السبت، 28 نوفمبر 2009

تنفيذ أحكام هيئات التحكيم الأجنبية في مصر


تنفيذ أحكام هيئات التحكيم الأجنبية في مصر
تنفيذ الأحكام الأجنبية في ظل قانون المرافعات (الشريعة العامة):
تنص المادة 296 من قانون المرافعات المصري على أن: "الأحكام والأوامر الصادرة في بلد أجنبي يجوز الأمر بتنفيذها بنفس الشروط المقررة في قانون ذلك البلد لتنفيذ الأحكام الأوامر المصرية فيه".
فالحكم الأجنبي، حتى ولو كان حائزاً لقوة الشيء المقضي به لا تكون له قوة تنفيذية في أرض مصر إلا إذا مُنِحَ تلك القوة من المحاكم المصرية وفقاً للشروط والأوضاع الواردة بتلك المادة والمواد التالية لها التي بينت الشروط والأوضاع التي يُمنح فيها الحكم الأجنبي القوة التنفيذية، إلا أنه إذا كانت هناك معاهدة دولية خاصة بتنفيذ الأحكام بين مصر وبلد أجنبي آخر فإن نصوص تلك المعاهدة تكون هي الواجبة التطبيق حتى ولو خالفت ما نُصَ عليه في المرافعات سواء أكانت المعاهدة سابقة أم لاحقة على قانون المرافعات.
هذا، ويُشترط لمعاملة الحكم الأجنبي بالمثل:
أولاً- الرجوع إلى قانون البلد الأجنبي الذي صدر فيه الحكم في شأن تنفيذ الأحكام الأجنبية.
ثانياً- أن يكون تقدير التبادل على أساس القوة التنفيذية التي تمنحها المحاكم الأجنبية للحكم الصادر من المحاكم المصرية بصرف النظر عن الإجراءات الشكلية التي تتبعها المحاكم الأجنبية.
وإذا كان قانون البلد الأجنبي ينص على جواز تنفيذ الأحكام الأجنبية بشرط التبادل فيعتبر أنه يجيز تنفيذها دون مراجعة القضاء الوارد به من الناحية الموضوعية، وعلى ذلك يؤمر بتنفيذ الأحكام الصادرة من محاكم هذا البلد على النحو ذاته، أما طرق التنفيذ فيحددها القانون المصري. وينبغي على طالب التنفيذ أن يقدم نسخة مترجمة من القانون الأجنبي الذي يبيح تنفيذ الأحكام المصرية بالمثل مع طلب الأمر بالتنفيذ، إذ أن القانون الأجنبي يُعتبر واقعاً يتعين على صاحب المصلحة تقديم الدليل عليه أما المعاهدة فتعتبر قانوناً يعلمه الكافة. 
وتنص المادة 297 مرافعات على أن: "يقدم طلب الأمر بالتنفيذ إلى المحكمة الابتدائية التي يراد التنفيذ في دائرتها وذلك بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى".
واختصاص المحكمة الابتدائية هنا اختصاص نوعي وأياً كانت قيمة السند المراد التنفيذ به، ودون التقيد بالقانون الأجنبي في تحديده للمحكمة التي تختص بالأمر.
فطلب الأمر بالتنفيذ ليس إلا دعوى عادية يرفعها صاحب المصلحة في الدولة المراد فيها إجراء التنفيذ. صحيح أن هذه الدعوى العادية بطلب الأمر بالتنفيذ يضيق نطاقها عن "الدعوى الجديدة" في النظام الأنجلو أمريكي، حيث لا يسمح عادة في دعوى الأمر بالتنفيذ بتقديم طلبات جديدة تفوق أو تختلف عما فصل فيه الحكم الأجنبي مثلاً، إلا أن طابع الدعوى القضائية يظل مع ذلك ثابتاً لها. (المصدر: "مبادئ القانون الدولي الخاص" – للدكتور/ أحمد قسمت الجداوي – طبعة 1988 القاهرة – بند 186 – صـ 172).
وتنص المادة 298 مرافعات كذلك على أنه: "لا يجوز الأمر بالتنفيذ إلا بعد التحقق مما يأتي:
1-   أن محاكم الجمهورية غير مختصة بالمنازعة التي صدر فيها الحكم أو الأمر، وأن المحاكم الأجنبية التي أصدرته مختصة بها طبقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي المقررة في قانونها.
2-   أن الخصوم في الدعوى التي صدر فيها الحكم قد كلفوا بالحضور ومثلوا تمثيلاً صحيحاً.
3-   أن الحكم أو الأمر حاز قوة الأمر المقضي طبقاً لقانون المحكمة التي أصدرته.
4-   أن الحكم أو الأمر لا يتعارض مع حكم أو أمر سبق صدوره من محاكم الجمهورية، ولا يتضمن ما يخالف النظام العام أو الآداب فيها".
والاختصاص القضائي (الدولي وليس الداخلي) للمحكمة الأجنبية يتحدد وفقاً لقانونها بشرط ألا تكون المُنازعة التي صدر فيها الحكم المطلوب الأمر بتنفيذه داخلة في اختصاص محاكم الجمهورية وذلك لكفالة عدم الانتقاص من هذا الاختصاص.
هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "عدم اختصاص المحاكم الإنجليزية بتطليق المدعى عليه المتوطن في مصر من المدعية هو أمر متعلق بالنظام العام فلا يصححه قبول المدعى عليه هذا الحكم وعدم استئنافه وتنفيذه أحد أحكام النفقة من تلقاء نفسه معترفاً بحكم التطليق". (نقض 16/12/1954 السنة 6 صـ 336).
كما أنه من المُقرر في قضاء النقض أنه: "إذا كان النص في الفقرتين الأولى والرابعة من المادة 298 من القانون المرافعات المصري على أنه "لا يجوز الأمر بالتنفيذ إلا بعد التحقق مما يأتي: 1- أن محاكم الجمهورية غير مختصة بالمنازعة التي صدر فيها الحكم أو الأمر، وأن المحاكم الأجنبية التي أصدرته مختصة بها طبقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي المقررة في قانونها. 2- ... 3- ... 4- ... أن الحكم أو الأمر لا يتعارض مع حكم أو أمر سبق صدوره من محاكم الجمهورية ..."، يدل على أن المقصود بشرط عدم اختصاص المحاكم المصرية بنظر المنازعة لجواز الأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي هو الاختصاص المانع أو الاختصاص الانفرادي أي في الحالة التي يكون فيها الاختصاص بنظر النزاع قاصراً على المحاكم الوطنية". (نقض جلسة 28/11/1990 في الطعن رقم 1136 لسنة 54 قضائية).
كما تنص المادة 299 مرافعات على أن: "تسري أحكام المواد السابقة على أحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي، ويجب أن يكون الحكم صادراً في مسألة يجوز التحكيم فيها طبقاً لقانون الجمهورية".
فتشترط تلك المادة أن يكون حكم المحكمين الأجنبي المطلوب الأمر بتنفيذه صادراً في مسألة يجوز التحكيم فيها طبقاً لأحكام قانون جمهورية مصر العربية.
هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "مخالفة حكم التحكيم الأجنبي للنظام العام في مصر يوجب على القاضي المصري رفض تنفيذه". (نقض جلسة 21/5/1990 في الطعن رقم 815 لسنة 52 قضائية).
فقيد النظام العام الذي يعطل، في مجال تنازع القوانين، إعمال القانون الأجنبي الذي أشارت بتطبيقه قواعد الإسناد، يقف أيضاً، في مجال تنفيذ الأحكام الأجنبية، حائلاً دون تنفيذ الحكم الأجنبي المتعارض مع النظام العام أو الآداب في مصر. وتقدير كون الحكم الأجنبي يتعارض أو لا يتعارض مع النظام العام أو الآداب في مصر، إنما يرجع فيه إلى القانون المصري. (المصدر: "مبادئ القانون الدولي الخاص" – للدكتور/ أحمد قسمت الجداوي – طبعة 1988 القاهرة – بند 212 – صـ 188 و 189).
وهدياً بما تقدم، فإنه لا يكفي لاعتبار الحكم أو الأمر الأجنبي (القضائي أو التحكيمي) سنداً تنفيذياً في مصر بمجرد صدوره من المحكمة أو هيئة التحكيم الأجنبية. بل يتعين أن يصدر من القضاء المصري أمر بتنفيذ ذلك الحكم الأجنبي.
ويطلب أمر التنفيذ المذكور بدعوى قضائية ترفع بالأوضاع المعتادة لرفع الدعاوى - في مصر - أمام المحكمة الابتدائية التي يراد التنفيذ في دائرتها. وبدون أمر التنفيذ سالف الذكر لا يكون للحكم الأجنبي قوة تنفيذية كسند تنفيذي في مصر، وبالتالي لا يجوز اتخاذ إجراءات تنفيذ جبري بمقتضاه.
ومن المُفترض أن المحكمة المصرية التي تصدر أمر التنفيذ المشار إليه في المادة 297 مرافعات يتعين عليها أن تتحرى شروطاً معينة في الحكم الأجنبي حتى تقضي بإجابة طلب الأمر بالتنفيذ، كالشروط التي نصت عليها المادتان 296 و 298 مرافعات أو الشروط التي قد تنص عليها المعاهدات الدولية النافذة في مصر. فإن تبين لتلك المحكمة أن الحكم الأجنبي لم تتوافر بالنسبة له هذه الشروط الواجبة لمنح أمر التنفيذ، فإنها تقضي برفض الدعوى المرفوعة أمامها والمطلوب فيها إصدار هذا الأمر، وعندئذ لا يجوز تنفيذ هذا الحكم في مصر. وإذا قضت بإصدار أمر التنفيذ سالف الذكر فإن الحكم الأجنبي يصبح قابلاً للتنفيذ ولكن بعد وضع الصيغة التنفيذية عليه وذلك عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة 280 مرافعات والتي تنص على أنه: "... ولا يجوز التنفيذ – في غير الأحوال المستثناة بنص في القانون – إلا بموجب صورة من السند التنفيذي عليها صيغة التنفيذ التالية: "على الجهة التي يناط  بها التنفيذ أن تبادر إليه متى طلب منها، وعلى السلطات المختصة أن تعين على إجرائه ولو باستعمال القوة متى طلب إليها ذلك".
فإذا لم توضع الصيغة التنفيذية على الحكم الأجنبي سالف الذكر فلا تكون له قوة تنفيذية كسند تنفيذي حتى ولو كان يحمل أمر التنفيذ المشار إليه في المادة 297 مرافعات، إذ الأمر المذكور لا يغني عن وضع الصيغة التنفيذية وفقاً للمادة 280 مرافعات. (المرجع: "جرائم الامتناع عن تنفيذ الأحكام وغيرها من جرائم الامتناع" – للمستشار/ عبد الفتاح مراد – صـ 109 وما بعدها).
تنفيذ الأحكام الأجنبية في ظل قانون التحكيم:
تنص الفقرة الأولى من المادة 9 من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 على أن: "يكون الاختصاص بنظر مسائل التحكيم، التي يحيلها هذا القانون إلى القضاء المصري، للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، أما إذا كان التحكيم تجارياً دولياً، سواء جرى في مصر أو في الخارج، فيكون الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة، ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى في مصر".
كما تنص المادة 47 من قانون التحكيم سالف الذكر، على أنه: "يجب على من صدر حكم التحكيم لصالحه إيداع أصل الحكم أو صورة موقعة منه باللغة التي صدر بها، أو ترجمة باللغة العربية مصدقاً عليها من جهة معتمدة إذا كان صادراً بلغة أجنبية، وذلك في قلم كتاب المحكمة المشار إليها في المادة 9 من هذا القانون. ويحرر كاتب المحكمة محضراً بهذا الإيداع، ويجوز لكل من طرفي التحكيم طلب الحصول على صورة من هذا المحضر".
ويقصد بعبارة "جهة معتمدة" أحد جهات الترجمة التي يحددها وزير العدل وفقاً للصلاحيات المقررة له في المادة الثانية من مواد إصدار قانون التحكيم.
وتنص المادة 56 من قانون التحكيم سالف الذكر، على أن: "يختص رئيس المحكمة المشار إليها في المادة 9 من هذا القانون أو من يندبه من قضاتها بإصدار الأمر بتنفيذ حكم المحكمين، ويقدم طلب تنفيذ الحكم مرفقاً به ما يلي:
1-       أصل الحكم أو صورة موقعة منه.
2-       صورة من اتفاق التحكيم. [يتعين تنبيه القاضي إلى عدم وجود شرط تحكيم واضح وصريح، كما أن الجهة التي أصدرت قرار التحكيم المراد تنفيذه غير الجهة المنصوص عليها في النص المدعى به] 
3-       ترجمة مصدق عليها من جهة معتمدة إلى اللغة العربية لحكم التحكيم إذا لم يكن صادراً بها. [يتعين التشكيك في صحة ودقة الترجمة، وحيادية الجهة التي قامت بها وأصدرتها، مع طلب ترجمة رسمية معتمدة من وزارة العدل]  
4-       صورة المحضر الدال على إيداع الحكم وفقاً للمادة 47 من هذا القانون".
ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "المواد 299 و 301 من قانون المرافعات، والمادة الرابعة من اتفاقية نيويورك الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية والمنضمة إليها مصر بالقرار الجمهوري رقم 171 لسنة 1959 توجب على من يطلب تنفيذ أي من هذه الأحكام أن يقدم الأصل الرسمي له وشرط التحكيم أو صورة رسمية منهما فإذا كانت هذه الأوراق محررة بلغة غير العربية فيقدم معها ترجمة لها يشهد عليها مترجم رسمي أو محلف أو أحد رجال السلك الدبلوماسي أو القنصلي، فإذا تخلف طالب الأمر بالتنفيذ عن تقديم أي من هذه الأوراق تعين عدم قبول طلبه". (نقض مدني في الطعن رقم 815 لسنة 52 قضائية – جلسة 21/5/1990).
فلا يعتبر حكم المحكمين سنداً تنفيذياً إلا بعد صدور أمر من القضاء بذلك وفقاً ما نصت عليه المادة 56 من قانون التحكيم المصري.
والأمر الذي يصدره رئيس المحكمة المختصة – وفقاً لهذه المادة – هو أمر "أمر على عريضة" فيخضع لأحكام الأوامر على العرائض من ناحية التظلم فيها والطعن عليها. (المرجع: "شرح تشريعات التحكيم" – للمستشار/ عبد الفتاح مراد – طبعة 1996 – صـ 225 و 226).
وبالتالي يمكن التظلم من أمر التنفيذ وفقاً للقواعد العامة في الأوامر على العرائض. ويترتب على قبول التظلم وإلغاء الأمر، وقف تنفيذ حكم المحكمين. (المرجع: "التنفيذ الجبري" – للدكتور/ فتحي والي – طبعة 1986 القاهرة – بند 49 – صـ 99).
وأمر المحكمة بالتنفيذ أو بالاستمرار فيه لا يمنع من وقفه بعد ذلك وفقاً للقواعد العامة في إشكالات التنفيذ. (المرجع السابق – نفس الموضع).
فالقضاء المستعجل يختص بالحكم في الصعوبات التي تعترض تنفيذ أحكام المحكمين مهما كانت أسباب الإشكالات، سواء تعلقت بالموضوع أم بنفس الأحكام والإجراءات الشكلية وغيرها بشرط أن يطلب منه وقف التنفيذ أو استمراره فقط، لا الحكم في موضوعها بالبطلان وبغيره. (نقض مدني جلسة 10/3/1955 مجموعة المكتب الفني – السنة 6 – صـ 812 – قاعدة رقم 104).
كما تنص المادة 58 من قانون التحكيم سالف الذكر على أنه: "
1-   لا يقبل طلب تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكن ميعاد رفع دعوى بطلان الحكم قد انقضى.
2-   لا يجوز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم وفقاً لهذا القانون إلا بعد التحقق مما يأتي:
أ‌.    أنه لا يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع.
ب‌.   أنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية.
ج‌.   أنه قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلاناً صحيحاً.
3-   ولا يجوز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، أما الأمر الصادر برفض التنفيذ فيجوز التظلم منه إلى المحكمة المختصة وفقاً لحكم المادة 9 من هذا القانون خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره".
مع الأخذ في الاعتبار أن المحكمة الدستورية العليا قد قضت بعدم دستورية الفقرة الثالثة من المادة 58 سالفة الذكر فيما تضمنته من "عدم جواز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم"، وذلك بحكمها الصادر بجلسة 6/1/2001 في الطعن رقم 92 لسنة 21 قضائية "دستورية". 
ومن ثم فقد نظمت المادة 58 من قانون التحكيم طلب تنفيذ حكم المحكمين، فاشترطت للأمر بالتنفيذ أن يكون ميعاد دعوى البطلان (تسعين يوماً) قد انقضى، وأوجبت التحقق من أن حكم المحكمين المطلوب تنفيذه لا يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في ذات النزاع إعلاء لسلطة القضاء المصري في هذا الصدد، كما اشترطت ألا يخالف حكم التحكيم قواعد النظام العام السائدة والمرعية في مصر، وأخيراً اشترطت أن يكون الحكم قد تم إعلانه إعلاناً صحيحاً للمحكوم عليه بحيث يتصل علمه اليقيني به لتبدأ كافة المواعيد المترتبة عليه.
وقد عالجت الفقرة الثانية من المادة 58 من قانون التحكيم حالات التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم المحكمين ورخصت التظلم منه وذلك خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره وناطت بالمحكمة المشار إليها في المادة 9 من قانون التحكيم الفصل فيه. (المرجع: "شرح تشريعات التحكيم" – للمستشار/ عبد الفتاح مراد – طبعة 1996 – صـ 228 و 229).
شروط الأمر بتنفيذ قرار المحكمين:
حددت المادة 58 سالفة الذكر، الشروط الواجب توافرها لصدور الأمر بتنفيذ قرار المحكمين، فقد تضمنت أنه لا يجوز الأمر بتنفيذ قرار التحكيم وفقاً لهذا القانون إلا بعد التحقق من الأمور التالية:
أولاً- أنه لا يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع المعروض.
ثانياً- أنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية.
ثالثاً- أنه قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلاناً قانونياً صحيحاً.
أسباب الإشكال في التنفيذ في اتفاقية نيويورك:
طبقاً لاتفاقية نيويورك لعام 1958، والتي انضمت لها جمهورية مصر العربية بموجب القرار الجمهوري رقم 171 لسنة 1959 والنافذة فيها اعتباراً من 8/6/1959، لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية، بناء على طلب المحكوم ضده إلا إذا قدم الدليل على وجود سبب من الأسباب التالية لمنع تنفيذ الحكم - وذلك إلى السلطة المختصة في البلد المطلوب إليها الاعتراف والتنفيذ - والأسباب التي تمنع تنفيذ الحكم هي:
1-   أن يكون الأطراف، أو أحدهم، عديم الأهلية؛
2-   أو أن يكون اتفاق التحكيم غير صحيح؛
3-   أو أن يكون المحكوم ضده لم يعلن إعلاناً صحيحاً بتعيين المحكم، أو بإجراءات التحكيم، أو استحال عليه تقديم دفاعه،؛
4-   أو أن يكون الحكم قد فصل في نزاع غير وارد في اتفاق التحكيم، أو أن يكون هذا الحكم قد تجاوز حدود هذا الاتفاق (إلا إذا أمكن فصل جزء من الحكم وتنفيذه مستقلاً)؛
5-   أو أن يكون تشكيل هيئة التحكيم أو إجراءات التحكيم مخالفة لما اتفق عليه الأطراف، أو مخالفة لقانون البلد الذي تم فيه التحكيم؛
6-   أو أن يكون حكم التحكيم قد ألغي أو أوقف تنفيذه بواسطة السلطة المختصة في البلد التي صدر فيها الحكم؛
7-   أو إذا كان قانون البلد المطلوب منه الاعتراف والتنفيذ لا يجيز تسوية النزاع عن طريق التحكيم، أو كان الاعتراف أو التنفيذ مخالفاً للنظام العام فيه.
حيث تنص المادة الثانية من اتفاقية نيويورك المذكورة على أن: "
1-   تعترف كل دولة متعاقدة بالاتفاق المكتوب التي يلتزم بمقتضاه الأطراف بأن يخضعوا للتحكيم كل أو بعض المنازعات الناشئة أو التي قد تنشأ بينهم بشأن موضوع من روابط القانون التعاقدية أو غير التعاقدية المتعلقة بمسألة يجوز تسويتها عن طريق التحكيم.
2-   ويقصد "باتفاق مكتوب" شرط التحكيم في عقد أو اتفاق التحكيم الموقع عليه من الأطراف أو الاتفاق الذي تضمنته الخطابات المتبادلة أو البرقيات.
3-   على محكمة الدولة المتعاقدة التي يطرح أمامها نزاع حول موضوع كان محل اتفاق بين الأطراف بالمعنى الوارد في هذه المادة – أن تحيل الخصوم بناء على طلب أحدهم إلى التحكيم، وذلك ما لم يتبين للمحكمة أن هذا الاتفاق باطل أو لا أثر له أو غير قابل للتطبيق".
كما تنص المادة الخامسة من الاتفاقية المذكورة على أنه:
1-   لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم بناء على طلب الخصم الذي يحتج عليه بالحكم إلا إذا قدم هذا الخصم للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليها الاعتراف والتنفيذ الدليل على:
1-   أن أطراف الاتفاق المنصوص عليه في المادة الثانية كانوا طبقاً للقانون الذي يطبق عليهم عديمي الأهلية أو أن الاتفاق المذكور غير صحيح وفقاً للقانون الذي أخضعه له الأطراف أو عند عدم النص على ذلك طبقاً لقانون البلد الذي صدر فيه الحكم.
2-   أن الخصم المطلوب تنفيذ الحكم عليه لم يعلن إعلاناً صحيحاً بتعيين المحكم أو بإجراءات التحكيم أو كان من المستحيل عليه لسبب آخر أن يقدم دفاعه.
3-   أن الحكم فصل في نزاع غير وارد في مشارطة التحكيم أو في عقد التحكيم أو تجاوز حدودهما فيما قضى به. ومع ذلك يجوز الاعتراف وتنفيذ جزء من الحكم الخاضع أصلاً للتسوية بطريق التحكيم إذا أمكن فصله عن باقي أجزاء الحكم الغير متفق على حلها بهذا الطريق.
4-   أن تشكيل هيئة التحكيم أو إجراءات التحكيم مخالفة لما اتفق عليه الأطراف أو لقانون البلد الذي تم فيه التحكيم في حالة عدم الاتفاق.
5-   أن الحكم لم يصبح ملزماً للخصوم أو ألغته أو أوقفته السلطة المختصة في البلد التي فيها أو بموجب قانونها صدر الحكم.
2-   ويجوز للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليها الاعتراف وتنفيذ حكم المحكمين أن ترفض الاعتراف والتنفيذ إذا تبين لها:
1-   أن قانون ذلك البلد لا يجيز تسوية النزاع عن طريق التحكيم؛ أو
2-   أن الاعتراف بحكم المحكمين أو تنفيذه مما يخالف النظام العام في هذا البلد".
كيفية تنفيذ قرارات المحكمين في مصر:
إذا كان القرار الصادر من هيئة التحكيم سينفذ في مصر، فإن طريقة تنفيذه تكون كما يلي:
1-   يقدم طلب الأمر بالتنفيذ إلى المحكمة الابتدائية التي يراد التنفيذ في دائرتها وفقاً للأوضاع المعتادة لرفع الدعوى.
2-   ولا يصدر القاضي الأمر بالتنفيذ إلا بعد التحقق من عدة أمور:
1-   أولها: أن المحاكم المصرية غير مختصة بالمنازعة التي صدر فيها الحكم أو الأمر، وأن المحكمة الأجنبية (أو هيئة التحكيم) مُختصة به طبقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي.
2-   وثانيها: أن الخصوم في الدعوى التي صدر فيها الحكم قد كلفوا بالحضور ومثلوا تمثيلاً صحيحاً.
3-   وثالثها: أن الحكم أو الأمر حاز قوة الأمر المقضي طبقاً لقانون المحكمة التي أصدرته.
4-   ورابعها: أن الحكم أو الأمر لا يتعارض مع حكم أو أمر سبق صدوره من المحاكم المصرية، ولا يتضمن ما يخالف النظام العام أو الآداب فيها، وأن يكون الحكم صادراً في مسألة يجوز التحكيم فيها طبقاً للقانون المصري.
شرط ألا يتضمن قرار التحكيم المراد تنفيذه في مصر، ما يخالف النظام العام في الجمهورية:
لأنه وإن كان يجوز لطرفا التحكيم الاتفاق على إجراء التحكيم في الخارج، وقد قضت محكمة النقض المصرية في هذا الشأن بـ: "جواز الاتفاق على إجراء التحكيم في الخارج، وأن شرط ذلك هو عدم المساس بالنظام العام في مصر". وقد أوردت محكمة النقض المصرية في أسباب هذا الحكم: "لما كان الثابت أن شرط التحكيم المنصوص عليه في مشارطة الإيجار قد نص على أن يسوى النزاع في "لندن" طبقاً لقانون التحكيم الإنجليزي لسنة 1950، وكان المشرع قد أقر الاتفاق على إجراء التحكيم في الخارج ولم ير في ذلك ما يمس النظام العام، فإنه يرجع في شأن تقرير صحة شرط التحكيم وترتيبه لآثاره إلى قواعد القانون الإنجليزي باعتباره قانون البلد الذي اتفق على إجراء التحكيم فيه بشرط عدم مخالفة تلك القواعد للنظام العام في مصر". (نقض مدني في الطعن رقم 453 لسنة 42 قضائية – جلسة 9/2/1981 مجموعة المكتب الفني – السنة 32 – صـ 445. ونقض مدني في الطعن رقم 714 لسنة 47 قضائية – جلسة 26/4/1982 مجموعة المكتب الفني – السنة 33 – صـ 442).
وكذلك من المُقرر في قضاء النقض أن: "مؤدى المادة الخامسة من اتفاقية نيويورك الخاصة بأحكام المحكمين الأجنبية وتنفيذها أنه وإن كان يتعين على القاضي المصري رفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي متى وجد فيه ما يخالف النظام العام في مصر". (نقض مدني في الطعن رقم 815 لسنة 52 قضائية – جلسة 21/5/1990).
مخالفة قرار التحكيم المراد ا لاعتراف به وتنفيذه للنظام العام في مصر:
لما كان ما تقدم، وكانت المادة 71 من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 تنص على أن: "يجوز في المواد التجارية الاتفاق على التحكيم قبل قيام النزاع أو بعد قيامه مع مراعاة الأحكام المنصوص عليها في القوانين الخاصة".
وتنص المادة 72 من قانون التجارة على أن: "
1-   تسرى أحكام هذا الفصل على كل عقد لنقل تكنولوجيا لاستخدامها في جمهورية مصر العربية سواء أكان هذا النقل دولياً يقع عبر الحدود الإقليمية لمصر أم داخلياً. ولا عبرة في الحالتين لجنسية أطراف الاتفاق أو لمحال إقامتهم.
2-   كما تسرى أحكام هذا الفصل على كل اتفاق لنقل التكنولوجيا يبرم بعقد مستقل أو ضمن عقد آخر".
كما تنص المادة 87 من قانون التجارة على أن: "
1-   تختص المحاكم المصرية بالفصل في المنازعات التي تنشأ عن عقد نقل التكنولوجيا المشار إليه في المادة 72 من هذا القانون. ويجوز الاتفاق على تسوية النزاع ودياً أو بطريق تحكيم يجرى في مصر وفقاً لأحكام القانون المصري.
2-   وفى جميع الأحوال يكون الفصل في موضوع النزاع بموجب أحكام القانون المصري وكل اتفاق على خلاف ذلك يقع باطلاً".
والفقرة الثانية من المادة 87 من قانون التجارة متعلقة بالنظام العام، حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أنه: "إذا دلت عبارة النص التشريعي أو إشارته على اتجاه قصد المشرع من تقرير القاعدة القانونية الواردة به إلى تنظيم وضع بذاته على نحو محدد لا يجوز الخروج عليه، التزاماً بمقتضيات الصالح العام، وترجيحاً لها على ما قد يكون لبعض الأفراد من مصالح خاصة مغايرة، فإن هذه القاعدة تعتبر من القواعد الآمرة المتعلقة بالنظام العام". (الطعن رقم 931 لسنة 45 قضائية – جلسة 5/5/1979 مجموعة المكتب الفني – السنة 30 – صـ 280. المصدر: موسوعة "قضاء النقض في المواد المدنية" – للمستشار/ عبد المنعم دسوقي – الجزء الثاني – المجلد الأول – طبعة 1993 القاهرة – القاعدة رقم 1553 – صـ 527 و 528).
تعلق المادة 87/1 المحددة للاختصاص القضائي بنظر منازعات عقود نقل التكنولوجيا بالنظام العام، وموقف المحكمة الدستورية العليا منها.
كما ذكرنا، تقضي المادة 87/1 من قانون التجارة باختصاص المحاكم المصرية بالفصل في المنازعات التي تنشأ عن عقد نقل التكنولوجيا. وفي حالة الاتفاق على تسوية النزاع بطريق التحكيم فإن مكان التحكيم يجب أن يكون في مصر وأن القانون المصري هو القانون الواجب التطبيق على موضوع وإجراءات تسوية النزاع، حيث نصت تلك المادة صراحة على وجوب أن يجري في مصر ووفقاً لأحكام القانون المصري. وفى جميع الأحوال يكون الفصل في موضوع النزاع بموجب أحكام القانون المصري. وكل اتفاق على خلاف ذلك يقع باطلاً.
وبالتالي فإن المشرع المصري رتب البطلان جزاء مخالفة نص المادة 87/1 من قانون التجارة المصري، بما يؤكد أن هذا النص آمر يتعلق بالنظام العام. هذا وقد طعن بعدم دستورية المادة 87 من قانون التجارة وحكمت المحكمة الدستورية العليا برفض الطعن  وقضت بأن: "النص المذكور قد  تغيا حماية الطرف الضعيف في العلاقة وهو الطرف الوطني باعتباره أكثر حاجة إلى التعاقد من أجل نقل التكنولوجيا، حتى تتاح له سبل المنافسة أمام السلع والخدمات الأجنبية، فلا يتخلف عن ركب العصر، مما دعا المشرع إلى التحوط لمصلحة ذلك الطرف بتحديد القانون الواجب التطبيق ومكان وإجراءات التحكيم، ومن ثم فإن ادعاء انتهاك النص الطعين لحق الملكية الذي أوجب الدستور حمايته لا يكون قد قام على أساس صحيح. وأن النص الطعين لا يخالف أي حكم آخر من أحكام الدستور". (يراجع حكم المحكمة الدستورية العليا جلسة 15/4/2007 الطعن رقم 253 لسنة 24 قضائية "دستورية").
لما كان ما تقدم، وكان قرار التحكيم موضوع التظلم الماثل قد خالف نص المادة 87/1 من قانون التجارة المصري الذي يعقد الاختصاص القضائي بنظر منازعات عقود نقل التكنولوجيا للمحاكم المصرية وبتحديد مكان وإجراءات التحكيم بأن تكون في مصر ووفقا لأحكام القانون المصري، وهو نص آمر يتعلق بالنظام العام لا يجوز الاتفاق على مخالفته وذلك على نحو ما تقدم تفصيلاً،
وكان العقد المبرم بين طرفي التداعي من عقود نقل التكنولوجيا على التفصيل السابق بيانه كذلك سلفاً،
وإذا لجأ مورد التكنولوجيا إلى التحكيم خارج مصر ـ رغم عدم التسليم بصحة هذا التحكيم وإجراءاته ـ ودون أن يلجأ إلى المحاكم المصرية أو حتى التحكيم الداخلي أو الدولي بشرط أن يجري في مصر ووفقاً لأحكام القانون المصري، بالمخالفة لنص المادة 87/1 فإن قرار التحكيم موضوع الأمر المتظلم منه يكون قد صدر باطلاً ويكون تنفيذ القرار الصادر فيه مخالفاً للنظام العام في مصر، مما يجعل قرار التحكيم غير قابل للتنفيذ وبما يحق معه لمتلقي التكنولوجيا بطلب رفض الأمر بتنفيذ ذلك القرار، ورفض وضع الصيغة التنفيذية عليه.
مخالفة قرار التحكيم موضوع التظلم للنظام العام لمخالفته القانون الواجب التطبيق على النزاع وهو القانون المصري. ولما كانت المادة 87/2 من قانون التجارة المصري قد نصت على أنه: "وفى جميع الأحوال يكون الفصل في موضوع النزاع بموجب أحكام القانون المصري، وكل اتفاق على خلاف ذلك يقع باطلاً" .
وحرصاً على ثمين وقت المحكمة، فلما كان العقد المبرم بين الطرفين من عقود نقل التكنولوجيا على التفصيل السابق، وقد استبعد المحكمون ـ في قرار التحكيم موضوع الدعوى الماثلة ـ القانون المصري وطبقوا قوانين وأعراف تجارية أخرى أجنبية، بالمخالفة لنص المادة 87/2 التي توجب تطبيق القانون المصري، فإن قرار التحكيم يكون قد شابه البطلان المطلق، ويكون تنفيذ القرار الصادر فيه مخالفاً للنظام العام في مصر، بما لا يجوز الأمر بتنفيذه ومن ثم يتعين رفض الأمر بتنفيذه، ورفض وضع الصيغة التنفيذية عليه.
وفوق كل ذلك فقد خالف قرار التحكيم محل الدعوى الماثلة للنظام العام في مصر من عدة أوجه أخرى نذكر منها ما يلي:
-   انعدام صفة الشركة المدعية في التحكيم طالبة التنفيذ فهي ليست طرفا في العقد مع شركة مصر الحجاز المدعى عليها ولا يوجد اتفاق تحكيم فيما بينهما. حيث أن الشركة المدعية في التحكيم وطالبة التنفيذ ليست طرفا في العقد مع شركة مصر الحجاز ولا يوجد اتفاق تحكيم فيما بينهما، فالطرف الذي تعاقدت معه شركة مصر الحجاز المدعى عليها هي شركة "س. أ. جرينر وسوهن ج إم بي إتش" بينما الشركة الذي طلبت التحكيم وتريد تنفيذ القرار هي شركة "جرينر اكستروشن تكنيك جي إم بي المحدودة"، ولا يجوز لطرف أن يحول أو أن يتنازل عن الحقوق والالتزامات الواردة في العقد إلا بموافقة الطرف الآخر. ولم تقدم الشركة المحتكمة المدعية أي دليل مقنع علي صفتها في رفع دعوى التحكيم وبالتالي ليس لها صفة في طلب التنفيذ. ومن ثم يصبح أي قرار تحكيم بين غير أطراف العقد باطل وغير نافذ ومخالف للنظام العام في مصر. ومن ثم يتعين على الشركة المدعية (المتظلم ضدها) لإثبات صفتها في التحكيم أن تقدم مستنداً رسمياً مترجماً إلى اللغة العربية وموثقاً يفيد بأنها الخلف الخاص للشركة الطرف في العقد مع الشركة المصرية المتظلمة (المدعى عليها).
-   عدم وجود اتفاق تحكيم بين الشركة المدعية والشركة المدعى عليها. كافة المنازعات المتصلة بهذا العقد أو تنفيذه سيتم تسويتها بالمفاوضات الودية. في حالة عدم التوصل لتسوية فيجوز للطرفين الاتفاق على أن تقدم للتحكيم للجنة تحكيم السويد باتفاق (أو بقبول) الطرفين". ومن هذا النص يلاحظ بوضوح أنه يلزم اتفاق الأطراف علي اللجوء إلي التحكيم بعد استنفاد الوسائل الودية دون جدوى. وهذا لم يتم. أي أنه: لم يتم استنفاد تسوية المنازعة بالوسائل الودية. إذ لجأت الشركة المحتكمة المدعية إلي التحكيم مباشرة. كما أنه لم يتم الاتفاق علي التحكيم أو علي هذه اللجنة لتنظر التحكيم. فقد رفعت الشركة المحتكمة المدعية طلب التحكيم مباشرة دون أي اتفاق أو موافقة من المحتكم ضدها شركة مصر الحجاز.
-   الشركة المدعية رفعت التحكيم أمام جهة غير مختصة لكونها غير الجهة المنصوص عليها في شرط التحكيم بالعقد والذي لم ينفذ. كذلك لم ترفع الشركة المدعية التحكيم أمام لجنة تحكيم السويد المنصوص عليها في العقد بل لغرفة تجارة وصناعة استوكهولم بالسويد (إس س س). أي رفعت التحكيم لجهة غير مختصة من اختيارها هي ووفقا لإرادتها المنفردة ضاربة عرض الحائط بأي وجود أو إرادة للطرف الآخر في العقد أي المحتكم ضدها الشركة المدعى عليها. فهل كان يمكن أن ترفع التحكيم بإرادتها المنفردة أما غرفة التجارة الدولية بباريس أو أمام مركز التحكيم التجاري الدولي للأمم المتحدة ؟ ICC or UNCITRAL  ولماذا اختارت تحكيم غرفة تجارة السويد؟ وبدون إخلال بدفعنا بعدم وجود اتفاق علي التحكيم فإن اختيار نظام معهد تحكيم غرفة تجارة استوكهولم ليحكم هذا التحكيم هو اختيار باطل لهيئة غير مختصة. فمن المستقر فقها وقضاءا أن التحكيم طريق استثنائي لحسم المنازعات إذ ينتزع الاختصاص الأصيل للقاضي الوطني (وينتقص من السيادة المصرية على مرفق العدالة والقضاء) ويعهد به إلي نظام استثنائي يرتضيه الأطراف. لذلك وجب أن يكون الاتفاق علي اللجوء إلي التحكيم واضح وصريح. ولا يجوز التوسع في تفسيره أو البحث عن النية المفترضة لطرفي النزاع. فإن شاب اتفاق التحكيم أي غموض أو نقص عاد الاختصاص للقاضي الوطني صاحب الاختصاص الأصيل. وحيث أنه لم يكن هناك اتفاق علي اللجوء إلي تحكيم "معهد تحكيم غرفة تجارة استوكهولم" فإن لجوء أحد أطراف النزاع إلي هذا المعهد لنظر تحكيم غير متفق عليه أصلا يعد قمة الاستبداد والانفراد بالرأي والقرار من قبل طرف في العقد وفرضه بالقوة علي الطرف الآخر، وقد تبدى الهدف غير المشروع لهذا الاختيار من التحيز السافر لرئيس هيئة التحكيم وطرد المحكم الذي عيناه (وهو الأستاذ الدكتور/ علي الغيتيت) دون سند قانوني أو مبرر منطقي. ونشير إلي أن من صاغ العقد برمته هو الشركة الأجنبية. فإن كانت تهدف إلي الاتفاق بشكل نهائي علي التحكيم وأنها حرة في إخضاع خصمها لجهة التحكيم التي تراها لصاغت ذلك بالطريقة التي تفرضها علي الشركة الوطنية عند الاتفاق. وهناك فرق كبير بين مركزي التحكيم فلجنة تحكيم السويد التي نص عليها العقد غير معهد تحكيم غرفة تجارة استوكهولم. فشرط التحكيم يجب أن يكون واضحا ومحددا وصريحا وإلا فإن المحكمة المختصة لا تعتمد مثل هذا النص ولا تنفذه. باعتبار أن التحكيم طريق استثنائي لتسوية المنازعات. فالطريق الأصلي لحسم المنازعات هو القضاء الوطني. فإن كان هناك طريق استثنائي فيجب أن يكون من الواضح والثابت معاً أن النية المشتركة للأطراف قد انصرفت تحديدا إلي اختيار نظام تحكيم هيئة أو ترتيبات معينة معروفة وموجودة. فإن كان الشرط غير واضح والهيئة غير محددة فإن مثل هذه النصوص تصبح عدما، ويطلق عليها 'pathological' clauses
-   بطلان تشكيل هيئة التحكيم حيث لم يتم إخطار الشركة المحتكم ضدها (المدعى عليها) بالاشتراك في اختيار المحكم الرئيس (المرجح) وتم اختياره بمعزل عنها.
-   بطلان إجراءات التحكيم حيث استبعدت الهيئة المحكم المعين من قبل الشركة المحتكم ضدها (المدعى عليها) (وهو الأستاذ الدكتور/ علي الغيتيت) من أعمال المداولة وأصدرت قرارها في مسألة اختصاصها دون أن تشركه أو تسمع رأيه ودون الرجوع إليه بأي شكل من الأشكال فصدر قرار الهيئة بموافقة اثنان فقط من المحكمين وعدم السماح للمحكم الثالث المعين من الشركة المصرية المدعى عليها في الاشتراك في المداولة أو إصدار القرار المتعلق بمسألة الاختصاص.
-   بطلان إجراءات التحكيم والإخلال بحق الدفاع حيث رفض المحكم الرئيس تعيين خبير فني لمعاينة المصنع المورد من الشركة الأجنبية وإثبات ما به من عيوب خاصة وأن الثلاث محكمين كلهم من رجال القانون وليس من بينهم مهندس أو فني يستطيع الحكم علي حقيقة الوضع الفني. فالنزاع في شقه الموضوعي الذي أصر المحكم الرئيس علي نظره رغم الدفع بعدم الاختصاص- هو نزاع فني. فتحديد هل المصنع تم توريده وأنتج وفقا للمواصفات المتفق عليها أم لا هي مسألة فنية بحتة.
-   وبالإضافة إلى ما سبق وأن عرضناه على عدالة المحكمة الموقرة فإن قرار التحكيم موضوع التظلم الماثل قد صدر بالمخالفة لحكم المادة 76 من القانون التجارة رقم 17 لسنة 1999،التي تقنن قاعدة من النظام العام مقتضاها اختصاص المحاكم المصرية بنظر المنازعات الناشئة عن عقود نقل التكنولوجيا وأن القانون المصري هو واجب التطبيق. علي حين أن التحكيم المطعون في قراره انعقد في استوكهولم بالسويد وطبق مجموعة قوانين أخري غير القانون المصري. 
-   أن قرار التحكيم موضوع التظلم الماثل يقرر فوائد بنسبة 9.5% بدون سند لا في أي قانون أو عرف مما أدي إلي تقرير مبالغ  للشركة المدعية تفوق المبلغ المدعي به أصلاً، كما احتسبها من تاريخ إدعاء الشركة المدعية (المتظلم ضدها) باستحقاقها، وهو إن صدق مبلغ متنازع عليه، ومن ثم فهو غير محدد ولا يحتسب عليه فوائد إلا من تاريخ الحكم، وهذا أيضاً من أحكام النظام العام في مصر.
من كل ما تقدم، يتضح بجلاء مخالفة قرار التحكيم موضوع الدعوى الماثلة للنظام العام في مصر، بما يمنع الأمر بتنفيذه في مصر طبقاً للقواعد القانونية سالفة الذكر، ومن ثم يكون الأمر الصادر بتنفيذ ذلك القرار، قد جاء على غير سند صحيح من القانون خليقاً بالإلغاء. وهو ما تصمم عليه الشركة المدعى عليها (المتظلمة) على سبيل الجزم واليقين.
أشرف رشوان
المحامي بالنقض