السبت، 4 يوليو 2009

الطلب الاقتصادي

الطلب الاقتصادي

تمهيد:

وراء "عرض" كل سلعة تكمن فكرة الندرة. ووراء "الطلب" على السلعة تمكن فكرة الحاجة.

وبذلك، فإن "ندرة" السلعة، و "الحاجة" إليها، كلاهما يجب توافره حتى يكون للسلعة "ثمن".

فشدة الحاجة إلى شيء (عظيم المنفعة) لا تكفي وحدها لكي يكون له "ثمن"، ما لم تتحقق صفة "الندرة" لهذا الشيء. فالهواء مثلاً عظيم المنفعة والحاجة إليه شديدة، ولكن الكميات المتوفرة منه تزيد عن حاجة كل الناس. أي تنتفي بشأنه صفة "الندرة"، ولهذا يعتبر مالاً مباحاً، ومن ثم فليس له "ثمن".. كذلك، إذا انتفت الحاجة إلى شيء ما لا يمكن أن يكون له ثمن. بصرف النظر عن درجة ندرته. فاللحوم مثلاً – رغم ندرة الكمية الموجودة منها – لا يمكن أن يكون لها ثمن في مجتمع من النباتيين. حيث لا تقوم الحاجة إليها أصلاً في مثل هذا المجتمع. (وكذلك الحال بالنسبة للحم الخنزير في مجتمع إسلامي).

"الحاجة" إذن إلى السلعة (مترجمة في الطلب عليها)، و "ندرة" هذه السلعة (مترجمة في عرضها)، يتفاعلان سوياً ويؤديان معاً إلى تكوين (الثمن)، في (السوق).

أولاً- الطلب

تعريف الطلب:

* يُعرف طلب السوق على سلعة ما بأنه: "الكمية التي يكون المستهلكون مُستعدين وقادرين على شرائها عند الأثمان المحتملة لها في فترة زمنية معينة، مع افتراض بقاء الأشياء الأخرى على حالها – other things are the same ".

ويُلاحظ في هذا التعريف للطلب ما يأتي:

1- أنه يقرن القدرة بالرغبة (مستعدون وقادرون على شرائها)، حيث أن "الرغبة" بمفردها لا تأثير لها على حجم المشتريات في السوق، ما لم تكن مصحوبة بـ "القدرة" أي مزودة بالقوة الشرائية – purchasing power .

2- أن الكميات المختلفة للطلب، ترتبط كل منها بثمن معين وزمن معين. فلا يكفي أن نقول مثلاً أن المستهلكين يطلبون ألف وحدة من سلعة ما عندما يكون سعر الوحدة عشرة قروش، بل يجب أن نعلم الفترة الزمنية التي يطلب فيها المستهلكون هذه الكمية عند هذا الثمن (أسبوع – أو شهر – أو سنة مثلاً).

3- أنه يفترض أن الكميات المطلوبة لا تتأثر إلا بالأثمان المحتملة للسلعة نفسها، ولا تتأثر بغير ذلك من المتغيرات الأخرى. ذلك أن هناك عدة عوامل (بالإضافة إلى ثمن السلعة) تؤثر في هذه الكميات، غير أننا في دراسة الطلب نجرد هذه العوامل (أو نثبتها بمعنى أدق) حتى يمكننا التركيز على العلاقة بين ثمن السلعة موضع البحث والكمية المطلوبة منها. هذا التثبيت هو المقصود بافتراض بقاء الأشياء الأخرى على حالها.

4- مع ملاحظة أن المستهلك يستمر في طلب السلعة إذا كانت المنفعة التي يحصل عليها أكبر من السعر المحدد لها، وذلك حتى تتعادل المنفعة الحدية مع السعر السائد في السوق، وعلى ذلك فإن المستهلك يقوم بالتوفيق بين دخله وذوقه من جهة وبين السعر السائد في السوق من جهة أخرى عن طريق تحديد الكمية التي يشتريها.

قانون الطلب:

* رأينا أن تعريف الطلب على هذا النحو، يركز على علاقة معينة بين الثمن والكمية المطلوبة. وهي العلاقة التي يؤثر فيها الثمن في الكمية المطلوبة، وليس العكس. أي أن الثمن هو "المتغير المستقل"، والكمية المطلوبة هي "المتغير التابع".

وهذه العلاقة بين الثمن "كمتغير مستقل"، والكمية المطلوبة "كمتغير تابع" علاقة "عكسية". فإذا أرتفع ثمن السلعة انخفضت الكمية المطلوبة. والعكس صحيح: إذا انخفض ثمن السلعة ارتفعت الكمية المطلوبة منها. هذه العلاقة العكسية هي ما يعرف بـ " قانون الطلب – law of demand ".

فقانون الطلب ينص على أنه: "تتمدد الكمية المطلوبة من سلعة معينة عندما ينخفض ثمنها، وتنكمش عندما يرتفع ثمنها، وذلك بفرض بقاء العوامل الأخرى ثابتة".

تفسير قانون الطلب: (المذكرة التفسيرية للقانون)؟!!

س : لماذا توجد هذه العلاقة العكسية بالنسبة لطلب كل مستهلك؟

ج : إن تغير ثمن السلعة يؤدي إلى تغير الكمية التي يطلبها المستهلك، وذلك لسببين:

1- إنه إذا أرتفع ثمن السلعة، فإن ذلك يعني أن المستهلك، إذا أراد أن يشتري نفس الكمية التي كان يشتريها عند الثمن المنخفض، فإن عليه أن ينفق على شراء السلعة مبلغاً أكبر مما كان ينفقه قبل ارتفاع الثمن، وبالتالي فإن المُتبقي له من دخله بعد الإنفاق على السلعة (الآن) سيكون أقل مما كان يتبقى له عندما كان الثمن منخفضاً، أي أن المستهلك سيشعر الآن أنه "أفقر" من ذي قبل. ولهذا، وللتخفيف من هذا التأثير على دخله، فإنه يعمد إلى الإقلال من الكمية التي يطلبها من السلعة التي أرتفع ثمنها. ويحدث العكس في حالة انخفاض الثمن، مع بقاء دخل المستهلك النقدي ثابتاً، فإن ذلك يعني ارتفاع الدخل الحقيقي لهذا المستهلك، ومن ثم زيادة مقدرته الشرائية، وينجم عن ذلك زيادة الكميات التي يشتريها من السلعة التي انخفض ثمنها. ويُطلق على هذا الأثر: " أثر الدخل income effect ".

2- وأنه إذا أرتفع ثمن السلعة، فإن المستهلك يعمد إلى أن يحل محلها – جزئياً – في الاستهلاك سلعاً أخرى تشبع لديه نفس الحاجة ولو بقدر أقل. ومعنى ذلك أن ينقص المستهلك من طلبه على السلعة التي أرتفع ثمنها، ويزيد من طلبه على السلع الأخرى التي لم يرتفع ثمنها. وإذا انخفض ثمن سلعة معينة فإن المستهلك يزيد من مشترياته منها، إذ يقوم بإحلال وحدات هذه السلعة التي انخفض ثمنها محل بعض أو كل وحدات سلعة أخرى لم ينخفض ثمنها، فإذا انخفض ثمن الشاي مثلاً فإن المستهلك يقوم بإحلال الشاي محل البن (الذي لم ينخفض ثمنه)، ومن ثم يزيد مشترياته من الشاي. ويُطلق على هذا الأثر: " أثر الإحلال substitution effect ".

جدول الطلب:

* ويبين جدول الطلب ( demand schedule ) الكميات التي يطلبها المستهلكون من سلعة معينة في وحدة الزمن عند أي سعر معين، وذلك بفرض ثبات العوامل الأخرى (غير السعر) التي تؤثر في الطلب (مثل دخل المستهلك، وتقديره الشخصي للسلعة)، وعلى ذلك فجدول الطلب يفيدنا في معرفة الكميات المطلوبة من السلعة عند سعر معين، ومعرفة أثر تغير سعر السلعة على الكميات المطلوبة منها.

ويمكن أن يكون جدول الطلب خاصاً بمستهلك واحد، كما يمكن أن يكون خاصاً بجميع المستهلكين في سوق معينة.

ويبين الجدول التالي العلاقة بين ثمن سلعة معينة، ولتكن "س" مثلاً، وبين الكميات المطلوبة منها في أحد الأسواق شهرياً..

ويوضح هذا الجدول طلب أحد المستهلكين الشهري على السلعة "س"، فإذا كان ثمن الكيلو جرام من "س" عشرة قروش، فإن المستهلك يشتري 58 كيلو جراماً في الشهر، أما إذا كان الثمن مرتفعاً عن ذلك، وليكن عشرون قرشاً، فإن المستهلك ينقص من مشترياته بحيث تصبح 41 كيلو جراماً في الشهر. وهكذا يستمر المستهلك في إنقاص مشترياته بزيادة الثمن إلى أن تصبح مشترياته 19 كيلو جراماً في الشهر عندما يكون الثمن خمسون قرشاً.

ويتضح إذن من الجدول أن الثمن يؤثر على الكمية المطلوبة تأثيراً عكسياً، فإذا انخفض الثمن زادت الكمية المطلوبة، والعكس إذا ارتفع الثمن.

مُنحنى الطلب:

* يمكن عرض الأثمان المختلفة للسلعة "س" وما يناظرها من الكميات المطلوبة منها في شكل بياني، فإذا قسنا الأثمان على المحور الرأسي والكميات المطلوبة على المحور الأفقي، ثم رصدنا على الرسم النقط التي تعبر عن الكميات المطلوبة عند مختلف الأسعار، فعند توصيل هذه النقط بعضها ببعض نحصل على منحنى الطلب.

ومن الرسم يتضح أن منحنى الطلب ينحدر إلى أسفل من اليسار إلى اليمين، دالاً بذلك على أن العلاقة بين الثمن والطلب علاقة عكسية، فكلما انخفض الثمن تمدد الطلب، وكلما أرتفع الثمن أنكمش الطلب.

منحنيات شاذة:

* ويلاحظ أن معظم منحنيات الطلب تماثل الشكل السابق، أي أنها تنحدر إلى أسفل من اليسار إلى اليمين، إلا أننا نجد بعض منحنيات الطلب الشاذة التي تتجه في جزء منها إلى أعلى دالة بذلك على تمدد الكميات المطلوبة كلما أرتفع سعر السلعة. ومن أهم منحنيات الطلب الشاذة:

1- حالات طلب الفقراء على بعض الضروريات الأساسية كالخبز مثلاً، فالخبز يستنفذ جزءاً كبيراً من دخل الطبقات الفقيرة، وارتفاع سعره يؤدي إلى انخفاض الدخل لهذه الطبقات، ولكي يشبع المستهلك حاجته إلى الغذاء فإنه يزيد من استهلاك الخبز الذي يظل سعره منخفضاً نسبياً (رغم ارتفاعه) إذا ما قارنه المستهلك بأسعار السلع الغذائية الأخرى.

2- كذلك من الأمثلة الهامة على حالات الطلب الشاذة، هي حالات طلب الأغنياء على بعض سلع الترف، فمن الواضح أن ارتفاع أسعار هذه السلع، وبالتالي إشباع غريزة حب الظهور هو السبب الرئيسي في إقبال الأغنياء على شرائها، فإذا انخفضت أسعار هذه السلع، كما إذا انخفضت أسعار بعض أنواع "السيجار" مثلاً، زالت عنها هذه الصفة وبالتالي أنكمش طلبهم عليها، أما إذا ارتفعت أسعارها فإن طلبهم عليها يتوسع.

الطلب الفردي والطلب الكلي:

* كما ذكرنا آنفاً، فإن جدول الطلب يمكن أن يكون خاصاً بمستهلك واحد (جدول الطلب الفردي)، كما يمكن أن يكون خاصاً بجميع المستهلكين (جدول الطلب الكلي).

فالطلب الكلي، على السلعة "س" مثلاً، هو: "مجموع ما يطلبه المستهلكون من هذه السلعة عند ثمن معين في وقت معين".

وكما قمنا برسم منحنى الطلب الفردي (منحنى طلب أحد المستهلكين) على السلعة "س"، يمكننا أيضاً رسم منحنى الطلب الكلي (لجميع المستهلكين) على هذه السلعة. ويتخذ منحنى الطلب الكلي نفس شكل منحنى الطلب الفردي، وإن كان منحنى الطلب الكلي أكثر تأثراً بتغيرات الأثمان من منحنى الطلب الفردي، ويرجع السبب في ذلك إلى أن: 1) تغير الطلب الكلي يكون نتيجة لتغير الطلب الفردي، من جهة؛ 2) وتغير عدد المستهلكين، من جهة أخرى.

تغير "الطلب"، وتغير "حالة الطلب":

* يستخدم الاقتصاديون تعبير "تغير الطلب" للدلالة على التغير في الكميات المطلوبة نتيجة لتغير الثمن، فإذا كان هذا التغير بالزيادة نتيجة لانخفاض الثمن أطلق عليه "تمدد (أو توسع) الطلب"، أما إذا كان هذا التغير بالنقص نتيجة لارتفاع الثمن أطلق عليه "انكماش الطلب". (وهو يعني: الانتقال من نقطة إلى أخرى على ذات منحنى الطلب).

أما التغيرات التي تطرأ على الكميات المطلوبة نتيجة لعوامل أخرى غير الثمن، أي عند نفس الثمن، فيطلق عليها "تغير حالة الطلب"، فإذا كان هذا التغير بالزيادة أطلق عليه "زيادة الطلب"، أما إذا كان هذا التغير بالنقص أطلق عليه "نقص الطلب". (وهو يعني: تحرك منحنى الطلب كله عن موضعه).

العوامل المؤثرة في "حالة الطلب":

* ذكرنا في أولى ملاحظاتنا على تعريف الطلب "بقاء الأشياء الأخرى على حالها".

أ) فما هي "الأشياء الأخرى" التي افترضنا (في تعريفنا للطلب) بقاءها على حالها؟

ب) وهل هي في الحقيقة باقية على حالها؟

أ ) ما هي الأشياء الأخرى، المفترض بقائها على حالها؟

أما الأشياء الأخرى التي يُفترض بقاؤها على حالها، فهي مجموعة من العوامل التي تؤثر، بالإضافة إلى ثمن السلعة، على الكمية التي تطلب منها. وتتلخص هذه العوامل في أربعة:

1- عدد المُستهلكين.

2- دخول هؤلاء المُستهلكين.

3- ذوق المُستهلكين (بالنسبة للسلعة).

4- أثمان السلع الأخرى.

ونتناول كل عامل من هذه العوامل الأربعة بشيء من التفصيل على النحو التالي:

1- تغير عدد المُستهلكين:

* فأما عدد المُستهلكين، وأثره على الكمية المطلوبة من أي سلعة، فأمر بديهي. فلا شك أنه إذا زاد عدد المُستهلكين، زادت الكمية المطلوبة من السلعة عند كل ثمن؛ وإذا انخفض عدد المستهلكين انخفضت الكمية المطلوبة من السلعة عند كل ثمن.

وافتراضنا أن عدد المستهلكين ثابت في تعريفنا لجدول الطلب، يمكننا من أن نقطع بأن التغير في الكمية المطلوبة (في جدول الطلب)، من ثمن إلى آخر، لا يرجع إلى تغير عدد المُستهلكين.

2- دخول هؤلاء المُستهلكين – تغير الدخل:

* وأما عن دخول هؤلاء المُستهلكين، وأثرها على الكمية المطلوبة من أي سلعة، فلا شك أنه إذا ارتفعت دخول المستهلكين زادت قدرتهم على شراء السلعة، وبالتالي تزيد الكمية المطلوبة منها عند كل ثمن. وإذا انخفضت دخول المستهلكين قلت قدرتهم على شراء السلعة، وبالتالي تنخفض الكمية المطلوبة عند كل ثمن.

( إعادة توزيع الثروات: إذ يترتب على إعادة توزيع الثروات عادة زيادة دخول الفقراء وانخفاض دخول الأغنياء، فيزداد طلب الطبقات الفقيرة على السلع الضرورية، وينقص طلب الطبقة الغنية على الكماليات ).

وافتراضنا أن دخول المستهلكين ثابتة في تعريفنا لجدول الطلب، يمكننا من القول بيقين أن التغير في الكمية المطلوبة من ثمن لآخر لا يرجع إلى التغير في دخول المستهلكين.

3- ذوق المُستهلكين (بالنسبة للسلعة) – تغير ميول المُستهلكين:

* وأما عن ذوق المُستهلكين بالنسبة للسلعة، فأثره على الكمية المطلوبة منها من السهل بيانه، ذلك أن الكمية المطلوبة من أي سلعة تتوقف على مدى ميل المُستهلكين إليها. فإذا حدث تغير في الذوق أدى إلى زيادة الإقبال على السلعة، فإن الكمية المطلوبة منها عند كل ثمن تزداد. أما إذا حدث تغير في الذوق أدى إلى الانصراف عن السلعة، فإن الكمية المطلوبة منها عند كل ثمن تنخفض.

وافتراضنا أن أذواق المستهلكين ثابتة في تعريفنا لجدول الطلب يمكننا من القول بالتأكيد أن التغير في الكمية المطلوبة في جدول الطلب لا يرجع إلى التغير في ذوق المستهلكين.

ويُلاحظ أن العوامل التي تحدد تفضيلات المستهلك لمختلف السلع والخدمات لا تدخل ضمن نطاق التحليل الاقتصادي.

4- أثمان السلع الأخرى – تغير أثمان السلع البديلة والمتكاملة:( * )

* هناك سلعاً تشبع عند الفرد نفس الحاجة (ولو بدرجات متفاوتة- أي سلع بديلة). ولا شك أن التغير في ثمن واحدة من هذه السلع يؤثر على الكمية المطلوبة من السلعة الأخرى. فالقهوة والشاي مثلاً بينهما هذه العلاقة، وارتفاع ثمن القهوة يؤدي إلى انصراف البعض عنها (أو إنقاص البعض من استهلاكهم لها) والإقبال على استهلاك الشاي. والعكس إذ انخفض ثمن القهوة.

أما إذا كانت السلعتان ذات طلب متصل (أي متكاملتين)، مثل الشاي والسكر، فإن ارتفاع ثمن أحدهما يؤدي إلى نقص الطلب عليها وكذلك على السلعة الأخرى.

لهذا فإن افترضنا ثبات أسعار السلع الأخرى في تعريفنا لجدول الطلب على سلعة ما يمكننا من استنتاج أن التغير في الكمية المطلوبة في جدول الطلب لا يرجع إلى التغير في أثمان السلع الأخرى.

ب ) تلك الأشياء الأخرى، هل هي في الحقيقة باقية على حالها؟

* فيما سبق ذكرنا مضمون افتراض ثبات "الظروف الأخرى" عند تعريفنا للطلب. ذلك أن الانتقال من وضع إلى آخر في جدول الطلب (أي من نقطة إلى أخرى على منحنى الطلب) يعني تغيراً في الكمية المطلوبة. هذا التغير في الكمية لا يرجع إلى تغير في عدد المستهلكين، ولا إلى تغير في دخولهم، ولا إلى تغير في أذواقهم، كما لا يرجع إلى تغير في أثمان السلع الأخرى. وعندما نتحدث عن تعريف الطلب على سلعة ما، فإن التغير في الكمية المطلوبة منها يرجع إلى التغير في ثمن هذه السلعة دون غيره من العوامل، أي بافتراض ثبات الظروف الأخرى وبقائها على حالها.

ولكن هل تبقى "الظروف الأخرى" على حالها دائماً؟ وما هي النتيجة التي تترتب على تغير هذه الظروف؟

الواقع أن افتراض ثباتها يقتصر على جدول معين للطلب على السلعة. ولكن ليس معنى ذلك أنها لن تتغير، كل ما هنالك أنه إذا تغيرت كل (أو بعض) هذه الظروف، فإن حديثنا لا ينصرف إلى نفس الجدول (نفس المنحنى) الذي كان قائماً قبل أن تتغير هذه الظروف، وإنما جدول آخر (منحنى آخر) يصور أيضاً العلاقة بين الكمية المطلوبة من السلعة، والأثمان المختلفة لها، ولكن على أساس جديد من عدد المستهلكين، أو دخولهم، أو أذواقهم، أو أثمان السلع الأخرى، بعد التغير الذي حدث في هذه الظروف الأخرى. أي أنه إذا تغيرت "الظروف الأخرى" فإننا نكون بصدد جدول جديد لـ "حالة الطلب" (منحنى جديد لـ "حالة الطلب").

وفيما يلي نعطي مثالاً يبين الكميات المطلوبة من سلعة ما عند أسعار معينة، والكميات المطلوبة من هذه السلعة عند زيادة الدخل (مثلاً) على الرغم من ثبات الأسعار، ثم الكميات المطلوبة منها عند نقص الدخل رغم ثبات الأسعار..

ويتضح من الجدول أن الكميات المطلوبة من السلعة زادت بزيادة الدخل عند نفس الأسعار. كذلك يبين العمود الأخير نقص الكميات المطلوبة من السلعة نتيجة لنقص الدخل.

الخلاصة:

* يمكن تلخيص ما تقدم فيما يلي:

1- إن "التغير في الكمية المطلوبة" يتمثل في تحرك داخل جدول معين (أو تحرك على منحنى معين) للطلب؛ بينما "التغير في حالة الطلب" يتمثل في جدول جديد للطلب (أو انتقال منحنى الطلب بأكمله إلى وضع جديد).

2- أن "التغير في الكمية المطلوبة" من السلعة يرجع إلى التغير في ثمنها دون غيره من العوامل الأخرى؛ أما التغير في "حالة الطلب" فيرجع إلى تغير في واحد أو أكثر من العوامل الأربعة الأخرى سالفة الذكر.

3- أن هذه الظروف الأخرى يفترض أنها باقية على حالها طالما كان الحديث عن جدول معين (منحنى معين) للطلب.

مرونة الطلب:

* المقصود بالمرونة ( elasticity ) هنا هو درجة استجابة الكمية المطلوبة من السلعة للتغير في ثمنها في السوق أو للتغير في الدخل.

وتستخدم "مرونة الطلب السعرية" كأداة لقياس مدى تأثر الكميات المطلوبة بارتفاع الأسعار أو انخفاضها.

كما تستخدم "مرونة الطلب الدخلية" كأداة لقياس مدى تأثر الكميات المطلوبة بارتفاع الدخول أو انخفاضها.

مرونة الطلب السعرية:

* تعبر مرونة الطلب السعرية عن مدى تأثر الكميات المطلوبة بالتغيرات التي تطرأ على الأسعار، فعند ارتفاع السعر تنكمش الكميات المطلوبة من السلعة، وعند انخفاض السعر تتمدد الكميات المطلوبة. إلا أنه يراعى أن مدى هذا الانكماش أو هذا التمدد يختلف باختلاف المستهلكين كما يختلف باختلاف السلعة المستهلكة.

قياس مرونة الطلب السعرية:

* ولقياس درجة المرونة، أي درجة استجابة الكمية المطلوبة من السلعة للتغير في ثمنها في السوق، نستعين بالتغيرات النسبية في الأثمان والكميات، وليس بالمتغيرات المُطلقة.

ولهذا نلجأ (في قياسنا لمرونة الطلب على السلعة) إلى بحث العلاقة بين "التغير النسبي" في الكمية المطلوبة، و "التغير النسبي" في الثمن، وعلى وجه التحديد:

(التغير في الكمية ÷ الكمية) مقسوماً على (التغير في الثمن ÷ الثمن).

أو بعبارة أخرى:

(نسبة التغير في الكمية ÷ نسبة التغير في الثمن).

مثال:

فإذا كان المطلوب من سلعة ما هو (80) وحدة، عندما يكون الثمن (10) قروش. ثم ازدادت الكمية المطلوبة إلى (100) وحدة، عندما انخفض الثمن إلى (9) قروش.

مع ملاحظة أن فرق الزيادة [+] في وحدات السلع هو "20". وأن فرق الانخفاض [-] في الثمن هو "1".

فإن مرونة الطلب على السلعة = (20 ÷ 80) مقسوماً على (1 ÷ 10).

أي:

(+ 25% ÷ - 10%) = - 5ر2

بمعنى أن درجة المرونة (في هذه الحالة) تساوي سالب اثنان ونصف.

درجات المرونة:

* يقسم الاقتصاديون نظرياً درجات المرونة إلى خمس حالات:

1- مرونة تساوي صفر، أي عديم المرونة.

2- مرونة من صفر إلى واحد صحيح.

3- مرونة تساوي واحد صحيح، أي متكافئ المرونة.

4- مرونة أكبر من واحد صحيح.

5- مرونة لا نهائية.

وتعتبر الحالة الأولى، والحالة الخامسة، حالتان نادرتان. فالحالة الأولى تمثل طلب عديم المرونة، حيث لا يؤدي أي تغير في الثمن إلى تغير الكمية المطلوبة. والحالة الثانية تمثل الطلب لا نهائي المرونة. وهي نقيض الحالة الأولى، حيث يؤدي أي تغير طفيف في الثمن إلى تغير كبير جداً في الكمية المطلوبة.

وتوجد هنا ملاحظتان:

الأولى- أن التقسيم الواقعي لدرجات المرونة يتغاضى عن هاتين الحالتين النادرتين؛ ذلك أنه يندر أن يتخذ منحنى الطلب على أي سلعة شكل هذين المنحنيين. وعلى ذلك فإن درجات المرونة من وجهة النظر العملية، هي:

1- طلب غير مرن: وهو الذي تكون القيمة العددية لمرونته أقل من الواحد الصحيح.

2- طلب متكافئ المرونة: وهو الذي تكون القيمة العددية لمرونته مساوية للواحد الصحيح.

3- طلب مرن: وهو الذي تكون القيمة العددية لمرونته أكبر من الواحد الصحيح.

ووفقاً لهذا التقسيم تعتبر حالة الطلب عديم المرونة (المرونة = صفر) "حالة خاصة" من حالات الطلب غير المرن. كما تعتبر حالة الطلب كامل المرونة (مرونة = ما لا نهاية) "حالة خاصة" من حالات الطلب المرن.

ثانياً- أن القيمة العددية لمرونة الطلب ذات إشارة سالبة دائماً، باستثناء حالة واحدة هي حالة المرونة = صفر. ذلك أن نسبة التغير في الكمية، ونسبة التغير في الثمن، تختلفان في إشارة كل منهما. فإذا انخفض الثمن بنسبة عشرة في المائة مثلاً، فإن التعبير عن هذا في صورة عددية هو [ - 10% ] ، وإذا زادت الكمية المطلوبة بمقدار خمسين في المائة مثلاً، فإن التعبير عن هذا في صورة عددية هو [ + 50% ] . وبذلك فإن قياس المرونة في هذه الحالة هو [ + 50% ÷ - 10% = - 5 ].

وعلى هذا فإن كلامنا عن:

مرونة أقل من الواحد الصحيح؛

ومرونة تساوي الواحد الصحيح؛

ومرونة أكبر من الواحد الصحيح،

يجب أن تفهم على أنها في الواقع:

مرونة = ( أقل من – 1 )؛

ومرونة = ( تساوي – 1 )؛

ومرونة = ( أكبر من – 1 ).

العوامل المؤثرة في مرونة الطلب:

* تتوقف مرونة الطلب على مجموعة من العوامل، نلخصها فيما يلي:

1- وجود بديل للسلعة، ودرجة كماله: يمكن القول بوجه عام، أنه يوجد بديل لعدد كبير من السلع، فالأرز مثلاً يصلح بديلاً للبطاطس، ووسائل المواصلات العامة تصلح بديلاً لوسائل المواصلات الخاصة، والأقمشة القطنية تصلح بديلاً للمنسوجات الحريرية.

وتتوقف مرونة الطلب على سلعة ما على أمرين متعلقين بهذا البديل:

أ‌- عدد السلع أو الخدمات التي تصلح بديلاً للسلعة أو الخدمة موضع البحث: فكلما زاد عدد السلع التي تصلح بديلاً للسلعة، كلما كان الطلب على السلعة أكثر مرونة. فاللحوم بأنواعها المختلفة، والأسماك بأنواعها المختلفة، والطيور بأنواعها المختلفة، كلها سلع يصلح كل منها بديلاً للآخر. ولذلك فإن الطلب على أي نوع من هذه السلع يعتبر طلباً مرناً، إذا أرتفع ثمن واحدة من هذه السلع (وبقيت الأثمان الأخرى على حالها) قلت الكمية المطلوبة منها بدرجة كبيرة، والعكس إذا انخفض الثمن.

ب‌- درجة كمال البديل: ذلك أنه كلما اقترب البديل من الكمال، كلما ارتفعت مرونة الطلب على السلعة. فأنواع الأسماك المختلفة مثلاً تعتبر بديلاً كاملاً لبعضها البعض، فإذا انخفض ثمن نوع منها زادت الكمية المطلوبة منه زيادة كبيرة، وذلك لإقبال المستهلكين على هذا النوع وانصرافهم عن الأنواع الأخرى. والعكس إذا أرتفع الثمن، أي أن الطلب على هذا النوع يعتبر مرناً.

2- ضرورة السلعة: فالطلب على السلع الضرورية يكون عادة قليل المرونة، فارتفاع ثمن الخبز مثلاً لا يؤدي إلى انخفاض كبير في الكمية المستهلكة منه. وتختلف مرونة الطلب على السلعة الواحدة باختلاف ثمنها، فتقل كلما انخفض الثمن وتزداد كلما أرتفع الثمن. ومن ثم فلا يمكننا القول بأن مرونة الطلب بوجه عام قليلة في حالة السلع الضرورية إذ أن هذه المرونة تختلف من ثمن لآخر، هذا فضلاً عن أن اعتبار السلعة ضرورية أم كمالية يختلف هو الآخر من شخص لآخر، كما يختلف بمضي الوقت نتيجة للتغيرات التي تطرأ على أنماط الاستهلاك.

3- صغر ثمن السلعة: وفي هذه الحالة لا يؤدي ارتفاع ثمن السلعة إلى اضطراب ميزانية المستهلك نظراً لأن نسبة ما ينفقه المستهلك عليها من دخله قليلة، ومن ثم فإن ارتفاع ثمن السلعة لا يؤدي إلى نقص كبير في الكمية المستهلكة منها، أي أن الطلب عليها غير مرن، ومن الأمثلة على ذلك الملح والكبريت.

4- دخل المستهلك: إذا كان دخل المستهلك كبيراً فإن طلبه على مختلف السلع والخدمات يكون قليل التأثر بالتغيرات التي تطرأ على أثمانها، أي قليل المرونة. أما إذا كان دخل المستهلك محدوداً فإن طلبه يتأثر بدرجة ملحوظة نتيجة لتغير ضئيل في أثمان السلع والخدمات، أي يكون الطلب كبير المرونة.

5- تعدد استعمالات السلعة: كلما تعددت استعمالات السلعة كلما ارتفعت مرونة الطلب عليها، والعكس إذا ضاقت أوجه استعمالات السلعة. فإذا كنا بصدد سلعة متخصصة، فإن أي انخفاض في ثمنها لا يؤدي إلى زيادة كبيرة في الطلب عليها، وبالعكس فإن ارتفاع ثمنها لا يؤدي إلى نقص كبير في الطلب عليها. أي أن الطلب عليها يكون غير مرن (مثل النظارات الطبية)، أما إذا تعددت استعمالات السلعة فإن الطلب عليها يتسم بالمرونة (مثل الأخشاب مثلاً).

هذا، والله أعلى وأعلم،،،

أشرف رشوان

المحامي بالنقض

ashraf.rashwan@gmail.com




( * ) تقسم السلع إلى "سلع متنافسة" و "سلع متكاملة"، ويقوم هذا التقسيم على أساس علاقة السلع ببعضها البعض، من حيث إشباع الحاجة الإنسانية إليها. فالسلع تكون متنافسة (أو بديلة) عندما تؤدي الزيادة في استهلاك إحداهما إلى انخفاض في استهلاك الأخرى. والأمثلة على هذا النوع من السلع كثيرة ونلمسها في حياتنا اليومية: فالأقمشة القطنية والأقمشة الحريرية، والأتوبيس والمترو، والشاي والقهوة. كلها سلع متنافسة يمكن إحلال كل منها محل بديلتها لإشباع حاجة إنسانية محددة.أما السلع المتكاملة فهي التي تؤدي زيادة الاستهلاك في إحداها إلى زيادة مقابلة في استهلاك الأخرى، فالسلعتان في هذه الحالة تستهلكان كوحدة واحدة، لأن كل منهما تكون عديمة الفائدة (أو على الأقل تقل فائدتها كثيراً) إذا لم توجد مكملتها. ومثال هذا النوع: القلم والحبر، والشاي والسكر، والكهرباء والأدوات الكهربائية، ووحدتي القفاز اليمنى واليسرى.

إدارة الجودة

إدارة الجودة

مفهوم الجودة:

تعرف الجودة بأنها: "توافر خصائص وصفات في المُنتج (سواء أكان سلعة أو خدمة أو فكرة) تُشبع احتياجات وتوقعات العميل المُعلنة وغير المُعلنة". ويتأتى ذلك بترجمة هذه الاحتياجات والتوقعات إلى "تصميم جيد للمُنتج" مع "جودة تنفيذ هذا التصميم"، و "تقديم المُنتج" (مع الخدمات المُصاحبة، إن تطلب الأمر) بما يتوافق وحاجات وتوقعات العملاء حالياً ومُستقبلاً.

أو بعبارة أخرى يمكن تعريف الجودة بأنها: "مُطابقة المُنتج للمواصفات (Conformance to requirements)، بهدف الوفاء بمُتطلبات السوق". وعليه سيكون العميل راضياً عندما تكون خصائص الخدمة مُطابقة لمُتطلباته، وفي حالة عدم المُطابقة فإن ذلك سينعكس سلباً على مستوى رضائه.

فإذا لم يرض العميل عن الخدمة وصرح بأنها سيئة، فهي حتماً سيئة. أما إذا رضي العميل عن الخدمة وصرح بأنها جيدة، فهي ليست حتماً كذلك، لأنه في بعض الأحيان يكون العميل راضياً عن مستوى الخدمة التي تُقدم له، إلا أن تحقيق هذا المستوى لم يتم من خلال الاستغلال الأمثل للموارد من قِبل إدارة المُنظمة الخدمية.

إذاً فالحكم هنا ليس "للعميل" وإنما "للخبراء"، لتقدير مدى نجاح المُنظمة في تحقيق مُعادلة الجودة وهي = تقديم أفضل المُواصفات بأقل سعر (بالاستغلال الأمثل للموارد المُتاحة).

الفرق بين "الجودة" و "إدارة الجودة الشاملة":

تعبير "الجودة" ينصرف إلى جودة "المُنتج". أما تعبير "إدارة الجودة الشاملة" فينصرف إلى فلسفة إدارية مُعاصرة تستهدف أن يسري هم جودة الأداء في كافة القطاعات والإدارات والأقسام وفرق العمل بالمنظمة بشكل شامل، وأن تكون الجودة مسئولية تضامنية بين كافة المستويات والتخصصات، ويكون التحسين المُستمر هو عماد هذه الفلسفة الإدارية.

فالجودة تنصب على "المُنتج" ذاته، أما إدارة الجودة الشاملة فتنصب على "الإدارة" أو "النظام" الذي بمُقتضاه تم إنتاج هذا "المُنتج".

التطور التاريخي لإدارة الجودة:

الاهتمام بالجودة قديم للغاية، يرجع إلى عصر "مدونة حمورابي" في بلاد الرافدين، ويتخذ معهد "جوران" الأمريكي (المُتخصص في الجودة) لوحة فرعونية قديمة شعاراً له وهي تمثل اثنان من الفراعنة أحدهما يعمل في نحت كتلة من الصخر والآخر يقيس بمقياس في يده دقة العمل. ويحفل الدين الإسلامي بالكثير مما يحض على الجودة مثل قوله تعالى: "وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" (سورة التوبة – الآية 105)، وأيضاً الحديث الشريف: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يُتقنه"، وكذلك قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "قيمة كل امرئ ما يُحسنه".

وفي مُنتصف القرن العشرين بدأت "ثورة الجودة" التي أزكتها حدة المُنافسة بين الأمريكيين واليابانيين. فبينما كان الغرب مُستغرقاً في المُنافسة السعرية كمدخل أساسي للسوق، ركز اليابانيون على "ثورة الجودة" التي اتخذت شعار "الجودة من المنبع" وأسلوب "لا أخطاء – Zero Defects" بدلاً من أسلوب "مستويات السماح" الذي يسمح بقبول نسب من الوحدات المعيبة ضمن حدود سماح مُعينة، حيث تبنى اليابانيون فلسفة منع الأخطاء بدلاً من اكتشافها وذلك بفضل ما طوروه من نظم الإنتاج ومُراقبة الجودة وتصميم برامج تستهدف الأداء السليم من المرة الأولى.

ويرى "جوران" أحد أشهر مُنظري الجودة المُعاصرين، أن القرن العشرين كان قرن الاهتمام بالإنتاجية، بينما سيكون القرن الواحد والعشرين قرن الاهتمام بالجودة.

قد حظيت الحقبة الأخيرة لإدارة الجودة بإسهامات عدد من الكُتاب وأبرزهم: "و. إدوارد ديمنج – Deming" (المُلقب بـ "أبو الجودة" في اليابان)، و "أرماند ف. فيجينباوم – Feigenbaum" (الذي ينسب إليه فضل تطوير مفهوم السيطرة الشاملة على الجودة – Total Quality Control)، و "كارو إيشيكاوا – Ishikawa" (صاحب مفهوم "حلقات الجودة" وتحليل "عظمة السمكة"( 1 ))، و "جوزيف م. جوران – Juran"، و "جينيشي تاجوشيي – Tajuchi"، و "كروسبي – Crosby".

وقد أدى تزايد الاهتمام بجودة السلع والخدمات إلى الحاجة إلى اتفاق عالمي مُشترك على معايير الجودة، فتضافرت ثلاثة تطورات مُعاصرة على تجسيد ظاهرة الاهتمام العالمي بالجودة هي "جائزة ديمنج" و "جائزة مالكولم بالدريج" و "معايير الأيزو 9000".

تأكيد الجودة: (المفهوم – والنطاق – والنظام)

المفهوم: يُقصد بتأكيد الجودة منع مُسببات الخطأ ومُتابعة وتقييم الجودة. وهذا يتضمن:

1- تحديد العناصر الأكثر أهمية في العمليات التي تفرز الناتج المرحلي والنهائي على مستوى المُنظمة.

2- استخدام مُؤشرات قابلة للقياس لمُتابعة هذه العناصر.

3- تقييم العمليات والمُنتج لتحديد فرص تحسين الجودة.

4- صنع القرارات اللازمة لتحسين الجودة أو لحل المُشكلات، وتقييم فاعلية هذه القرارات.

النطاق: ويتناول تأكيد الجودة كافة الأنشطة المُخططة والمُنفذة ضمن نظام الجودة لتهيئة تأكيد كاف بالوفاء بمُتطلبات الجودة. ويتضمن ذلك: تصميم وتنفيذ نظام للجودة يشتمل على سياسات وإجراءات للتأكد من الوفاء بهذه المُتطلبات، ليس فقط على نطاق تصميم المُنتج وتنفيذه في مراحل عملية الإنتاج، بل على نطاق أشمل يضم مُراقبة الجودة على مستوى وظائف المُنظمة ككل وحتى لدى مقاولي الباطن الذين تعهد إليهم المُنظمة ببعض المهام الإنتاجية، وتشمل جهود الجودة أيضاً أداء الموردين وكذا الموزعين الذين يقدمون خدمات ما بعد البيع للعملاء، وتركز أنشطة تأكيد الجودة على منع الانحرافات، بينما تتركز مُراقبة الجودة على كشف الانحرافات بعد حدوثها.

نظام تأكيد الجودة: يتألف نظام تأكيد الجودة من وظيفتين رئيسيتين هما: "مُراقبة الجودة" و "هندسة الجودة":-

أولاً- مُراقبة الجودة: يُشير تعبير "مُراقبة الجودة" إلى تصميم معايير مُخططة (من واقع خصائص تصميم المُنتج) وتنفيذ سلسلة من القياسات المُخططة للتفتيش أو التفقد (Inspection) والفحص أو الاختبار (Testing) والمُقارنة بالمعايير( 2 ).

وذلك للتأكد من التوافق مع المواصفات واتخاذ إجراءات تصحيحية ومانعة للخطأ أو الانحراف. وتهدف مُراقبة الجودة أساساً لتحديد مدى الوفاء بالمعايير المُحددة للجودة ضمن عملية الإنتاج أو الأداء عموماً، ومن ثم تحسين جودة المُخرجات.

ثانياً- هندسة الجودة: وهي تخطيط استراتيجي تجاه تصميم الجودة في المُنتج. تخطيط يبدأ بتحري رغبات وتوقعات العملاء بشأن خصائص المُنتج، مُروراً بترجمة هذه الخصائص إلى تصميم مُعين للمُنتج، ثم تحري أنسب سبل لتصميم عملية الإنتاج ومُباشرتها حتى بلوغ مرحلة التغليف، كما يشمل التخطيط في هذا الصدد التنبؤ بمشكلات الجودة المُمكن وقوعها قبل أو قبيل بدأ عملية الإنتاج وتقوم فلسفة هندسة الجودة على أن: "الجودة لا تفحص في المُنتج، بل يجب أن تُزرع أو تُبنى في تصميمه".

الفرق بين تأكيد الجودة ومُراقبة الجودة:

تأكيد الجودة يُعد أكثر شمولاً من مُراقبة الجودة. إذ يتضمن تأكيد الجودة تخطيط وتشغيل نظم مُصممة للتأكد من أن مُتطلبات الجودة قد تم الوفاء بها. وحيث أن هذه المُتطلبات تنبع من العميل، فإن نطاق تأكيد الجودة يمتد – على خلاف مُراقبة الجودة – لأبعد من عملية الإنتاج، على ما قبلها وما بعدها ليشمل باقي وظائف وأنشطة المُنظمة، بدءاً بالتسويق وتشغيل العيون التسويقية للتعرف على توقعات العملاء، وخصائص المُنتجات المُناسبة، ومُروراً بالموارد البشرية وخصائصها، وعمليات الإنتاج وعمليات الشراء والتخزين، والعمليات المالية ...الخ، وانتهاء بالبيع وخدمة العميل بعده. وبنظرة شاملة، تشمل مجالات تأكيد الجودة كل من: تصميم المُنتج وعملية الإنتاج والشراء، والصنع أو تقديم الخدمة، ومُراقبة الجودة، والتعبئة أو الحزم والتغليف والتوزيع، وخدمة ما بعد البيع، وكذا مجالات وظيفية أخرى مثل الإدارة المالية وإدارة الموارد البشرية، الصيانة والشئون القانونية، ومهام الإدارة العليا.

فمفهوم "مُراقبة الجودة" يركز أساساً على كشف الانحرافات أو الأخطاء بعد حدوثها، بينما يركز مفهوم "تأكيد الجودة" غالباً على سبل منع الانحرافات أو الأخطاء أو المُشكلات، استنادا إلى مبدأ أساسي للجودة مؤداه أن الجودة لا يجب أن تفحص في المنتج، بل يجب أن تبنى فيه، وذلك من خلال تصميم كل من المنتج وعملية الإنتاج وشراء الخامات وممارسة عمليات الصنع، وحتى تقديم المُنتج للعميل.

هيكل الجودة الشاملة:

قسم "جوران" مُتطلبات الإدارة الناجحة للجودة الشاملة إلى ثلاث أنشطة رئيسية أسماها "هيكل الجودة" وهي: "التخطيط" للجودة، و "مُراقبة" الجودة، و "تحسين" الجودة. وتشمل هذه الأنشطة كل ما يجب أن تؤديه المُنظمة من خلال نظام الإنتاج والعمليات لتحديد مفهوم الجودة وخصائصها وبلوغها وتحسينها.

تكلفة انخفاض الجودة:

تقوم فكرة تأكيد الجودة على إنتاج مُنتجات عالية الجودة أساساً، قبل الاعتماد على اكتشاف المُنتجات المعيبة. بمعنى آخر تهيئة سبل منع الأخطاء أو عيوب الجودة وليس اكتشافها بعد حدوثها، لأن تكلفة الجودة المُنخفضة مُتعددة الأبعاد( 3 )، إذ تشمل تكلفة كل من:

1- التلف والعادم.

2- إعادة التشغيل.

3- تأخير التسليم.

4- غرامات التأخير.

5- انخفاض الطلب على منتج أو منتجات المُنظمة.

6- خسارة فرص تصدير لأسواق خارجية.

7- زيادة حجم العينة التي تفحص وتكلفة الفحص.

8- زيادة تكلفة الضمان والإصلاح (لوجود عيوب في المنتج).

9- خفض السعر (لوجود عيوب في المنتج).

10- الاضطرار إلى الموافقة على تأجيل سداد العميل للفواتير.

مخاطر انخفاض الجودة:

يحدث انخفاض الجودة العديد من المخاطر سواء بالنسبة للمُنظمة المُنتجة، أو للعميل المُستهلك.

أ) مخاطر تتحملها المنظمة المُنتجة، كمورد، وأهمها:

1- تدني الصورة الذهنية عن المُنظمة لدى عملائها.

2- خسارة في النصيب السوقي للمنظمة (التي تتعرض للمنافسة بالسوق).

3- شكاوى العملاء ومطالباتهم بتعويضات.

4- المسئولية القانونية إزاء الغير.

5- إهدار موارد مالية وبشرية في محاولات تدارك صور القصور وتصحيح الانحرافات.

ب) مخاطر يتحملها العملاء، وأهمها:

1- أثر سلبي على الصحة.

2- أثر سلبي على الأمن والأمان الشخصي.

3- تكلفة الصيانة والإصلاح.

4- تكلفة الاستغناء عن السلعة أو الخدمة المعيبة.

5- أثر سلبي على جداول وجودة العمليات الإنتاجية ومخرجاتها لدى العميل الذي يمارس نشاطاً إنتاجياً مُعتمداً على ما يتلقاه من الموارد.

Six Sigma كفلسفة لقياس وخفض العيوب:

هي فلسفة وعملية قياس طُوِرَت في الثمانينات في شركة "موتورولا". وجوهرها هو: "كيف تُصمم وتقيس وتحلل وتراقب جانب المُدخلات في عملية الإنتاج". فبدلاً من قياس جودة المُنتج بعد إنتاجه، نسعى لزرع الجودة في عملية صُنع المُنتج. وهي عملية تستخدم نماذج إحصائية مع أدوات مُتخصصة للجودة ومُستويات عالية من التصميم والحزم والمعرفة الفنية خلال تحسين العمليات.

هل ترى أن نسبة 9ر99% كافية أو فاعلة عند الحديث عن جودة الأداء والمُنتجات؟ فعند هذه النسبة، وفي بلد كالولايات المُتحدة الأمريكية، سيُسلم 12 طفلاً إلى غير آبائهم الحقيقيين يومياً، وسيخصم 22000 شيك من حسابات غير تلك التي كان يجب أن تخصم منها كل ساعة، وستفشل طائرتان في الهبوط بسلام يومياً في مطار بعينه. وهذا ما يقبله أي إنسان عاقل. ومن ثم فإن Six Sigma صُممت لخفض الأخطاء لأقل من 4 في كل مليون وحدة مُنتجة. ويُعد هذا تحسيناً جوهرياً، آخذين في الاعتبار أنه من عشرة سنوات مضت فقط كانت الـ Six Sigma هدفاً معيارياً لمُعظم الأمريكيين. وأن Sigma 3 أسفرت عن أكثر من 66000 خطأ في كل مليون.

وقد وفرت كثيراً من الشركات الأمريكية التي طبقت Six Sigma مثل شركة "ألايد سيجنال" 5ر1 بليون دولار من خلال هذا المدخل. كما زادت شركة "جنرال إليكتريك" أرباحها بأكثر من بليون دولار، وبدأت تتجه لأن تطلب من مورديها أن يتبنوا هذا المدخل لتعظيم مزايا برنامج الجودة في كل من الشركتين.

استراتيجيات التنافس:

تتعدد الاستراتيجيات التنافسية بين المُنظمات، فهناك التنافس "بالوقت"، والتنافس "بالتكلفة"، والتنافس "بالتميز"، والتنافس "بالجودة":-

التنافس بالجودة: وتتحقق الجودة عندما تنجح المُنظمة في تصميم وتنفيذ وتقديم خدمة تشبع حاجات وتوقعات العميل المُعلنة وحتى تلك التي لم يُفصح عنها. لذلك يقدح المُبتكرون في العديد من المنظمات المتميزة عقولهم في تخيل ما يمكن أن يحلم أو يفكر به العميل – الذي درسوه جيداً – وما يمكن أن يجعله أكثر رضاً في إفادته من الخدمة، لا سيما وأن الكثير من العملاء لن يُمانعوا في أن يدفعوا أكثر ليتلقوا خدمات أرفع جودة أو أكثر انسجاماً مع توقعاتهم.

التنافس بالتكلفة (Cost Leadership): تلعب التكلفة دوراً هاماً كسلاح تنافسي، وذلك عن طريق ضبط التكاليف وخفضها مع الاحتفاظ بذات مستوى المُنتج المُقدم (السلعة أو الخدمة)، أو عن طريق تقديم المُنتج بذات السعر السائد في السوق ولكن بمواصفات وخصائص أعلى مما هو متوافر لدي المُنافسين الآخرين.

التنافس بالتميز: ويعني تقديم المُنظمة لمُنتج مُتميز، ويُمكن تحقيق هذه الميزة على سبيل المثال في أحد البنوك من خلال تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية في المعاملات البنكية أو إنشاء شبكة فروع تغطي أنحاء البلاد.

التنافس بالوقت: إن عنصر الوقت يلعب دوراُ حاسماً في ميدان التنافس بين المُنظمات لا سيما في حالة تساويها في مجالي الجودة والتكلفة. فالخدمة يجب أن تؤدى بالشكل الصحيح، من المرة الأولى، في الوقت المُحدد (Just In Time - JIT).

ومن المُتوقع أن يكون النجاح من نصيب المُنظمات التي تتضافر فيها استراتيجيات التنافس بالجودة والتكلفة والوقت معاً، لكون ذلك التضافر يرفع من قدرها وقدرتها التنافسية في الأسواق.

جودة الخدمات:

وفي مجال الخدمات، برغم من أنه ليس "للخدمة" كياناً مادياً ملموساً وخصائص مادية كالسلعة، إلا أن هناك خصائص لصيقة بتقديم الخدمة يمكن للعميل ملاحظتها، ومن ثم تكون موضعاً لتقييمه وذلك مثل:

1- إجراءات مرحلية قد تستخدم بها نماذج معينة ضمن دورة مستنديه، و/أو

2- مهارات بشرية فنية في أداء الخدمة.

3- مهارات سلوكية في التعامل، مثل الإنصات والتحدث والإقناع والتأثير.

4- تصميم لجو مادي مُؤثر نفسياً، وهو الجو المُحيط بالخدمة، مثل تصميم المبنى وقاعة التعامل وتجهيزاتها (كالأثاثات، والديكور، والألوان، والتهوية، والإضاءة، والكتيبات أو المجلات، وأحياناً الموسيقى الخفيفة) ليستفيد بها العملاء خلال فترة الانتظار.

5- المستوى المهني الفني لإخراج مطبوعات صادرة عن المُنظمة الخدمية بما يهيئ انطباعاً أو صورة ذهنية مُعينة عن المنظمة الخدمية ومنتجاتها كخدمات.

فيتوقع العميل أن تكون الإجراءات رشيقة، والمهارات البشرية عالية، وجو العمل الذي تؤدى فيه الخدمة مريحاً، والرسائل الإعلامية الصادرة عن منظمة خدمة جذابة وواضحة. وهي عناصر يختلف تقييمها من مستفيد لآخر باختلاف الثقافة والسن والجنس.

تقديم الخدمة:

يتم تقديم الخدمة في إطار من العمليات والإجراءات، والتي قد لا يراها العميل أو لا تكون ملحوظة لديه جزئياً أو كلياً. وقد تستخدم في هذا الإطار نماذج مُعينة (ضمن دورة مُستنديه)، و/أو أدوات خاصة بأداء الخدمة. وذلك مثل تصميم عمليات وإجراءات لتجهيز غرفة عمليات بمُستشفى قبل إجراء عملية جراحية لمريض، أو تصميم لنظام خدمة تقديم ائتمان لعملاء بنك.

ويُمكن من خلال نظام الجودة (في المُنظمة الخدمية) مُراقبة أداء كل من الخدمة، وتقديمها. وتجدر الإشارة إلى أن كثير من الخصائص النوعية التي يُقيمها العملاء بشكل شخصي غير موضوعي، مُرشحة للقياس الكمي من جانب المُنظمة الخدمية. وهذا يصدق في مجالات مثل: تقديم الطعام، أو وقت الاستجابة لطلب العميل (في كافة أنواع الخدمات).

ويُمكن تمييز الخصائص التالية كمُتطلبات كمية يسهُل تحديدها:

1- الطاقة الإنتاجية (عدد العاملين، والمُستلزمات المُستخدمة في أداء الخدمة).

2- وقت انتظار العميل، ووقت إجراء عملية الخدمة، وتسليمها.

هذا إضافة لخصائص نوعية أخرى هي:

1- أسلوب الاستجابة لطلب العميل (Responsiveness).

2- سهولة نيل العميل للخدمة (Accessibility).

3- الود والاحترام والبشاشة والتلطف (Courtesy).

4- الراحة والاعتبارات الجمالية في مكان تقديم الخدمة (Aesthetics).

5- التمكن (Competence).

6- النواحي الفنية في أداء الخدمة (State of the art).

7- المصداقية (Credibility).

8- الاتصال الفعال.

9- الحفاظ على صحة وسلامة وأمن العملاء.

10- شعور العملاء بإمكان الاعتماد على المنظمة الخدمية وخدماتها.

قائمة المراجع:

1- "إدارة الجودة الشاملة والأيزو 9000 – دليل عصري للجودة والتنافسية ، مع ترجمة لنصوص مفاهيم وإرشادات مُنظمة الأيزو" – للدكتور/ أحمد سيد مُصطفى – طبعة 2004 القاهرة – رقم الإيداع بدار الكتب 18760 / 2004.

2- "الجودة الشاملة – الدليل المُتكامل للمفاهيم والأدوات" – للدكتور/ عبد الرحمن توفيق – طبعة 2005 القاهرة – رقم الإيداع بدار الكتب 19341 / 2002.

3- "قياس الجودة والقياس المُقارن – أساليب حديثة في المُعايرة والقياس" – للدكتور/ توفيق محمد عبد المُحسن – طبعة 2005 القاهرة – رقم الإيداع بدار الكتب 4316 / 2003.

أشرف رشوان

المحامي بالنقض

ashraf.rashwan@gmail.com




( 1 ) حيث تُُمثل العظام أو الأشواك مُسببات مُحتملة لمُشكلة مُعينة، فتستخدم لتتبع شكاوى العملاء عن الجودة، وتحديد مصدر أو مصادر الخطأ والقصور.

( 2 ) والفحص أو الاختبار هو نوع خاص من التفتيش أو التفقد الذي يهدف إلى تحديد ما إذا كانت وحدات الناتج ترقى للمواصفات المعيارية من عدمه. فإذا تطلب التفتيش على وحدة ناتج مُعينة أكثر من مُجرد النظر إليها بالعين المُجردة أو بجهاز مُعين أو قياسها، فنحن هنا بصدد عملية فحص أو اختبار أو قل أنها تجربة أكثر من كونها تفتيشاً.

والفحص أساساً يكون بهدف الاختبار الذي قد يكون اختباراً لأداء أو تشغيل وحدة الناتج، وقد تكون عملية الاختبار مُدمرة، أي تنتهي بتدمير الجزء أو وحدة الناتج موضع الاختبار، وذلك مثل سيارة تدفع – في مصنع للسيارات – إلى حائط لفحص مدى ما يحدث من تهشيم، ومثل اختبار قوة شد فتلة عزل بشدها حتى تنقطع، ويكون السؤال هنا: لأي مدى يمكن أن يصمد الجزء أو وحدة الناتج قبل التهشم أو التهرؤ أو الانقطاع؟ وقد يكون الفحص من خلال تحليل كيميائي لعينة من المُنتج، وهذا يُتلِف وحدة الناتج موضع الفحص أيضاً، ومع ذلك فليست كل الاختبارات مُتلفة، فمثلاً أشعة "أكس" تفحص دون إتلاف أو تدمير، وكذلك اختبارات الأداء، مثل اختبار لأداء سيارة عن طريق قيادتها فهذا لا يُتلفها ولا يدمرها.

( 3 ) قانون العلامة العشرية.