الأحد، 2 أغسطس 2020

عناصر مذكرة دفاع - عن متهم - في جريمة خيانة أمانة

 

الدفاع

1) انتفاء جريمة خيانة الأمانة المسندة إلى المتهم بكافة أركانها وعناصرها القانونية:

لما كان الادعاء العام قد أسند إلى المتهم أنه حاز المبالغ المبينة الوصف والقدر بالمحضر والمسلّمة إليه على سبيل الأمانة، فاستولى عليها لنفسه.

ذلك أنه من المقرر قانوناً وما درج عليه نص المادة (240) من قانون الجزاء أنه: "كل من حاز مالاً مملوكاً لغيره، بناءً على وديعة أو عارية أو إيجار أو رهن أو وكالة أو أي عقد آخر يلزمه بالمحافظة على المال وبرده عيناً أو باستعماله في أمر معين لمصلحة مالكه أو أي شخص آخر وتقديم حساب عن هذا الاستعمال، أو بناءً على نص قانوني أو حكم قضائي يلزمه بذلك، فاستولى عليه لنفسه أو تصرف فيه لحسابه أو تعمد إتلافه، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات، وبغرامة لا تجاوز 225 ديناراً أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويعد مالاً في حكم الفقرة السابقة المستندات التي تثبت لصاحبها حقاً أو تبرئ ذمته من حق ...".

وكان من المقرر في قضاء التمييز أنه: "يشترط لقيام جريمة خيانة الأمانة المؤثمة عملاً بالمادة (240) من قانون الجزاء أن يكون ثمة اختلاسٌ من المتهم للمال المملوك لغيره والمسلّم إليه على سبيل الأمانة بأن يستولي عليه لنفسه أو يتصرف فيه على اعتبار أنه مملوك له، والقصد الجنائي في هذه الجريمة إنما يقوم على تصرف الجاني بإضافة المال الذي تسلمه إلى ملكه واختلاسه لنفسه باستيلائه عليه، أو يتصرف فيه لحسابه ويتعمد إتلافه".

(الطعن بالتمييز رقم 101 لسنة 1997 جزائي ــ جلسة 9/2/1998)

وعلى ذلك فإن ظاهر نص المادة (240) من قانون الجزاء أن أركان جريمة خيانة الأمانة هي:

أولاً-   موضوع الجريمة يشترط أن يكون مالاً منقولاً أو مستندات مملوكةً للغير.

ثانياً-   استلام الجاني للمال على وجه الأمانة التي عددتها المادة (240) من قانون الجزاء.

ثالثاً-   الركن المادي للجريمة وهو الاختلاس أو التبديد أو الاستعمال.

رابعاً- الركن الأدبي وهو القصد الجنائي.

خامساً- ركن الضرر، والذي لحق المجني عليه.

       ويقـع الركن المادي في جريمة خيانة الأمانة بوقوع النشاط الذي يتخـذ صورة "الاختلاس" أو "التبديد".

ويُقصد بـ: "الاختلاس" ـ هنا - تغييـر نيـة الأميـن في حيازته للمال المنقول، من حيازة مؤقتة إلى اعتبار حيازته له حيازة كاملة، دون إخراج المال من حوزته، وذلك يتحقق بكل ما دل به الأمين (الحائز) على اعتبار الأمانة (المال المنقول) مملوكاً له يتصرف فيها تصرف المالك.

ويُقصد بـ: "التبديد" التصرف في المنقول، سواء تصرف مادي أو تصرف قانوني، في المال محل الأمانـة يبيـن منـه أن الأميـن يعتبر المال حقـاً لـه، ويعتبر من قبيـل التصرف المادي إتلاف المال المنقول، ومن قبيل التصرف القانوني بيع هـذا المال.

وعلى ذلك فإن الركن المادي في جريمة خيانة الأمانة هو كل فعلٍ ينطوي على معنى تغيير الحائز لصفة يده على المال من يد أمانةٍ إلى يد مالكٍ، بشرط ألا يكون تغيير هذه النية بسبب قانوني.

كما يستلزم لتوافر القصد الجنائي متى كان تصرف الحائز في الشيء تصرف المالك؛ وهو يعلم بأنه يتصرف في شيء ليس له عليه سوى الحيازة الناقصة، وأن من شأن هذا التصرف إحداث ضرر للغير، بنية تملك الشيء وحرمان صاحبه منه.

ومن المستقر عليه قضاءً: "أن الركن المادي في جريمة خيانـة الأمانة يتحقق بتغيير نيـة الأميـن في حيازتـه للمال المنقول، بحيث يبدلهـا من حيازة ناقصة إلى حيازة كاملة، أي يتملكها، ويستخلص ذلك من أي فعـل يبيـن منـه أن مُتسلم المال لـم يعـد يعتبر نفسـه أميناً على المال، بـل صاحبـاً لـه، كما لـو رفض رده إلى صاحبـه عنـد الطلب، ويتحقق الركن المعنوي لتلك الجريمة بتوافـر قصـد خاص لدى المتهم في نيـة تملك الشيء موضوع الجريمة الذي أؤتمـن عليـه".

(الطعن بالتمييز رقم 95 لسنة 2009 تمييز الجنح المستأنفة - جلسة 25/1/2010)

       وأن: "تصرف المتهم في الشـيء الـمُسلم إليـه أو خلطه بمالـه - لا يكفي لتوافر القصد الجنائي في جريمـة خيانة الأمـانة ـ لوجوب ثبوت نيـة تملكـه إيـاه وحرمان صاحبه منـه".

(نقض جنائي، في الطعن رقم 13323 لسنة 59 قضائية - جلسة 21/11/1991)

وأنه: "تتحقق جريمة خيانة الأمانة بكل فعل يدل على أن الأمين اعتبر المال الذي ائتمن عليه مملوكاً له يتصرف فيه تصرف المالك".

(نقض جنائي، في الطعن رقم 1164 لسنة 59 قضائية ـ جلسة 13/12/1989)

لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق، وما خلُصت إليه التحقيقات وسائر الأوراق من أنها جاءت خلواً من دليلٍ دامغ أو سندٍ قاطعٍ على قيام تلك الجريمة في حق المتهم، سوى أقوال المجني عليه تلك التي جاءت عاريةَ الدليل، مرسلةً لا سند لها؛ ومن ثمَّ فلا يمكن أن تطمئن إليها وجدان المحكمة الموقرة, الأمر الذي تنتفي معه الجريمة المسندة إلى المتهم بكافة أركانها وعناصرها القانونية، وتنحسر عن الأوراق ولا يبقى معها سوى أقوال مرسلة للشاكي لا يمكن الاطمئنان إليها؛ لافتقارها إلى الدليل الجازم والحاسم الذي يطمئن إليه وجدان المحكمة الموقرة.

ذلك أنه من المقرر في قضاء التمييز أن: "لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها، ما دامت قد اطمأنت إلى ما جاء به، وأخذت به فإنه لا يجوز مجادلتها في ذلك لتعلق الأمر بسلطتها في وزن أدلة الدعوى".

(الطعن بالتمييز رقم 163 لسنة 1987 جزائي ـ جلسة 14/12/1987)

(الطعن بالتمييز رقم 23 لسنة 1996 جزائي ـ جلسة 14/12/1996)

       فمن المقرر قانوناً، وعلى ما جرى به قضاء محكمة التمييز، أنه: "من المقرر أن العبرة في المحاكمات الجزائية هي باقتناع محكمة الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليها بإدانة المتهم أو ببراءته، وللمحكمة وزن أقوال الشاهد وتقديرها لإنزالها المنزلة التي تراها، وأنه يكفي في تلك المحاكمات أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم كي تقضي له بالبراءة، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل، ما دام حكمها يشتمل على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت فيها عن بصر وبصيرة، ووازنت بينها وبين أدلة النفي".

(الطعن بالتمييز رقم 15 لسنة 1999 جزائي – جلسة 14/12/1999)

كما تواتر محكمة التمييز على أنه: "من المقرر أنه يكفي في المحاكمات الجزائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي بالبراءة، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام حكمها يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت فيها التي قام عليها الاتهام عن بصر وبصيرة ووازنت بينها وبين أدلة النفي، وأقامت قضاءها على أسباب تحمله مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها الثابت في الأوراق وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها".

(الطعن بالتمييز رقم 274 لسنة 2001 جزائي – جلسة 25/12/2001)

وقد جرى قضاء محكمة التمييز وأستقر على أنه: "من المقرر أنه يكفي في المحاكمات الجزائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي بالبراءة، إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل، ما دام حكمها يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بأدلتها عن بصر وبصيرة وأقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله".

(الطعن بالتمييز رقم 297 لسنة 1997 جزائي – جلسة 5/10/1998)

(الطعن بالتمييز رقم 406 لسنة 1998 جزائي – جلسة 4/5/1999)

 

 

2) مدنيـة النزاع المثار في الأوراق، وعـدم اختصاص عدالة المحكمة الجزائية بنظره والفصل فيه:

       ذلك أن المقرر بنص المادة الأولى من القانون رقـم 16 لسنة 1960 بإصدار قانون الجزاء أنـه: "لا يُعـد الفعل جريمة، ولا يجـوز توقيع عقوبة من أجـلـه، إلا بناءً على نص في القانون".

       ومن المقرر في قضاء التمييز أنـه: "يجب الاحتراز في تفسير القوانين الجزائيـة، التزام الدقـة في ذلك، وعـدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل، وأنـه إن كانت عبارة القانون واضحـة لا لبس فيها، فإنـه يجب أن تعبـر تعبيراً صادقاً عن إرادة المشرع، ولا يجوز الانحراف بها عن طريق التفسير أو التأويل أيـاً كان الباعث على ذلك، إذ إنـه لا محـل للاجتهاد إزاء صراحـة نص القانون الواجب التطبيق، ولا يجوز القيـاس في تفسير القوانين الجزائيـة، حيث لا جريمة ولا عقوبـة إلا بنص في القانون".

(الطعن بالتمييز رقم 172 لسنة 1989 جزائي ــ جلسـة 20/11/1989)

(الطعن بالتمييز رقم 19 لسنة 1990 جزائي ــ جلسة 19/3/1990)

       لما كان ذلك، وكان نص المادة (240) من قانون الجزاء الـمُسند إلى المتهم مخالفتـه وارتكاب الجُـرم المؤثـم بموجبـه قـد حظر استيلاء الشخص لنفسـه أو تصرفـه لحسابـه أو إتلافـه مالاً مملوكـاً لغيره حازه بناءً على وديعـة أو عاريـة أو إيجار أو رهـن أو وكالـة أو أي عقـد آخـر يلزمـه بالمحافظة على المال وبرده عيـنـاً أو باستعمالـه في أمـر معيـن لمصلحة مالكـه أو أي شخص آخـر، وتقديـم حساب عن هـذا الاستعمال أو بنـاءً على نص قانوني أو حكـم قضائي يلزمـه بذلك.

       ومن ثـمَّ، يلزم لقيام تلك الجريمة وإسناد ارتكابها إلى شخص بعينـه أن يتسلم هـذا الشخص منقولاً، وأن يكون التسليم على وجـه الأمـانة، بالإضافـة إلى الركـن المادي بوقوع النشاط الذي يتخـذ صورة الاختلاس أو التبديد وتغييـر نيـة هـذا الشخص من حيازتـه للمال المنقول، بحيث يبدلهـا من حيازة ناقصـة إلى حيازة كاملـة، أي يتملكـها، والركن المعنوي المتمثـل في ضرورة توافـر قصـد خاص لدى هـذا الشخص وهو نيـة تملك الشيء موضوع الجريمة.

       لما كان ذلك، وكان الاتهام المسند للمتهم جـاء على سنـد من أنـه ... فتكون شكوى الشاكي، وكافـة ما أراد أن يسوقـه من مزاعـم ضـد المتهـم على غيـر سنـد من واقـع أو قانون، ولا يختص الادعـاء العـام بالتحقيق فيها، ولا محكمتنا الموقـرة بنظرهـا، حيث إنـه ولـو افترض جـدلاً إسـاءة المتهم (الوكيـل) للتصرف أو خروجـه عن حـدود وكالتـه، والفرض غير صحيح، فإن ذلك لا يُعـد في صحيح القانون خيانـة أمـانة، حيث إنـه من المستقر عليـه قضاءً أنه: "إذا أساء الوكيـل التصرف، وبـاع الشيء الـمُسلم إليـه بأقـل من ثمـن المثـل، أو اشترى للموكـل بـأزيـد من ثـمن المثـل، فإن مسلكـه لا يسري عليـه وصف خيانـة الأمانـة، وأن خـروج الوكيـل عن حـدود وكالتـه لا يُعـد في صحيح القانون خيانـة أمـانـة".

(نقض جنائي، جلسة 22/12/1959ــ مجموعة أحكام النقض، س 10 ـ رقم 214)

       ومن ثـمَّ، يكون القضاء ببراءة المتهم مما أُسنـد إليـه من اتهـام لـه سنـده الصحيح من الواقـع والقانون، لانتفـاء أركان جريمـة خيانـة الأمـانـة، ويكون القضاء بعـدم اختصاص المحكمة نوعيـاً بنظر الدعوى لمدنيـة النزاع لـه وجاهتـه وسنـده.

 

 

3) كيدية الاتهام وتلفيقـه، وعـدم بلوغ التحقيقات حـــد الكفايـة لإسنــاد الاتهـام إلى المتهــــــم:

       ذلك إن الإدارة العامة للتحقيقـات، وهـي الأمينـة على الدعوى العموميـة في قضايـا الجنح، إلا ما استثنى منها بنص خاص لها من سلطات المواءمـة والملاءمة حال التصرف في قضايـا الجنح ما يمكنها من حفظ التحقيقات في حالات عـدة، منها حالـة عـدم صحـة الشكوى، وعـدم كفايـة الأدلـة ضـد من اتهـم، وعـدم أهميـة الواقعـة، وفي تحقيقات الجنحـة الماثلـة العديد من دواعـي حفظها، كالتراخي في الإبـلاغ وكيديـة الاتهام وتلفيقـه، وخلوهـا من ثمـة دليل يمكـن التعويـل عليـه لإسناد اتهام لمن اتهـم بارتكابـه جريمـة خيانـة الأمـانـة.

       فمن القواعد الأصوليـة في قانون الجزاء أن: "أصـل البراءة قاعـدة عامة في النظام الاتهامـي وتقتضيها الشرعيـة القضائيـة، وحمايـة الفرد في مواجهة صور التحكم والتحايـل بما يحـول دون اعتبار واقعـة تقوم بها الجريمة ثابتة بغيـر دليل جـاد وقـاطع يبلغ مبلغ الجـزم ولا يـدع مجالاً لشبهـة انتفـاء التهمـة أو الشك فيها، ودون ذلك لا ينهـدم أصـل البراءة ".

       ومن المبادئ الأصولية الأساسية (بل الدستورية) ما نص عليه دستور دولة الكويت من أن: "المتهم برئ حتى تثبت إدانته". فهذا الأصل المفترض في كل إنسان لا يجو دحضه إلا بالدليل المعتبر قانوناً، وإلا بقي الأصل على أصله، وبقي ما كان على ما كان (كما يقول فقهاء الشريعة السمحاء).

       فإذا كان الأصـل في بني الإنسان البراءة، فإنـه يجب لإسناد اتهام لـه أن يقـام ضـده الدليل المعتبر من الواقع والقانون.

       والمتهم في دعوانـا الراهنـة قـد زُج بــه في براثـن اتهـام على سنـدٍ من أقوال زائفـة مرسلـة لا تستند إلى واقـع أو قانون.

 

 

       لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة المحكمة الموقرة من أسباب أصوب وأرشد.

بنـــاءً عليـــه

فـــإن المتهـــم يلتمــس القضـــاء:

ببراءتـه من الاتهـام المسنـد إليـه، وبعـدم اختصاص المحكمة نوعيـاً بنظـر الدعـوى المدنيـة.

مع حفظ كافة الحقوق الأخرى للمتهم، أياً ما كانت،،،