الأحد، 11 سبتمبر 2011

مذكرة دفاع أمام محكمة القضاء الإداري – الصفة والمصلحة في الدعوى – مبدأ الفصل بين السلطات – طبيعة القرار الإداري – هيئة الأوقاف للأقباط الأرثوذكس – استلام الأزهر الشريف لأوقافه – إخراج من الدعوى بلا مصاريف – رفض الشق المستعجل لعدم توافر ركني الجدية والاستعجال

مذكرة دفاع أمام محكمة القضاء الإداري – الصفة والمصلحة في الدعوى – مبدأ الفصل بين السلطات – طبيعة القرار الإداري – هيئة الأوقاف للأقباط الأرثوذكس – استلام الأزهر الشريف لأوقافه – إخراج من الدعوى بلا مصاريف – رفض الشق المستعجل لعدم توافر ركني الجدية والاستعجال

مجلس الدولة
محكمة القضاء الإداري
الدائرة/       منازعات الأفراد والهيئات

مذكـــــرة
بدفاع/ وزارة الأوقاف (مطعون ضدها الرابعة)

ضـــــد

السيد/ محمد ******* (الطاعن)

في الدعوى رقم 35411 لسنة 65 قضائية "قضاء إداري"
والمحدد لنظرها جلسة     /     /2011م للمرافعة.

أولاً- الوقائع
        تخلص وقائع الدعوى في أن المدعي عقد الخصومة فيها بموجب صحيفة، أودعت قلم كتاب المحكمة، طلب في ختامها الحكم له:
        أولاً- في الشق المستعجل:
بوقف تنفيذ قرار السيد المطعون ضده بصفته بالإعلان عن إصدار قانون موحد لبناء دور العبادة، وما يترتب على ذلك من آثار، وأخصها الأمر بتكوين لجنة قانونية ودينية لإعداد قانون مشروع جديد موحد للمؤسسات الدينية جميعها متضمناً ما سبق شرحه بصدر صحيفة افتتاح الدعوى، مع الأمر بتنفيذ الحكم بمسودته وبدون إعلان.
        ثانياً- وفي الموضوع:
بإلغاء هذا القرار، مع ما يترتب عليه ذلك من آثار، وبإلزام المدعى عليهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
        وقال المدعي شرحاً لدعواه أن السيد رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بصفته القائم بأعمال رئيس الجمهورية بصفته قد أعلن عن عزمه إصدار قانون موحد لبناء دور العبادة، وإذ لم يرتضى المدعي بذلك الإعلان وكان من رأيه إنه يتعين إصدار قانون موحد للمؤسسات الدينية جميعها، لذا فقد أقام دعواه الماثلة بغية القضاء له بطلباته سالفة الذكر.

ثانياً- الدفاع
ندفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة لدى رافعها، ولرفعها من غير ذي صفة، وعلى غير ذي صفة بالنسبة لوزير الأوقاف:
حيث تنص المادة 3 مُرافعات على أنه:
"لا تقبل أي دعوى كما لا يقبل أي طلب أو دفع استناداً لأحكام هذا القانون أو أي قانون آخر لا يكون لصاحبه فيها مصلحة شخصية ومُباشرة وقائمة يُقرها القانون". 
        ولما كان من المسلم به، أن هناك شروطاً يجب توافرها لقبول الدعوى، بحيث تمتنع المحكمة عن سماعها إذا لم تتوافر، وتتدرج إلى النظر في موضوعها إذا توافرت، وغالبية الشُراح على أن شروط قبول الدعوى هي: الحق والمصلحة والصفة والأهلية.
و"المصلحة والصفة" شرطان وإن تميزا فإنهما مظهران لشرط واحد، فالصفة ليست إلا تعبيراً عن أحد شروط المصلحة وهو كونها "شخصية ومباشرة"، فمن يرفع الدعوى يجب أن يكون ذا صفة، أي ذا مصلحة شخصية ومباشرة، ومن ثم فالشرط الوحيد لقبول الدعوى [بعد تفنيد شرطي الحق والأهلية، واندماج شرط الصفة في المصلحة]، هو توافر المصلحة (القانونية وليست الاقتصادية أو الأدبية) لدى رافعها، ولذا قيل بأنه: "لا دعوى بلا مصلحة"، وأن "المصلحة هي معيار الدعوى".
(لطفاً، راجع: للدكتور عبد المنعم أحمد الشرقاوي "نظرية المصلحة في الدعوى" - رسالة دكتوراه مقدمة لكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول في نوفمبر سنة 1944 - بند 38 - صـ 40 و 41).
        هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن:
"شرط قبول الدعوى أمام القضاء قيام نزاع بين أطرافها على الحق موضوع الدعوى حتى تعود على المدعي منفعة من اختصام المدعى عليه للحكم عليه بطلباته، فتكون له مصلحة شخصية ومباشرة مما وصفته المادة الثالثة من قانون المرافعات بأنه المصلحة القائمة التي يقرها القانون".
(نقض مدني في الطعن رقم 921 لسنة 51 قضائية – جلسة 22/1/1985).
        وكذلك من المُقرر في قضاء النقض أن:
"استخلاص توافر الصفة في الدعوى هو من قبيل فهم الواقع فيها، وهو ما يستقل به قاضي الموضوع، وبحسبه أن يبين الحقيقة التي أقتنع بها وأن يقيم قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله ".
(نقض مدني في الطعن رقم 1069 لسنة 56 قضائية – جلسة 25/6/1987).
        وكذلك من المُقرر في قضاء النقض أن:
"المصلحة في الدعوى تعني أن يكون رافع الدعوى هو صاحب الحق أو المركز القانوني محل النزاع أو نائبه، وكذلك المدعى عليه بأن يكون هو صاحب المركز القانوني المعتدي على الحق المدعي به، فيجب أن ترفع الدعوى من ذي صفة على ذي صفة، ويحدد الصفة في الدعوى القانون الموضوعي الذي يحكم الحق أو المركز القانوني موضوع الدعوى، إذ يجب التطابق بين صاحب الحق ورافع الدعوى كما يجب التطابق بين المعتدي على الحق وبين المدعى عليه. ولا تتوافر الصفة في حالة التعدد الإجباري إلا باختصام جميع أفراد الطرف المتعدد سواء في جانب الطرف المدعي فيكون التعدد إيجابياً أو في جانب الطرف المدعى عليه فيكون التعدد سلبياً، وفي هذه الحالة تكون الصفة في الدعوى سواء إيجابية أو سلبية لعدة أشخاص معاً وليست لشخص واحد، فإذا رفعت الدعوى دون اختصام من يجب اختصامه كانت غير مقبولة لرفعها من أو على غير ذي كامل صفة".
(نقض مدني في الطعن رقم 176 لسنة 38 قضائية – جلسة 29/11/1973 مجموعة المكتب الفني – السنة 24 – العدد الثالث "من أكتوبر إلى نوفمبر سنة 1973" – الحكم رقم 206 – صـ 1189 : 1193).
وكذلك من المُقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن:
"مفاد نص المادة 12 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 أن شرط المصلحة في الدعوى يتعين توافره ابتداء عند إقامة الدعوى كما يتعين استمراره حتى يقضى فيها نهائياً؛ وأن مرحلة الطعن هي استمرار لإجراءات الخصومة في الدعوى من شأنها أن تطرح النزاع برمته شكلاً وموضوعاً أمام المحكمة الإدارية العليا لتنزل فيه حكم القانون، ومن ثم يتعين استمرار هذه المصلحة حتى يُفصل فيها نهائياً. لما كان ذلك، وكانت دعوى الإلغاء تستهدف إعادة الأوضاع إلى ما قبل صدور القرار المطلوب إلغاؤه، فإذا ما حال دون ذلك مانع قانوني أو طرأت أمور أثناء نظر الدعوى أو أثناء نظر الطعن تجعل إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل صدور القرار غير ذات جدوى فإن مصلحة الطاعن في الاستمرار في الطعن تضحى منتفيه ولا يكون هناك وجه للاستمرار فيه ويتعين الحكم بعدم قبوله".
(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2808 لسنة 40 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 25/12/2001. المصدر: "مجلة المحاماة" – العدد الثالث 2003 – القاعدة رقم 164 – صـ 330).
كما تواتر قضاء النقض على أنه:
"يدل النص في المادة الثالثة من قانون المرافعات على أن المصلحة التي تجيز رفع الدعوى أو المطالبة بالحق هي تلك المصلحة القانونية التي يحميها القانون دون النظر إلى المصلحة الاقتصادية".
(نقض مدني في الطعن رقم 8240 لسنة 65 قضائية – جلسة 23/6/1997 مجموعة المكتب الفني – السنة 48 – الجزء الثاني – صـ 952).
وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، ولما كان المدعي في الدعوى الماثلة لا صفة له ولا مصلحة لديه في إقامة الدعوى الماثلة بشقيها المستعجل والموضوعي (بطلب إصدار حكم قضائي يلزم الجهة القائمة بالتشريع حالياً بإصدار قانون معيناً يتضمن نصوصاً وأحكاماً بعينها، يقيمها أحد الأشخاص عن نفسه وبصفته رئيس حزب تحت التأسيس ضد المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة القائمة بالتشريع في المرحلة الانتقالية الحالية)، فإنه لا يقبل رفع الدعوى الماثلة لانتفاء المصلحة الشخصية والقانونية (وليست الاقتصادية أو الأدبية) لدى رافعها، ولرفعها من غير ذي صفة، وعلى غير ذي صفة بالنسبة لوزير الأوقاف (المطعون ضده الرابع بصفته).
لا سيما وإنه من المقرر وفقاً لنص المادة 115/1 مُرافعات أن: "الدفع بعدم قبول الدعوى يجوز إبداؤه في أية حالة تكون عليها الدعوى".. وإنه لابد من إثبات الصفة في الحكم وإلا كان مشوباً بعيب جوهري موجب لبطلانه (المادتان 3 ، 178 مرافعات).
حيث أن الدفع بعدم القبول الموضوعي يجوز إبداؤه في أية حالة كانت عليها الدعوى لكفالة حق الدفاع وتمكيناً للخصوم من إثارة كل ما يتعلق بوجود الحق في الدعوى في أية حالة كانت عليها الخصومة، ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف. وهذا الدفع يتعلق بالنظام العام وعلى القاضي أثارته من تلقاء نفسه مادامت أوراق القضية تدل عليه.
(لطفاً، المرجع: "الوسيط في شرح قانون القضاء المدني" - للدكتور فتحي والى - الطبعة الثالثة 1981 القاهرة - بند 282 - صـ 559 وما بعدها).
ندفع بعدم قبول الدعوى الماثلة، لكون طلب إصدار حكم قضائي بإلزام المشرع بإصدار قانون معين يتضمن نصوصاً معينة، يعد إخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطات:
        من المسلم به في فقه القانون الدستوري – لا سيما في النظم الديمقراطية – ضرورة وجود ثلاث سلطات أساسية في النظام السياسي، وهي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، وكل سلطة من تلك السلطات تتمتع بصلاحيات واختصاصات أصيلة ومحددة في القانون الأساسي "الدستور"، كما تتمتع كل سلطة من تلك السلطات باستقلال نسبي عن الأخريات في عملها وفي آليات اتخاذ القرارات وبما يسند إليها من صلاحيات، بما يعرف بمبدأ " الفصل بين السلطات – The principle of Separation of powers ". وهذا الفصل يقصد به في النظام الديمقراطي هو الفصل المتوازن في توزيع الصلاحيات والمسؤوليات مع قيام قدر من التعاون فيما بينها لتنفيذ وظائفها في توافق وانسجام ويحد من هيمنة أي منها على الشأن العام.
وإذا كانت تلك الفكرة هي جوهر مبدأ الفصل بين السلطات، فإن هذا المبدأ ليس معناه إقامة سياج مادي يفصل فصلاً تاماً بين سلطات الحكم، ويحول دون مباشرة كل منها لوظيفتها بحجة المساس بالأخرى، ومن ثم فإن مقتضى مبدأ الفصل بين السلطات أن يكون بين السلطات الثلاث تعاون، وأن يكون لكل منها رقابة على الأخرى في نطاق اختصاصها بحيث يكون نظام الحكم قائماً على أساس أن " السلطة تَحُدّ أو توقف السلطة -" Power should be a check to power ، وهو ما يعبر عنه بالفرنسية بـ" Le pouvoir arrête le pouvoir " ، فيؤدي ذلك إلى تحقيق حريات الأفراد، وضمان حقوقهم، واحترام القوانين، وحسن تطبيقها تطبيقاً عادلاً وسليماً، فهذا ما يتفق وحكمة الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات التي هي تحقيق التوازن والتعاون بين السلطات، وتوفير الحيدة لكل منها في مجال اختصاصها .
        هذا، ومن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن:
"ما تضمنه الطلب الاحتياطي من دعوة المحكمة الدستورية العليا لتعديل النصين المطعون عليهما على الوجه المبين بصحيفة الدعوى، إنما يخرج بالضرورة عن اختصاص هذه المحكمة والتي تستمد ولايتها من المادة 175 من الدستور، ذلك أن الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح للتحقق من توافقها أو مخالفتها لأحكام الدستور، لا تخولها التدخل فى مجال عمل السلطة التشريعية بتعديل قوانين أقرتها، وإلا كان ذلك افتئاتاً على ولايتها الدستورية".
(حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 37 لسنة 7 قضائية "دستورية" – جلسة 7/3/1992 مجموعة المكتب الفني – السنة 5 – صـ 204 – صـ 6).
        كما تواتر قضاء المحكمة الدستورية العليا على:
"إن الدستور قد حدد لكل سلطة عامة وظائفها الأصلية وما تباشره من أعمال أخرى لا تدخل فى نطاقها، بل تعد استثناء يرد على أصل انحصار نشاطها فى المجال الذى يتفق مع طبيعة وظائفها. إذ كان ذلك، وكان الدستور قد حصر هذه الأعمال الاستثنائية وبين بصورة تفصيلية قواعد ممارستها، ومن ثم تعين على كل سلطة فى مباشرتها لها أن تلتزم حدودها الضيقة وأن تردها إلى ضوابطها الدقيقة التي عينها الدستور، وإلا وقع عملها مخالفاً لأحكامه.
وإن سن القوانين هو مما تختص به السلطة التشريعية تباشره وفقاً للدستور فى إطار وظيفتها الأصلية، ولئن كان الأصل أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها مباشرة هذه الوظيفة التي أسندها الدستور لها، وأقامها عليها إلا أن الدساتير المصرية جميعها، كان عليها أن توازن ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولى كل منهما لوظائفها فى المجال المحدد لها أصلا، بضرورة المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام فى ربوعها إزاء ما قد تواجهه - فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيابها - من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التي تواكبها، يستوي فى ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستنداً إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعي يكون لازماً لمواجهة التزاماتها الدولية الحالة، و لقد كان النهج الذى ألتزمته هذه الدساتير على اختلافها - وعلى ضوء موجبات هذه الموازنة - هو تخويلها السلطة التنفيذية الاختصاص باتخاذ التدابير العاجلة اللازمة لمواجهة أوضاع استثنائية سواء بالنظر إلى طبيعتها أو مداها. وتلك هي حالة الضرورة التي أعتبر الدستور قيامها من الشرائط التي تطلبها لمزاولة هذا الاختصاص الاستثنائي، ذلك أن الاختصاص المخول للسلطة التنفيذية فى هذا النطاق لا يعدو أن يكون استثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية فى المجال التشريعي".
(حكم  المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 13 لسنة 11 قضائية "دستورية" – جلسة 18/4/1992 مجموعة المكتب الفني – السنة 5 – صـ 285 فقرة 6 و 7.
وفي الطعن رقم 25 لسنة 8 قضائية "دستورية" جلسة 16/5/1992 مجموعة المكتب الفني – السنة 5 – صـ 324 – فقرة 4).
        * هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه – فضلاً عن مبدأ الفصل بين السلطات – فإن للسلطة التشريعية مطلق تقدير ملائمة إصدار التشريع والباعث على  والباعث على إصداره. حيث إنه من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن:
        "مجالات التشريع الذى تمارسه سلطة التشريع إنما تمتد إلى جميع الموضوعات، كما أن ملائمات التشريع هي من أخص مظاهر السلطة التقديرية للمشرع العادي ما لم يقيده الدستور بحدود و ضوابط يتعين على التشريع التزامها وإلا عد مخالفاً للدستور، ومن ثم يكون من حق التشريع العادي أن يستقل بوضع القواعد القانونية التي يراها محققة للمصلحة العامة متى كان فى ذلك ملتزماً بأحكام الدستور وقواعده".
(حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 93 لسنة 4 قضائية "دستورية" – جلسة 18/2/1984 مجموعة المكتب الفني – السنة 3 – صـ 29).
        كما جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن:
        "للمشرع سلطة تقديرية فى تنظيم الحقوق بلا معقب عليه فى تقديره ما دام أن الحكم التشريعي الذى قرره لتلك الحالات قد صدرت به قاعدة عامة مجردة لا تنطوي على التمييز بين من تساوت مراكزهم القانونية ولا تهدر نصاً فى الدستور".
(حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 26 لسنة 1 قضائية "دستورية" – جلسة 1/1/1983 مجموعة المكتب الفني – السنة 2 – صـ 67 – فقرة 4).
        وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، ولما كانت الدعوى الماثلة تهدف إلى إلزام الجهة القائمة بالتشريع في هذه المرحلة بإصدار تشريع موحد للمؤسسات الدينية يتضمن النصوص والقواعد التي فصلها المدعي في صحيفة دعواه الماثلة، ولما كان هذا الطلب يتضمن اعتداء على اختصاصات السلطة التشريعية لا تملك السلطة القضائية القيام به لكون ذلك يمثل إخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطات ويعد تجاوزاً على مبدأ السلطة الكاملة للمشرع في تقدير ملائمة إصدار التشريع من عدمه، ومن ثم تكون الدعوى الماثلة قد جاءت على سند غير صحيح من القانون جديرة بعدم القبول.

نطلب رفض الدعوى:
لعدم وجود قرار إداري، إذ أن إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة على عزمه إصدار قانون موحد في المستقبل بشأن قواعد بناء دور العبادة، هذا الإعلان لا يعد قراراً إدارياً يحدث أثراً قانونياً بحيث يجوز الطعن عليه أمام محكمة القضاء الإداري.
حيث استقر القضاء الإداري وقضاء محكمة النقض على تعريف القرار الإداري بأنه إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة، بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح، وذلك بقصد إحداث أثر قانوني معين متى كان ممكناً وجائزاً قانوناً وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة.
(نقض مدني في الطعن رقم 2062 لسنة 51 قضائية - جلسة 5/12/1982. مشار إليه في : "مجموعة قواعد محكمة النقض خلال ثلاثة وستين عاماً (1931 : 1994) وقضاء الدستورية والإدارية العليا وفتاوى الجمعية العمومية لمجلس الدولة" - للمستشار/ محمد خيري أبو الليل - الجزء الثالث - طبعة 1995 القاهرة - القاعدة رقم 428 - صـ 289).
ومن ثم، فإن القرار الإداري يُحدِث – بذاته – أثراً قانونياً، وذلك على العكس من العمل المادي، لأن العمل المادي للإدارة لا يحدث – بذاته – أثراً قانونياً، إذ لا تتجه الإرادة الذاتية للإدارة إلى إحداث آثار قانونية من جراء عملها المادي.
(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 240 لسنة 13 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 11/1/1969 مجموعة المكتب الفني – السنة 14 – صـ 250.
وفي الطعن رقم 879 لسنة 12 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 10/4/1971 مجموعة المكتب الفني – السنة 16 – صـ 329).
        وعليه، فإن مجرد إعلان القائمين بالوظيفة التشريعية في المرحلة الحالية بعزمهم على إصدار قانون في المستقبل ينظم مسألة بناء دور العبادة في مصر، لا يعد قراراً إدارياً لأنه لا يحدث – بذاته – أثراً قانونياً، وبالتالي فلا يجوز الطعن على هذا الإعلان أمام محكمة القضاء الإداري، لا سيما وأن مقتضى نص المادة العاشرة من قانون تنظيم مجلس الدولة، والتي تنص على أنه "تختص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في المسائل الآتية: ... خامساً- الطلبات التي يقدمها الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية ..."، ومقتضى ذلك أن مناط اختصاص محاكم القضاء الإداري بنظر دعاوى إلغاء القرارات الإدارية أن تكون تلك الدعاوى موجهة ضد القرارات الإدارية النهائية (التي تحدث – بذاتها – أثراً قانونياً) وهو ما لا يتوافر في حالة دعوانا الماثلة إذ إن ما صدر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة القائم بأعمال السلطة التشريعية في المرحلة الانتقالية الراهنة ما هو إلا إعلان عن عزمه إصدار قانون في المستقبل ينظم مسألة بناء دور العبادة في مصر وهذا الإعلان عن العزم عن إصدار قانون في المستقبل لا يعد قراراً إدارياً لكونه لا يحدث بذاته أثراً قانونياً وبالتالي فلا يجوز الطعن على هذا الإعلان أمام محكمة القضاء الإداري، وبذلك تكون الدعوى الماثلة قد جاءت على غير سند من حقيقة الواقع أو صحيح القانون خليقة بالرفض، لا سيما وإنه من الواضح أن الدعوى الماثلة لم تقام إلا لغرض الدعاية والشهرة في موسم الانتخابات المقبلة ليس إلا.
        * هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن طلب المدعي في صحيفة دعواه (في البند الرابع من عنوانه: أهم ملامح هذا القانون): بإنشاء هيئة لإدارة الأوقاف المسيحية أسوة بهيئة أوقاف المسلمين ... أو إلغاء هيئة الأوقاف الإسلامية وإعادة الأوقاف للأزهر أسوة بالكنيسة؟؟!! 
فهذا الطلب بالذات ينم عن جهل مطبق بواقع الأوقاف في مصر، فمن ناحية أولى فإنه يوجد بالفعل هيئة للأوقاف القبطية في مصر منذ أكثر من خمسين عاماً، والصادر بإنشائها القرار الجمهوري بقانون رقم 1433 لسنة 1960 بإدارة أوقاف الأقباط الأرثوذكس.. ومن ناحية ثانية فإن الأعيان والأموال الموقوفة على الأزهر الشريف قد تم تسليمها للأزهر الشريف تنفيذاً للقانون رقم 14 لسنة 2007 الخاص بتخويل شيخ الأزهر النظر على الأوقاف الخيرية الموقوفة على الأزهر الشريف، أما باقي الأوقاف (غير الأوقاف القبطية والأزهر الشريف) فتقوم هيئة الأوقاف المصرية بإدارتها نيابة عن وزير الأوقاف بصفته الناظر القانوني على أوقاف المسلمين في القطر المصري. ومن ثم فلا محل للطلب المبدى من المدعي في دعواه الماثلة بخصوص طلب إنشاء هيئة للأوقاف القبطية أو إعادة الأعيان والأموال الموقوفة على الأزهر الشريف إلى الأزهر الشريف.  


نطلب إخراج وزارة الأوقاف من الدعوى بلا مصاريف:
من المُقرر في قضاء النقض أن:
"العبرة في تحديد الخصوم هو بتوجيه طلبات جدية إليهم، فإذا رفعت الدعوى لمجرد صدور الحكم في مواجهة أحد الخصوم، فإن ذلك لا يؤدي إلي اعتبار الخصم الصادر الحكم في مواجهته خصماً حقيقياً في النزاع".
(نقض مدني في الطعن رقم 347 لسنة 32 قضائية - جلسة 1/3/1969 مجموعة المكتب الفني - السنة 17).
وأن: "الاختصام في المواجهة لا يجعل الخصم المختصم خصماً حقيقياً في الدعوى، وأن الأحكام نسبية فلا يضار ولا يفيد منها إلا الخصوم الحقيقيين".
(نقض مدني في الطعن رقم 12 لسنة 38 قضائية - جلسة 1/4/1973 مجموعة المكتب الفني - السنة 23 - قاعدة 115 - ص 731).
وحيث أن النزاع الماثل إذا كان يمثل خصومة حقيقية بين أطرافه الأصليين (وهم المُدعي والمدعى عليه الأول بصفته فقط)، فإنه لا يمتد ليشمل المدعى عليه الرابع بصفته الذي لا علاقة ولا صلة له بطلبات المدعي في دعواه الماثلة، ومن ثم يحق لوزير الأوقاف المطالبة بإخراجه من الدعوى الماثلة بلا مصاريف.

ندفع بعدم قبول الدعوى في شقها العاجل لعدم توافر ركنيها "الجدية والاستعجال":
حيث تنص المادة 49 من قانون مجلس الدولة على أنه:
"لا يترتب على رفع الطلب إلى المحكمة وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاءه - على انه لا يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذه إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها".
ومن المستقر عليه في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن:
"الحكم بوقف تنفيذ القرارات الإدارية طبقاً لنص المادة 49 من قانون مجلس الدولة يقوم على توافر ركنين مجتمعين أولهما: ركن الجدية بأن يقوم طلب وقف التنفيذ حسب الظاهر من الأوراق على أسباب جدية يرجح معها الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه عند الفصل في موضوع النزاع والثاني: ركن الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار الإداري آثار يتعذر تداركها في حالة القضاء بإلغائه موضوعاً".
(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1274 لسنة 39 قضائية "إدارية عليا" - المصدر: مجلة المحاماة - العدد الثالث - صـ 304).
كما تواتر قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن:
"القضاء الإداري لا يوقف قراراً إدارياً إلا إذا توافر شرطان هما الجدية والاستعجال فإذا انتفى إحداهما أو كلاهما فلا يقض بوقف التنفيذ للقرار المطعون فيه، حيث أن قيام ركن الاستعجال وحده لا يكفي للحكم بوقف تنفيذ القرار وإنما لابد من توافر ركن ثان وهو ركن الجدية".
(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1322 لسنة 8 قضائية "إدارية عليا" - جلسة 15/12/1962.
وفي الطعن رقم 880 لسنة 9 قضائية "إدارية عليا" - جلسة 13/5/1967.
وفي الطعن رقم 1048 لسنة 10 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 13/5/1967
مشار إليها بمؤلف الدكتور/ محمد كمال الدين منير "قضاء الأمور المستعجلة" - طبعة 1990 - صـ 167).
وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، ولما كان إعلان الجهة القائمة بالتشريع حالياً عن عزمها إصدار تشريع ما في المستقبل، وكان هذا الإعلان لا يعد قراراً إدارياً، حيث إنه لا يحدث – بذاته – أثراً قانونياً على نحو ما سلف بيانه، وبالتالي ينتفي – والحال كذلك – ركني الجدية (حيث إنه ليس من المرجح إلغاء هذا الإعلان بوصفه ليس قراراً إدارياً) كما ينتفي ركن الاستعجال حيث تنعدم أي آثار لا يمكن تداركها لكون هذا الإعلان – بذاته – لا يرتب أية أثار قانونية من أي نوع، وعليه يلتمس المطعون ضده الرابع بصفته القضاء برفض الشق المستعجل في الدعوى الماثلة ومن ثم رفضها موضوعاً.

ثالثاً- الطلبات
        لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة المحكمة من أسباب أصوب وأرشد، تلتمس وزارة الأوقاف (المطعون ضدها الرابعة)، الحكم لها بما يلي:
1-   برفض الشق المستعجل بطلب وقف التنفيذ.
2-   وفي الموضوع:
        أولاً- بصفة أصلية: بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذي صفة، وعلى غير ذي صفة بالنسبة لوزير الأوقاف (المطعون ضده الرابع بصفته).
        ثانياً- وبصفة احتياطية: بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة لدى رفعها.
        ثالثاً- وعلى سبيل الاحتياط الكلي: (وعلى الترتيب التالي)..
1-   بعدم قبول الدعوى لإخلالها بمبدأ الفصل بين السلطات.
2-   برفض الدعوى.
3-   بإخراج المطعون ضده الرابع بصفته من الدعوي بلا مصروفات.
        وفي جميع الأحوال: بإلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
مع حفظ كافة حقوق الأوقاف الأخرى أياً ما كانت،،،

حيثيات حكم محكمة النقض في عدم إخضاع هيئة الأوقاف المصرية لضريبة الأرباح التجارية والصناعية

حيثيات حكم محكمة النقض في عدم إخضاع هيئة الأوقاف المصرية لضريبة الأرباح التجارية والصناعية

        * "... وحيث إنه مما تنعاه الطاعنة (هيئة الأوقاف المصرية) على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون إذ قضى بخضوع ما تحصل عليه نظير إدارة وصيانة أموال الأوقاف الخيرية نيابة عن وزارة الأوقاف لضريبة الأرباح التجارية والصناعية في حين أن هذا المقابل هو أجر نظير إدارة تلك الأموال وصيانتها المخصص ريعها للصرف على أوجه الخير وليس الغرض منها تحقيق ربح مادي فهو لا يعد نشاطاً خاضعاً للضريبة طبقاً للقانون رقم 157 لسنة 1981 بشأن الضريبة على الدخل وهو ما يعيبه بما يستوجب نقضه.
        وحيث إن هذا النعي في محله، ذلك أن المقرر أن ضريبة الأرباح التجارية والصناعية لا تُربط إلا على أساس الأرباح الحقيقية التي جناها الممول في سنة الضريبة بعد خصم التكاليف المقررة، كما إنه من المقرر أن مفاد نص المادة 111/4 من قانون الضرائب على الدخل رقم 157 لسنة 1981 يدل على أن مناط فرض ضريبة على الهيئات العامة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة هي أن تزاول نشاطاً خاضعاً للضريبة أي الغرض منه تحقيق ربح مادي، وكان النص في المادة الخامسة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 80 لسنة 1971 بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية على أن تتولى الهيئة نيابة عن وزير الأوقاف بصفته ناظراً على الأوقاف الخيرية إدارة هذه الأوقاف واستثمارها والتصرف فيها على أسس اقتصادية بقصد تنمية أموال الأوقاف، والنص في المادة السادسة من ذات القانون على أنه "على الهيئة أن تؤدي إلى وزارة الأوقاف صافي ريع الأوقاف الخيرية لصرفه وفقاً لشروط الواقفين، وتتقاضى الهيئة نظير إدارة وصيانة الأوقاف الخيرية 15% من إجمالي الإيرادات المحصلة بالنسبة إلى هذه الأعيان"، يدل على أن هيئة الأوقاف المصرية تتولى نيابة عن وزارة الأوقاف الناظرة الشرعية على الأوقاف الخيرية إدارة هذه الأوقاف واستثمارها على أسس اقتصادية بقصد تنمية تلك الأموال وتؤدي الهيئة ناتج ريع هذه الأعيان إلى وزارة الأوقاف للصرف منها وفقاً لشروط الواقفين على أوجه الخير والبر وتتحصل الهيئة على نسبة 15% من إجمالي الإيرادات المحصلة بالنسبة لهذه الأعيان نظير إدارتها وصيانتها لها ومن ثم فإن ما تتقاضاه الهيئة هو أجر مقابل إدارة تلك الأموال وليس نشاطاً خاضعاً لضريبة الأرباح التجارية والصناعية بمفهوم قانون الضرائب على الدخل رقم 157 لسنة 1981 لأنها لا تستهدف تحقيق ربح مادي فهي ليست ممولاً، كما أن مقابل الإدارة والصيانة لا يعد أرباحاً تجارية أو صناعية وهو بهذه المثابة يكون بمنأى عن نطاق فرض الضريبة. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بخضوع ما تحصل عليه الهيئة الطاعنة مقابل إدارتها لأموال الأوقاف الخيرية لضريبة الأرباح التجارية والصناعية فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن.
        وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم يتعين إلغاء الحكم المستأنف في الاستئناف رقم 2036 لسنة 123 قضائية وقرارات لجنة الطعن وتقديرات مأمورية الضرائب عن سنوات النزاع".
(نقض مدني في الطعن رقم 14344 لسنة 79 قضائية – جلسة 7/7/2011م في الطعن المقام من هيئة الأوقاف المصرية ضد وزير المالية بصفته وآخرين).


الجمعة، 19 أغسطس 2011

عدم جواز تأجير المحل التجاري بالجدك من الباطن أو التنازل عنه للغير إلا بموافقة المالك المؤجر للعين.


عدم جواز تأجير المحل التجاري "الجدك" من الباطن أو التنازل عنه للغير إلا بموافقة المالك المؤجر للعين:
"الجدك" كلمة فارسية تعني الأرفف، وتطلق عرفاً على "المحل التجاري"، وقد استخدم القانون المدني القديم (الملغي، في المادة 367) هذه اللفظة لدلالة على المحل التجاري (المتجر أو المصنع).
والمحل التجاري – كما عرفته محكمة النقض:
"يعتبر منقولاً معنوياً منفصلاً عن الأموال المستخدمة في التجارة، ويشمل المحل التجاري مجموعة العناصر المادية والمعنوية المخصصة لمزاولة المهنة التجارية (من اتصال بالعملاء "الحق في التزبن"، وسمعة تجارية، واسم وعنوان تجاري، وحق في الإجارة "عقد إيجار العين الكائن فيها المحل التجاري"، وحقوق الملكية الأدبية والفنية مستقلة عن المفردات المكونة لها)؛ فهو فالمحل التجاري فكرة معنوية كالذمة المالية تضم أموالاً عدة ولكنها هي ذاتها ليست هذه الأموال، وترتيباً على ذلك لا يكون التصرف في مفردات المحل التجاري تصرفاً في "المحل التجاري" ذاته، ولا يعتبر العقار بطبيعته "أي البناء الذي يستغل فيه المتجر" عنصراً فيه، ولو كان مملوكاً للمالك المحل التجاري نفسه، وهو بهذا الوصف يصح أن يكون محلا لملكية مستقلة عن العقار القائم به".
(نقض مدني في الطعن رقم 495 لسنة 46 قضائية – جلسة 19/11/1975 مجموعة المكتب الفني – السنة 26 – صـ 1422).

جواز بيع المحل التجاري بالجدك، دون موافقة المالك المؤجر للعين:
        تنص المادة 594 من القانون المدني الحالي على أن: "
1- منع المستأجر من أن يؤجر من الباطن يقتضى منعه من التنازل عن الإيجار وكذلك العكس.
2- ومع ذلك إذا كان الأمر خاصاً بإيجار عقار أنشئ  به مصنع أو متجر واقتضت الضرورة أن يبيع المستأجر هذا المصنع أو المتجر جاز المحكمة بالرغم من وجود الشرط المانع أن تقضى بإبقاء الإيجار إذا قدم المشترى ضماناً كافياً ولم يلحق المؤجر من ذلك ضرر محقق".
* ومن ثم، فشروط صحة بيع المحل التجاري (المتجر أو المصنع) بالجدك، سبعة شروط هي:
[ 1 ] وقوع البيع على متجر أو مصنع (المادة 594/2 مدني).
[ 2 ] توافر حالة الضرورة الملجئة للتصرف (المادة 594/2 مدني).
[ 3 ] تقديم التأمينات الكافية لحماية حقوق مالك العقار (المادة 594/2 مدني).
[ 4 ] انتفاء الضرر في حق المؤجر (المادة 594/2 مدني).
[ 5 ] ضرورة أخطار المالك بثمن المبيع (المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981).
[ 6 ] مزاولة نفس النشاط السابق (وعدم تغيير النشاط، شرط تطلبته محكمة النقض).
[ 7 ] ملكية المستأجر للجدك (وهذا شرط قضائي اشترطته محكمة النقض كذلك، وهو يتكون من شقين.. الأول: أن يكون المتصرف مستأجراً للعين وليس مالكاً لها؛ والثاني: أن يكون مستأجر العين مالكاً للجدك).
        ففي حالة توافر جميع شروط البيع بالجدك، معاً – بحيث لا يصح تخلف شرط واحد منها – فإن البيع بالجدك ينفذ في حق مالك العين المؤجرة التي بها المحل التجاري، ويلتزم بتحرير عقد إيجار جديد لمشتري الجدك، بذات شروط عقد إيجار المستأجر الأصلي مالك الجدك.
        أما في حالة تخلف ولو شرط واحد من شروط صحة بيع الجدك، فلا يصح البيع، ويعتبر التصرف تنازلاً عن العين المؤجرة يبيح لمالك العين المؤجرة طلب إخلاء المستأجر الأصلي منها، طبقاً لنص المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981.

عدم جواز تأجير المحل التجاري بالجدك من الباطن أو التنازل عنه للغير، بدون موافقة المالك المؤجر للعين:
        ما سبق ينطبق على حالة "بيع" المحل التجاري بالجدك (وفقاً لنص المادة 594 من القانون المدني)، أما "تأجير" المحل التجاري بالجدك، فيسري عليه القواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني وقوانين إيجار الأماكن الاستثنائية، بحيث لا يصح تأجير المحل التجاري بالجدك من الباطن أو التنازل عنه للغير بدون موافقة المالك المؤجر للعين.
        والمقصود بالمالك المؤجر للعين، هو مالك العين الذي أجرها للمستأجر الأصلي خالية، كمبنى أو مكان خالي فقط، فأقام المستأجر الأصلي في ذلك المبنى أو المكان محلاً تجارياً له اسم تجاري وسمعة تجارية وحق الاتصال بالعملاء ...الخ. فهذا العقد (عقد الإيجار بين مالك العين المؤجر وبين المستأجر الأصلي) هو عقد إيجار أماكن يخضع لقوانين إيجار الأماكن الاستثنائية وأخرها القانونين رقمي 49 لسنة 1977 و 136 لسنة 1981.
        أما عقد الإيجار بالجدك، الذي ينصب على تأجير المحل التجاري (الذي توافرت له جميع مقومات المحل التجاري) والذي يبرمه المستأجر الأصلي للمكان (بصفته مالكاً للجدك الذي إنشائه في ذلك المكان) إلى مستأجر الجدك، فهذا العقد – عند توافر تلك المقومات – لا يخضع لقوانين إيجار الأماكن الاستثنائية وتسري عليه أحكام القانون المدني (الشريعة العامة)(1) وأحكام القانون التجاري، وأي قوانين خاصة تنظم تأجير المحل التجاري (كالقانون رقم 11 لسنة 1940)، مع مراعاة القواعد الخاصة بنفاذ القوانين (مثل إن القانون العام يقيد الخاص، والقانون اللاحق يجب السابق).  
        وما يهمنا في هذا المقام، هو عقد الإيجار الأصلي المبرم بين مالك العين خالية كمؤجر، وبين المستأجر الأصلي (الذي استأجر تلك العين لينشئ فيها محله التجاري)، فهذا العقد تنطبق عليه أحكام قوانين إيجار الأماكن (وهي قوانين استثنائية متعلقة بالنظام العام)، وتلك الأحكام تقضي بعدم جواز قيام المستأجر بتأجير العين "بالجدك" من الباطن أو التنازل عنها للغير إلا بموافقة مالك العين (سواء أجرها خالية أو مفروشة أو بالجدك، كلها أو بعضها – وهذه الحالة الأخير تختلف عن قيام المستأجر الأصلي "مالك الجدك" بإدخال شريك معه في تجارته، فهنا يظل عقد الإيجار سارياً ونافذاً بين طرفيه فقط من دون الشريك المدخل).
        حيث تنص المادة 18 (فقرة "ج") من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المُؤجر والمُستأجر على أنه:
"لا يجوز للمُؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المُدة المُتفق عليها في العقد إلا لأحد الأسباب الآتية:
        أ- ...
          ب- ...
          ج- إذا ثبت أن المُستأجر قد تنازل عن المكان المُؤجر، أو أجره من الباطن بغير إذن كتابي صريح من المالك للمُستأجر الأصلي، أو تركه للغير بقصد الاستغناء عنه نهائياً، وذلك دون إخلال بالحالات التي يُجيز فيها القانون للمُستأجر تأجير المكان مفروشاً أو التنازل عنه أو تأجيره من الباطن أو تركه لذوي القربى وفقاً لأحكام المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977".   
        ومن المقرر في قضاء محكمة النقض:
        "إن تأجير المحل التجاري يختلف عن بيعه الذي تجيزه المادة 594/2 من القانون المدني في حالة حصوله وفقاً للشروط المبينة بها والذي يترتب عليه إبقاء الإيجار لصالح مشتري الجدك، ذلك أن حكم هذا النص – وفقاً للمقرر في قضاء هذه المحكمة – إنما هو استثناء من الأصل العام، وأن مجال إعماله مقصور على الحالة التي تقوم فيها لدى المستأجر ضرورة تفرض عليه بيع المتجر الذي أنشأه في العقار المؤجر إليه مع قيام الشرط المانع من التأجير من الباطن أو التنازل عن الإيجار، وذلك بهدف تسهيل البيع الاضطراري للمحل، الأمر المنتفي في حالة احتفاظ المستأجر بالمحل واستغلاله عن طريق التأجير إلى الغير. وإن كان هذا الاستثناء لا يجوز التوسع فيه، فإنه لا يكون هناك وجه لإعمال حكم المادة 594/2 سالفة الذكر على حالة تأجير المحل التجاري من الباطن".
(نقض مدني في الطعن رقم 1518 لسنة 52 قضائية – جلسة 20/1/1983 مجموعة المكتب الفني – السنة 34 – صـ 262.
وفي الطعن رقم 1042 لسنة 51 قضائية – جلسة 15/11/1987
وفي الطعن رقم 2043 لسنة 52 قضائية – جلسة 23/4/1989 مجموعة المكتب الفني – السنة 40 – صـ 152 – فقرة 5.
وفي الطعن رقم 2044 لسنة 55 قضائية – جلسة 8/4/1990
مشار إليها في: "إيجار وبيع المحل التجاري والتنازل عن المحال التجارية والصناعية والمهنية" – للمستشار/ السيد خلف محمد – الطبعة الثالثة 1996 القاهرة – صـ 307 وما بعدها).
        ومن المقرر في قضاء النقض أنه:
        "من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن التشريع الاستثنائي بعد أن سلب المؤجر حقه في طلب إخلاء المكان المؤجر بعد انتهاء مدة الإيجار الاتفاقية مقرراً مبدأ امتداد عقود الإيجار تلقائياً أجاز له طلب الإخلاء لأسباب حددها من بينها تأجير المستأجر للمكان من باطنه أو تنازله عنه أو تركه للغير بأي وجه من الوجوه بغير إذن كتابي صريح من المالك مما يضحى معه الأصل في ظل هذا القانون الآمر هو إنفراد المستأجر ومن يتبعه بحكم العقد بالحق في الانتفاع بالمكان المؤجر وعدم جواز تخليه عنه للغير كلياً كان أو جزئياً مستمراً أو مؤقتاً بمقابل أو بدونه واعتبار هذا التخلي بجميع صوره خروجاً من المستأجر على نص عقد الإيجار مكملاً بحكم القانون يجيز للمؤجر طلب إخلاء المكان ومن ثم فإن التأجير من الباطن غير جائز ويبرر الإخلاء ولا محل للقياس على المادة 594/2 من القانون المدني الخاصة ببيع المحل التجاري لأنها وردت على سبيل الاستثناء من الأصل العام للحظر. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر ، وكان لا محل لما يقول به الطاعن من أن "تحديد الغرض من استعمال العين عند تأجيرها بإقامة مشروع عليها يجيز لمستأجرها التنازل عن الحق في إيجارها كعنصر من عناصر المشروع التجاري الذي أقامه فيها" طالما إن المالك لم تصدر منه موافقة كتابية صريحة على التنازل، فإن النعي برمته يكون على غير أساس".
(نقض مدني في الطعن رقم 87 لسنة 52 قضائية – جلسة 19/1/1989).
كما تواتر قضاء محكمة النقض على إنه:
        "ولئن كان المبنى المنشأ به المتجر لا يعدو أن يكون عنصراً من عناصره المادية، وكان تأجيره بما أشتمل عليه من مقومات مادية ومعنوية دون أن يكون الغرض الأساسي من الإجارة المبنى ذاته، لا يخضع – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – لأحكام قوانين إيجار الأماكن وإنما للقواعد العامة المقررة في القانون المدني، إلا إنه حين يكون المتجر منشأ في عقار ويكون مالك المتجر مستأجراً لهذا العقار فإن تأجير العقار ضمن عقد تأجير المتجر يعتبر في العلاقة بين مالك العقار ومستأجره الأصلي تأجيراً من الباطن يخضع لقوانين إيجار الأماكن، دون القواعد العامة في القانون المدني، وكان تأجير المحل التجاري يختلف عن بيعه الذي تجيزه المادة 594/2 من القانون المدني في حالة حصوله وفقاً للشروط المبينة بها ويترتب عليه إبقاء الإيجار لصالح مشتري المتجر. ذلك أن حكم هذا النص وفقاً للمقرر في قضاء هذه المحكمة إنما هو استثناء من الأصل العام وأن مجال إعماله مقصور على الحالة التي تقوم فيها لدى المستأجر ضرورة تفرض عليه بيع المتجر الذي أنشأه في العقار المؤجر إليه مع قيام الشرط المانع من التأجير من الباطن أو التنازل عن الإيجار وذلك بهدف تسهيل البيع الاضطراري للمحل الأمر المنتفي في حالة احتفاظ المستأجر بالمحل واستغلاله له عن بطريقة تأجيره للغير. وإذ كان الاستثناء لا يجوز التوسع فيه فإنه لا يكون هناك وجه لإعمال حكم المادة 594/2 سالفة الذكر على حالة تأجير المحل من الباطن وإذ كان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن الطاعنة الأولى قد أجرت الدكان من باطنها بدون إذن من المالك، وكان لا يغير من ذلك إن الإجارة شملت عناصر أخرى بخلاف المبنى ذاته، فإن النعي عليه بهذا السبب يكون على غير أساس".
(نقض مدني في الطعن رقم 62 لسنة 54 قضائية – جلسة 15/4/1990.
مشار إلى الحكمين الأخيرين في: "إيجار وبيع المحل التجاري والتنازل عن المحال التجارية والصناعية والمهنية" – للمستشار/ السيد خلف محمد – الطبعة الثالثة 1996 القاهرة – صـ 490 وما بعدها).

قيام الحظر ولو خلا العقد من النص عليه:
        ومن المُقرر في قضاء النقض أن:
"حظر التأجير من الباطن بغير إذن كتابي صريح من المالك حكم تشريعي قائم منذ صدور القانون رقم 121 لسنة 1947 بالنص عليه في المادة 4 فقرة "ب"، بمُقتضاه أصبح الأصل هو تحريم التأجير من الباطن، وكان الأثر الفوري لقوانين إيجار الأماكن يوجب سريان هذا التحريم على كل تأجير من الباطن يحدث بعد صدور القانون 121 لسنة 1947 ولو خلا عقد الإيجار من شرط بالحظر".
(نقض مدني جلسة 2/5/1979 مجموعة المكتب الفني – السنة 30 – صـ 253. ونقض مدني في الطعن رقم 4310 لسنة 61 قضائية – جلسة 29/5/1995.
مشار إليه في: "مجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في تطبيق قوانين الإيجار خلال خمسة وستين عاماً" – للمُستشار/ محمد خيري أبو الليل – الجزء الأول – طبعة 1997 القاهرة – القاعدة رقم 556 – صـ 843).

الالتزام بالحظر غير قابل للتجزئة مما يرتب حق المُؤجر في الإخلاء ولو كانت المُخالفة قد وقعت من أحد المُستأجرين لعين واحدة دون الآخرين:
        ومن المُقرر في قضاء النقض أن:
"النص في المادتين 301/1 و 302/1 من القانون المدني يدل وعلى ما جاء بمُذكرة المشروع التمهيدي أن الالتزام الذي لا يقبل التجزئة بطبيعته كما هو الشأن في تسليم شيء مُعين بذاته أو الالتزام بالامتناع عن عمل أو نقل حق غير قابل للانقسام يُعتبر كُلاً لا يحتمل التبعيض إذ الأصل أن يُعتبر غير قابل للانقسام، فيتحتم قضاءه إلى الدائن ويُؤديه المدين كاملاً غير مُجزأ، فهذا الالتزام يتميز بأن تنفيذه يتم بأداء كل موضوعه من غير أن يعتري هذا الموضوع تجزئة أو انقسام، لما كان ذلك، وكان عقد الإيجار سند الدعوى قد حظر على المُستأجرين للعين محل النزاع التنازل عن الإيجار، وكان هذا مُقرراً بقوانين إيجار الأماكن، إلا إذا أذن به المالك كتابة، فإن الحظر الوارد في العقد والقانون هو التزام بالامتناع عن عمل، وأي عمل يأتيه أحد المُستأجرين مُخالفاً لهذا الحظر يُعتبر خرقاً للالتزام إذ أنه بطبيعته لا يقبل التجزئة، ويترتب على مُخالفته فسخ عقد الإيجار ورد العين المُؤجرة، لما كان ذلك، فلا يُجدي الطاعن التمسك بقاعدة الأثر النسبي للعقود، باعتبار أن البيع بالجدك قد صدر من المُستأجر الآخر أو أن استئجاره للعين محل النزاع مع المُستأجر الآخر كان بدون تضمان، وعليه يحق للمُؤجر مُطالبتهما معاً بالآثار المُترتبة على تنازل أحدهما عن الإيجار بغير إذنه وهي فسخ عقد الإيجار والإخلاء، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أعمل صحيح القانون".
(نقض مدني في الطعنين رقمي 913 و 1114 لسنة 52 قضائية – جلسة 5/5/1988.
وفي الطعن رقم 2116 لسنة 54 قضائية – جلسة 21/11/1991.
وفي الطعن رقم 1213 لسنة 58 قضائية – جلسة 10/1/1993.
مشار إليهم في: "مجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في تطبيق قوانين الإيجار خلال خمسة وستين عاماً" – للمُستشار/ محمد خيري أبو الليل – الجزء الأول – طبعة 1997 القاهرة – القاعدة رقم 557 و 558 – صـ 843 و 844).

نشوء حق المؤجر في الإخلاء بمُجرد وقوع المُخالفة ولو أزيلت بعد ذلك، ولا تملك المحكمة سلطة تقديرية في إيقاع الفسخ:
        ومن المُقرر في قضاء النقض أن:
"التشريع الاستثنائي، بعد أن سلب المُؤجر حقه في طلب إخلاء المكان المُؤجر بعد انتهاء مُدة الإيجار الاتفاقية مُقرراً مبدأ امتداد عقود الإيجار تلقائياً، أجاز له طلب الإخلاء لأسباب حددها من بينها تأجير المُستأجر للمكان من باطنه أو تنازله عنه أو تركه للغير بأي وجه من الوجوه دون إذن كتابي صريح من المالك، مما يضحى معه الأصل في ظل هذا القانون الآمر هو انفراد المُستأجر ومن يتبعه بحكم العقد بالحق في الانتفاع بالمكان المُؤجر وعدم جواز تخليه عنه للغير كلياً كان ذلك أو جزئياً، مُستمراً أو مُؤقتاً، بمُقابل أو بدونه، واعتبار هذا التخلي بجميع صوره خروجاً من المُستأجر على نص عقد الإيجار مُكملاً بحكم القانون يُجيز للمُؤجر طلب إخلاء المكان. وينشأ حق المُؤجر في الإخلاء بمُجرد وقوع المُخالفة ولا ينقضي بإزالتها فيبقى له هذا الحق ولو أسترد المُستأجر الأصلي العين المُؤجرة بعد ذلك، ومتى ثبت قيام المُستأجر بتأجير العين المُؤجرة له من الباطن – دون إذن كتابي صريح من المالك – تعين على المحكمة أن تقضي بفسخ الإيجار وإخلاء المكان دون أن يكون لها سلطة تقديرية في ذلك لأن حق المُؤجر في الإخلاء ينشأ بمُجرد وقوع المُخالفة، فالحكم بالفسخ هنا مُقرر تقع نتيجته بمُجرد قيام سببه، وذلك سواء نص عليه في عقد الإيجار أو لم ينص وسواء طلب المُؤجر إعمال نص القانون أو العقد إذ يستند الإخلاء في هذه الحالة إلى إرادة المُشرع وليس إلى اتفاق الطرفين وذلك لتعلق التشريع بالنظام العام".
(نقض مدني في الطعن رقم 272 لسنة 48 قضائية – جلسة 28/11/1984 مجموعة المكتب الفني – السنة 35 – صـ 1943.
ونقض جلسة 11/1/1978 مجموعة المكتب الفني – السنة 29 – صـ 159.
مشار إليهم في: "مجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في تطبيق قوانين الإيجار خلال خمسة وستين عاماً" – للمُستشار/ محمد خيري أبو الليل – الجزء الأول – طبعة 1997 القاهرة – القاعدة رقم 563 – صـ 846 و 847).

حق المستأجر في إدخال شريك معه في استغلال المحل التجاري:
        ومن المقرر أن للمستأجر أن يدخل معه شريكاً في النشاط التجاري أو الصناعي الذي يباشره في العين المؤجرة، أو أن يعهد إلى غيره بإدارة المحل المؤجر دون أن ينطوي هذا بذاته على معنى تخلي المستأجر لتلك العين عن حقه في الانتفاع بها إلى شريكه في المشروع بأي طريق من طرق التخلي لانتفاء مقتضى ذلك قانوناً، بل يظل عقد إيجار العين على حاله قائماً لصالح المستأجر وحده، ما لم يثبت بدليل آخر تخليه عن حقوقه المتولدة عن ذلك العقد إلى الغير.
        هذا، ومن المقرر في قضاء النقض أنه:
"لما كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الشركة عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع مالي بتقديم حصة من مال أو من عمل لاقتسام ما قد ينشأ من هذا المشروع من ربح أو من خسارة، مما مؤداه أن محل هذا العقد هو تكوين رأس مال مشترك فيه مجموع حصص الشركاء وذلك بقصد استغلاله للحصول على ربح يوزع بينهم، وكان لا رابطة بين هذا المؤدى وبين ما قد يكون من مباشرة الشركاء وبعد قيام الشركة لنشاطهم المشترك في عين يستأجرها أحدهم، لانتفاء التلازم بين قيام الشركة وبين وجود مثل تلك العين. لما كان ذلك، فإن قيام مستأجر العين بإشراك آخر معه في النشاط المالي الذي يباشره فيها، عن طريق تكوين شركة بينهما، لا يعدو أن يكون متابعة من جانب المستأجر للانتفاع بالعين فيما أجرت من أجله بعد أن ضم إلى رأس ماله المستثمر فيها حصة لآخر على سبيل المشاركة في استغلال هذا المال المشترك، دون أن ينطوي هذا بذاته على معنى تخلي المستأجر لتلك العين عن حقه في الانتفاع بها سواء كلها أو بعضها إلى شريكه في المشروع المالي بأي طريق من طرق التخلي – إيجاراً كان من الباطن أو تنازلاً عن عقد الإيجار – لانتفاء مقتضى ذلك قانوناً، بل يظل عقد إيجار العين على حاله قائماً لصالح المستأجر وحده، ما لم يثبت بدليل آخر تخليه عن حقوقه المتولدة عن ذلك العقد إلى الغير".
(نقض مدني في الطعن رقم 153 لسنة 55 قضائية – جلسة 25/3/1990.
وفي الطعن رقم 3172 لسنة 59 قضائية – جلسة 28/3/1990.
وفي الطعن رقم 203 لسنة 47 قضائية – جلسة 23/5/1984).
    مع مراعاة إن يتعين لإعمال هذا الحق، حق الشريك في إدخال شريك معه في مباشرة النشاط الذي يباشره في العين المؤجرة، ما يلي:
1- ألا يكون عقد الشركة "صورياً" يخفي ورائه تنازل أو تأجير العين من الباطن، والمالك المؤجر يعد من الغير بالنسبة لذلك العقد، فيجوز له إثبات الصورية بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة وقرائن الأحوال.
2- ألا يتخارج المستأجر الأصلي من تلك العين (بعد الحكم بعدم دستورية امتداد عقد الإيجار إلى الشريك)(2).
3- ألا يدخل المستأجر الأصلي بحصة عينية في تلك الشركة (حيث تكون العين المؤجرة هي حصته ونصيبه في تلك الشركة).
4- ألا ينص في عقد الشركة أنه عند انتهاء الشركة أو تصفيتها لأي سبب تؤول العين المؤجرة إلى الشريك الآخر (وليس إلى المستأجر الأصلي).
فمن المقرر في قضاء محكمة النقض أن:
"الشركة – وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض – عقد يلتزم بمُقتضاه شخصان أو أكثر بأن يُساهم كل منهم في مشروع مالي أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خُسارة، مما مؤداه أن محل هذا العقد هو تكوين رأس مال يشترك فيه مجموع حصص الشركاء وذلك بقصد استغلاله للحصول على ربح يوزع بينهم، وإنه ولئن كان لا رابطة بين قيام الشركة وبين ما قد يكون من مُباشرة الشركاء بعد قيام الشركة لنشاطهم المُشترك في عين يستأجرها أحدهم لانتفاء التلازم بين نشأة الشركة وبين وجود مثل تلك العين أو تحقق ذلك النشاط فيها إلا أن حق الإجارة يدخل ضمن مقومات الشركة إذا ما قدمه الشريك المُستأجر كحصة له فيها، وتخلى عن حقوقه المتولدة عن عقد الإيجار فتُصبح الشركة مُتنازلاً لها عن الإيجار من جانب المُستأجر..
والمُقرر أن للشركة وجود مُستقل عن الشركاء فتخرج حصة الشريك في الشركة عن ملكه وتصبح مملوكة للشركة، ولا يكون له بعد ذلك إلا مُجرد حصة في نسبة مُعينة من الأرباح أو نصيب في رأس مال الشركة عند التصفية، لما كان ذلك وكان الثابت من عقد الشركة المُقدم ضمن مُستندات الطاعن أنه نص في تمهيد العقد الذي يُعتبر طبقاً للبند الأول جزءاً منه، على أن مورث المطعون ضدهم من الثانية حتى الأخيرة يمتلك مكتباً للتجارة بالشقة محل النزاع وعقد الإيجار الصادر من الشركة المطعون ضدها الأولى ونص في البند الثاني منه على أن رأس مال الشركة مُناصفة بين الشريكين ويدخل ضمن رأس مال المُورث قيمة المكتب سالف الذكر، وإذ كان مفاد هذه النصوص أن مورث المطعون ضدهم من الثانية حتى الأخيرة قد تنازل عن إجارة الشقة محل النزاع إلى الشركة وأنه قدمها ضمن حصته فيها وأصبحت ضمن مقوماتها وأن ذلك يسري في حق ورثته".
(نقض مدني في الطعن رقم 1194 لسنة 53 قضائية، جلسة 3/3/1993.
مُشار إليه في: "مجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في تطبيق قوانين الإيجار خلال خمسة وستين عاماً" – للمُستشار/ محمد خيري أبو الليل – الجزء الأول – طبعة 1997 القاهرة – القاعدة رقم 1118 – صـ 1231).
        كما تواتر قضاء محكمة النقض على أن:
"مؤدى نص المادة 52 من القانون المدني على أن تعتبر "الشركة" شخصاً اعتبارياً، أنها تكتسب هذه الشخصية بمجرد تكوينها مستقلة عن أشخاص الشركاء فيها، مما مقتضاه أن تكون لها ذمة مالية مستقلة عن ذممهم، وتعتبر أموالها ضماناً عاماً لدائنيها وحدهم، كما تخرج حصة الشريك في الشركة عن ملكه لتصبح مملوكة للشركة ولا يكون للشريك بعد ذلك إلا مجرد حق في نسبة معينة من الأرباح أو نصيب في رأس المال عند تصفية الشركة".
(نقض مدني في الطعن رقم 1706 لسنة 52 قضائية – جلسة 15/5/1986).
هذا، والله أعلى وأعلم،،،


(1) فالأماكن والمباني المقامة عليها منشآت تجارية أو صناعية، متى توافرت لها مقوماتها المعنوية التي تتمثل في: عنصر الاتصال بالعملاء والسمعة التجارية والموقع التجاري، وطالما ثبت أن المكان أو المبنى المقام عليه المنشأة التجارية أو الصناعية لم يكن هو الغرض الأساسي من الإجارة وإنما ما أشتمل عليه من عناصر مادية تتمثل في الآلات والمعدات التي أعدت للاستغلال التجاري أو الصناعي وعناصر معنوية من سمعة تجارية واتصال بالعملاء، أي طالما كان ذلك المكان المقام عليه المنشأة ليس إلا عنصراً ثانوياً، فإن عقد الإيجار يخرج  عن نطاق تطبيق قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية ويخضع لأحكام القواعد العامة في القانون المدني. (قرب ذلك: نقض مدني في الطعن رقم 226 لسنة 37 قضائية – جلسة 6/4/1972 مجموعة المكتب الفني – السنة 23 – صـ 657. والمرجع: "إيجار وبيع المحل التجاري" – للمستشار/ السيد خلف محمد – الطبعة الثالثة 1996 القاهرة – صـ 289 وما بعدها).
(2) حيث قضت المحكمة الدستورية العليا "بعدم دستورية الفقرة الثانية من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وذلك فيما نصت عليه من استمرار شركاء المستأجر الأصلي للعين التي كان يزاول فيها نشاطاً تجارياً أو صناعياً أو مهنياً أو حرفياً، في مباشرة ذات النشاط بها بعد تخلى هذا المستأجر عنها"، بالحكم في الطعن رقم 4 لسنة 15 قضائية "دستورية" - بجلسة 6/7/1996، والمنشور بالجريدة الرسمية بالعدد 28 في 18/7/1996.

الرياضة في الإسلام - للشيخ/ عطية صقر


الرياضة البدنية فى نظر الإسلام.
لفضيلة المفتي/ الشيخ عطية صقر، في مايو 1997

سئل : ما مدى علاقة الدين بالرياضة البدنية، وما تأثير ذلك على الإنتاج، وما هي أنواع الرياضات التي يحلها الإسلام؟

أجاب :
1 - الرياضة مصدر راض، يقال: راض المهر يروضه رياضاً ورياضة فهو مروض أي ذلله وأسلس قياده، ورياضة البدن معالجته بألوان من الحركة لتهيئة أعضائه لأداء وظائفها بسهولة. وقد قال المختصون: إن هذه الرياضة توفر للجسم قوته وتزيل عنه أمراضاً ومخلفات ضارة بطريقة طبيعية هي أحسن الطرق فى هذا المجال.
2 - والناس من قديم الزمان لهم طرق وأساليب فى تقوية أجسامهم بالرياضة، وكل أمة أخذت منها ما يناسب وضعها ويتصل بأهدافها، فالأمة الحربية مثلاً عنيت بحمل الأثقال وبالرمي واللعب بالسلاح، والأمة التي تكثر فها السواحل تعنى بالسباحة، والأمة المسالمة الوادعة تعنى بالتمرينات الحركية للأعضاء بمثل ما يطلق عليه الألعاب السويدية، وهكذا.
واشتهر بين الناس هذه الأيام اسم الألعاب الأوليمبية، وهى لقاءات تتم كل أربع سنوات بين الرياضيين من جميع أنحاء العالم، واسمها منسوب إلى أولمبيا واد فى بلاد اليونان أقيمت فيه أول الألعاب سنة 776 قبل الميلاد، وكانت تقام عندهم بوحي من عقيدة دينية وسياسية، واعتبروها الوسيلة الوحيدة لقوة الجسم فى نظر الشعب وإلى حكم الشعب فى نظر الزعماء.
وكانت للعرب، كغيرهم من الأمم - أنواع من الرياضة أمْلَتها عليهم ظروف معيشتهم التي تعتمد على الرحلات والصيد والغارات والثارات.
3 - والإسلام لا يمنع تقوية الجسم بمثل هذه الرياضات، فهو يريد أن يكون أبناؤه أقوياء فى أجسامهم وفى عقولهم وأخلاقهم وأرواحهم لأنه يمجِّد القوة، فهي وصف كمال لله تعالى ذي القوة المتين، والحديث الشريف يقول "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف" رواه مسلم، والجسم القوى أقدر على أداء التكاليف الدينية والدنيوية، والإسلام لا يشرع ما فيه إضعاف الجسم إضعافا يعجزه عن أداء هذه التكاليف، بل خفف من بعض التشريعات إبقاء على صحة الجسم، فأجاز أداء الصلاة من قعود لمن عجز عن القيام، وأباح الفطر لغير القادرين على الصيام، ووضع الحج والجهاد وغيرهما عن غير المستطيع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص، وقد أرهق نفسه بالعبادة صياما وقياما: "صم وأفطر وقم ونم، فإن لبدنك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا" رواه البخاري ومسلم.
وقد ذكر ابن القيم فى كتابه زاد المعاد عند الكلام على الرياضة، أن الحركة هي عماد الرياضة، وهى تخلص الجسم من رواسب وفضلات الطعام بشكل طبيعي، وتعود البدن الخفة والنشاط وتجعله قابلا للغذاء وتصلب المفاصل وتقوى الأوتار والرباطات وتؤمن جميع الأمراض المادية وأكثر الأمراض المزاجية، إذا استعمل القدر المعتدل منها فى دقة. وقال : كل عضو له رياضة خاصة يقوى بها، وأما ركوب الخيل ورمى النشاب والصراع والمسابقة على الأقدام فرياضة للبدن كله، وهى قالعة لأمراض مزمنة.
4 - مظاهر الرياضة البدنية فى الإسلام كثيرة، والتكاليف الإسلامية نفسها يشتمل كثير منها على رياضات للأعضاء إلى جانب إفادتها رياضة للروح واستقامة للسلوك، فالصلاة بما فيها من طهارة وحركات لمعظم أجزاء الجسم، والحج بمناسكه المتعددة، وزيارة الإخوان وعيادة المرضى والمشي إلى المساجد وأنواع النشاط الاجتماعي كلها تمرين لأعضاء الجسم وتقوية له ما دامت فى الحد المعقول.
وهناك فى غير العبادات والتكاليف الشرعية رياضات تشبه إلى حد كبير كثيرا مما تواضع عليه للناس فى هذا العصر، أقرها الإسلام وشجعها وإليك صورا لها:
1 - العَدْوُ: وهو تدريب على سرعة المشي، يلزم للأسفار من أجل الجهاد ونشر الدعوة والسعي لتحصيل الرزق وغير ذلك، ويذكر التاريخ العداء المشهور "فيديبدس" من قرية ماراثون باليونان وما كان له من أثر فى إخطار البلاد بهجوم الجيش الفارسي عليهم فى سبتمبر سنة 490 قبل الميلاد وفى انتصارهم على العدو، وقد خلد اسمه بعد ذلك بسباق ماراثون.
والعدو داخل ضمناً تحت الأمر بالمسارعة إلى الخير، فهي مسارعة روحية وجسمية، وقد روى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة فسبقته، ثم سابقها بعد ذلك فسبقها، فقال: هذه بتلك، وجاء فى بعض الروايات أن سبقه لها فى المرة الثانية كان لثقل جسمها وسمنتها. وروى الطبراني أنه عليه الصلاة والسلام قال "من مشى بين الغرضين - علامتين لتحديد المسافة - كان له بكل خطوة حسنة".
وقد اشتهر من العرب فى سرعة العدو حذيفة بن بدر، وكان قد أغار على هجائن النعمان بن المنذر بن ماء السماء، وسار فى ليلة مسير ثمان. فقال قيس بن الحطيم: هممنا بالإقامة ثم سرنا كسير حذيفة الخير بن بدر.
وكذلك من العدائين المشهورين ذكوان مولى آل عمر بن الخطاب فقد سار من مكة إلى المدينة فى يوم وليلة "المسافة حوالي 500 كيلو متر" ولما قدم على أبى هريرة خليفة مروان على المدينة وصلى العتمة قال أبو هريرة: حاج غير مقبول منه. فقال: ولم؟ قال: لأنك نفرت قبل الزوال، ظن أنه خرج من مكة قبل أن يرمى الجمرة التي يدخل وقتها بالزوال - فأخرج له كتاب مروان بعد الزوال.  
2 - ركوب الخيل والحيوانات الأخرى والمسابقة عليها، والعرب من قديم الزمان مشهورون بالفروسية، وكان الناشئ منهم لا يصل إلى الثامنة حتى يتحتم عليه أن يتعلم ركوب الخيل، والله سبحانه وتعالى قد نوَّه بها فى قوله تعالى {والعاديات ضبحا. فالموريات قدحا. فالمغيرات صبحا. فأثرن به نقعا. فوسطن به جمعا} العاديات: ا - 5 ، فهي من أهم أدوات الحرب، كما نوه بها فى السلم فقال سبحانه {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} النحل: 8 ، وأوصى رسوله بالعناية بها فقال {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} الأنفال: 60، ورباط الخيل تعهدها بما يحفظ عليها قوتها، ويجعلها دائما على استعداد للغزو وغيره، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي قد أضمرت، فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع والمسافة نحو ستة أميال أو سبعة، وسابق بين الخيل التي لم تضمر، فأرسلها من ثنية الوداع إلى مسجد بنى زريق، والمسافة نحو ميل (تضمير الخيل هو إعطاؤها علفا قليلا بعد سمنها من كثرة العلف، وكانت عادة العرب أن تعلف الفرس حتى يسمن، ثم ترده إلى القوت أي الأكل العادي. كما يقال إن تضمير الخيل يكون بأن تشد عليها سروجها وتجلل بالأجلة حتى تعرق تحتها فيذهب رهلها ويشتد لحمها، ويحمل عليها غلمان خفاف يجرونها ولا يعنفون بها إذا فعل بها ذلك أمن عليها البهر الشديد عند حضرها، أي لا تنهج عند العدو). وابن عمر قد سابق فى هذا السباق، رواه البخاري، وفى مسلم أن رسول الله قال يوم حنين: يا خيل الله اركبي، وقال "اركبوا الخيل فإنها ميراث أبيكم إسماعيل" وقد سابق النبي أيضا على الجمال فسابق على ناقته العصباء وكانت لا تُسبق، فجاء أعرابي على قعود فسبقها، فشق ذلك على المسلمين فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن حقا على الله ألا يرفع من الدنيا شيئا إلا وضعه" رواه البخاري.
وذكر الجاحظ فى البيان والتبيين أن عمر أرسل كتابه إلى الأمصار يقول فيه: علموا أولادكم السباحة والفروسية. وفى رواية ومروهم يثبوا على الخيل وثبا، ورووهم ما سار من المثل وحسن من الشعر.
3 - الرماية، عن عقبة بن عامر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ... ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي" رواه مسلم، وعن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بنفر من أسلم ينتضلون بالسوق، فقال: "أرموا بنى إسماعيل فإن أباكم كان رامياً، أرموا وأنا مع بنى فلان، فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال رسول الله ما لكم لا ترمون؟ فقلنا كيف نرمى وأنت معهم؟ فقال: أرموا وأنا معكم كلكم" رواه البخاري ومسلم. وعن عقبة أيضا: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانعه يحتسب فى صنعته الخير، والرامي به، ومنبله، وارموا وأركبوا، وأن ترموا أحب إليَّ من أن تركبوا، ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبة عنه فإنه نعمة تركها، أو قال: كرها" رواه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه. وفى رواية أن فقيما اليخمى قال لعقبة: تختلف بين هذين الغرضين وأنت كبير يشق عليك؟ فقال عقبة: لولا كلام سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أعانه، والكلام الذى سمعه هو "من علم الرمي ثم تركه فليس منى. أو فقد عصا" رواه مسلم.
4 - اللعب بالسلاح - الشيش: وكان معروفاً عند العرب باسم "النقاف" وهو أصل المبارزة بالسلاح المعروفة فى شكلها الحالي، وكان من صوره رقص الحبشة الذى رآه النبي صلى الله عليه وسلم منهم فى المسجد، فكان عبارة عن حركات رياضية تصاحبها السهام، ففي رواية عن أبى سلمة أن الحبشة كانوا يزفون ويلعبون بحرابهم يتلقونها. وكانت المبارزة تتقدم الحروب والغزوات أيام الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن أشهر المبارزين على بن أبى طالب ومواقفه فى بدر والخندق وغيرهما معروفة.
والتحطيب المعروف عندهم باسم "اللبج" أو "اللبخ" يشبه اللعب بالسيوف لأنه محاولة للأخذ قوامها هجوم ودفاع بالعصي.
5 - المصارعة ومثلها الملاكمة: وقد صارع النبي جماعة، منهم ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب، وكان بمكة ويحسن الصراع ويأتيه الناس من البلاد فيصرعهم، قال ابن إسحاق: لقيه النبي صلى الله عليه وسلم فى شعب من شعاب مكة فقال له: يا ركانة، ألا تتقى الله وتقبل ما أدعوك إليه؟ فقال: يا محمد هل لك من شاهد يدل على صدقك؟ فقال: أرأيت إن صرعتك أتؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم. وقال البلاذرى: إن السائل للمصارعة هو ركانة، فقال له: تهيأ للمصارعة، فقال: تهيأت، فدنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه ثم صرعه، فتعجب من ذلك ركانة، ثم سأله الإقالة مما توافقا عليه، وهو الإيمان والعودة إلى المصارعة، ففعل به ذلك ثانيا وثالثا: فوقف ركانة متعجبا وقال: إن شأنك لعجيب، وأسلم عقبها، وقيل أسلم فى فتح مكة. رواه الحاكم وأبو داود والترمذي.
كما صارع النبي ابن ركانة واسمه يزيد، فقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ثلاثمائة من الغنم، فقال: يا محمد هل لك أن تصارعنى؟ قال: وما تجعل لي إن صرعتك؟ قال: مائة من الغنم، فصارعه فصرعه، ثم قال: هل لك فى العود؟ قال: وما تجعل؟ قال: مائة أخرى. فصارعه فصرعه، وذكر الثالثة، فقال: يا محمد، ما وضع جنبى فى الأرض أحد قبلك، ثم أسلم ورد عليه غنمه، روى عنه أنه قال: ماذا أقول لأهلي؟ شاة افترسها الذئب، وشاة شذت منى، فماذا أقول فى الثالثة؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما كنا لنجمع عليك فنصرعك فنغرمك، خذ غنمك وانصرف (ذكره الزرقانى فى شرح المواهب ج 4 ص 293).
وكذلك صارع النبي أبا الأسود الجمحى، وكان رجلا شديدا بلغ من قوته أنه كان يقف على جلد البقرة ويتجاذب أطرافه عشرة لينزعوه من تحت قدميه فيتفرى الجلد ولم يتزحزح عنه، وكان من المشهورين بالمصارعة فى الإسلام محمد بن الحنفية، جلس كالجبل يحركه رسول الروم لمعاوية يتحدى به أقوياءه، فأقر رسول الروم بقوة محمد، ثم رفعه محمد مرات وجلد به الأرض.
6 - رفع الأثقال ومثله ألعاب القوى: وكان يعرف عند العرب باسم "الربع" وهو أن يُشال الحجر باليد، يفعل ذلك لتعرف شدة الرجل، والربيعة والمربوع هو الحجر الذى يرفع، وفى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يربعون حجرا أو يتربعون فقال: عمال الله أقوى من هؤلاء (ذكره فى لسان العرب) وأول من فكر فى تلك اللعبة جابر بن عبد الله الأنصاري، وكان مشهورا بقوته البدنية، وقد اشتهر بالقوة البدنية على بن أبى طالب فإنه فى غزوة خيبر لما ضاع ترسه أمسك بباب كان عند الحصن فتترس به عن نفسه، وكان سبعة نفر ينوءون بحمله (ذكره فى الروض الأنف ج 2 ص 239).
7 - القفز أو الوثب العالي: وكان يعرف أيضا عند العرب باسم "القفيزى" حيث كانت توضع عارضة خشبية يتقافزون عليها ولها نظام خاص لإجادتها (عيون الأخبار لابن قتيبة ج ا ص 133).
8 - الكرة: وهى تشبه لعبة البولو فى هذه الأيام، وقد وضعوا لها آدابا مذكورة فى كتب الأدب، قال الحارثة بن رافع. كنت ألاعب الحسن والحسين بالمداحى، والدحو رمى اللاعب بالحجر والجوز وغيره، والمداحى حجارة كشكل القرصة، وتحفر حفرة فترسل تلك القرص نحوها، فمن وقعت قرصته فيها فهو الغالب، وذكر أن ابن المسيب سئل عن الدحو بالحجارة فقال لا بأس به.
9 - السباحة: عن عطاء بن أبى رباح قال: رأيت جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصاري يرميان فملَّ أحدهما فجلس فقال له الآخر: كسلت؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو أو سهو إلا أربع خصال: مشى الرجل بين الغرضين، وتأديبه لفرسه، وملاعبته أهله، وتعليم السباحة" رواه الطبراني بإسناد جيد، وروى البيهقى بسند ضعيف من حديث أبى رافع: حق الولد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي. وعن ابن عباس قال: ربما قال لي عمر بن الخطاب: تعال أباقيك فى الماء، أينا أطول نفسا ونحن محرمون. وفى تاريخ الخلفاء للسيوطى (ص 264) عندما تغلب معز الدولة أحمد بن بويه على بغداد شجع السباحة والمصارعة، حتى كان السبَّاح يحمل الموقد عليه القدر باللحم إلى أن ينضج. وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سبح وهو صغير عندما زارت به أمه أخواله فى المدينة، فإنه عليه الصلاة والسلام لما هاجر ونظر إلى دار التابعة حيث دفن أبوه قال: هاهنا نزلت بي أمي وأحسنت العوم في بئر بنى عدى بن النجار، واستدل به السيوطى على أن النبي عَامَ وذكر أنه روى أبو القاسم البغوى وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سبح هو وأصحابه فى غدير، فقال ليسبح كل رجل إلى صاحبه، فسبح صلى الله عليه وسلم إلى أبى بكر حتى عانقه، وقال: أنا وصاحبي (الزرقانى على المواهب اللدنية ج ا ص 164).
هذه نماذج للتربية الرياضية أقرها الإسلام، وشجع عليها. تعرف بها مدى مرونة الإسلام وشمول هدايته لكل مظاهر الحضارة الصحيحة. وفى الإطار العادل الذى وضعه للمصلحة، ويلاحظ أن التربية الرياضية لا تثمر ثمرتها المرجوة إلا إذا صحبتها الرياضة الروحية الأخلاقية، وإذا كانت هناك مباريات يجب أن يحافظ على آدابها، التي من أهمها:
عدم التعصب الممقوت فإذا حدث انتصار لفرد أو فريق وكان الفرح بذلك على ما تقتضيه الطبيعة البشرية، وجب أن يكون فى أدب وذوق، فالقدر قد يخبئ للإنسان ما لا يسره، وقد تكون الجولات المستقبلة فى غير صالح الفائز الآن.
ولا يحب أن تكون هناك شماتة به، فيجب عليه أن يحب للناس ما يحبه لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه، وقد رأيتم أن الأعرابي سبق بقعوده ناقة النبي التي كانت لا تُسبق، ولما شق على المسلمين ذلك تمثلت الروح الرياضية الصحيحة - كما يعبر المتحدثون - عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن حقا على الله ألا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه، وذلك ليهدىء من ثائرة المتحمسين له. وقد سبق أنه قال لعائشة لما سبقها: هذه بتلك.
والأدب الإسلامي عند الخصومة والمنافسة يحتم عدم نسيان الشرف والذوق؟ وعدم الفجور فى المخاصمة فتلك من خصال المنافقين، ففي حديث البخاري ومسلم "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا. ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر". والإسلام لا يرضى الانحراف عن هذه الآداب فى ممارسة الرياضة وفى إقامة المباريات.
1 - لا يرضى أن يلهو الشباب بها إلى حد نسيان الواجبات الدينية والوطنية والواجبات الأخرى، ولا يرضى أن نصرف لها اهتماماً كبيراً يطغى على ما هو أهم منها بكثير.
2 - لا يرضى أن نمارس الرياضة بشكل يؤذي الغير، كما يمارس البعض لعب الكرة فى الأماكن الخاصة بالمرور أو حاجات الناس، وفى أوقات ينبغي أن توفر فيها الراحة للمحتاجين إليها. والإسلام نهى عن الضرر والضرار.
3 - لا يرضى التحزب الممقوت، الذي فرق بين الأحبة، وباعد بين الأخوة، وجعل فى الأمة أحزابًا وشيعا، والإسلام يدعو إلى الاتحاد ويمقت النزاع والخلاف.
4 - لا يرضى أن توجه الكلمات النابية من فريق لآخر ويكره التصرفات الشاذة التي لا تليق بإنسان له كرامته. وبشخص يشجع عملاً فيه الخير لتكوين المواطن الصالح جسمياً وخلقياً.
5 - لا يرضى عن الألعاب الجماعية التي يشترك فيها الجنسان ويحدث فيها كشف للعورات أو أمور ينهى عنها الدين.
6 - لا يرضى عن الألعاب التي تثير الشهوة وتحدث الفتنة، كرياضة الرقص من النساء حين تعرض على الجماهير.
7 - لا يرضى لجنس أن يزاول ألعاب جنس آخر تليق به ولا تتناسب مع غيره فى تكوينه وفى مهمته ورسالته فى الحياة. ذلك أن الإسلام حين يبيح شيئا ويجيزه يجعل له حدودا تمنع خروجه عن حد الاعتدال وتحافظ على الآداب وتتسق مع الحكمة العامة للتشريع، وفى إطار هذه الحدود يجب أن تمارس الرياضة، وإلا كان ضررها أكبر من نفعها، وذلك مناط تحريمها، كما هي القاعدة العامة للتشريع.
ويشير إلى ذلك كله قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} المائدة: 87 ، فالآية بعموم لفظها تحرم الاعتداء فى كل تصرف سواء أكان ذلك مطعومًا أم ملبوسًا أم شيئا آخر وراء ذلك، والاعتداء هو تجاوز الحد المعقول الذى شرعه الدين.
هذا، والله أعلى وأعلم،،،
منقول (باختصار)