السبت، 4 يوليو 2009

الطلب الاقتصادي

الطلب الاقتصادي

تمهيد:

وراء "عرض" كل سلعة تكمن فكرة الندرة. ووراء "الطلب" على السلعة تمكن فكرة الحاجة.

وبذلك، فإن "ندرة" السلعة، و "الحاجة" إليها، كلاهما يجب توافره حتى يكون للسلعة "ثمن".

فشدة الحاجة إلى شيء (عظيم المنفعة) لا تكفي وحدها لكي يكون له "ثمن"، ما لم تتحقق صفة "الندرة" لهذا الشيء. فالهواء مثلاً عظيم المنفعة والحاجة إليه شديدة، ولكن الكميات المتوفرة منه تزيد عن حاجة كل الناس. أي تنتفي بشأنه صفة "الندرة"، ولهذا يعتبر مالاً مباحاً، ومن ثم فليس له "ثمن".. كذلك، إذا انتفت الحاجة إلى شيء ما لا يمكن أن يكون له ثمن. بصرف النظر عن درجة ندرته. فاللحوم مثلاً – رغم ندرة الكمية الموجودة منها – لا يمكن أن يكون لها ثمن في مجتمع من النباتيين. حيث لا تقوم الحاجة إليها أصلاً في مثل هذا المجتمع. (وكذلك الحال بالنسبة للحم الخنزير في مجتمع إسلامي).

"الحاجة" إذن إلى السلعة (مترجمة في الطلب عليها)، و "ندرة" هذه السلعة (مترجمة في عرضها)، يتفاعلان سوياً ويؤديان معاً إلى تكوين (الثمن)، في (السوق).

أولاً- الطلب

تعريف الطلب:

* يُعرف طلب السوق على سلعة ما بأنه: "الكمية التي يكون المستهلكون مُستعدين وقادرين على شرائها عند الأثمان المحتملة لها في فترة زمنية معينة، مع افتراض بقاء الأشياء الأخرى على حالها – other things are the same ".

ويُلاحظ في هذا التعريف للطلب ما يأتي:

1- أنه يقرن القدرة بالرغبة (مستعدون وقادرون على شرائها)، حيث أن "الرغبة" بمفردها لا تأثير لها على حجم المشتريات في السوق، ما لم تكن مصحوبة بـ "القدرة" أي مزودة بالقوة الشرائية – purchasing power .

2- أن الكميات المختلفة للطلب، ترتبط كل منها بثمن معين وزمن معين. فلا يكفي أن نقول مثلاً أن المستهلكين يطلبون ألف وحدة من سلعة ما عندما يكون سعر الوحدة عشرة قروش، بل يجب أن نعلم الفترة الزمنية التي يطلب فيها المستهلكون هذه الكمية عند هذا الثمن (أسبوع – أو شهر – أو سنة مثلاً).

3- أنه يفترض أن الكميات المطلوبة لا تتأثر إلا بالأثمان المحتملة للسلعة نفسها، ولا تتأثر بغير ذلك من المتغيرات الأخرى. ذلك أن هناك عدة عوامل (بالإضافة إلى ثمن السلعة) تؤثر في هذه الكميات، غير أننا في دراسة الطلب نجرد هذه العوامل (أو نثبتها بمعنى أدق) حتى يمكننا التركيز على العلاقة بين ثمن السلعة موضع البحث والكمية المطلوبة منها. هذا التثبيت هو المقصود بافتراض بقاء الأشياء الأخرى على حالها.

4- مع ملاحظة أن المستهلك يستمر في طلب السلعة إذا كانت المنفعة التي يحصل عليها أكبر من السعر المحدد لها، وذلك حتى تتعادل المنفعة الحدية مع السعر السائد في السوق، وعلى ذلك فإن المستهلك يقوم بالتوفيق بين دخله وذوقه من جهة وبين السعر السائد في السوق من جهة أخرى عن طريق تحديد الكمية التي يشتريها.

قانون الطلب:

* رأينا أن تعريف الطلب على هذا النحو، يركز على علاقة معينة بين الثمن والكمية المطلوبة. وهي العلاقة التي يؤثر فيها الثمن في الكمية المطلوبة، وليس العكس. أي أن الثمن هو "المتغير المستقل"، والكمية المطلوبة هي "المتغير التابع".

وهذه العلاقة بين الثمن "كمتغير مستقل"، والكمية المطلوبة "كمتغير تابع" علاقة "عكسية". فإذا أرتفع ثمن السلعة انخفضت الكمية المطلوبة. والعكس صحيح: إذا انخفض ثمن السلعة ارتفعت الكمية المطلوبة منها. هذه العلاقة العكسية هي ما يعرف بـ " قانون الطلب – law of demand ".

فقانون الطلب ينص على أنه: "تتمدد الكمية المطلوبة من سلعة معينة عندما ينخفض ثمنها، وتنكمش عندما يرتفع ثمنها، وذلك بفرض بقاء العوامل الأخرى ثابتة".

تفسير قانون الطلب: (المذكرة التفسيرية للقانون)؟!!

س : لماذا توجد هذه العلاقة العكسية بالنسبة لطلب كل مستهلك؟

ج : إن تغير ثمن السلعة يؤدي إلى تغير الكمية التي يطلبها المستهلك، وذلك لسببين:

1- إنه إذا أرتفع ثمن السلعة، فإن ذلك يعني أن المستهلك، إذا أراد أن يشتري نفس الكمية التي كان يشتريها عند الثمن المنخفض، فإن عليه أن ينفق على شراء السلعة مبلغاً أكبر مما كان ينفقه قبل ارتفاع الثمن، وبالتالي فإن المُتبقي له من دخله بعد الإنفاق على السلعة (الآن) سيكون أقل مما كان يتبقى له عندما كان الثمن منخفضاً، أي أن المستهلك سيشعر الآن أنه "أفقر" من ذي قبل. ولهذا، وللتخفيف من هذا التأثير على دخله، فإنه يعمد إلى الإقلال من الكمية التي يطلبها من السلعة التي أرتفع ثمنها. ويحدث العكس في حالة انخفاض الثمن، مع بقاء دخل المستهلك النقدي ثابتاً، فإن ذلك يعني ارتفاع الدخل الحقيقي لهذا المستهلك، ومن ثم زيادة مقدرته الشرائية، وينجم عن ذلك زيادة الكميات التي يشتريها من السلعة التي انخفض ثمنها. ويُطلق على هذا الأثر: " أثر الدخل income effect ".

2- وأنه إذا أرتفع ثمن السلعة، فإن المستهلك يعمد إلى أن يحل محلها – جزئياً – في الاستهلاك سلعاً أخرى تشبع لديه نفس الحاجة ولو بقدر أقل. ومعنى ذلك أن ينقص المستهلك من طلبه على السلعة التي أرتفع ثمنها، ويزيد من طلبه على السلع الأخرى التي لم يرتفع ثمنها. وإذا انخفض ثمن سلعة معينة فإن المستهلك يزيد من مشترياته منها، إذ يقوم بإحلال وحدات هذه السلعة التي انخفض ثمنها محل بعض أو كل وحدات سلعة أخرى لم ينخفض ثمنها، فإذا انخفض ثمن الشاي مثلاً فإن المستهلك يقوم بإحلال الشاي محل البن (الذي لم ينخفض ثمنه)، ومن ثم يزيد مشترياته من الشاي. ويُطلق على هذا الأثر: " أثر الإحلال substitution effect ".

جدول الطلب:

* ويبين جدول الطلب ( demand schedule ) الكميات التي يطلبها المستهلكون من سلعة معينة في وحدة الزمن عند أي سعر معين، وذلك بفرض ثبات العوامل الأخرى (غير السعر) التي تؤثر في الطلب (مثل دخل المستهلك، وتقديره الشخصي للسلعة)، وعلى ذلك فجدول الطلب يفيدنا في معرفة الكميات المطلوبة من السلعة عند سعر معين، ومعرفة أثر تغير سعر السلعة على الكميات المطلوبة منها.

ويمكن أن يكون جدول الطلب خاصاً بمستهلك واحد، كما يمكن أن يكون خاصاً بجميع المستهلكين في سوق معينة.

ويبين الجدول التالي العلاقة بين ثمن سلعة معينة، ولتكن "س" مثلاً، وبين الكميات المطلوبة منها في أحد الأسواق شهرياً..

ويوضح هذا الجدول طلب أحد المستهلكين الشهري على السلعة "س"، فإذا كان ثمن الكيلو جرام من "س" عشرة قروش، فإن المستهلك يشتري 58 كيلو جراماً في الشهر، أما إذا كان الثمن مرتفعاً عن ذلك، وليكن عشرون قرشاً، فإن المستهلك ينقص من مشترياته بحيث تصبح 41 كيلو جراماً في الشهر. وهكذا يستمر المستهلك في إنقاص مشترياته بزيادة الثمن إلى أن تصبح مشترياته 19 كيلو جراماً في الشهر عندما يكون الثمن خمسون قرشاً.

ويتضح إذن من الجدول أن الثمن يؤثر على الكمية المطلوبة تأثيراً عكسياً، فإذا انخفض الثمن زادت الكمية المطلوبة، والعكس إذا ارتفع الثمن.

مُنحنى الطلب:

* يمكن عرض الأثمان المختلفة للسلعة "س" وما يناظرها من الكميات المطلوبة منها في شكل بياني، فإذا قسنا الأثمان على المحور الرأسي والكميات المطلوبة على المحور الأفقي، ثم رصدنا على الرسم النقط التي تعبر عن الكميات المطلوبة عند مختلف الأسعار، فعند توصيل هذه النقط بعضها ببعض نحصل على منحنى الطلب.

ومن الرسم يتضح أن منحنى الطلب ينحدر إلى أسفل من اليسار إلى اليمين، دالاً بذلك على أن العلاقة بين الثمن والطلب علاقة عكسية، فكلما انخفض الثمن تمدد الطلب، وكلما أرتفع الثمن أنكمش الطلب.

منحنيات شاذة:

* ويلاحظ أن معظم منحنيات الطلب تماثل الشكل السابق، أي أنها تنحدر إلى أسفل من اليسار إلى اليمين، إلا أننا نجد بعض منحنيات الطلب الشاذة التي تتجه في جزء منها إلى أعلى دالة بذلك على تمدد الكميات المطلوبة كلما أرتفع سعر السلعة. ومن أهم منحنيات الطلب الشاذة:

1- حالات طلب الفقراء على بعض الضروريات الأساسية كالخبز مثلاً، فالخبز يستنفذ جزءاً كبيراً من دخل الطبقات الفقيرة، وارتفاع سعره يؤدي إلى انخفاض الدخل لهذه الطبقات، ولكي يشبع المستهلك حاجته إلى الغذاء فإنه يزيد من استهلاك الخبز الذي يظل سعره منخفضاً نسبياً (رغم ارتفاعه) إذا ما قارنه المستهلك بأسعار السلع الغذائية الأخرى.

2- كذلك من الأمثلة الهامة على حالات الطلب الشاذة، هي حالات طلب الأغنياء على بعض سلع الترف، فمن الواضح أن ارتفاع أسعار هذه السلع، وبالتالي إشباع غريزة حب الظهور هو السبب الرئيسي في إقبال الأغنياء على شرائها، فإذا انخفضت أسعار هذه السلع، كما إذا انخفضت أسعار بعض أنواع "السيجار" مثلاً، زالت عنها هذه الصفة وبالتالي أنكمش طلبهم عليها، أما إذا ارتفعت أسعارها فإن طلبهم عليها يتوسع.

الطلب الفردي والطلب الكلي:

* كما ذكرنا آنفاً، فإن جدول الطلب يمكن أن يكون خاصاً بمستهلك واحد (جدول الطلب الفردي)، كما يمكن أن يكون خاصاً بجميع المستهلكين (جدول الطلب الكلي).

فالطلب الكلي، على السلعة "س" مثلاً، هو: "مجموع ما يطلبه المستهلكون من هذه السلعة عند ثمن معين في وقت معين".

وكما قمنا برسم منحنى الطلب الفردي (منحنى طلب أحد المستهلكين) على السلعة "س"، يمكننا أيضاً رسم منحنى الطلب الكلي (لجميع المستهلكين) على هذه السلعة. ويتخذ منحنى الطلب الكلي نفس شكل منحنى الطلب الفردي، وإن كان منحنى الطلب الكلي أكثر تأثراً بتغيرات الأثمان من منحنى الطلب الفردي، ويرجع السبب في ذلك إلى أن: 1) تغير الطلب الكلي يكون نتيجة لتغير الطلب الفردي، من جهة؛ 2) وتغير عدد المستهلكين، من جهة أخرى.

تغير "الطلب"، وتغير "حالة الطلب":

* يستخدم الاقتصاديون تعبير "تغير الطلب" للدلالة على التغير في الكميات المطلوبة نتيجة لتغير الثمن، فإذا كان هذا التغير بالزيادة نتيجة لانخفاض الثمن أطلق عليه "تمدد (أو توسع) الطلب"، أما إذا كان هذا التغير بالنقص نتيجة لارتفاع الثمن أطلق عليه "انكماش الطلب". (وهو يعني: الانتقال من نقطة إلى أخرى على ذات منحنى الطلب).

أما التغيرات التي تطرأ على الكميات المطلوبة نتيجة لعوامل أخرى غير الثمن، أي عند نفس الثمن، فيطلق عليها "تغير حالة الطلب"، فإذا كان هذا التغير بالزيادة أطلق عليه "زيادة الطلب"، أما إذا كان هذا التغير بالنقص أطلق عليه "نقص الطلب". (وهو يعني: تحرك منحنى الطلب كله عن موضعه).

العوامل المؤثرة في "حالة الطلب":

* ذكرنا في أولى ملاحظاتنا على تعريف الطلب "بقاء الأشياء الأخرى على حالها".

أ) فما هي "الأشياء الأخرى" التي افترضنا (في تعريفنا للطلب) بقاءها على حالها؟

ب) وهل هي في الحقيقة باقية على حالها؟

أ ) ما هي الأشياء الأخرى، المفترض بقائها على حالها؟

أما الأشياء الأخرى التي يُفترض بقاؤها على حالها، فهي مجموعة من العوامل التي تؤثر، بالإضافة إلى ثمن السلعة، على الكمية التي تطلب منها. وتتلخص هذه العوامل في أربعة:

1- عدد المُستهلكين.

2- دخول هؤلاء المُستهلكين.

3- ذوق المُستهلكين (بالنسبة للسلعة).

4- أثمان السلع الأخرى.

ونتناول كل عامل من هذه العوامل الأربعة بشيء من التفصيل على النحو التالي:

1- تغير عدد المُستهلكين:

* فأما عدد المُستهلكين، وأثره على الكمية المطلوبة من أي سلعة، فأمر بديهي. فلا شك أنه إذا زاد عدد المُستهلكين، زادت الكمية المطلوبة من السلعة عند كل ثمن؛ وإذا انخفض عدد المستهلكين انخفضت الكمية المطلوبة من السلعة عند كل ثمن.

وافتراضنا أن عدد المستهلكين ثابت في تعريفنا لجدول الطلب، يمكننا من أن نقطع بأن التغير في الكمية المطلوبة (في جدول الطلب)، من ثمن إلى آخر، لا يرجع إلى تغير عدد المُستهلكين.

2- دخول هؤلاء المُستهلكين – تغير الدخل:

* وأما عن دخول هؤلاء المُستهلكين، وأثرها على الكمية المطلوبة من أي سلعة، فلا شك أنه إذا ارتفعت دخول المستهلكين زادت قدرتهم على شراء السلعة، وبالتالي تزيد الكمية المطلوبة منها عند كل ثمن. وإذا انخفضت دخول المستهلكين قلت قدرتهم على شراء السلعة، وبالتالي تنخفض الكمية المطلوبة عند كل ثمن.

( إعادة توزيع الثروات: إذ يترتب على إعادة توزيع الثروات عادة زيادة دخول الفقراء وانخفاض دخول الأغنياء، فيزداد طلب الطبقات الفقيرة على السلع الضرورية، وينقص طلب الطبقة الغنية على الكماليات ).

وافتراضنا أن دخول المستهلكين ثابتة في تعريفنا لجدول الطلب، يمكننا من القول بيقين أن التغير في الكمية المطلوبة من ثمن لآخر لا يرجع إلى التغير في دخول المستهلكين.

3- ذوق المُستهلكين (بالنسبة للسلعة) – تغير ميول المُستهلكين:

* وأما عن ذوق المُستهلكين بالنسبة للسلعة، فأثره على الكمية المطلوبة منها من السهل بيانه، ذلك أن الكمية المطلوبة من أي سلعة تتوقف على مدى ميل المُستهلكين إليها. فإذا حدث تغير في الذوق أدى إلى زيادة الإقبال على السلعة، فإن الكمية المطلوبة منها عند كل ثمن تزداد. أما إذا حدث تغير في الذوق أدى إلى الانصراف عن السلعة، فإن الكمية المطلوبة منها عند كل ثمن تنخفض.

وافتراضنا أن أذواق المستهلكين ثابتة في تعريفنا لجدول الطلب يمكننا من القول بالتأكيد أن التغير في الكمية المطلوبة في جدول الطلب لا يرجع إلى التغير في ذوق المستهلكين.

ويُلاحظ أن العوامل التي تحدد تفضيلات المستهلك لمختلف السلع والخدمات لا تدخل ضمن نطاق التحليل الاقتصادي.

4- أثمان السلع الأخرى – تغير أثمان السلع البديلة والمتكاملة:( * )

* هناك سلعاً تشبع عند الفرد نفس الحاجة (ولو بدرجات متفاوتة- أي سلع بديلة). ولا شك أن التغير في ثمن واحدة من هذه السلع يؤثر على الكمية المطلوبة من السلعة الأخرى. فالقهوة والشاي مثلاً بينهما هذه العلاقة، وارتفاع ثمن القهوة يؤدي إلى انصراف البعض عنها (أو إنقاص البعض من استهلاكهم لها) والإقبال على استهلاك الشاي. والعكس إذ انخفض ثمن القهوة.

أما إذا كانت السلعتان ذات طلب متصل (أي متكاملتين)، مثل الشاي والسكر، فإن ارتفاع ثمن أحدهما يؤدي إلى نقص الطلب عليها وكذلك على السلعة الأخرى.

لهذا فإن افترضنا ثبات أسعار السلع الأخرى في تعريفنا لجدول الطلب على سلعة ما يمكننا من استنتاج أن التغير في الكمية المطلوبة في جدول الطلب لا يرجع إلى التغير في أثمان السلع الأخرى.

ب ) تلك الأشياء الأخرى، هل هي في الحقيقة باقية على حالها؟

* فيما سبق ذكرنا مضمون افتراض ثبات "الظروف الأخرى" عند تعريفنا للطلب. ذلك أن الانتقال من وضع إلى آخر في جدول الطلب (أي من نقطة إلى أخرى على منحنى الطلب) يعني تغيراً في الكمية المطلوبة. هذا التغير في الكمية لا يرجع إلى تغير في عدد المستهلكين، ولا إلى تغير في دخولهم، ولا إلى تغير في أذواقهم، كما لا يرجع إلى تغير في أثمان السلع الأخرى. وعندما نتحدث عن تعريف الطلب على سلعة ما، فإن التغير في الكمية المطلوبة منها يرجع إلى التغير في ثمن هذه السلعة دون غيره من العوامل، أي بافتراض ثبات الظروف الأخرى وبقائها على حالها.

ولكن هل تبقى "الظروف الأخرى" على حالها دائماً؟ وما هي النتيجة التي تترتب على تغير هذه الظروف؟

الواقع أن افتراض ثباتها يقتصر على جدول معين للطلب على السلعة. ولكن ليس معنى ذلك أنها لن تتغير، كل ما هنالك أنه إذا تغيرت كل (أو بعض) هذه الظروف، فإن حديثنا لا ينصرف إلى نفس الجدول (نفس المنحنى) الذي كان قائماً قبل أن تتغير هذه الظروف، وإنما جدول آخر (منحنى آخر) يصور أيضاً العلاقة بين الكمية المطلوبة من السلعة، والأثمان المختلفة لها، ولكن على أساس جديد من عدد المستهلكين، أو دخولهم، أو أذواقهم، أو أثمان السلع الأخرى، بعد التغير الذي حدث في هذه الظروف الأخرى. أي أنه إذا تغيرت "الظروف الأخرى" فإننا نكون بصدد جدول جديد لـ "حالة الطلب" (منحنى جديد لـ "حالة الطلب").

وفيما يلي نعطي مثالاً يبين الكميات المطلوبة من سلعة ما عند أسعار معينة، والكميات المطلوبة من هذه السلعة عند زيادة الدخل (مثلاً) على الرغم من ثبات الأسعار، ثم الكميات المطلوبة منها عند نقص الدخل رغم ثبات الأسعار..

ويتضح من الجدول أن الكميات المطلوبة من السلعة زادت بزيادة الدخل عند نفس الأسعار. كذلك يبين العمود الأخير نقص الكميات المطلوبة من السلعة نتيجة لنقص الدخل.

الخلاصة:

* يمكن تلخيص ما تقدم فيما يلي:

1- إن "التغير في الكمية المطلوبة" يتمثل في تحرك داخل جدول معين (أو تحرك على منحنى معين) للطلب؛ بينما "التغير في حالة الطلب" يتمثل في جدول جديد للطلب (أو انتقال منحنى الطلب بأكمله إلى وضع جديد).

2- أن "التغير في الكمية المطلوبة" من السلعة يرجع إلى التغير في ثمنها دون غيره من العوامل الأخرى؛ أما التغير في "حالة الطلب" فيرجع إلى تغير في واحد أو أكثر من العوامل الأربعة الأخرى سالفة الذكر.

3- أن هذه الظروف الأخرى يفترض أنها باقية على حالها طالما كان الحديث عن جدول معين (منحنى معين) للطلب.

مرونة الطلب:

* المقصود بالمرونة ( elasticity ) هنا هو درجة استجابة الكمية المطلوبة من السلعة للتغير في ثمنها في السوق أو للتغير في الدخل.

وتستخدم "مرونة الطلب السعرية" كأداة لقياس مدى تأثر الكميات المطلوبة بارتفاع الأسعار أو انخفاضها.

كما تستخدم "مرونة الطلب الدخلية" كأداة لقياس مدى تأثر الكميات المطلوبة بارتفاع الدخول أو انخفاضها.

مرونة الطلب السعرية:

* تعبر مرونة الطلب السعرية عن مدى تأثر الكميات المطلوبة بالتغيرات التي تطرأ على الأسعار، فعند ارتفاع السعر تنكمش الكميات المطلوبة من السلعة، وعند انخفاض السعر تتمدد الكميات المطلوبة. إلا أنه يراعى أن مدى هذا الانكماش أو هذا التمدد يختلف باختلاف المستهلكين كما يختلف باختلاف السلعة المستهلكة.

قياس مرونة الطلب السعرية:

* ولقياس درجة المرونة، أي درجة استجابة الكمية المطلوبة من السلعة للتغير في ثمنها في السوق، نستعين بالتغيرات النسبية في الأثمان والكميات، وليس بالمتغيرات المُطلقة.

ولهذا نلجأ (في قياسنا لمرونة الطلب على السلعة) إلى بحث العلاقة بين "التغير النسبي" في الكمية المطلوبة، و "التغير النسبي" في الثمن، وعلى وجه التحديد:

(التغير في الكمية ÷ الكمية) مقسوماً على (التغير في الثمن ÷ الثمن).

أو بعبارة أخرى:

(نسبة التغير في الكمية ÷ نسبة التغير في الثمن).

مثال:

فإذا كان المطلوب من سلعة ما هو (80) وحدة، عندما يكون الثمن (10) قروش. ثم ازدادت الكمية المطلوبة إلى (100) وحدة، عندما انخفض الثمن إلى (9) قروش.

مع ملاحظة أن فرق الزيادة [+] في وحدات السلع هو "20". وأن فرق الانخفاض [-] في الثمن هو "1".

فإن مرونة الطلب على السلعة = (20 ÷ 80) مقسوماً على (1 ÷ 10).

أي:

(+ 25% ÷ - 10%) = - 5ر2

بمعنى أن درجة المرونة (في هذه الحالة) تساوي سالب اثنان ونصف.

درجات المرونة:

* يقسم الاقتصاديون نظرياً درجات المرونة إلى خمس حالات:

1- مرونة تساوي صفر، أي عديم المرونة.

2- مرونة من صفر إلى واحد صحيح.

3- مرونة تساوي واحد صحيح، أي متكافئ المرونة.

4- مرونة أكبر من واحد صحيح.

5- مرونة لا نهائية.

وتعتبر الحالة الأولى، والحالة الخامسة، حالتان نادرتان. فالحالة الأولى تمثل طلب عديم المرونة، حيث لا يؤدي أي تغير في الثمن إلى تغير الكمية المطلوبة. والحالة الثانية تمثل الطلب لا نهائي المرونة. وهي نقيض الحالة الأولى، حيث يؤدي أي تغير طفيف في الثمن إلى تغير كبير جداً في الكمية المطلوبة.

وتوجد هنا ملاحظتان:

الأولى- أن التقسيم الواقعي لدرجات المرونة يتغاضى عن هاتين الحالتين النادرتين؛ ذلك أنه يندر أن يتخذ منحنى الطلب على أي سلعة شكل هذين المنحنيين. وعلى ذلك فإن درجات المرونة من وجهة النظر العملية، هي:

1- طلب غير مرن: وهو الذي تكون القيمة العددية لمرونته أقل من الواحد الصحيح.

2- طلب متكافئ المرونة: وهو الذي تكون القيمة العددية لمرونته مساوية للواحد الصحيح.

3- طلب مرن: وهو الذي تكون القيمة العددية لمرونته أكبر من الواحد الصحيح.

ووفقاً لهذا التقسيم تعتبر حالة الطلب عديم المرونة (المرونة = صفر) "حالة خاصة" من حالات الطلب غير المرن. كما تعتبر حالة الطلب كامل المرونة (مرونة = ما لا نهاية) "حالة خاصة" من حالات الطلب المرن.

ثانياً- أن القيمة العددية لمرونة الطلب ذات إشارة سالبة دائماً، باستثناء حالة واحدة هي حالة المرونة = صفر. ذلك أن نسبة التغير في الكمية، ونسبة التغير في الثمن، تختلفان في إشارة كل منهما. فإذا انخفض الثمن بنسبة عشرة في المائة مثلاً، فإن التعبير عن هذا في صورة عددية هو [ - 10% ] ، وإذا زادت الكمية المطلوبة بمقدار خمسين في المائة مثلاً، فإن التعبير عن هذا في صورة عددية هو [ + 50% ] . وبذلك فإن قياس المرونة في هذه الحالة هو [ + 50% ÷ - 10% = - 5 ].

وعلى هذا فإن كلامنا عن:

مرونة أقل من الواحد الصحيح؛

ومرونة تساوي الواحد الصحيح؛

ومرونة أكبر من الواحد الصحيح،

يجب أن تفهم على أنها في الواقع:

مرونة = ( أقل من – 1 )؛

ومرونة = ( تساوي – 1 )؛

ومرونة = ( أكبر من – 1 ).

العوامل المؤثرة في مرونة الطلب:

* تتوقف مرونة الطلب على مجموعة من العوامل، نلخصها فيما يلي:

1- وجود بديل للسلعة، ودرجة كماله: يمكن القول بوجه عام، أنه يوجد بديل لعدد كبير من السلع، فالأرز مثلاً يصلح بديلاً للبطاطس، ووسائل المواصلات العامة تصلح بديلاً لوسائل المواصلات الخاصة، والأقمشة القطنية تصلح بديلاً للمنسوجات الحريرية.

وتتوقف مرونة الطلب على سلعة ما على أمرين متعلقين بهذا البديل:

أ‌- عدد السلع أو الخدمات التي تصلح بديلاً للسلعة أو الخدمة موضع البحث: فكلما زاد عدد السلع التي تصلح بديلاً للسلعة، كلما كان الطلب على السلعة أكثر مرونة. فاللحوم بأنواعها المختلفة، والأسماك بأنواعها المختلفة، والطيور بأنواعها المختلفة، كلها سلع يصلح كل منها بديلاً للآخر. ولذلك فإن الطلب على أي نوع من هذه السلع يعتبر طلباً مرناً، إذا أرتفع ثمن واحدة من هذه السلع (وبقيت الأثمان الأخرى على حالها) قلت الكمية المطلوبة منها بدرجة كبيرة، والعكس إذا انخفض الثمن.

ب‌- درجة كمال البديل: ذلك أنه كلما اقترب البديل من الكمال، كلما ارتفعت مرونة الطلب على السلعة. فأنواع الأسماك المختلفة مثلاً تعتبر بديلاً كاملاً لبعضها البعض، فإذا انخفض ثمن نوع منها زادت الكمية المطلوبة منه زيادة كبيرة، وذلك لإقبال المستهلكين على هذا النوع وانصرافهم عن الأنواع الأخرى. والعكس إذا أرتفع الثمن، أي أن الطلب على هذا النوع يعتبر مرناً.

2- ضرورة السلعة: فالطلب على السلع الضرورية يكون عادة قليل المرونة، فارتفاع ثمن الخبز مثلاً لا يؤدي إلى انخفاض كبير في الكمية المستهلكة منه. وتختلف مرونة الطلب على السلعة الواحدة باختلاف ثمنها، فتقل كلما انخفض الثمن وتزداد كلما أرتفع الثمن. ومن ثم فلا يمكننا القول بأن مرونة الطلب بوجه عام قليلة في حالة السلع الضرورية إذ أن هذه المرونة تختلف من ثمن لآخر، هذا فضلاً عن أن اعتبار السلعة ضرورية أم كمالية يختلف هو الآخر من شخص لآخر، كما يختلف بمضي الوقت نتيجة للتغيرات التي تطرأ على أنماط الاستهلاك.

3- صغر ثمن السلعة: وفي هذه الحالة لا يؤدي ارتفاع ثمن السلعة إلى اضطراب ميزانية المستهلك نظراً لأن نسبة ما ينفقه المستهلك عليها من دخله قليلة، ومن ثم فإن ارتفاع ثمن السلعة لا يؤدي إلى نقص كبير في الكمية المستهلكة منها، أي أن الطلب عليها غير مرن، ومن الأمثلة على ذلك الملح والكبريت.

4- دخل المستهلك: إذا كان دخل المستهلك كبيراً فإن طلبه على مختلف السلع والخدمات يكون قليل التأثر بالتغيرات التي تطرأ على أثمانها، أي قليل المرونة. أما إذا كان دخل المستهلك محدوداً فإن طلبه يتأثر بدرجة ملحوظة نتيجة لتغير ضئيل في أثمان السلع والخدمات، أي يكون الطلب كبير المرونة.

5- تعدد استعمالات السلعة: كلما تعددت استعمالات السلعة كلما ارتفعت مرونة الطلب عليها، والعكس إذا ضاقت أوجه استعمالات السلعة. فإذا كنا بصدد سلعة متخصصة، فإن أي انخفاض في ثمنها لا يؤدي إلى زيادة كبيرة في الطلب عليها، وبالعكس فإن ارتفاع ثمنها لا يؤدي إلى نقص كبير في الطلب عليها. أي أن الطلب عليها يكون غير مرن (مثل النظارات الطبية)، أما إذا تعددت استعمالات السلعة فإن الطلب عليها يتسم بالمرونة (مثل الأخشاب مثلاً).

هذا، والله أعلى وأعلم،،،

أشرف رشوان

المحامي بالنقض

ashraf.rashwan@gmail.com




( * ) تقسم السلع إلى "سلع متنافسة" و "سلع متكاملة"، ويقوم هذا التقسيم على أساس علاقة السلع ببعضها البعض، من حيث إشباع الحاجة الإنسانية إليها. فالسلع تكون متنافسة (أو بديلة) عندما تؤدي الزيادة في استهلاك إحداهما إلى انخفاض في استهلاك الأخرى. والأمثلة على هذا النوع من السلع كثيرة ونلمسها في حياتنا اليومية: فالأقمشة القطنية والأقمشة الحريرية، والأتوبيس والمترو، والشاي والقهوة. كلها سلع متنافسة يمكن إحلال كل منها محل بديلتها لإشباع حاجة إنسانية محددة.أما السلع المتكاملة فهي التي تؤدي زيادة الاستهلاك في إحداها إلى زيادة مقابلة في استهلاك الأخرى، فالسلعتان في هذه الحالة تستهلكان كوحدة واحدة، لأن كل منهما تكون عديمة الفائدة (أو على الأقل تقل فائدتها كثيراً) إذا لم توجد مكملتها. ومثال هذا النوع: القلم والحبر، والشاي والسكر، والكهرباء والأدوات الكهربائية، ووحدتي القفاز اليمنى واليسرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق