الأربعاء، 15 يوليو 2009

آداب الزفاف - الجزء الثاني والأخير

36 - قيام العروس على خدمة الرجال:

ولا بأس من أن تقوم على خدمة المدعوين العروس نفسها إذا كانت متسترة [أي السترة الشرعية] وأمنت الفتنة، لحديث سهل بن سعد قال: لما عرس [أي دخل بزوجته] أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاما، ولا قدمه إليهم، إلا امرأته أم أسيد، بلت (وفي رواية: أنقعت) تمرات في تور [إناء] من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته، تتحفه بذلك، [فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس ]".

والسترة المشروعة يشترط فيها ثمانية أشياء:

1 - استيعاب جميع البدن إلا الوجه والكفين.

2 - أن لا يكون زينة في نفسه.

3 - أن يكون صفيقا لا يشف.

4 - وأن لا يصف شيئا من جسمها لضيقه.

5 - ولا يكون مطيبا.

6 - ولا يشبه لباس الرجال.

7 - ولا لباس الكافرات.

8 - ولا يكون لباس شهرة.

37 - الغناء والضرب بالدف:

ويجوز له أن يسمح للنساء في العرس بإعلان النكاح بالضرب على الدف فقط، وبالغناء المباح الذي ليس فيه وصف الجمال وذكر الفجور، وفي ذلك أحاديث:

الأول: عن الربيع بنت معوذ قالت: "جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بني علي، فجلس على فراشي مجلسك مني، (الخطاب للراوي عنها)، فجعلت جويرات لنا يضربن بالدف، ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال: دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين. [فلا يعلم ما في الغيب إلا الله]

الثاني: عن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة ما كان معكم لهو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو".

وفي رواية بلفظ: "فقال: فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت: ماذا تقول؟ قال: تقول: أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم لولا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم لولا الحنطة السمراء ما سمنت عذاريكم .

38 - الامتناع من مخالفة الشرع:

ويجب عليه أن يمتنع من كل ما فيه مخالفة للشرع ، وخاصة ما اعتاده الناس في مثل هذه المناسبة ، حتى ظن كثير منهم - بسبب سكوت العلماء - أن لا بأس فيها ، وأنا أنبه هنا على أمور هامة منها :

1 - تعليق الصور:

الأول: تعليق الصور على الجدران، سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة، لها ظل، أو لا ظل لها، يدوية أو فوتوغرافية، فإن ذلك كله لا يجوز ، ويجب على المستطيع نزعها إن لم يستطع تمزيقها.

2 - ستر الجدران بالسجاد:

الأمر الثاني مما ينبغي اجتنابه: ستر الجدار بالسجاد ونحوه، ولو من غير الحرير، لأنه سرف وزينة غير مشروعة.

3 - نتف الحواجب وغيرها

الثالث: ما تفعله بعض النسوة من نتفهن حواجبهن حتى تكون كالقوس أو الهلال، يفعلن ذلك تجملا بزعمهن وهذا مما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعن فاعله بقوله: "لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والواصلات، والنامصات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله".

4 - تدميم الأظفار وإطالتها:

الرابع: هذه العادة القبيحة الأخرى التي تسربت من فاجرات أوربا إلى كثير من المسلمات، وهي تدميمهن لأظفارهن بالصمغ الأحمر المعروف اليوم بـ (مينيكور) وإطالتهن لبعضها - وقد يفعلها بعض الشباب أيضا - فإن هذا مع ما فيه من تغير لخلق الله المستلزم لعن فاعله كما علمت آنفا، ومن التشبه بالكافرات المنهي عنه في أحاديث كثيرة التي منها قوله صلى الله عليه وسلم: " ومن تشبه بقوم فهو منهم". فإنه أيضا مخالف للفطرة فطرة الله التي فطر الناس عليها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "وقت لنا (وفي رواية: وقت لنا رسول الله) في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، أن لا تترك أكثر من أربعين ليلة".

5 - حلق اللحى:

الخامس: ومثلها في القبح - إن لم تكن أقبح منها عند ذوي الفطر السليمة - ما ابتلي به أكثر الرجال من التزين بحلق اللحية بحكم تقليدهم للأوربيين الكفار، حتى صار من العار عندهم أن يدخل العروس على عروسه وهو غير حليق وفي ذلك عدة مخالفات :

أ - تغيير خلق الله ، قال تعالى في حق الشيطان: لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا، ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله، ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا.

فهذا نص صريح في أن تغيير خلق الله دون إذن منه تعالى، إطاعة لأمر الشيطان، وعصيان للرحمن جل جلاله، فلا جرم أن لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرات خلق الله للحسن كما سبق قريبا، ولا شك في دخول اللحية في اللعن المذكور بجامع الاشتراك في العلة كما لا يخفى، وإنما قلت: (دون إذن من الله تعالى)، لكي لا يتوهم، أنه يدخل في التغيير المذكور مثل حلق العانة ونحوها مما أذن فيه الشارع، بل استحبه، أو أوجبه.

ب - مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم وهو قوله: "أنهكوا الشوارب، وأعفوا اللحى". ومن المعلوم أن الأمر يفيد الوجوب إلا لقرينة والقرينة هنا مؤكدة للوجوب ، وهو:

ج - التشبه بالكفار، قال صلى الله عليه وسلم: "جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس".

د - التشبه بالنساء، فقد: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال".

ولا يخفى أن في حلق الرجل لحيته - التي ميزه الله بها على المرأة - أكبر تشبه بها، فلعل فيما أوردنا من الأدلة ما يقنع المبتلين بهذه المخالفة، عافانا الله وإياهم من كل ما لا يحبه ولا يرضاه.

6 - خاتم الخطبة:

السادس: لبس بعض الرجال خاتم الذهب الذي يسمونه بـ (خاتم الخطبة)، فهذا مع ما فيه من تقليد الكفار أيضا - لأن هذه العادة سرت إليهم من النصارى.

وفيه مخالفة صريحة لنصوص صحيحة تحرم خاتم الذهب على الرجال والنساء.

39 - تحريم خاتم الذهب ونحوه على النساء:

واعلم أن النساء يشتركن مع الرجال في تحريم خاتم الذهب عليهن، ومثله السوار والطوق من الذهب لأحاديث خاصة وردت فيهن، فيدخلن لذلك في بعض النصوص المطلقة التي لم تقيد بالرجال، وإليك الآن ما صح من الأحاديث المشار إليها:

الأول: "من أحب أن يحلق حبيبه بحلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب، ومن أحب أن يطوق حبيبه طوقا من نار فليطوقه طوقا من ذهب، ومن أحب أن يسور حبيبه سوارا من نار فليطوقه طوقا (وفي رواية: فليسوره سوارا) من ذهب، ولكن عليكم بالفضة، فالعبوا بها".

الثاني: عن ثوبان رضي الله عنه قال: جاءت بنت هبيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ [من ذهب] [أي خواتيم كبار]، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يضرب يدها [بعصية معه يقول لها: أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم من نار؟]، فأتت فاطمة تشكو إليها، قال ثوبان: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة وأنا معه وقد أخذت من عنقها سلسلة من ذهب، فقالت: هذا أهدى لي أبو حسن (تعني زوجها عليا رضي الله عنه) - وفي يدها السلسلة - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا فاطمة أيسرك أن يقول الناس: فاطمة بنت محمد في يدها سلسلة من نار؟ [ثم عذمها عذما شديدا]، فخرج ولم يقعد، فعمدت فاطمة إلى السلسلة فباعتها فاشترت بها نسمة، فأعتقتها، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار".

الثالث: عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في يد عائشة قلبين ملويين من ذهب، فقال: ألقيهما عنك، واجعلي قلبين من فضة، وصفريها بزعفران".

الرابع: عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "جعلت شعائر من ذهب في رقبتها، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فأعرض عنها، فقلت: ألا تنظر إلى زينتها، فقال: عن زينتك أعرض، [قالت: فقطعتها، فأقبل علي بوجهه]. قال: زعموا أنه قال: ما ضر إحداكن لو جعلت خرصا من ورق [فضة]، ثم جعلته بزعفران".

40 - شبهات حول تحريم الذهب المحلق، وجوابها:

واعلم أن كثيرا من علماء أعرضوا عن العمل بهذه الأحاديث لشبهات قامت لديهم ظنوها أدلة، ولا يزال كثيرون منهم يتمسكون بها على أنها حجج تسوغ لهم ترك هذه الأحاديث، ولذلك رأيت أنه لا بد من حكاية تلك الشبهات والرد عليها، كي لا يغتر بها من لا علم عنده بطرق الجمع بين الأحاديث، فيقع في مخالفة الأحاديث الصحيحة المحكمة، بدون حجة أو بينة، فأقول:

دعوى الإجماع على إباحة الذهب مطلقا للنساء، وردها:

1 - ادعى بعضهم الإجماع على إباحة الذهب مطلقا للنساء، وهذا مردود من وجوه:

الإجماع الصحيح:

الأول: أنه لا يمكن إثبات صحة الإجماع في هذه المسألة، وإن نقله البيهقي في سننه وغيره، مثل الحافظ ابن حجر في الفتح، ولكن هذا كأنه أشار لعدم ثبوته حين قال: في بحث خاتم الذهب: "فقد نقل الإجماع على إباحته للنساء، ويأتي قريبا ما يبطل هذا الإجماع، وذلك لأنه لا يستطيع أحد أن يدعي أنه إجماع معلوم من الدين بالضرورة، وغير هذا الإجماع مما لا يمكن تصوره، فضلا عن وقوعه، ولهذا قال الإمام أحمد رضي الله عنه: من ادعى الإجماع فهو كاذب، وما يدريه؟ لعل الناس اختلفوا. رواه ابنه عبد الله في مسائله.

استحالة وجود إجماع صحيح على خلاف حديث صحيح دون وجود ناسخ صحيح:

الثاني: لو كان يمكن إثبات الإجماع في الجملة، لكان ادعاؤه في خصوص هذه المسألة غير صحيح، لأنه مناقض للسنة الصحيحة، وهذا مما لا يمكن تصوره أيضا لأنه يلزم منه اجتماع الأمة على ضلال، وهذا مستحيل لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على ضلالة"، ومثل هذا الإجماع لا وجود له إلا في الذهن والخيال، ولا أصل له في الوجود والواقع، قال أبو محمد بن حزم رحمه الله تعالى في أصول الأحكام: "وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ويكون الإجماع على خلافه، قال: وذلك دليل على أنه منسوخ. وهذا عندنا خطأ فاحش متيقن لوجهين برهانيين ضروريين: أحدهما: أن ورود حديث صحيح يكون الإجماع على خلافه معدوم لم يكن قط، ولا هو في العالم، فمن ادعى أنه موجود فليذكره لنا، ولا سبيل له - والله - إلى وجوده أبدا. والثاني: أن الله تعالى قد قال: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون، فمضمون عند كل من يؤمن بالله واليوم الآخر أن ما تكفل الله عز وجل بحفظه فهو غير ضائع أبدا، لا يشك في ذلك مسلم، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم كله وحي بقوله تعالى: وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، والوحي ذكر بإجماع الأمة كلها والذكر محفوظ بالنص، فكلامه عليه السلام محفوظ بحفظ الله تعالى عز وجل ضرورة، منقول كله إلينا لا بد من ذلك، فلو كان هذا الحديث الذي ادعى هذا القائل أنه مجمع على تركه، وأنه منسوخ كما ذكر، لكان ناسخه الذي اتفقوا عليه قد ضاع ولم يحفظ، وهذا تكذيب لله عز وجل في أنه حافظ للذكر كله، ولو كان ذلك لسقط كثير مما بلغ عليه السلام عن ربه، قد أبطل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله في حجة الوداع: اللهم هل بلغت؟ قال: "ولسنا ننكر أن يكون حديث صحيح، وآية صحيحة التلاوة منسوخين إما بحديث آخر صحيح، وإما بآية متلوة، ويكون الاتفاق على النسخ المذكور قد ثبت، بل هو موجود عندنا إلا أننا نقول: لا بد أن يكون الناسخ لهما موجودا أيضا عندنا، منقولا إلينا، محفوظا عندنا، مبلغا نحونا بلفظه، قائم النص لدينا، لا بد من ذلك، وإنما الذي منعنا منه فهو أن يكون المنسوخ محفوظا منقولا مبلغا إلينا، ويكون الناسخ له قد سقط ولم ينقل إلينا لفظه، فهذا باطل عندنا، لا سبيل إلى وجوده في العالم أبد الأبد، لأنه معدوم البتة، قد دخل - بأنه غير كائن - في باب المحال، والممتنع عندنا، وبالله تعالى التوفيق".

تقديم السنة على الإجماع الذي ليس معه كتاب أو سنة:

وقال العلامة المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: "ولم يزل أئمة الإسلام على تقديم الكتاب على السنة، والسنة على الإجماع، وجعل الإجماع في المرتبة الثالثة. قال الشافعي: الحجة كتاب الله وسنة رسوله واتفاق الأئمة، وقال في كتاب اختلافه مع مالك: "والعلم طبقات: الأولى الكتاب والسنة الثابتة، ثم الإجماع فيما ليس كتابا ولا سنة".

وقال ابن القيم أيضا في صدد بيان أصول فتاوى الإمام أحمد: "ولم يكن (يعني الإمام أحمد) يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول صاحب، ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعا ويقدمونه على الحديث الصحيح وقد كذب أحمد من ادعى هذا الإجماع، ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت، وكذلك الشافعي ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطلت النصوص، وساغ لكل من لم يعلم مخالفا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص".

قلت: وهذا ما فعله البعض هنا، فقدموا ما زعموه إجماعا على النصوص المتقدمة، مع أنه لا إجماع في ذلك، وبيانه في الوجه التالي:

الثالث: أنه قد ثبت ما ينقض بالإجماع المزعوم، وهو ما روى عبد الرزاق في المصنف، وابن صاعد في حديثه وهو بخط الحافظ ابن عساكر، وابن حزم، بسند صحيح عن محمد بن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول لابنته: "لا تلبسي الذهب إني أخشى عليك اللهب".

وروى ابن عساكر من طريقين آخرين أن ابنة لأبي هريرة قالت له: إن الجواري يعيرنني، يقلن: إن أباك لا يحليك الذهب فقال: قولي لهن: إني أبي لا يحليني الذهب يخشى علي من اللهب.

ورواه عبد الرزاق نحوه وعلقه البغوي في شرح السنة، وحكى الخلاف في هذه المسألة، فإنه بعد أن ذكر إباحة خاتم الذهب للنساء وتحليهن به عند الأكثرين قال: "وكره ذلك قوم".

ثم ساق حديث أسماء بنت يزيد وما حكاه البغوي رحمه الله من الكراهة عن أولئك الذين أشار إليهم من العلماء، فهي الكراهة التحريمية، لأنه المعروف في اصطلاح السلف تبعا للأسلوب القرآني في عديد من الآيات الكريمة كقوله تعالى: وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان.

وبين أيدينا مثال آخر قريب المنال، وهو ما تقدم في بحث (خاتم الخطبة) أن الإمام أحمد، والإمام إسحاق بن راهويه كرها خاتم الذهب للرجال، فهذه الكراهة للتحريم أيضا، لتصريح الأحاديث المتقدمة هناك به، وكذلك الأمر في تحريم خاتم الذهب على النساء لأن الأدلة صريحة أيضا، فمن أطلق كراهته عليهن، فإنما يعني الكراهة الشرعية، وهي التحريم، فتأمل منصفا.

وذكر ابن عبد الحكم في سيرة عمر بن عبد العزيز أن ابنة عمر بعثت إليه بلؤلؤة وقالت له: إن رأيت أن تبعث لي بأخت لها حتى أجعلها في أذني ، فأرسل إليها ثم قال لها: إن استطعت أن تجعلي هاتين الجمرتين في أذنيك بعثت لك بأخت لها.

ومن الظاهر أن اللؤلؤة كانت محلاة بالذهب، لأنها لا تقوم بنفسها، ولا تحلى عادة إلا بها، ويؤيد ذلك لفظة: الجمرتين، فإنها مستوحاة من بعض أحاديث التحريم المتقدمة كحديث بنت هبيرة، فثبت بطلان دعوى الإجماع في هذه المسألة.

دعوى نسخ الأحاديث المتقدمة، وإبطالها:

2 - وادعى آخرون نسخ هذه الأحاديث المحرمة بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: "أحل الذهب والحرير لإناث أمتي"، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه، وقد ذكرها الزيعلي في نصب الراية، ثم حققته في تخريج كتاب الحلال والحرام للأستاذ القرضاوي، وهو ادعاء باطل، لأن للنسخ شروطا كثيرة معروفة عند العلماء منها أن يكون الخطاب الناسخ متراخيا عن المنسوخ، ومنها أن لا يمكن الجمع بينهما، وهذان الشرطان منفيان هنا، أما الأول فلأنه لا يعلم تأخر هذا الحديث المبيح عن أحاديث التحريم، وأما الثاني فلأن الجمع ممكن بسهولة بين الحديث المذكور وما في معناه، وبين الأحاديث المتقدمة، ذلك لأن الحديث مطلق، وتلك مقيدة بالذهب الذي هو طوق أو سوار أو حلقة، فهذا هو المحرم عليهن، وما سوى ذلك من الذهب المقطع فهو المباح لهن، وهو المراد بحديث حل الذهب لهن، فهو مطلق مقيد بالأحاديث المشار إليها، فلا تعارض وبالتالي فلا نسخ.

ولذلك لم نر أحدا ممن ألف في الناسخ والمنسوخ أورد الأحاديث المذكورة فيما هو منسوخ، كالحافظ أبي الفرج ابن الجوزي في رسالة إخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ في الحديث، والحافظ أبي بكر الحازمي في كتابه الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، وغيرهما، بل قد أشار ابن الجوزي رحمه الله في مقدمة رسالته المشارة إليها إلى رد دعوى نسخ هذه الأحاديث، فقال: "أفردت في هذا الكتاب قدر ما صح نسخه أو احتمل، وأعرضت عما لا وجه لنسخه ولا احتمال، فمن سمع بخبر يدعى عليه النسخ وليس في هذا الكتاب، فليعلم وهاء تلك الدعوى، وقد تدبرته فإذا فيه أحد وعشرون حديثا".

بل قال المحقق ابن القيم في الأعلام: "إن النسخ الواقع في الأحاديث الذي أجمعت عليه الأمة لا يبلغ عشرة أحاديث البتة، ولا شطرها".

قلت: ثم ساقها، وليس فيها شيء من هذه الأحاديث السابقة، فثبت ضعف ادعاء احتمال نسخها، فكيف الجزم بنسخها؟

وقال العلامة صدر الدين علي بن علاء الحنفي بعد أن حكى كلام ابن الجوزي الآنف الذكر: "وهذا هو الذي يشهد العقل بصدقه إذا سلم من الهوى، وقد ادعى كثير من الفقهاء في كثير من السنة أنها منسوخة، وذلك إما لعجزه عن الجمع بينها وبين ما يظن أنه يعارضها، وإما لعدم علمه ببطلان ذلك المعارض، وإما لتصحيح مذهبه ودفع ما يرد عليه من جهة مخالفة، ولكن نجد غيره قد بين الصواب في ذلك، لأن هذا الدين محفوظ ، ولا تجتمع هذه الأمة على ضلالة".

ولقد صدق رحمه الله في كل ما ذكره، فأنت ترى أن هذه الأحاديث المحرمة لا تتعارض مطلقا مع حديث حل الذهب للنساء، لأنه عام، وتلك خاصة، والخاص مقدم على العام كما هو مقرر في علم الأصول.

قلت: ومما يدلك على ضعف دعوى النسخ هذه أن بعض متعصبة الحنفية لم ينظر إليها بعين الرضا، مع أنه حكاها عن الجمهور الذين يقلدهم في هذه المسألة، واحتج على ذلك بقوله - وقد وفق فيه - : "إن النسخ لا يلجأ إلى القول به ما دام التوفيق بين الأحاديث ممكنا، بحيث لا يرد شيء من الأدلة"، وهذا حق لا ريب فيه، وهو من المقرر في علم الأصول.

وهناك من يقول إنه لا شك في أن الصحابة في ابتداء الإسلام كانوا في أمس الحاجة للمال ... ولقد قسم الأنصار أموالهم مناصفة بينهم وبين المهاجرين، فكان التختم بالذهب في تلك الفترة بطرا وترفا، فلما مضت الأيام، وفتحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتوحات صار الناس في رخاء العيش فأباح النبي صلى الله عليه وسلم لبس الذهب لزوال المانع.

قلت: وجوابي عليه من وجوه:

الأول: أنه لم يذكر نصا تاريخيا يؤيد تأخر المبيح عن الحاظر، يرجح به نظر الجمهور، وإنما هو مجرد الدعوى أن الإباحة كانت بعد رخاء العيش، فأين الدليل عليها؟

الثاني: هذه الدعوى لو صحت، لزم منها أن يكون تحريم الذهب على الرجال قد شرع في الوقت الذي حرم على النساء، إن لم يكن تقدم عليه، وكل عاقل يفهم من قوله: "في ابتداء الإسلام"، أنه يعني في مكة، أو في أول الهجرة على أبعد تقدير، وإذا كان كذلك، فنحن نقطع ببطلان هذه الدعوى لأن تحريم الذهب على الرجال إنما كان في أواخر الأمر، كما نص على ذلك الحافظ الذهبي في تلخيص المستدرك، ومما يشهد له ما أخرجه البخاري في اللباس وأحمد في المسند عن المسور بن مخرمة: "أن أباه مخرمة قال له: يا بني إنه بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قدمت عليه أقبية، فهو يقسمها، فاذهب بنا إليه، فذهبنا إليه ... فخرج وعليه قباء من الديباج مزرر بالذهب، فقال: يا مخرمة هذا خبأته لك، فأعطاه إياه".

وإنما أسلم مخرمة عام الفتح، وذلك بعد ثمان سنين ونصف من الهجرة، فهذا نص على أن الذهب كان مباحا إلى ما قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بسنة ونصف تقريبا، ولولا ذلك لم يلبس صلى الله عليه وسلم القباء المزرر بالذهب، ولا وزعه على أصحابه كما هو ظاهر.

الثالث: أنه لو صح قوله: "فأباح النبي صلى الله عليه وسلم لبس الذهب لزوال المانع"، لزم منه إباحة الذهب للرجال أيضا لزوال المانع أيضا وهذا باطل لا يقوله عالم، وما لزم منه باطل فهو باطل.

فإن قال: هذا غير لازم، لأن علة تحريم الذهب على الرجال، غير علة تحريمه على النساء.

قلنا: ما هيه؟ ولا سبيل له إلى إثباتها أبدا، إلا بمثل هذه الدعوى التي أثبت بها أختها وليست هي إلا مجرد رأي.

وما يلجئ بعض الناس إلى مثل هذه المضايق والآراء، إلا محاولتهم التخلص من معارضة النص الشرعي لمخالفته لمذهبهم، وتقليدهم، وعاداتهم، فيقعون فيما هو أعظم منه ولو أنهم استسلموا لحكم الله ورسوله - كما هو المفروض في المسلم - لكان خيرا لهم، ولم يقعوا في مثل ذلك.

وخلاصة البحث: أن القول بنسخ الأحاديث المحرمة للذهب على النساء مما لا دليل عليه، بل هو مخالف لعلم الأصول، والواجب الجمع بينها وبين الأحاديث المبيحة للذهب عليهن، وذلك بحمل المطلق على المقيد، أو العام على الخاص، وينتج منه أن الذهب كله حلال على النساء، إلا المحلق منه، كما يحرم عليهن استعمال أواني الذهب والفضة اتفاقا، فلا نسخ عندنا خلافا لما فهمه البعض، كما ينبئك به كلامه السابق في المعارضة المزعومة. والله الهادي، لا رب سواه.

رد الأحاديث المتقدمة بأحاديث مبيحة، والجواب عنها:

3 - وقد يرد بعضهم هذه الأحاديث بأحاديث أخرى، فيها إباحة المحلق من الذهب على النساء، والجواب أن هذا كان قبل التحريم حتما، وبيانه:

أن من المعلوم بداهة أن النهي عن الشيء مما يحتمل التحليل والتحريم لا يكون إلا بعد أن يكون مسبوقا بالإباحة، فالتمسك بها حينئذ فيه مخالفة صريحة لمنطوق الأحاديث المحرمة، ومما يقرب هذا إلى المنصفين إن شاء الله تعالى أن هناك أحاديث يستفاد منها إباحة الذهب على الرجال أيضا، ومع ذلك فلم يأخذ بها أحد من العلماء، لمجيء النصوص المحرمة، وقد سبق ذكر بعضها، بل ذهبوا إلى أنها كانت قبل التحريم، وكذلك نقول نحن في الأحاديث المبيحة للذهب المحلق للنساء، ولا فرق أنها كانت قبل التحريم، ومن فرق بين هذه وتلك، فهو متناقض أو متلاعب.

تقييد الأحاديث المتقدمة بمن لم يؤد الزكاة، ورده:

4 - وأجاب بعضهم بأن الوعيد الوارد في الأحاديث المتقدمة إنما هو في حق من لا يؤدي زكاة تلك الحلي دون من أداها، واستدل عليه بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان (أي سواران) غليظتان من ذهب، فقال لها: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال : أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ قال: فخلعتهما، فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: هما لله عز ولرسوله.

والجواب: إن هذا استدلال ضعيف جدا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر في هذه القصة لبس السوارين، وإنما أنكر عدم إخراج زكاتهما، بخلاف الأحاديث المتقدمة، فإنه أنكر اللبس، ولم يتعرض لإيجاب الزكاة عليها، والظاهر أن هذه القصة كانت في وقت الإباحة، فكأنه صلى الله عليه وسلم تدرج لتحريمها، فأوجب الزكاة عليها أولا، ثم حرمها، كما هو صريح الأحاديث السابقة، ولا سيما الحديث الأول من رواية أبي هريرة مرفوعا: "من أحب أن يحلق حبيبه بحلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب ...إلخ"، فإنه لا يدل دلالة قاطعة أن التحريم لنفس التحليق وما قرن معه، لا لعدم إخراج زكاتها.

والحق أن هذه القصة أفادت وجوب الزكاة على الحلي، ومثلها قصة عائشة الآتية في زكاة خواتيم الفضة، فهذه وتلك لا تدل على تحريم الاستعمال، بل على وجوب زكاة المستعمل فالتحريم وعكسه يؤخذ من أدلة أخرى، فأخذنا تحريم الذهب المحلق عليهن الأحاديث المتقدمة، وأخذنا إباحة الفضة من حديث أبي هريرة المتقدم، ومن حديث عائشة المشار إليها وغيرها.

وجملة القول أن هذا الحديث لا حجة فيه على ما ذكره المنذري، لأنه لم ينص فيه على تحريم السوار، إنما كان لأنه لم يؤد زكاته حتى يمكن أن يقال: إنه مفصل، وتلك الأحاديث مجملة، فيحمل المجمل على المفصل، وإنما هي واقعة عين أفادت وجوب زكاة الحلي، فلا يعارض ما أفادته الأحاديث السابقة من التحريم.

تقييد آخر للأحاديث، والجواب عنه:

5 - وأجاب هذا البعض أيضا بجواب آخر فقال: إن الوعيد المذكور إنما هو في حق من تزينت به وأظهرته، واستدل بما رواه النسائي وأبو داود عن ربعي بن حراش عن امرأته عن أخت لحذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر النساء أما لكن في الفضة ما تحلين به؟ أما إنه ليس منكن امرأة تتحلى ذهبا تظهره إلا عذبت به".

والجواب من وجهين:

الأول: رد الحديث من أصله لعدم ثبوته، فإن في سنده امرأة ربعي وهي مجهولة كما قال ابن حزم ولذلك ضعفته في المشكاة.

ثانيا: لو كانت العلة هي الإظهار لكان لا فرق في ذلك بين الذهب والفضة لاشتراكهما في العلة، مع أن الحديث صريح في التفريق بينهما، ولا قائل بحرمة خاتم الفضة على المرأة مع ظهوره، فثبت بطلان التمسك بعلة الإظهار.

وهذا كله يقال على افتراض صحة الحديث، وإلا فقد عرفت ضعفه، فسقط الاستدلال به أصلا.

رد الأحاديث بفعل عائشة، والجواب عنه:

6 - ومن أعجب ما ردت به هذه الأحاديث الصحيحة قول بعض متعصبة الحنفية: "إن عائشة رضي الله عنها كانت تلبس الخواتيم من الذهب، كما رآها ابن أختها القاسم بن محمد وحدث بذلك، وهذا الخبر عن عائشة رواه البخاري في صحيحه".

وأقول : إطلاق عزو هذا الأثر للبخاري فيه نظر، لأن المعروف عند العلماء أن العزو إلى البخاري مطلقا معناه أنه في صحيحه مسند، وليس كذلك أمر هذا الأثر، فإنه إنما ذكره معلقا بدون إسناد وذكر الحافظ في الفتح أنه وصله ابن سعد في الطبقات. وسكت عن سنده، وهو عندي حسن، فقال ابن سعد: أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو قال: سألت القاسم بن محمد قلت: إن ناسا يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأحمرين: المعصفر والذهب، فقال: كذبوا والله، لقد رأيت عائشة تلبس المعصفرات، وتلبس خواتم الذهب.

لكن رواه غير عبد العزيز بلفظ: كانت تلبس الأحمرين: المذهب والمعصفر. أخرجه ابن سعد أيضا: وأخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبى أويس عن سلميان بن بلال عن عمرو به، وهذا الإسناد أصح، لأن سليمان هذا أحفظ من عبد العزيز. فإن ثبت ذكر الخاتم في هذا الأثر عن عائشة فالجواب ما سيأتي، وإلا فلا حجة فيه مطلقا، لأن الرواية الأخرى - وهي الأصح - لا ذكر للخاتم فيها، فهو على هذا مثل حديثها الآخر من طريق القاسم أيضا أن عائشة كانت تحلي بنات أختها الذهب ثم لا تزكيه. رواه أحمد في مسائل عبد الله، وسنده صحيح ، فهذا محمول على الذهب المقطع، وهو جائز لهن اتفاقا.

ثم قال ذاك المذكور: "لا يتصور أن تلبس عائشة رضي الله عنها الذهب الملحق، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم معها وفي بيتها، ثم لا ينهاها عنه".

قلت: هذه مغالطة ظاهرة - لعلها غير مقصودة - إذ ليس في الأثر المتقدم أن عائشة لبسته على علم منه صلى الله عليه وسلم، بل فيه أن القاسم بن محمد رآها تلبسه، فمعنى ذلك أن لبسها إياه إنما كان بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، لأن القاسم لم يدركه صلى الله عليه وسلم.

ثم قال عطفا على ما سبق: "أو ينهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يبلغها؟ فهذا مستحيل قطعا".

قلت : لا استحالة في ذلك إلا نظرا، وهذا ليس يهمنا، لأن الواقع خلافه، فكم من سنن فعلية، وأقوال نبوية خفيت على كبار الصحابة رضي الله عنهم.

وعلى كل حال فقد ظهر لكل من له قلب أن ما كان يظنه مما لا يتصور أو أنه مستحيل قطعا قد أثبتناه بالأسانيد الصحيحة، ولازم ذلك أن لا يتلفت المسلم إلى أي قول يخالف ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، مهما كان شأن قائله فضلا وعلما وصلاحا لانتفاء العصمة، وهذا من الأسباب التي تشجعنا على الاستمرار في خطتنا من التمسك بالكتاب والسنة، وعدم الاعتداد بما سواهما، كما صنعنا في هذه المسألة التي أسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين للعمل بها، وبكل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم.

ترك الأحاديث لعدم العلم بها بمن عمل بها، وجوابه:

6 - هذا، ولعل فيمن ينصر السنة ويعمل بها ويدعو إليها من يتوقف عن العمل بهذه الأحاديث بعذر أنه لا يعلم أحدا من السلف قال بها، فليعلم هؤلاء الأحبة أن هذا العذر قد يكون مقبولا في بعض المسائل التي يكون طريق تقريرها إنما هو الاستنباط والاجتهاد فحسب، لأن النفس حينئذ لا تطمئن لها خشية أن يكون الاستنباط خطأ، ولا سيما إذا كان المستنبط من هؤلاء المتأخرين الذين يقررون أمورا لم يقل بها أحد من المسلمين بدعوى أن المصلحة تقتضي تشريعها، دون أن ينظروا إلى موافقتها لنصوص الشرع أولا، مثل إباحة بعضهم للربا الذي سماه بـ (الربا الاستهلاكي) واليانصيب الخيري - زعموا - ونحوهما أما ومسألتنا ليست من هذا القبيل، فإن فيها نصوصا صريحة محكمة لم يأت ما ينسخها - كما سبق بيانه - فلا يجوز ترك العمل بها للعذر المذكور، ولا سيما أننا قد ذكرنا من قال بها مثل أبي هريرة رضي الله عنه ، وولي الله الدهلوي وغيرهما كما تقدم، ولا بد أن يكون هناك غير هؤلاء ممن عمل بهذه الأحاديث لم نعرفهم لأن الله تعالى لم يتعهد لنا بحفظ أسماء كل من عمل بنص ما من كتاب أو سنة، وإنما تعهد بحفظهما فقط كما قال: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون، فوجب العمل بالنص سوءا علمنا من قال به أو لم نعلم، ما دام لم يثبت نسخه كما هو الشأن في مسألتنا هذه.

وأختم هذا البحث بكلمة طيبة للعلامة المحقق ابن القيم رحمه الله تعالى لها مساس كبير بما نحن فيه، قال : في إعلام الموقعين: "وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائنا من كان، ويهجرون فاعل ذلك، وينكرون على من يضرب له الأمثال، ولا يسوغون غير الانقياد له صلى الله عليه وسلم، والتسليم والتلقي بالسمع والطاعة، ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس، أو يوافق قول فلان وفلان، بل كانوا عاملين بقوله تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، وبقوله تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما، وبقوله تعالى: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون، وأمثالها، فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا وكذا، يقول: من قال هذا؟ دفعا في صدر الحديث، ويجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به، ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل، وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الجهل، وأقبح من ذلك عذره في جهله، إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة، وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع، وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث، فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة. والله المستعان.

40 - وجوب إحسان عشرة الزوجة:

ويجب عليه أن يحسن عشرتها، ويسايرها فيما أحل الله لها - لا فيما حرم، ولا سيما إذا كانت حديثة السن، وفي ذلك أحاديث:

الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: "... واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا. إلا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكروهن، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن".

والفاحشة المبينة هي الظاهرة، "وكل خصلة قبيحة، فهي فاحشة من الأقوال والأفعال". والمراد: النشوز وشكاسة الخلق، وإيذاء الزوج وأهله باللسان واليد، لا الزنا، إذ لا يناسب قوله (ضربا غير مبرح)، وهذا هو الملائم لقوله تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن) الآية، فالحديث على هذا كالتفسير لها، فإن المراد بالضرب فيها هو الضرب المتوسط لا الشديد.

الثالث : قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك (أي لا يبغض) مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر".

الرابع: قوله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخيارهم خيارهم لنسائهم".

الخامس: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد، في يوم عيد، فقال لي: يا حميراء [تصغير الحمراء – يريد البياض] أتحبين أن تنظري إليهم؟ فقلت: نعم. فأقامني وراءه، فطأطأ لي منكبيه لأنظر إليهم، فوضعت ذقني على عاتقه، وأسندت وجهي إلى خده، فنظرت من فوق منكبيه (وفي رواية: من بين أذنه وعاتقه) وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة، فجعل يقول: يا عائشة ما شبعت فأقول: لا، لأنظر منزلتي عنده، حتى شبعت. قالت : ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيبا. وفي رواية: حتى إذا مللت، قال: حسبك؟ قلت: نعم، قال: فاذهبي، وفي أخرى: قلت: لا تعجل، فقام لي، ثم قال: حسبك؟ قلت: لا تعجل، ولقد رأيته يرواح بين قدميه، قالت: ما بي حب النظر إليهم، ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي، ومكاني منه وأنا جارية، فاقدروا قدر الجارية [العربة] الحديثة السن، الحريصة على اللهو، قالت: فطلع عمر، فتفرق الناس عنها والصبيان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت شياطين الإنس والجن فروا من عمر، قالت عائشة : قال صلى الله عليه وسلم يومئذ: لتعلم يهود أن في ديننا فسحة".

السادس: عنها أيضا قالت: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سهوتها ستر، فهبت ريح، فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب، فقال: ما هذا عائشة؟ قالت: بناتي، ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع، فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس، قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان، قال: فرس له جناحان؟ قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه".

السابع: عنها أيضا: "أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره، وهي جارية قالت: لم أحمل اللحم، ولم أبدن، فقال لأصحابه: تقدموا، فتقدموا، ثم قال: تعالي أسابقك، فسابقته، فسبقته على رجلي، فلما كان بعد، خرجت معه في سفر، فقال لأصحابه: تقدموا، ثم قال: تعالي أسابقك، ونسيت الذي كان، وقد حملت اللحم، وبدنت، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على هذه الحال؟ فقال: لتفعلن، فسابقته، فسبقني، فجعل يضحك، وقال: هذه بتلك السبقة".

الثامن: عنها أيضا قالت: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤتى بالإناء، فأشرب منه وأنا حائض، ثم يأخذه فيضع فاه على موضع في، وإن كنت لآخذ العرق فآكل منه، ثم يأخذه فيضع فاه على موضع في".

التاسع: عن جابر بن عبد الله ، وجابر بن عمير، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل شيء ليس فيه ذكر الله، فهو لغو وسهو ولعب، إلا أربع خصال: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشيه بين الغرضين، وتعليم الرجل السباحة".

41 - وصايا إلى الزوجين:

وختاما أوصي الزوجين:

أولا: أن يتطاوعا ويتناصحا بطاعة الله تبارك وتعالى، واتباع أحكامه الثابتة في الكتاب والسنة، ولا يقدما عليها تقليدا أو عادة غلبت على الناس، أو مذهبا فقد قال عز وجل: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا. الأحزاب - 36.

ثانيا: أن يلتزم كل واحد منهما القيام بما فرض الله عليه من الواجبات والحقوق تجاه الآخر، فلا تطلب الزوجة - مثلا - أن تساوي الرجل في جميع حقوقه، ولا يستغل الرجل ما فضله الله تعالى به عليها من السيادة والرياسة فيظلمها، ويضربها بدون حق، فقد قال الله عز وجل: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم. البقرة - 228، وقال: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا. النساء - 34.

فإذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها مما أباحه الله له منها، فلا سبيل له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها ولا هجرانها، وقوله: (إن الله كان عليا كبيرا)، تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليهن، وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن.

وقد قال معاوية بن حيدة رضي الله عنه: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه، ولا تضرب، ولا تهجر إلا في البيت، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض إلا بما حل عليهن".

وقال صلى الله عليه وسلم: "المسقطون يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن - وكلتا يديه يمين - الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا".

فإذا هما عرفا ذلك وعملا به، أحياهما الله تبارك وتعالى حياة طيبة، وعاشا - ما عاشا معا - في هناء وسعادة، فقد قال عز وجل: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون. النحل - 97.

ثالثا: وعلى المرأة بصورة خاصة أن تطيع زوجها فيما يأمرها به في حدود استطاعتها، فإن هذا مما فضل الله به الرجال على النساء كما في الآيتين السابقتين: الرجال قوامون على النساء، وللرجال عليهن درجة، وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة مؤكدة لهذا المعنى، ومبينة بوضوح ما للمرأة، وما عليها إذا هي أطاعت زوجها أو عصته، فلا بد من إيراد بعضها، لعل فيها تذكيرا لنساء زماننا، فقد قال تعالى: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.

الحديث الأول: "لا يحل لأمرأة أن تصوم (وفي رواية: لا تصم المرأة) وزوجها شاهد إلا بإذنه (غير رمضان)، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه".

وزوجها شاهد أي: حاضر مقيم في البلد، وهذا النهي للتحريم.

قلت: وهو قول الجمهور، ثم قال النووي: "وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام، وحقه فيه واجب على الفور، فلا يفوته بتطوع، ولا بواجب على التراخي".

قلت: فإذا وجب على المرأة أن تطيع زوجها في قضاء شهوته منها، فبالأولى أن يجب عليها إطاعته فيما هو أهم من ذلك مما فيه تربية أولادها، وصلاح أسرتهما، ونحو ذلك من الحقوق والواجبات، وقال الحافظ في "الفتح": "وفي الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير، لأن حقه واجب، والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع".

الثاني: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح، (وفي رواية: أو حتى ترجع، وفي أخرى: حتى يرضى عنها".

والدعوة إلى الفراش كناية عن الجماع، ويقويه قوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش"، أي: لمن يطأ في الفراش، والكناية عن الأشياء التي يستحيى منها كثيرة في القرآن والسنة.

الثالث: "والذي نفسي محمد بيده، لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه من [نفسها]".

والقتب: رحل صغير على قدر السنام، ومعناه الحث لهن على مطاوعة أزواجهن، وأنه لا يسعهن الامتناع في هذه الحال، فكيف في غيرها؟

الخامس: عن حصين بن محصن قال: حدثتني عمتي قالت: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الحاجة، فقال : أي هذه أذات بعل؟ قلت: نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه [أي لا أقصر في طاعته وخدمته] إلا ما عجزت عنه، قال: [فانظري] أين أنت منه؟ فإنما هو جنتك ونارك".

السادس: "إذا صلت المرأة خمسها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت".

42 - وجوب خدمة المرأة لزوجها:

قلت: وبعض الأحاديث المذكورة آنفا ظاهرة الدلالة على وجوب طاعة الزوجة لزوجها وخدمتها إياه في حدود استطاعتها، ومما لا شك فيها أن من أول ما يدخل في ذلك الخدمة في منزله، وما يتعلق به من تربية أولاده ونحو ذلك، وقد اختلف العلماء في هذا، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: "وتنازع العلماء، هل عليها أن تخدمه في مثل فراش المنزل، ومناولة الطعام والشراب، والخبز والطحن والطعام لممالكيه وبهائمه، مثل علف دابته ونحو ذلك؟ فمنهم من قال: لا تجب الخدمة. وهذا القول ضعيف، كضعف قول من قال: لا تجب عليه العشرة والوطء فإن هذا ليس معاشرة له بالمعروف، بل الصاحب في السفر الذي هو نظير الإنسان وصاحبه في المسكن إن لم يعاونه على مصلحته لم يكن قد عاشره بالمعروف.

وقيل - وهو الصواب -: وجوب الخدمة، فإن الزوج سيدها في كتاب الله، وهي عانية عنده بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى العاني والعبد الخدمة، ولأن ذلك هو المعروف.

ثم من هؤلاء من قال: تجب الخدمة اليسيرة، ومنهم من قال: تجب الخدمة بالمعروف. وهذا هو الصواب، فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة.

قلت: وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى أنه يجب على المرأة خدمة البيت، وهو قول مالك وأصبغ كما في الفتح، وأبي بكر بن أبي شيبة، وكذا الجوزجاني من الحنابلة كما في الاختيارات، وطائفة من السلف والخلف، كما في الزاد، ولم نجد لمن قال بعدم الوجوب دليلا صالحا.

وقول بعضهم: "إن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام، مردود بأن الاستمتاع حاصل للمرأة أيضا بزوجها، فهما متساويان في هذه الناحية، ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أوجب على الزوج شيئا آخر لزوجته، ألا وهو نفقتها وكسوتها ومسكنها، فالعدل يقتضي أن يجب عليها مقابل ذلك شيء آخر أيضا لزوجها، وما هو إلا خدمتها إياه، ولا سيما أنه القوام عليها بنص القرآن الكريم كما سبق، وإذا لم تقم هي بالخدمة فسيضطر هو إلى خدمتها في بيتها، وهذا يجعلها هي القوامة عليه، وهو عكس للآية القرآنية كما لا يخفى، فثبت أنه لا بد لها من خدمته، وهذا هو المراد.

وأيضا فإن قيام الرجل بالخدمة يؤدي إلى أمرين متباينين تمام التباين أن ينشغل الرجل بالخدمة عن السعي وراء الرزق وغير ذلك من المصالح، وتبقى المرأة في بيتها عطلا عن أي عمل يجب عليها القيام به، ولا يخفى فساد هذا في الشريعة التي سوت بين الزوجين في الحقوق، بل وفضلت الرجل عليها درجة، ولهذا لم يزل الرسول صلى الله عليه وسلم شكوى ابنته فاطمة عليها السلام حينما: "أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى، وبلغها أنه جاءه رقيق، فلم تصادفه، فذكرت لعائشة، فلما جاء، أخبرته عائشة، قال علي رضي الله عنه: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: على مكانكما، فجاء، فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما، أو أويتما إلى فراشكما، فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم. قال علي: فما تركتها بعد، قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين".

فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لعلي: لا خدمة عليها، وإنما هي عليك، وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابي في الحكم أحدا.

هذا وليس فيما سبق من وجوب خدمة المرأة لزوجها ما ينافي استحباب مشاركة الرجل لها في ذلك، إذا وجد الفراغ والوقت، بل هذا من حسن المعاشرة بين الزوجين، ولذلك قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: "كان صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله، يعني خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة".

من طريق أخرى عنها بلفظ: "كان بشراً من البشر يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه".

وهذا آخر ما وفقنا الله تبارك وتعالى لذكره من آداب الزفاف في هذه الرسالة . وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

هذا، والله أعلى وأعلم،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق