الأربعاء، 28 سبتمبر 2011

الأحكام التي تصلح كسندات تنفيذية

الأحكام التي تصلح كسندات تنفيذية
من المسلم به قانوناً أن القضاء الموضوعي الصادر بتأكيد حق أو مركز قانوني مُعين يأخذ ثلاثة صور، هي:
1.   القضاء التقريري: وهذا القضاء يقتصر على مُجرد تقرير الحق أو المركز القانوني.
2.   القضاء المُنشئ: وهذا القضاء لا يقتصر على مُجرد التقرير بل ينشأ عن هذا التقرير تغيير في مركز قانوني قائم وإنشاء لمركز جديد.
3.   قضاء الإلزام: وهذا القضاء يتخذ صورة إلزام بأداء مُعين.

القضاء التقريري إذن هو: "القضاء الذي يؤكد وجود أو عدم وجود حق أو مركز قانوني أو واقعة قانونية"، وبهذا التقرير أو التأكيد يزول الشك القائم حول هذا الوجود. وتسمى الدعوى التي ترمي إلى الحصول على هذا القضاء بالدعوى التقريرية "déclaratoire".
ومن أمثلتها: الدعوى التي للوارث ضد من يُشكك في صفته للحصول على قضاء يقرر أنه وارث، وحاجته إلى هذا القضاء واضحة، إذ تأكيد صفته كوارث لبعض الأموال يُمكنه من حرية التصرف فيها.
وفي هذه الصورة من صور الحماية القضائية يُنظر إلى الحق أو المركز القانوني في ذاته من حيث وجوده في الحياة القانونية، وذلك بصرف النظر عن مضمونه، ولهذا فإن صورة الحماية هنا لا تواجه اعتداء يظهر في شكل مُخالفة لالتزام، فالحق أو المركز القانوني في ذاته لا يُقابله أي التزام، وإنما يواجه مُجرد اعتراض. وهذا الاعتراض يكفي لرده مُجرد صدور قضاء يُقرر وجود هذا الحق أو المركز القانوني، إذ هذا التقرير "الرسمي" يُزيل حالة عدم التأكيد التي أثارها الاعتراض، وذلك دون حاجة لأن يتضمن إي إلزام.
والواقع أن كل قضاء موضوعي يتضمن تقرير وجود حق أو مركز قانوني أو عدم وجوده، فهذا التقرير يُعتبر مُفترضاً ضرورياً لأي قضاء ولو كان قضاء إلزام أو قضاء مُنشئاً.
ولكن القضاء التقريري يتميز بأن التقرير فيه يُعتبر هو الهدف الوحيد. فالدعوى التقريرية لا ترمي إلى تقرير وجود لإلزام الخصم بأداء مُعين أو الحصول على تغيير للحالة القانونية، وإنما ترمي فقط إلى تقرير وجود حق للمُدعي أو تقرير عدم وجود حق للمُدعى عليه. فهي ترمي إلى التقرير كهدف نهائي. فالحماية القضائية – هنا – تتم بمُجرد التقرير.
التقرير السلبي: قد ترمي الدعوى التقريرية إلى تقرير سلبي. والتقرير السلبي يحدث بتقرير عدم وجود حق أو مركز قانوني. ومن أمثلة دعوى التقرير السلبي: الدعوى التي يرفعها المالك لتقرير عدم وجود حق ارتفاق لشخص على ما يملكه. ومن أمثلتها كذلك: دعوى براءة الذمة. ويُلاحظ أنه يوجد تقرير سلبي دائماً في كل حالة يرفض فيها القضاء دعوى موضوعية أياً كانت. فإذا طلب شخص بإلزام آخر بدين مُعين، وهذه دعوى إلزام، ورفضت المحكمة الدعوى، فإن حكمها بالرفض يتضمن تقريراً بعدم وجود حق مُعين للمُدعي في مواجهة المُدعى عليه.
ومن ثم فلا محل لطلب وقف تنفيذ حكم قاضي برفض الدعوى لكون هذا القضاء هو قضاء تقريري لا يتضمن إلزام ما يمكن تنفيذه بالطريق الجبري.
التقرير الإيجابي: وقد ترمي الدعوى التقريرية إلى تقرير إيجابي. والتقرير الإيجابي يحدث بتقرير وجود حق أو مركز قانوني مُعين. ومن أمثلة دعوى التقرير الإيجابي: دعوى إثبات الجنسية، وتعتبر هذه الدعوى مقبولة ولو كانت الدولة لم ترفض منح المُدعي ما يثبت جنسيته، ما دام قام شك حولها.
أثار القضاء التقريري: يحوز القضاء التقريري بمُجرد صدوره حجية الأمر المقضي، وذلك بالنسبة لما يتضمنه من تأكيد وجود الرابطة القانونية أو المركز القانوني أو الواقعة القانونية، فإذا قضي ببراءة ذمة المدين من دين مُعين، أو ببطلان عقد من العقود، أو بتقرير أن المُدعي مصري الجنسية، أو بتأكيد أن التوقيع على السند هو للمدين أو بأن السند مزور، فإن هذا القضاء يحوز حجية فيما قضى به. ولا يجوز بعده رفع دعوى أمام القضاء بخصوص نفس الحق أو الواقعة القانونية إلا أن تكون دعوى إلزام. كما لو قضي بأن التوقيع هو للمدين، فإنه يُمكن استناداً إلى هذا القضاء التقريري رفع دعوى للمُطالبة بأداء الدين. وإذا قضي بصحة عقد، فإنه يمكن استناداً إلى هذا القضاء رفع دعوى للمُطالبة بتنفيذ الالتزامات الواردة بالعقد. وتكون المحكمة المرفوعة إليها الدعوى – عندئذ – مُقيدة بما قرره القضاء التقريري.
(راجع في شأن كل ما تقدم: "الوسيط في قانون القضاء المدني" – للدكتور العميد/ فتحي والي – الطبعة الثانية 1981 القاهرة – بند 66 : 72 – صـ 131 : 140).

فالأحكام التي تصلح كسندات تنفيذية، هي أحكام "الإلزام" فقط دون غيرها:
إن أحكام الإلزام هي فقط التي تصلح سندات تنفيذية. أما الأحكام التقريرية والأحكام المنشئة فلا تصلح لذلك وتكون غير قابلة للتنفيذ.
والحكم التقريري ( Le Jugement Declartione ):
        هذا الحكم الذي يقضي بوجود أو عدم وجود مركز قانوني دون إلزام المحكوم عليه بأداء معين أو بإحداث أي تغيير في هذا المركز، كالحكم ببراءة الذمة أو ببطلان عقد أو تزوير ورقة.
والحكم المنشئ ( Le Jugement Constitutif ):
        هو الذي يقرر إنشاء أو تعديل أو إنهاء مركز قانوني موضوعي كالحكم بإشهار إفلاس تاجر أو بتعديل الالتزام التعاقدي بسبب الاستغلال أو الظروف الطارئة، والحكم بالتطليق والحكم بإبطال عقد أو فسخه.
أما حكم الإلزام ( Le Jugement de Cendamnation ):
        فهو الذي يقضي بالتزام المحكوم عليه بأداء جزائي ومثاله الحكم بإخلاء عقار أو بدفع مبلغ معين من النقود أو بتسليم شيء معين.
        وعلى ذلك فإن الحكم الصادر بصحة التوقيع لا يعتبر حكماً بالإلزام وبالتالي لا يجوز تنفيذه جبراً.
        وكذلك فإن الحكم الصادر بفسخ عقد إيجار أو بطلانه أو إبطاله لا يعد حكماً بالإلزام فلا يصلح سنداً تنفيذياً لإخلاء العين المؤجرة اللهم إلا إذا تضمن النص على الالتزام بالإخلاء ولو ضمناً.
        وكذلك الحكم الصادر بصحة ونفاذ عقد بيع لا يعتبر سنداً تنفيذياً، ولكنه إذا قضى مع صحة ونفاذ عقد البيع بإلزام المدعي أو المدعى عليه بالمصاريف فإنه يعتبر سنداً تنفيذياً لاقتضاء المصاريف المحكوم بها.
        وكذلك يعتبر سنداً تنفيذياً الحكم الذي يقضي بإلزام أحد أطرافه بالتعويض عن الأضرار الناشئة عن الخصومة أو بتغريمه.
        وعلى ذلك، فالقاعدة المستقرة التي لا جدال فيها ولا خلاف حولها أن الأحكام المعتبرة سندات تنفيذية هي التي تتضمن "الإلزام" بأداء شيء معين يتعين على المحكوم عليه الوفاء به عيناً أو نقداً طوعاً أو كرهاً. لأن هذه الأحكام هي التي تنشئ للمحكوم له حقاً في إجراء التنفيذ جبراً على المحكوم عليه.
(المرجع: بحث بعنوان "جريمة الامتناع عن تنفيذ الأحكام عمداً" - للمستشار/ زكريا مصيلحي عبد اللطيف - منشور في مجلة إدارة قضايا الحكومة - العدد الثالث - السنة الحادية والعشرون - يوليو/سبتمبر 1977 - ص 18 : 20).
لما كان من المتفق عليه فقهاً وقضاءاً أن الأحكام التي تنفذ تنفيذاً جبرياً هي فقط أحكام الإلزام، وذلك دون الأحكام المقررة أو المنشئة، وعلة هذا أن حكم الإلزام هو وحده الذي يقبل مضمونه التنفيذ الجبري.
فالحكم المقرر لا يرمي إلا إلى تأكيد رابطة قانونية، وبصدوره تتحقق الحماية القانونية كاملة، كذلك الأمر بالنسبة للحكم المنشئ فهو يرمي إلى إنشاء رابطة قانونية جديدة فتتحقق بمجرد صدوره الحماية القانونية. أما بالنسبة لحكم الإلزام، فلكي يتحقق مضمونه أي لكي تتحقق الحماية القانونية التي يتضمنها، يجب أن يقوم المحكوم عليه بعمل أو أعمال لصالح المحكوم له، فإذا لم يقم بها فإن الدولة يجب أن تحل محله في القيام ببعض الأعمال لتحقيق الحماية القانونية، فحكم الإلزام على خلاف الحكم المنشئ أو الحكم المقرر لا يحقق بذاته الحماية القانونية، ولهذا فإن المحكوم له ينشأ له عن هذا الحكم حق جديد هو "الحق في التنفيذ الجبري"، يستطيع بموجبه أن يطلب من السلطة العامة القيام بأعمال معينة لتحقيق الحماية القانونية له. وهذا الحق في التنفيذ الجبري والأعمال التي يستعمل بأدائها لا حاجة إليها بالنسبة للحكم المقرر أو الحكم المنشئ.
(المرجع: "التنفيذ الجبري" للدكتور/ فتحي والي طبعة 1986 القاهرة بند 22 ص 38 ، 39).
هذا، والله أعلى وأعلم،،،


القضاء المستعجل – حالاته وشوطه وإجراءاته – دعوى إثبات الحالة – دعوى الحراسة القضائية – الدعاوى الإيجارية المستعجلة – دعوى سماع شاهد – دعوى طرد للغصب – دعوى التمكين – الاختصاص النوعي والمحلي بالقضاء المستعجل – حجية القضاء المستعجل – الإحالة في القضاء المستعجل – قاضي الأمور الوقتية – الأمر على عريضة، إجراءاته، والتظلم منه – التفرقة بين القضاء المستعجل وقاضي الأمور الوقتية – ومقارنة بين الأوامر على العرائض وأوامر الأداء.

القضاء المستعجل – حالاته وشوطه وإجراءاته – دعوى إثبات الحالة – دعوى الحراسة القضائية – الدعاوى الإيجارية المستعجلة – دعوى سماع شاهد – دعوى طرد للغصب – دعوى التمكين – الاختصاص النوعي والمحلي بالقضاء المستعجل – حجية القضاء المستعجل – الإحالة  في القضاء المستعجل – قاضي الأمور الوقتية – الأمر على عريضة، إجراءاته، والتظلم منه – التفرقة بين القضاء المستعجل وقاضي الأمور الوقتية – ومقارنة بين الأوامر على العرائض وأوامر الأداء.



نبذة عن القضاء المستعجل
لا يوجد في القانون تعريف للقضاء المستعجل، وحسبنا أن نذكر أن القضاء المستعجل يقصد به الفصل في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الوقت، فصلا مؤقتاً لا يمس أصل الحق، وإنما يقتصر على الحكم باتخاذ إجراء وقتي ملزم للطرفين بقصد المحافظة على الأوضاع القائمة أو احترام الحقوق الظاهرة، أو صيانة مصالح الطرفين المتنازعين.
المختص بالقضاء المستعجل أساساً هو القاضي الجزئي، ولكن ذلك لا يمنع من رفع المنازعة المستعجلة إلى المحكمة الابتدائية، بطريق التبعية لدعوى موضوعية مطروحة أمامها، وهذه صورة من صور الاختصاص المشترك لا تنفي أن لاختصاص الأصلي بالمنازعات المستعجلة معقود للقاضي الجزئي إذا ما رفع النزاع المستعجل إليه على استقلال سواء قبل رفع الدعوى الموضوعية- أو أثناء قيامها أمام محكمة الموضوع.

شروط اختصاص القاضي المستعجل
ويشترط الاختصاص القاضي المستعجل تحقق الشروط الثلاثة الآتية:

الشرط الأول. توافر ركن الاستعجال أو الخطر:
ومعنى ذلك أن تكون المنازعة مما يخشى عليه من فوات الوقت. وقد عرف الاستعجال بأنه هو الخطر المحدق بالحقوق أو المصالح التي يراد المحافظة عليها- وهو يتوافر كلما وجدت حالة يترتب على فوات الوقت حصول ضرر منها يتعذر تداركه أو إصلاحه.

وللخشية من فوات الوقت مظهران:
المظهر الأول: الخشية من زوال المعالم – ومثال ذلك أن يقوم شخص بإغراق أرض جاره بالمياه بعد أن يكون قد أعدها للزراعة – ويرغب صاحب الأرض في إثبات هذه الحالة فوراً- وظاهر أن فوات الوقت يؤدي إلى جفاف المياه وزوال معالم الواقعة التي يريد صاحب الأرض الاستناد إليها في طلب التعويض مستقبلا.
والمظهر الثاني: هو الخشية من فوات المصلحة أو ضياع الحق –كما في حالة المستأجر الذي يترك العين المؤجرة بعد أن يخربها أو يتلفها- فهذه الحالة لا تزول معالمها بمرور الوقت – ولكن يترتب على البطء في إثباتها تفويت حق المؤجر في الانتفاع بالعين أو تأجيرها للغير.
ففي مثل هذه الأحوال يقتضي الأمر اتخاذ إجراء سريع لا يحتمل الإبطاء، ونتيجة لذلك توصف المنازعة بأنها مستعجلة.
وركن الاستعجال أو الخطر يجب أن يتوافر في جميع المنازعات المستعجلة وإلا كان القاضي المستعجل غير مختص بها، ووجب عرض النزاع في شأنها على القاضي الموضوعي إن كان لذلك محل.

ونلاحظ أخيراً في خصوص ركن الاستعجال ملاحظتين:
1-  أن الاستعجال ينشأ من طبيعة الحق المتنازع فيه أو من الظروف المحيطة به لا من إرادة الخصوم أو رغبتهم في الحصول على حكم سريع ولا من اتفاقهم على اختصاص القاضي المستعجل.
2-  أنه إذا زال الاستعجال أثناء نظر الدعوى فالراجح أن ذلك يزيل اختصاص القاضي المستعجل (وسنعرض لهذه النقطة فيما بعد مرة أخرى).

الشرط الثاني: أن يكون المطلوب في الدعوى المستعجلة هو إجراء وقتي أو تحفظي:
فإذا تضمنت الدعوى المستعجلة طلباً موضوعياً كالحكم بالمديونية أو الملكية أو الحيازة أو البطلان أو الفسخ كان القاضي المستعجل غير مختص بالدعوى (أو على الأقل بالطلب الموضوعي).
إلا أنه يجوز للقاضي المستعجل عندما يعرض عليه طلب موضوعي خارج عن حدود اختصاصه إذا ما قدر أنه ينطوي على طلب وقتي يدخل في اختصاصه أن يغير الطلبات المطروحة في الدعوى بما يتلاءم مع اختصاصه.
وسلطة القاضي المستعجل في تعديل طلبات الخصوم على هذا النحو يعبر عنها في الفقه والقضاء بأن القاضي المستعجل يملك تحوير "الطلبات" وهذا استثناء من مبدأ حياد القاضي الذي يستلزم تقيده بالطلبات المقدمة إليه من الخصوم.
ولكن القضاء استقر على تخويل القاضي المستعجل هذه السلطة- نظراً للطبيعة الخاصة التي يتميز بها اختصاص القاضي المستعجل، وتمشياً مع الأهداف المقصودة من إنشاء هذا النوع من القضاء- وهي تفادي الأخطار المحدقة بمصالح الأفراد أو حقوقهم- خصوصاً وأن القاضي المستعجل لا يقضي إلا بإجراء وقتي ولا يفصل في أصل الحقوق.
وإذا ما تساءلنا عن تأصيل سلطة القاضي المستعجل في تحوير الطلبات نجد أن هذا تطبيق لمبدأ "التحول" في نطاق الطلبات القضائية، فإن من المقرر أن العقد الباطل لتخلف ركن من أركانه إذا تضمن في ثناياه عناصر عقد آخر صحيح فإنه يتحول إلى هذا العقد الصحيح إذا ما تبين أن إرادة المتعاقدين كانت بحيث تتجه إليه. ومثال ذلك أن يبيع شخص لآخر بعقد رسمي عقاراً، ويتبرع له بالثمن، فهذا العقد باطل كبيع، لتخلف ركن الثمن فيه، ولكنه يصح باعتباره هبة ما دامت شروط الهبة متوافرة فيه وهي نية التبرع والرسمية.
فكذلك الطلبات القضائية التي تعرض على القاضي المستعجل إذا ما تبين أن نية المدعي كانت تتجه فيها إلى طلب الحماية الوقتية، فلو طلب المدعي الحكم بأحقيته إلى ملكية عين أو حيازتها (وهذا طلب موضوعي) جاز للقاضي المستعجل أن يحور هذا الطلب إلى طلب وضع العين تحت الحراسة القضائية.
كذلك لو رفعت دعوى بطرد مستأجر من عين معينة وكان ذلك يثير نزاعا موضوعيا، فإنه يجوز للقاضي المستعجل أن يحور طلب الطرد إلى طلب حراسة.
ومن أمثلة ذلك أيضاً أن يطلب من قاضي التنفيذ باعتباره قاضياً مستعجلا الحكم ببطلان حجز (وهذا طلب موضوعي) فيمكن حمل هذا الطلب على أن المدعي إنما يرمي إلى التنفيذ لأن من يطلب الأكثر يطلب الأقل.

الشرط الثالث: ألا يكون من شأن الفصل في الدعوى المستعجلة المساس بأصل حق من الحقوق المدعاة من جانب أحد الطرفين:
وعدم المساس بالحق هو شرط لاختصاص القاضي المستعجل وقيد على سلطته في نفس الوقت.
فلو رفعت دعوى مستعجلة تتضمن مساساً بأصل الحق، فإن القاضي المستعجل يجب أن يحكم بعدم اختصاصه بها- ولو توافر ركن الخطر- ما لم يعمد إلى تحوير الطلبات، ومثال ذلك أن ترفع إليه دعوى بطلب إثبات تزوير عقد –فمثل هذا الطلب موضوعي ويمس أصل الحق، فيجب على القاضي أن يحكم بعدم اختصاصه بالدعوى، وإنما يجوز له أن يحكم بالتحفظ على العقد المطعون عليه بالتزوير وذلك فإيداعه في خزينة المحكمة داخل مظروف مختوم، فمثل هذا الإجراء الوقتي يدخل في حدود اختصاصه.
على أنه إذا رفعت إلى القاضي دعوى مستعجلة وتحقق فيها ركن الاستعجال أو الخطر وكان المطلوب فيها إجراء وقتيا أو تحفظيا- ولكن ثار فيها نزاع جدي- يتوقف على الفصل فيه الحكم في الدعوى المستعجلة بالإجراء الوقتي. وكان هذا النزاع الجدي موضوعيا فإن اختصاص القاضي المستعجل يرتفع أو ينحسر في هذه الحالة، ويتعين عليه أن يقضي بعدم الاختصاص.
وقد يعترض على ذلك بأن القاضي المستعجل متى كان مختصاً في البداية فلا يجوز أن يزول اختصاصه بسبب طارئ بعد رفع الدعوى أو أثناء سيرها، ولكن هذا الاعتراض مردود بأن اختصاص القاضي المستعجل يتحدد على مرحلتين:
فهو في المرحلة الأولى ينحصر في الاختصاص بنظر الدعوى.
وهو في المرحلة الثانية يتمثل في الاختصاص بالحكم في الدعوى.
ومتى انتفى اختصاص القاضي في المرحلة الأولى فإن ذلك يستبعد بداهة الانتقال إلى المرحلة الثانية.
أما إذا توافر الاختصاص بالنظر فإننا ننتقل إلى المرحلة الثانية وهي مرحلة الاختصاص بالحكم، فإذا لم يتوافر هذا الاختصاص، وجب على القاضي أن يتوقف وأن يقضي بعدم اختصاصه.

ويتحقق ذلك في صورتين:
أولاهما: أن يزول ركن الاستعجال أو الخطر بعد أن كان متحققا في بداية رفع الدعوى. فإن ذلك يزيل اختصاص القاضي بالحكم فيها-كما لو سدد المستأجر الأجرة أثناء رفع دعوى الطرد المستعجلة فينتفي بذلك الخطر على حقوق المؤجر.
ومن أمثلة ذلك أيضاً أن ترفع دعوى مستعجلة بإثبات حالة ثم يتغيب المدعى والمدعى عليه فيها فتشطب ولا يجددها المدعى إلا بعد مضي فترة طويلة كفيلة بزوال حالة الاستعجال، فهذا التراخي في الدعوى يزيل الاستعجال.
والصورة الثانية: أن يثور أثناء الدعوى نزاع موضوعي ويكون هذا النزاع جدياً والفصل فيه ضرورياً للحكم في الدعوى.
مثال ذلك: أن ترفع دعوى طرد مستأجر بحجة انتهاء عقد إيجاره أو تكون دعوى الطرد مؤسسة على وجود شرط فاسخ صريح وارد في عقد الإيجار وأن هذا الشرط قد تحقق- فيثير المستأجر نزاعاً موضوعياً حول انتهاء عقد الإيجار أو حول وجود الشرط الفاسخ الصريح أو حول تحققه.
ولكن لا يكفي أن يثور نزاع موضوعي أياً كان حتى يزول اختصاص القاضي المستعجل – وإلا لأمكن للمدعى عليه أن يستبعد الاختصاص المستعجل بإثارة أي نزاع جدياً والفصل فيه لازما للحكم في الدعوى المستعجلة، فإن تبين القاضي من ظاهر الأوراق أن النزاع غير جدي فإنه لا يقضي بعدم الاختصاص، ومن أمثلة ذلك على ما ورد في أحد أحكام محكمة النقض من ادعاء المستأجر بأنه استأجر نفس المكان بعقد جديد من وكيل المالك، إذ يتضح أنه ليست هناك وكالة.
ويلاحظ أخيراً أن اختصاص القاضي المستعجل يختلف عن اختصاص أي قاض آخر لأن المحاكم الموضوعية عندما تجد مسألة أولية في الدعوى (أي مسألة يتوقف عليها الفصل في الدعوى) ، وتكون هذه المسألة خارجة عن اختصاص المحكمة فإنها توقف الدعوى لحين الفصل في المسألة الأولية ويبقى الاختصاص بالدعوى الموقوفة قائماً للمحكمة التي رفعت إليها تلك الدعوى. أما القاضي المستعجل فلا يملك أن يوقف الدعوى لحين الفصل في النزاع الموضوعي –لأن ذلك يزيل ركن الاستعجال ويجعل اختصاصه بعدئذ عديم الفائدة –وإنما يفصل بحسب الظاهر.

مواطن عدم المساس بأصل الحق:
وعدم المساس بأصل الحق كشرط لاختصاص القضاء المستعجل يتمثل في جملة مواطن أن مواضع من الدعوى:
أولها: في الطلبات المعروضة على القاضي: إذ يجب ألا تكون طلبات موضوعية. والطلبات الموضوعية هي التي تتعلق بأصل الحق. ومثالها طلب الحكم بالمديونية أو الملكية أو البطلان أو الفسخ أو براءة الذمة أو سقوط الحق بالتقادم إلى غير ذلك من الطلبات المماثلة.
وثانيها: في بحث المستندات. إذ أن القاضي المستعجل يحكم بحسب الظاهر فلا يجوز له أن يتعمق في بحث المستندات أو أن يقطع في شأنها برأي حاسم أو أن يفسرها سواء كانت عقوداً أو أحكاماً، بل أنه يحكم بحسب ما يبدو له لأول وهلة أو لأول نظرة (أو على حد تعبير محكمة النقض أنه يتحسس المستندات، أي يبحثها بحثاً عرضيا).
فإذا ما تعمق في بحثها أو تطرق إلى تفسيرها فإنه يكون قد جاوز اختصاصه.
وثالث هذه المواضع – هو في تسبيب الحكم: إذ يجب ألا يستند القاضي المستعجل في أسبابه إلى ثبوت الحق أو نفيه بل يجب أن يقتصر على الترجيح بين الاحتمالات دون أن يقطع برأي في أصل الحق، وإلا فإن حكمه يكون مبنياً‌ على أساس فاسد لتجاوزه حد اختصاصه.
ولهذا نجد أن أسباب الأحكام المستعجلة تتردد فيها غالباً عبارة: "وحيث أنه يبدو....." أو "وحيث أن الظاهر من الأوراق أو من الظروف......" فلا يجوز أن يقول القاضي المستعجل: "وحيث أنه قد ثبت....." –لأنه بذلك يكون قد اعتدى على ولاية القاضي الموضوعي ولم يبق شيئاً ليحكم فيه- مع أن القاعدة أن أصل الحق يبقى سليماً محفوظاً يتناضل فيه الخصمان أمام محكمة الموضوع ولا يتأثر بما ورد في الحكم المستعجل.
وسنرى أن من نتائج ذلك اعتبار حجية الحكم المستعجل مؤقتة ونسبية بمعنى أنها لا تؤثر على قضاء الموضوع.
والموضوع الرابع: هو في منطوق الحكم: فلا يجوز للقاضي المستعجل أن ينتهي في قضائه إلى تقرير ثبوت الحق أو نفيه أو إلى إلزام أحد الخصمين بأداء حق إلى الآخر بل كل ما يستطيعه هو الحكم بإجراء مؤقت.
وتظل للإجراء الوقتي المحكوم به صفة الوقتية حتى ولو ترتب عليه ضرر دائم أو ضرر يتعذر تداركه كما في حالة الحكم بالطرد مثلا إذ ما شغلت العين التي طرد منها المستأجر، أو الحكم بالهدم إذا ما تم الهدم، ثم تبين بعد ذلك أمام قاضي الموضوع أن من صدر الحكم بالطرد أو الهدم لصالحه لم يكن محقاً في طلبه من الناحية الموضوعية، فإن تعذر إعادة الحال إلى ما كانت عليه ا ينفي أن الإجراء كان مع ذلك وقتياً، مقصوداً به تدارك الخطر العاجل الذي كان ماثلا أما القاضي المستعجل، مع بقاء أصل الحق سليما.
وتترتب على وجوب امتناع القاضي المستعجل عن المساس بأصل الحق نتيجة هامة، هي أنه لا يجوز له أن يحكم بإحالة الدعوى المستعجلة إلى التحقيق أي أن يسمع شهوداً كما لا يحوز له أن يقضي بتوجيه اليمين الحاسمة أو أن يحقق الادعاء بالتزوير، ولهذا فإن القاضي المستعجل لا يصدر أحكاماً تمهيدية بل ينتهي دائماً إلى القضاء بإجراء وقتي بموجب حكم يختتم به الدعوى دون أن تسبقه أحكام تمهيدية.
وإنما أجيز للقاضي المستعجل أن يقضي بالمعاينة أو يندب خبيراً إذا كان من شأنه هذا الإجراء التحقق من توافر ركن الاستعجال أي باعتبار ذلك وسيلة للتحقق من اختصاص القاضي، ومثال ذلك دعوى ترفع بطلب وقف أعمال الهدم أو البناء في عقار مجاور لأن ذلك يهدد عقار المدعى، فيجوز للقاضي أن يعاين أو أن يندب خبيراً للتثبت من أن هذه الأعمال تهدد عقار المدعى، فإذا تبين له ذلك كان مختصاً، وإلا فإن ركن الخطر ينتفي، وينتفي بذلك اختصاصه.
*****
هذه هي الشروط اللازمة لاختصاص القاضي المستعجل، ويلاحظ أن أي شرط منها لا يغني عن الآخر بل لابد أن تتوفر جميعاً. فلو توافر الاستعجال والخطر، وتبين أن هناك مساساً بأصل الحق كان القاضي المستعجل غير مختص مهما بلغت درجة الخطورة. والعكس صحيح بمعنى أنه لو طلب من القاضي إجراء وقتي ولم يكن في ذلك أي مساس بأصل الحق ولكن انتفى الاستعجال فإنه يكون غير مختص.
ويجدر أخيراً أن نكرر الإشارة إلى أنه لا يكفي اتفاق الطرفين على  اختصاص القاضي المستعجل لأن اختصاصه من النظام العام فهو لا يتولد من إرادة الطرفين بل من طبيعة الخصومة أو المنازعة والإجراء المطلوب فيها.

 

كيفية الالتجاء إلى القضاء المستعجل

يلجأ المتقاضون إلى القضاء المستعجل عن طريق رفع دعوى بصحيفة تودع ثم تعلن متضمنة تكليف الخصم بالحضور إلى المحكمة في جلسة تحدد لذلك، وتعقد هذه الجلسة أمام القاضي المستعجل فيدلي فيها كل من الطرفين بدفاعه ويقدم حجته ويطلع كل منهما على مستندات خصمه ويناقشها أو يمكن من الإطلاع عليها ومناقشتها ثم تنتهي الدعوى بحكم مسبب.
وإذا كان المشرع قد قرر بالنسبة لإشكالات التنفيذ طريقاً خاصاً لرفعها تتميز به عن غيرها من المنازعات القضائية –وهو إبداؤها أمام المحضر شفويا عند حضوره لإجراء التنفيذ –فإن ذلك لا يغير من كيفية سير الخصومة بعد ذلك أمام المحكمة إذ أن إبداء الإشكال أمام المحضر يعتبر بمثابة رفع الدعوى فيجب في هذه الحالة دفع رسوم الدعوى إلى المحضر الذي يتعين عليه إثبات ذلك في محضر التنفيذ وتحديد جلسة لنظر الإشكال أمام قاضي التنفيذ باعتباره قاضياً للأمور المستعجلة - مع تكليف الخصوم بالحضور أمامه في تلك الجلسة - ويعتبر الإشكال مرفوعاً من وقت إبدائه أمام المحضر، فإذا قصر المحضر في رفع الإشكال إلى القاضي عن طريق تحديد جلسة لنظره –جاز للمستشكل تحريك الإشكال بتحديد جلسة وتكليف خصمه بالحضور إليها ولا يعتبر ذلك إشكالا جديداً.
ونرى مما تقدم أن لرفع الدعوى المستعجلة طريقتين (الأولى) هي إعداد صحيفة تودع قلم الكتاب وتعلن مع تكليف الخصم بالحضور أمام المحكمة لسماع الحكم عليه بالطلبات الواردة بالصحيفة، وهذه الطريقة عامة وتتبع بالنسبة لجميع المنازعات المستعجلة – أما الطريقة (الثانية) فهي إبداء المنازعة أمام المحضر عندما تكون هذه المنازعة متعلقة بالتنفيذ أي إشكالا في التنفيذ، وهذه الطريقة خاصة بالإشكالات ولا تتبع بالنسبة لغيرها من الدعاوى المستعجلة، لأنها لا تتسنى إلا في حالة المنازعات المتعلقة بالتنفيذ، التي تقتضي بطبيعتها وجود المحضر في الموقع عند إبداء المنازعة، والتي ترفع إلى قاضي التنفيذ باعتباره قاضياً للأمور المستعجلة.
ويراعى أن رفع الإشكال بهذه الطريقة الخاصة اختياري إذ يجوز لمن يرغب في أن يستشكل في التنفيذ أن يرفع إشكاله بالطريق المعتاد أي بالصحيفة المقيدة المعلنة.
على أنه حتى لو اتبعت هذه الطريقة الخاصة فإن الدعوى المستعجلة تسير بعد رفعها طبقاً للنظام العادي أي تنظر في جلسة علنية يحضر فيها طرفا الخصومة لإبداء دفاعهما مع مجابهة كل منهما للآخر، وتنتهي الدعوى بحكم مسبب، وفي هذا يختلف عمل القاضي المستعجل عن عمل القاضي الوقتي الذي يلجأ إليه أصحاب الشأن بطلبات تقدم على عرائض ينظرها القاضي في خلوته دون استدعاء الخصوم ودون مواجهتهم وبغير دفاع أو مناقشة أو مجابهة، ثم يؤشر القاضي على العريضة بما يراه من إجابة الطلب أو رفضه أو إجابة جزء منه، وكل ذلك دون أسباب وفي غير جلسة علنية ولا تعتبر التأشيرة التي يذيل القاضي بها العريضة حكما، بل تعتبر أمراً صادراً من القاضي الوقتي بناء على سلطته الولائية.
وقد ثار التساؤل عن معيار التفرقة بين الإجراءات الوقتية التي ترفع بها دعوى مستعجلة والإجراءات الوقتية التي تقدم بها عريضة إلى قاضي الأمور الوقتية –والواقع أن العمل هو الذي يحدد الطلبات الوقتية التي تعرض على القاضي الوقتي وتلك التي تعرض على القاضي المستعجل –ما لم يوجد نص يلزم بالالتجاء إلى أحدهما ويحدد الطريق الواجب الإتباع.
ولهذا ينبغي أن نستعرض تطبيقات عملية للقضاء المستعجل.

تطبيقات عملية للقضاء المستعجل
1- التطبيق الأول: دعوى إثبات الحالة:
هي دعوى يقصد منها إلى تهيئة الدليل في دعوى موضوعية مرفوعة فعلا أو سترفع في المستقبل وذلك عندما تحدث واقعة يخشى من زوال معالمها أو من تغيير هذه المعالم بمرور الوقت –ومثال ذلك دعوى إثبات حالة أرض غمرتها المياه قبل أن تنحسر عنها، أو دعوى إثبات حالة حريق أو هدم... الخ.
وفي هذه الأحوال قد يقوم القاضي المستعجل بالمعاينة بنفسه ويحرر بذلك محضراً يثبت فيه ما شاهده في المعاينة. أو يقوم بانتداب خبير لوصف الحالة القائمة، وهذا هو الغالب إذ قلما ينتقل القاضي للمعاينة بنفسه، ومتى تم وصف الحالة القائمة تنتهي الدعوى بذلك ويصدر القاضي حكما بانتهائها.
على أنه إذا قام الخبير تقريراً فمن الجائز مناقشة هذا التقرير والطعن عليه، وقد ينتهي الأمر بتعيين خبير آخر أو بتكليف الخبير نفسه بإكمال عمله إذا تبين أن به نقصاً أو ثمة ما يستدعى استكمالا، وقد ترى المحكمة استدعاء الخبير أمامها لمناقشته في تقريره.
على أن الدعوى تقف على كل حال عند هذا الحد، لأنها تقتصر على تهيئة الدليل، ويحكم القاضي عندئذ بانتهاء الدعوى.   
وغنى عن البيان آن الحكم الذي يصدر في مثل هذه الدعوى يجوز استئنافه ويمكن في الاستئناف طلب ندب خبير آخر أو إعادة المأمورية للخبير لاستيفائها كما يمكن طلب مناقشة الخبير. ويشترط في دعوى إثبات الحال توافر ركن الاستعجال، أي أن تكون الواقعة متغيرة المعالم مع مضي الزمن –فإن كانت المعالم قد زالت فعلا- أو كانت من المعالم الثابتة التي لا تزول بمرور الوقت ولا يترتب على مضي الزمن تفويت مصلحة أو حق نتيجة لذلك – فإن ركن الاستعجال ينتفي في هذه الحالة وتخرج الدعوى من مجال اختصاص القضاء المستعجل، ويجب عندئذ أن يطلب إثبات الحال من القاضي الموضوعي عند رفع الدعوى الموضوعية.

2- التطبيق الثاني: دعوى الحراسة القضائية

الحراسة القضائية هي إجراء تحفظي مؤقت يقصد به إلى وضع المال المتنازع عليه منقولا كان أم عقاراً تحت يد شخص أمين يحافظ عليه ويسلمه لمن يثبت أنه صاحب الحق فيه ويكون للحارس إدارة المال واستغلاله إن كان قابلا لذلك –كمنزل يؤجر أو مصنع يدار- ثم يوزع غلته كلها أو بعضها أو يودعها في خزينة المحكمة لتصرف لمن يثبت له الحق فيها.
ويجب لفرض الحراسة أن يكون هناك نزاع جدي على إدارة المال أو على ملكيته أو حيازته كما هي الحال بالنسبة للأموال الشائعة التي تكون مملوكة لجملة أشخاص إذا قام نزاع بين الشركاء المشاعين حول ملكية المال أو إدارته –وكما هي الحال بالنسبة للتركات- وقد وردت في القانون المدني نصوص متعلقة بالحراسة القضائية (أنظر المادة 730 مدني) وتتضمن هذه النصوص وجوب توافر خطر عاجل حتى يقضي بالحراسة. على أن تقدير هذا الخطر أو هذه الضرورة التي تدعو إلى تعيين حارس قضائي أمر متروك للقاضي المستعجل.
ومن صور الحراسة القضائية ما عرض على القضاء المستعجل من تعيين حارس قضائي على المصعد الكهربائي إذا تعطل. أو على جهاز تسخين المياه في إحدى العمارات الكبيرة إذا امتنع المالك عن تشغيله – وقد تفرض الحراسة على مال معنوي كحق المؤلف أو حق شخصي كحق الإيجار أو على مجموع من المال كالمتجر أو التركة، وإنما الذي لأي يجوز هو وضع الحراسة على مجموع الذمة المالية للشخص، أو أن تكون الحراسة وسيلة إلى اقتضاء الديون، أي طريقاً من طرق التنفيذ، فقد جرى القضاء على رفض طلب الحراسة إذا كان الطالب دائناً يرمي من طلبه إلى تحصيل ديونه أو على تنفيذ التزام شخصي عن طريق فرض الحراسة القضائية –لأن الحراسة ليست طريقاً من طرق التنفيذ. كذلك لا يجوز فرض الحراسة إذا كان ذلك يمس حرية الشخص أو كرامته أو إذا كان العمل المطلوب مما لا يمكن أن يقوم به إلا المدعى عليه نفسه كالحراسة على عيادة طبيب أو مكتب محام.
وقد اختلف الرأي في جواز وضع إحدى الكنائس تحت الحراسة القضائية وقضي بعدم جواز ذلك لأن الحارس القضائي لا يمكن أن يقيم الشعائر الدينية في الكنيسة أو أن يعين من يقيمها (وهناك رأي مخالف).
والحراسة القضائية على كل حال لا تفرض بأمر من قاضي الأمور الوقتية بل لابد من صدور حكم بها من القضاء المستعجل لأنها يعتبر منازعة قضائية.
والمحكمة التي تقضي بفرض الحراسة التي تختار الحارس الذي تعينه وهي التي تحدد مأموريته والتزاماته فيجوز لها أن تصرح له بالإدارة منفرداً أو أن تخضعه في ذلك لرقابة معينة أو أن تخوله سلطات محدودة، كما تملك إلزامه بإيداع الربع كله في خزينة المحكمة أو تصرح له بصرفه كله أو بعضه لمستحقيه. وتقترن الحراسة عادة بتكليف الحارس بتقديم كشوف شهرية أو دورية في قلم كتاب المحكمة، مؤيدة بالمستندات.
وإذا خالف الحارس ما ألزمته به المحكمة جاز عزله وتعيين حارس آخر بدله أو تعيين حارس ثان ينضم إليه ليباشر الحارسان معاً مهمة الحراسة ويكون كل منهما رقيباً على الآخر، فالمحكمة المختصة بتعيين الحارس هي المختصة بعزله أو استبداله إذا اعتذر عن قبول المهمة أو توفي أو جد من الأسباب ما يوجب استبداله حتى لو لم ينسب إليه خطأ أو مخالفة، كما لو عين في منصب يتعذر معه قيامه بالمهمة كما يجب.
ويجوز للقاضي المستعجل إنهاء الحراسة وتسليم الأموال الموضوعة تحت الحارسة إلى أصحابها إذا تغيرت الظروف كما لو انتهى النزاع بينهم قضاء أو رضاء أو اشترى أحدهم حصص الباقين فكل ذلك من اختصاص القضاء المستعجل.

3- التطبيق الثالث: المنازعات بين المؤجرين والمستأجرين:
قد تثير هذه المنازعات اختصاص القاضي المستعجل في الحالات التي يتوافر فيها ركن الخطر أو الاستعجال، ومثال ذلك: أن تكون العين المؤجرة في حاجة إلى ترميمات ضرورية، ويرفض المؤجر إجراء هذه الترميمات فيرفع المستأجر دعوى مستعجلة يطلب فيها التصريح له بإجراء الترميمات على نفقة المؤجر تجنباً للخطر الذي ينشأ عن القيام بها –أو أن تكون العين في حاجة إلى ترميم، ويرفض المستأجر إدخال المؤجر لإجرائه فيرفع المؤجر دعوى بطلب تمكينه من الدخول في العين لإجراء الترميمات إذا تبين أن إجراءها يستلزم دخوله – أو يطلب إخلاء المستأجر مؤقتاً من العين أو من جزء منها لحين إجراء الترميمات ... إلى غير ذلك من المنازعات المستعجلة التي يتبين فيها توافر الخطر والاستعجال.
ومن الصور الهامة التي تعرض على القضاء المستعجل في هذا المجال: "دعوى الطرد المستعجلة" التي يرفعها المؤجر على أساس وجود شرط فاسخ صريح في عقد الإيجاز –وعلى أساس تحقق هذا الشرط. وفي هذه الدعوى يجب أن يستوثق القاضي المستعجل من هذه الأمرين (وجود الشرط الفاسخ الصريح- وتحققه) فإذا تشكك في أحدهما وجب عليه أن يتوقف عن الفصل في موضوع الدعوى يمس أصل الحق – وقد رأينا أنه إذا ثار النزاع جدي موضوعي فإن هذا يمنع اختصاص القاضي المستعجل ولا شك في أن المنازعة في وجود الشرط الفاسخ الصريح أو في تحققه متى كانت جدية فإنها تكون منازعة موضوعية تؤدي إلى تخلف شرط الاختصاص المستعجل مما يتعين معه الحكم بعدم الاختصاص.

4- التطبيق الرابع: دعوى سماع شاهد يخشى عليه:
إذا كان نزاع متوقع أو قائم يستدعى سماع الشهود ويتبين أن أحد الشهود مريض بمرض خطير أو أصيب في حادث بحيث يخشى اقتراب منبته، أو أنه على وشك السفر في رحلة بعيدة طويلة المدى فيمكن لمن يريد استشهاد بهذا الشاهد أن يرفع دعوى مستعجلة يطلب فيها سماع أقوال هذا الشاهد أمام القاضي المستعجل بعد حلف اليمين –ويحفظ المحضر الذي تثبت فيه هذه الشهادة ليقدم فيما بعد كمستند في دعوى الموضوع –وتنتهي الدعوى المستعجلة بذلك، وقد نص المشرع على هذه الدعوى بنص خاص (المادة 222 مرافعات) ولولا وجود هذا النص لما أمكن أن يختص بها القاضي المستعجل أو أن تكون مقبولة.
وقد اشترط المشرع في هذا الصدد أن تكون الواقعة مما يجوز إثباته بشهادة الشهود وأن يتحقق القاضي من وجود ضرورة تدعو إلى ذلك كالخوف على حياة الشاهد أو تعرضه للمخاطر أو سفره في رحلة قد لا يعود منها إلا بعد فوات الأوان أو قد لا يعود منها أبداً.

5- التطبيق الخامس: دعوى طرد الغاصب:
يختص القاضي المستعجل بطرد الغاصب، وهو من يضع يده على عقار مملوك لسواه أو يحوزه سواه دون أن يكون له في ذلك سند قانوني، ووجه اختصاص القضاء المستعجل في هذه الحالة هو أن الغصب في حد ذاته يشكل خطراً على حقوق المالك تنبغي المبادرة على إزالته على أساس أن القضاء المستعجل يختص دائماً برد العدوان البادي على الحقوق وبإزالة العراقيل المادية التي تحول بين المرء وحقه.
والواقع أن الغضب قد يترتب عليه تفويت مصلحة المالك في الانتفاع بملكه على الوجه الذي يراه، وقد يؤدي استمرار الغصب –على كل حال- إلى اكتساب الغاصب لصفة الحائز، ولذلك تعتبر دعوى طرد الغاصب من الدعاوى المستعجلة، ولكن ينبغي فيها ثبوت حق المدعى وأن يفتقر المدعى عليه إلى السند القانوني الذي يبرر وضع يده. فإذا ادعى المدعى عليه أنه يضع يده بناء على سند قانوني ووجد القاضي أن ادعاؤه هذا لا يقوم على أساس من الجد حكم بطرده، أما إذا كان لهذا الادعاء أساس جدي ولو في الظاهر فإن القاضي المستعجل يحكم عندئذ بعدم اختصاصه لأن خوضه في بحث سند المدعى عليه في وضع يده يمس بأصل الحق، وبعبارة أخرى أنه لا يكفي أن تقوم من جانب المدعى عليه منازعة في هذا الشأن حتى يمتنع على القاضي المستعجل نظر الدعوى وإلا لكان معنى هذا ألا يختص القضاء المستعجل بطرد أي غاصب أبداً إذ يكفي الغاصب أن يثير أية منازعة ولو كانت واهية لكي يستبعد اختصاص القضاء المستعجل. وإنما يجب أن تكون هذه المنازعة ظاهرة الجد معززة بالدليل.
ويختص القضاء المستعجل بطرد الغاصب إذا لم يكن له سند أصلا في وضع يده أو إذا كان له سند قانوني وزال. لأن زوال السند يجعل وضع يده غصبا. ومثال ذلك أن يشتري شخص عقاراً ويتسلمه ثم يفسخ عقد البيع أو يقضي ببطلانه ويستمر المشتري واضعاً اليد على العقار. ولذلك يختص القضاء المستعجل بطرد المستأجر إذا انتهى عقده بالفسخ أو بأي سبب آخر من أسباب الانقضاء.
ويحكم أيضاً بطرد الغاصب ولو استند إلى إجراء أتضح أنه غير قانوني ومثال ذلك أن يستولى الغاصب على العقار بموجب حكم صادر ضد شخص آخر غير مالك العقار أو حائزه. لأن هذا الأسلوب الملتوي في سلب الحيازة يجعل من حق الحائز للعقار ولو لم يكن مالكا أن يطلب طرد من اغتصب الحيازة منه بهذه الطريقة.
فدعوى طرد الغاصب إذن لا يشترط أن يكون رافعها مالكا للعقار بل يكفي أن يتحقق فيه صفة الحائز أي أن تتوافر له الشروط القانونية اللازمة لاعتباره حائزاً بالمعنى القانوني.
وقد قيل بأنه يجب أن يتوفر في دعوى طرد الغاصب ركن الاستعجال ولكننا نعتقد أن ركن الاستعجال متوافر دائماً كلما تحققت حالة الغصب لأن العدوان على الحق يخلق حالة الخطر ولا يمكن اعتبار السكوت على الغصب فترة من الزمن إقراراً للغصب لأن استمرار الغصب يؤدي إلى تزايد الخطر، ويكفي لتوافر الاستعجال أن يقرر المدعي أنه في حاجة إلى الانتفاع بالعقار ولو كانت رغبته في الانتفاع به قد استجدت وقت رفع الدعوى. ولذلك فإن الاستعجال هنا قائم دائماً وتفرضه ظروف الدعوى نفسها لأن الغصب عدوان ومن وظيفة القاضي المستعجل أن يمنعه وأن يمنع استمراره فلا يزيل ركن الاستعجال إلا أن يكون المغتصب قد انقلب حائزاً بالمعنى القانوني متى توافرت له الشروط اللازمة لوصف وضع يده بأنه حيازة.

6- التطبيق السادس: دعوى التمكين:
يقصد بدعوى التمكين الدعوى التي ترفع لرد الحال إلى ما كانت عليه ومثالها أن يصدر حكم بطرد مستأجر ويتم تنفيذ هذا الحكم ولكن المستأجر يتوصل على إلغائه عن طريق الطعن عليه بالاستئناف مثلا ويصدر حكم الإلغاء بوقف تنفيذ حكم الطرد، فيتقدم المستأجر على القاضي المستعجل طالبا الحكم بتمكينه من العودة إلى شغل المكان الذي طرد منه.
ومثال ذلك أيضاً أن يقضي بهدم مسقى ويتم تنفيذ الحكم وهدم المسقى ولكن يلغي الحكم بعد ذلك استئنافياً فيتقدم المنتفع بالمسقى إلى القضاء المستعجل بطلب تمكينه من إعادة الحال إلى ما كانت عليه أي بإعادة حفر المسقى التي هدمت.
وما يقال بالنسبة لإلغاء الحكم في الاستئناف يقال أيضاً بالنسبة لنقض الحكم إذا ما طقن عليه بطريق النقض وقررت محكمة النقض قبول الطعن ونقض الحكم. ويصدق ذلك أيضاً في حالة صدور حكم مشمول بالنفاذ رفع طلب بوقف نفاذه فبادر صاحب المصلحة إلى تنفيذه ثم صدر الحكم بوقف تنفيذه مما يؤدي إلى عدم الاعتداد بما تم من أعمال التنفيذ وإلى اعتبار هذه الأعمال عدوانا أو أعمالا مادية ليس لها أثر قانوني، ما دامت قد تمت أثناء نظر طلب وقف النفاذ وهو ما يقتضي إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التنفيذ.
وتسمى هذه الدعوى عملا دعوى التمكين. والغرض منها هو إعادة الحال إلى ما كانت عليه، ما دام. ذلك ممكناً، كما لو كانت العين (التي طرد منها المستأجر في مثالنا السابق) لم تشغل بعد أو شغلها المالك نفسه الذي حصل على حكم الطرد. أما إذا تم تأجير العين لشخص آخر، فلا يجوز في هذه الحالة الحكم بالتمكين لن الغير قد تعلق له بها حق. فالحكم بالتمكين يؤدي إلى المساس بحق ذلك الغير، ومن ثم لا يكون القضاء المستعجل مختصا بالدعوى في تلك الحالة حتى لو ادعى طالب التمكين بصورية حق ذلك الغير أو بأنه متواطئ مع المالك للإضرار بحقوقه، لأن البت في أمر الصورية أو الغش يعتبر فصلا في أصل الحق فلا يملكه إلا قاضي الموضوع.
وتشتبه دعوى التمكين بدعوى طرد الغاصب في حالة ما إذا توصل شخص إلى الاستيلاء على عقار ووضع يده عليه بطريق الحيلة أي عن طريق تنفيذ حكم صادر على غير المستأجر أو على غير الحائز، فترفع الدعوى هنا على من قام بتنفيذ ذلك الحكم، بتمكين المستأجر أو الحائز من العودة إلى العقار أي إعادة وضع يده عليه. ولكن دعوى التمكين تستعمل غالبا في حالة إلغاء الأحكام بعد تنفيذها فيكون الغرض منها هو إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التنفيذ، على اعتبار أن ما تم من أعمال التنفيذ لا يعدو أن يكون أثراً من آثار الحكم الملغي فيزول بزواله وتهبط تلك الأعمال إلى مستوى الأعمال المادية أو تعتبر عملا من أعمال القوة التي يختص القضاء المستعجل دائما بردها ومنع استمرارها الذي يؤدي إلى تزايد الضرر الناشئ عنها بمضي الوقت، فهي إذن من الحالات التي يخشى عليها من فوات الوقت، وبهذه المثابة يختص بها قاضي الأمور المستعجلة (العادي) كما أن من الممكن أن يقال بأنها تعتبر من إشكالات التنفيذ، على تقدير أن تنفيذ حكم الإلغاء يقتضي إلغاء إجراءات تنفيذ الحكم الملغي – وهو ما يسمى أحياناً في العمل باسم "التنفيذ العكسي" وعلى أساس هذا التخريج يمكن إسناد الاختصاص بدعوى التمكين في هذه الحالة إلى قاضي التنفيذ.

الاختصاص النوعي والمحلي للقاضي المستعجل
أولا: الاختصاص النوعي:
القاضي المستعجل هو قاض جزئي. وتستأنف أحكامه على المحكمة الكلية. ولكن المشرع قرر أنه في المدن التي توجد بها محكمة كلية يندب أحد قضاة المحكمة الكلية لنظر المنازعات المستعجلة (الخاصة بهذه المدينة) ويباشر عمله في مقر المحكمة الكلية. ولكن هذا لا يؤثر في طبيعة اختصاص القاضي المستعجل، لن وجوده في مقر المحكمة الكلية لا ينفي أنه قاض جزئي، أما تجميع المنازعات المستعجلة التي تثور في سائر أنحاء المدينة أمامه فهو ليس غلا توزيعا للعمل بحسب المكان أي أنه يتعلق بالاختصاص المكاني أو المحلي لا بالاختصاص النوعي، وكل ذلك لا يؤثر على طبيعة عمله وأنه يباشر ولايته بصفته قاضياً جزئياً.
أما في خارج دائرة المدينة التي بها مقر المحكمة الكلية فلا شبهة، لأن الاختصاص بالمنازعات المستعجلة مسند إلى المحكمة الجزئية بنص المادة 45 مرافعات فقرة (2).
على أنه يراعى أن المنازعة المستعجلة قد ترفع بطريق التبعية لدعوى موضوعية قائمة أمام محكمة الموضوع التي قد تكون محكمة ابتدائية، وتستأنف أحكامها – (سواء أكانت صادرة في موضوع الدعوى أو في الطلب المستعجل المقترن بها والتابع لها) – إلى محكمة الاستئناف العليا.
وفي هذه الحالة يثور التساؤل عما إذا كان ذلك يؤثر على الاختصاص النوعي بالمنازعات المستعجلة بمعنى أن يعتبر قضاء الأمور المستعجلة قضاء نوعياً له طبيعة خاصة تجعله تارة مسنداً للقاضي الجزئي وتارة إلى المحكمة الكلية.
والجواب على ذلك أن هذه صورة من صور الاختصاص المشترك لا تؤثر في القاعدة الأصلية وهي أن النزاع المستعجل إذا رفع مستقلا فإنه يرفع على القاضي الجزئي، سواء أكانت هناك دعوى موضوعية قائمة أو لم تكن، وسواء أكانت هذه الدعوى الموضوعية من اختصاص المحكمة الكلية أو غيرها طالما أن المنازعة المستعجلة مرفوعة على استقلال.
غير أن اختصاص القاضي الجزئي بالدعوى المستعجلة إذا رفعت على استقلال –لا يمنع من اختصاص محكمة الموضوع بالطلبات المستعجلة إذا ما رفعت إليها بطريق التبعية وذلك تأسيساً على أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع.
وقد نصت على ذلك المادة (45) من قانون المرافعات الجديد وهو نفس ما كان ينص عليه قانون المرافعات القديم في المادة (49).
على أنه يلاحظ في حالة تقديم الطلب المستعجل إلى محكمة الموضوع أن هذه المحكمة قد تكون محكمة جزئية فلا يختلف الوضع لأن الطلب المستعجل سيعرض عندئذ على القاضي الجزئي سواء رفع على استقلال أو بطريق التبعية للدعوى الموضوعية، وإنما تبدو المفارقة إذا كانت دعوى الموضوع معروضة أمام محكمة ابتدائية ورفع الطلب المستعجل تبعاً لها – كطلب عارض سواء من جانب المدعي أو المدعى عليه – ففي هذه الحالة ينظر الطلب المستعجل أمام محكمة كلية مع أنه أصلا من اختصاص القاضي الجزئي- ثم يستأنف حكمه إلى محكمة الاستئناف العليا (مع أنه كان ينبغي لو التزمنا الأصل أن ينظر الاستئناف أمام المحكمة الكلية) – وقد يصل الأمر إلى حد الطعن بالنقض في حكم محكمة الاستئناف العليا الصادر في هذا الطلب المستعجل. ولكن هذه كلها نتائج للاختصاص المشترك بالمسائل المستعجلة.
إلا أنه ينبغي أن أشير هنا إلى بعض ملاحظات لها أهميتها:
أولا: إن كل اتفاق بين الخصوم على اختصاص القاضي المستعجل بالمسائل الموضوعية يقع باطلا ويقضي قاضي الأمور المستعجلة بعدم اختصاصه في هذه الحالة من تلقاء نفسه – لأن اختصاصه القضاء المستعجل يعتبر اختصاصاً نوعياً ومن ثم فهو متعلق بالنظام العام ولذلك لا يجوز الاتفاق على خلافه.
ثانياً: إن الطلب المستعجل قد يعرض على محكمة الموضوع كطلب عارض من جانب المدعى- كما لو رفع شخص دعوى ملكية ثم طلب أثناء نظرها – فرض الحراسة على الأعيان المتنازع عليها. وكذلك يتصور أن يطرح الطلب المستعجل على محكمة الموضوع كطلب عارض من جانب المدعى عليه. كما لو جاء المدعى عليه في دعوى الملكية وطلب فرض الحراسة على الأعيان المتنازع عليها. وهذا متصور.
ثالثاً: إن عرض الطلب المستعجل أمام محكمة الموضوع يقتضى بالضرورة أن تكون الدعوى منظورة أمام محكمة الدرجة الأولى فلا يجوز إبداء الطلب المستعجل بطريق التبعية لدعوى الموضوع إذا كانت قد وصلت إلى مرحلة الاستئناف لأن ذلك يؤدي إلى تفويت درجة من درجات التقاضي على الخصوم ويتعارض مع مبدأ عدم جواز إبداء طلبات جديدة في الاستئناف.
رابعاً: بالنسبة للإحالة من القاضي المستعجل إلى قاضي الموضوع عندما يحكم القاضي المستعجل بعدم اختصاصه- نرى أن ذلك جائز إلا إذا كانت طبيعة الدعوى المستعجلة تمنع الإحالة.

ثانياً: الاختصاص المحلي للقاضي المستعجل:
إذا كان المطلوب في الدعوى المستعجلة إجراء مؤقتاً كالحراسة أو إثبات الحالة فيكون المختص هو القاضي المستعجل الذي يكون الإجراء مطلوباً في دائرة اختصاصه. على أن هذا لا يمنع من اختصاص محكمة موطن المدعى عليه طبقاً للقاعدة العامة.
أما إذا كان النزاع المستعجل إشكالا في التنفيذ فيرفع إلى القاضي الذي يجري التنفيذ في منطقة اختصاصه (مادة 59 مرافعات).

حجية الأحكام المستعجلة
ليس للأحكام المستعجلة حجية أمام قاضي الموضوع ولذلك يستطيع قاضي الموضوع أن يحكم بعكس الحكم المستعجل الصادر بين نفس الخصوم في النزاع المستعجل المتعلق بموضوع الدعوى. ولا يعتبر ذلك إخلالا بقوة الشيء المقتضى فيه.
ولكن الحكم المستعجل يجوز الحجية أمام القضاء المستعجل نفسه فلا يجوز تجديد الدعوى المستعجلة في المستقبل أمام نفس القاضي أو أي قاض مستعجل آخر.
ولكن حتى في هذا النطاق نجد أن حجية الحكم المستعجل مؤقتة فهي تبقى قائمة طالما أن الظروف لم تتغير- فإذا ما تغيرت الظروف زالت هذه الحجية المؤقتة وجاز صدور حكم مستعجل جديد على خلاف الحكم المستعجل السابق.
فالحجية إذن (قاصرة) أي إنها لا تمتد إلى خارج نطاق القضاء المستعجل (ومؤقتة) أو رهينة بعدم تغير الظروف.

الإحالة من القضاء المستعجل للقضاء الموضوعي
وقد ثارت في خصوص القضاء المستعجل مسألة ما إذا كان يجوز للقاضي المستعجل إذا ما قضى بعد اختصاصه أن يحيل الدعوى إلى محكمة الموضوع أم أنه لا يجوز له ذلك.
والواقع أن نص المادة (110) من قانون المرافعات الجديد هو نص عام فلا يقتصر على حالة صدور الحكم بعدم الاختصاص من محكمة جزئية على أساس أن الدعوى كلية (أو العكس) ولذلك فليس ثمة ما يمنع من إحالة الدعوى المستعجلة إلى القضاء الموضوعي إذا ما حكم القاضي المستعجل بعدم اختصاصه بعدم توافر ركن الاستعجال أو لتعلق المنازعة بأصل الحق، ولذلك نعتقد أنه يجوز للقاضي المستعجل عندئذ أن يحيل الدعوى إلى القضاء الموضوعي باعتباره هو المختص.
غير أنه قد توجد حالات يكون القاضي المستعجل فيها غير مختص ولا يقتضي ذلك حتما أن تكون الدعوى من اختصاص محكمة أخرى تنبغي إحالة القضية إليها، فعندئذ يقتصر القاضي المستعجل على الحكم بعدم الاختصاص ولا يحيل.
ومثال ذلك أن ترفع دعوى بسماع شاهد يخشى عليه ثم يتضح انعدام الخشية، فلا شك في أنه لا يتعين عندئذ على القاضي المستعجل أن يحيل الدعوى إلى محكمة أخرى إذ أن مثل هذه الدعوى من اختصاص القضاء المستعجل دون سواه.
فالقاضي المستعجل حين يحكم بعدم اختصاصه هنا يكتفي بذلك عادة ولا يفكر في إحالة الخصوم إلى محكمة الموضوع، على أساس أن الحكم بعدم اختصاص القضاء المستعجل عندئذ لا ينطوي على القول بوجود جهة أخرى مختصة بالدعوى، وإنما معناه عدم توفر مقومات اختصاص القضاء المستعجل بالدعوى، وهي تتكون من عنصرين: أولهما: توافر ركن الاستعجال. وثانيهما: أن يكون المطلوب إجراء وقتياً، ولهذا فإن الحكم بعدم اختصاص القضاء المستعجل لا يقتضي حتما وبالضرورة إحالة القضية إلى محكمة أخرى تكون هي المختصة، بل يكون الحكم بعدم الاختصاص في هذه الحالة منهياً للخصومة المستعجلة ويقتصر أمره على ذلك.
على أنه قد تبين في بعض هذه الحالات أن الدعوى المرفوعة إلى القضاء المستعجل هي في حقيقتها دعوى موضوعية لأن المطلوب فيها ليس مجرد إجراء وقتي، بل هو طلب موضوعي يقتضي الفصل فيه التعرض لأصل الحق كما هو الحال مثلا بالنسبة لدعوى طرد مستأجر متأخر في دفع الإيجار ينازع في تحقيق الشرط الفاسخ الصريح أو في وجوده، فمثل هذه الدعوى لو رفعت إلى القضاء الموضوعي تكون مرفوعة بلا شك إلى محكمة مختصة، ولكن يقضى فيها بعدم الاختصاص إذا رفعت للقضاء المستعجل.
ونرى في مثل هذه الحالة أنه ليس ثمة ما يمنع القاضي المستعجل إذا حكم بعدم الاختصاص أن يأمر بإحالة القضية إلى المحكمة الموضوعية التي يراها مختصة فالنص عام ومطلق، ولا يغير من ذلك أن تكون رسوم الدعوى الموضوعية أكثر أو أقل من رسوم الدعوى المستعجلة، لأن تسوية الرسوم من شأن قلم الكتاب ولا أثر لها على الاختصاص.
ولذلك ينبغي أن نغرق بين فرضين:
أولهما: أن يكون الاختصاص بالدعوى قاصراً على القضاء المستعجل فلا تتصور فيها الإحالة، وهذا يرجع إلى طبيعة الدعوى.
وثانيهما: أن يكون عدم اختصاص القاضي المستعجل راجعاً إلى تقديره أن القضية من اختصاص محكمة الموضوع فلا جناح عليه في هذه الحالة عندما يقضى بعدم اختصاصه أن يقرن حكمه بإحالة القضية إلى محكمة الموضوع.
ويكون من واجب الخصوم في هذه الحالة أن يتابعوا الدعوى أمام قاضي الموضوع باتخاذ الإجراءات اللازمة وسداد أو تكملة الرسوم التي يلزم سدادها أو تكملتها وفقاً لقانون الرسوم – فليس من شأن ذلك التأثير على تطبيق المادة (110) في خصوص الإحالة عند الحكم بعدم الاختصاص.

نظام الأوامر على العرائض
        إن المثال النموذجي البارز لأعمال القضاة التي يكون مصدرها سلطتهم الولائية هو ما يسمى بالأوامر على العرائض. وقد تصدى المشرع لتنظيم الإجراءات المتعلقة بهذه الأوامر ووضع القواعد المتعلقة باستصدارها وتنفيذها وبيان آثارها ووسيلة الاعتراض عليها في المواد من (194) إلى (200) من قانون المرافعات الجديد.
        والأصل في باب الأوامر على العرائض أن لكل فرد من الأفراد الحق في أن يستنجد بالقضاة ويلتمس منهم اتخاذ الإجراءات اللازمة لصيانة حقوقه المهددة بالضياع وذلك في أية حال وحيثما يوجد مقتضى لذلك.
        وقد جرت العادة على أن يتقدم الأفراد بطلباتهم في مثل هذه الحالة تحريراً وتنطوي الورقة المقدمة للقاضي عندئذ على (عرض حال) الطالب، وبيان الظروف التي تحيط به والإجراء الذي يقترح اتخاذه، ويسمى هذا الطلب (عريضة) لأن المقصود به هو عرض الموضوع أو عرض الحال على القاضي. ومن هنا جاءت كلمة (عرض حال) التي درج العوام على استعمالها.
        ومن واجب القاضي أن ينظر في هذه العرائض المقدمة إليه ويقرر فيها ما يراه سواء بالرفض أو القبول.

قاضي الأمور الوقتية:
        وقد رأى المشرع ألا يلقي بعبء الرد على العرائض على أي قاض من القضاة بل خصص قاضياً معيناً للنظر في هذه العرائض يسمى قاضي الأمور الوقتية. وقد نصت المادة  (27) من قانون المرافعات الجديد على أن قاضي الأمور الوقتية في المحكمة الابتدائية هو رئيسها أو من يقوم ويندب لذلك من قضاتها- وفي محكمة المواد الجزئية هو قاضيها.
        وقد نص المادة (194) على أن العرائض تقدم إلى قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة المختصة أو رئيس الهيئة التي تنظر الدعوى، إن كان الطلب متعلقا بدعوى منظورة فعلا أمام القضاء.
        كما نصت المادة (275) على أن قاضي التنفيذ يختص بإصدار القرارات والأوامر المتعلقة بالتنفيذ.
        وعلى هذا الأساس يمكننا أن نقرر أن الاختصاص بالعرائض موزع على الوجه الآتي:
1-    إذا كان الأمر على العريضة متعلقاً بالتنفيذ، ومثال ذلك أوامر الحجز- فتقدم العريضة إلى قاضي التنفيذ المختص- ويصدر الأمر منه. (مادة 275 مرافعات).
        (ويستثنى من ذلك حالة أمر الحجز التحفظي الذي يتصل بأمر الأداء- فإنه يصدر من القاضي المختص بإصدار الأمر بالأداء لا من قاضي التنفيذ- وهو ما نصت عليه المادة 210 مرافعات).
2-    بالنسبة للأوامر على العرائض التي لا تتعلق بالتنفيذ- إذا كانت متعلقة بدعوى منظورة أمام القضاء- يكون للطالب الخيار بين تقديم العريضة إلى قاضي الأمور الوقتية أو إلى رئيس الهيئة التي تنظر الدعوى، ويصدر الأمر على العريضة في هذه الحالة من القاضي الذي تقدم العريضة إليه. ومثال ذلك الأمر بتقصير المواعيد أو بالإعلان في غير الأوقات المسموح بها قانوناً.
3-    بالنسبة للأوامر على العرائض التي لا تتعلق بالتنفيذ ولا تكون متعلقة بدعوى منظورة- فيكون الاختصاص بها لقاضي الأمور الوقتية وحده، ومثال ذلك: الأمر بوضع الأختام- أو الأمر بالاختصاص وهو الأمر الذي يخول للدائن الحق في الاختصاص بعقار أو أكثر من العقارات المملوكة لمدينة- ضماناً لدينه- (وذلك طبقا للمواد 1085، وما بعدها من القانون المدني).
        وتقدم العريضة في هذه الحالة إلى قاضي الأمور الوقتية ويصدر الأمر منه.
        وقاضي الأمور الوقتية كما ذكرنا هو في المحكمة الابتدائية رئيسها أو من يحل محله- وفي المحكمة الجزئية هو قاضيها. وذلك لأن العرائض تقدم إلى المحكمة الجزئية أو الكلية بحسب نصاب الاختصاص. على أنه قد يوجد نص يقرر اختصاص قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية وذلك بصرف النظر عن قيمة النزاع- كما هو الشأن مثلا بالنسبة للدائن الذي يريد أن يأخذ اختصاصاً على عقارات مدينة فإن هنالك نصاً (المادة 1089 مدني) يقرر أن العريضة ترفع في هذه الحالة إلى رئيس المحكمة الابتدائية، وكذلك لو كان الإجراء المطلوب متعلقا بنزاع غير مقدر القيمة فإنه يقدم أيضا إلى قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية.
        ويراعى الاختصاص المحلي أيضا- أي أن المحكمة التي تقدم إليها العريضة هي المحكمة التي يراد اتخاذ الإجراء في دائرتها أو التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه.

إجراءات استصدار الأوامر على عرائض
        ويقتضى تنظيم العمل في المحاكم- على ما أقره أو قرره المشرع- أن تقدم هذه العرائض من نسختين متطابقتين (مادة 194 مرافعات) والحكمة من ذلك أن إحدى النسختين تحفظ بالمحكمة والثانية تسلم للطالب بعد التأشير عليها بالأمر الصادر من القاضي.
        ويؤدي الرسم اللازم عن العريضة يجب أن تشتمل على تعيين موطن مختار للطالب في البلدة التي بها مقر المحكمة.
        ويطلع القاضي - في خلوته - على هذه العرائض وما يرفق بها من مستندات- دون حضور أحد من الأخصام - ودون سماع مرافعة - ثم يصدر أمره كتابة على إحدى نسختي العريضة بالرفض أو القبول، وبغير تسبيب.
        وقد أوجب المشرع إصدار الأمر بالكتابة فهي ركن أساسي في تكوينه، وعلى هذا فلا يعتد بالأمر الذي يصدره القاضي شفوياً كما لو ادعى المحضر مثلا أن القاضي أمره تليفونياً بإيقاع الحجز بناء على عريضة قدمت إليه من صاحب الشأن، فمثل هذا الأمر منعدم الوجود قانوناً لتخلف ركن من أركان وجوده وهو أن يصدر من القاضي بالكتابة على إحدى نسختي العريضة ومذيلا بطبيعة الحال بتوقيع القاضي.
        وإذا كان المـشرع قد أوجب على القاضي إصدار الأمر في اليوم التالي لتقديم العريضة- على الأكثر- فإن هذا المـيعاد تنظـيمي أي لا يترتب البطلان إذا تأخر القاضي عن هذا الميعاد.
        وقد ذكرنا أن القاضي يصدر أمره في الخلوة أي في غرفة المشورة دون حضور أحد من الأخصام ودون حضور كاتب (بينما يلزم في الجلسة أن يصحب القاضي كاتب لتدوين محضر الجلسة)، وهذا هو الشأن دائماً في جميع الأوامر على العرائض ما عدا أمر الحجز التحفظي الذي أجاز القانون فيه للقاضي إجراء تحقيق مختصر قبل إصدار الأمر إذا وجد أن المستندات المؤيدة للطلب غير كافية (المادة 319 مرافعات جديد). وهذه من السمات المميزة للأوامر على العرائض والتي تفرق بينها وبين الأحكام إذا يشترط لصدورها أن يسبقها عقد جلسة يحضر فيها الخصوم أمام القاضي ليواجه كل منهما الآخر بدفاعه.
        ومن السمات المميزة للأوامر أيضا أنها تصدر بغير تسبيب أي لا يلزم فيها ذكر الأسباب التي بنى عليها الأمر- وإن كان من حق القاضي أن يبين الأسباب لأن ذلك غير ممنوع وإن ذكر المشرع أنه غير لازم، ويستثنى من ذلك حالة صدور أمر على عريضة مخالف لأمر سابق فيجب عندئذ ذكر الأسباب التي اقتضت إصدار الأمر الجديد وإلا كان باطلا. (مادة 195).
        على أن خلو الأوامر على العرائض من الأسباب وإن كان من السمات المميزة لها إلا أنه ليس من طبيعتها لأنه ليس ثمة ما يمنع من تسبيبها كما ذكرنا ومن جهة أخرى فإن هناك نوعا من الأوامر هي أوامر الأداء تشترك مع الأوامر على العرائض في عدم وجوب تسبيبها ولكنها تختلف عنها في الطبيعة لأن أوامر الأداء تعتبر في حقيقتها أحكاماً.
*****
        ومهما يكن من أمر فإن نسخة العريضة المؤشر عليها من القاضي تحفظ في قلم كتاب المحكمة وتسلم لمقدم العريضة النسخة الثانية بعد تذييلها بصورة الأمر الصادرة من القاضي، وذلك في اليوم التالي لصدور المر على الأكثر. (مادة 196).
        ويقوم مقدم العريضة- في حالة قبول طلبه- بتنفيذ الأمر الذي أصدره القاضي خلال فترة قصيرة حددها القانون وإلا اعتبر متنازلا عنه لأن طلب أمر على عريضة يفترض أن الطالب في لهفة من أمره وأنه يخشى خطراً داهما ويستغيث بالقضاء لاتخاذ إجراء وقتي يدرأ عنه ذلك الخطر- فإذا ما سكت عن تنفيذ الأمر فترة طويلة فقد الأمر حكمته ويكون عدم المبادرة إلى تنفيذه دالا على أنه لم يكن ثمة ما يدعو إلى إصداره، وقد نصت على ذلك المادة (200) من قانون المرافعات الجديد حيث قررت ما يأتي:
        يسقط الأمر على عريضة إذا لم يقدم للتنفيذ خلال ثلاثين يوما من تاريخ صدوره، ولا يمنع هذا السقوط م استصدار أمر جديد.

الاعتراض على الأمر- بالتظلم منه:
        أما من صدور الأمر ضده فيجوز له أن يتظلم منه إلى القاضي الأمر نفسه أو إلى المحكمة التي يتبعها ذلك القاضي- ويجوز عندئذ للقاضي- أو للمحكمة- إلغاء الأمر أو سحبه إذا ما أتضح انعدام أو زوال السبب الموجب لإصداره.
        وليس للتظلم ميعاد.
        وقد نصت المادة (197) على أن للطالب أيضا أن يتظلم إذا ما صدر الأمر برفض طلبه، ولكن قلما يحدث ذلك لأن من يقدم عريضة فترفض يكتم ذلك الأمر ويتحين الفرصة لتقديم عريضة أخرى للحصول على الأمر الذي ينشده. (لأن التظلم سيكشف أمره لخصمه).
        وإجراءات التظلم هي الإجراءات المعتادة لرفع الدعوى أمام المحكمة (أي بصحيفة تودع قلم الكتاب وتعلن للخصوم وتحدد جلسة لحضورهم وسماع دفاعهم).
        ويجب أن يكون التظلم مسبباً وإلا كان باطلا.
        أما عن الجهة التي يرفع إليها التظلم: فقد جعل المشرع الخيار في هذا الشأن للمتظلم بين ثلاث جهات- فأجاز له أن يرفع التظلم إلى نفس القاضي الذي أصدر الأمر (مادة 199) كما أجاز رفع التظلم إلى المحكمة التي يتبعها ذلك القاضي (مادة 197)- أو إلى المحكمة التي تنظر الدعوى الأصلية إن كان هناك دعوى منظورة وهذا هو ما نصت عليه المادة (198) حيث تقول: يجوز رفع التظلم تبعاً للدعوى الأصلية في أية حالة تكون عليها ولو أثناء المرافعة بالجلسة- وفي هذه الحالة الأخيرة تكون إجراءات التظلم في غاية البساطة إذ يكفي رفعه في الجلسة شفوياً مع إثبات ذلك محضر الجلسة- ويدفع رسم التظلم في الجلسة.
        وأياً ما كانت الجهة التي يرفع إليها التظلم- فإن الحكم الذي يصدر من هذه الجهة إما أن يكون حكما برفض التظلم وتأييد الأمر المتظلم منه- أو بقبول التظلم، وفي حالة القبول قد يحكم بإلغاء المر أو تعديله.
        ونكرر هنا أن التظلم من الأوامر على العرائض يمتاز بأنه غير مقيد بميعاد فيجوز رفعه في أي وقت ولو بعد صدور الأمر بمدة طويلة. وهذه من المميزات التي يتسم بها نظام الأوامر على العرائض.
        هل حصر المشرع حالات الأوامر على العرائض:
        ولم يحدد القانون حالات معينة يجوز فيها أن يمارس القاضي سلطته الولائية في إصدار أوامر على ما يقدم إليه من عرائض، بل يكون للقاضي هذا الحق كلما وجد ما يدعو إلى ذلك- دون حصر ولا تحديد. وهذا هو ما يدل عليه نص المادة (194) مرافعات التي تقرر أن التقدم لقاضي الأمور الوقتية يحصل في الأحوال (التي يكون للخصم فيها وجه لاستصدار أمر)- أي أن المرجع في ذلك إلى وجاهة الطلب: أي "وجود وجه" للطالب في تقديمه. وذلك دون تحديد أو حصر لهذه الأحوال.
        وقد ذهب بعض الفقهاء إلى القول بأن المشرع قد حصر الحالات التي يجوز فيها الالتجاء لاستصدار أمر ولائي وأنه لا يمكن استصدار أمر على عريضة إلا يناء على نص في القانون يجيز ذلك ولكن هذا الرأي مرجوح، والأصوب في نظرنا هو ما ذكرناه من أن هذه الأحوال غير محددة ولا محصورة.
        ولذلك يكتفي الفقه بضرب أمثلة لبعض الأحوال التي تتوافر فيها مبررات استصدار أمر على عريضة، ومنها حالة طلب الحجز التحفظي على أمتعة المستأجر المتأخر في دفع الأجرة، أو طلب نقل الأشياء المحجوزة إلى مكان غير المكان الذي توجد فيه. أو طلب الحجز تحفظياً على مال المدين الموجود لدى الغير، (سواء كان ذلك المال عيناً أو ديناً) أو طلب الترخيص بإعلان أوراق قضائية في يوم عطلة أو في غير الأوقات المقررة قانوناً أو طلب نقص مواعيد الحضور في الدعاوى، أو طلب وضع الأختام على محل تجارة تاجر مفلس أو تاجر يخشى فراره إذا وجدت أسباب جدية تدعو إلى هذه الخشية، على إلى غير ذلك من الأحوال التي "يكون للخصم فيها وجه لاستصدار أمر" (على ما جاء في صدر المادة 194).
        ويلاحظ أن ما يتعلق بإجراءات التنفيذ من هذه الأحوال قد أصبح من اختصاص قاضي التنفيذ- على ما سبق القول.

التفرقة بين القضاء الوقتي والقضاء المستعجل:
        وغنى عن البيان أن سلطة قاضي الأمور الوقتية في إصدار أوامر على العرائض تتشابه مع سلطة قاضي الأمور المستعجلة، ووجه المشابهة هو أن كلا منهما يأمر في النهاية بإجراء وقتي أو تحفظي، غير أن اختصاص كل منهما يختلف عن اختصاص الآخر اختلافا جوهريا، فسلطة قاضي الأمور الوقتية هي سلطة ولائية، أما سلطة قاضي الأمور المستعجلة فهي سلطة قضائية، والقرار الصادر من القاضي الوقتي يسمى (أمراً) أما قرار القاضي المستعجل فهو (حكم) ويجب تسبيبه. كما يلاحظ أيضاً أن قاضي الأمور الوقتية في المحكمة الابتدائية هو رئيسها، أما القاضي المستعجل فهو قاض جزئي.
        كذلك تختلف الإجراءات في الحالتين: فالقاضي الوقتي ينظر الطلب المقدم إليه في خلوته دون سماع أقوال أحد من الخصوم وفي غير حضورهم أما القاضي المستعجل فإن النزاع يرفع إليه على هيئة دعوى، تعلن عريضتها إلى الخصم، وينظرها القاضي في جلسة علنية يحضر فيها الخصوم ويبدون دفاعهم، ويجابه كل منهم الآخر بمستنداته وأسانيده- أو على الأقل تهيأ لهم الوسيلة للحضور، وإبداء دفاعهم ومناقشة دفاع خصومهم. ويبدو لي أن سلطة القاضي الوقتي إنما ترجع في الواقع إلى أن الإجراء الذي يطلب منه يقتضى المباغتة بطبيعته وإلا لفات الفرض منه. فهذا هو جوهر عمل القاضي الوقتي: إصدار أوامر في حالات تقتضي بطبيعتها المباغتة.
        نعم عن القاضي المستعجل لا يستطيع أن يتعرض لأصل الحق ولا يملك الحكم إلا بإجراء وقتي أو تحفظي، ولكنه لا يكون مختصاً إلا إذا كانت هناك منازعة قائمة فعلا، يصدق عليها وصف الاستعجال، بمعنى أن يخشى عليها من فوات الوقت، وهو حين يجلس لفض هذه المنازعة، فإنما يفعل ذلك بصفته قاضياً يمارس سلطته القضائية.
        فاختصاص القاضي المستعجل يختلف إذن اختلافاً بيناً عن اختصاص قاضي الأمور الوقتية من جملة وجوه، أهمها أن ما يقرره كل منهما يصدر عن سلطة تختلف عن السلطة التي يصدر عنها قرار الآخر، ولهذا لا يجوز أن يصدر القاضي المستعجل أمراً على عريضة، ولا أن يصدر قاضي الأمور الوقتية حكما في منازعة مستعجلة.
        ويخلص مما تقدم أن ثمة نوعين من الاختصاص:
        أولهما: الاختصاص القضائي، أي الاختصاص بفض المنازعات وتقرير الحقوق وإلزام المدين أو المعتدي بأدائها لأربابها.
        وثانيهما: الاختصاص الولائي، أي الاختصاص بإصدار الأوامر، على أساس أن القاضي هو أحد الولاة، وله- بهذه الصفة- حق الأمر، الذي يقابله- من جانب الأفراد- واجب الطاعة أو الولاء.
والقاضي حين يمارس هذا الاختصاص إنما يسوس أمور الناس ويديرها ويأمر باتخاذ التدابير أو إجراءات الضبط، التي يراها كفيلة بصيانة مصالحهم واحترام أوضاعهم وتأمين مراكزهم- لا على أساس تطبيق نصوص محددة في القانون بالنسبة لكل حالة- وإنما على أساس الملاءمة وتقدير الظروف القائمة، إلى أن يعرض النزاع على القضاء الموضوعي فيحسمه بتقرير الحق لصاحبه وإلزام خصمه بأدائه إليه نزولا على حكم القانون.

الصفة الوقتية للأوامر الولائية:
        وقد يكون من الخير أن نكرر الإشارة أخيراً إلى أن الأوامر التي تصدر من القاضي بناء على سلطته الولائية لا يمكن أن تكون لها إلا صفه وقتية نظراً لأنها لا تستهدف حسم الخصومة أو تقرير الحق، ولا تعدو أن تكون إجراء من إجراء من إجراءات الضبط أو الأمن التي يتخذها الحكام إلى أن يتسنى البت في موضوع النزاع- فالوقتية هنا مردها إلى سبب وجود الأوامر وإلى الغاية أو الهدف منها.
        ومن ثم فإن القاضي بإصدارها لا يستنفد سلطته- وهذه نتيجة هامة للصفة الوقتية للأوامر- فيجوز أن يعرض النزاع عليه فيفصل في موضوعه برأي يخالف الأمر الذي أصدره على العريضة ولا يعتبر ذلك مناقضة منه لرأيه لأن قضاءه بالنسبة للعريضة وقتي.
        ويكون للقاضي كذلك الحق في العدول عن الأمر إذا ما تبين أنه قد أصدره على أساس معلومات خاطئة أدلى بها من تقدم إليه بطلب الأمر- أو تغيرت الظروف التي أدت إلى إصدار الأمر- ولذلك يجوز للقاضي الذي أصدر الأمر أن يلغيه إذا ما رفع إليه تظلم وتبين أحقية المتظلم.
        فالأوامر إذن –على خلاف الأحكام- لا تحوز حجية الأمر المقضي.
*****
        ونستطيع مما تقدم أن نشير إلى أن للصفة الوقتية للأوامر نتائج هامة منها أن القاضي الذي أصدر الأمر لا يستنفد بذلك سلطته- ومنها أيضاً أنه يكون لذلك القاضي الحق في سحب ذلك الأمر والعدول عنه- ومنها أخيراً أنه ليس للأوامر الحجية كالأحكام. وكل ذلك يتفق مع طبيعة الأوامر الولائية لن الغاية منها ليست إحقاق الحقوق وحسم النزاع وإنما هي تدابير مؤقتة للحماية العاجلة أو لتوفير الأمن أو الاستقرار، ولو إلى حين، لبعض المراكز الواقعية  -انتظاراً للفصل في النزاع من القضاء الموضوعي.

مقارنة بين الأوامر على العرائض
وأوامر الأداء
        ويطيب لي هنا أن أعقد مقارنة ما بين نظام الأوامر على العرائض ونظام أوامر الأداء. وهذه المقارنة تظهر وجوه الشبه ووجوه الخلاف بين النظامين في جملة مواضع أهمها ما يأتي:

أولا: من حيث الطبيعة والجوهر:
        يوجد خلاف أساسي بين أوامر الأداء والأوامر على العرائض فإن القاضي في الأوامر على العرائض يصدر عن سلطته الولائية، أما أوامر الأداء، فإنها تستند إلى سلطته القضائية لأنها لا تقرر إجراء وقياً وإنما تتضمن إثبات الحق لأحد الخصمين، وإلزام الآخر بأدائه. فهي إذن تحسم الخصومة وتتناول موضوع الحق وتشمل على عنصري الحكم القاضي وهما التقرير والإلزام.
        ولهذا فإن أمر الأداء يعتبر في حقيقته حكماً قضائياً وإن كانت إجراءاته تشبه إجراءات الأوامر على العرائض لتقديمها على القضاء بطريق العريضة وصدورها في غيبة الخصوم ومن غير تسبيب ودون إعلان المدعي عليه أو إطلاعه على مستندات خصمه وتمكينه من مناقشة ادعاءاته.
        كل ذلك لا يغير من طبيعة أوامر الأداء وهي أنها في حقيقتها أحكام قضائية تحسم النزاع وتقرر الحق وتلزم المدين بأدائه.

ثانياً: من حيث التكليف بالوفاء:
        يتميز نظام أوامر الأداء عن الأوامر على العرائض بأنه يجب أن يسبق استصدار أمر الأداء تكليف المدين بالوفاء بميعاد خمسة أيام وذلك لتنبيه المدين على الأجراء الذي سيتخذه ضده.
        أما الأوامر على العرائض فلا يشترط أن يسبقها شيء من ذلك وهذا راجع إلى ما أسلفناه من اختلاف الأمرين في الطبيعة لأن إلزام الشخص بالدين يقتضي سبق إعذاره، أما الأوامر على العرائض فإن طبيعتها تقتضي المفاجأة أو المباغتة.

ثالثاً: من حيث الاختصاص:
        يختلف النظامان في أن الأوامر على العرائض يختص بها قاضي الأمور الوقتية، أما أوامر الأداء فقد يختص بها قاض آخر. فالمختص بها إذن ليس هو بالضرورة قاضي الأمور الوقتية.
        وقد لا يتضح هذا الفرق بالنسبة لأوامر الأداء التي تصدر من المحكمة الجزئية لأن الذي يصدرها هو قاضي المحكمة الجزئية وهو في نفس الوقت قاضي الأمور الوقتية فيها.
        أما في أوامر الأداء التي تصدر من المحاكم الابتدائية- لأن قيمتها تزيد على 250 جنيها- فإنها تصدر من أحد القضاة أو من رئيس إحدى الدوائر بالمحكمة الابتدائية وليس من رئيس تلك المحكمة. ولذلك فإن المشرع يحرص على التعبير على قاضي الأداءات بقوله: "القاضي المختص بإصدار أوامر الأداء". "ولو كان هذا القاضي هو قاضي الأمور الوقتية، فما كان أيسر على المشرع من التعبير عنه ببساطة بكلمة "قاضي الأمور الوقتية" (ونحن نعلم أن قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية هو رئيسها أو من يقوم مقامه). وإنما يسند إلى بعض قضاة المحكمة عند توزيع العمل عليهم في بداية العام بمعرفة الجمعية العمومية للمحكمة" مهمة النظر في طلبات أوامر الأداء وإصدار تلك الأوامر.

رابعا: من حيث موعد إصدارها:
        تصدر الأوامر على العرائض في اليوم التالي على الأكثر من تقديمها. أما أوامر الأداء فقد حدد المشرع لإصدارها موعداً هو (3) أيام من تاريخ تقديم الطلب، ومع أن كلا من الميعادين تنظيمي لأجزاء عليه، إلا أن المغايرة بين الميعادين مقصودة في التشريع لبيان الفرق بين هذين النوعين من الأوامر، وحتى لا تختلط أوامر العرائض بأوامر الأداء.

خامسا: من حيث سلطة القاضي في رفض الطلب:
        يختلف هذان النوعان أيضا في أن القاضي يملك بالنسبة للأوامر على العرائض أن يصدر الأمر المطلوب أو أن يرفض إصداره ببساطة.
        أما في حالة أوامر الأداء، فإنه إذا رأى ألا يجيب الطالب إلى كل طلباته لا يملك أن يرفض أمر الأداء مقتصراً على الرفض، وإنما يكون عليه أن يقرن الرفض بتحديد جلسة لنظر الدعوى أمام المحكمة مع تكليف الطالب بإعلان خصمه إليها. فإذا رفض دون تحديد جلسة جاز الرجوع إليه بطلب تحديد جلسة لنظر الموضوع على أساس استدراك ماسها عنه.

سادسا: من حيث طرق الطعن:
        وطرق الطعن في النوعين تختلف، ففي خصوص الأوامر على العرائض نجد أن طريق الطعن الوحيد فيها هو التظلم فيها إلى القاضي الآمر أو المحكمة المختصة أو المحكمة التي تنظر الدعوى الأصلية.
        والتظلم من الأوامر على العرائض ليس له ميعاد.
        أما أوامر الأداء فطريق الطعن فيها هو أولا المعارضة (التي سماها المشرع باسم "التظلم") وميعاد هذا التظلم عشرة أيام من تاريخ إعلان أمر الأداء للمدين فهو في هذا يختلف عن التظلم من الأوامر على العرائض في أن له ميعاداً محدداً وأن قواعد المعارضة تنطبق عليه مما يجعل وصفه بأنه تظلم مجرد تسمية لا تغير من طبيعته القانونية وهي أنه في حقيقته معارضة.
        كما أن أوامر الأداء يمكن الطعن فيها بطريق آخر وهو الاستئناف، إذ أنه في حالة عدم حصول معارضة (تظلم) من أمر الأداء يمكن أن يستأنف أمر الأداء نفسه استئنافا مباشراً. وإذا رفع الظلم واعتبر كأن لم يكن فإن من صدر ضده أمر الأداء يملك أن يستأنف الأمر كما يستأنف الحكم قضائياً.

سابعاً: من حيث نفاذ الأوامر على العرائض وأوامر الأداء:
        فالأوامر على العرائض تعتبر نافذة نفاذاً معجلا بقوة القانون بمعنى أنه يمكن لمن صدر لصالحه الأمر على العريضة أن ينفذه فوراً رغم التظلم منه ودون انتظار لأن التظلم من الأوامر على العرائض لا ميعاد له فلا يمكن انتظار فوات موعد غير موجود وإلا لانتظرنا إلى أجل غير مسمى. كما أن لا حاجة لأن يشمل القاضي أمره على العريضة بالنفاذ لأن النفاذ مستمد هنا من نص القانون، إما أمر الأداء فقد يشمل بالنفاذ المعجل. ولكن يجب على كل حال أن يذكر في أمر الأداء أنه مشمول بالنفاذ أو غير مشمول به. (انظر المادة 209) فإن لم يذكر فيه ذلك فلا يمكن تنفيذه، إلا إذا كان صادراً في مادة تجارية فينفذ بقوة القانون ولكن بشرط الكفالة (المادة 289 والمادة 209 معاً).
        ويمكن أن نلخص ذلك في كلمة واحدة وهي أن الأمر على العريضة لا يحتاج في تنفيذه إلى أن ينص القاضي فيه على نفاذه وذلك لأن القانون نفسه هو الذي يأمر بتنفيذه.
        أما أمر الأداء فلا يمكن تنفيذه إلا إذا نص القاضي فيه على صلاحيته للتنفيذ وهو لا ينص على ذلك إلا إذا كان القانون يجيز له أن يشمل الأمر بالنفاذ أو يوجب ذلك عليه. أو ينفذ أمر الأداء حتما إذا كان القانون ينص على ذلك كما في حالة المواد التجارية.

ثامنا: من حيث سقوط أوامر الأداء والأوامر على العرائض:
        يختلف النوعان من حيث سقوطهما لأن الأمر على العريضة يسقط إذا لم يقدم للتنفيذ في ظرف 30 يوما من تاريخ صدوره (مادة 200 مرافعات).
        أما أمر الأداء فيسقط إذا لم يعلن المدين خلال (3) شهور (مادة 205).
        ويتبين من ذلك أن المانع من السقوط في الحالين يختلف فهو في الأوامر على العرائض تنفيذها أو تقديمها للتنفيذ (على الأقل) فتنفيذ الأمر على عريضة أو الشروع في تنفيذه خلال 30 يوما هو الذي يمنع سقوطه.
        أما أوامر الأداء فإن استقرارها ليس رهيناً بتنفيذها بل بإعلانها. فالذي يمنع سقوط أمر الأداء هو إعلانه. وليس للتنفيذ أثر في ذاته لأن أمر الأداء لو نفذ دون إعلان يسقط مع ذلك بعد (3) أشهر من تاريخ صدوره ولا يغني تنفيذه عن إعلانه بل ويكون تنفيذه باطلا لعدم إعلانه قبل التنفيذ. ولو أعلن دون تنفيذ فإنه يستقر لمدة 15 سنة، ويغني إعلانه عن تنفيذه في هذا المقام.
        كذلك تختلف مدة تحقق الواقعة المانعة من السقوط فهي في الأوامر على العرائض 30 يوما (للتنفيذ) وفي أوامر الأداء 3 شهور (للإعلان) وهذا فارق ضخم بين أوامر الأداء والأوامر على العرائض.
        ويلاحظ وجود أوجه أخرى للمقارنة (أي أوجه شبه وأوجه اختلاف) بين هذه النوعين من الأوامر، ولكنها أوجه ثانوية ويكفي ما تقدم للمقارنة بين النوعين في المواضع التي ذكرناها.
*****
هذا، والله أعلى وأعلم،،،