الأحد، 1 يوليو 2012

الخطأ الشخصي و الخطأ المرفقي أو الخطأ المصلحي - التمييز بينهما - حالات وشروط كل منهما - أحكامهما - في مصر والكويت

الخطأ الشخصي و الخطأ المرفقي أو الخطأ المصلحي - التمييز بينهما - حالات وشروط كل منهما - أحكامهما - في مصر والكويت


محكمة شمال القاهرة الابتدائية

الدائرة ( 26 ) تعويضات كُلي


مُذكرة


بدفاع السيد/ توكل أحمد المغربي                           (مُدعى عليه)


ضـــــــد


السادة شركة/ ترسانة الإسكندرية                          (مُدعية)



في الدعوى رقم 578 لسنة 2001 تعويضات كُلي شمال القاهرة،

والمُحدد لنظرها جلسة يوم الخميس الموافق 2/8/******م للمُرافعة.

أولاً- الوقائع

         تخلُص وقائع الدعوى الماثلة في أن الشركة المُدعية قد عقدت الخصومة فيها، بموجب صحيفة، أُودِعَت قلم كُتاب المحكمة، طلبت في ختامها الحكم لها بـ: "بإلزام المُدعى عليه بأن يدفع للشركة المُدعية مبلغ وقدره 27/77.552.230جم (سبعة وسبعون مليون وخَمسُمائة وأثنين وخمسين ألف ومائتين وثلاثون جنيهاً وسبعة وعشرون قرشاً) مع الفوائد القانونية بواقع 5% من يوم الحكم، مع إلزام المُدعى عليه بالمصاريف ومُقابل أتعاب المُحاماة".
         وقالت شركة ترسانة الإسكندرية المدعية شرحاً لدعواها الماثلة أن المُدعى عليه عَمِلَ كرئيس لمجلس إدارتها خلال الفترة من 30/6/1988 وحتى 23/12/1993 وأنه خلال تلك الفترة – على حد زعمها – أنفرد بتوقيع عقود لتصنيع السفن في ترسانتها مما حمل الشركة المُدعية بأعباء مالية مما حدا بها لإقامة دعواها الماثلة بُغية القضاء لها بطلباتها سالفة الذكر.
        ولما كان هذا الزعم لا أساس له من الصحة، حيث أن رئيس مجلس الإدارة لا يقوم بإبرام العقود بل فقط يعتمد العقود التي يبرمها القطاع الفني والقطاع التجاري بالترسانة (وهما الجهازان المنوط بهما إبرام العقود وتقدير حجم الأعمال اللازمة لبناء السفينة وقائمة الخامات المطلوبة لها وعدد الساعات اللازمة لتنفيذها) فضلاً عن أن تلك العقود عبارة عن عقود نمطية أو نموذجية تم إعدادها بمعرفة هيئات التفتيش الدولية لتنظيم العلاقة بين باني السفينة ومالكها وهذه العقود النمطية أو النموذجية هي الأساس الذي يتم الاسترشاد به عند إعداد أي عقد لبناء سفينة.    

ثانياً- الدفاع

أولاً- نجحد كافة الصور الضوئية المُقدمة من الشركة المُدعية:  

         قدمت الشركة المُدعية صوراً ضوئية لمستنداتها بحوافظ مستنداتها المقدمة في الدعوى الماثلة، والمُدعى عليه يجحد كافة الصور الضوئية المُقدمة من الشركة المدعية في الدعوى الماثلة.

         لما كان ذلك، وكان من المقرر في قضاء النقض أنه: "لا حجية لصور الأوراق في الإثبات إلا بمقدار ما تهدى إلى الأصل إذا كان موجوداً فيرجع إليه كدليل في الإثبات. أما إذا كان الأصل غير موجود فلا سبيل للاحتجاج بالصورة إذا أنكرها الخصم ومن ثم لا تثريب على محكمة الموضوع بدرجتيها إن هي التفتت بالتالي عن صورة الورقة المقدمة من الطاعن ولا عليها إن هي لم تُجر تحقيقاً في هذا الشأن ولم ترد على ما أبداه من دفاع". (نقض مدني في الطعن رقم 407 لسنة 49 قضائية - جلسة 19/12/1982. وفي الطعنين رقمي 598 و 55 لسنة 50 قضائية - جلسة 28/2/1984. وفي الطعن رقم 687 لسنة 43 قضائية - جلسة 24/1/1978 السنة 29 صـ 279).

        كما أنه من المُقرر في قضاء النقض كذلك أن: "القانون لم يشترط طريقاً مُعيناً يتعين على من يُنكر التوقيع على المُحرر العرفي إتباعه إذ يكفي إبداء الدفع بالإنكار صراحةً حتى تسقط عن المُحرر حجيته في الإثبات إعمالاً لنص المادة 14/1 من قانون الإثبات". (نقض مدني في الطعن رقم 1314 لسنة 49 قضائية - جلسة 19/5/1980).

        وأخيراً، فقد تواترت أحكام محكمة النقض على أن: "استناد الخصم إلى الصورة الشمسية للمستند.  التفات الحكم عن الورقة.  لا قصور".

        وهدياً بما تقدم، ولما كانت الشركة المُدعية قد جاءت مُستندات دعواها الماثلة خالية من أصولها وكان المُدعى عليه قد جحد تلك الصور الضوئية المُقدمة منها، الأمر الذي يُفقدها حُجيتها في الإثبات بما تكون معه المُدعية قد أخفق في إثبات دعواها في هذه الحالة. مما يتعين معه القضاء برفضها أو بالأقل رفضها "بحالتها".

ثانياً- ندفع بسقوط حق المُدعي بصفته في الدعوى بالتقادم:

       لما كانت الشركة المُدعية قد أسست دعواهم الماثلة على نص المادة 163 مدني، والتي تنظم أحكام المسئولية التقصيرية، بنصها على أن: "كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من أرتكبه بالتعويض". 

        ولما كانت المسئولية عن الأعمال الشخصية غير المشروعة (المسئولية التقصيرية)، تسقط وتتقادم دعوى التعويض الناشئة عنها بانقضاء ثلاث سنوات، طبقاً لنص المادة 172 مدني والتي تنص على أنه: "تسقط بالتقادم دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه. وتسقط هذه الدعوى في كل حال بانقضاء خمس عشرة سنة من يوم وقوع العمل غير المشروع".

        وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي: "استحدث المشروع في نطاق المسئولية التقصيرية تقادماً قصيراً. فقضى بسقوط دعوى التعويض الناشئة عن عمل غير مشروع بانقضاء ثلاث سنوات على غرار ما فعل فيما يتعلق بدعاوى البطلان. ويبدأ سريان هذه المدة من اليوم الذي يعلم فيه المضرور بالضرر الحادث، ويقف على شخص من أحدثه. فإذا لم يعلم بالضرر الحادث، أو لم يقف على شخص من أحدثه، فلا يبدأ سريان هذا التقادم القصير، ولكن دعوى المضرور تسقط على أي الفروض بانقضاء خمس عشرة سنة على وقوع العمل غير المشروع". (مجموعة الأعمال التحضيرية 2 صـ 400).

       ومن المُقرر في قضاء النقض بأن: "المراد بالعلم لبدء سريان التقادم الثلاثي المقرر بنص المادة 172 من القانون المدني هو العلم الحقيقي الذي يحيط بوقوع الضرر وبشخص المسئول عنه باعتبار أن انقضاء ثلاث سنوات من يوم هذا العلم ينطوي على تنازل المضرور عن حق التعويض الذي فرضه القانون على الملتزم دون إرادته مما يستتبع سقوط دعوى التعويض بمضي مدة التقادم". (نقض مدني في 23 مايو سنة 1978 في الطعن رقم 870 لسنة 45 قضائية. ونقض مدني في 2 إبريل سنة 1968 مجموعة أحكام النقض السنة 19 رقم 102 صـ 719. ونقض مدني في 20 مايو سنة 1975 مجموعة أحكام النقض السنة 26 رقم 194 صـ 1017. ونقض مدني في أول يونيو سنة 1976 مجموعة أحكام النقض السنة 27 رقم 238 صـ 1247).

        كما قضت محكمة النقض بأنه: "ولئن كان استخلاص علم المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه هو من المسائل المتعلقة بالواقع والتي يستقل بها قاضي الموضوع إلا أن لمحكمة النقض أن تبسط رقابتها متى كانت الأسباب التي بنى عليها الحكم استخلاصه ليس من شأنها أن تؤدي عقلاً إلي النتيجة التي أنتهي إليها". (نقض مدني في 5 نوفمبر سنة 1964 مجموعة أحكام النقض السنة 15 رقم 150 صـ 1007. ونقض مدني في أول يونيو سنة 1976 مجموعة أحكام النقض السنة 27 رقم 238 صـ 1247).

        كما تنص المادة 387 مدني على أنه: "أ- لا يجوز للمحكمة أن تقضي بالتقادم من تلقاء نفسها، بل يجب أن يكون ذلك بناء على طلب المدين أو بناء على طلب دائنيه أو أي شخص له مصلحة فيه ولو لم يتمسك به المدين.  ب- ويجوز التمسك بالتقادم في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو أمام المحكمة الاستئنافية". 

        ومفاد ذلك: "أن إبداء الدفع بالتقادم المسقط قاصر على من له مصلحة فيه، ولا ينتج هذا الدفع أثره إلا في حق من تمسك به". (نقض 2/4/1968 السنة 19).

        كما أن: "الدفع بالتقادم، دفع موضوعي، يجوز إبداؤه في أي حالة كانت عليها الدعوى، وبعد التكلم في الموضوع، ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف". (نقض مدني في 20 مايو سنة 1993 في الطعن رقم 5196 لسنة 51 قضائية).

        هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "إصرار مصلحة الضرائب الطاعنة على بيع منقولات وعناصر المحل التجاري غير المملوك لمدينها بالمزاد العلني يعتبر عملاً غير مشروع ترتب عليه إلحاق الضرر بالمطعون ضدهما الأولين المالكين للمحل التجاري المُشار إليه، ومن ثم تبدأ مدة تقادم حقهما في المطالبة بالتعويض عن هذا الضرر من تاريخ رسو المزاد على المطعون ضده الثالث بتاريخ 16 مارس سنة 1960، وإذ كان المطعون ضدهما الأولين لم يرفعا دعوى المطالبة بالتعويض إلا في 18 نوفمبر سنة 1965، فإن الدفع المبدى من الطاعنة بسقوط حقهما بالتقادم الثلاثي المنصوص عليه في المادة 172 من القانون المدني يكون في محلـه". (نقض مدني في 26 مايو سنة 1976 مجموعة أحكام النقض السنة 27 رقم 226 صـ 1188).

        لما كان ما تقدم، وكان البين من مُطالعة أوراق ومُستنداتها أن الأعمال المنسوب صدورها للمُدعى عليه قد صدرت منه في غضون عامي 91/1992 حيث ورد في صحيفة افتتاح الدعوى – بالصفحة الخامسة منها – أنه: "بعد أن انتهت نيابة الأموال العامة بالإسكندرية من تحقيقاتها حررت مُذكرة رأت فيها استبعاد شُبهة جناية الإضرار العمدي بالمال العام من الأوراق، ونسبت إلى المُدعى عليه أنه في غضون عامي 91/1992 بدائرة القباري مُحافظة الإسكندرية تسبب بخطئه في إلحاق ضرر جسيم بأموال شركة الترسانة التي ترأس مجلس إدارتها وكان ذلك ناشئاً عن إساءة استعمال سلطة وظيفته وإخلاله بواجباتها".

        ولما كانت الجمعية العامة العادية لشركة ترسانة الإسكندرية قد صدقت على تقرير مجلس الإدارة عن نشاط الشركة عن عام العام المالي 91/1992 وأخلت مسئولية مجلس الإدارة عن تلك الفترة.

        ولما كان البلاغ الذي تقدم به السيد الربان/ رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للنقل البحري إلى نيابة استئناف الإسكندرية للأموال العامة بتلك الوقائع المنسوب صدورها للمُدعى عليه – هذا البلاغ تم في تاريخ 19/11/1996 وقيد برقم 735 لسنة 1996 أموال عامة استئناف الإسكندرية (كما جاء في صحيفة افتتاح الدعوى الماثلة - بالصفحة الثانية منها).

        وعليه يكون هذا البلاغ المذكور قد تم بعد مُضي ما يقرب من أربع سنوات من تاريخ وقوع المُخالفات المنسوبة للمُدعى عليه، مما حدا بسلطة التحقيق الجنائي (وهي الأمينة على مصالح المُجتمع) إلى إصدار أمرها بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضد المُدعى عليه لانقضائها بمُضي المُدة (كما جاء بصحيفة افتتاح الدعوى الماثلة - بالصفحة الخامسة منها).

        وهذا يُؤكد على وجه اليقين أن إبلاغ سلطة التحقيق بالمُخالفات المنسوبة للمُدعى عليه والتحقيق في تلك المُخالفات لم يبدأ إلا بعد مُضي أكثر من ثلاث سنوات من تاريخ وقوعها مما حدا بسلطة التحقيق لإصدار أمرها بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضد المُدعى عليه لانقضائها بمُضي المُدة (مُدة ثلاث سنوات قبل الإبلاغ عنها).

        لما كان ما تقدم، وكانت الفقرة الثانية من المادة 172 مدني سالفة الذكر تنص على أنه: "على أنه إذا كانت هذه الدعوى ناشئة عن جريمة، وكانت الدعوى الجنائية لم تسقط بعد انقضاء المواعيد المذكورة في الفقرة السابقة، فإن دعوى التعويض لا تسقط إلا بسقوط الدعوى الجنائية".

        وكان قصد المُشرع من هذا النص، وعلى ما جاء بالأعمال التحضيرية للقانون المدني، إلى الإبقاء على الدعوى المدنية طوال المُدة التي يوقف فيها سريان تقادم الدعوى العمومية (الجنائية) بالتحقيق أو بالمُحاكمة، حيث ارتأى أنه من الأنسب أن تبقى الدعوى المدنية ما بقي الحق في رفع الدعوى العمومية أو تحريكها أو السير فيها قائماً. (مجموعة الأعمال التحضيرية 2 صـ 399 : 404).

        ويُستفاد من نص الفقرة الثانية من المادة 172 مدني سالفة الذكر، أن إعمال حكمها مشروط بأن تكون الدعوى الجنائية لم تسقط بالتقادم، أما إذا كانت الدعوى الجنائية قد سقطت بالتقادم (كما هو الحال في دعوانا الماثلة، وعلى ما سلف بيانه) فإنه لا مجال لإعمال حكم الفقرة الثانية من المادة 172 المُتقدم ذكرها لعدم انطباق شروطها على وقائع دعوانا الماثلة.

        فطبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 172 مدني، إذا نشأت دعوى المسئولية عن جريمة كجناية قتل مثلاً، فتتقادم الدعوى المدنية – في الأصل – بمُضي مُدة ثلاث سنوات، فينتج عن ذلك موقف شاذ، إذ تكون الدعوى المدنية قد تقادمت قبل الدعوى الجنائية، فإن هذه لا تتقادم إلا بعشر سنوات (المادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية). هذا الموقف الشاذ، وهو سقوط الدعوى المدنية مع قيام الدعوى الجنائية، وإيقاع عقوبة جنائية على الجاني دون التمكن من إلزامه بالتعويض وهو أقل خطراً من العقوبة الجنائية، هو الذي أراد القانون أن يتفاده بنصه في الفقرة الثانية من المادة 172 مدني على أن الدعوى المدنية لا تتقادم في هذه الحالة بل تبقى مع الدعوى الجنائية ولا تسقط إلا بسقوطها. (لطفاً، المرجع: "الوسيط في شرح القانون المدني" – للدكتور/ عبد الرزاق أحمد السنهوري – الجزء الأول – المُجلد الثاني – الطبعة الثالثة 1981 القاهرة – بند 265 – صـ 1311).

        وعليه، فلا مجال هنا لإعمال الاستثناء الوارد في الفقرة الثانية من المادة 172 مدني لعدم بقاء الدعوى الجنائية حيث أنها سقطت بمُضي المُدة قبل الإبلاغ عنها، ويتم في هذه الحالة تطبيق الأصل العام الوارد في الفقرة الأولى من تلك المادة والتي تقضي بتقادم دعوى التعويض المُستندة إلى المسئولية التقصيرية بمُضي مُدة ثلاث سنوات من تاريخ العلم وليس من تاريخ إصدار سلطة التحقيق أمرها بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضد المُدعى عليه لانقضائها بمُضي المُدة.

        ومن ثم، يحق للمُدعى عليه – والحال كذلك – الدفع بسقوط حق الشركة المُدعية في الدعوى بالتقادم الثُلاثي المنصوص عليه بالفقرة الأولى من المادة 172 مدني، هذا على فرض أن لها ثمة حق أصلاً في إقامة تلك الدعوى، وهذا ما سنتناوله في يلي:


ثالثاً- نطلب رفض الدعوى لانعدام المسئولية التقصيرية:  

         لما كانت الشركة المُدعية قد أقامت دعواها بالتعويض الماثلة، استنادا إلى "المسئولية التقصيرية" التي تستلزم لتحققها عناصر المسئولية الثلاثة من (خطأ وضرر وعلاقة سببية).

         ولما كان من المُستقر عليه قانوناً أن الحكم بالتعويض يجب أن يُبين في حيثياته عناصر هذه المسئولية من خطأ وضرر وعلاقة سببية، وكذلك بيان عناصر التعويض المادي والأدبي للمضرور.

         ولما كان الخطأ – على فرض وجوده – لا يتحقق إذا كان ناشئاً عن سبب أجنبي لا يد للمدين فيه كالقوة القاهرة، وعليه فإن علاقة السببية – وهي ركن جوهري في المسئولية التقصيرية – تنعدم في هذه الحالة، ولا تتحقق المسئولية، وعلى هذا الوجه ينبغي فهم المادة 373 مدني والتي تنص على أنه: "ينقضي الالتزام إذا أثبت المدين أن الوفاء أصبح مُستحيلاً عليه لسبب أجنبي لا يد له فيه". فانقضاء الالتزام هنا إنما يكون نتيجة لاستحالة تنفيذه عيناً ولعدم تحقق المسئولية العقدية بانعدام أحد أركانها. (لطفاً، المرجع: "الوسيط في شرح القانون المدني" للدكتور/ عبد الرزاق أحمد السنهوري – الجزء الأول – المُجلد الأول – الطبعة الثالثة 1981 القاهرة – بند 427 صـ 893).

         لما كان ما تقدم، وكانت المادة 165 مدني تنص على أنه: "إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه، كحادث مُفاجئ أو قوة قاهرة أو خطأ من المضرور أو خطأ من الغير. كان غير مُلزم بتعويض هذا الضرر".

        فالسبب الأجنبي الذي يعدم رابطة السببية هو كما يقول النص: 1) القوة القاهرة أو الحادث المُفاجئ. 2) خطأ المضرور. 3) خطأ الغير.

        فإذا لم يقع من المدين خطأ ما، ووقع الضرر بفعل الغير وحده. فإن فعل الغير إذا كان هو السبب الوحيد في إحداث الضرر، كان الغير وحده هو المسئول. (المرجع السابق - الجزء الأول – المُجلد الثاني – الطبعة الثالثة 1981 القاهرة – بند 585 صـ 1223 ، والبند 597 صـ 1251).

        هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "رابطة السببية كركن من أركان جريمة القتل الخطأ تتطلب إسناد النتيجة إلى خطأ الجاني ومُساءلته عنها طالما كانت تتفق مع السير العادي للأمور، وأن خطأ الغير ومنهم المجني عليه يقطع رابطة السببية متى استغرق خطأ الجاني وكان كافياً بذاته لإحداث النتيجة، ولما كان الثابت بمحضر جلسة المُحاكمة الاستئنافية أن المُدافع عن الطاعن دفع بانقطاع رابطة السببية بين ما عُزِىَ إليه من خطأ بوصفه حارساً على العقار – من تركه المصعد يعمل دون إصلاح عيبه – وبين ما لحق المجني عليه من ضرر تأسيساً على أن الحادث إنما نشأ بخطأ المُتهم الآخر وهو عامل المصعد فضلاً عن خطأ المجني عليه وذويه وأن كلا من هذين الخطأين وبالنظر لجسامته وغرابته يُوفر سلوكاً شاذاً لا يتفق مع السير العادي للأمور وما كان للطاعن بوصفه حارساً على العقار أن يتوقعه أو يُدخله في تقديره حالة أنه لم يُقصر في صيانة المصعد بل أناط ذلك بشركة؛ عنصر أساسي من عناصر الجريمة قد يترتب على ثبوت صحته انتفاء مسئوليته الجنائية والمدنية، وكان لِزَاماً على المحكمة أن تعرض له بما يدل على أنها كانت على بينة من أمره ومُحيطة بحقيقة مبناه وأن تُقسطه حقه إيراداً ورداً عليه، وذلك بالتصدي لموقف كل من المُتهم الثاني في الدعوى والمجني عليه وذويه وكيفيه سلوكهم وأثر ذلك على قيام رابطة السببية بين الخطأ المعزو للطاعن أو انتفائها، أما وهي لم تفعل فإن حُكمها يكون معيباً بالقصور في التسبيب بما يتعين معه نقضه". (نقض جنائي في 17 نوفمبر سنة 1969 مجموعة أحكام النقض الجنائية السنة 20 صـ 1270. ونقض جنائي في 30 أبريل سنة 1963 مجموعة أحكام النقض الجنائية السنة 14 صـ 366. مُشار إليهما في المرجع السابق/ وسيط السنهوري – نفس الموضع – هامش 1 صـ 1251 و 1252).

        ومن المُقرر في قضاء النقض كذلك أن: "فعل الغير يرفع المسئولية عن الأعمال الشخصية ويُخفف منها إذا أعتبر هذا الفعل خطأ في ذاته وأحدث وحده الضرر أو ساهم فيه". (نقض مدني في الطعنين رقمي 29 و 31 لسنة 38 قضائية – جلسة 12/6/1973 السنة 24 صـ 894. مُشار إليه في مرجع: "قضاء النقض في المواد المدنية" – للمُستشار/ عبد المنعم دسوقي – الجزء الثاني – المُجلد الثاني – تحت كلمة "مسئولية" - القاعدة رقم 2331 – صـ 876).

        كما تنص المادة 216 مدني على أنه: "يجوز للقاضي أن يُنقص مقدار التعويض، أو ألا يحكم بتعويض ما، إذا كان الدائن بخطئه قد أشترك في إحداث الضرر أو زاد فيه".

        حيث أنه من المُقرر قانوناً أنه إذا لم يقع خطأ من المُدعى عليه، ثابت أو مُفترض، ووقع الضرر بفعل المضرور نفسه، فقد خرجنا هنا عن نطاق المسئولية التقصيرية، إذ لا يوجد أمامنا مسئول. فالمضرور نفسه هو الذي ألحق بنفسه الضرر، وكان هذا بفعله، سواء كان هذا الفعل خطأ أو غير خطأ. (وسيط السنهوري – المرجع السابق – المُجلد الثاني – بند 592 صـ 1231).

        وقد قضت محكمة النقض بأن: "رابطة السببية كركن من أركان جريمة القتل الخطأ تتطلب إسناد النتيجة إلى خطأ الجاني ومُساءلته عنها طالما كانت تتفق والسير العادي للأمور، كما أنه من المُقرر أن خطأ المجني عليه يقطع رابطة السببية متى أستغرق خطأ الجاني وكان كافياً بذاته لإحداث النتيجة، وإذ كان الحكم المطعون فيه وإن أثبت توافر الخطأ في حق الطاعن قد أغفل التصدي لموقف المجني عليه وكيفية سلوكه وأثر ذلك على قيام رابطة السببية أو انتفائها، وكان الثابت من محضر جلسة المحكمة والحكم أن الطاعن دفع بانقطاع رابطة السببية بين الخطأ وما لحق المجني عليه من ضرر وبأن الحادث إنما نشأ عن خطأ المجني عليه وحده بظهوره فجأة أمام السيارة وعلى مسافة تقل عن المتر، وهو دفاع جوهري قد يترتب على ثبوت صحته انتفاء مسئولية الطاعن الجنائية والمدنية وكان لِزاماً على المحكمة أن تعرِض له وترُد عليه وأن تُبين كيف كان في استطاعة الطاعن في الظروف التي وقع فيها الحادث وعلى هذه المسافة القصيرة تلافي إصابة المجني عليه، أما وهي لم تفعل فإن حكمها يكون معيباً بالقصور في التسبيب". (نقض جنائي في 12 أكتوبر سنة 1964 مجموعة أحكام النقض الجنائية السنة 15 صـ 568. مُشار إليه في: "وسيط السنهوري" – المرجع السابق – المُجلد الثاني – بند 595 صـ 1240 هامش 1).

        لما كان ذلك،  وكان الثابت من الأوراق أن الأعباء المالية التي زعمت الشركة المُدعية أنها تحملتها كانت نتيجة لأن القيادات التي تولت رئاسة الترسانة من بعد المُدعى عليه جميعها لم تكن على المستوى الذي يؤهلها للقيام بتنفيذ تعاقدات أجنبية من هذا النوع ولم يسبق لها القيام بمثل تلك الأعمال ولم تحظ التعاقدات الأجنبية بأي اهتمام منها، بينما كان المُدعى عليه قادراً على تنفيذها بقدر كبيراً من الدقة في مُتابعة البرامج الزمنية الموضوعة لبناء هذه السفن. كما أن تلك القيادات الجديدة انغمست في أعمال إدارية ولم تكن تلك التعاقدات محل اهتمامها مما دعى جميع العاملين في هذه المشاريع إلى الانصراف عن عملهم الأصلي، أما عن زعم أن العِمالة الفنية والخبرة اللازمة لم تكن متوفرة للعاملين بالترسانة فهذا قول يُجافي الحقيقة ولا أدل على ذلك من أن السفن تم إنتاجها بالفعل واجتازت بنجاح تجارب البحر وحققت جميع المواصفات الفنية الموجودة في العقود وهي تعمل بصورة جيدة في الأسطول الألماني وغيره من أساطيل الدول الكبرى في العالم بكفاءة عاليه غير أنها استغرقت وقتاً طويلاً نتيجة سوء الإدارة وعدم إعطاء الاهتمام الكافي من القيادات الجديدة لتنفيذ تلك العقود. وسواء كان هذا خطأ من المضرور نفسه أو خطأ من الغير فإنه لم يكن أبداً خطأ المُدعى عليه الذي كانت التعاقدات تسير في عهده وفي ظل إدارته على أكمل وجه حيث كان ارتباطه وثيقاً بجمهرة العاملين في الترسانة وكان الجميع يعملون بروح الفريق الواحد بحماس وانتماء وكان لإدخاله لنظام حوافز يربط الأجر بالإنتاج أكبر الأثر في زيادة إنتاجية الترسانة في عهده حيث كان أقصى إنتاج قامت به الترسانة في تاريخها لا يتعدى 400 طن/شهر وقد أمكن من خلال الإدارة الحكيمة المُخلصة ومن خلال نظام الحوافز الجديد أن زاد حجم الإنتاج في أقل من ثلاثة أشهر إلى 2000 طن/شهر، وقد كانت الترسانة في عهد رئاسة المُدعى عليه تُدشن سفينة كل ثلاثة أشهر تقريباً وبشكل مُنتظم. ولكن بعد أن تغيرت الإدارة وانغماس الإدارة الجديدة في الاهتمام بمسائل أخرى وعدم إعطاء الأولوية لتنفيذ تلك المشاريع التي بدأها المُدعي عليه وعدم السير على نظام الحوافز الذي وضعه المُدعى عليه أثره في تراخي العمل على تنفيذ تلك العقود والتسبب بالتالي في تلك الأعباء التي تزعم الشركة المُدعية أنها تحملتها بعد رحيل المُدعي عليه بأكثر من ثلاث سنوات. كما أن مبلغ العمولة التي زعمت الشركة المُدعية أنها دفعتها لشركة عزام بشأن التعاقد على بناء سفينتين لسوريا، فإن هذا التعاقد قد تم إلغاؤه فكيف تحصل شركة عزام على حكم تحكيم بإلزام شركة الترسانة بدفع عمولة لها عنها ما لم يكن هناك خطأ وقصور في الدفاع عن حقوق الشركة في هذا التحكيم ولا نقول تواطؤ وأياً كان السبب فهو بالتأكيد غير راجع للمُدعى عليه حيث أن حكم التحكيم صدر بعد ما يقرب من أربع سنوات على تاريخ تركه الخدمة في الترسانة. ويكون هذا الخطأ من جانب المضرور نفسه أو الغير قد قطع رابطة السببية بين الخطأ المنسوب صدوره للمُدعى عليه وبين الضرر المقول بحدوثه للشركة المُدعية، ومن ثم تنعدم المسئولية التي هي أساس القضاء بالتعويض أياً كان مُقداره. 
رابعاً- نطلب رفض الدعوى لانتفاء الخطأ الشخصي:  

         لما كان من المقرر قانوناً، في الفقه والقضاء الإداري، وجود نوعان من أخطاء المُوظفين العامين هما: "الخطأ الشخصي – والخطأ المصلحي أو المرفقي"؛ فالأول: وهو الخطأ الشخصي يُسأل عنه الموظف شخصياً (بشروط مُحددة)، والثاني: تُسأل عنه جهة الإدارة وحدها (وذلك في مجال المسئولية عن الأعمال الضارة التي يرتكبها المُوظفون أثناء قيامهم بالوظيفة).

        والخطأ المصلحي أو المرفقي (Le Faute de la Service) يتحقق في حالة ما إذا وقع من موظف مُعرض للخطأ والصواب بمُناسبة تسيير المرفق العام، وفي هذه الحالة يُنسب الخطأ أو الإهمال أو التقصير إلى المرفق العام ذاته، وتقع المسئولية على عاتق الإدارة وحدها، والإدارة هي التي تدفع التعويض (إذا كان الضرر قد أصاب الغير)، ويكون الاختصاص بالفصل في تلك المُنازعة قاصراً على القضاء الإداري دون غيره.

        أما الخطأ الشخصي للموظف (Le Faute Personnelle) فلا يتحقق إلا إذا كان العمل الضار مُصطبغاً بطابع شخصي بحت يكشف عن الإنسان بضعفه وعدم تبصره وتغييه منفعته الشخصية أو الذاتية أو بقصد النكاية أو الإضرار بالغير أو كان مدفوعاً بعوامل شخصية.

        وعلى ضوء هذا المفهوم، نصت المادة 78/3 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة (رقم 47 لسنة 1978) على أنه: "ولا يُسأل العامل مدنياً إلا عن خطئه الشخصي".

        وقد أيدت الأحكام الإدارية الحديثة الأخذ بفكرة تمييز الخطأ الشخصي عن الخطأ المرفقي في مجال تحديد مسئولية كل من الموظف والإدارة ففي حكمها الصادر في 24 يونيه 1986 في الطعن رقم 3605 لسنة 31 قضائية تقول فيه: "أن مُقتضى النظرية التي ابتدعها القضاء الإداري والتي تقوم على أساس التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي والتزام العامل في ماله الخاص نتيجة خطئه الشخصي دون المرفقي، هذه النظرية قد نشأت في ظل نُظم التوظيف المُتعلقة بالعاملين في الحكومة والتي تشمل الجهاز الإداري للدولة ووحدات الحكم المحلي أي عُمال المرافق العامة وقد ابتدع القضاء هذه النظرية لضمان حُسن سير المرافق العامة بانتظام واطراد وحتى لا يُحجم عُمال تلك المرافق عن القيام بواجباتهم الوظيفية خشية المسئولية عن كل ما يقع منهم من أخطاء بمُناسبة تسيير المرافق العامة فقامت هذه النظرية على أساس التفرقة بين الخطأ الشخصي بمعاييره وضوابطه المُحددة وبين الخطأ المرفقي الذي يقع من عامل مُعرض للخطأ والصواب، وبمُناسبة تسيير المرافق العامة وقد قنن المُشرع في مصر هذه النظرية بالنص في المادة 58 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1964 والمادة 55/3 من القانون رقم 58 لسنة 1971 والمادة 78 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 بأن نص على أن "لا يُسأل العامل مدنياً إلا عن خطئه الشخصي". (وراجع في هذا المعنى أيضاً حكم المحكمة الإدارية العُليا الصادر في الطعن رقم 492 لسنة 30 قضائية – جلسة 17/6/1986). (غير منشوران).

        ومن المُقرر في قضاء المحكمة الإدارية العُليا أن: "المبدأ الذي يحكم التشريع العقابي الجنائي أو التأديبي هو أن المسئولية شخصية والعقوبة شخصية - يجد هذا المبدأ أصله الأعلى في الشرائع السماوية وبصفة خاصة الشريعة الإسلامية - ورد المبدأ في دساتير الدول المُتمدينة القائمة على سيادة القانون وقداسة حقوق الإنسان - التزم قانون العاملين المدنيين بالدولة بهذا المبدأ صراحة - من أمثلة ذلك: ما نص عليه من أن العامل لا يسأل مدنياً إلا عن خطئه الشخصي. والقاعدة الواجبة التطبيق فى مجال التأديب هي أن للموظف التحرك فى حدود السلطة التقديرية المخولة له فيما يخضع لتقدير الخبراء دون أن يترتب على ما ينتهي إليه اعتباره مرتكباً لخطأ تأديبي - يشترط لذلك أن يمارس عمله بحسن نية مجرداً من سوء القصد أو الإهمال أو مخالفة القوانين أو تحقق مصلحة خاصة له أو لغيره، القول بغير ذلك مؤداه أن يحجم كل مختص عن ممارسة سلطته التقديرية بالمرونة الواجبة فتسود البيروقراطية وتنمو روح التسيب والتسلب عن ممارسة المسئولية تجنباً للمساءلة عن كل إجراء يتخذه الموظف فى حدود سلطته التقديرية التى تفترض القدرة على التحرك فى المجال المتاح له قانوناً". (الطعن رقم 1154 لسنة 33 قضائية "إدارية عُليا" - جلسة 25/2/1989 - مجموعة المكتب الفني السنة 34 - القاعدة 89 - صـ 588).
          وقد جاء في حيثيات ذلك الحكم:


        وفيصل التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي للموظف يكمن في "القصد أو النية" لدى الموظف العام، فإذا كان الموظف العام يهدف من القرار الإداري الذى أصدره إلى تحقيق الصالح العام أو كان قد تصرف لتحقيق أحد الأهداف المنوط بالإدارة تحقيقها والتي تدخل فى وظيفتها الإدارية فإن خطأه يندمج فى أعمال الوظيفة بحيث لا يمكن فصله عنها ويعتبر من الأخطاء المنسوبة إلى المرفق العام ويكون خطأ الموظف فى هذه الحالة خطأ مصلحياً، أما إذا تبين أن الموظف لم يعمل للصالح العام أو كان يعمل مدفوعاً بنزواته أو بعوامل شخصية وأنه كان يتغيا به منفعته الشخصية أو الذاتية أو بقصد النكاية أو الإضرار بالغير فإن الخطأ فى هذه الحالة يعتبر خطأ شخصياً.
        فمن المُقرر في قضاء المحكمة الإدارية العُليا أنه: "يُعتبر الخطأ شخصياً إذا كان العمل الضار مُصطبغاً بطابع شخصي يكشف عن الإنسان بضعفه وشهواته وعدم تبصره أما إذا كان العمل الضار غير مصطبغ بطابع شخصي وينم عن موظف مُعرض للخطأ والصواب فإن الخطأ فى هذه الحالة يكون مصلحياً - العبرة بالقصد الذى ينطوي عليه الموظف وهو يؤدى واجبات وظيفته، فكلما قصد النكاية أو الإضرار أو تغيا منفعته الذاتية كان خطؤه شخصياً ويتحمل نتائجه - فيصل التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحى يكون بالبحث وراء نية الموظف فإذا كان يهدف من القرار الإداري الذى أصدره إلى تحقيق الصالح العام أو كان قد تصرف لتحقيق أحد الأهداف المنوط بالإدارة تحقيقها والتي تدخل فى وظيفتها الإدارية فإن خطأه يندمج فى أعمال الوظيفة بحيث لا يمكن فصله عنها ويعتبر من الأخطاء المنسوبة إلى المرفق العام ويكون خطأ الموظف فى هذه الحالة خطأ مصلحياً - إذا تبين أن الموظف لم يعمل للصالح العام أو كان يعمل مدفوعاً بعوامل شخصية فإن الخطأ فى هذه الحالة يعتبر خطأ شخصياً". (الطعن رقم 638 لسنة 29 قضائية "إدارية عُليا" - جلسة 26/12/1987 مجموعة المكتب الفني - السنة 33 – القاعدة 74 – صـ 490).
        وقد جاء في حيثياته ما يلي: 

          كما قضت المحكمة الإدارية العليا بأن: "قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 ميز بين نوعين من المسئولية التي يمكن أن يتحمل بها العاملون، هما: المسئولية التأديبية، والمسئولية المدنية. فنص في المادة 78 على أن: "كل عامل يخرج على مقتضى الواجب في أعمال وظيفته أو يظهر بمظهر من شأنه الإخلال بكرامة الوظيفة يجازى تأديبياً ... ولا يسأل العامل مدنياً إلا عن خطئه الشخصي"، فقد جعل المشرع بذلك كل خروج على واجب وظيفي أو إخلال بكرامة الوظيفة مرتباً لمسئولية العامل التأديبية، في حين لم يرتب المسئولية المدنية للعامل إلا إذا اتسم الخطأ الذي وقع منه بوصف الخطأ الشخصي، وعلى ذلك فلا تلازم بين المسئولية التأديبية وبين المسئولية المدنية للموظف، وإذا صح أن كل ما يرتب المسئولية المدنية للموظف يتحقق به التأديبية له، فإن العكس ليس صحيحاً، لأن أدنى مخالفة لواجبات الوظيفة يرتب المسئولية التأديبية للموظف، في حين أن مسئوليته المدنية لا تتحقق إلا بتجاوز الفعل المرتكب حدود الخطأ المرفقي واعتباره خطأ شخصياً، والخطأ المرفقي يتحمل نتائجه المرفق لأنه من المخاطر الطبيعية لنشاطه الذي يمارس من جانب عاملين، كل منهم معرض لأن يقع في الخطأ الناتج عن الإهمال العارض، في حين أن الخطأ الشخصي هو ذلك الذي يقع من العامل عن عمد أو إهمال جسيم، إهمال يكشف عن انحدار مستوى التبصر والتحوط لدى العامل عن الحد الواجب توافره في العامل متوسط الحرص الذي يؤدي عمله الأداء المعتاد المعرض للخطأ المحدود الناجم عن تعثر المسار". (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1528 لسنة 31 قضائية – جلسة 21/4/1990 مجموعة المكتب الفني – السنة 35 – القاعدة 148 – صـ 1567).
          وقد جاء في حيثيات ذلك الحكم ما يلي:

          ومن المُقرر في قضاء المحكمة الإدارية العُليا كذلك، أنه: "لا يجوز لجهة العمل أن ترجع على أي من تابعيها فى ماله الخاص لاقتضاء ما تحملته من أضرار عن أخطائهم إلا إذا اتسم هذا الخطأ بالطابع الشخصي وأن الخطأ يُعتبر شخصياً إذا كان العمل التقصيرى يكشف عن نزوات مُرتكبه وعدم تبصره وتغييه منفعته الشخصية أو قصد النكاية بالغير أو الإضرار بالغير". (الطعن رقم 1591 لسنة 27 قضائية "إدارية عُليا" – جلسة 8/6/1985 مجموعة المكتب الفني - السنة 30 القاعدة - رقم 185 - صـ 1262).
        وقد جاء في حيثيات ذلك الحكم:

        كما تواتر قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن: "قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه لا يجوز للإدارة أن ترجع على أي من تابعيها فى ماله الخاص لاقتضاء ما تحملته من أضرار عن أخطائهم إلا إذا اتسم هذا الخطأ بالطابع الشخصي، وأن الخطأ يعتبر شخصياً إذا كان الفعل التقصيرى يكشف عن نزوات مرتكبه وعدم تبصره وتغييه منفعته الشخصية أو قصد النكاية أو الإضرار بالغير. ومن ثم لو كان ما نسب إلى المدعى ينحصر فى أنه أهمل الكتابة إلى مستشفى الأمراض العقلية بالخانكة لموافاة لجنة العقود بوزارة الصحة بسعر الشراء المحلى واكتفاؤه بالرجوع فى هذا الشأن إلى السعر المقدم من المتعهد مصطفى كامل وفى أنه أغفل إبلاغ المتعهد عبد الحميد عفيفي عشوش بالتوريد بالنسبة لوحدات مستشفيات الأمراض الصدرية بالعباسية والمنيرة والمبتديان وحميات العباسية ومستشفى الكلب ومستوصفات المبتديان والخليفة وباب الشعرية مما أدى إلى تمسك المتعهد بانتهاء المدة. ولما كان يبين من الأوراق أنه ليس هناك ثمة إهمال ينسب إلى المدعى فى صدد عدم قيامه بتبليغ المتعهد عبد الحميد عفيفي فى 30 من أكتوبر سنة 1951 أو بالنسبة إلى سقوط العطاء المقدم منه اعتبارا من 31 من أكتوبر سنة 1951 كما أن ما نسب إلى المدعى من أنه أهمل الكتابة إلى مستشفى الأمراض العقلية بالخانكة لموافاة لجنة العقود بوزارة الصحة بسعر الشراء المحلى - على فرض صحته لا يمثل بالنسبة إليه خطأ شخصياً يجعله مسئولاً عما ترتب من أضرار بسبب سقوط العطاء المقدم من المتعهد المذكور، ومن ثم يكون الثابت أن المدعى لم يقع منه خطأ شخصي يوجب مسئوليته المدنية قبل وزارة الصحة عن الأضرار التى لحقتها بسبب سقوط العطاء". (الطعن رقم 1437 لسنة 13 قضائية "إدارية عُليا" - جلسة 20/5/1973 مجموعة المكتب الفني - السنة 18 - القاعدة رقم 61 - صـ 101).
           وقد جاء في حيثيات ذلك الحكم: 

          كما قضت المحكمة الإدارية العليا بأنه: "... ومن حيث أنه لا خلاف في أن الخطأ الذي وقع من موظف التسجيل بكلية الطب جامعة الإسكندرية يُعتبر من قبيل الأخطاء المصلحية المنسوبة إلى المرفق العام ذاته، الأمر الذي من شأنه أن يجعل تصرف الموظف المذكور غير مُنطبع بطابع شخصي أو دافع ذاتي وإنما هو على كل حال خطأ مصلحي من جانب الإدارة". (الطعن رقم 159 لسنة 8 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 20/4/1963 مجموعة المكتب الفني – السنة 8 – القاعدة رقم 100 – صـ 1064).
        وقد جاء في حيثيات ذلك الحكم ما يلي:

        كما أن المحكمة الإدارية العُليا ذهبت إلى: "رفض تحميل الموظف بقيمة الأرضيات والغرامات المُستحقة على الرسالة على أساس أن الموظف لم يتعمد الإضرار بجهة الإدارة بعدم مُراعاة مُتابعة الإفراج عن الرسالة وأن خطأ الموظف لا يرقى إلى مرتبة الخطأ الشخصي الذي يستوجب مُساءلته مدنياً عما ترتب عليه من نتائج، وقد انتهت المحكمة إلى القول بأن قرار تحميل الموظف لقيمة الأرضيات والرسوم التي استحقت على الرسالة قد صدر مُخالفاً للقانون". (الطعن رقم 1918 لسنة 30 قضائية "إدارية عُليا" – جلسة 17/5/1986).
كما استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن: "العامل لا يسأل مدنياً إلا عن خطئه الشخصي الموجب لجبر الضرر الذى نجم عن هذا الخطأ ـ فيسأل عنه فى ماله الخاص ويحق للجهة الإدارية اقتضاؤه منه ـ يعتبر الخطأ شخصياً إذا كان الفعل مصطبغاً بطابع شخصي يكشف عن الإنسان بضعفه ونزواته وعدم تبصره ـ أما إذا كان الفعل الضار ليس كذلك ويكشف عن مجرد موظف معرض للخطأ فى هذه الحالي يكون مصحلياً - فالعبرة هي بنية الموظف وقصده فإذا كان تصرفه يهدف إلى تحقيق غايات الجهة الإدارية ومقاصدها فان خطأه يندمج فى أعمال الوظيفة ويعتبر خطؤه خطأ مصحلياً - فإذا ما تبين انه لا يعمل للصالح العام أو كان يعمل مدفوعاً بعوامل شخصية يسأل عنه الموظف الذى وقع منه هذا الخطأ فى ماله الخاص". (الطعن رقم 2736 لسنة 45 قضائية – جلسة 3/3/2002 مجموعة المكتب الفني – السنة 47– صـ 122).
ومن المقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن: "المادة 78 من القانون رقم 47 لسنه 1978 نظام العاملين المدنيين بالدولة - أن قوانين العاملين بالدولة قد اطردت على النص على أن العامل لا يسأل مديناً إلا على خطئه الشخصي - على هذا الأساس فان مسئولية العاملين المدنيين بالدولة تحدد وفقاً لنوع الخطأ المرتكب - إذا كان خطأ شخصياً يسأل عنه العامل فى ماله الخاص ويحق لجهة الإدارية اقتضاؤه منه وذلك بالطبع إذا كان هذا الخطأ الشخصي هو الذى أدى إلى وقوع الضرر - إذا كان الخطأ مرفقياً لا يسال عنه العامل - فيصل التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقى يكون بالبحث وراء نية الموظف فإذا كان الفعل الذى أقدم عليه يهدف إلى صالح العمل فان خطأه يندمج فى أعمال الوظيفة بحيث لا يمكن فصله عنها ويعتبر من الأخطاء المنسوبة إلى المرفق العام ويكون خطأ العامل هذا خطأ مصلحياً - أما إذا تبين أن العامل لا يعمل للصالح العام أو كان مدفوعا بعوامل شخصية أو كان خطؤه جسيماً بحيث يصل إلى حد ارتكاب جريمة تقع تحت طائلة قانون العقوبات، فان الخطأ فى هذه الحالة يعتبر خطأ شخصياً يسال عنه العامل الذى وقع منه الخطأ فى ماله الخاص". (الطعن رقم 4500 لسنة 39 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 5/4/1997 مجموعة المكتب الفني – السنة 42 – صـ 807 – فقرة 1).
        كما تواتر قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن: "أساس مسئولية الإدارة في التعويض عن أعمالها المادية هو توافر أركان ثلاثة هي الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما - الخطأ المقصود هنا هو الذي ينسب إلي المرفق ذاته حتى لو قام به أحد تابعيه طالما لم يثبت خطأ شخصي من جانب هذا الأخير - يتمثل ركن الخطأ في حالة ما إذا لم يؤد المرفق العام الخدمة العامة وفقاً للقواعد التي يسير عليها - سواء كانت قواعد خارجية أي وضعها المشرع ليلتزم بها المرفق، أو داخلية أي وضعها المرفق ذاته لنفسه أو يقتضيها السير العادي للأمور - ويعرف الخطأ هنا باسم الخطأ المرفقي - مثال ذلك - عدم قيام الجهة الإدارية بصيانة مرافقها علي الوجه الصحيح كما يترتب عليه حدوث ضرر للأفراد". (الطعن رقم 2288 لسنة 39 قضائية – جلسة 15/3/1998 مجموعة المكتب الفني – السنة 43 – صـ 1003 – فقرة 2).
        هذا، وقد أخذت فتاوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بالتفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي في مجال المسئولية عن الأعمال الضارة التي يرتكبها الموظفون أثناء قيامهم بأعمال الوظيفة.
        ففي فتواها الصادر في 31/5/1972 تقول: "... تقوم المسئولية المدنية للعاملين على أساس التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي – وتقتصر مسئولية العامل مدنياً على العلاقة بينه وبين الجهة التي يعمل بها على الخطأ الشخصي دون المرفقي وهذا ما أخذ به المشرع في قانون هيئة الشرطة الصادر بالقانون رقم 61 لسنة 1964 إذ نص في المادة 57 منه على أنه "لا يُسأل الضابط مدنياً إلا عن الخطأ الشخصي". وفيصل التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي يكون بالبحث وراء نية العامل، فإذا كان يستهدف المصلحة العامة، أو كان قد تصرف لتحقيق أحد الأهداف المنوط بالإدارة تحقيقها والتي تدخل في وظيفتها الإدارية فإن خطئه يندمج في أعمال الوظيفة بحيث لا يُمكن فصله عنها، ويُعتبر من الأخطاء المنسوبة إلى المرفق العام، أما إذا تبين أن العامل لم يعمل للصالح العام، أو كان يعمل مدفوعاً بعوامل شخصية بقصد النكاية أو الإضرار بالغير أو تحقيق منفعة ذاتية فإنه يُعتبر خطأً شخصياً يُسأل عنه في ماله الخاص". (فتوى الجمعية العمومية للقسم الاستشاري جلسة 31/5/1972 - السنة 26 - رقم 127 - صـ 403).
        فمعيار الخطأ الشخصي حسبما استقرت على ذلك فتاوى الجمعية العمومية للقسم الاستشاري بمجلس الدولة هو ذلك الخطأ الذي يُرتكب بسوء نية وبقصد الإضرار بالغير أو بجهة الإدارة أي أن الخطأ يُعتبر شخصياً إذا كان العمل الضار مُصطبغاً بطابع شخصي يكشف عن الإنسان بضعفه ونزواته وعدم تبصره. (راجع فتوى رئاسة الجمهورية رقم 44 في 20/2/1968 ملف رقم 34/1/27 السنتان 21 ، 22 رقم 178 صـ 401).
وقد أخذت الجمعية العمومية لمجلس الدولة بمعيار النية، أي بهدف الموظف من وراء تصرفه إلى تحقيق غرض شخصي أو نفع له أو فائدة شخصية له، ففي فتواها رقم 895 في 18 يوليه 1967 تقول: "لئن كانت القاعدة الأساسية في المسئولية المدنية ما نصت عليه المادة 163 من القانون المدني من أن كل خطأ سبب ضرر للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض، إلا أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها في فقه القانون الإداري بالنسبة لمسئولية العاملين في الدولة مدنياً عن الأضرار التي تلحق بالجهات التي يعملون فيها نتيجة لخطأ وقع منهم أثناء تأدية وظائفهم، فهم لا يُسألون عن تعويض الضرر الذي ينشأ عن خطئهم إلا إذا كان هذا الخطأ شخصياً كما إذا كان العمل الضار مُصطبغاً بطابع شخصي أما إذا كان العمل الضار غير مُصطبغ بطابع شخصي وينم عن موظف مُعرض للخطأ والصواب فإن الخطأ في هذه الحالة يكون مصلحياً لا يستتبع المسئولية المدنية، فالعبرة بالقصد الذي ينطوي عليه الموظف وهو يُؤدي واجبات وظيفته، فكُلما قصد النكاية أو الإضرار أو تغيا منفعته الذاتية كان خطؤه شخصياً". (مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها الجمعية العمومية لمجلس الدولة في عشر سنوات 1960 – 1970 – الجزء الثالث – صـ 2296).
        وأنه: "ومن حيث أنه لم يتضح من التحقيق والأوراق الأخرى ما يُفيد أن المُخالفة التي ارتكبها العامل قد وقعت منه بقصد النكاية أو الإضرار أو ابتغاء المصلحة الذاتية بما يكشف عن نزواته وضعفه وعدم تبصره فإنها لا تصل إلى حد يرقى إلى مستوى الخطأ الشخصي – ومن ثم ينتفي من جانبه الخطأ الشخصي الذي يُعتبر ركناً من أركان المسئولية المدنية ويُعتبر ما ارتكبه مُجرد خطأ مصلحي يمكن أن يقع من أي عامل مُعرض للخطأ والصواب". (الفتوى رقم 2431 في 31/3/1968 "إدارة الفتوى للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة" السنتان 21 ، 22 رقم 179 صـ 404).
        لما كان ما تقدم، وكان المدعى عليه باعتباره موظفاً عاماً لم يُخطئ والتزم في قيامه بعمله بالقوانين والنظم المُتبعة في جهة عمله، ولم يثبت من أي جهة كانت أن ما قام به وقع منه بقصد النكاية أو الإضرار أو ابتغاء مصلحته الذاتية بما يكشف عن نزواته وضعفه وعدم تبصره، فإنه – والحال كذلك - لا يكون مسئولاً عن أي ضرر يحدث سواء لجهة عمله أو للغير طالما لم يثبت نسب خطأ شخصي إليه لكونه اتبع القوانين والنظم المعمول بها في جهة عمله ولكونه ابتغى من وراء عمله الصالح العام وأنه كان قد تصرف لتحقيق أحد الأهداف المنوط بالإدارة تحقيقها والتي تدخل فى وظيفتها الإدارية فإن خطأه (في حالة ما إذا كان هناك خطأ من أصلاً) يندمج فى أعمال الوظيفة بحيث لا يمكن فصله عنها ويعتبر من الأخطاء المنسوبة إلى المرفق العام لكون خطأ الموظف فى هذه الحالة هو خطأ مصلحياً.
        ولا أدل على ثبوت أن قرارات وأعمال وتصرفات المُدعى عليه لم تكن صادرة منه بقصد النكاية أو الإضرار أو ابتغاء مصلحته الذاتية بما يكشف عن نزواته وضعفه وعدم تبصره (بمعنى عدم توافر سوء النية وفساد الطوية – وهو معيار التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي كما سلف بيانه)؛ نقول أنه لا أدل على صدق نيته وحُسن طويته أن النيابة العامة رفضت اتهامه بجناية الإضرار العمدي بالمال العام (وهذا ثابت من صحيفة افتتاح الدعوى ذاتها ومن المُستندات التي قدمتها الشركة المُدعية نفسها) لعدم ثبوت قصد الإضرار والنكاية أو ابتغاء المصلحة الذاتية عدم ثبوت ذلك في حق المُدعي عليه، بما ينتفي معه شرط تحقق الخطأ الشخصي ومن ثم يكون الخطأ (إذا ما كان خطأ أصلاً يُمكن نسبته إلى المُدعى عليه) هو خطأ مصلحي تتحمله الإدارة وليس العامل على نحو ما سلف بيانه آنفاً.
ومن الجدير بالذِكر في هذا المقام، أنه منذ صدور قانون العاملين المدنيين بالدولة رقم 64 لسنة 1964 أصبح القاضي العادي (المدني) مُلتزماً بتطبيق فكرة التمييز بين الخطأ الشخصي الذي يُنسب إلى الموظف وحده وبين الخطأ المرفقي الذي يُنسب لجهة الإدارة في مجال تحديد مسئولية الموظف عن خطئه الشخصي الذي يرتكبه أثناء الوظيفة أو بسببها.
حيث أنه من المُقرر في قضاء محكمة النقض أنه: "... ولئن كانت الإدارة مسئولة عن الموظف العام أمام المضرور عن التعويض المُستحق له عما يُصيبه من ضرر بسبب الخطأ الذي يرتكبه الموظف على أساس مسئولية المتبوع عن أعمال التابع المنصوص عليها في المادة 174 من القانون المدني سواء أكان هذا الخطأ شخصياً أو مرفقياً إلا أنها – وعلى ما نصت عليه المادة 58 من قانون العاملين المدنيين بالدولة رقم 46 لسنة 1964 المُقابلة للمادة 78/3 من القانون الحالي رقم 47 لسنة 1978 والمادة 57 من القانون رقم 61 لسنة 1964 في شأن هيئة الشرطة المُقابلة للمادة 47/3 من القانون اللاحق عليه رقم 109 لسنة 1971، وعلى ما أفصحت عنه المُذكرة الإيضاحية لهذا القانون الأخير – لا ترجع على هذا الموظف بما حُكِمَ به عليها من تعويض إلا إذا كان الخطأ الواقع منه خطأً شخصياً، إذ لا يُسأل الموظف في علاقته بالدولة عن هذا التعويض إذا كان ما وقع منه خطأً مصلحياً أو مرفقياً ولا يُعتبر ما وقع من الموظف خطأً شخصياً إلا إذا كان خطؤه جسيماً أو كان مدفوعاً بعوامل شخصية قصد بها مُجرد النكاية أو الإيذاء أو تحقيق منفعة ذاتية له أو لغيره ... وحيث أن مفاد الحكم قد استظهر خطأ الطاعن (ضابط شرطة) الجسيم الذي يبعد به عن المصلحة العامة واستهدف من ورائه تحقيق مصلحة شخصية هي مُجرد النكاية وإيذاء المطعون عليها الثانية مُجاملةً لطالب الشرطة، لما كان ذلك فإن الحكم إذ اعتبره خطأ يُجيز للمطعون عليه الأول بصفته الرجوع على الطاعن بالتعويض المحكوم به يكون صحيحاً فيما انتهى إليه من نتيجة لا يُفسده مُجرد القصور في أسبابه القانونية". (نقض مدني في الطعن رقم 933 لسنة 49 قضائية – جلسة 30/12/1980 مجموعة المكتب الفني – السنة 31 – الجزء الثاني – صـ 2175).
         وقد جاء في حيثيات ذلك الحكم ما يلي:

          لما كان ذلك، وطالما أن المُدعى عليه لم تتصف قراراته ولم تصطبغ أعماله في جهة عمله (الشركة المدعية) بطابع شخصي يكشف عن الإنسان بضعفه وشهواته وعدم تبصره وإنما كان غير مصطبغ بطابع شخصي وينم عن موظف مُعرض للخطأ والصواب فإن الخطأ (على فرض حدوثه) فإنه فى هذه الحالة يكون مصلحياً – حيث أن المدعى عليه لم تنصرف نيته وهو يؤدى واجبات وظيفته إلى قصد النكاية أو الإضرار أو تغيا منفعته الذاتية وبالتالي فإن تصرفه لا يُعد خطأً شخصياً حتى يتحمل نتائجه من ماله الخاص، لأن القرارات التي أصدرها والأعمال التي قام بها كان يهدف من ورائها إلى تحقيق الصالح العام وكانت نيته تنصرف لتحقيق الأهداف المنوط بالشركة التي يرأسها تحقيقها والتي تدخل فى وظيفتها الإدارية وبالتالي فإن خطأه (على فرض التسليم بحدوثه) يندمج فى أعمال الوظيفة بحيث لا يمكن فصله عنها ويعتبر من الأخطاء المنسوبة إلى المرفق العام ويكون خطأ الموظف فى هذه الحالة خطأ مصلحياً وبالتالي فلا يُسأل عن الضرر في حالة حدوثه ولا يحق للشركة أن ترجع عليه بطلب تحمل نتائجه من ماله الخاص. مما يعني أن دعوى التعويض المدنية هذه قد جاءت على غير سند من حقيقة الواقع أو صحيح القانون خليقة بالرفض وهو ما يطالب به المُدعى عليه على سبيل الجزم واليقين.
 ثالثاً- الطلبات
        لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة المحكمة من أسباب أصوب وأرشد، يلتمس المُدعى عليه الحكم له في الدعوى الماثلة بما يلي:
        أولاً- وبصفة أصلية: بسقوط حق الشركة المُدعية في الدعوى بالتقادم.
        ثانياً- وبصفة احتياطية: رفض الدعوى.
        وفي جميع الأحوال: إلزام الشركة المُدعية بالمصروفات ومُقابل أتعاب المُحاماة.
مع حفظ كافة حقوق المُدعى عليه الأخرى أياً ما كانت،،،

.........................................................

ملاحظات عامة:
        يشترط لتطبيق نظرية الخطأ المرفقي أن يكون العامل "موظفاً عاماً" يعمل في أحد أجهزة الدولة وليس عاملاً في "القطاع العام" أو "قطاع الأعمال" أو "القطاع الخاص".
        فمن المقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن - خطأ شخصي وخطأ مرفقي - عدم انطباق النظرية فى القطاع العام: "نشأت نظرية الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي نشأة قضائية واعتنقتها قوانين التوظف للعاملين المدنيين بالدولة ونظمتها بأن نصت على: "ألا يسأل العامل إلا عن خطئه الشخصي" - لا وجود لهذه النظرية فى مجال القطاع العام ولم تتضمنها أي من القوانين المنظمة للعاملين به - مؤدى ذلك: عدم انطباق هذه النظرية فى مجال القطاع العام". (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1310 لسنة 33 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 12/4/1988 مجموعة المكتب الفني – السنة 33 – صـ 1297 – القاعدة رقم 209 – فقرة 2).
        وقد جاء في حيثيات هذا الحكم ما يلي:

        هذا فضلاً عن أن ارتكاب الخطأ الشخصي وحده لا يرتب مسئولية الموظف، إذا لم يترتب ضرر للغير.
فمن المقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن: "عاملون مدنيون بالدولة - تأديب - مناط مسئولية العامل - الخطأ الشخصي وحده لا يكفى للمساءلة - المادة 78 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 والمادة 163 من القانون المدني - أن المشرع جعل كل خروج على واجب وظيفي أو إخلال بكرامة الوظيفة مرتباً لمسئولية العامل التأديبية فى حين لم يرتب المسئولية المدنية للعامل إلا إذا اتسم الخطأ الذى وقع منه بوصف شخصي والخطأ الشخصي وحده لا يكفى لتقرير مسئولية الموظف بل يجب أن يحدث ضرراً بسبب هذا الخطأ وهو الذى يتعين جبره على نحو ما اشترطه المشرع بنص المادة 163 سالفة الذكر والمقصود بالخطأ الشخصي الذى يسال الموظف فى ماله الخاص عن الضرر المترتب عليه هو ذلك الخطأ الذى يكشف عن الإنسان بضعفه ونزواته وعدم تبصره أو تبين أن العامل لم يعمل للصالح العام أو كان يعمل مدفوعاً بعوامل شخصية بقصد النكاية أو الإضرار أو لتحقيق منفعة ذاتية أو كان خطؤه جسيماً فانه يعتبر فى هذه الحالة خطأ شخصياً يسأل عنه فى ماله الخاص". (الطعن رقم 1082 لسنة 43 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 5/11/2000 مجموعة المكتب الفني – السنة 46 – القاعدة رقم 7 – صـ 57). 
        وقد جاء في حيثيات ذلك الحكم ما يلي:

         فإذا ما ثبت الخطأ الشخصي في حق الموظف العام، وترتب على هذا الخطأ ضرر للغير أو للجهة الإدارية، كان للجهة الإدارية الحق في الرجوع على الموظف العام في ماله الخاص.



فمن المقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن: "الإهمال الجسيم والتلاعب يشكل خطأ شخصياً - الخطأ المشترك - متى يتوافر ومتى لا يتوافر، مثال. إن الضرر الذى لحق بالجهة الإدارية كانت نتيجة الأخطاء التى أرتكبها المدعى وما انطوت عليه من إهمال جسيم يتمثل فى إثباته بيانات غير صحيحة فى استمارة الصرف واحتفاظه بأوراق الحاجزين وتلاعبه فى سجلات الحجوز ولا شك أن هذه الأخطاء التى تتابعت وبلغت حداً من الجسامة إنما تشكل خطأ شخصياً يسأل عنه وحده فى ماله الخاص ومن ثم يكون للجهة الإدارية أن ترجع عليه بقيمة الضرر الذى لحقها كاملاً وليس صحيحاً ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن جهة الإدارة قد شاركت فى هذا الخطأ بعدم أقامتها دعوى ضد المحجوز عليه لاسترداد ما دفع له دون وجه حق ومن ثم تشترك مع المدعى فى المسؤولية عن الضرر - الذى ترتب نتيجة خطئها - وذلك لأن الثابت من وقائع الدعوى أن المدعى قد وقع فى خطأ عدم التنبيه إلى وجود الحجز مما نجم عنه كنتيجة مباشرة اضطرار الجهة الإدارية إلى أن تصرف مبلغ 625.438 جنيها مرتين الأولى للحاجز والثانية للمحجوز عليه وهو الضرر المطالب بالتعويض عنه ولئن جاز القول بأن الإدارة كان فى وسعها أن تتدارك نتيجة خطأ المدعى لو أنها رجعت على المحجوز عليه بدعوى استرداد ما فع بدون وجه حق خلال مدة معينة وأنها وقد قعدت عن هذا التدارك نتيجة الخطأ الذى هو خطأ المدعى وليس خطؤها - فإنها قد أخطأت بدورها - فإنه مع التسليم فرضاً بوقوع هذا الخطأ من جانب الإدارة لا ينطوي ذلك على صورة من صور الخطأ المشترك المطالب فى هذه الدعوى بالتعويض عنه، لأن لكل من الخطأين - خطأ المدعى الذى نتج عنه الدفع مرتين، وخطأ الحكومة بتفويت ميعاد الرجوع على المحجوز عليه لتدارك خطأ المدعى - لكل من هذين الخطأين موضوعه ونطاقه الزمني المستقل عن الآخر، ومن المسلم أن الخطأ المشترك ينتفي إذا كان ثمة خطآن متميزان كل منهما أحدث أثراً مستقلاً عن الآخر كما هو الحال فى هذه الدعوى. وفضلاً عن ذلك فإن جهة الإدارة فيما تعمد إليه من وسيلة للحصول على التعويض عن الضرر الذى لحق بها نتيجة لخطأ الموظف الشخصي قد تكفى بالرجوع عن هذا الموظف بالخصم من مستحقاته لديها عن طريق التنفيذ المباشر مؤثرة ذلك على سلوك سبيل المطالبة القضائية للمحجوز عليه لاسترداد ما دفع إليه بدون وجه حق وهي لا شك تترخص فى اختيار الطريق الذى تحصل على دينها الذى ثبت لها بيقين فى ذمة المدعي". (الطعن رقم 542 لسنة 16 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 10/6/1973 مجموعة المكتب الفني – السنة 18 – صـ 138 – فقرة 1).


* ولا يختلف الحكم القانوني – في كل ما تقدم – في دولة الكويت عنه في مصر، حيث إنه المقرر في قضاء محكمة التمييز الكويتية أنه: "مسئولية - يجب التمييز في نطاق مسئولية الدولة من أعمال تابعيها بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي، فلا يجوز للإدارة أن ترجع علي أي من تابعيها لاقتضاء ما تحملته من أضرار عن أخطائهم إلا إذا أتسم الخطأ بطابع شخصي أما إذا كان هذا الخطأ مرفقياً تحملت الإدارة ما ترتب علي هذا الخطأ من تعويض. الرأي. إبداء الرأي حول مدي إمكانية إعفاء السائق/ ............... من قيمة التعويضات التي تحملتها الوزارة نتيجة لارتكابه حادث أثناء قيادته سيارة الإسعاف.
وتتحصل الوقائع وفقاً للثابت من الأوراق في أنه بتاريخ ............... كان السائق/ ............... يقود سيارة الإسعاف الخاصة بمستوصف الصليبية رقم ............... حكومة لنقل المريضة ............... التي كانت تعاني من هبوط حاد بالدورة الدموية إلي مستشفي الفروانية وفي الطريق وعند إشارة مرور الفردوس أستمر السائق المذكور في السير متخطياً السيارات ومتجاوزاً إشارة المرور الحمراء فاصطدم بإحدى السيارات الخاصة مما أدي إلي انقلاب سيارة الإسعاف ووفاة المريضة ............... وإصابة كل من ............... و ............... مرافقي المريضة المذكورة، وقد قيدت الواقعة برقم 1983/523 مرور مخفر الفردوس.
وبتاريخ ............... قضت محكمة المرور غيابياً بحبس السائق المذكور ثلاثة أشهر مع الشغل عن التهم المسندة إليه، وبتاريخ ............... عدل الحكم في المعارضة بالاكتفاء بتغريم المتهم مائتي وخمسة وعشرون ديناراً، وبتاريخ ............... تأييدها هذا الحكم استئنافياً وأصبح نهائياً.
أقام ورثة المرحومة ............... الدعوى رقم ............... ضد الوزارة لمطالبتها بالدية الشرعية ولتعويضهم عن الأضرار الأدبية التي أصابتهم نتيجة وفاة مورثتهم نظراً لأن المتهم المذكور أرتكب الحادث أثناء تأديته لعمله وبسببه.
وبتاريخ ............... حكمت المحكمة الكلية بإلزام وكيل وزارة الصحة بصفته بأن يدفع للمدعيات مبلغ عشرة آلاف دينار يتقاسمنه وفقا للأنصبة الشرعية وكذا مبلغ ألف دينار للمدعية الثانية ولكل من المدعية الأولي والثالثة مبلغ مائتان وخمسون ديناراً وأصبح هذا الحكم نهائياً.
وبتاريخ ............... حكمت المحكمة الكلية في الدعوى رقم ............... المقامة من ............... و ............... بإلزام وكيل وزارة الصحة بصفته بأن يؤدي للمدعى الأول مبلغ 13.000 د.ك وللمدعية الثانية آلفي دينار وألزمت الوزارة المصاريف وقد استأنفت الوزارة هذا الحكم، وبتاريخ ............... قضت المحكمة بتعديل ما قضي به الحكم المستأنف من تعويض للمستأنف عليه الأول إلي مبلغ ............... د.ك.
وإذ تطلبون إبداء الرأي حول مدي إمكان إعفاء المذكور من قيمة التعويضات التي تحملتها الوزارة نتيجة ارتكابه الحادث المذكور أثناء تأدية عمله وبسببه باعتبار أن السائق المذكور كان ينقل بسيارة الإسعاف مريضة تعاني من هبوط حاد بالدورة الدموية مما يستدعي نقلها إلي المستشفي بأقصى سرعة ممكنة حيث أن التأخير في العلاج لمدة دقائق معدودة في مثل هذه الحالات قد يؤدي إلي الوفاة.
وبعرض هذا الموضوع علي الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بالإدارة بجلستها المنعقدة بتاريخ 1988/6/16 فاستبان لها أن الفقرة الأولي من المادة (240) من القانون المدني تنص علي أنه: " يكون المتبوع مسئولاً في مواجهة المضرور عن الضرر الذي يحدثه تابعة بعمله غير المشروع متى كان واقعاً منه في أداء وظيفته أو بسببها".
وتنص المادة (241) من ذات القانون علي أن: "للمسئول عن عمل الغير أن يرجع عليه بكل ما يدفعه للمضرور تعويضاً عن عمله غير المشروع".
ومؤدى ما تقدم أن للمتبوع الحق في الرجوع علي تابعه بما دفعه للمضرور من تعويضات عن عمل تابعه غير المشروع الذي يقع منه في أثناء أداء وظيفته أو بسببها.
ومن حيث الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع قد رأت في جلستها التي عقدت بتاريخ 1987/1/28 أنه يجب التمييز في نطاق مسئولية الدولة عن أعمال تابعيها لاقتضاء ما تحملته من أضرار عن أخطائهم إلا إذا اتسم الخطأ بطابع شخصي، أما إذا كان هذا الخطأ مرفقياً تحملت الإدارة ما يترتب علي هذا الخطأ من تعويض. 
ويعتبر الخطأ شخصيا ويسأل عنه الموظف في ماله الخاص إذا كان الفعل الذي يشكل الخطأ مما يكشف عن نزوات مرتكبه وعدم تبصره وإنه قد تغيا منفعته الشخصية أو إذا كان الموظف قد قصد بفعله هذا النكاية أو الإضرار بالغير وكان الخطأ الذي قارفه جسيماً، أما إذا كان الفعل الذي أتاه الموظف الذي تسبب عنه الضرر مطبوعاً بطابع غير شخصي وينم عن موظف معرض للخطأ والصواب عد هذا الخطأ مرفقياً يندمج في أعمال الوظيفة بحيث لا يمكن فصله عنها ويعتبر من الأخطاء المنسوبة إلي المرفق.
ومن حيث أن معيار التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي علي هذا النحو السابق إنما هو معيار مستمد من الأصول العامة في القانون الإداري وهو بذلك لا يرتبط بحكم اللزوم مع معيار الخطأ الجزائي وفقا لمفهوم قانون الجزاء ومقتضى ذلك أنه إذا أدين موظف عن واقعة أثناء عمله وبسببه فإن مجرد الإدانة وفقاً لقانون الجزاء لا تقطع حتماً في أنه قد أرتكب خطأ شخصياً وإنما يتعين البحث فيما إذا كان الخطأ الذي نسب إليه يعد خطأ شخصياً أم خطأ مرفقيا وفقاً للمعيار السابق بيانه في ضوء ظروف كل حالة علي حدة.
ومن حيث أن طبيعة عمل سائقي الإسعاف تتطلب منه سرعة الانتقال إلي مكان وجود المريض أو المصاب ونقله بأقصى سرعة ممكنة حتى يمكن إسعافه الأمر الذي يعرض هؤلاء السائقين إلي الحوادث ولقد راعي المشرع ذلك حيث نص بالمادة (125) من قرار وزير الداخلية رقم 81 لسنة 1976 باللائحة التنفيذية لقانون المرور علي أن: "علي قائد المركبات وغيرهم من مستعملي الطريق إفساحه لمرور مركبات الطوارئ المعتمدة كالإطفاء والإسعاف والشرطة والدفاع المدني - أثناء تحركها متجهة للقيام بخدمة طارئة عاجلة وتستعمل هذه المركبات أجهزة التنبيه الصوتية والضوئية الخاصة ويكون إفساح الطريق بالتزام الجانب الأيمن مع تهدئة السرعة إلي أقصي درجة ممكنة أو التوقف علي جانب الطريق إذا اقتضى الأمر، ولقائدي هذه المركبات أثناء اتجاهها لمكان القيام بالخدمة عدم التقيد عند الضرورة بقواعد المرور وإشاراته وعلاماته بشرط بذل أقصي العناية والحرص اللازمين وعدم تعريض حياة الأشخاص أو الأموال للخطر مع استعمال أجهزة التنبيه المشار إليها ولا تسري هذه الأحكام الاستثنائية أثناء عودة هذه المركبات بعد الانتهاء من أداء مهمتها".
ومن حيث أنه بالإطلاع علي التحقيقات التي أجرتها الشرطة في هذا الشأن يبين أن السائق المذكور كان أثناء الحادث يقوم بنقل مريضة تعاني من هبوط حاد في الدورة الدموية مما يستدعي نقلها إلي المستشفي بأقصى سرعة ممكنة الأمر الذي تتطلب من المذكور مخالفة قواعد المرور وعدم الوقوف في الإشارة الحمراء وقد أقر الشهود بأن سيارة الإسعاف كانت تسير بسرعة عادية وأن السائق أستعمل الكابح "الفرامل" عند دخول التقاطع وأن أنوار الفلاش كانت مضاءة، وعلي ذلك فإن ما وقع من المذكور في الظروف المحيطة يعتبر بالواقعة خطأ مرفقياً ينسب إلي المرفق وتتحمل الوزارة نتائجه.      
لذلك فقد انتهي رأي الجمعية العمومية إلي عدم الرجوع علي السائق المذكور بقيمة التعويضات التي دفعتها وزارة الصحة نتيجة ارتكابه الحادث المشار إليه". (فتوى رقم  87/380/2 فى 1988/6/25. والطعن بالتمييز رقم 380 لسنة 1988 جلسة 25/6/1988 مجموعة المكتب الفني السنة 10 صـ 219). 

 
كما قضت محكمة التمييز الكويتية (برئاسة السيد المستشار/ عبد الله علي العيسي وكيل المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد أحمد سلام و أحمد نشأت راغب و جلال الدين أنسى و عبد المنصف هاشم) بأنه: "متى كان الموظف قد قدم للمحاكمة الجزائية عن الخطأ الذى نسب إليه وقُضِىَ بإدانته من أجله باعتباره خطأ شخصياً جسيماً بلغ حد الجريمة التى تقع تحت طائلة قانون الجزاء فلا يكون ثمة محل لإسناد هذا الخطأ إلى المرفق ذاته ويتعين من ثم اعتبار الموظف مسئولاً مدنياً عن تعويض الأضرار الناتجة عن الخطأ الذى وقع منه وثبت فى حقه. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على قول أن مسئولية الطاعن "ليست مسئولية مرفقية ... بل هي مسئولية شخصية عن خطئه فى قيادة السيارة رقم 6380 جيش برجوعه بها إلى الخلف بدون انتباه وهو الأمر الذى أُدِينَ من أجله جزائياً وكان هذا الفعل الخاطئ من جانبه هو أساس مسئولية المدنية عما لحق المضرورين من أضرار مادية وأدبية" وهى أسباب تتفق وصحيح القانون فإن النعي على الحكم بهذا السبب يكون غير سديد". (تمييز مدني في الطعن رقم 37 لسنة 1989 – جلسة 2/4/1990 مجموعة المكتب الفني – السنة 18 – صـ 274).


هذا، والله أعلى وأعلم،،،