الجمعة، 19 أغسطس 2011

عدم جواز تأجير المحل التجاري بالجدك من الباطن أو التنازل عنه للغير إلا بموافقة المالك المؤجر للعين.


عدم جواز تأجير المحل التجاري "الجدك" من الباطن أو التنازل عنه للغير إلا بموافقة المالك المؤجر للعين:
"الجدك" كلمة فارسية تعني الأرفف، وتطلق عرفاً على "المحل التجاري"، وقد استخدم القانون المدني القديم (الملغي، في المادة 367) هذه اللفظة لدلالة على المحل التجاري (المتجر أو المصنع).
والمحل التجاري – كما عرفته محكمة النقض:
"يعتبر منقولاً معنوياً منفصلاً عن الأموال المستخدمة في التجارة، ويشمل المحل التجاري مجموعة العناصر المادية والمعنوية المخصصة لمزاولة المهنة التجارية (من اتصال بالعملاء "الحق في التزبن"، وسمعة تجارية، واسم وعنوان تجاري، وحق في الإجارة "عقد إيجار العين الكائن فيها المحل التجاري"، وحقوق الملكية الأدبية والفنية مستقلة عن المفردات المكونة لها)؛ فهو فالمحل التجاري فكرة معنوية كالذمة المالية تضم أموالاً عدة ولكنها هي ذاتها ليست هذه الأموال، وترتيباً على ذلك لا يكون التصرف في مفردات المحل التجاري تصرفاً في "المحل التجاري" ذاته، ولا يعتبر العقار بطبيعته "أي البناء الذي يستغل فيه المتجر" عنصراً فيه، ولو كان مملوكاً للمالك المحل التجاري نفسه، وهو بهذا الوصف يصح أن يكون محلا لملكية مستقلة عن العقار القائم به".
(نقض مدني في الطعن رقم 495 لسنة 46 قضائية – جلسة 19/11/1975 مجموعة المكتب الفني – السنة 26 – صـ 1422).

جواز بيع المحل التجاري بالجدك، دون موافقة المالك المؤجر للعين:
        تنص المادة 594 من القانون المدني الحالي على أن: "
1- منع المستأجر من أن يؤجر من الباطن يقتضى منعه من التنازل عن الإيجار وكذلك العكس.
2- ومع ذلك إذا كان الأمر خاصاً بإيجار عقار أنشئ  به مصنع أو متجر واقتضت الضرورة أن يبيع المستأجر هذا المصنع أو المتجر جاز المحكمة بالرغم من وجود الشرط المانع أن تقضى بإبقاء الإيجار إذا قدم المشترى ضماناً كافياً ولم يلحق المؤجر من ذلك ضرر محقق".
* ومن ثم، فشروط صحة بيع المحل التجاري (المتجر أو المصنع) بالجدك، سبعة شروط هي:
[ 1 ] وقوع البيع على متجر أو مصنع (المادة 594/2 مدني).
[ 2 ] توافر حالة الضرورة الملجئة للتصرف (المادة 594/2 مدني).
[ 3 ] تقديم التأمينات الكافية لحماية حقوق مالك العقار (المادة 594/2 مدني).
[ 4 ] انتفاء الضرر في حق المؤجر (المادة 594/2 مدني).
[ 5 ] ضرورة أخطار المالك بثمن المبيع (المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981).
[ 6 ] مزاولة نفس النشاط السابق (وعدم تغيير النشاط، شرط تطلبته محكمة النقض).
[ 7 ] ملكية المستأجر للجدك (وهذا شرط قضائي اشترطته محكمة النقض كذلك، وهو يتكون من شقين.. الأول: أن يكون المتصرف مستأجراً للعين وليس مالكاً لها؛ والثاني: أن يكون مستأجر العين مالكاً للجدك).
        ففي حالة توافر جميع شروط البيع بالجدك، معاً – بحيث لا يصح تخلف شرط واحد منها – فإن البيع بالجدك ينفذ في حق مالك العين المؤجرة التي بها المحل التجاري، ويلتزم بتحرير عقد إيجار جديد لمشتري الجدك، بذات شروط عقد إيجار المستأجر الأصلي مالك الجدك.
        أما في حالة تخلف ولو شرط واحد من شروط صحة بيع الجدك، فلا يصح البيع، ويعتبر التصرف تنازلاً عن العين المؤجرة يبيح لمالك العين المؤجرة طلب إخلاء المستأجر الأصلي منها، طبقاً لنص المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981.

عدم جواز تأجير المحل التجاري بالجدك من الباطن أو التنازل عنه للغير، بدون موافقة المالك المؤجر للعين:
        ما سبق ينطبق على حالة "بيع" المحل التجاري بالجدك (وفقاً لنص المادة 594 من القانون المدني)، أما "تأجير" المحل التجاري بالجدك، فيسري عليه القواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني وقوانين إيجار الأماكن الاستثنائية، بحيث لا يصح تأجير المحل التجاري بالجدك من الباطن أو التنازل عنه للغير بدون موافقة المالك المؤجر للعين.
        والمقصود بالمالك المؤجر للعين، هو مالك العين الذي أجرها للمستأجر الأصلي خالية، كمبنى أو مكان خالي فقط، فأقام المستأجر الأصلي في ذلك المبنى أو المكان محلاً تجارياً له اسم تجاري وسمعة تجارية وحق الاتصال بالعملاء ...الخ. فهذا العقد (عقد الإيجار بين مالك العين المؤجر وبين المستأجر الأصلي) هو عقد إيجار أماكن يخضع لقوانين إيجار الأماكن الاستثنائية وأخرها القانونين رقمي 49 لسنة 1977 و 136 لسنة 1981.
        أما عقد الإيجار بالجدك، الذي ينصب على تأجير المحل التجاري (الذي توافرت له جميع مقومات المحل التجاري) والذي يبرمه المستأجر الأصلي للمكان (بصفته مالكاً للجدك الذي إنشائه في ذلك المكان) إلى مستأجر الجدك، فهذا العقد – عند توافر تلك المقومات – لا يخضع لقوانين إيجار الأماكن الاستثنائية وتسري عليه أحكام القانون المدني (الشريعة العامة)(1) وأحكام القانون التجاري، وأي قوانين خاصة تنظم تأجير المحل التجاري (كالقانون رقم 11 لسنة 1940)، مع مراعاة القواعد الخاصة بنفاذ القوانين (مثل إن القانون العام يقيد الخاص، والقانون اللاحق يجب السابق).  
        وما يهمنا في هذا المقام، هو عقد الإيجار الأصلي المبرم بين مالك العين خالية كمؤجر، وبين المستأجر الأصلي (الذي استأجر تلك العين لينشئ فيها محله التجاري)، فهذا العقد تنطبق عليه أحكام قوانين إيجار الأماكن (وهي قوانين استثنائية متعلقة بالنظام العام)، وتلك الأحكام تقضي بعدم جواز قيام المستأجر بتأجير العين "بالجدك" من الباطن أو التنازل عنها للغير إلا بموافقة مالك العين (سواء أجرها خالية أو مفروشة أو بالجدك، كلها أو بعضها – وهذه الحالة الأخير تختلف عن قيام المستأجر الأصلي "مالك الجدك" بإدخال شريك معه في تجارته، فهنا يظل عقد الإيجار سارياً ونافذاً بين طرفيه فقط من دون الشريك المدخل).
        حيث تنص المادة 18 (فقرة "ج") من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المُؤجر والمُستأجر على أنه:
"لا يجوز للمُؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المُدة المُتفق عليها في العقد إلا لأحد الأسباب الآتية:
        أ- ...
          ب- ...
          ج- إذا ثبت أن المُستأجر قد تنازل عن المكان المُؤجر، أو أجره من الباطن بغير إذن كتابي صريح من المالك للمُستأجر الأصلي، أو تركه للغير بقصد الاستغناء عنه نهائياً، وذلك دون إخلال بالحالات التي يُجيز فيها القانون للمُستأجر تأجير المكان مفروشاً أو التنازل عنه أو تأجيره من الباطن أو تركه لذوي القربى وفقاً لأحكام المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977".   
        ومن المقرر في قضاء محكمة النقض:
        "إن تأجير المحل التجاري يختلف عن بيعه الذي تجيزه المادة 594/2 من القانون المدني في حالة حصوله وفقاً للشروط المبينة بها والذي يترتب عليه إبقاء الإيجار لصالح مشتري الجدك، ذلك أن حكم هذا النص – وفقاً للمقرر في قضاء هذه المحكمة – إنما هو استثناء من الأصل العام، وأن مجال إعماله مقصور على الحالة التي تقوم فيها لدى المستأجر ضرورة تفرض عليه بيع المتجر الذي أنشأه في العقار المؤجر إليه مع قيام الشرط المانع من التأجير من الباطن أو التنازل عن الإيجار، وذلك بهدف تسهيل البيع الاضطراري للمحل، الأمر المنتفي في حالة احتفاظ المستأجر بالمحل واستغلاله عن طريق التأجير إلى الغير. وإن كان هذا الاستثناء لا يجوز التوسع فيه، فإنه لا يكون هناك وجه لإعمال حكم المادة 594/2 سالفة الذكر على حالة تأجير المحل التجاري من الباطن".
(نقض مدني في الطعن رقم 1518 لسنة 52 قضائية – جلسة 20/1/1983 مجموعة المكتب الفني – السنة 34 – صـ 262.
وفي الطعن رقم 1042 لسنة 51 قضائية – جلسة 15/11/1987
وفي الطعن رقم 2043 لسنة 52 قضائية – جلسة 23/4/1989 مجموعة المكتب الفني – السنة 40 – صـ 152 – فقرة 5.
وفي الطعن رقم 2044 لسنة 55 قضائية – جلسة 8/4/1990
مشار إليها في: "إيجار وبيع المحل التجاري والتنازل عن المحال التجارية والصناعية والمهنية" – للمستشار/ السيد خلف محمد – الطبعة الثالثة 1996 القاهرة – صـ 307 وما بعدها).
        ومن المقرر في قضاء النقض أنه:
        "من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن التشريع الاستثنائي بعد أن سلب المؤجر حقه في طلب إخلاء المكان المؤجر بعد انتهاء مدة الإيجار الاتفاقية مقرراً مبدأ امتداد عقود الإيجار تلقائياً أجاز له طلب الإخلاء لأسباب حددها من بينها تأجير المستأجر للمكان من باطنه أو تنازله عنه أو تركه للغير بأي وجه من الوجوه بغير إذن كتابي صريح من المالك مما يضحى معه الأصل في ظل هذا القانون الآمر هو إنفراد المستأجر ومن يتبعه بحكم العقد بالحق في الانتفاع بالمكان المؤجر وعدم جواز تخليه عنه للغير كلياً كان أو جزئياً مستمراً أو مؤقتاً بمقابل أو بدونه واعتبار هذا التخلي بجميع صوره خروجاً من المستأجر على نص عقد الإيجار مكملاً بحكم القانون يجيز للمؤجر طلب إخلاء المكان ومن ثم فإن التأجير من الباطن غير جائز ويبرر الإخلاء ولا محل للقياس على المادة 594/2 من القانون المدني الخاصة ببيع المحل التجاري لأنها وردت على سبيل الاستثناء من الأصل العام للحظر. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر ، وكان لا محل لما يقول به الطاعن من أن "تحديد الغرض من استعمال العين عند تأجيرها بإقامة مشروع عليها يجيز لمستأجرها التنازل عن الحق في إيجارها كعنصر من عناصر المشروع التجاري الذي أقامه فيها" طالما إن المالك لم تصدر منه موافقة كتابية صريحة على التنازل، فإن النعي برمته يكون على غير أساس".
(نقض مدني في الطعن رقم 87 لسنة 52 قضائية – جلسة 19/1/1989).
كما تواتر قضاء محكمة النقض على إنه:
        "ولئن كان المبنى المنشأ به المتجر لا يعدو أن يكون عنصراً من عناصره المادية، وكان تأجيره بما أشتمل عليه من مقومات مادية ومعنوية دون أن يكون الغرض الأساسي من الإجارة المبنى ذاته، لا يخضع – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – لأحكام قوانين إيجار الأماكن وإنما للقواعد العامة المقررة في القانون المدني، إلا إنه حين يكون المتجر منشأ في عقار ويكون مالك المتجر مستأجراً لهذا العقار فإن تأجير العقار ضمن عقد تأجير المتجر يعتبر في العلاقة بين مالك العقار ومستأجره الأصلي تأجيراً من الباطن يخضع لقوانين إيجار الأماكن، دون القواعد العامة في القانون المدني، وكان تأجير المحل التجاري يختلف عن بيعه الذي تجيزه المادة 594/2 من القانون المدني في حالة حصوله وفقاً للشروط المبينة بها ويترتب عليه إبقاء الإيجار لصالح مشتري المتجر. ذلك أن حكم هذا النص وفقاً للمقرر في قضاء هذه المحكمة إنما هو استثناء من الأصل العام وأن مجال إعماله مقصور على الحالة التي تقوم فيها لدى المستأجر ضرورة تفرض عليه بيع المتجر الذي أنشأه في العقار المؤجر إليه مع قيام الشرط المانع من التأجير من الباطن أو التنازل عن الإيجار وذلك بهدف تسهيل البيع الاضطراري للمحل الأمر المنتفي في حالة احتفاظ المستأجر بالمحل واستغلاله له عن بطريقة تأجيره للغير. وإذ كان الاستثناء لا يجوز التوسع فيه فإنه لا يكون هناك وجه لإعمال حكم المادة 594/2 سالفة الذكر على حالة تأجير المحل من الباطن وإذ كان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن الطاعنة الأولى قد أجرت الدكان من باطنها بدون إذن من المالك، وكان لا يغير من ذلك إن الإجارة شملت عناصر أخرى بخلاف المبنى ذاته، فإن النعي عليه بهذا السبب يكون على غير أساس".
(نقض مدني في الطعن رقم 62 لسنة 54 قضائية – جلسة 15/4/1990.
مشار إلى الحكمين الأخيرين في: "إيجار وبيع المحل التجاري والتنازل عن المحال التجارية والصناعية والمهنية" – للمستشار/ السيد خلف محمد – الطبعة الثالثة 1996 القاهرة – صـ 490 وما بعدها).

قيام الحظر ولو خلا العقد من النص عليه:
        ومن المُقرر في قضاء النقض أن:
"حظر التأجير من الباطن بغير إذن كتابي صريح من المالك حكم تشريعي قائم منذ صدور القانون رقم 121 لسنة 1947 بالنص عليه في المادة 4 فقرة "ب"، بمُقتضاه أصبح الأصل هو تحريم التأجير من الباطن، وكان الأثر الفوري لقوانين إيجار الأماكن يوجب سريان هذا التحريم على كل تأجير من الباطن يحدث بعد صدور القانون 121 لسنة 1947 ولو خلا عقد الإيجار من شرط بالحظر".
(نقض مدني جلسة 2/5/1979 مجموعة المكتب الفني – السنة 30 – صـ 253. ونقض مدني في الطعن رقم 4310 لسنة 61 قضائية – جلسة 29/5/1995.
مشار إليه في: "مجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في تطبيق قوانين الإيجار خلال خمسة وستين عاماً" – للمُستشار/ محمد خيري أبو الليل – الجزء الأول – طبعة 1997 القاهرة – القاعدة رقم 556 – صـ 843).

الالتزام بالحظر غير قابل للتجزئة مما يرتب حق المُؤجر في الإخلاء ولو كانت المُخالفة قد وقعت من أحد المُستأجرين لعين واحدة دون الآخرين:
        ومن المُقرر في قضاء النقض أن:
"النص في المادتين 301/1 و 302/1 من القانون المدني يدل وعلى ما جاء بمُذكرة المشروع التمهيدي أن الالتزام الذي لا يقبل التجزئة بطبيعته كما هو الشأن في تسليم شيء مُعين بذاته أو الالتزام بالامتناع عن عمل أو نقل حق غير قابل للانقسام يُعتبر كُلاً لا يحتمل التبعيض إذ الأصل أن يُعتبر غير قابل للانقسام، فيتحتم قضاءه إلى الدائن ويُؤديه المدين كاملاً غير مُجزأ، فهذا الالتزام يتميز بأن تنفيذه يتم بأداء كل موضوعه من غير أن يعتري هذا الموضوع تجزئة أو انقسام، لما كان ذلك، وكان عقد الإيجار سند الدعوى قد حظر على المُستأجرين للعين محل النزاع التنازل عن الإيجار، وكان هذا مُقرراً بقوانين إيجار الأماكن، إلا إذا أذن به المالك كتابة، فإن الحظر الوارد في العقد والقانون هو التزام بالامتناع عن عمل، وأي عمل يأتيه أحد المُستأجرين مُخالفاً لهذا الحظر يُعتبر خرقاً للالتزام إذ أنه بطبيعته لا يقبل التجزئة، ويترتب على مُخالفته فسخ عقد الإيجار ورد العين المُؤجرة، لما كان ذلك، فلا يُجدي الطاعن التمسك بقاعدة الأثر النسبي للعقود، باعتبار أن البيع بالجدك قد صدر من المُستأجر الآخر أو أن استئجاره للعين محل النزاع مع المُستأجر الآخر كان بدون تضمان، وعليه يحق للمُؤجر مُطالبتهما معاً بالآثار المُترتبة على تنازل أحدهما عن الإيجار بغير إذنه وهي فسخ عقد الإيجار والإخلاء، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أعمل صحيح القانون".
(نقض مدني في الطعنين رقمي 913 و 1114 لسنة 52 قضائية – جلسة 5/5/1988.
وفي الطعن رقم 2116 لسنة 54 قضائية – جلسة 21/11/1991.
وفي الطعن رقم 1213 لسنة 58 قضائية – جلسة 10/1/1993.
مشار إليهم في: "مجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في تطبيق قوانين الإيجار خلال خمسة وستين عاماً" – للمُستشار/ محمد خيري أبو الليل – الجزء الأول – طبعة 1997 القاهرة – القاعدة رقم 557 و 558 – صـ 843 و 844).

نشوء حق المؤجر في الإخلاء بمُجرد وقوع المُخالفة ولو أزيلت بعد ذلك، ولا تملك المحكمة سلطة تقديرية في إيقاع الفسخ:
        ومن المُقرر في قضاء النقض أن:
"التشريع الاستثنائي، بعد أن سلب المُؤجر حقه في طلب إخلاء المكان المُؤجر بعد انتهاء مُدة الإيجار الاتفاقية مُقرراً مبدأ امتداد عقود الإيجار تلقائياً، أجاز له طلب الإخلاء لأسباب حددها من بينها تأجير المُستأجر للمكان من باطنه أو تنازله عنه أو تركه للغير بأي وجه من الوجوه دون إذن كتابي صريح من المالك، مما يضحى معه الأصل في ظل هذا القانون الآمر هو انفراد المُستأجر ومن يتبعه بحكم العقد بالحق في الانتفاع بالمكان المُؤجر وعدم جواز تخليه عنه للغير كلياً كان ذلك أو جزئياً، مُستمراً أو مُؤقتاً، بمُقابل أو بدونه، واعتبار هذا التخلي بجميع صوره خروجاً من المُستأجر على نص عقد الإيجار مُكملاً بحكم القانون يُجيز للمُؤجر طلب إخلاء المكان. وينشأ حق المُؤجر في الإخلاء بمُجرد وقوع المُخالفة ولا ينقضي بإزالتها فيبقى له هذا الحق ولو أسترد المُستأجر الأصلي العين المُؤجرة بعد ذلك، ومتى ثبت قيام المُستأجر بتأجير العين المُؤجرة له من الباطن – دون إذن كتابي صريح من المالك – تعين على المحكمة أن تقضي بفسخ الإيجار وإخلاء المكان دون أن يكون لها سلطة تقديرية في ذلك لأن حق المُؤجر في الإخلاء ينشأ بمُجرد وقوع المُخالفة، فالحكم بالفسخ هنا مُقرر تقع نتيجته بمُجرد قيام سببه، وذلك سواء نص عليه في عقد الإيجار أو لم ينص وسواء طلب المُؤجر إعمال نص القانون أو العقد إذ يستند الإخلاء في هذه الحالة إلى إرادة المُشرع وليس إلى اتفاق الطرفين وذلك لتعلق التشريع بالنظام العام".
(نقض مدني في الطعن رقم 272 لسنة 48 قضائية – جلسة 28/11/1984 مجموعة المكتب الفني – السنة 35 – صـ 1943.
ونقض جلسة 11/1/1978 مجموعة المكتب الفني – السنة 29 – صـ 159.
مشار إليهم في: "مجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في تطبيق قوانين الإيجار خلال خمسة وستين عاماً" – للمُستشار/ محمد خيري أبو الليل – الجزء الأول – طبعة 1997 القاهرة – القاعدة رقم 563 – صـ 846 و 847).

حق المستأجر في إدخال شريك معه في استغلال المحل التجاري:
        ومن المقرر أن للمستأجر أن يدخل معه شريكاً في النشاط التجاري أو الصناعي الذي يباشره في العين المؤجرة، أو أن يعهد إلى غيره بإدارة المحل المؤجر دون أن ينطوي هذا بذاته على معنى تخلي المستأجر لتلك العين عن حقه في الانتفاع بها إلى شريكه في المشروع بأي طريق من طرق التخلي لانتفاء مقتضى ذلك قانوناً، بل يظل عقد إيجار العين على حاله قائماً لصالح المستأجر وحده، ما لم يثبت بدليل آخر تخليه عن حقوقه المتولدة عن ذلك العقد إلى الغير.
        هذا، ومن المقرر في قضاء النقض أنه:
"لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الشركة عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع مالي بتقديم حصة من مال أو من عمل لاقتسام ما قد ينشأ من هذا المشروع من ربح أو من خسارة، مما مؤداه أن محل هذا العقد هو تكوين رأس مال مشترك فيه مجموع حصص الشركاء وذلك بقصد استغلاله للحصول على ربح يوزع بينهم، وكان لا رابطة بين هذا المؤدى وبين ما قد يكون من مباشرة الشركاء وبعد قيام الشركة لنشاطهم المشترك في عين يستأجرها أحدهم، لانتفاء التلازم بين قيام الشركة وبين وجود مثل تلك العين. لما كان ذلك، فإن قيام مستأجر العين بإشراك آخر معه في النشاط المالي الذي يباشره فيها، عن طريق تكوين شركة بينهما، لا يعدو أن يكون متابعة من جانب المستأجر للانتفاع بالعين فيما أجرت من أجله بعد أن ضم إلى رأس ماله المستثمر فيها حصة لآخر على سبيل المشاركة في استغلال هذا المال المشترك، دون أن ينطوي هذا بذاته على معنى تخلي المستأجر لتلك العين عن حقه في الانتفاع بها سواء كلها أو بعضها إلى شريكه في المشروع المالي بأي طريق من طرق التخلي – إيجاراً كان من الباطن أو تنازلاً عن عقد الإيجار – لانتفاء مقتضى ذلك قانوناً، بل يظل عقد إيجار العين على حاله قائماً لصالح المستأجر وحده، ما لم يثبت بدليل آخر تخليه عن حقوقه المتولدة عن ذلك العقد إلى الغير".
(نقض مدني في الطعن رقم 153 لسنة 55 قضائية – جلسة 25/3/1990.
وفي الطعن رقم 3172 لسنة 59 قضائية – جلسة 28/3/1990.
وفي الطعن رقم 203 لسنة 47 قضائية – جلسة 23/5/1984).
    مع مراعاة إن يتعين لإعمال هذا الحق، حق الشريك في إدخال شريك معه في مباشرة النشاط الذي يباشره في العين المؤجرة، ما يلي:
1- ألا يكون عقد الشركة "صورياً" يخفي ورائه تنازل أو تأجير العين من الباطن، والمالك المؤجر يعد من الغير بالنسبة لذلك العقد، فيجوز له إثبات الصورية بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة وقرائن الأحوال.
2- ألا يتخارج المستأجر الأصلي من تلك العين (بعد الحكم بعدم دستورية امتداد عقد الإيجار إلى الشريك)(2).
3- ألا يدخل المستأجر الأصلي بحصة عينية في تلك الشركة (حيث تكون العين المؤجرة هي حصته ونصيبه في تلك الشركة).
4- ألا ينص في عقد الشركة أنه عند انتهاء الشركة أو تصفيتها لأي سبب تؤول العين المؤجرة إلى الشريك الآخر (وليس إلى المستأجر الأصلي).
فمن المقرر في قضاء محكمة النقض أن:
"الشركة – وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض – عقد يلتزم بمُقتضاه شخصان أو أكثر بأن يُساهم كل منهم في مشروع مالي أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خُسارة، مما مؤداه أن محل هذا العقد هو تكوين رأس مال يشترك فيه مجموع حصص الشركاء وذلك بقصد استغلاله للحصول على ربح يوزع بينهم، وإنه ولئن كان لا رابطة بين قيام الشركة وبين ما قد يكون من مُباشرة الشركاء بعد قيام الشركة لنشاطهم المُشترك في عين يستأجرها أحدهم لانتفاء التلازم بين نشأة الشركة وبين وجود مثل تلك العين أو تحقق ذلك النشاط فيها إلا أن حق الإجارة يدخل ضمن مقومات الشركة إذا ما قدمه الشريك المُستأجر كحصة له فيها، وتخلى عن حقوقه المتولدة عن عقد الإيجار فتُصبح الشركة مُتنازلاً لها عن الإيجار من جانب المُستأجر..
والمُقرر أن للشركة وجود مُستقل عن الشركاء فتخرج حصة الشريك في الشركة عن ملكه وتصبح مملوكة للشركة، ولا يكون له بعد ذلك إلا مُجرد حصة في نسبة مُعينة من الأرباح أو نصيب في رأس مال الشركة عند التصفية، لما كان ذلك وكان الثابت من عقد الشركة المُقدم ضمن مُستندات الطاعن أنه نص في تمهيد العقد الذي يُعتبر طبقاً للبند الأول جزءاً منه، على أن مورث المطعون ضدهم من الثانية حتى الأخيرة يمتلك مكتباً للتجارة بالشقة محل النزاع وعقد الإيجار الصادر من الشركة المطعون ضدها الأولى ونص في البند الثاني منه على أن رأس مال الشركة مُناصفة بين الشريكين ويدخل ضمن رأس مال المُورث قيمة المكتب سالف الذكر، وإذ كان مفاد هذه النصوص أن مورث المطعون ضدهم من الثانية حتى الأخيرة قد تنازل عن إجارة الشقة محل النزاع إلى الشركة وأنه قدمها ضمن حصته فيها وأصبحت ضمن مقوماتها وأن ذلك يسري في حق ورثته".
(نقض مدني في الطعن رقم 1194 لسنة 53 قضائية، جلسة 3/3/1993.
مُشار إليه في: "مجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في تطبيق قوانين الإيجار خلال خمسة وستين عاماً" – للمُستشار/ محمد خيري أبو الليل – الجزء الأول – طبعة 1997 القاهرة – القاعدة رقم 1118 – صـ 1231).
        كما تواتر قضاء محكمة النقض على أن:
"مؤدى نص المادة 52 من القانون المدني على أن تعتبر "الشركة" شخصاً اعتبارياً، أنها تكتسب هذه الشخصية بمجرد تكوينها مستقلة عن أشخاص الشركاء فيها، مما مقتضاه أن تكون لها ذمة مالية مستقلة عن ذممهم، وتعتبر أموالها ضماناً عاماً لدائنيها وحدهم، كما تخرج حصة الشريك في الشركة عن ملكه لتصبح مملوكة للشركة ولا يكون للشريك بعد ذلك إلا مجرد حق في نسبة معينة من الأرباح أو نصيب في رأس المال عند تصفية الشركة".
(نقض مدني في الطعن رقم 1706 لسنة 52 قضائية – جلسة 15/5/1986).
هذا، والله أعلى وأعلم،،،


(1) فالأماكن والمباني المقامة عليها منشآت تجارية أو صناعية، متى توافرت لها مقوماتها المعنوية التي تتمثل في: عنصر الاتصال بالعملاء والسمعة التجارية والموقع التجاري، وطالما ثبت أن المكان أو المبنى المقام عليه المنشأة التجارية أو الصناعية لم يكن هو الغرض الأساسي من الإجارة وإنما ما أشتمل عليه من عناصر مادية تتمثل في الآلات والمعدات التي أعدت للاستغلال التجاري أو الصناعي وعناصر معنوية من سمعة تجارية واتصال بالعملاء، أي طالما كان ذلك المكان المقام عليه المنشأة ليس إلا عنصراً ثانوياً، فإن عقد الإيجار يخرج  عن نطاق تطبيق قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية ويخضع لأحكام القواعد العامة في القانون المدني. (قرب ذلك: نقض مدني في الطعن رقم 226 لسنة 37 قضائية – جلسة 6/4/1972 مجموعة المكتب الفني – السنة 23 – صـ 657. والمرجع: "إيجار وبيع المحل التجاري" – للمستشار/ السيد خلف محمد – الطبعة الثالثة 1996 القاهرة – صـ 289 وما بعدها).
(2) حيث قضت المحكمة الدستورية العليا "بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وذلك فيما نصت عليه من استمرار شركاء المستأجر الأصلي للعين التي كان يزاول فيها نشاطاً تجارياً أو صناعياً أو مهنياً أو حرفياً، في مباشرة ذات النشاط بها بعد تخلى هذا المستأجر عنها"، بالحكم في الطعن رقم 4 لسنة 15 قضائية "دستورية" - بجلسة 6/7/1996، والمنشور بالجريدة الرسمية بالعدد 28 في 18/7/1996.

الرياضة في الإسلام - للشيخ/ عطية صقر


الرياضة البدنية فى نظر الإسلام.
لفضيلة المفتي/ الشيخ عطية صقر، في مايو 1997

سئل : ما مدى علاقة الدين بالرياضة البدنية، وما تأثير ذلك على الإنتاج، وما هي أنواع الرياضات التي يحلها الإسلام؟

أجاب :
1 - الرياضة مصدر راض، يقال: راض المهر يروضه رياضاً ورياضة فهو مروض أي ذلله وأسلس قياده، ورياضة البدن معالجته بألوان من الحركة لتهيئة أعضائه لأداء وظائفها بسهولة. وقد قال المختصون: إن هذه الرياضة توفر للجسم قوته وتزيل عنه أمراضاً ومخلفات ضارة بطريقة طبيعية هي أحسن الطرق فى هذا المجال.
2 - والناس من قديم الزمان لهم طرق وأساليب فى تقوية أجسامهم بالرياضة، وكل أمة أخذت منها ما يناسب وضعها ويتصل بأهدافها، فالأمة الحربية مثلاً عنيت بحمل الأثقال وبالرمي واللعب بالسلاح، والأمة التي تكثر فها السواحل تعنى بالسباحة، والأمة المسالمة الوادعة تعنى بالتمرينات الحركية للأعضاء بمثل ما يطلق عليه الألعاب السويدية، وهكذا.
واشتهر بين الناس هذه الأيام اسم الألعاب الأوليمبية، وهى لقاءات تتم كل أربع سنوات بين الرياضيين من جميع أنحاء العالم، واسمها منسوب إلى أولمبيا واد فى بلاد اليونان أقيمت فيه أول الألعاب سنة 776 قبل الميلاد، وكانت تقام عندهم بوحي من عقيدة دينية وسياسية، واعتبروها الوسيلة الوحيدة لقوة الجسم فى نظر الشعب وإلى حكم الشعب فى نظر الزعماء.
وكانت للعرب، كغيرهم من الأمم - أنواع من الرياضة أمْلَتها عليهم ظروف معيشتهم التي تعتمد على الرحلات والصيد والغارات والثارات.
3 - والإسلام لا يمنع تقوية الجسم بمثل هذه الرياضات، فهو يريد أن يكون أبناؤه أقوياء فى أجسامهم وفى عقولهم وأخلاقهم وأرواحهم لأنه يمجِّد القوة، فهي وصف كمال لله تعالى ذي القوة المتين، والحديث الشريف يقول "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف" رواه مسلم، والجسم القوى أقدر على أداء التكاليف الدينية والدنيوية، والإسلام لا يشرع ما فيه إضعاف الجسم إضعافا يعجزه عن أداء هذه التكاليف، بل خفف من بعض التشريعات إبقاء على صحة الجسم، فأجاز أداء الصلاة من قعود لمن عجز عن القيام، وأباح الفطر لغير القادرين على الصيام، ووضع الحج والجهاد وغيرهما عن غير المستطيع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص، وقد أرهق نفسه بالعبادة صياما وقياما: "صم وأفطر وقم ونم، فإن لبدنك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا" رواه البخاري ومسلم.
وقد ذكر ابن القيم فى كتابه زاد المعاد عند الكلام على الرياضة، أن الحركة هي عماد الرياضة، وهى تخلص الجسم من رواسب وفضلات الطعام بشكل طبيعي، وتعود البدن الخفة والنشاط وتجعله قابلا للغذاء وتصلب المفاصل وتقوى الأوتار والرباطات وتؤمن جميع الأمراض المادية وأكثر الأمراض المزاجية، إذا استعمل القدر المعتدل منها فى دقة. وقال : كل عضو له رياضة خاصة يقوى بها، وأما ركوب الخيل ورمى النشاب والصراع والمسابقة على الأقدام فرياضة للبدن كله، وهى قالعة لأمراض مزمنة.
4 - مظاهر الرياضة البدنية فى الإسلام كثيرة، والتكاليف الإسلامية نفسها يشتمل كثير منها على رياضات للأعضاء إلى جانب إفادتها رياضة للروح واستقامة للسلوك، فالصلاة بما فيها من طهارة وحركات لمعظم أجزاء الجسم، والحج بمناسكه المتعددة، وزيارة الإخوان وعيادة المرضى والمشي إلى المساجد وأنواع النشاط الاجتماعي كلها تمرين لأعضاء الجسم وتقوية له ما دامت فى الحد المعقول.
وهناك فى غير العبادات والتكاليف الشرعية رياضات تشبه إلى حد كبير كثيرا مما تواضع عليه للناس فى هذا العصر، أقرها الإسلام وشجعها وإليك صورا لها:
1 - العَدْوُ: وهو تدريب على سرعة المشي، يلزم للأسفار من أجل الجهاد ونشر الدعوة والسعي لتحصيل الرزق وغير ذلك، ويذكر التاريخ العداء المشهور "فيديبدس" من قرية ماراثون باليونان وما كان له من أثر فى إخطار البلاد بهجوم الجيش الفارسي عليهم فى سبتمبر سنة 490 قبل الميلاد وفى انتصارهم على العدو، وقد خلد اسمه بعد ذلك بسباق ماراثون.
والعدو داخل ضمناً تحت الأمر بالمسارعة إلى الخير، فهي مسارعة روحية وجسمية، وقد روى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة فسبقته، ثم سابقها بعد ذلك فسبقها، فقال: هذه بتلك، وجاء فى بعض الروايات أن سبقه لها فى المرة الثانية كان لثقل جسمها وسمنتها. وروى الطبراني أنه عليه الصلاة والسلام قال "من مشى بين الغرضين - علامتين لتحديد المسافة - كان له بكل خطوة حسنة".
وقد اشتهر من العرب فى سرعة العدو حذيفة بن بدر، وكان قد أغار على هجائن النعمان بن المنذر بن ماء السماء، وسار فى ليلة مسير ثمان. فقال قيس بن الحطيم: هممنا بالإقامة ثم سرنا كسير حذيفة الخير بن بدر.
وكذلك من العدائين المشهورين ذكوان مولى آل عمر بن الخطاب فقد سار من مكة إلى المدينة فى يوم وليلة "المسافة حوالي 500 كيلو متر" ولما قدم على أبى هريرة خليفة مروان على المدينة وصلى العتمة قال أبو هريرة: حاج غير مقبول منه. فقال: ولم؟ قال: لأنك نفرت قبل الزوال، ظن أنه خرج من مكة قبل أن يرمى الجمرة التي يدخل وقتها بالزوال - فأخرج له كتاب مروان بعد الزوال.  
2 - ركوب الخيل والحيوانات الأخرى والمسابقة عليها، والعرب من قديم الزمان مشهورون بالفروسية، وكان الناشئ منهم لا يصل إلى الثامنة حتى يتحتم عليه أن يتعلم ركوب الخيل، والله سبحانه وتعالى قد نوَّه بها فى قوله تعالى {والعاديات ضبحا. فالموريات قدحا. فالمغيرات صبحا. فأثرن به نقعا. فوسطن به جمعا} العاديات: ا - 5 ، فهي من أهم أدوات الحرب، كما نوه بها فى السلم فقال سبحانه {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} النحل: 8 ، وأوصى رسوله بالعناية بها فقال {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} الأنفال: 60، ورباط الخيل تعهدها بما يحفظ عليها قوتها، ويجعلها دائما على استعداد للغزو وغيره، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي قد أضمرت، فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع والمسافة نحو ستة أميال أو سبعة، وسابق بين الخيل التي لم تضمر، فأرسلها من ثنية الوداع إلى مسجد بنى زريق، والمسافة نحو ميل (تضمير الخيل هو إعطاؤها علفا قليلا بعد سمنها من كثرة العلف، وكانت عادة العرب أن تعلف الفرس حتى يسمن، ثم ترده إلى القوت أي الأكل العادي. كما يقال إن تضمير الخيل يكون بأن تشد عليها سروجها وتجلل بالأجلة حتى تعرق تحتها فيذهب رهلها ويشتد لحمها، ويحمل عليها غلمان خفاف يجرونها ولا يعنفون بها إذا فعل بها ذلك أمن عليها البهر الشديد عند حضرها، أي لا تنهج عند العدو). وابن عمر قد سابق فى هذا السباق، رواه البخاري، وفى مسلم أن رسول الله قال يوم حنين: يا خيل الله اركبي، وقال "اركبوا الخيل فإنها ميراث أبيكم إسماعيل" وقد سابق النبي أيضا على الجمال فسابق على ناقته العصباء وكانت لا تُسبق، فجاء أعرابي على قعود فسبقها، فشق ذلك على المسلمين فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن حقا على الله ألا يرفع من الدنيا شيئا إلا وضعه" رواه البخاري.
وذكر الجاحظ فى البيان والتبيين أن عمر أرسل كتابه إلى الأمصار يقول فيه: علموا أولادكم السباحة والفروسية. وفى رواية ومروهم يثبوا على الخيل وثبا، ورووهم ما سار من المثل وحسن من الشعر.
3 - الرماية، عن عقبة بن عامر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ... ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي" رواه مسلم، وعن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بنفر من أسلم ينتضلون بالسوق، فقال: "أرموا بنى إسماعيل فإن أباكم كان رامياً، أرموا وأنا مع بنى فلان، فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله ما لكم لا ترمون؟ فقلنا كيف نرمى وأنت معهم؟ فقال: أرموا وأنا معكم كلكم" رواه البخاري ومسلم. وعن عقبة أيضا: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانعه يحتسب فى صنعته الخير، والرامي به، ومنبله، وارموا وأركبوا، وأن ترموا أحب إليَّ من أن تركبوا، ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنه نعمة تركها، أو قال: كرها" رواه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه. وفى رواية أن فقيما اليخمى قال لعقبة: تختلف بين هذين الغرضين وأنت كبير يشق عليك؟ فقال عقبة: لولا كلام سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أعانه، والكلام الذى سمعه هو "من علم الرمي ثم تركه فليس منى. أو فقد عصا" رواه مسلم.
4 - اللعب بالسلاح - الشيش: وكان معروفاً عند العرب باسم "النقاف" وهو أصل المبارزة بالسلاح المعروفة فى شكلها الحالي، وكان من صوره رقص الحبشة الذى رآه النبي صلى الله عليه وسلم منهم فى المسجد، فكان عبارة عن حركات رياضية تصاحبها السهام، ففي رواية عن أبى سلمة أن الحبشة كانوا يزفون ويلعبون بحرابهم يتلقونها. وكانت المبارزة تتقدم الحروب والغزوات أيام الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن أشهر المبارزين على بن أبى طالب ومواقفه فى بدر والخندق وغيرهما معروفة.
والتحطيب المعروف عندهم باسم "اللبج" أو "اللبخ" يشبه اللعب بالسيوف لأنه محاولة للأخذ قوامها هجوم ودفاع بالعصي.
5 - المصارعة ومثلها الملاكمة: وقد صارع النبي جماعة، منهم ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب، وكان بمكة ويحسن الصراع ويأتيه الناس من البلاد فيصرعهم، قال ابن إسحاق: لقيه النبي صلى الله عليه وسلم فى شعب من شعاب مكة فقال له: يا ركانة، ألا تتقى الله وتقبل ما أدعوك إليه؟ فقال: يا محمد هل لك من شاهد يدل على صدقك؟ فقال: أرأيت إن صرعتك أتؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم. وقال البلاذرى: إن السائل للمصارعة هو ركانة، فقال له: تهيأ للمصارعة، فقال: تهيأت، فدنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه ثم صرعه، فتعجب من ذلك ركانة، ثم سأله الإقالة مما توافقا عليه، وهو الإيمان والعودة إلى المصارعة، ففعل به ذلك ثانيا وثالثا: فوقف ركانة متعجبا وقال: إن شأنك لعجيب، وأسلم عقبها، وقيل أسلم فى فتح مكة. رواه الحاكم وأبو داود والترمذي.
كما صارع النبي ابن ركانة واسمه يزيد، فقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ثلاثمائة من الغنم، فقال: يا محمد هل لك أن تصارعنى؟ قال: وما تجعل لي إن صرعتك؟ قال: مائة من الغنم، فصارعه فصرعه، ثم قال: هل لك فى العود؟ قال: وما تجعل؟ قال: مائة أخرى. فصارعه فصرعه، وذكر الثالثة، فقال: يا محمد، ما وضع جنبى فى الأرض أحد قبلك، ثم أسلم ورد عليه غنمه، روى عنه أنه قال: ماذا أقول لأهلي؟ شاة افترسها الذئب، وشاة شذت منى، فماذا أقول فى الثالثة؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما كنا لنجمع عليك فنصرعك فنغرمك، خذ غنمك وانصرف (ذكره الزرقانى فى شرح المواهب ج 4 ص 293).
وكذلك صارع النبي أبا الأسود الجمحى، وكان رجلا شديدا بلغ من قوته أنه كان يقف على جلد البقرة ويتجاذب أطرافه عشرة لينزعوه من تحت قدميه فيتفرى الجلد ولم يتزحزح عنه، وكان من المشهورين بالمصارعة فى الإسلام محمد بن الحنفية، جلس كالجبل يحركه رسول الروم لمعاوية يتحدى به أقوياءه، فأقر رسول الروم بقوة محمد، ثم رفعه محمد مرات وجلد به الأرض.
6 - رفع الأثقال ومثله ألعاب القوى: وكان يعرف عند العرب باسم "الربع" وهو أن يُشال الحجر باليد، يفعل ذلك لتعرف شدة الرجل، والربيعة والمربوع هو الحجر الذى يرفع، وفى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يربعون حجرا أو يتربعون فقال: عمال الله أقوى من هؤلاء (ذكره فى لسان العرب) وأول من فكر فى تلك اللعبة جابر بن عبد الله الأنصاري، وكان مشهورا بقوته البدنية، وقد اشتهر بالقوة البدنية على بن أبى طالب فإنه فى غزوة خيبر لما ضاع ترسه أمسك بباب كان عند الحصن فتترس به عن نفسه، وكان سبعة نفر ينوءون بحمله (ذكره فى الروض الأنف ج 2 ص 239).
7 - القفز أو الوثب العالي: وكان يعرف أيضا عند العرب باسم "القفيزى" حيث كانت توضع عارضة خشبية يتقافزون عليها ولها نظام خاص لإجادتها (عيون الأخبار لابن قتيبة ج ا ص 133).
8 - الكرة: وهى تشبه لعبة البولو فى هذه الأيام، وقد وضعوا لها آدابا مذكورة فى كتب الأدب، قال الحارثة بن رافع. كنت ألاعب الحسن والحسين بالمداحى، والدحو رمى اللاعب بالحجر والجوز وغيره، والمداحى حجارة كشكل القرصة، وتحفر حفرة فترسل تلك القرص نحوها، فمن وقعت قرصته فيها فهو الغالب، وذكر أن ابن المسيب سئل عن الدحو بالحجارة فقال لا بأس به.
9 - السباحة: عن عطاء بن أبى رباح قال: رأيت جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصاري يرميان فملَّ أحدهما فجلس فقال له الآخر: كسلت؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو أو سهو إلا أربع خصال: مشى الرجل بين الغرضين، وتأديبه لفرسه، وملاعبته أهله، وتعليم السباحة" رواه الطبراني بإسناد جيد، وروى البيهقى بسند ضعيف من حديث أبى رافع: حق الولد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي. وعن ابن عباس قال: ربما قال لي عمر بن الخطاب: تعال أباقيك فى الماء، أينا أطول نفسا ونحن محرمون. وفى تاريخ الخلفاء للسيوطى (ص 264) عندما تغلب معز الدولة أحمد بن بويه على بغداد شجع السباحة والمصارعة، حتى كان السبَّاح يحمل الموقد عليه القدر باللحم إلى أن ينضج. وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سبح وهو صغير عندما زارت به أمه أخواله فى المدينة، فإنه عليه الصلاة والسلام لما هاجر ونظر إلى دار التابعة حيث دفن أبوه قال: هاهنا نزلت بي أمي وأحسنت العوم في بئر بنى عدى بن النجار، واستدل به السيوطى على أن النبي عَامَ وذكر أنه روى أبو القاسم البغوى وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سبح هو وأصحابه فى غدير، فقال ليسبح كل رجل إلى صاحبه، فسبح صلى الله عليه وسلم إلى أبى بكر حتى عانقه، وقال: أنا وصاحبي (الزرقانى على المواهب اللدنية ج ا ص 164).
هذه نماذج للتربية الرياضية أقرها الإسلام، وشجع عليها. تعرف بها مدى مرونة الإسلام وشمول هدايته لكل مظاهر الحضارة الصحيحة. وفى الإطار العادل الذى وضعه للمصلحة، ويلاحظ أن التربية الرياضية لا تثمر ثمرتها المرجوة إلا إذا صحبتها الرياضة الروحية الأخلاقية، وإذا كانت هناك مباريات يجب أن يحافظ على آدابها، التي من أهمها:
عدم التعصب الممقوت فإذا حدث انتصار لفرد أو فريق وكان الفرح بذلك على ما تقتضيه الطبيعة البشرية، وجب أن يكون فى أدب وذوق، فالقدر قد يخبئ للإنسان ما لا يسره، وقد تكون الجولات المستقبلة فى غير صالح الفائز الآن.
ولا يحب أن تكون هناك شماتة به، فيجب عليه أن يحب للناس ما يحبه لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه، وقد رأيتم أن الأعرابي سبق بقعوده ناقة النبي التي كانت لا تُسبق، ولما شق على المسلمين ذلك تمثلت الروح الرياضية الصحيحة - كما يعبر المتحدثون - عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن حقا على الله ألا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه، وذلك ليهدىء من ثائرة المتحمسين له. وقد سبق أنه قال لعائشة لما سبقها: هذه بتلك.
والأدب الإسلامي عند الخصومة والمنافسة يحتم عدم نسيان الشرف والذوق؟ وعدم الفجور فى المخاصمة فتلك من خصال المنافقين، ففي حديث البخاري ومسلم "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا. ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر". والإسلام لا يرضى الانحراف عن هذه الآداب فى ممارسة الرياضة وفى إقامة المباريات.
1 - لا يرضى أن يلهو الشباب بها إلى حد نسيان الواجبات الدينية والوطنية والواجبات الأخرى، ولا يرضى أن نصرف لها اهتماماً كبيراً يطغى على ما هو أهم منها بكثير.
2 - لا يرضى أن نمارس الرياضة بشكل يؤذي الغير، كما يمارس البعض لعب الكرة فى الأماكن الخاصة بالمرور أو حاجات الناس، وفى أوقات ينبغي أن توفر فيها الراحة للمحتاجين إليها. والإسلام نهى عن الضرر والضرار.
3 - لا يرضى التحزب الممقوت، الذي فرق بين الأحبة، وباعد بين الأخوة، وجعل فى الأمة أحزابًا وشيعا، والإسلام يدعو إلى الاتحاد ويمقت النزاع والخلاف.
4 - لا يرضى أن توجه الكلمات النابية من فريق لآخر ويكره التصرفات الشاذة التي لا تليق بإنسان له كرامته. وبشخص يشجع عملاً فيه الخير لتكوين المواطن الصالح جسمياً وخلقياً.
5 - لا يرضى عن الألعاب الجماعية التي يشترك فيها الجنسان ويحدث فيها كشف للعورات أو أمور ينهى عنها الدين.
6 - لا يرضى عن الألعاب التي تثير الشهوة وتحدث الفتنة، كرياضة الرقص من النساء حين تعرض على الجماهير.
7 - لا يرضى لجنس أن يزاول ألعاب جنس آخر تليق به ولا تتناسب مع غيره فى تكوينه وفى مهمته ورسالته فى الحياة. ذلك أن الإسلام حين يبيح شيئا ويجيزه يجعل له حدودا تمنع خروجه عن حد الاعتدال وتحافظ على الآداب وتتسق مع الحكمة العامة للتشريع، وفى إطار هذه الحدود يجب أن تمارس الرياضة، وإلا كان ضررها أكبر من نفعها، وذلك مناط تحريمها، كما هي القاعدة العامة للتشريع.
ويشير إلى ذلك كله قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} المائدة: 87 ، فالآية بعموم لفظها تحرم الاعتداء فى كل تصرف سواء أكان ذلك مطعومًا أم ملبوسًا أم شيئا آخر وراء ذلك، والاعتداء هو تجاوز الحد المعقول الذى شرعه الدين.
هذا، والله أعلى وأعلم،،،
منقول (باختصار)

الاثنين، 15 أغسطس 2011

انفساخ عقد الإيجار بانهدام وهلاك العين المؤجرة، بقوة ا لقانون


انفساخ عقد الإيجار بانهدام وهلاك العين المؤجرة، بقوة القانون

قانون إيجار الأماكن لا يمنع من إنهاء عقد الإيجار لأحد الأسباب الطارئة المنصوص عليها في المادة 601 وما بعدها من القانون المدني:
        من المقرر أن القصد الأساسي من قوانين إيجار الأماكن "الاستثنائية" هو تقرير الامتداد القانوني لعقود الإيجار بعد انقضاء مدتها بحيث يمتنع على المؤجر إنهاء العلاقة الإيجارية من جانبه وحده بمجرد انقضاء مدة العقد، أي إن المشرع قصد من تلك القوانين استبعاد السبب الأصلي والطبيعي لإنهاء العلاقة الإيجارية، ألا وهو تمسك المؤجر بانقضاء مدة العقد، ولم يقصد المشرع أبداً – عند إيراده للأسباب المسوغة للإخلاء – استبعاد الأسباب الطارئة العارضة لإنهاء العقد، وإنما تركها لأحكام القواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني، لا إبطال عملها أو إهدار أثرها في فسخ العقد.
(لطفاً، المرجع: "الوافي في شرح القانون المدني" – للدكتور/ سليمان مرقس – الجزء الثالث "في العقود المسماة" – المجلد الثاني "عقد الإيجار" – الطبعة الرابعة 1993 القاهرة – بند 288 مكرر – صـ 753 وما بعدها).

أهم الأسباب العارضة العامة لانحلال عقد الإيجار – هلاك العين المؤجرة:
        حيث تنص المادة 159 من القانون المدني على أنه:
"في العقود الملزمة للجانبين، إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه، انقضت معه الالتزامات المقابلة له، وينفسخ العقد من تلقاء نفسه".
        كما تنص المادة 569 من القانون المدني على أنه:
1- إذا هلكت العين المؤجرة أثناء الإيجار هلاكاً كلياً انفسخ العقد من تلقاء نفسه.
2- أما إذا كان هلاك العين جزئياً أو إذا أصبحت العين في حالة لا تصلح معها للانتفاع الذى أوجرت من أجله أو نقص هذا الانتفاع نقصاً كبيراً أو لم يكن للمستأجر يد في شيء من ذلك فيجوز له إذا لم يقم المؤجر في ميعاد مناسب بإعادة العين إلى الحالة التي كانت عليها أن يطلب تبعاً للظروف أما إنقاص الأجرة أو فسخ الإيجار ذاته دون إخلال بما له من حق في أن يقوم بنفسه بتنفيذ التزام المؤجر وفقا لإحكام المادة السابقة.
3- ولا يجوز للمستأجر في الحالتين السابقتين أن يطلب تعويضا إذا كان الهلاك أو التلف يرجع إلى سبب لا يد للمؤجر فيه".
وظاهر أن هذا النص يرتب على الهلاك الكلي للعين المؤجرة إنفساخ عقد الإيجار، أي انحلاله بقوة القانون، أي دون حاجة إلى صدور حكم بذلك، ويترتب على ذلك انقضاء التزامات كلا الجانبين، فلا يكون هناك محل لالتزام المؤجر بتجديد العين إذا هلكت. وهذا الحكم يسري أياً كان سبب الهلاك، أي سواء كان الهلاك راجعاً إلى القوة القاهرة أو إلى خطأ المؤجر أو خطأ المستأجر أو إلى خطأ الغير.
(لطفاً، المرجع: "الوافي في شرح القانون المدني" – المرجع السابق – بند 158 – صـ 343 وما بعدها وهوامشها).
        هذا، ومن المقرر في قضاء محكمة النقض أنه:
"... أياً كان سبب هلاك العين المؤجرة، لا يجبر المؤجر على إعادة العين إلى أصلها، ولا يلزم إذا أقام بناء جديداً مكان البناء الذي هلك كلياً أن يبرم عقد إيجار جديد مع المستأجر، وإنما يكون المؤجر ملزماً بتعويض المستأجر في حالة هلاك العين المؤجرة بخطأ المؤجر".
(نقض مدني في الطعن رقم 28 لسنة 45 قضائية – جلسة 21/12/1981.
مشار إليه في: "الوافي في شرح القانون المدني" – المرجع السابق – نفس الموضع – وهامش 144 و 145 صـ 344).
ويكون الهلاك كلياً إذا انعدمت العين انعداماً تاماً، وكذلك إذا لم تنعدم ولكن صارت غير صالحة أصلا للانتفاع المقصود بالإجارة كأن تصير العين المؤجرة آيلة للسقوط وتهدد سلامة السكان.
ويعتبر في حكم الهلاك من هذه الناحية، نزع ملكية العين المؤجرة للمنفعة العامة، والتعرض المادي الصادر من الغير، وأوامر السلطة سواء كانت صادرة من السلطة التشريعية أو من السلطة الإدارية متى ترتب عليها حرمان المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، وهو ما يسمى بالهلاك المعنوي.
وإذا حدث الهلاك بقوة قاهرة، فإن الفسخ ينهي الإيجار بالنسبة إلى المستقبل ولا يترتب عليه أي التزام بالتعويض. فلا يجوز للمستأجر مطالبة المؤجر بأن يمكنه من الانتفاع بعين أخرى بدلاً من العين التي هلكت.
(لطفاً، المرجع: "الوافي في شرح القانون المدني" – المرجع السابق، بند 294 – صـ 766 : 770).
        هذا وقد تواتر قضاء محكمة النقض على أن:
"الهلاك الكُلي في معنى المادة 569/1 من القانون المدني هو أن يلحق الدمار العين المُؤجرة فيأتي عليها كُلها أو يجعلها غير صالحة جميعها لأداء الغرض الذي أُجِرَت من أجله، والهلاك هنا مادي يلحق مقومات العين المُؤجرة وكيانها الذاتي ولئن انعقد الإجماع على منح نفس الأثر للهلاك المعنوي أو القانوني الذي لم يمس نفس الشيء المُؤجر في مادته إلا أنه يحول دون أدائه المنفعة التي قصد أن يستوفيها المُستأجر منه، إلا أن شرطه أن يحول دون الانتفاع بالعين جميعها وألا يكون المانع مُؤقتاً بل دائماً، فإن لم يترتب إلى انتفاء الفائدة من جزء من العين أو كان المانع مصيره إلى زوال قبل انتهاء مُدة العقد اعتُبِرَ الهلاك جُزئياً، ومسألة ما إذا كان الهلاك كُلياً أو جزئياً من مسائل الواقع التي تخضع لسلطان قاضي الموضوع وتقديره دون رقابة محكمة النقض ما دام استخلاصه سائغاً".
(نقض مدني جلسة 16/11/1977 – مجموعة المكتب الفني – السنة 28 – صـ 1703.
ونقض مدني في الطعن رقم 823 لسنة 56 قضائية – جلسة 23/11/1988.
ومُشار إليهما في مرجع: "مجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في تطبيق قوانين الإيجار" – للمُستشار/ محمد خيري أبو الليل – الجزء الأول – طبعة 1997 القاهرة – القاعدة رقم 382 – صـ 269).
        كما أستقر قضاء محكمة النقض على أن:
"عقد الإيجار – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – ينقضي وفقاً لنص المادة 569/1 من القانون المدني بهلاك العين المُؤجرة هلاكاً كُلياً، ويترتب على هذا الهلاك إنفساخ العقد من تلقاء نفسه لاستحالة التنفيذ بانعدام المحل أياً كان السبب في هذا الهلاك سواء كان راجعاً إلى القوة القاهرة أو خطأ المُؤجر أو خطأ المُستأجر أو الغير ولا يُجبر المُؤجر في أي من هذه الحالات على إعادة العين إلى أصلها، ولا يلتزم إذا أقام بناء جديداً مكان البناء الذي هلك أن يُبرم عقد إيجار جديد مع المُستأجر".
(نقض مدني في الطعن رقم 1141 لسنة 53 قضائية – جلسة 19/7/1989 مجموعة المكتب الفني – السنة 40 – صـ 771.
وفي الطعن رقم 28 لسنة 45 قضائية – جلسة 21/12/1981 مجموعة المكتب الفني – السنة 32 – صـ 2365.
وفي الطعن رقم 1705 لسنة 49 قضائية – جلسة 11/3/1985.
وفي الطعن رقم 1201 لسنة 50 قضائية – جلسة 13/12/1987.
وفي الطعن رقم 1960 لسنة 51 قضائية – جلسة 31/5/1989 مجموعة المكتب الفني – السنة 40 – صـ 502.
وفي الطعن رقم 1346 لسنة 56 قضائية – جلسة 5/4/1990.
وفي الطعن رقم 1723 لسنة 53 قضائية – جلسة 17/1/1990.
وفي الطعن رقم 1267 لسنة 53 قضائية – جلسة 30/5/1990.
ومُشار إليهم في مرجع: "مجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في تطبيق قوانين الإيجار" – للمُستشار/ محمد خيري أبو الليل – الجزء الأول – طبعة 1997 القاهرة – القاعدة رقم 384 – صـ 270).
        كما جرى قضاء محكمة النقض على أن:
"نص الفقرة الأولى من المادة 569 من القانون المدني قد جرى على أنه "إذا هلكت العين المُؤجرة هلاكاً كُلياً أنفسخ العقد من تلقاء نفسه"، وهذا النص تطبيق للقواعد العامة التي تقضي بإنفساخ العقد لاستحالة التنفيذ الراجع إلى انعدام المحل، بما مُؤداه أنه متى هلكت العين المُؤجرة هلاكاً كُلياً أصبح تنفيذ عقد الإيجار مُستحيلاً فينفسخ من تلقاء نفسه، وبحكم القانون، وذلك سواء أكان الهلاك – وعلى ما ورد بالمُذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني- بخطأ المُؤجر أو بخطأ المُستأجر أو بقوة قاهرة".
(نقض مدني في الطعن رقم 2877 لسنة 58 قضائية – جلسة 15/12/1994.
وفي الطعن رقم 2975 لسنة 59 قضائية – جلسة 21/4/1994.
وفي الطعن رقم 3559 لسنة 63 قضائية – جلسة 23/3/1994.
وفي الطعن رقم 2856 لسنة 57 قضائية – جلسة 16/12/1993.
وفي الطعن رقم 1056 لسنة 61 قضائية – جلسة 15/3/1992.
ومُشار إليهم في مرجع: "مجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في تطبيق قوانين الإيجار" – للمُستشار/ محمد خيري أبو الليل – الجزء الأول – طبعة 1997 القاهرة – القاعدة رقم 385 – صـ 270 و 271).
        كما استقر قضاء محكمة النقض على أن:
"النص فى المادة 569/1 من القانون المدني على أنه "إذا هلكت العين المؤجرة أثناء الإيجار هلاكاً كلياً أنفسخ العقد من تلقاء نفسه" هذا النص يعتبر تطبيقاً للقاعدة العامة التي تقضى بإنفساخ العقد لاستحالة التنفيذ الراجع إلى انعدام المحل لهلاك العين المؤجرة هلاكاً كلياً أصبح معه تنفيذ عقد الإيجار مستحيلاً ومن ثم ينفسخ من تلقاء نفسه وبحكم القانون، وتقرر المادة 159 من القانون المدني القاعدة العامة فى هذا الصدد إذ تقول "فى العقود الملزمة للجانبين إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه الالتزامات المقابلة له وينفسخ العقد من تلقاء نفسه" والمشرع فى النصين سالفي الذكر لم يميز بين ما إذا كان الهلاك غير راجع لخطأ المؤجر فينفسخ العقد بحكم القانون وبين ما إذا كان الهلاك راجعاً إلى خطأ المؤجر فيجوز للمستأجر طلب الفسخ قضاء بل جعل الحكم فى الحالتين واحد هو إنفساخ العقد بحكم القانون وترتيباً على ذلك يكون لكل من الطرفين طلب الإنفساخ ويعتبر العقد مفسوخاً من وقت الهلاك ولا حاجة إلى حكم بذلك وإن صدر مثل هذا الحكم فإنما يكون مقرراً لهلاك العين وإنفساخ العقد ويؤيد ذلك ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني فى هذا الصدد بأنه قد تهلك العين هلاكاً كلياً سواء كان ذلك من جراء عدم القيام بالترميمات اللازمة لحفظ العين أو بخطأ المؤجر أو المستأجر أو بقوة قاهرة وفى كل هذه الأحوال ينفسخ العقد من تلقاء نفسه لانعدام المحل وهذا هو المقرر فى قضاء النقض فى أحكامه الأخيرة إذ جرى على أن هلاك العين المؤجرة هلاكاً كلياً يؤدى إلى إنفساخ عقد الإيجار من تلقاء نفسه أياً كان السبب فى هذا الهلاك ولو كان ذلك بسبب المؤجر ولا يجبر على إعادة العين إلى أصلها".
(نقض مدني في الطعن رقم 1886 لسنة 54 قضائية – جلسة 9/5/1991 مجموعة المكتب الفني – السنة 42 – صـ 1048 – فقرة 4).
        * وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، وحيث إنه لما كان الثابت بالأوراق وبالمستندات المقدمة منا لعدالة المحكمة الموقرة بجلسة اليوم، أن عين التداعي لم تكن مؤجرة في يوماً ما إلى مورث المطعون ضدهم، وعلى فرض أن مورثهم كان يستأجر عين التداعي، فإن الثابت بالأوراق أن تلك العين قد إنهدمت كلياً في عام 1972، وبالتالي فإن عقد إيجارها على فرض وجوده قد انفسخ بقوة القانون، ولا يحق للمستأجر المزعوم أو ورثته المدعيين من بعده المطالبة بأية حقوق على تلك العين بعد إعادة بناءها، فضلاً عن أنهم غير مستفيدين من ميزة الامتداد القانوني لعقد الإيجار لانتفاء شرط الإقامة فيها مع المستأجر الأصلي قبل وفاته لسبب بديهي إن العين المؤجرة قد تهدمت كلياً وانفسخ عقد إيجارها بقوة القانون، ولا أدل على ذلك من عدم تقديمهم لأي سند أو مستند يفيد سدادهم للقيمة الإيجارية لعين النزاع طوال تلك الفترة من عام 1972 حتى تاريخه، وإذ قام المطعون ضدهم بالتعدي على تلك العين بعد إعادة بناءها بدون سند من حقيقة الواقع أو صحيح القانون فإن تصرفهم هذا يعد غصباً للعين وتعدي على أملاك الأوقاف الخيرية يجيز لجهة الإدارة إزالته بالطريق الإداري طبقاً لصحيح القانون.