواسطة المراسلة الإلكترونية". وكذلك المادة الأولى من القانون التونسي رقم 83 لسنة 2000 بشأن المبادلات والتجارة الإلكترونية، والمادة 10 من القانون البحريني الصادر في 14/9/2002 بشأن التجارة الإلكترونية.
على أنه يلزم أن يتم الإيجاب الإلكتروني بأسلوب مكتوب، واضح ومفهوم وسهل القراءة، بأية لغة تكون مفهومة لمتلقي الإيجاب، مع ملاحظة أن شبكة الإنترنت شبكة عالمية والتجارة الإلكترونية عبرها غالباً ما تكون عابرة للحدود لذا فلا يشترط أن يكون الإيجاب فيها بلغة معينة بذاتها. 
كما ينبغي أن يتضمن الإيجاب – طبقاً للقواعد العامة – العناصر الجوهرية للعقد، بأن يتضمن وصفاً دقيقاً للمنتج أو الخدمة، وذلك بتحديد الاسم والكمية والنوع وأن يكون مقروناً بالصور والرسوم الملونة والتي تعرض صفات المنتج بدقة ووضوح وبأسلوب صادق وأمين على نحو يتجنب الإعلانات الخادعة. وكذلك يجب أن يتضمن بيان الثمن بوضوح، وبيان ما إذا كان يشمل مصاريف النقل والشحن والرسوم الجمركية من عدمه، وبيان وسيلة الدفع، ويلاحظ أنه غالباً ما يتم الوفاء بالثمن – في العقود الإلكترونية عن بعد – باستخدام وسائل الوفاء الإلكترونية مثل بطاقات الوفاء والائتمان المصرفية.
وأن يسمح بحفظ الشروط التعاقدية الواردة فيه، على دعامة إلكترونية أو أية دعامة أخرى مستديمة، بحيث يمكن استرجاعها مرة أخرى عند الضرورة.
وما يقال عن الإيجاب الإلكتروني، ينطبق كذلك على القبول الإلكتروني (L’acceptation électronique).
ونظراً لأن الإيجاب والقبول الإلكتروني يتم عن بعد عبر تقنيات الاتصال، ودون حضور مادي للطرفين، لذا يلزم من الضروري التحقق من شخصية الأطراف المتعاقدة – بصورة فنية دقيقة – بما يحقق الأمان والثقة في المعاملات المتبادلة إلكترونياً، ويجنب الأطراف أي شكل من أشكال الخداع.
ووفقاً لنص المادة 121 – 18 من قانون الاستهلاك الفرنسي فإنه ينبغي: "في كل إيجاب لبيع أموال أو تقديم خدمات عند بعد، يلتزم المهني بأن يوضح للمستهلك: اسم مشروعه، وأرقام هواتفه، وعنوان مركز إدارته إذا كان مختلفاً عن المنشأة المسئولة عن الإيجاب؛ كما يلتزم مقدم المنتج أو الخدمة بأن يكون ايجابه كاملاً، وأن يتضمن عدداً من البيانات، التي تسمح بتحديد هويته، وعلى النمط ذاته يلتزم المستهلك بأن يرشد مقدم المنتج أو الخدمة عن اسمه، وعناصر تحديد هويته المادية والإلكترونية.
وينبغي فضلاً عما تقدم، على مقدم المنتج أو الخدمة أن يوضح للمستهلك، سياسته ومهارته بصدد حماية المعطيات والمعلومات الشخصية، وذلك حتى يوفر للمستهلك الأمان والثقة في حالة الإفصاح عن بعض المعلومات أو المعطيات الشخصية الخاصة به بصدد المعاملة المطلوبة، وبحيث لا يتمكن أحد من الإطلاع عليها إلا الأطراف المعنية المسموح لها بذلك. 
هذا، والله أعلى وأعلم،،،

الأربعاء، 3 مارس 2010

اشكالات التنفيذ

اشكالات التنفيذ
اشكالات التنفيذ هى منازعات مستعجلة تثور أثناء التنفيذ أو بمناسبة التنفيذ، والأصل أن تثار هذه المنازعات من جانب المدين أو من الغير ويكون المقصود منها الاعتراض على التنفيذ والمطلوب فيها وقفه. ولكن قد يحدث أحياناً أن تقوم فى وجه الدائن صعوبات فى التنفيذ، فيضطر إلى الالتجاء للقضاء طالبا تذليلها. وتسمى دعواه فى هذه الحالة اشكالا. ولكن هذه التسمية غير دقيقة لأن المرء لا يقيم اشكالا فى وجه نفسه، وإنما جرت العادة على إطلاق كلمة اشكال على كل منازعة تنفيذية مستعجلة سواء كان المقصود منها عرقلة التنفيذ أو إزالة الصعوبات التى تعترضه، والواقع أن الاشكال الذى يرفع من الدائن نفسه يكون مقصوداً به إزالة الصعوبات التى تعترض التنفيذ، حتى يتمكن من البدء فى التنفيذ إذا كانت العقبة قد حالت دون البدء فيه، أو يتسنى له الاستمرار فى التنفيذ إذا كانت الصعوبة قد أدت إلى توقفه وحالت دون استمراره. فهو إذن (اشكال إيجابي) مقصود به الحصول على حكم يقضى بالاستمرار فى التنفيذ.
وقد جرى بعض الفقهاء على إطلاق اسم الاشكال على كل منازعة فى التنفيذ سواء كانت مستعجلة أو موضوعية – وعلى هذا الأساس توجد، فى بعض كتب الفقه، تفرقة بين الاشكالات المستعجلة والاشكالات الموضوعية. ولكننا نعتقد أن كلمة اشكالات يجب أن تقتصر على المنازعات المستعجلة، أما المنازعات الأخرى فهى اعتراضات موضوعية على التنفيذ ولا يمكن أن توصف بأنها مجرد اشكالات. وهذه الاعتراضات متعددة وتتنوع بحسب نوع الحجز كما سبق القول فهى فى حجز المنقول تأخذ صورة دعوى الاسترداد وفى حجز العقار تأخذ صورة دعوى الاستحقاق وفى حجز ما للمدين لدى الغير تأخذ صورة دعوى رفع الحجز وفى الحجوز التحفظية التى ترفع بأمر من القاضى الوقتى تأخذ صورة التظلم، وكل هذه الاعتراضات منازعات فى التنفيذ لا تؤدى بذاتها إلى إيقافه – وإنما يجب لإيقاف التنفيذ أن تقترن برفع اشكال مستعجل.
فالاشكال المستعجل هو الذى يؤدى إلى إيقاف التنفيذ مؤقتاً. فإذا قضى فيه لصالح المستشكل ظل التنفيذ موقوفا إلى أن يتم الفصل فى النزاع الموضوعى القائم بشأن التنفيذ أو فى خصوص الحق الأصلى الذى يجرى التنفيذ لاقتضائه.
أما المنازعات الأخرى فلا توقف التنفيذ بذاتها وبمجرد رفعها – فيما عدا دعوى الاسترداد – بل لابد من صدور حكم فيها لصالح رافعها. وفى هذه الحالة لا تكون النتيجة هى مجرد إيقاف التنفيذ بل تتعدى ذلك إلى إلغاء إجراءاته وبطلانها وزوالها بما يؤدى إلى عدم جواز المضى فيها.
هذا بالنسبة لأثر المنازعة على التنفيذ. أما فيما يتعلق بالتسمية فليس أجدر من تسمية تلك المنازعات الأخرى باسمها الصحيح وهو: المنازعات الموضوعية المتعلقة بالتنفيذ.
وعلى ضوء ما تقدم، يمكننا أن نخلص إلى التعريف الآتي: اشكالات التنفيذ هى منازعات مستعجلة تتعلق بالتنفيذ وترفع إلى قاضى التنفيذ بصفته قاضياً للأمور المستعجلة – أو إلى قاضى الأمور المستعجلة باعتباره قاضياً للتنفيذ – سواء من جانب الدائن أو المدين أو الغير – ويكون المقصود منها هو إيقاف التنفيذ أو استمراره – أى أن المطلوب فيها هو الحكم بمجرد إجراء وقتى سريع لحين الفصل فى النزاع الموضوعى المتعلق بالتنفيذ أو بأصل الحق الذى يجرى التنفيذ لاقتضائه.
الصور المختلفة للطلبات فى الاشكالات:
إذا رفع الاشكال من الدائن فإنه يرفع بطلب استمرار التنفيذ. أما إذا كان الاشكال مرفوعاً من المدين أو الغير فإنه يرفع فى أغلب الأحوال بطلب وقف التنفيذ.
ولكن هناك حالات لا تتحقق فيها مصلحة المدين إذا أقام اشكالا وطلب فيه وقف التنفيذ. ومثال ذلك أن يحجز على مال المدين لدى الغير. فلو رفع اشكالا وطلب فيه وقف التنفيذ فإن ذلك يحول بينه وبين ماله – وهو ما لا تتحقق به مصلحة المدين بل يكون أقرب إلى تحقيق مصلحة الدائن – وكذلك الأمر فى طلب استمرار التنفيذ.
وهكذا نرى أن وقف التنفيذ قد يكون فى بعض الحالات ضارا بالمدين. ولهذا فإنه لا يرفع الاشكال طالباً وقف التنفيذ أو الاستمرار فيه بل يطلب إجراء وقتياً آخر هو السماح له بقبض دينه رغم الحجز.
ويطلق على الاشكال عندئذ اسم "دعوى عدم الاعتداد بالحجز" – والمقصود بها تعطيل مفاعيل الحجز مؤقتاً أو التقرير باعتباره غير مؤثر-  بمعنى أن الحجز يتمخض عن مجرد واقعة لها وجود فعلى ولكن لا عمل لها فى المجال القانونى ولا أثر ولو إلى حين.
وقد نص المشرع على هذه الدعوى فى المادة (351) مرافعات.
كذلك ترفع دعوى عدم الاعتداد فى حالة اتخاذ إجراءات تنفيذية مشوبة ببطلان جوهرى ظاهر، كما لو اتخذت دون أن يسبقها إعلان السند التنفيذى. حتى لو لم تكن تلك الإجراءات حجزاً، ومثال ذلك تنفيذ حكم بتسليم عقار أو منقول دون أن يكون التنفيذ مسبوقا بإعلان الحكم. وبديهى أن الدعوى فى هذه الحالة لا تسمى (دعوى عدم اعتداد بالحجز) وإنما توصف بأنها دعوى عدم الاعتداد بإجراء تنفيذى باطل.
ويفصل قاضى التنفيذ فى دعوى عدم الاعتداد بالحجز كما يفصل فى سائر الاشكالات، بمعنى أنه يصدر حكما بإجراء وقتى هو التصريح بقبض المبلغ المحجوز رغم قيام ذلك الحجز من الناحية النظرية، بما يؤدى إلى تمكن المدين من صرف المبلغ الموجود تحت يد الغير، رغم وجود الحجز المتوقع تحت اليد. ولا يغير من ذلك أن يتضح فيما بعد عند نظر النزاع الموضوعى فى التنفيذ أن الدائن كان محقاً فى إيقاع الحجز أو أن الإجراءات كانت صحيحة – فإن الدائن يكون له فى هذه الحالة الحق فى منع استمرار الصرف للمدين – إذا كان الصرف يتم بصفة دورية أو مستمرة – كما هو الشأن فى المرتبات أو الأجور – كما يكون له الحق دائماً فى الرجوع على المدين بالتعويض – ولكن ذلك كله لا يحول دون القول بأن الحكم بعدم الاعتداد بالحجز – وما يؤدى إليه من صرف المبلغ إلى المدين – إنما كان حكما بإجراء وقتى – وحتى لو ترتبت على ذلك نتائج لا يمكن تداركها أو الرجوع فيها، ولكن هذه فروض نادرة على كل حال لأن القاضى قلما يقضى بعدم الاعتداد بالحجز ما لم يكن وجه البطلان ظاهرا أمامه بصورة يقينية أو شبه يقينية، بحيث لو عرض الأمر على قضاء الموضوع لما قضى بغير ذلك.
سلطة قاضى التنفيذ بالنسبة للاشكال:
وقاضى التنفيذ، حين يفصل فى دعوى عدم الاعتداد بالحجز أو فى سائر الاشكالات الأخرى التى يطلب فيها وقف التنفيذ مؤقتا أو استمراره – إنما يفعل ذلك بصفته قاضيا للأمور المستعجلة أى على أساس البحث الظاهرى للأمور وتحسس المستندات دون التعمق فى بحث الموضوع دون المساس بأصل الحق.
ويترتب على ذلك أن قاضى التنفيذ نفسه عندما ينظر بعد ذلك فى المنازعات التنفيذية الموضوعية بصفته قاضياً للموضوع لا يتقيد بالحكم الذى صدر منه بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة فى الاشكال المستعجل، لأن ذلك الحكم لا حجية له أمام قضاء الموضوع.
على أنه إذا رأى قاضى التنفيذ أن الاشكال المرفوع أمامه يتضمن مساسا بأصل الحق أو ينطوى على طلب موضوعى فإنه لا يقضى عندئذ بعدم اختصاصه بل ينظر المنازعة باعتبارها من منازعات التنفيذ الموضوعية. وذلك لأنه مختص بمنازعات التنفيذ المستعجلة والموضوعية معاً على السواء ولا يحكم قاضى التنفيذ بعدم اختصاصه إلا إذا تبين أن المنازعة الموضوعية ليست من منازعات التنفيذ. أما إذا كانت منازعة تنفيذية ولكنها موضوعية فإنه يحيلها إلى نفسه باعتباره قاضى التنفيذ الموضوعى.
شروط قبول الاشكالات
وتشترط جملة شروط القبول للاشكالات باعتبارها منازعات وقتية مستعجلة، وحتى ينعقد الاختصاص بها لقاضى التنفيذ بوصفة قاضيا للأمور المستعجلة، لا بوصفه قاضيا للموضوع.
ونجعل هذه الشروط فيما يأتى:
يجب أن يكون المطلوب فى الاشكال إجراء وقتياً.
كما يجب ألا يكون الاشكال بحيث يمس أصل الحق – سواء بالنسبة للطلبات المبداة فيه أو بالنسبة للحكم الذى يصدر فى تلك الطلبات.
وألا يتضمن الاشكال طعناً على الحكم أو السند التنفيذى المستشكل فيه.
وان يكون (الاشكال) مبنياً على أسباب لاحقة للحكم المستشكل فيه، وليس على أسباب سابقة عليه.
وألا يكون التنفيذ قد تم.
وأن يتوافر ركن الاستعجال.
الشرط الأول
أن يكون المطلوب فى الاشكال إجراء وقتيا
فالاشكال يرفع بأحد طلبين: أما وقف التنفيذ وأما استمراره – فإذا كان مرفوع من المدين أو من الغير فإن الطلب الذى يقدم فيه هو طلب وقف التنفيذ – أما إذا كان الاشكال مرفوعا من الدائن فإنه يرفع بطلب استمرار التنفيذ.
ووقف التنفيذ أو استمراره (إذا ما قضى به قاضى التنفيذ بوصفه قاضياً مستعجلاً) يكون إجراء وقتيا – لأن التنفيذ يوقف أو يستمر بصفة مؤقتة – ويبقى رهيناً بما يسفر عنه الفصل فى المنازعة الموضوعية المتعلقة بالتنفيذ.
فإذا رفع الاشكال بطلب موضوعى كان غير مقبول. ومن أمثلة ذلك أن يطلب المستشكل الحكم ببراءة ذمته من الدين أو الحكم ببطلان الحجز أو إلغاء الحجز – فهذه كلها طلبات موضوعية. وإنما يجوز للقاضى تحوير الطلبات ليستخلص من الطلب الموضوعى طلبا مستعجلا يختص به – كما لو رفع اشكال بطلب براءة ذمة المدين وإلغاء الحجز تبعا لذلك، فيستخلص منه القاضى طلبا مؤقتا بوقف التنفيذ ويحكم بذلك بوصفة قاضيا مستعجلاً.
دعوى عدم الاعتداد بالحجز:
وإذا قلنا أن الطلبات فى اشكالات التنفيذ لا تخرج عن طلب وقف التنفيذ أو استمراره – فإننا يجب ألا نغفل دعوى عدم الاعتداد بالحجز التى أشرنا إليها فيما تقدم – وهى دعوى مستعجلة ترفع فى حالة حجز ما للمدين لدى الغير إذا كان الحجز باطلا بطلانا ظاهرا – والغرض منها هو الإذن للمدين فى قبض أمواله المحجوزة – بصرف النظر (مؤقتاً) عن الحجز الواقع عليها أى دون اعتداد بذلك الحجز، ولو إلى حين. وقد نص المشرع فى المادة (315) مرافعات على جواز الحكم فى هذه الدعوى بصفة مستعجلة من قبل قاضى التنفيذ بوصفه قاضيا للأمور المستعجلة فدل ذلك على أنها من قبيل الاشكالات المستعجلة التى يختص بها قاضى التنفيذ بوصفة قاضيا للأمور المستعجلة.
الشرط الثانى
عدم المساس بأصل الحق
لا يجوز أن يؤدى رفع الاشكال إلى المساس بأصل الحق، وأصل الحق هنا مزدوج – إذ يقصد به أولاً: الحق الذى يجرى التنفيذ لاقتضائه وثانيا: الحق فى التنفيذ. ولا يجوز أن يمس الاشكال أحد هذين الأصلين.
ويتضح ذلك من المثالى الآتي: شخص ينفذ بمبلغ مائة جنيه حجز على فراش مملوك للمدين، فإذا استشكل المدين على أساس أن ذمته بريئة من الدين كان هذا الاشكال غير مقبول – لأن قاضى التنفيذ بوصفه قاضيا للأمور المستعجلة لا يملك أن يتناول بالبحث أصل الحق الذى يجرى التنفيذ لاقتضائه.
وكذل إذا استشكل المدين على أساس أن الفراش لا يجوز الحجز عليه لأنه لازم له أو لزوجته كان الاشكال غير مقبول لأنه يتناول مسألة لزوم الفراش للمدين أو عدم لزومه مما يؤدى بالتالى إلى القول بأن الحجز على الفراش جائز أو غير جائز. وكل هذه مسائل موضوعية تنطوى على المساس بأحقية الدائن أو عدم أحقيته فى التنفيذ، وهذا المساس بأصل الحق فى التنفيذ، مانع من قبول الاشكال شأنه فى ذلك شأن المساس بالحق الأصلى الذى يجرى التنفيذ لاقتضائه.
وإذا كان قاضى التنفيذ يملك نظر بعض هذه المسائل الموضوعية ويبحثها بوصفه قاضياً للموضوع فانه فى نطاق سلطته المحدودة كقاض للأمور المستعجلة لا يستطيع أن يمس أصل الحق سواء فى ذلك الحق الأصلى أو الحق فى التنفيذ، وغاية ما يمكن فى مجال المنازعات المستعجلة المتعلقة بالتنفيذ – أى فى مجال الاشكالات – هو التمسك بهذه الأمور ابتغاء وقف التنفيذ – والقاضى هنا لا يحكم فى مسألة براءة ذمة المدين أو أحقية الدائن فى الحجز وإنما يتلمس من الظاهر ما يوقف به التنفيذ أو ما يبرر عدم إيقافه – دون أن يتعرض لموضوع التنفيذ ذاته أو للموضوع الأصلى الذى بنى عليه التنفيذ، ويجرى التنفيذ من أجله وبقصد تحقيقه واقتضائه. أى أن المنازعة الجدية فى هذه المسائل الموضوعية عندما تثأر أمام القضاء المستعجل تصلح حجة وعماداً لوقف التنفيذ لا أكثر.
وقد يكون من نافلة القول أن نشير فى ختام هذا الشرط إلى أن عدم المساس بأصل الحق لا يعد وان يكون وجهاً آخر للشرط الأول وهو وجوب كون المطلوب فى الاشكال إجراء وقتياً. فهذان الشرطان يرتبطان بحيث يمكن القول بأنهما يمتزجان ليتكون منهما شرط واحد. فإن استلزام وقتية الإجراء المطلوب يقتضى بالضرورة عدم المساس بأصل الحق، كما أن عدم المساس بأصل الحق يفترض أن يكون المطلوب إجراء وقتيا مع بقاء أصل الحق سليما محفوظاً يتناضل فيه الطرفان أمام قاضى الموضوع، ولذلك حق القول بأن هذين الشرطين ليسا إلا وجهين لمسألة واحدة. غير أننا نجعل من كل منهما شرطا متميزا، لأن محل الطلب قد يكون إجراء وقتيا ولكن الحكم فى الاشكال يقتضى من ذلك المساس بأصل الحق، أو تثور أثناء نظر الاشكال منازعة موضوعية جدية لابد من التعرض لها والفصل فيها – وعندئذ ينحسر الاختصاص المستعجل لقاضى التنفيذ فلا يبقى أمامه إلا أن يتعرض لبحث المنازعة باعتبارها من منازعات التنفيذ الموضوعية، أو أن يقضى بعدم اختصاصه إذا لم تكن من منازعات التنفيذ، على ما سبقت الإشارة إليه. وتقدير جدية المنازعة أو عدم جديتها مترو للقاضى المستعجل. فان كانت منازعة موضوعية (تمس أصل الحق) ولكنها غير جدية فإنها لا تمنع القاضى المستعجل من الحكم فى الاشكال ولا تؤدى إلى عدم اختصاصه.
الشرط الثالث
يتضمن الاشكال طعنا على الحكم
ومعنى الشرط أنه لا يجوز أن يبنى الاشكال على أساس تخطئة الحكم المستشكل فى تنفيذه – ولو كان المطلوب مجرد إجراء وقتى – كأن يرفع شخص اشكالا يطلب فيه وقف تنفيذ حكم معين على أساس الادعاء مثلا بأن المحكمة التى أصدرت ذلك الحكم قد أخطأت فى تطبيق القانون أو فى الوقائع، أو أنها غير مختصة أو أن شمل الحكم بالنفاذ المعجل غير جائز – فمثل هذه الانتقادات أو المطاعن التى توجه إلى الحكم يجب أن ترفع إلى محكمة الطعن يرفع أمامها عن ذلك الحكم المستشكل فيه – وذلك بالطرق المقررة للطعن – وفى المواعيد المحددة لذلك – وبشرط أن يكون الطعن جائزاً.
أما قاضى التنفيذ فليس جهة طعن وليس رقميا على الأحكام حتى تثار أمامه هذه المسائل، وهو لا يملك تصحيح الأحكام التى تنطوى على خطأ كما أنه لا يملك تفسير الأحكام أو السندات التنفيذية الغامضة. ومن جهة أخرى فان الاشكال ليس طريقا من طرق الطعن.
وإذا كان صاحب الشان قد فوت على نفسه فرصة الطعن فى الحكم أمام المحكمة التى كان يجب رفع الطعن إليها فى المواعيد وبالإجراءات المقررة لذلك قانونا فلا يلومن إلا نفسه – ولا يجوز أن يتخذ من الاشكال وسيلة غير مباشرة للطعن فى الحكم.
أما إذا كان المستشكل قد طعن فى الحكم، فإنه يملك أن يطلب من المحكمة المرفوع إليها الطعن أن تقضى بوقف نفاذ الحكم المطعون فيه. ولكن هل يمنعه ذلك من رفع اشكال بطلب وقف التنفيذ؟
لا نرى مانعا من ذلك، فإن إقامة الطعن لا توجب التجاء الطاعن إلى محكمة الطعن لطلب وقف التنفيذ، فمن حقه أن يقيم اشكالا للوصول إلى هذا الغرض، وليس ثمة ما يمنع قانوناً من ذلك. كما أنه حتى لو تقدم بطلب وقف النفاذ أمام محكمة النقض مثلاً، لا يسقط بذلك حقه فى الالتجاء إلى قاضى التنفيذ (بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة) بطلب وقف التنفيذ مؤقتاً إلى أن يفصل فى طلب وقف النفاذ المرفوع أمام محكمة الطعن وذلك عن طريق رفع اشكال التنفيذ: فإن محكمة الطعن قد تتأخر فى نظر طلب وقف النفاذ أو الفصل فيه، ويرى الطاعن من مصلحته أن يتدارك أمره برفع اشكال يطلب فيه (من قاضى التنفيذ) وقف التنفيذ – ولا يوجد فى القانون ما يحلو دون لجوء الشخص إلى قاضى التنفيذ عن طريق الاشكال بدلا من اللجوء إلى محكمة الطعن بطلب وقف النفاذ – كما أنه لا يوجد ما يمنعه من الجمع بين رفع الاشكال بطلب وقف التنفيذ وتقديم طلب بوقف النفاذ فى نفس الوقت إلى محكمة الطعن – فقد أتاح المشرع له هذه السبل جميعاً – ولم ينص على عدم جواز الجمع بينهما، أو على وجوب اتباع ترتيب معين فى الالتجاء إلى أحدها يسقط الحق فى الطريق الآخر – وطالما أن التشريع لم يتضمن نصا بهذا المعنى فلا مناص من القول بإباحتها جميعاً.
ونضيف إلى ما تقدم: أنه لا يجوز كذلك الاستشكال على أساس بطلان الحكم – لأن البطلان ينطوى على الطعن فى الحكم أو نسبة الخطأ القانونى إليه – ولكن يستثنى من ذلك حالة ما إذا كان سبب البطلان هو تزوير السند التنفيذى وحالة الأحكام المعدومة. فيجوز الاستشكال على أساس أن الحكم قد صدر من غير قاض أو من قاض انتهت ولايته أو صدر ضد شخص توفى أو على خصم لم يعلن أصلاً بالدعوى – لأن مثل هذه الأسباب تؤدى إلى انعدام الحكم، فالنعى عليه بانعدام وجوده قانوناً لا يعتبر طعناً لأن الطعن لا يرد على المعدوم. كذلك يجوز الاستشكال بطلب وقف التنفيذ إذا كان الاشكال مبنيا على أن الحكم مزور، لأن التزوير يستوى مع انعدام الوجود القانونى للحكم، ويعتبر صورة من صورة أو سبباً من أسبابه، وهو يؤدى على كل حال إلى تعطيل قوة السند التنفيذية إلى أن يبت فى موضوع الادعاء بالتزوير.
الشرط الرابع
أن يكون مبنى الاشكال وقائع لاحقة
يجب أن يكون الاشكال مؤسسا على وقائع لاحقة للحكم المستشكل فيه، أى أنه لا يجوز أن يبنى الاشكال على وقائع سابقة فى ترتيبها الزمنى على ذلك الحكم. ويرجع إلى أن الوقائع السابقة كان ينبغى الإدلاء بها أمام المحكمة التى أصدرت الحكم.
ولا يخلوا الحال هنا من أحد فرضين، فأما أن يكون المستشكل قد تمسك أمام المحكمة بتلك الوقائع (السابقة) وقضت المحكمة برفض حجته أو التفتت عنها مما يفيد رفضها ضمنا – فلا يجوز له بالتالى إثارتها من جديد أمام القاضى المستعجل لأن فى ذلك مساسا بحجية الأمر المقضى فيه – وإما أن يكون قد أهمل فى إبداء حجته فيكون هو الملوم – وأمامه الاستئناف على كل حال فيتمسك بتلك الحجة – إذا كان قد فاته التقدم بها أمام محكمة أول درجة – أو تقدم بها ولم يتعرض لها الحكم.
ولعل هذا الشرط يمكن إدراكه بوضوح إذا ما ضربنا لذلك مثالا مزدوجا: والوجه الأول للمثال: أن يؤسس المدين اشكاله على أنه قام بوفاء الدين قبل صدور حكم المديونية فمثل هذا الاشكال لا يقبل منه لأنه كان يجب أن يتمسك بالوفاء أمام المحكمة التى أصدرت الحكم.
أما إذا ادعى أنه بعد صدور الحكم قام بوفاء الدين المحكوم به فإن هذا الادعاء يصلح أساساً للاشكال لأن واقعة الوفاء هنا لاحقة على الحكم – وتصلح سببا لطلب وقف النفاذ لحين تمحيص هذه الواقعة من قبل محكمة الموضوع.
وهذا هو الوجه الثانى الذى سقناه.
استثناء: على أن يستثنى من ذلك حالة الاستشكال فى أوامر الأداء فيجوز فيها إبداء أسباب سابقة على صدور أمر الأداء وذلك لأن أم الأداء يصدر دون استدعاء المدين ودون سماع دفاعه أو أقواله، أى أن المدين لم تتح له الفرصة لإبداء دفاعه أو أقواله. أى أن المدين لم تتح له الفرصة لإبداء دفاعه والإدلاء بحجته فلا أقل من تمكينه من طرح هذا الدفاع أمام قاضى التنفيذ، ومن العدل أن تتاح له هذه الفرصة ولو لمجرد التوصل إلى وقف النفاذ ولا يعاب عليه أنه لم يتقدم بهذا الدفاع من قبل.
الشرط الخامس
ألا يكون التنفيذ قد تم قبل رفع الاشكال
لأنه إذا كان التنفيذ قد تم فإن الاشكال يصبح غير ذى موضوع إذ لا فائدة من الحكم بوقف التنفيذ إذا كان قد تم فعلاً – فإن ما تم لا يمكن إيقافه – فتنعدم مصلحة المستشكل فى الاشكال وبالتالى يكون غير مقبول.
ولذلك يجوز رفع الاشكال قبل البدء فى التنفيذ أو بعد البدء فيه وقبل تمامه إذا كان يتم على مراحل أو يستغرق فترة معينة من الوقت. وبغير ذلك لا يتصور إيقاف التنفيذ ولو بصورة جزئية.
وإنما يثور التساؤل فى حالة ما إذا رفع الاشكال قبل تمام التنفيذ وتم التنفيذ بعد رفعه بما يضع المحكمة أمام الأمر الواقع – فهل يحول ذلك دون المضى فى نظر الاشكال أو دون الحكم فيه بوقف التنفيذ؟
الجواب: أن تمام التنفيذ بعد رفع الاشكال لا يمنع من الحكم بوقف التنفيذ ويكون معنى الحكم بوقف التنفيذ هنا هو عدم الاعتداد بما تم من تنفيذ ورد الحالة إلى ما كانت عليه وقت رفع الاشكال وهو ما يسمى بالتنفيذ العكسى، وقد ترفع فى هذا الشأن (دعوى تمكين) أى دعوى بإزالة أعمال التنفيذ التى تمت بعد رفع الاشكال وبإعادة الحال إلى ما كانت عليه، ويكون قاضى التنفيذ هو المختص بها لأنها منازعة تنفيذية. وهذا هو ما استقر عليه القضاء، ويرجع ذلك إلى أن الحكم فى الاشكال يرتد إلى تاريخ رفعه أى يستند بأثر رجعى إلى يوم تقديم الاشكال لأن المستشكل لا يضار من تأخير الفصل فى اشكاله ولا يتأثر بأية واقعة تطرأ بعد رفع الاشكال – خصوصاً وان رفع الاشكال يؤدى قانوناً إلى إيقاف التنفيذ: فإتمام التنفيذ رغم الاشكال ينطوى على مخالفة للقانون فلا ينبغى أن يكون لها أثر قانونى أمام القضاء.
وكذلك الأمر إذا كان التنفيذ قد تم فى جملته أو فى جزء منه وكان باطلاً بطلانا جوهريا كما لو كان قد تم بغير حكم أو بغير سند أصلاً أو تم دون أن يسبقه إعلان الحكم أو السند التنفيذى – فإنه يجوز رفع الأمر لقاضى التنفيذ لكى يقضى بعدم الاعتداد بما تم من أعمال التنفيذ ويرد الحالة إلى ما كانت عليه (أن كان ذلك ممكنا) – لأن التنفيذ الذى تم فى هذه الحالة لا يعدو أن يكون عملاً ماديا لا سند له من القانون فهو من أعمال العدوان. وقد رأينا أن هذه الدعوى لا يصدق عليها وصف الاشكال ولكنها تعتبر من منازعات التنفيذ المستعجلة.
الشرط السادس
ركــن الاستعجال
لا شك فى أنه يجب بطبيعة الحال أن يكون الاشكال مبنيا على الخشية من فوات الوقت أى أن يتحقق فيه ركن الاستعجال ولكن يلاحظ أن الاستعجال مفترض دائماً فى جميع اشكالات التنفيذ، فهى مستعجلة بطبيعتها – بمعنى أن من يرفع اشكالا لا يحتاج إلى إثبات ركن الاستعجال ولا يتطلب منه القاضى ذلك.
فإذا كنا نقول أن الاستعجال شرط فى الاشكال فهذا فى الواقع شرط سلبى ومفترض.
طريقة رفع الاشكال
توجد طريقتان لرفع الاشكالات: فالاشكال لا يعدو أن يكون دعوى كأى دعوى أخرى وبذلك يجوز رفعه بالطريق المعتاد المألوف لرفع الدعاوى بصفة عامة، ولكن المشرع أنشأ إلى جانب ذلك – وعلى سبيل التيسير – طريقاً آخر ترفع به الاشكالات بإجراء مبسط على خلاف القواعد العامة فى رفع الدعاوى.
ويتأدى لنا من ذلك أنه توجد لرفع الاشكالات طريقتان:
الطريقة الأولى: وهى الطريقة العادية لرفع الدعاوى وتتلخص فى إعداد صحيفة دعوى تقدم إلى القضاء بالإجراءات المعتادة – أى بإيداعها فى قلم كتاب محكمة التنفيذ – ثم تعلن للخصوم مع تحديد جلسة يكلفون بالحضور إليها، وقد جرت العادة على إعلان قلم المحضرين بالاشكال لكى يوقف التنفيذ.
الطريقة الثانية: وهى طريقة خاصة بالاشكالات وتعتبر استثناء من القواعد العامة فى رفع الدعاوى – وبموجبها يتم الالتجاء إلى القضاء بإبداء الاشكال شفوياً أمام المحضر عند إقدامه على التنفيذ. وفى هذه الحالة يدفع رسم الاشكال للمحضر الذى يتعين عليه إثبات ذلك فى محضر التنفيذ وتحديد جلسة لنظر الاشكال أمام قاضى التنفيذ مع تكليف الخصوم بالحضور إليها.
ولا يمكن تقديم الاشكال بهذه الطريقة إلا أثناء التنفيذ قبل قفل المحضر ويعتبر الاشكال مرفوعا من وقت إبدائه فإذا قصر المحضر فى رفعه للقاضى جاز تحريك الاشكال بتحديد جلسة بمعرفة قلم الكتاب أو بأمر القاضى وإعلان الخصم بها ولا يعتبر ذلك اشكالا جديداً.
وهذه الطريقة تسعف الخصم الذى لم يتمكن من رفع الاشكال مسبقاً قبل البدء فى التنفيذ بصحيفة يودعها قلم الكتاب ويعلنها للخصم – ولذلك تدارك المشرع أمره ومد إليه يد الإنقاذ فأجاز له رفع الاشكال عند التنفيذ بهذه الطريقة الفورية: أى بإبداء الاشكال أمام المحضر.
وقد نص المشرع على انه لا يجوز للمحضر فى هذه الحالة – أى فى حالة إبداء الاشكال أمامه – أن يتم التنفيذ قبل أن يصدر القاضى حكمه فى الاشكال – فدل بذلك على أن مجرد رقع الاشكال يؤدى إلى وقف التنفيذ – غير أنه أردف بأنه يجوز للمحضر أن يوقف التنفيذ أو أن يمضى فيه على سبيل الاحتياط (تراجع المادة 312 مرافعات) وقد أثارت هذه العبارة جدلاً حول مضمونها، ومدى سلطة المحضر فيها – وهو جدل ينبغى أن نقف قليلاً عنده لبيان حقيقة الأمر فيه:
وتأويل ذلك – أنه يجب أن نفرق هنا بين حالتين:
الحالة الأولى: إذا كان التنفيذ مما يتم على مرحلة واحدة كالطرد أو الإزالة أو التسليم، ففى هذه الحالة لا يكون أمام المحضر إلا التوقف عن التنفيذ.
الحالة الثانية: إذا كان التنفيذ يتم على مرحلتين أو أكثر فعندئذ يجوز للمحضر أن يمضى إلى نهاية المرحلة الأولى كما فى حالة الحجز على المنقول مثلاً إذ يجوز أن يتم الحجز، بمعنى أنه إذا كان قد حجز على بعض المنقولات ثم قدم له الاشكال أثناء الحجز فإنه يستطيع أن يمضى فى حجز باقي المنقولات – إلا أنه لا يجوز له أن يمضى بعد ذلك فى إجراءات البيع إلا بعد الحكم فى الاشكال.
ونعتبر الإجراءات التى قام بها المحضر بعد تقديم الاشكال إليه أنها اتخذت على سبيل الاحتياط – بمعنى أنه إذا حكم بقبول الاشكال فإن هذه الإجراءات تسقط بأثر رجعى وتعتبر كأنها لم تتخذ أصلا – أما إذا حكم برفض الاشكال فإنها تستقر وتعتبر إجراءات تنفيذية قائمة ومنتجة لآثارها، ويجوز للدائن فى هذه الحالة أن يستمر فى التنفيذ على هذا الأساس فيستكمل أو يتمم باقى إجراءاته ولا يبدأ من جديد.
أثر الاشكال على التنفيذ
ويترتب على رفع الاشكال وقف التنفيذ – يستوى فى ذلك أن يكون الاشكال مرفوعاً بصحيفة أو قدم أمام المحضر. وقد استقر الرأى على إسناد هذا الأثر للاشكال بمجرد رفعه، ولم يعد هناك خلاف فقهى أو قضائى فى هذا الشأن.
ولكن يجب التفرقة فى ذلك بين الاشكال الأول والاشكال الثانى. فان الاشكال الأول يوقف التنفيذ بمجرد رفعه، أما الاشكال الثانى فلا يوقف التنفيذ إلا إذا حكم قاضى التنفيذ بالوقف.
ولكن متى يعتبر الاشكال اشكالا ثانياً؟
كان القانون القديم يعتبر الاشكال اشكالا ثانياً إذا رفع بعد الحكم فى الاشكال الأول، وبشرط أن يكون الحكم فى الاشكال الأول صادراً بالرفض.
أما قانون المرافعات الجديد فهو يعتبر الاشكال اشكالا ثانياً إذا قدم بعد رفع الاشكال الأول، ولا يشترط لذلك أن يكون قد حكم فى ذلك الاشكال الأولى. ويستوى فى ذلك أن يكون الاشكال الثانى مرفوعا من نفس المستشكل الأول أو من شخص آخر سواه.
أما إذا رفع أكثر من اشكال فى وقت واحد، فان كلا منهما يعتبر اشكالا أول.
إلا أن المشرع قد استدرك هنا: فقرر أنه لا يعتبر اشكالا ثانيا الاشكال الذى يقيمه الطرف الملتزم فى السند التنفيذى إذا لم يكن قد اختصم فى الاشكال السابق – وذلك لتجنب العبث والتحايل إذ قد يوعز الدائن إلى أحد أتباعه برفع اشكال ما – حتى إذا جاء المدين عند التنفيذ عليه ليرفع اشكاله يفاجأ بأنه اشكال ثان لا يوقف التنفيذ – فقرر المشرع أن المدين إذا لم يختصم فى الاشكال السابق فإنه لا يعتبر حجة عليه – ويكون من حقه أن يرفع اشكاله، ويعتبر اشكاله فى هذه الحالة اشكالا أول وبالتالى موقفا للتنفيذ.
وغنى عن البيان أن الاشكال المرفوع عن حجز آخر يعتبر اشكالا أول لأن لكل حجز اشكالاته الخاصة، ولو كان الحكم المنفذ به واحداً.
نظر الاشكال والطعن فيه
كان قانون المرافعات الملغى يجيز للمحكمة أن تفصل فى الاشكال سواء حضر الخصوم أو لم يحضروا. وهذا الحكم مطبق فى القانون الحالى (الجديد) بالنسبة لسائر الدعاوى وليس قاصرا على الاشكالات. فالمادة (82) تجيز للمحكمة الفصل فى الدعوى (رغم غياب المدعى والمدعى عليه) إذا كانت صالحة للفصل فيها. وعلى ذلك يجوز لقاضى التنفيذ أن يحكم فى الاشكال إذا كان صالحا للفصل فيه رغم غياب الخصمين معا.
إلا أنه إذا تغيب الخصوم ورأى القاضى أن الاشكال غير صالح للفصل فيه فإنه يحكم بشطب الاشكال.
ويترتب على الشطب زوال الأثر الواقف المترتب على رفع الاشكال (مادة 314).
والقاضى المختص بنظر الاشكال هو قاضى التنفيذ الذى يجرى التنفيذ فى دائرة محكمته.
والحكم الذى يصدر من قاضى التنفيذ فى اشكال وقتى بصفته قاضيا للأمور المستعجلة يقبلا الطعن فيه بالاستئناف أمام المحكمة الابتدائية بصرف النظر عن قيمة النزاع (المادة 277 مرافعات) وذلك فيما عدا الحكم الصادر بصفة مستعجلة من قاضى التنفيذ فى طلب قصر الحجز على بعض الأموال المحجوزة – فإنه لا يقبل الطعن فيه بأى طريق (مادة 403 مرافعات).
وميعاد استئناف الأحكام الصادرة فى الاشكالات هو خمسة عشر يوماً.