الأحد، 23 أكتوبر 2011

سلطة الجهة الإدارية في إزالة التعدي الواقع على أملاكها طالما كان لديها الأدلة والمستندات المثبتة لحقها، لا يعيق سلطتها تلك، منازعة واضع اليد أو ادعائه حقاً لنفسه – حجية المحررات الرسمية.


سلطة الجهة الإدارية في إزالة التعدي الواقع على أملاكها طالما كان لديها الأدلة والمستندات المثبتة لحقها، لا يعيق سلطتها تلك، منازعة واضع اليد أو ادعائه حقاً لنفسه – حجية المحررات الرسمية.


المحكمة الإدارية العليا
دائرة: "الثالثة" فحص

مـذكــرة

بدفاع/ هيئة الأوقاف المصرية                     (طاعنة)

ضـــــد

السيد/ محمد صادق عبد الحميد وآخرين         (مطعون ضدهم)


في الطعن رقم 28517 لسنة 54 قضائية "إدارية عليا"
والمحدد لنظره جلسة يوم الأربعاء الموافق 19/10/2011م للمرافعة.

أولاً- الوقائع
تخلص وقائع الطعن الماثل في أن المطعون ضدهما الأول والثاني (السيدان/ محمد صادق عبد الحميد، والسيد/ ياسر أبو سريع مرسي) كانا قد أقاما الدعوى المستأنف حكمها، ضد الهيئة الطاعنة (هيئة الأوقاف المصرية) وضد/ وزير الأوقاف بصفته، بموجب صحيفة، أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 29/5/2004، وقيدت بجدولها العمومي تحت رقم 22530 لسنة 58 قضائية "قضاء إداري"، طلبا في ختامها الحكم لهما:
"بقبول الدعوى شكلاً؛ وفي الموضوع: بوقف تنفيذ ثم إلغاء القرار رقم 8 لسنة 2004 الصادر من هيئة الأوقاف المصرية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، بحكم مشمول بالنفاذ المعجل بلا كفالة".
وقال المدعيان (المطعون ضدهما) شرحاً لدعواهما المستأنف حكمها أن هيئة الأوقاف المصرية قد أصدرت القرار الإداري رقم 8 لسنة 2004 بتاريخ 10/1/2004 والقاضي بإزالة التعدي الواقع من المدعيين (المطعون ضدهما) على أرض التداعي (والبالغ مساحتها ــس 16ط ــف "ستة عشر قيراط" كائنة بحوض الجرابيع ضمن القطعة رقم 73 بزمام قرية البرغوتي مركز العياط بمحافظة الجيزة "والتابعة لجهة وقف/ ماهيا الشركسية"، المبينة الحدود والمعالم بصدر صحيفة الدعوى وبالقرار الإداري المذكور)، وقد قامت الجهة الإدارية (مصدرة القرار المطعون فيه) بتنفيذه بتاريخ 12/5/2004 – بإقرار المدعيان (المطعون ضدهما) في صحيفة افتتاح الدعوى المستأنف حكمها – ونعى المدعيان (المطعون ضدهما) على القرار الطعين بعدم صحته لافتقاده لشرط السبب ولمخالفته للقانون بعيب متصل بمحل القرار على حد زعمهما بصحيفة افتتاح الدعوى المستأنف حكمها.  
وقدم المدعيان (المطعون ضدهما) تأييداً لدعواهما عدة حوافظ مستندات طويت على صور ضوئية جحدتها هيئة الأوقاف المصرية (الطاعن بصفته)، فضلاً  عن تلك الصور الضوئية لا تثبت ملكية المدعيان (المطعون ضدهما) لأرض التداعي كما يزعمان.  
وتداولت الدعوى بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 18/4/2006 قررت محكمة أول درجة إحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وإعداد تقرير بالرأي القانوني فيها. ومن ثم قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً برأيها القانوني في الدعوى المستأنف حكمها ارتأت فيه لأسبابه الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات. وقد اعتمد تقرير هيئة مفوضي الدولة على صور ضوئية مقدمة من المدعيين (المطعون ضدهما) والمجحودة من هيئة الأوقاف المصرية والمتعلقة بزعم إثبات ملكيتهما لأرض التداعي، في حين تجاهلت هيئة مفوضي الدولة المستندات المقدمة من هيئة الأوقاف المصرية والتي تثبت ملكيتها لأرض التداعي وحيازتها لها وتعاملها عليها.
وتداولت الدعوى المستأنف حكمها بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 6/3/2007 تدخلت السيدة/ وداد محمود سيد أحمد في تلك الدعوى انضمامياً لهيئة الأوقاف المصرية، وقدمت صحيفة تدخل معلنة ومقيدة بجدول محكمة أول درجة بتاريخ 2/4/2007؛ على سند من كون السيدة المتدخلة مشترية أرض التداعي من هيئة الأوقاف المصرية، وعند استلامها للأرض المبيعة أتضح وقوع تعدي عليها من المدعيين (المطعون ضدهما) فأصدرت هيئة الأوقاف المصرية (البائعة) القرار المطعون فيه وتنفيذه بالفعل وتسليم أرض التداعي للخصمة المتدخلة بموجب محضر التسليم الرسمي المؤرخ في 12/5/2004، إلا إن المدعيان (المطعون ضدهما) قاما بالتعدي مرة أخرى على أرض التداعي المبيعة للخصمة المتدخلة وتحرر عن ذلك المحضر الإداري رقم 1621 لسنة 2004 إداري العياط، كما صدر بشأنها قرار بتمكين الخصمة المتدخلة (المشترية) من أرض التداعي بموجب قرار السيد الأستاذ المستشار المحامي العام لنيابات جنوب القاهرة ومنع تعرض المدعيان (المطعون ضدهما) لها في حيازتها لأرض التداعي، وقد تأيد هذا القرار بالحكم الصادر في التظلم رقم 191 لسنة 2004 مستعجل العياط، وأصبحت الخصمة المتدخلة هي واضعة اليد على أرض التداعي وإذ فوجئت بإقامة الدعوى الماثلة من قِبل المدعيان (المطعون ضدهما) دون اختصامها مما حدا بها إلى التدخل فيها انضمامياً لهيئة الأوقاف المصرية طالبة بقبول الدفوع المبداة من هيئة الأوقاف المصرية ورفض الدعوى المستأنف حكمها.
وتداولت الدعوى بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 8/4/2008 قضت محكمة أول درجة في تلك الدعوى بحكمها الذي جرى منطوقه على النحو التالي:
"بقبول تدخل/ وداد محمود سيد أحمد منضمة للجهة الإدارية، وبقبول الدعوى شكلاً، وبإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجهة الإدارية والمتدخلة المصروفات".
وأسست محكمة أول درجة قضائها المذكور على سند من أن المدعيين (المطعون ضدهما) قدما صوراً ضوئية، جحدتها هيئة الأوقاف المصرية، ومتعلقة بزعم إثبات ملكيتهما لأرض التداعي، في حين تجاهل الحكم المطعون فيه المستندات المقدمة من هيئة الأوقاف المصرية والتي تثبت ملكيتها لأرض التداعي وحيازتها لها وتعاملها عليها، مما يصم الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه فضلاً عما شابه من القصور في التسبيب.
وإذ لم ترتض هيئة الأوقاف المصرية بذلك القضاء، لذا فقد طعنت عليه بالطعن الماثل، بموجب صحيفة، موقعة من محام، أودعت قلم كتاب المحكمة بتاريخ 5/6/2008، وقيدت بجدولها العمومي تحت رقم 28517 لسنة 54 قضائية "إدارية عليا"، وأعلنت قانوناً، طلبت في ختامها الحكم لها بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً برفض الدعوى.
حيث نعت هيئة الأوقاف المصرية (الطاعن بصفته) على الحكم المطعون فيه مخالفته للقانون والخطأ في تطبيق القانون، والقصور في التسبيب، ومخالفة الثابت بالأوراق، والإخلال بحق الدفاع. كما ضمنت طعنها شقاً مستعجلاً بطلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه مؤقتاً لحين الفصل في موضوع الطعن الماثل.
وتداول الطعن الماثل بالجلسات على النحو الثابت بمحاضره أمام عدالة دائرة فحص الطعون، وبجلسة 5/5/2010 قررت عدالة المحكمة الموقرة تأجيل نظر الطعن الماثل لتصحيح شكل الطعن باختصام ورثة المطعون ضدها الأخيرة (الخصمة المتدخلة انضمامياً لهيئة الأوقاف المصرية). وبجلسة 23/9/2010 قدمت هيئة الأوقاف المصرية (الطاعنة) صحيفة تصحيح شكل الدعوى معلنة ومقيدة بجدول المحكمة بتاريخ 22/7/2010. ومن ثم تحدد لنظره جلسة اليوم (الموافق 19/10/2011).

ثانياً- الدفاع
        في مستهل دفاعنا نتمسك بجميع أوجه الدفاع والدفوع المبداة منا أمام محكمة أول درجة وكذلك الوارد منها بصحيفة افتتاح الطعن الماثل وأيضاً المثبت منها بحوافظ مستندات هيئة الأوقاف ومحاضر الجلسات، فضلاً عن مذكرات دفاع وحوافظ مستندات الخصمة المتدخلة انضمامياً لهيئة الأوقاف، ونعتبرهم جميعاً جزءاً لا يتجزأ من دفاعنا الراهن. ونركز في مذكرتنا الراهنة على النقاط التالية:

1- جحد الصور الضوئية يفقدها حجيتها في الإثبات، التعويل على الصور الضوئية رغم جحدها، خطأ في تطبيق القانون ومخالفة له:
لما كان المطعون ضدهما الأول والثاني قد قدما أمام محكمة أول درجة صوراً ضوئية لمستنداتهما زاعمين إثباتها لملكيتها لأرض التداعي، وقد قامت هيئة الأوقاف المصرية (الطاعن بصفته) بجحد كافة الصور الضوئية المُقدمة من المطعون ضدهما الأول والثاني في الدعوى المستأنف حكمها، ومن ثم فقد فقدت تلك الصور الضوئية حجيتها في الإثبات وكان يتعين على الحكم المطعون فيه عدم التعويل عليها في قضائه.
حيث إنه من المقرر في قضاء محكمة النقض أنه:
"لا حجية لصور الأوراق في الإثبات إلا بمقدار ما تهدى إلى الأصل إذا كان موجوداً فيرجع إليه كدليل في الإثبات. أما إذا كان الأصل غير موجود فلا سبيل للاحتجاج بالصورة إذا أنكرها الخصم ومن ثم لا تثريب على محكمة الموضوع بدرجتيها إن هي التفتت بالتالي عن صورة الورقة المقدمة من الطاعن ولا عليها إن هي لم تُجر تحقيقاً في هذا الشأن ولم ترد على ما أبداه من دفاع".
(نقض مدني في الطعن رقم 407 لسنة 49 قضائية - جلسة 19/12/1982.
وفي الطعنين رقمي 598 و 55 لسنة 50 قضائية - جلسة 28/2/1984).
كما تواتر قضاء محكمة النقض على أنه:
"... وإذ كان الطاعنون لم يقدموا للتدليل على أن وفاة المرحوم/ ...... قد حدثت فى تاريخ سابق على قفل باب المرافعة فى الاستئناف سوى صورة عرفية من شهادة وفاة وإشهاد وراثة، بينما تمسك المطعون ضده الأول فى مذكرته بانتفاء أي حجية للصور العرفية، مما يتعين معه عدم التعويل عليها فى الإثبات، ويكون النعي بهذا السبب عارياً عن الدليل ومن ثم غير مقبول".
(نقض مدني في الطعن رقم 308 لسنة 51 قضائية – جلسة 5/12/1985 مجموعة المكتب الفني – السنة 36 – صـ 1087 – فقرة 2.
وفي الطعن رقم 1314 لسنة 49 قضائية - جلسة 19/5/1980).
كما تواترت أحكام محكمة النقض على أن:
"استناد الخصم إلى الصورة الشمسية للمستند. التفات الحكم عن الورقة. لا قصور".
(نقض مدني في الطعن رقم 1196 لسنة 53 قضائية جلسة 1/2/1990 مجموعة المكتب الفني السنة 41 صـ 410 فقرة 4.
وفي الطعن رقم 687 لسنة 43 قضائية - جلسة 24/1/1978 مجموعة المكتب الفني – السنة 29 – صـ 279).
وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، ولما كان المطعون ضدهما الأول والثاني قد جاءت مُستندات دعواهما المستأنف حكمها خالية من أصولها، وكانت هيئة الأوقاف المصرية (الطاعن بصفته) قد جحدت تلك الصور الضوئية المُقدمة منها، الأمر الذي يُفقدها حُجيتها في الإثبات. ومن ثم فما كان للحكم المطعون فيه أن يعول على تلك الصور الضوئية المجحودة في قضائه، وإذ هو خالف هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وفي تأويله بما يستوجب إلغاؤه والقضاء مجدداً برفض الدعوى المستأنف حكمها.

2- سلطة الجهة الإدارية في إزالة التعدي الواقع على أملاكها طالما كان لديها الأدلة والمستندات المثبتة لحقها، لا يعيق سلطتها تلك، منازعة واضع اليد أو ادعائه حقاً لنفسه:
        وفضلاً عما وقع فيه الحكم المطعون فيه من خطأ في تطبيق القانون ومخالفته، بتعويله – في قضائه – على صور ضوئية مجحودة مقدمة من المطعون ضدهما الأول والثاني، فإنه في ذات الوقت تجاهل تماماً دلالة المستندات المقدمة من هيئة الأوقاف المصرية والتي تدل دلالة قاطعة على ملكيتها لأرض التداعي وحيازتها لها وتعاملها عليها، بما يشوبه بمخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وكذلك بالقصور في التسبيب، بتجاهل دلالة مستندات جوهرية وفاصلة في موضوع النزاع ويتغير بها وجه الرأي في الدعوى.
        فمن ناحية أولى: فقد أخطأ الحكم المطعون فيه وخالف القانون عندما تجاهل المستندات المقدمة من هيئة الأوقاف المصرية والتي تثبت على وجه قاطع اليقين بثبوت ملكيتها لأرض التداعي وحيازتها لها وتعاملها عليها.
        حيث إنه من المقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أنه:
"ومن حيث أنه باستقراء المادة 970 من القانون المدني، المعدلة بالقوانين أرقام 147 لسنة 1957، و 309 لسنة 1959، و 55 لسنة 1970، على هدى من المذكرات الإيضاحية، يبين أن المشرع بسط الحماية على الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة، سواء بحظره تملكها أو كسب حق عيني عليها بالتقادم، أو بتجريمه التعدي عليها، أو بتخويله الجهة الإدارية المعنية سلطة إزالة هذا التعدي إدارياً، دون حاجة إلى استصراخ القضاء من جانبها أو انتظار كلمته في دعاوى غيرها، فلا يعوق سلطتها في إزالة التعدي مجرد منازعة واضع اليد أو محض ادعائه حقاً لنفسه أو إقامته دعوى بذلك أمام القضاء المدني، طالما أن لدى الجهة الإدارية مستندات أو أدلة جدية بحقها، وهو ما يخضع لرقابة القضاء الإداري عند بحثه مشروعية القرار الصادر بإزالة التعدي، فهو لا يفصل في موضوع الملكية أو الحق المتنازع عليه حتى يفحص المستندات ويفحص الأوراق المقدمة من الطرفين، وإنما يقف اختصاصه عند التحقق من صحة هذا القرار وخاصة قيامه على سببه المبرر له قانوناً المستمد من شواهد ودلائل جدية".
(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1336 لسنة 30 قضائية "إدارية عليا" - جلسة 7/11/1987 مجموعة المكتب الفني – السنة 33 صـ 154.
مشار إليه في : "مجموعة قواعد محكمة النقض خلال ثلاثة وستين عاماً وقضاء الدستورية والإدارية العليا وفتاوى الجمعية العمومية لمجلس الدولة" - للمستشار/ محمد خيري أبو الليل - الجزء الثالث - القاعدة رقم 434 - صـ 293 : 294).
كما جرى قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن:
"ثبوت ملكية الدولة للأرض المتنازع عليها بسند له أصل ثابت بالأوراق ينسخ الإدعاء بملكيتها في سنوات سابقة على هذا السند – أثر ذلك – إزالة التعدي على الأرض المملوكة للدولة بالطريق الإداري – لا ينال من ذلك وجود منازعة منظورة أمام القضاء – أساس ذلك – إنه يبين من المذكرة الإيضاحية للقانون أن المشرع عندما نص على عدم جواز تملك الأموال الخاصة المملوكة للدولة بالتقادم افترض قيام النزاع بين الأفراد الحائزين للمال وجهات الإدارة المالكة وقد يعمد هؤلاء الأفراد إلى اصطناع الأدلة لتأييد وضع يدهم وإطالة أمد المنازعات لاستمرار الحيازة – أثر ذلك – إعفاء جهات الإدارة من الالتجاء إلى القضاء للمطالبة بحقها الثابت بمستندات وأدلة جدية وإلقاء عبء المطالبة على الحائزين من الأفراد – تطبيق".
(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1298 لسنة 28 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 25/10/1986).
        وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، فطالما كان من المقرر قانوناً أنه لا يعيق سلطة الجهة الإدارية – في إزالة التعدي الواقع على أملاكها – مجرد منازعة واضع اليد أو محض ادعائه حقاً لنفسه أو إقامته دعوى بذلك أمام القضاء المدني، طالما أن لدى الجهة الإدارية مستندات أو أدلة جدية تثبت حقها على عقار التداعي، وهو في كل الأحوال يخضع لرقابة القضاء الإداري عند بحثه مشروعية القرار الصادر بإزالة التعدي، وهو في هذا الصدد لا يفصل في موضوع الملكية أو الحق المتنازع عليه حين يفحص المستندات ويمحص الأوراق المقدمة من الطرفين، وإنما يقف اختصاصه عند التحقق من صحة هذا القرار، وخاصة قيامه على سببه المبرر له قانوناً المستمد من شواهد ودلائل جدية، وهو ما أثبتته هيئة الأوقاف المصرية، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وفي تأويله بما يستوجب إلغاؤه والقضاء مجدداً برفض الدعوى.
        * هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية: فإن الحكم المطعون فيه قد شابه القصور في التسبيب بتجاهله دلالة المستندات المقدمة من هيئة الأوقاف المصرية (ومن الخصمة المتدخلة إنضمامياً لها) والقاطعة الدلالة على ثبوت ملكيتها لأرض التداعي وحيازتها لها منذ القدم وتعاملها عليها.
        حيث إنه من المقرر في قضاء محكمة النقض أن:
"متى كان الحكم المطعون فيه قد أيد الحكم الابتدائي وأخذ بأسبابه التى لم تتناول بحث مستندات الطاعن المقدمة ولم يقل كلمته فى دلالتها فى موضوع النزاع وكيف ينتفي مضمونها الذى تؤديه بما حصله من البينة التى أقام قضاءه عليها فإن الحكم يكون قد شابه القصور".
(نقض مدني في الطعن رقم 163 لسنة 27 قضائية جلسة 15/11/1962 مجموعة المكتب الفني السنة 13 صـ 1031 فقرة 3).
كما جرى قضاء محكمة النقض على أنه:
"يتعين على المحكمة أن تبحث مجموع المستندات المتعلقة بالنزاع والصادرة من ذوى الشأن. ولا يشفع فى ذلك إحالة الحكم المطعون فيه إلى أسباب الحكم الابتدائي فى شأن هذه المستندات ما دام أن ذلك الحكم قد وقف عند حد عرضه لهذه المستندات دون مناقشة دلالتها".
(نقض مدني في الطعن رقم 353 لسنة 35 قضائية جلسة 24/2/1970 مجموعة المكتب الفني السنة 21 صـ 306 فقرة 2).
لما كان ما تقدم، وكانت هيئة الأوقاف المصرية، وكذلك الخصمة المتدخلة انضمامياً لها، قد قدمت لمحكمة أول درجة مستندات تدلل بها على امتلاكها وحيازتها لعين التداعي، إلا أن محكمة أول درجة التفتت بالكلية عن تلك المستندات، ولم تعرض لها، ولم تبحث دلالتها، رغم إنها مستندات جوهرية يتغير بها وجه الرأي في الدعوى، بما يصم الحكم المطعون فيه بالقصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع، مما يستوجب إلغاء الحكم المطعون فيه. (لطفاً، يرجى مراجعة النقض المدني الصادر في الطعن رقم 66 لسنة 37 قضائية – جلسة 17/2/1972 مجموعة المكتب الفني – السنة 23 – صـ 205 – فقرة 2).

3- ثبوت ملكية جهة الوقف الخيري لأرض التداعي، الصادر بشأنها قرار الإزالة موضوع النزاع الماثل:
        لما كان الثابت بالأوراق، وبالمستندات المقدمة من هيئة الأوقاف المصرية، وكذلك من الخصمة المتدخلة انضمامياً لها، أن أرض التداعي مملوكة لجهة الوقف الخيري، حيث إنها تتبع وقف/ معايل هانم الشركسية، بموجب حجة الوقف الشرعية رقم 3026 المؤرخة في 20/6/1912.
وحيث كان وزير الأوقاف بصفته الناظر القانوني على الأوقاف الإسلامية في البلاد (بموجب القانون رقم 247 لسنة 1953 بشأن النظر على الأوقاف الخيرية وتعديل مصارفها على جهات البر) يضع يده على تلك الأرض ويديرها لحساب جهة الوقف، ثم قام بتسليمها للإصلاح الزراعي تنفيذاً للقانون رقم 44 لسنة 1962 بشأن تسليم الأعيان التي تديرها وزارة الأوقاف إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي وذلك لتقوم بإدارتها لحساب وزارة الأوقاف، ثم قامت هيئة الأوقاف المصرية باستلام تلك الأرض من الهيئة العامة للإصلاح الزراعي بموجب قانون إنشاء الهيئة رقم 80 لسنة 1971 لتقوم بإدارة تلك الأرض والتصرف فيها – باعتبارها أموالاً خاصة – بهدف تنمية مال الوقف ومن ثم أداء الريع الناتج عنها لوزارة الأوقاف (الناظر القانوني على جميع الأوقاف الخيرية في البلاد).
        وفي غضون عام 1996 أعلنت هيئة الأوقاف المصرية عن طرح قطعة الأرض الزراعية (أرض التداعي) للاستبدال (للبيع) بالمزاد العلني، الذى رسا على السيدة/ وداد محمود سيد أحمد (المستبدلة/المشترية) وهي الخصمة المتدخلة انضمامياً لهيئة الأوقاف في النزاع الماثل. 
وعند تسليم الأرض المستبدلة (المبيعة) إلى المشترية (الخصمة المتدخلة) أتضح وقوع تعدي عليها من المدعيين (المطعون ضدهما الأول والثاني)، مما أضطر هيئة الأوقاف المصرية (البائعة) إلى إصدار القرار المطعون فيه وتنفيذه بالفعل وتسليم أرض التداعي للخصمة المتدخلة بموجب محضر التسليم الرسمي المؤرخ في 12/5/2004 (وقبل قيد الدعوى المستأنف حكمها في 29/5/2004).
        وبعد استلام المشترية لأرض التداعي قامت بتسجيل عقد الاستبدال (البيع) تسجيلاً عينياً في 22/11/2006، وبذا تكون ملكية تلك الأرض قد انتقلت إليها في ذلك التاريخ. علماً بأنه لو كان للمطعون ضدهما الأول والثاني أية حقوق عينية على أرض التداعي لما قامت مصلحة السجل العيني بتسجيل عقد بيعها للمشترية (الخصمة المتدخلة انضمامياً للأوقاف)، فلو وجدت مصلحة السجل العيني أن هيئة الأوقاف المصرية (البائعة) ليس لها سند ملكية لتلك الأرض لرفضت طلب التسجيل، ولكن تلك الجهات المختصة بعد أن تأكدت من ملكية الأوقاف لعين التداعي وعدم تعلق أية حقوق للغير بها سارت في إجراءات التسجيل التي انتهت بصدور عقد البيع المسجل تسجيلاً عينياً.
        علماً بأن هيئة الأوقاف المصرية قد قدمت لمحكمة أول درجة (بجلسة 23/9/2010) صورة رسمية طبق الأصل من شهادة رسمية مستخرجة من مصلحة الشهر العقاري – مكتب السجل العيني .. بالتأشير والقيود الواردة بالسجل العيني والتي تفيد التأشير بالسجل العيني بأن المالك الحالي لعين التداعي هي السيدة/ وداد محمود سيد أحمد (الخصمة المتدخلة انضمامياً للأوقاف والمشترية منها)، بما يقطع بأن الشهر العقاري قد تأكد من ملكية هيئة الأوقاف المصرية لأرض التداعي كما تأكد من عدم وجود أية حقوق عينية على تلك الأرض وبالتالي سمح وسجل عقد البيع الصادر من الهيئة للخصمة المتدخلة انضمامياً. وهذا المستند الرسمي (بالإضافة إلى الصورة الرسمية طبق الأصل من حجة وقف التداعي المقدمة من هيئة الأوقاف المصرية والخصمة المتدخلة انضمامياً) لم يتم الطعن عليها بثمة مطعن من المطعون ضدهما الأول والثاني، ومن ثم تكون لتلك المستندات حجيتها القاطعة على الكافة.
        حيث إنه من المقرر في قضاء محكمة النقض أنه:
"إذ كانت الشهادة الصادرة من هيئة النقل العام قد حررها رئيسا قسمي الحوادث وشئون المرور المركزي بهيئة النقل العام بالقاهرة وراعيا الأوضاع القانونية المتطلبة فى تحريرها ... فإنها تعتبر بهذه المثابة من المحررات الرسمية فلا يمكن إنكار ما ورد بها إلا عن طريق الطعن بالتزوير، وهو ما لم تلجأ إليه الشركة المطعون ضدها، ومن ثم تكون لتلك الشهادة حجيتها فى الإثبات وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون".
(نقض مدني في الطعن رقم 1431 لسنة 45 قضائية – جلسة 19/2/1991 مجموعة المكتب الفني – السنة 42 – صـ 518 – فقرة 2).
وكذلك من المقرر في قضاء محكمة النقض أن:
"المحررات الرسمية لا يمكن الطعن فيها إلا بالتزوير، وتكون حجة على الناس كافة بما دون فيها من أمور قام بها محررها إذا وقعت من ذي الشأن فى حضوره، وإذا كان أصل تلك المحررات غير موجود فتظل لصورتها الرسمية حجيتها سواء أكانت تنفيذية أو غير تنفيذية، أخذت فور تحرير الأصل بمعرفة محرره أو أخذت بعد ذلك بمعرفة أحد الموظفين غير محرر الأصل، وذلك متى كان مظهرها الخارجي لا يسمح بالشك فى مطابقتها للأصل".
(نقض مدني في الطعن رقم 203 لسنة 44 قضائية جلسة 24/1/1979 مجموعة المكتب الفني السنة 30 صـ 338 فقرة 7).
        وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، بأنه لم يعتد بالمستندات الرسمية المقدمة من هيئة الأوقاف المصرية ومن الخصمة المتدخلة انضمامياً لها، وإنما أخذ وعول على مستندات ضوئية مجحودة مقدمة من المطعون ضدهما الأول والثاني، فإنه يكون – والحال كذلك – قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وشابه القصور في التسبيب والإخلال بحق الدفاع ومخالفة الثابت بالأوراق.
        فضلاً عن إنه من المقرر قانوناً أنه لا يعيق سلطة الجهة الإدارية – في إزالة التعدي الواقع على أملاكها – مجرد منازعة واضع اليد أو محض ادعائه حقاً لنفسه أو إقامته دعوى بذلك أمام القضاء المدني، طالما أن لدى الجهة الإدارية مستندات أو أدلة جدية تثبت حقها على عقار التداعي، وهو في كل الأحوال يخضع لرقابة القضاء الإداري عند بحثه مشروعية القرار الصادر بإزالة التعدي، وهو في هذا الصدد لا يفصل في موضوع الملكية أو الحق المتنازع عليه حين يفحص المستندات ويمحص الأوراق المقدمة من الطرفين، وإنما يقف اختصاصه عند التحقق من صحة هذا القرار، وخاصة قيامه على سببه المبرر له قانوناً المستمد من شواهد ودلائل جدية، وهو ما أثبتته هيئة الأوقاف المصرية (على النحو المتقدم ذكره). وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يستوجب إلغاؤه والقضاء مجدداً برفض الدعوى.

ثالثاً- الطلبات
        لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة المحكمة الموقرة من أسباب أصوب وأرشد، تلتمس هيئة الأوقاف المصرية الحكم لها في الطعن الماثل بما يلي: "
        أولاً- من حيث الشكل: بقبول هذا الطعن شكلاً.
        ثانياً- في الشق المستعجل: بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه مؤقتاً لحين الفصل في موضوع الطعن الماثل.
        ثالثاً- وفي الموضوع: بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء مجدداً: برفض الدعوى، مع إلزام المطعون ضدهما الأول والثاني بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي".
مع حفظ كافة حقوق الأوقاف الأخرى،،،

مسئولية البنك عن الوفاء بقيمة الشيك المزور على صاحبه - أحكام محكمة النقض المصرية


من أحكام النقض في:
مسئولية البنك عن الوفاء بالشيك المزور

من المقرر في قضاء محكمة النقض أنه:
"لا تبرأ ذمة البنك المسحوب عليه قِبل عمليه الذى عهد إليه بأمواله إذا وفى البنك بقيمة شيك مذيل من الأصل بتوقيع مزور عليه لأن هذه الورقة لم يكن لها فى أي وقت صفة الشيك أو الكمبيالة لفقدها شرطاً جوهرياً لوجودها هو التوقيع الصحيح للساحب ومن ثم فلا تقوم القرينة المقررة فى المادة 144 من القانون التجاري التى تفترض صحة الوفاء الحاصل من المسحوب عليه ويعتبر وفاء البنك بقيمتها وفاء غير صحيح لحصوله لمن لا صفة له فى تلقيه وبالتالي فإن هذا الوفاء - ولو تم بغير خطأ - من البنك لا يبرئ ذمته قِبل العميل ولا يجوز قانوناً أن يلتزم هذا العميل بمقتضى توقيع مزور عليه لأن الورقة المزورة لا حجية لها على من نسبت إليه ولهذا فإن تبعة الوفاء تقع على عاتق البنك أيا كانت درجة إتقان التزوير وذلك كله بشرط عدم وقوع خطأ من جانب العميل الوارد أسمه فى الصك وإلا تحمل هو تبعة خطئه".
(نقض مدني في الطعن رقم 224 لسنة 33 قضائية – جلسة 19/1/1967 مجموعة المكتب الفني – السنة 18 – صـ 163).

كما قضت محكمة النقض بأنه:
"متى كان الأصل أن ذمه البنك - المسحوب عليه - لا تبرأ قِبل عميله إذا أوفى بقيمة الشيك مذيل بتوقيع مزور على الساحب باعتبار أن هذه الورقة تفقد صفة الشيك بفقدها شرطاً جوهرياً لوجودها وهو التوقيع الصحيح للساحب. فلا تعدم آنئذ القرينة المقررة فى المادة 144 من قانون التجارة، وتعتبر وفاء البنك بقيمة الشيك وفاء غير صحيح حتى ولو تم الوفاء بغير خطأ منه، إلا أن ذلك مشروط بألا يقع خطأ من جانب العميل الثابت أسمه بالشيك وإلا تحمل الأخير تبعه خطئه. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى ثبوت خطأ الطاعن متمثلاً فى إخلاله بواجب المحافظة على مجموعه الشيكات المسلمة له من البنك فتمكن مجهول عن الحصول على واحد منها وتزويره وصرف قيمته فإنه يكون قد أثبت الخطأ فى جانب الطاعن وبين علاقة السببية بينه وبين الضرر الذى وقع وخلص من ذلك إلى إلزام كل من الطاعنة والمطعون ضده بنصف قيمة الشيك موضوع النزاع فى حدود ما حصله من وجود خطأ مشترك بين الطاعن والمطعون ضده فإن النعي عليه بالخطأ فى تطبيق القانون بمقوله انعدام رابطة السببية بين ما أرتكبه الطاعن من خطأ وبين الضرر الواقع فعلاً متمثلاً فى صرف قيمة الشيك لمن زور إمضاء الطاعن عليه يكون نعياً غير سديد".
(نقض مدني في الطعنين رقمي 393 و 413 لسنة 43 قضائية – جلسة 7/3/1977 مجموعة المكتب الفني – السنة 28 – صـ 619).

كما قضت محكمة النقض بأنه:
        "جرى قضاء محكمة النقض على أن ذمة البنك المسحوب عليه لا تبرأ قِبل عميله الذى عهد إليه بأمواله إذا أوفى البنك بقيمة شيك مذيل من الأصل بتوقيع مزور عليه لأن هذه الورقة لم يكن لها في أي وقت وصف الشيك لفقدها شرطاً جوهرياً لوجودها هو التوقيع الصحيح للساحب ومن ثم فلا تقوم القرينة المقررة فى المادة 144 من القانون التجاري التى تفترض صحة الوفاء الحاصل من المسحوب عليه ويعتبر وفاء البنك بقيمتها وفاء غير صحيح لحصوله لمن لا صفة له فى تلقيه وبالتالي فإن هذا الوفاء - ولم تم بغير خطـأ - من البنك لا يبرئ ذمته قِبل العميل ولا يجوز قانوناً أن يلتزم هذا العميل بمقتضى توقيع مزور عليه لأن الورقة المزورة لا حجية لها عن من نسبت إليه ولهذا فإن تبعة الوفاء تقع على عاتق البنك أياً كانت درجة إتقان التزوير وذلك كله بشرط عدم وقوع خطـأ من جانب العميل الوارد أسمه فى الصك وإلا تحمل هو تبعة خطئه".
        (نقض مدني في الطعن رقم 430 لسنة 49 قضائية – جلسة 11/6/1984 مجموعة المكتب الفني – السنة 35 – صـ 1602).

هذا والله أعلى وأعلم،،،