الأربعاء، 9 مارس 2022

النفقة على الأبن




النفقة على الابن

 

النفقة في الفقه الإسلامي:

إن إنفاق الرجل على أولاده المحتاجين واجب بالإجماع، قال ابن المنذر رحمه الله: (وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم؛ ولأن ولد الإنسان بعضُهُ، وهو بعضً والدهِ، فكما يجب عليه أن يُنفق على نفسه وأهله كذلك على بعضه وأصلِه). اهـ [المغني 8/171].

والأصل في وجوب النفقة على الولد الكتابُ والسنة والإجماع، أما الإجماع فقد تقدم.

وأما الكتاب فقول الله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ([الطلاق : 6]. فأوجب أجر رضاع الولد على أبيه، وقال سبحانه: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) [البقرة : 233].

ومن السنة: قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ هند بنت عتبة : (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف). رواه البخاري ومسلم.

وعن وهب قال: إن مولى لعبد الله بن عمرو قال له: إني أريد أن أقيم هذا الشهر هاهنا ببيت المقدس، فقال له: تركت لأهلك ما يقوتهم هذا الشهر؟ قال: لا، قال: فارجع إلى أهلك فاترك لهم ما يقوتهم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت). رواه أحمد وأبو داود.

فهذه النصوص الشرعية وغيرها تدل على وجوب أن ينفق الرجل على أهل بيته والقيام بمصالحهم، فلا يجوز للوالد التقصير في النفقة على الأولاد ولا تضييعها، بل يلزمه القيام بها على الوجه الأكمل.

والمتفق عليه في المذاهب الفقهية أن نفقة "الزوجة" و "الأبناء" تشمل كل من: المأكل والمشرب والملبس والمسكن والتطبيب والخدمة (للزوجة أن كانت ممن تخدم في أهلها) وما يعتبر من الضروريات (كالتعليم للأولاد)، مع مراعاة مشمولات النفقة من تكاليف سكنى المحضون وأجرة الحضانة ومصاريف الولادة والنفاس والعقيقة والتوسعة على العائلة في الأعياد ...الخ

والمقرر في مذهبي الإمام "مالك" والإمام "أحمد بن حنبل" –يرحمهما الله– "أن كل ما يرجع إلى تقدير النفقة وتحديد المسكن ونحو ذلك موكل إلى اجتهاد القاضي يرى فيه رأيه". وقال "خليل" يرحمه الله وهو من علماء المالكية إنه يجب على الأب النفقة على أولاده الذكور إلى أن يصلوا إلى سن البلوغ ويكونوا قادرين على كسب قوتهم وعلى البنات إلى حين الدخول بهنّ، وقال يرحمه الله: "وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ الذَّكَرِ حَتَّى يَبْلُغَ عَاقِلًا قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ، وَالْأُنْثَى حَتَّى يَدْخُلَ زَوْجُهَا" [المختصر: 138]. وتكون النفقة والسكنى بحسب العرف، على قدر وسع الزوج أو الأب واستطاعته، قاله القاضي أبو بكر محمد بن عاصم الأندلسي الغرناطي [في التحفة]. وعلى هذا جرت المذاهب الفقهية الأخرى.

 

فقد أوجب الإسلام على الآباء لأولادهم:

(1) النفقة {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [سورة الطلاق – الآية 6] فقد أوجب الله عزّ وجلّ أُجره المُرضع لنفقة الولد.

يجب على الوالد –وإن علا– نفقة ولده –وإن سفل–.

فالأب مكلف بالإنفاق –على اختلاف أنواع النفقة– على أولاده ذكوراً وإناثاً، فإن لم يكن لهم أب، كلَّف بالإنفاق عليهم الجد أبو الأب القريب، ثم الذي يليه.

ودليل ذلك من الكتاب قول الله عز وجل: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [سورة الطلاق – الآية 6]

فإيجاب الأُجرة على الزوج لرضاعة أولاده، يقتضي إيجاب مؤونتهم المباشرة من باب أولى. وقال الله سبحانه وتعالى: }وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ{ [سورة البقرة  - الآية 233].

فإن نسبة الولد إلى أبيه بلام الاختصاص، وهي (له) تقتضي مسؤولية صاحب الاختصاص، وهو الأب، عن نفقة ولده ومؤونته. وكذلك وجوب نفقة المُرضِعة للوليد وكسوتها تدلّ على وجوب نفقة الولد وكسوته من باب أولى كما علمت.

وأما دليل ذلك من السنّة: فما رواه البخاري [النفقات، باب: إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ. رقم: 5049]، ومسلم [الأقضية، باب: قضية هند، رقم: 1714[ عن عائشة رضي الله عنها، أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي، إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم، فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف".

يقصد: خذي من مال أبي سفيان.

هذا، ويلحق الأحفاد بالأولاد بجامع النسبة والحاجة في كل.

 

شروط وجوب نفقة الفروع على الأصول:

ويشترط لوجوب نفقة الفروع على الأصول تحقّق الشروط التالية:

أولاً- أن يكون الأصل موسراً بما يزيد عن قوت نفسه، وقوت زوجته مدّة يوم وليلة.

فلو كان الذي يملكه لا يكفي –خلال هذه المدة– غير نفسه هو، أو غير نفسه وزوجته، لم يكن مكلفاً بالإنفاق على فروعه.

ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "ابدأ بنفسك". رواه مسلم [الزكاة، باب: الابتداء في النفقة بالنفس …، رقم: 997].

 

ثانياً- أن يكون الفرع فقيراً، ويشترط مع فقره، واحد من الأوصاف الثلاثة:

1ـ فقر، وصغر.

2ـ فقر، وزمانة.

3ـ فقر، وجنون.

فالصغير الفقير يكلّف أبوه، بالإنفاق عليه، فإن لم يكن أبوه فجده.

وكذلك الفقير الزمن، وهو العاجز عن العمل.

وكذلك الفقير المجنون.

والمقصود بالفقر: العجز عن الاكتساب.

فلو كان الولد صحيحاً بالغاً، قادراً على الاكتساب، لم تجب نفقته على أبيه، وإن لم يكن مكتسباً بالفعل.

فإن عاقه عن الاكتساب اشتغال بالعلم مثلاُ، فإنه ينظر:

فإن كان العلم متعلقاً بواجباته الشخصية: كأمور العقيدة، والعبادة ، فذلك يُعدّ عجزاً عن الكسب، وتجب نفقته على أبيه.

أما إن كان العلم الذي يشتغل به من العلوم الكفائية التي يحتاج إليها المجتمع، كالطب، والصناعة، وغيرهما، فلا يخرج الولد بالاشتغال بها عن كونه قادراً على الكسب، والأب عندئذ مخيّر: بين أن يمكِّنه من العكوف على ذلك العلم الذي يشتغل به وينفق عليه، وبين أن يقطع عنه النفقة، ويلجئه بذلك إلى الكسب والعمل.

وقد اتفق العلماء على أن الوالد لا تلزمه نفقة ولده الذي له مال يستغني به ولو كان هذا الولد صغيراً، واختلفوا في لزوم النفقة على الوالد لابنه البالغ الفقير القادر على الكسب، فأكثر العلماء يرون أنه لا تلزمه نفقته لقدرته على الكسب.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن والد غني وله ولد معسر فهل يلزم الوالد الغني أن ينفق على ابنه المعسر؟

فأجاب رحمه الله: نعم، عليه نفقةُ ولدِهِ بالمعروف إذا كان الولدُ فقيراً عاجزاً عن الكسب والوالدُ مُوسراًاهـ [مختصر من الفتاوى الكبرى 3/363، ومجموع الفتاوى 34/105].

ومفهوم قول شيخ الإسلام: إذا كان الولد فقيراً عاجزاً عن الكسب أن غير العاجز عن الكسب – وهو القادر لا تجب نفقته.

واختلفوا أيضاً في البنت التي بلغت الحلم هل يلزم والدها النفقة عليها أم لا ؟

فذهب أكثر العلماء إلى أنه يلزمه أن ينفق عليها حتى تتزوج –وهو الأقرب، والله أعلم– لعجزها عن التكسب، ولأن إلزامها بالتكسب يفضي إلى مفاسد عظيمة.

هذا مجمل ما يفهم من كلام العلماء من الحنفية [في المبسوط 5/223]، والمالكية [في المدونة 2/263]، والشافعية [في الأم 8/340]، والحنابلة [في المغني 8/171] .

 

أنت ومالك لأبيك:

قد يتعلق البعض بقول المصطفى –صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالُك لأبيك). رواه ابن ماجه [قال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات على شرط البخاري وله طرق وشواهد يصح بها.  انظر فتح الباري 5/211، ونصب الراية 3/337].

فالجواب أن اللام في الحديث: ليست للملك بل للإباحة.

قال ابن القيم: واللام في الحديث ليست للملك قطعاً، ومن يقول هي للإباحة أسعد بالحديث وإلا تعطلت فائدته ودلالته. [إعلام الموقعين 1/116].

ومما يدل على أنها ليست للملك أن الابن يرثه أولاده وزوجته وأمه، فلو كان ماله ملكاً لوالده لم يأخذ المال غير الأب.

وليست الإباحة على إطلاقها، بل هي بشروط أربعة:

الشرط الأول: ألا يكون في أخذه ضرر على الابن، فإن كان في أخذه ضرر (كما لو أخذ غطاءه الذي يتغطى به من البرد، أو أخذ طعامه الذي يدفع به جوعه)، فإن ذلك لا يجوز للأب، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار).

الشرط الثاني: أن لا تتعلق به حاجة الابن، فلو كان عند الابن سيارة يحتاجها في ذهابه وإيابه وليس لديه من الدراهم ما يمكنه أن يشتري بدلها، فليس له أن يأخذها بأي حال.

الشرط الثالث: أن لا يأخذ المال مِن أحد أبنائه ليعطيه لابنٍ آخر؛ لأن ذلك إلقاء للعداوة بين الأبناء، ولأن فيه تفضيلاً لبعض الأبناء على بعض.

قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: وللأبٍ أن يأخذ من مال ولده ما شاء، ويتملكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه ومع عدمها، صغيراً كان الولدُ أو كبيراً، بشرطين: أحدهما: أن لا يُجحف بالابن، ولا يضر به، ولا يأخذ شيئاً تعلقت به حاجتُهُ. الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيُعطيه الآخر، نص عليه أحمد، وذلك لأنه ممنوعٌ من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه، فلأن يُمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى.

الشرط الرابع: أن تكون عند الأب حاجة للمال الذي يأخذه من ولده، وقد جاء مصرَّحاً بهذا الشرط في بعض الأحاديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أولادكم هبة الله لكم يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ([سورة الشورى – الآية 49]. فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليهارواه الحاكم والبيهقي.

والحديث صححه الألباني في السلسة الصحيحة برقم: 2564 وقال: (وفي الحديث فائدة فقهية هامة وهي أنه يبيِّن أن الحديث المشهور أنت ومالُك لأبيك. ليس على إطلاقه، بحيث إن الأب يأخذ من مال ابنه ما يشاء، كلا، وإنما يأخذ ما هو بحاجة إليه. والله أعلم).


الحث على النفقة على الأهل:

وقد ثبتت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تفيد الحث على النفقة على الأهل، وأنها من الأعمال الصالحة عند الله تعالى، كما جاء في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت صدقة له). رواه البخاري.

وعن ابن عمر قال: (إنما سماهم الله أبراراً لأنهم بروا الآباء والأبناء، كما أن لوالدك عليك حقّاً كذلك لولدك عليك حقّاً). [انظر الأدب المفرد: 94].

فينبغي لهذا الأب أن يتقي الله تعالى، وأن ينفق على أولاده مما أعطاه الله تعالى. والله أعلم.

 

 

=========================