الأربعاء، 27 يونيو 2018

الوجيز في علوم الكتاب العزيز - للأستاذ/ مشعل الحداري




الـــوجيـــــــز
فـي
علــوم الكتــاب العزيـــز


إعداد: مشعل الحداري

تقديم أ. د. السيد محمد نوح
مدير برنامج الحديث وعلومه
الدراسات العليا – كلية الشريعة – جامعة الكويت


تقديم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى أله وأصحابه والسالكين سبيله والداعين بدعوته إلى يوم الدين.
وبعد،،،
فإن كتاب الله: القرآن الكريم هو كتاب الحياة، وقد أنزله الله للناس ليدبروا آياته، وليعلموا بمقتضى هذا التدبير، وينشروا هذا الكتاب في العالمين، ويحموه من كيد الكائدين، وعبث العابثين.
ولا شك أن هنالك سبلا كثيرة تعين على تدبر القرآن الكريم وفقهه، بيد أن أبرز هذه السبل إنما هو الإلمام بعلوم القرآن الكريم، تلك التي صارت علما على ما وضعه علماؤنا من علوم تسهم في فقه القرآن، وتدبره سواء منها ما يتصل بالثقة اليقينية في أن القرآن الكريم كلام الله وحده، أو ما يتصل بأدائه خاليا من أي لحن أو تحريف أو تصحيف، أو ما يتصل بفهمه فهما وسطا لا غلو فيه ولا شطط، ولا تفريط ولا تضييع، أو ما يتصل بالشبهات التي أثيرت وما تزال تثار حوله من قبل الحاقدين، والمغرضين. 
وقد كثرت المصنفات في علوم القرآن الكريم من قديم ما بين مطول، ومتوسط ومختصر، وما بين واضح، وغامض، ومع ذلك فلا تزال المكتبة القرآنية بحاجه إلى كتابه منهجه في علوم القرآن الكريم، تحفها السهولة والتبسيط، والبعد عن الحشو، والتطويل.
والأخ الشيخ/ مشعل الحداري تكفل بهذا في مؤلفه السهل الجامع لأطراف علوم القرآن، مع الدقة، والمنهجية: "الوجيز في علوم الكتاب العزيز" أحسبه كذلك، والله حسيبه، ولا أزكى على الله أحدا.
وأسال الله قبوله، ونفع المسلمين به في مشارق الأرض ومغاربها إنه ولي ذلك والقادر عليه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أ. د. السيد محمد نوح
مدير برنامج الحديث الشريف وعلومه
الدراسات العليا ـ كلية الشريعة ـ جامعة الكويت
في 29من شوال 1422هـ
12 من يناير 2002م

مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد ،،،
فهذا مختصر في علوم القرآن الكريم، أردت أن أجمع فيه بين: الإيجاز، والتوثيق العلمي، والعرض التربوي.
فإن أصبت فالحمد لله ـ تعالى ـ وإن كانت الأخرى فاستغفر الله ـ عز وجل ـ وأتوب إليه.
كتبه
مشعل الحداري
الكويت في: 17/1142هـ
الموافق: 1/1/2002هـ


1- علوم القرآن
معناه ونشأته

معنى علوم القرآن:
  علوم القرآن مركب أضافي من كلمتي "علوم"، "والقرآن ".
- معنى العلم:
والعلوم: جمع علم.
والعلم : الفهم والإدراك.
ثم نقل بمعنى: المسائل المختلفة المضبوطة ضبطاً علمياً.
- معنى القرآن:
أما القرآن فهو في اللغة:
مصدر قرأ، بمعنى: جمع، وضم.
فالقراءة: ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل.
قال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} (القيامة: 17-18)، أي: أن نقرئك فلا تنسى.
وفي الاصطلاح:
كلام الله، المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -، المتعبد بتلاوته.
- محترزات التعريف:
1- فخرج بقولنا " كلام الله ": كلام المخلوقين.
2- و " المنزل ": يخرج كلام الله الذي استأثر به سبحانه.
قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} (لقمان: 27).
3- وتقييد المنزل بكونه " على محمد - صلى الله عليه وسلم - " يخرج ما أنزل على الأنبياء قبله، كالتوراة، والإنجيل، وغيرهما.
4- والمتعبد بتلاوته يخرج القراءات المخالفة لرسم المصحف، والأحاديث القدسية على القول أنها منزلة من عند الله بألفاظها.
فظهر أن المراد بعلوم القرآن:
"العلم الذي يتناول الأبحاث المتعلقة بالقرآن. وذلك من حيث معرفه أسباب النزول، وجمع القرآن وترتيبه، ومعرفة الملكي والمدني، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، إلى غير ذلك مما له صلة بالقرآن". 

نشأة علوم القرآن:
 تعد علوم القرآن ثمرة نضوج العلوم المختلفة المتعلقة بالقرآن الكريم، وعلى رأسها علم التفسير.

وكانت نشأة علم التفسير على ثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى:
بدأ التفسير أولاً بالنقل عن طريق التلقي والرواية.
قال أبو عبد الرحمن السلمي:
"إنما أخذنا القرآن عن قوم أخبرونا أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأخر حتى يعلموا ما فيهن من العمل.
 قال: فتعلمنا العلم والعمل جميعاً".

- المرحلة الثانية:
ثم كان تدوينه على أنه باب من أبواب الحديث.
وممن اشتهر بذلك في هذه المرحلة: يزيد بن هارون السلمي ( ت 117 هـ).

- المرحلة الثالثة:
 ثم دون على استقلال وانفراد، وتتابع التفسير بالمأثور، ثم التفسير بالرأي.
وبإزاء علم التفسير كان التأليف في موضوعات تتصل بالقرآن، ولا يستغنى عنها المفسر.
فألف ميمون بن مهران ( ت 117 هـ )، وعلي بن المديني ( ت 234هـ ) في أسباب النزول.
وألف أبو عبيد القاسم بن سلام ( ت 224 هـ ) في الناسخ والمنسوخ، وفي القراءات.
وألف عبدالله بن مسلم، المشهور بابن قتيبة ( ت 276 هـ ) في مشكل القرآن.
وهكذا تتابع التأليف في بقية علوم القرآن إلى أن ألفت مؤلفات ضمنت عبارة " علوم القرآن " في عناوينها لأول مرة في القرن الرابع.
فقد ألف محمد بن خلف بن المزربان ( ت309 هـ ) " الحاوي في علوم القرآن ".
ولم يصل إلينا هذا الكتاب، لذا لا ندري هل يدخل ضمن " علوم القرآن " الذي سبق تعريفه آنفا، أم أنه داخل ضمن علم التفسير.

من أول من ألف في علوم القرآن:
أما جمع هذه المباحث وتلك الأنواع – كلها أو جلها – في مؤلف واحد فقد ألف:
1- علي بن إبراهيم بن سعيد الحوفي ( ت 430 هـ ) كتاب "البرهان في علوم القرآن".
2- ثم تبعه عبد الرحمن بن الجوزي ( ت 597 هـ ) في كتابه: "فنون الأفنان في عيون علوم القرآن".
3- ثم جاء بدر الدين الزركشي ( ت 794 هـ ) وألف كتاباً وافيا سماه: "البرهان في علوم القرآن".
4- ثم أضاف إليه بعض الزيادات جلال الدين البلقيني ( ت 824 هـ ) في كتابه: "مواقع العلوم من مواقع النجوم".
5- ثم ألف جلال الدين السيوطي ( ت 911هـ ) كتابه المشهور "الإتقان في علوم القرآن".
ثم تتالت المؤلفات بعد ذلك معتمدة على كتب المتقدمين إلى عصرنا هذا.


2- الوحي
معناه وأنواعه

معنى الوحي:
1- الوحي في اللغة:
الإعلام في خفاء.
2- الوحي في الاصطلاح:
 الإعلام بالشرع.
 وقد يطلق ويراد به اسم المفعول منه، أي الموحى وهو: كلام الله المنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم –.
من استعمالات الوحي في القرآن:
تناول القرآن الكريم لفظة "الوحي" في عدة استعمالات، منها:
1- الوحي بمعناه الاصطلاحي:
قال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} (النساء: 163-164).
2- الإلهام الفطري للإنسان:
قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} (القصص: 7).
3- الإلهام الغريزي للحيوان:
قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} (النحل: 68).
4- الإشارة السريعة على سبيل الرمز والإيحاء:
قال تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} (مريم: 11).
5- الوسوسة وتزيين الشر في نفوس الآخرين:
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً}  (الأنعام: 112).
6- ما يلقيه الله إلى ملائكته من أمر ليفعلوه:
قال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ} (الأنفال: 12).

أنواع الوحي:
- النوع الأول:
الوحي بواسطة جبريل – عليه السلام – ملك الوحي، وهو الذي نزل به القرآن.
ولا تخلو كيفيته من إحدى حالتين:
- الحالة الأولى:
أن يأتيه مثل صلصلة الجرس، وهي أشده على الرسول - صلى الله عليه وسلم -.  
- الحالة الثانية:
أن يتمثل له الملك رجلاً، ويأتيه في صورة بشر، وهذه الحالة أخف من سابقتها.
- دليلهما:
ما روي عن عائشة – أم المؤمنين، ورضي الله عنها – أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، كيف الوحي ؟
فقال - صلى الله عليه وسلم – "أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس - وهو أشده علي ّ - فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال. وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول".

- النوع الثاني:
الوحي بغير واسطة.
وفيه نوعان:
- النوع الأول:
الرؤيا الصالحة في المنام:
فعن عائشة – أم المؤمنين، ورضي الله عنها – قالت: "أول ما بدئ به - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا الصالحة في النوم. فكان لا يرى رؤيا إلا وجاءت مثل فلق الصبح".
- النوع الثاني:
الكلام الإلهي من وراء حجاب يقظة.
دليل أنواع الوحي من القرآن:
- ودليل هذه الأنواع مع ما تضمنته من حالات وأنواع قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ
[ 1 ] إلا وحيا
[ 2 ] أو من وراء حجاب
[ 3 ] أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} (الشورى: 51).
فالنوع الأول بحالتيه هو القسم الثالث من أقسام التكليم الإلهي المشار إليه في هذه الآية.


3- القرآن الكريم
أهميته وأسماؤه وصفاته وآدابه

أهمية القرآن الكريم:
القرآن الكريم هو صراط الله المستقيم، وحبله المتين، والنور الهادي إلى الحق، فيه نبأ من قبلنا، وحكم ما بيننا، وخبر ما بعدنا، من أخذ به رفعه الله، ومن تركه خذله الله.
أراد الله – عز وجل – أن يصلح به ما بين العبد وربه، وما بين العبد ونفسه، وما بين العبد ومجتمعه، وما بين المجتمع والمجتمعات الأخرى.
قال الله – عز وجل -: {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (المائدة: 15-16).

أسماء القرآن الكريم:
سمى الله – عز وجل – القرآن الكريم بأسماء كثيرة، منها:
1- "القرآن":
قال تعالى: {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء: 9).
2- "الكتاب":
قال تعالى: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ} (الأنبياء: 10).
وهما الغالب من أسمائه.
3- "الفرقان":
قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} (الفرقان: 1).
4- "الذكر":
قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9).
5- "التنزيل":
قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء: 192).
إلى غير ذلك مما ورد في القرآن الكريم.

صفات القرآن الكريم:
ووصف الله – عز وجل – القرآن الكريم بأوصاف كثيرة كذلك، منها:
1- "نور":
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً} (النساء: 174).
2- "مبارك":
قال تعالى: {وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} (الأنعام: 92).
3- "مبين":
قال تعالى: {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} (المائدة: 15).
4-"بشرى":
قال تعالى: {مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (البقرة: 97).
5- "مجيد":
قال تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيد} (البروج: 21).
وغير ذلك مما ورد في القرآن الكريم.
وكل تسمية أو وصف فهو باعتبار معنى من معاني القرآن الكريم.

آداب القرآن الكريم:
1- يستحب لقارئ القرآن الكريم أن يكون على طهارة، في نفسه، وثيابه، ومجلسه.
2- وإذا تثاءب أمسك عن القراءة حتى ينقضي التثاؤب، لأنه إذا قرأ القرآن الكريم فهو مخاطب ربه، مناج له، والتثاؤب من الشيطان.
3- وأن لا يقرأ في الأسواق، ولا في مواطن اللغط واللهو ومجمع السفهاء، ألا ترى أن الله ـ عز وجل ـ ذكر عباد الرحمن وأثنى عليهم بأنهم إذا مروا باللغو مروا كراما. هذا لمروره بنفسه، فكيف إذا مر بالقرآن الكريم تلاوة بين ظهراني أهل اللغط والسفهاء ؟
4- ومن الآداب أن يتجنب الضحك، والحديث الأجنبي أثناء القراءة إلا لحاجة كرد السلام أو تشمت العاطس.
5- ويستحب له أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم قبل القراءة لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (النحل: 98).
6- أن لا يمس المصحف إلا على طهارة أخذا بالأحواط وخروجا من الخلاف، ولأنه أدل على تعظيم القرآن الكريم وإجلاله.
إلى غير ذلك من الآداب الإسلامية المشهورة.


4 ، 5 – نزول القرآن الكريم

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (البقرة: 184).
ويقول: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (القدر: 1).
ويقول: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} (الدخان: 3).

اختلف أهل العلم في المراد بهذا الإنزال على أقوال:
القول الأول:
أن المراد بنزول القرآن في تلك الآيات الثلاث نزوله جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا، تعظيما لشأنه عند ملائكته، ثم نزل بعد ذلك منجما على رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - في ثلاث وعشرين سنة.
وبه قال ابن عباس.

القول الثاني:
أن المراد بنزول القرآن الكريم في الآيات الثلاث ابتداء نزوله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى هذا فليس للقرآن سوى نزول واحد هو نزوله منجما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وبه قال الشعبي:
واستدل بأن:
1- القرآن جاء به، قال تعالى: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً} (الإسراء: 106).
2- وجادل فيه المشركون الذين نقل إليهم نزول الكتب السماوية السابقة جملة واحدة، قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً * وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} (الفرقان: 32-33).
3- ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوحي إليه يقظة في شهر رمضان بأقراء.

القول الثالث:
أن القران الكريم أنزل من السماء الدنيا في ثلاث وعشرين ليلة القدر، في كل ليلة منها ما يقدر الله إنزاله في كل سنة، وهذا القدر الذي ينزل في ليلة القدر إلى السماء الدنيا لسنة كاملة ينزل بعد ذلك منجما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جميع السنة.

القول الراجح:
القول الأول، وبه قال الجمهور - كما تقدم -، ولأن القول الثاني لا يعارضه، أما القول الثالث فهو اجتهاد من بعض المفسرين، ولا دليل عليه، والله أعلم.

نزول القرآن الكريم منجماً:
معني التنجيم:
التنجيم مأخوذ من تنجيم الدين، وهو تفريق سداده.
واصله أن العرب كانت تجعل مطالع منازل القمر ومساقطها مواقيت حلول ديونها وغيرها، فتقول: إذا طلع النجم الفلاني حل عليك مالي.
فلما جاء الإسلام جعل الله تعالى الأهلة مواقيت لما يحتاجون إليه من معرفة أوقات الحج والصوم ومحل الديون، وسموها نجوما اعتبارا بالرسم القديم الذي ألفوه.
فتنجم القرآن هو تفريقه حسب الوقائع والأحداث.

الدليل على نزول القرآن منجما:
1- قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} (الشعراء: 192ـ195).
2- وقوله تعالى: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً}  (الإسراء: 106).
وغير ذلك من الآيات.

الفرق بين الإنزال والتنزيل:
وردت الآيات القرآنية في سياق أثبات نزول القرآن بألفاظ منها لفظ" الإنزال" ولفظ " التنزيل " وعلماء اللغة يفرقون بينهما، فالتنزيل لما نزل مفرقا، والإنزال أعم.

الفرق بين نزول القرآن والكتب السماوية الأخرى:
تقدم الكلام على نزول القرآن الكريم، أما بقية الكتب السماوية الأخرى - كالتوراة، والإنجيل، والزبور، وغيرها - فكان نزولها جملة، ولم تنزل مفرقة.
يدل على هذا قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} (الفرقان: 32).

كمية الآيات في نزول القرآن الواحد:
دلت الأحاديث الصحيحة على أن القرآن كان ينزل بحسب الحاجة: خمس آيات، وعشر آيات وأكثر، وأقل.
وقد صح نزول العشر آيات جملة في قصة الإفك، وصح نزول: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَر} (النساء: 95) وحدها، وهي بعض آية.

حكمة نزول القرآن منجما:
1- تثبت فؤاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} (الفرقان: 32).

2- التحدي والإعجاز:
فالمشركون تمادوا في غيهم، وبالغوا في عتوهم، وكانوا يسألون أسئلة تعجيز وتحد يمتحنون بها رسول الله في نبوته، كما في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ} (الأعراف: 187)، وغير ذلك من الآيات.
وحيث عجبوا من نزول القرآن الكريم منجما بين الله لهم الحق في ذلك، فإن تحديهم به مفرقا مع عجزهم عن الإتيان بمثله أدخل في الإعجاز، وأبلغ في الحجة من أن ينزل جملة ويقال لهم: جيئوا بمثله.

3- تيسير حفظة وفهمه:
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (الجمعة: 2).

4- مسايرة الحوادث والتدرج في التشريع:
فكلما جد لهم جديد، نزل من القرآن الكريم ما يناسبه.
ويضع لهم أصول التشريع حسب المقتضيات أصلا بعد آخر، فكان هذا طباً لقلوبهم. فمثلاً أصل حرمة الدماء نزل بمكة {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ} (الإسراء: 33)، ولكن تفصيل عقوباتها في الاعتداء على النفس والأطراف نزل بالمدينة.

5- الدلالة القاطعة على أن القرآن من حكيم حميد:
فتنجيمه في أكثر من عشرين عاما مع إحكام نسجه، ودقة سبكه، وترابط معانيه، ورصانة أسلوبه، وتناسق الآيات والسور فيه، لأعظم دليل عل أنه من لدن العزيز الخبير.

نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف:
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبع أحرف".
واختلف العلماء في تفسير هذه الأحرف اختلافا كثيراً على نحو أربعين قولا.
وأكثر هذه الأقوال متداخل، نورد ما هو ذو بال منها:

1- سبع لغات من لغات العرب في التعبير عن المعني الواحد، نحو:
أقبل وتعال وهلم وعجل وأسرع، وبه قال أكثر العلماء.
واختلفوا في تحديد اللغات السبع، فقيل:
أ‌- قريش، وهذيل، وثقيف، وهوازن، وكنانة، وتميم، واليمن.
ب‌- قريش، وهذيل، والأزد، وهوازن، وربيعة، وتميم، وسعد بن بكر. وقيل غير ذلك.

2- سبع لغات من لغات العرب نزل عليها القرآن:
على معنى أنه نزل في جملته لا يخرج في كلماته عن سبع لغات هي أفصح لغاتهم، وأكثره بلغة قريش، ومنه ما هو بلغة هذيل، أو: ثقيف، أو: هوازن، أو: كنانة، أو: تميم أو: اليمن.

3- أوجه سبعة من:
الأمر، والنهي، والوعد، والوعيد، والجدل، والقصص، والمثل.
أو من: الأمر، والنهي، والحلال، والحرام، والمحكم، والمتشابه، والأمثال.  

4- وجوه التغاير السبعة التي يقع فيها الاختلاف، وهي:
أ) اختلاف الأسماء بالإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث:
مثاله: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (المؤمنون: 8).
قرئ "لأماناتهم" بالجمع، وقرئ "لأمانتهم" بالإفراد.
ب) الاختلاف في وجوه الإعراب:
مثاله: قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ} (البقرة: 37).
 قرئ بنصب " آدمَ " ورفع " كلمات".
ت) الاختلاف في التصرف:
مثاله: قوله تعالى: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} (سبأ: 19).
قرئ بنصب "ربنا" على أنه منادى مضاف، "وباعدْ" بصيغة الأمر.
وقرئ "ربنا" بالرفع، و"باعد" بفتح العين، على أنه فعل ماض.
وقرئ "بعد" بفتح العين مشددة، مع رفع "ربنا" أيضا.
ومن ذلك ما يكون بتغيير حرف، مثل: "يعلمون" و "تعلمون".
ث) الاختلاف بالتقديم والتأخير:
- إما في الحرف:
كقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ} (الرعد: 31).
 وقرئ {أفلم يأيس}.
- وإما في الكلمة:
كقوله تعالى: {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} (التوبة: 111)، بالبناء للفاعل في الأول، وللمفعول في الثاني.
وقرئ بالعكس، أي: بالبناء للمفعول في الأول، وللفاعل في الثاني.
ج) الاختلاف بالإبدال:
- سواء كان إبدال حرف بحرف:
كقوله تعالى: {وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا} (البقرة: 259).
قرئ بالزاي المعجمة مع ضم النون.
وقرئ بالراء المهملة مع فتح النون.
- أو إبدال لفظ بلفظ:
كقوله تعالى: {كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} (القارعة: 5).
قرأ ابن مسعود وغيره {كالصوف المنفوش}
- وقد يكون هذا الإبدال مع التفاوت في المخارج:
كقوله تعالى: {طَلْحٍ مَّنضُودٍ} (الواقعة: 29).
وقرئ (طلع).
ومخرج الحاء والعين واحد، فهما من حروف الحلق.
ح) الاختلاف بالزيادة والنقص:  
- فالزيادة كقوله تعالى:
{وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَار} (التوبة: 100). 
قرئ {مِن تَحْتِهَا الأَنْهَار} بزيادة "من"، وهما قراءتان متواترتان.
- والنقصان كقوله تعالى:
{وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً} بدون واو.
وقراءة الجمهور {وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً} بالواو (البقرة: 116).  
خ) اختلاف اللهجات بالتفخيم والترقيق، والفتح والإمالة، والإظهار والإدغام، والهمزة والتسهيل، والإشمام، ونحو ذلك:
- كالإمالة وعدمها
في مثل قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} (طه: 9).
- قرئ بإمالة (أتى) و (موسى).
- وترقيق الراء في قوله: {خَبِيرَاً بَصِيراً} (الإسراء: 17 ، 30 ، 96).
- وتفخيم اللام:
في {الطلاق} (البقرة: 227 ، 229).
- وتسهيل الهمزة:
في قوله: {قد أفلح} (المؤمنون: 1).
- وإشمام الغين ضمه مع الكسر:
في قوله تعالى: {وغيض الماء} (هود: 44) وهكذا.

5- لا مفهوم للعدد سبعة:
وإنما هو رمز إلى ما ألفه العرب من معني الكمال في هذا العدد، حيث يطلق ويراد به الكثرة والكمال، ولا يراد العدد المعين.

6- القراءات السبع:
القول الراجح:
القول الأول.
ويدل عليه ما جاء في حديث ابي كعب قال: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " يا أبي، إني أقرئت القرآن، فقيل لي على حرف أو حرفين؟ فقال الملك الذي معي: قل على حرفين. قلت على حرفين. فقيل لي على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الذي معي: قل على ثلاثة. فقلت على ثلاثة؟ حتى بلغ سبعة أحرف، ثم قال: ليس منها إلا شاف كاف، إن قلت: سميعاً عليماً، عزيزا حكيما، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب".
2- ويجاب عن القول الثاني: بأن لغات العرب أكثر من سبع، بأن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم اختلفت قراءتهما وهما قرشيان.
3- ويجاب عن القول الثالث: بأن ظاهر الأحاديث يدل على أن المراد بالأحرف السبعة أن الكلمة تقرأ على وجهين أو ثلاثة إلى سبعة توسعة للأمة، الشيء الواحد لا يكون حلالا وحراماً في أية واحدة.
4- ويجاب عن القول الرابع - على قوته -: بأن هذا وإن كان شائعا مقبولا لكنه لا ينهض أمام أدلة القول الأول.
5- ويجاب عن القول الخامس: بأن الأحاديث تنص على حقيقة العدد وانحصاره، وكما يدل عليه لفظ " فراجعته ".
6- ويجاب عن الرأي السادس: بأنه خلاف إجماع أهل بالعلم قاطبة حيث فرقوا بين القرآن: وهو الوحي المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - للبيان والإعجاز، وبين القراءات: وهي اختلاف في كيفية النطق بألفاظ الوحي.
وكما أن القراءات المتواترة أكثر من سبع - كما سيأتي-، ولم يحصل التقييد بهذا العدد: أي -سبع - إلا في فترة زمنية متأخرة.

حكمة نزول القرآن على سبعة أحرف:
الحكم المستفادة من نزول القرآن على سبعة أحرف كثيرة، منها:
1- تيسير القراءة والحفظ على قوم أميين:
2- إعجاز القرآن للفطرة اللغوية عند العرب.
3- إعجاز القرآن في معانيه وأحكامه، فإن تقلب الصور اللفظية في بعض الأحرف والكلمات يتهيأ معه استنباط معه الأحكام.


6 ، 7 – جمع القرآن الكريم وتدوينه

تعهد الله - عز وجل - بحفظ القرآن الكريم من التغيير والتحريف بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9) رعاية وتفضلاً على هذه الأمة، ولأن رسالتها هي خاتمة الرسالات.
ومن كظاهر هذا الحفظ جمع القرآن الكريم بين دفتين لا يخالطه غيره، وفق آخر عرضه للقرآن الكريم عرضها النبي - صلى الله عليه وسلم - على جبريل -عليه السلام -.
ومر جمع القرآن الكريم بمراحل زمنية ثلاث:

الجمع الأول: في العهد النبوي:
 وكان جمعه على صورتين:
1- حفظه في الصدور:
وهو المراد بقوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (القيامة: 16-19).
قال ابن عباس ـ رضي عليه عنه ـ " كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعالج من التنزيل شدة، فكان يحرك به لسانه وشفتيه مخافة أن ينفلت منه، يريد أن يحفظه، فأنزل الله {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قال: يقول: إن علينا أن نجمعه في صدرك وتقرأ.
{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} يقول: إذا أنزلناه عليك، {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} فاستمع له وأنصت، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} أن نبينه بلسانك ". وفى لفظ: "علينا أن نقرأه" فكان الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك إذا أتاه جبريل أطرق. وفي لفظ: استمع، فإذا ذهب قرأه كما وعد الله.
فكان - صلى الله عليه وسلم - بذلك أول الحفاظ.
ولصحابته فيه الأسوة الحسنة، فعن عبد اله بن عمرو بن العاص قال: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بين مسعود، وسالم، ومعاذ، وأبي بن كعب.
وهؤلاء الأربعة، اثنان منهم من المهاجرين، وهما: عبد الله بن مسعود، وسالم، واثنان من الأنصار، وهما: معاذ، وأبي.
ومن الحفاظ أيضا: زيد بن ثابت، وأبو الدر داء، وأبي بن زيد بن السكن، وغيرهم كثير.

2- حفظه في الصحف:
اتخذ رسول الله رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كتابا للوحي.
كما كان الصحابة يكتبون ما نزل من القرآن ابتداء من أنفسهم، دون أن يأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فكانوا يخطونه في:
العُسب: وهو جريد النخل.
واللخاف: وهي صفائح الحجارة.
والكرانيف: وهي أصول السعف الغلاظ.
والرقاع: وقد تكون من جلد أو ورق.
والأفتاب: وهو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه.
والأكتاف: وهو العظم الذي للبعير أو الشاة، كانوا إذا جف كتبوا عليه.
وغير ذلك مما يدل على مدي المشقة التي كانوا يتحملونها في كتابة القرآن الكريم، حيث لم تتيسر لهم أدوات الكتابة إلا بهذه الوسائل، فأضافوا الكتابة إلى الحفظ.
ولهذا السبب ولغيره لم يجمع النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن.
قال الخطابي: "إنما لم يجمع - صلى الله عليه وسلم - القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك، وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة، فكان ابتداء. ذلك على يد الصديق بمشورة عمر".

الجمع الثاني- في عهد أبي بكر الصديق:
قام أبو بكر بأمر الإسلام بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وواجهته أحداث جسام في ارتداد جمهرة العرب، فجهز الجيوش وأرسلها لحرب المرتدين، وكانت موقعة اليمامة سنة اثنتي عشرة للهجرة تضم عددا كبيرا من الصحابة القراء، فاستشهد في هذه الموقعة سبعون قارئا.

سبب الجمع:
فعن زيد بن ثابت ـ رضى الله عنه ـ قال: " أرسل إلى أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبوبكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشي أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أريد أن يجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال عمر: هو والله خير، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر.
فقال زيد: قال أبوبكر: إنك شاب، عاقل، لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من مكانه ما كان أثقل مما أمرني به جمع القرآن.
قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر.
فتتبعت القرآن أجمعه من العسب، واللخاف، وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع غيره {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} حتى خاتمة براءة.
فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر".

سبب اختيار أبي بكر لزيد بن ثابت:  
كان اختيار زيد بن ثابت - رضي الله عنه - لهذا المهمة لعدة أسباب، منها:
1- كونه من كتاب الوحي.
2- من حفاظ القرآن الكريم.
3- خصوبة العقل وقوة الشباب.
4- الأمانة.
5- كمال الحق.
6- شهد العرضة الأخيرة.

منهج أبي بكر في جمع القرآن الكريم:  
1- أن لا يعتمد على ما في صدوره من القرآن الكريم، ولا ما كتبه فقط.
2- أن يعتمد على ما كتب بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
3- أن يعتمد على ما في صدور الرجال من الحفظة.
4- أن لا يقبل من ذلك شيئا حتى يشهد عليه شهيدان، هما: الحفظ، والكتابة.

خصائص جمع أبي بكر:
يمتاز مصحف أبي بكر الذي جمعه عن سائر مصاحف الصحابة في وقته بما يلى:
1- بلغ الغاية في الدقة والتحري.
2- اقتصر على ما لم تنسخ تلاوته.
3- أجمعت الأمة عليه، وبلغ حد التواتر.
4- اشتمل على الأحرف السبعة.
5- مرتب الآيات.

الجمع الثالث- في عهد عثمان بن عفان:
- سبب جمع عثمان:
من الأسباب التي دعت الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - إلى ذلك ما يلى:
1- اتساع رقعة الدولة الإسلامية.
2- طول العهد - نسبياً - بين المسلمين وبين عهد النبوة.
3- كثرة المسلمين الجدد المحتاجين إلى دراسة القرآن.
4- اختلاف الأمة في قراءة القرآن كل حسب ما تلقى من معلمه.
5- عدم معرفة جميع الأمصار بالأحرف السبعة.
فعن أنس أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا. حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق".  

منهج عثمان في كتابة المصحف:  
1- أن لا يكتبوا إلا ما تحققوا أنه قرأن.
2- أن يتيقنوا أنه استقر في العرضة الأخيرة.
3- أن يتيقنوا أنه صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

هل اشتملت الصحف العثمانية على الأحرف السبعة:  
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول:
اقتصرت المصاحف العثمانية على حرف واحد من الأحرف السبعة، وهي متضمنة للعرضة الأخيرة.
القول الثاني:
اشتملت المصاحف العثمانية على الأحرف السبعة.
القول الراجح:
القول الأول، لما يلى:
1- القراءة بالأحرف السبعة ليست واجبة، بل هي من باب الرخصة.
2- الأحاديث والآثار المشهورة المستفيضة تدل على هذا القول.
3- هو قول جمهور العلماء من السلف والأئمة.

الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان:
يتبين من النصوص أن جمع أبي بكر يختلف عن جمع عثمان في الباعث والكيفية.
1- الباعث:
الباعث لدى أبي بكر لجمع القرآن خشية ذهابه بذهاب الحفظة.
والباعث لدى عثمان كثرة الاختلاف في وجوه القراءة.
2- الكيفية:
جمع أبي بكر كان نقلا لما كان مفرقا في الرقاع والعسب والأكتاف ونحوها في مصحف واحد.
وجمع عثمان كان نسخاً على حرف واحد من الحروف السبعة في كل مصحف.

عدد المصاحف العثمانية:
اختلف العلماء في عدد المصاحف العثمانية التي أرسل بها إلى الآفاق، فقيل عددها:
1- سبعة:
أرسلت إلى مكة، والشام، والبصرة، واليمن، والبحرين، والكوفة، والمدينة.
2- أربعة:
العراقي، والشامي، والمصري، والمصحف الإمام.
أو: الكوفي، والبصري، والشامي، والمصحف الأمام.
وذكر أبو عمرو الداني أنه قول أكثر العلماء.
3- خمسة:
وذهب السيوطي إلى أن هذا هو المشهور.

الرسم العثماني:
المراد بالرسم العثماني:
الطريقة التي ارتضاها عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في كتابة المصاحف.  

حكم الرسم العثماني:
اختلف العلماء في حكم الرسم العثماني على ثلاثة أقوال:
- القول الأول:
ليس توقيفياً ولكنه اصطلاح ارتضاه عثمان، وتلقته الأمة بالقبول، فيجب الأخذ به، ولا تجوز مخالفته.
وبه قال الجمهور.
- القول الثاني:
توقيفي.
واستدلوا بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمعاوية - رضي الله عنه:  
"ألق الدواة، وحرف القلم، وانصب الياء، وفرق السين، ولا تعور الميم، وحسن الله، ومد الرحمن، وجود الرحيم، وضع قلمك على أذنك اليسرى فإنه أذكر لك".
القول الثالث:
اصطلاحي، ولا مانع من مخالفته.
وبه قال ابن خلدون، وأبو بكر، الباقلاني.
القول الراجح:
القول الأول، لأنه الأقوى، وهو رأي الجمهور.
قال والبيهقي: "من كتب مصحفاً فينبغي له أن يحافظ على الهجاء التي كتبوا بها تلك المصاحف، ولا يخالفهم فيها، ولا يغير مما كتبوه شيئا، فإنهم كانوا أكثر علما، وأصدق قلباً ولسانا، وأعظم أمانة منا، فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكاً عليهم، ولا سقطاً منهم".


8- الشبه المثارة حول جمع القرآن الكريم

أثار أعداء الإسلام قديما وحديثا بعض الشبهات حول الإسلام، ورسوله، وكتابه، ولازال خلفهم يعيد صياغة هذه الشبهات، ويطرحها بأسلوب العصر الذي هم فيه، وربما اغتر بها بعض من ينتسب إلى الإسلام، وظنها حقائق علمية، وحججاً منطقية، لشدة ما يعتني بتزيينها وبهرجتها.
لهذه الأسباب ولغيرها آثرنا أن نعرض لبعض هذه الشبهات مما له صلة بجمع القرآن الكريم.

فمن هذه الشبه:
الشبهة الأولى:
قالوا: إن الآثار قد دلت على أن القرآن قد سقط منه شيء لم يكتب في المصاحف التي بأيدينا اليوم:
أ ) عن عائشة - رضي الله عنها – قالت: "سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا يقرأ في المسجد، فقال: يرحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية من سورة كذا".
 وفي رواية: "أسقطتهن من آية كذا وكذا" 
وفي رواية: "كنت أنسيتها"
ويُجاب عن هذه الشبهة بما يلى:
1- أن تذكير الرسول - صلى الله عليه وسلم - بآية أو آيات قد أنسيها أو أسقطها نسيانا لا يشكك في جمع القرآن.
2- الرواية التي جاء فيها التعبير بالإسقاط تفسرها الرواية الأخرى "كنت أنسيتها" وهذا يدل على أن المراد بإسقاطها نسيانها، كما يدل عليه لفظ "أذكرني".
3- النسيان جائز على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما لا يخل بالتبليغ، لا سيما وان الله - عز وجل - أذكره إياها.
4- كانت هذه الآيات قد حفظها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واستكتبها كُتَّاب الوحي، وحفظها الصحابة في صدورهم، وبلغ حفظها وكتابتها مبلغ التواتر.
فنسيان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها بعد ذلك لا يؤثر في دقة جمع القرآن الكريم، وهذا هو غاية ما يدل عليه الحديث.
ولذا كانت قراءة هذا الرجل - وهو أحد الحفظة الذين يبلغ عددهم حد التواتر - مذكرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لقد أذكرني كذا وكذا آية".

ب) وقال تعالى: {سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى * إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ} (الأعلى: 6-7).  
قالوا: والاستثناء يدل على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنسى بعض الآيات.
الجواب:
ويُجاب عن ذلك بأن الله تعالى قد وعد رسوله بإقراء القرآن وحفظه، وأمَّنه من النسيان في قوله: {سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى} (الأعلى: 6)، ولما كانت الآية توهم لزوم ذلك، والله تعالى فاعل مختار {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (الأنبياء: 23) جاء الاستثناء {إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ} للدلالة على أن هذا الإخبار بإقراء الرسول القرآن، وتأمينه من النسيان ليس خارجاً عن إرادته تعالى، فإنه سبحانه لا يعجزه شيء.

الشبهة الثانية:
قالوا: إن في القرآن ما ليس منه.
واستدلوا على ذلك بما روي من أن ابن مسعود أنكر أن المعوذتين من القرآن. وأن مصحف ابن مسعود قد أسقطت منه الفاتحة.
الجواب:
1- ما نقل عن ابن مسعود - رضي الله عنه - لم يصح.
قال ابن حزم: "هذا كذب على ابن مسعود، موضوع، وإنما صح عنه قراءة عاصم عن زر عن ابن مسعود وفيها الفاتحة والمعوذتان".
2- وعلى فرض صحته، فالذي يحتمل أن ابن مسعود لم يسمع المعوذتين من النبي - صلى الله عليه وسلم - فتوقف في أمرهما.
3- وهو مخالف لإجماع الأمة.
قال النووي: "أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة وسائر السور المكتوبة في المصحف قرآن، وأن من جحد شيئا منها كفر، وما نقل عن ابن مسعود في الفاتحة والمعوذتين باطل ليس بصحيح".
4- وإنكار ابن مسعود لا ينقض إجماع الأمة على أن المعوذتين من القرآن المتواتر.
5- والفاتحة هي أم القرآن، ولا تخفى قرآنيتها على أحد.

الشبهة الثالثة:
يزعم بعض الناس أن أبا بكر وعمر وعثمان حرفوا القرآن، وأسقطوا بعض آياته وسوره.
فحرفوا لفظ {أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} (النحل: 92)، والأصل "أئمة هي أزكى من أئمتكم".
وأسقطوا من سورة الأحزاب آيات فضائل أهل البيت، وقد كانت في طولها مثل سورة الأنعام.
وأسقطوا سورة الولاية بتمامها من القرآن.
الجواب:
ويُجاب عن هذه الشبهة بما يلى:
1- أن هذه الأقوال أباطيل لا سند لها، ودعاوي لا بينة عليها.
2- تبرأ بعض علمائهم من هذا الافتراء ونفوه.
3- انعقد الإجماع بتواتر القرآن الذي بين دفتي المصحف.
قال على بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "أعظم الناس أجرا في المصاحف أبوبكر، رحمة الله على أبي بكر، هو أول من جمع بين اللوحين".
وقال في جمع عثمان بن عفان - رضي الله عنه -: "يا معشر الناس، اتقوا الله، وإياكم والغلو في عثمان، وقولكم: حَرّاق مصاحف، فوالله ما حرقها إلا عن ملأ منا أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

الشبهة الرابعة:
زعم بعض الناس أن كثيراً من آيات القرآن لم يكن لها قيد سوى حفظ الصحابة.
وقد قتل بعضهم، وذهب معهم ما كانوا يحفظونه.
الجواب:
ويُجاب عليهم بأن ما كان يحفظه الشهداء من القرآن، كان يحفظه كثير غيرهم من الأحياء.
بدليل قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "وأخشى أن يموت القراء من سائر المواطن".
ومعني هذا أن القراء لم يموتوا جميعاً.
ومعلوم أن أبا بكر، وعمر ،وعثمان، وعلى، وزيد بن ثابت، وغيرهم قد حفظوا القرآن كله، وهؤلاء عاشوا وقت جمع القرآن.
وقد تقدم أن القرآن كتب بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وكتابه معروفون مشهورون.

9- آيات وسور القرآن الكريم وترتيبها

معنى الآية:
- في اللغة: تطلق ويراد بها:
1- المعجزة: قال تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ}  (البقرة: 211).
2- العلامة: قال تعالى: {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} (البقرة: 248).
3- العبرة: قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} (هود: 103).
4- الأمر العجيب: قال تعالى }وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً{ (الروم: 22).
5- البرهان: قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ{ (الروم: 22).  
- وفي الاصطلاح:
طائفة من الحروف والكلمات ذات مطلع ومقطع مندرجة في سورة من القرآن.

- طريقة معرفة الآية:
اختلف العلماء في طريقة معرفة الآية على قولين:
- القول الأول:
توقيفي.
بدليل أن العلماء عدوا بعض الحروف المقطعة في أوائل السور مثل: }طه{ (طه: 1)، و }المص{ (الأعراف: 1) آية، ولم يعدوا نظيرها وهو }طس{ (النمل: 1)، و }المر{ (الرعد: 1) آية، ونحو ذلك.
وإن كان غير الكوفيين لا يعتبرون شيئا من الفواتح آية اطلاقاً، لأن كل فريق وقف عند حدود ما بلغه أو علمه.

- القول الثاني:
منها ما هو توقيفي، ومنها ما هو قياس.
ويرجع ذلك إلى الفاصلة وهي الكلمة التي تكون آخر الآية، فما ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف عليه دائماً تحققنا أنه فاصلة، وما وصله دائما تحققنا أنه ليس فاصلة، وما وقف عليه مرة ووصلة أخرى احتمل أن يكون لتعريف الفاصلة، أو لتعريف الوقف التام، أو للاستراحة.
وبالتأمل يظهر أن القول الثاني لا يخالف القول الأول، إذا العبرة فيه فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو التوقف.

- ترتيب آيات القرآن الكريم:
انعقد الإجماع على أن ترتيب الآيات في القرآن توقيفي، فلقد كان جبريل ينزل بالآيات على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويرشده إلى موضع كل آية من سورتها، ثم يقرؤها النبي - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه، ويأمر كتاب الوحي بكتابتها معينا لهم السورة وموضع الآية منها.
فعن عبد الله بن الزبير قال: " قلت لعثمان: }وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً{ (البقرة:  234) قد نسختها الآية الأخرى، فلم تكتبها أو تدعها؟ قال: " يا ابن أخي، لا أغير شيئا من مكانه ".
وجاءت الأحاديث الصحيحة بفضل آيات من سور بعينها، وثبتت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسور عديدة بترتيب آياتها في الصلاة أو الخطب.

- معنى السور:
- في اللغة:
تطلق السورة في اللغة ويراد بها:
1- المنزلة.
2- الشرف.
3- العلامة.
4- عرق من عروق الحائط.
- في الاصطلاح:
طائفة مستقلة من آيات القرآن ذات مطلع ومقطع.
مأخوذة من سور المدينة لما فيه من معنى العلو والرفعة، أو: لأنها حصن وحماية لمحمد - صلى الله عليه وسلم – وأمته، أو: لما فيها من وضع آية بجانب آية كالسور توضع فيه لبنة بجانب لبنة.
وقيل: مأخوذة من المنزلة، لأنها منزلة بعد منزلة، مقطوعة عن الأخرى.

- ترتيب سور القرآن:
اختلف العلماء في ترتيب سور القرآن على ثلاثة أقوال:
- القول الأول:
توقيفي.
ودليلهم حديث أوس بن أبي أوس حذيفة الثقفي في قول النبي - صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم - لوفد ثقيف: " طرأ علىّ حزب من القرآن فأردت ألا أخرج حتى أقضيه".
قال أوس: فسألنا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلنا: كيف تحزبون القرآن؟ قالو: نحزبه ثلاث سور، وخمس سور وسبع سور، وتسع سور، وأحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل من ( ق) حتى نختم".
وأجمع الصحابة على المصحف الذي كتب في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه.

- القول الثاني:
بعضه توفيقي، وبعضه الآخر كان باجتهاد الصحابة.
- خلاصة الخلاف:
سواء كان الترتيب توقيفياً أو اجتهادياً فإنه ينبغي احترامه، ولا سيما في كتابة المصحف، لأن الصحابة أجمعوا على ذلك بعد جمع مصحف عثمان، والإجماع حجة، ولأن الخلاف يجرنا إلى فتنه، ودرء الفتن وسد الذرائع واجب.

حكم ترتيب القرآن في التلاوة:
كان أغلب فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ترتيب السور في التلاوة والصلاة، وربما قرآ في الركعة الواحدة بما يخالف الترتيب المأثور، كقراءته البقرة ثم النساء ثم آل عمران في قيام الليل [66].

فوائد معرفة الآيات والسور:
لتجزئة القرآن الكريم إلى آيات وسور فوائد وحكم، منها:
1- العلم بأن كل ثلاث آيات قصار معجزة:
قال تعالى {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ{ (البقرة: 23).  
2- حسن التوقف على رؤوس الآيات، لإراحة النفس، وللتدبر والفهم.
3- اعتبار الآيات في الصلاة والخطبة.
قال السيوطي: "بترتب على معرفة الآية وعددها وفواصلها أحكام فقهيه، منها: اعتبارها فيمن جهل الفاتحة، فإنه يجب عليه بدلها سبع آيات، ومنها: اعتبارها في الخطبة، فإنه يجب قراءة آية كاملة، ولا يكفي شطرها – إن لم تكن طويلة - وكذلك القراءة مع الفاتحة، فإنها لا تصح بنصف آية".
4- التيسير على الناس في فهم القرآن، لأن كل سورة من القرآن تحوي محاور رئيسية وفرعية تتحدث عنها.
5- التيسير على الناس في حفظ القرآن، فكلما أتم القارئ حفظ سورة منه كان ذلك أنشط وأبسط لحفظ السورة التي تليها.

10- أول وآخر ما نزل

أول ما نزل من القرآن الكريم:
  اختلف العلماء في أول ما نزل على ثلاثة أقوال:
- القول الأول:
سورة العلق، وهو قول الجمهور.
فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
ثم حبب إليه الخلاء، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة - رضي الله عنها - فتزوده لمثلها حتى فجأه الحق وهو غار حراء.
فجاءه الملك فيه، فقال: اقرأ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ فقلت: ما أنا بقارئ. فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ. فغظني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: }اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{ (العلق: 1-2).
فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترجف بوادره ….".

- القول الثاني:
سورة المدثر.
فعن سلمة بن عبد الرحمن قال: " سألت جابر بن عبد الله: أي القرآن أنزل قبل ؟
قال: }يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ{ (المدثر: 1).

- القول الثالث:
سورة الفاتحة.

- القول الراجح:
القول الأول، لوضوح حجته.
ثم نزلت سورة المدثر بعدها مباشرة.
وقال بعض العلماء: نبأ محمد - صلى الله عليه وسلم – بأقراء، وأرسل بالمدثر.
أما جواب جابر فيحتمل أنه عن أول نزول سورة بأكملها، والله أعلم.

آخر ما نزل من القرآن الكريم:
  اختلف العلماء في آخر آية نزلت في القرآن الكريم على أقوال كثيرة، أشهرها:
- القول الأول:
قوله تعالى: }وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ{ (البقرة: 281).
وهو قول ابن عباس، وسعيد بن جبير.
وقال أهل السير: عاش بعدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع ليال فقط.

- القول الثاني:
قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا{ (البقرة: 278).
وهو قول عن ابن عباس.

- القول الثالث:
آية الدين، وهي قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ{ (البقرة: 282)، وهو قول سعيد بن المسيب.

- القول الرابع:
آية الكلالة، وهي قوله تعالى: }يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} (النساء: 176).  
ولكن رد عليهم بأنها آخر آية في المواريث.

- القول الخامس:
قوله تعالى: }جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ{ (التوبة: 128).
وهو قول أبي بن كعب.

- القول الراجح:
  القول الأول، لسببين:
1- ما تشير إليه الآية من ختام للوحي والدين، وذلك يرجع إلى الأمر بالاستعداد ليوم القيامة، وهذا أنسب في الختام.
2- ما تؤيده الروايات بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عاش بعدها بعد نزولها تسع ليال فقط.

فائدة معرفة أول وآخر ما نزل:
1- تمييز الناسخ من المنسوخ فيما إذا وردت آيتان أو آيات على موضوع واحد، وكان الحكم في إحدى هذه الآيات يغاير الحكم في الأخرى.
2- معرفة تاريخ التشريع الإسلامي وتدرجه.
3- إظهار مدى العناية التي أحيط بها القرآن الكريم.


11- المكي والمدني

عناية العلماء بالمكي والمدني:
عني العلماء بتحقيق المكي والمدني عناية فائقة، فتتبعوا القرآن آية آية، وسورة سورة، لترتيبها وفق نزولها، مراعين في ذلك الزمان والمكان والخطاب، لا يكتفون بزمن النزول، ولا بمكانه، بل يجتمعون بين الزمان والمكان والخطاب، وهو تحديد دقيق يعطي للباحث المنصف صورة للتحقيق العلمي في علم المكي والمدني، وهو شأن علمائنا في تناولهم لمباحث القرآن الأخرى.
قال أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري ( ت 406 هـ) في كتابه " التنبيه على فضل علوم القرآن ":
"من أشرف علوم القرآن: علم نزوله، وجهاته، وترتيب ما نزل بمكة والمدينة، وما نزل بمكة وحكمه مدني، وما نزل بالمدينة وحكمه مكي، وما نزل بمكة في أهل المدينة، وما نزل بالمدينة في أهل مكة، وما يشبه نزول المكي في المدني، وما يشبه نزول المدني في المكي، وما نزل بالجحفة، وما نزل بالحديبية، وما نزل ليلاً، وما نزل نهاراً، وما نزل مفرداً، والآيات المدنيات من السورة المكية، والآيات المكيات في السور المدنية، وما حمل من مكة إلى المدينة، وما حمل من المدنية إلى مكة، وما حمل من المدينة إلى أرض الحبشة، وما نزل مجملاً، وما نزل مفسراً، وما اختلفوا فيه، فقال بعضهم: مدني، وبعضهم: مكي. فهذه خمسة وعشرون وجهاً من لم يعرفها، ويميز بينها، لم يحل له أن يتكلم في كتاب الله تعالي".

فائدة العلم بالمكي والمدني:
1- الاستعانة به في تفسير القرآن، لاسيما في تعيين الناسخ من المنسوخ عند التعارض.
2- تذوق أساليب القرآن والاستفادة منها في أسلوب الدعوة إلى الله في الظروف المختلفة.
3- الوقوف على السيرة النبوية من خلال الآيات القرآنية.
4- معرفة تاريخ التشريع والتدرج في الأحكام.

تعريف المكي والمدني:
اختلف العلماء في حد المكي والمدني على أقوال:
1- المكي: ما نزل قبل الهجرة، وإن كان بغير مكة.
والمدني: ما نزل بعد الهجرة، وإن نزل بغير المدينة.
2- المكي: ما نزل بمكة وما جاورها.
والمدني: ما نزل بالمدينة وما جاورها.
3- المكي: ما نزل خطابا لأهل مكة.
والمدني: ما نزل خطابا لأهل المدينة.
- وعند التأمل يظهر أن:
القول الأول اعتبر زمن النزول.
والثاني اعتبر مكان النزول.
والثالث اعتبر المخاطب.
- التعريف الراجح:
التعريف الأول، لحصره.
ولأن الثاني يترتب عليه أن ما نزل بالأسفار لا يدخل تحت القسمة، وما نزل بعد الهجرة يسمى مكيا.
والثالث يترتب عليه أن معظم القرآن ليس مكيا ولا مدنيا، لأن الآيات فيها غير مبدؤه بخطاب لأهل مكة ولا لأهل المدينة.

مميزات المكي:
1- الدعوة إلى التوحيد.
2- فضح أعمال المشركين.
3- قوة الألفاظ مع قصر الفواصل والإيجاز.
4- الإكثار من قصص الأنبياء.
5- الاهتمام بالأخلاق والتشريع من حيث العموم.

ضوابط المكي:
1- كل سورة فيها سجدة.
2- كل سورة فيها لفظ " كلا".
3- كل سورة نزل فيها آية بدئت بقوله: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ{ عدا سورتي البقرة والنساء.
4- كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة، سوى سورة البقرة.
5- كل سورة فيها قصة آدم وإبليس عدا سورة البقرة كذلك.
6- كل سورة افتتحت بحروف التهجي عدا سورتي البقرة وآل عمران، واختلفوا في سورة الرعد.

مميزات المدني:
1- بيان تفاصيل أحكام الشريعة، من عبادات، ومعاملات، وحدود، ونظام أسرة، وقواعد حكم ... الخ.
2- مخاطبة أهل الكتاب ودعوتهم إلى الإسلام.
3- الكشف عن سلوك المنافقين، وبيان خطرهم.
4- طول المقطع والآيات.

ضوابط المدني:
1- كل سورة فيها فريضة أوحد.
2- كل سورة فيها ذكر المنافقين.
3- كل سورة فيها مجادلة أهل الكتاب.

من المؤلفات في المكي والمدني:
أفرده بالتصنيف جماعة، منهم:
1- مكي بن أبي طالب القيسي ( ت 437 هــ ).
2- عبد العزيز بن أحمد الدميري الديريني ( ت 699 هـ وقيل غير ذلك ) [81].

12- القراءات
معناها ونشأتها

معني القراءات:
- في اللغة:
جمع قراءة، وهي مصدر سماعي لقرأ.
يقال: قرأ الكتاب، أي: تتبع كلماته نظرا أو نطقاً.
- في الاصطلاح:
علم بكيفيات أداء كلمات القرآن واختلافها.

نشأة علم القراءات:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُقرأ الصحابة ما ينزل من الوحي، من الصحابة فمن قرأ على حرف، ومنهم من قرأ على حر فين، ومنهم من زاد، ثم تفرقوا في البلاد، فتعددت القراءات عند التابعين ومن بعدهم، حتى وصل الأمر إلى ما هو موجود اليوم، أو أكثر.
وفي عهد التابعين على رأس المائة الأولي تجرد قوم واعتنوا بضبط القراءة عناية تامة، حين دعت الحاجة إلى ذلك، وجعلوها علما كما فعلوا بعلوم الشريعة الأخرى، وصاروا أئمة يقتدي بهم ويرحل إليهم، واشتهر منهم ومن الطبقة التي تليهم الأئمة السبعة الذين نسبت إليهم القراءات إلى اليوم.

أعداد القراءات:
كان عدد أئمة القراء كثيراً في القرون الثلاثة الأولي، وبالتالي فعدد الرواة عن الأئمة كان كثيرا جدا.
فلما تقاصرت الهمم اقتصروا على ما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه وتنضبط القراءة به، فنظروا إلى من اشتهر بالثقة والأمانة، وطول العمر في ملازمة القراءة، والاتفاق على الأخذ عنه.
وأول من جمع القراءات في كتاب هو: أبو عبيد القاسم بن سلام الأنصاري مولاهم ( ت 224 هـ )، وجعلهم: خمسة وعشرين قارئا مع السبعة:
ثم جاء أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد العطشي (ت324 هـ) فاقتصروا على القراء السبعة فقط.
وهم:
1- نافع بن عبد الرحمن الليثي مولاهم، أبو رويم المدني (ت 169 هـ ).
2- عبد الله بن كثير الكتاني مولاهم، أبو معبد المكي ( ت 120 هـ ).
3- زبان بن العلاء التميمي، أبو عمرو البصري (ت 154 هـ ).
4- عبد الله بن عامر اليحصبي ،أبو عمران الشامي (ت 118 ).
5- عاصم بن أبي النجود بهدلة الأسدي، أبو بكر الكوفي ( ت 128 هـ).
6- حمزة بن حبيب التميمي مولاهم، أب عمارة الكوفي ( ت 156 هـ).
7- علي بن حمزة الكسائي، أبو الحسن الكوفي ( ت 189 هـ ).
ثم ألحق بهم الأئمة:
1- يزيد بن القعقاع المخزومي مولاهم، أبو جعفر المدني ( ت 133 هـ وقيل قبل ذلك).
2- يعقوب بن إسحاق الحضرمي، أبو محمد البصري ( ت 205 هـ ).
3- خلف بن هشام البزار، أب محمد البغدادي ( ت 229 هـ ) [86].

ضوابط القراءة الصحيحة:
1- موافقة العربية بوجه من الوجوه.
2- موافقة أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً.
3- صحة الإسناد.

أنواع القراءات من حيث السند:   
1- المتواتر:
وهو ما نقله جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهاه.
وهذا وهو الغالب في القراءات.
2- المشهور:
هو ما صح سنده ولم يبلغ درجة المتواتر، ووافق العربية والرسم، واشتهر عند القراءة فلم يعدوه من الغلط، ولا من الشذوذ، وجوزوا القراءة به.
3- الآحاد:
هو ما صح سنده، وخالف الرسم، أو العربية، أو لم يشتهر الاشتهار المذكور، ومنعوا من القراءة به.
4- الشاذ:
هو ما لم يصلح سنده.
5- الموضوع:
هو ما لا أصل له.
6- المدرج:
هو ما زيد في القراءات على وجه التفسير.

فوائد الاختلاف في القراءات الصحيحة:
1- الدلالة على صيانة كتاب الله وحفظه من التبديل والتحريف مع كونه على هذه الأوجه الكثيرة.
2- التخفيف عن الأمة وتسهيل القراءة عليها.
3- إعجاز القرآن الكريم في إيجازه، حيث تدل كل قراءة على حكم شرعي دون تكرار اللفظ.
4- بيان ما يحتمل أن يكون مجملا في قراءة أخرى.

من المؤلفات في القراءات:
1- التبصرة في القراءات السبع.
لمكي بن أبي طالب القيسي ( ت 437 هــ ).
2- جامع البيان في القراءات المشهورات.
لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني ( ت 444 هــ ).
3- إبراز المعاني، وهو شرح للشاطبية.
لأبي شامة عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي ( ت 665 هـ ).
وغيرهم كثير.

13- أسباب النزول

تمهيـد:
  ينقسم القرآن من حيث موضوع نزوله إلى قسمين:
1- قسم نزل ابتداء من غير سبب، لهداية الخلق إلى الحق، وهو أكثر القرآن.  
2- وقسم نزل لأسباب وحوادث خاصة، لا يعرفها إلا من اهتم بهذا الشأن من أهل العلم.

تعريف سبب النزول:
هو ما نزل قرآن بشأنه وقت وقوعه كحادثة أو سؤال.
مثاله:
1- عن ابن عباس - رضي الله عنه -: "لما نزلت }وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ{ (الشعراء: 214) خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى صعد الصفا، فهتف: يا صباحاه. فاجتمعوا إليه، فقال: أريتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبا لك، إنما جمعتنا لهذا؟ ثم قام.
فنزلت هذه السورة }تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ{ (المسد: 1).
وكقوله تعالى: }يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ{ (البقرة: 189).

فوائد معرفة سبب النزول:
1- بيان الحكمة التي دعت إلى تشريع حكم من الأحكام، وإدراك مراعاة الشرع للمصالح العامة في علاج الحوادث رحمة بالأمة.
2- تخصيص حكم ما نزل بالعموم بالسبب عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ.
3- إذا كان لفظ ما نزل عاماً وورد دليل على تخصيصه فمعرفة السبب تقصر التخصيص على ما عدا صورته.
4- خير سبيل لفهم معاني القرآن.  
5- يوضح من نزلت فيه الآية فينزل منزلته، فلا يتهم البريء، ولا يبرأ المتهم.
6- دفع توهم الحصر عما يفيد بظاهرة الحصر.
7- تيسير الحفظ، وتسهيل الفهم.

صيغة سبب النزول:
تنقسم صيغة أسباب النزول إلى قسمين:
1- صريحة في السببية:
مثالها: عن جندب البجلي - رضي الله عنه - قال: " اشتكى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يقم ليلتين أو ثلاثاً، فأتته امرأة فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك إلا قد تركك، لم يقربك ليلتين أو ثلاثاً، فأنزل الله }وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى{ (الضحى: 1-3).

2- محتملة السببية:
مثالها: عن عبد الله بن الزبير- رضي الله عنهما -، أن الزبير خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - في شراج من الحرة، وكانا يسقيان به كلاهما النخل، فقال الأنصاري: سرح الماء يمر فأبي عليه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب الأنصاري، وقال: يا رسول الله، آن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدار، ثم أرسل الماء إلى جارك.
قال الزبير: ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك }فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ{ (النساء: 65).  

موقف المفسر من تعدد الروايات في سبب النزول:
1- إذا لم تكن الصيغ الواردة صريحة في السببية فلا منافاة بينها، إذ المراد التفسير، وبيان أن ذلك داخل في الآية ومستفاد منها.
2- إذا كانت إحدى الصيغ غير صريحة، وغيرها صريح، فالمعتمد ما هو نص في السببية، وتحمل الأخرى على دخولها في أحكام الآية.
3- إذا تعددت الروايات، وكانت جميعها نصاً في السببية، وكان إسناد أحدها صحيحا دون غيره فالمعتمد الرواية الصحيحة.
4- إذا تساوت الروايات في الصحة، ووجد وجه من وجوه الترجيح، قدمت الرواية الراجحة.
5- إذا تساوت الروايات في الصحة والترجيح جمع بينها إن أمكن، فتكون الآية قد نزلت بعد السببين أو الأسباب لتقارب الزمن من بينها.
6- وإن لم يمكن الجمع لتباعد الزمن فإنه يحمل على تعدد النزول وتكرره.

تعدد النزول مع وحدة السبب:
قد يتعدد ما ينزل والسبب واحد، ولا شيء في ذلك.
مثاله:
1- عن أم سلمة قالت:" يا رسول الله، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء؟ فأنزل الله }فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ{ (آل عمران: 195).
2- وعنها قالت: " قلت يا رسول الله: مالنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال فلم يرعني منه ذات يوم إلا نداؤه على المنبر وهو يقول }إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ{ إلى آخر الآية (الأحزاب: 35).
3- وعنها قالت: تغزو الرجال ولا تغزو النساء، وإنما لنا نصف الميراث؟
فأنزل الله }وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ{ (النساء: 32).  

هل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؟  
إذا اتفق ما نزل مع السبب في العموم، أو اتفق معه في الخصوص، حمل العم على عمومه، والخاص على خصوصه.
أما إذا كان السبب خاصاً، ونزلت الآية بصيغة العموم، فقد اختلف الأصوليون في ذلك على قولين:
القول الأول:
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وهو قول الجمهور.
القول الثاني:
العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ، فاللفظ العام دليل على صوره السبب الخاص، ولا بد من دليل آخر لغيره من الصور.
وهو قول بعض العلماء.
القول الراجح:
القول الأول، وهو الذي يتفق مع عموم أحكام الشريعة، والذي سار عليه الصحابة والمجتهدون من هذه الأمة.

المؤلفات في أسباب النزول:
بلغت المؤلفات في أسباب النزول أكثر من عشرين مؤلفا.
 ومن أقدمها: تفصيل لأسباب النزول لميمون بن مهران ( ت 117 هـ ).
ومن أشهر المؤلفات المشهورة المطبوعة:
1- أسباب النزول، للواحدي ( ت 468 هـ ).
2- العجاب في بيان الأسباب، لابن حجر العسقلاني ( ت 852 هـ ).
3- لباب النقول في أسباب النزول، للسيوطي ( ت 911 ).


14- الناسخ والمنسوخ

تعريف النسخ:
- في اللغة:
الإزالة والنقل.
- في الاصطلاح:
رفع الحكم الشرعي بخطاب شرعي متراخ عنه.

شروط النسخ:
1- تحذر الجمع بين الدليلين.
2- العلم بتأخر الناسخ.
3- ثبوت الناسخ.

ما يفع فيه الناسخ:
لا يكون النسخ إلا في الأوامر والنواهي، سواء كانت صريحة في الطلب، أو كانت بلفظ الخبر الذي بمعنى الأمر أو النهي.
وبهذا يعلم أن النسخ لا يقع في:
1- الاعتقادات.
2- الأخبار الصريحة التي ليست بمعنى الطلب.
3- الآداب والأخلاق.

طرق معرفة الناسخ والمنسوخ:
1- النقل الصحيح الصريح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
2- إجماع الأمة على أن هذا ناسخ وهذا منسوخ.
3- معرفة المتقدم من المتأخر في التاريخ.

النسخ بين مثبتيه ومنكريه:
للناس في النسخ مذاهب، منها:
- المذهب الأول:
أن النسخ ممتنع عقلاً وشرعاً.
وبه قالت اليهود، والنصارى، لإنكار دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم -.  
- المذهب الثاني:
أن النسخ جائز عقلاً، وممتنع شرعاً
 وشذ به أبو مسلم الأصفهاني ( ت 322 هـ ).
- المذهب الثلث:
أن النسخ جائز عقلاً وشرعاً.
وعليه إجماع من يعتد به من المسلمين.
وكان عليه إجماع النصارى قبل حربهم للإسلام.

أدلة ثبوت النسخ:
1- قوله تعالى: }مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا{ (البقرة: 106).
2- قوله تعالى: }الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ{ (الأنفال: 66) وقوله }فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ{ (البقرة: 187).
3- قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها".

أقسام النسخ في القرآن:
ينقسم النسخ باعتبار النص المنسوخ في القرآن الكريم إلى ثلاثة أقسام:
1- نسخ الحكم والتلاوة معا:
مثاله: عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: " كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخن بخمس معلومات. فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن مما يقرأ من القرآن ".

2- نسخ الحكم وبقاء التلاوة:
مثاله: آيتا المصابرة، وهما قوله تعالى: }إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ{ (الأنفال: 65).
نسخ حكمها بقوله تعالى: }الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ{. (الأنفال: 66).  

 3- نسخ التلاوة مع بقاء الحكم:
مثاله: آية الرجم، فعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – قال: كان فيما أنزل آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها، ورجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده، وأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زني إذا أحصن من الرجال والنساء، وقامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف.

حكمه النسخ:
1- مراعاة مصالح العباد بتشريع ما هو أنفع لهم في دينهم ودنياهم.
2- التطور في التشريع حتى يبلغ الكمال.
3- ابتلاء المكلف واختباره بالامتثال وعدمه.
4- اختيار المكلفين بقيامهم بوظيفة الشكر إذا كان النسخ إلى أخف، ووظيفة الصبر إذا كان النسخ إلى أثقل.

من المؤلفات المطبوعة في الناسخ المنسوخ:
1- الناسخ والمنسوخ في كتاب الله تعالى، لقتادة بن دعامة السدوسي ( ت 117 هـ ).
2-ا لناسخ والمنسوخ، لمحمد بن مسلم الزهري ( ت 124 هـ ).
3- الناسخ والمنسوخ في كتاب الله عز وجل واختلاف العلماء في ذلك، لأحمد ابن محمد النحاس (ت 338 هـ).

15- المحكم والمتشابه

يتنوع القرآن الكريم باعتبار الإحكام والتشابه إلى ثلاثة أنواع.
النوع الأول:
الإحكام العام الذي وصف به القرآن كله.
قال تعالى: }كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ{ (هود: 1).  
ومعنى هذا الإحكام: الإتقان والجودة في ألفاظه ومعانيه.

النوع الثاني:
التشابه العام الذي وصف به القرآن كله كذلك.
قال تعالى: }اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ{ (الزمر: 23).
ومعنى هذا التشابه: أن القرآن كله يشبه بعضه بعضاً في الكمال والجودة.

النوع الثالث:
الإحكام الخاص ببعضه، والتشابه الخاص ببعضه.
قال تعالى: }هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} (آل عمران: 7).
ومعنى هذا الأحكام: أن يكون معنى الآية واضحاً جليا لا خفاء فيه.
 ومعنى هذا التشابه: أن يكون معنى الآية مشتبهاً خفياً بحيث يتوهم منه الواهم ما لا يليق بالله تعالى أو كتابه أو رسوله، ويفهم منه العالم الراسخ في العلم خلاله ذلك.
موقف الراسخين في العلم والزائغين من المتشابه:
إن موقف الراسخين في العلم من المتشابه وموقف الزائغين منه بينه الله تعالى فقال في الزائقين: }فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ{ (آل عمران: 7).
وقال الراسخون في العلم: }وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا{ (آل عمران: 7).
فالزائغون يتخذون من هذه الآيات المتشابهات وسيلة للطعن في كتاب الله، وفتنه الناس عنه، وتأويله لغير ما أراد الله تعالى به فيضلون ويُضلون.
وأما الراسخون في العلم فيؤمنون بأن ما جاء في كتاب الله تعالى فهو حق، وليس فيه اختلاف ولا تناقض، لأنه من عند الله }وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً{ (النساء: 82)، وما جاء مشتبهاً ردوه إلى المحكم ليكون الجميع محكماً.  

أنواع التشابه في القرآن:
التشابه الواقع في القرآن نوعان:
- النوع الأول:
حقيقي، وهو ما لا يمكن أن يعلمه البشر: كحقائق صفات الله تعالى وكيفيتها.
قال تعالى: }وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً{ (طه: 110).

- النوع الثاني:
نسبي، وهو ما يكون مشتبهاً على بعض الناس دون بعض، فيكون معلوماً للراسخين في العلم دون غيرهم.
وهذا النوع يسأل عن استكشافه وبيانه، لإمكان الوصول إليه، إذا لا يوجد في القرآن شيء لا يتبين معناه لأحد من الناس.
قال تعالى: }هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ{ (آل عمران: 138).
وقال تعالى }فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ{ (القيامة: 18-19).

الحكمة في تنوع القرآن إلى محكم ومتشابه:
لو كان القرآن كله محكماً لفاتت الحكمة من الاختيار به تصديقاً وعملاً، لظهور معناه، وعدم المجال لتحريفه، والتمسك بالمتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، ولو كان كله متشابهاً لفات كونه بياناً وهدى للناس، ولما أمكن العمل به وبناء العقيدة السليمة عليه.
ولكن الله تعالى بحكمته جعل منه آيات محكمات يرجع إليهن عند التشابه، وأخر متشابهات امتحانا للعباد، ليتبين صادق الإيمان ممن في قلبه زيغ، فإن صادق الإيمان يعلم أن القرآن كله من عند الله تعالى، وما كان من عند الله فهو حق، ولا يمكن أن يكون فيه باطل أو تناقص، لقوله تعالى: }لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ{ (فصلت: 42)، وقوله }وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً{ (النساء: 82).

16- أمثال القرآن الكريم

تعريف المثل:
- في اللغة:
  الشبيه والنظير.
  ثم نقل بمعن المثل السائر.
- في الاصطلاح:
  قول عجيب شبه مضربه بمورده لفائدة.
- ومن فوائده: إبراز المعني في صورة حسية موجزة لها وقعها في النفس.

أنواع الأمثال في القرآن:
النوع الأول:
الأمثال المصرحة التي جرت مجرى التشبيه.
وهي ما صرح فيها بلفظ المثل، أو ما يدل على التشبيه.
مثالها: قوله تعالى في المنافقين: }مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ * أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ{ (البقرة: 17-20).
فضرب للمنافقين مثلين: مثلاً نارياً، وآخر مائياً.
النوع الثاني:
 الأمثال الكامنة.
وهي التي لم يصرح فيها بلفظ التمثيل.
مثالها:  قوله تعالى في الإنفاق: }وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ{ (الإسراء: 29).
  وهو بمعنى المثل السائر: " خير الأمور الوسط"
- النوع الثالث:
الأمثال المرسلة:
وهي جمل أرسلت إرسالاً من غير تصريح بلفظ التشبيه، ولكنها جارية مجرى الأمثال.
مثالها: قوله تعالى: }الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ{ (يوسف: 51).

تنبيـه:
كره بعض العلماء استعمال الأمثال المرسلة التي في القرآن الكريم استعمال الأمثال السائرة، لأنه تعالى ما أنزل القرآن ليتمثل به، بل ليتدبر فيه، ثم العمل بموجبه.
واتفقوا على حرمة التمثل بها في مقام الهزل والمزح.

فوائد الأمثال القرآنيـة:
1-   إبراز المعقول في صورة المحسوس.
2- تكشف الحقائق، وتعرض الغائب في معرض الحاضر.
3- تجمع المعنى الرائع في عبارة موجزة.          
4- يضرب المثل للترغيب في الممثل، حيث يكون الممثل به ترغب فيه النفوس.
5- يضرب المثل للتنفير، حيث يكون الممثل به مما تكرهه النفوس.
6- يضرب المثل لمدح الممثل.
7- يضرب المثل حيث يكون للمثل به صفة خاصة يستقبحها الناس للتنفير منها.
8- الأمثال أوقع في النفس، وأبلغ في الوعظ، وأقوى في الزجر، وأقوم في الإقناع.
قال تعالى: }تِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ{ (العنكبوت: 43).

ممن أفرد أمثال القرآن الكريم بالتأليف:
أبو الحسن على بن محمد الماوردي (ت 450 هـ ).  

17- أقسام القرآن الكريم

تعريف القسم:
- في اللغة:
بمعني الحلف واليمين.
وسمي الحلف يميناً، لأن العرب كان أحدهم يأخذ بيمين صاحبه عند التحالف.
 في الاصطلاح:
تأكيد الشيء بذكر معظم.

صيغة القسم:
لصيغة القسم أجزاء ثلاثة:
1-  الفعل الذي يتعدى بالباء.
2- المقسم به.
3- المقسم عليه، وهو المسمى بجواب القسم.
ولما كان القسم يكثر في الكلام اختصر فصار فعل القسم يحذف ويكتفى بالباء، ثم عوض عن الباء بالواو في الأسماء الظاهرة كقوله تعالى: }وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى{ (الليل: 1)، وهذا كثير، وبالتاء في لفظ الجلالة كقوله: }وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم{ (الأنبياء: 57)، وهذا قليل.

أنواع القسم:
1- القسم الظاهر:
وهو ما صرح فيه بفعل القسم، وصرح فيه بالمقسم به، ومنه ما حذف فيه فعل القسم كما هو الغالب اكتفاء بالجار من الباء أو الواو أو التاء.
مثاله:
قوله تعالى: }وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ{ (النحل: 38).
2- القسم المضمر:
وهو ما لم يصرح فيه بفعل القسم، ولا بالمقسم به، وإنما تدل عليه اللام المؤكدة التي تدخل على جواب القسم.
- مثاله:
قوله تعالى: }لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ{ (آل عمران: 186) أي والله لتبلون.

المقسم به في القرآن:
أقسم الله عز وجل بشيئين في القرآن الكريم، هما:
1- بنفسه وهو الخالق.
  وجاء ذلك في سبعة مواضع.
  منها قوله تعالى: }زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ{ (التغابن: 7).
2- بمخلوقاته الدالة على عظمته وعظمة آياته:
  كقوله تعالى: }وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا{ (الشمس: 1-7).

فوائد القسم:
للقسم فائدتان:
إحداهما:
بيان عظمة المقسم به.
والثانية:
بيان أهمية المقسم عليه، وإرادة توكيده.

متى يحسن القسم؟
  يحسن القسم في الأحوال التالية:
1- أن يكون المقسم عليه ذا أهمية.
2- أن يكون المخاطب متردداً في شأنه.
3- أن يكون المخاطب منكراً له.

المؤلفات في أقسام القرآن:
منها كتاب " التبيان في أقسام القرآن " لمحمد بن أبي بكر الزرعي، المشهور بابن قيم الجوزية ( ت 751 هـ ) مطبوع.


18- قصص القرآن الكريم

تعريف القصص:
- في اللغة:
تتبع الأثر.
- في الاصطلاح:
الإخبار عن قضية ذات مراحل يتبع بعضها بعضاً.

أقسام القصص القرآني:
1- قسم عن الأنبياء والرسل وما جرى لهم مع المؤمنين بهم والكافرين.
2- وقسم عن أفراد وطوائف جرى لهم ما فيه عبرة فنقله الله عنهم.  
3- وقسم عن حوادث وأقوام في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -.  

مميزات القصص القرآني:
1- كونه أصدق القصص، لقوله تعالى: }وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً{ (النساء: 87)، وذلك لتمام مطابقتها للواقع.
2- كونه أحسن القصص، لقوله تعالى: }نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ{ (يوسف:  3)، وذلك لاشتمالها على أعلى درجات الكمال في البلاغة وجلال المعنى.
3- كونه أنفع القصص، لقوله تعالى: }لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ{ (يوسف: 111)، وذلك لقوة تأثيرها في إصلاح القلوب والأعمال والأخلاق.

تــــكرار القصة الواحدة في القرآن:
تكرار القصة الواحدة في القرآن الكريم في أكثر من موضع بصور مختلفة من حيث التقديم والتأخير، والإيجاز والإطناب، وما شابه ذلك.
ولذلك حكم، منها:
1- بيان بلاغة القرآن في أعلى مراتبها، فمن خصائص البلاغة إبراز المعني الواحد في صور مختلفة.
2- قوة الإعجاز، فإيراد المعنى الواحد في صور متعددة مع عجز العرب عن الإتيان بصورة منها أبلغ في التحدي.
3- الاهتمام بشأن القصة لتمكين عبرها في النفس.
4- اختلاف الغاية التي تساق من أجلها القصة، فتذكر معانيها الوافية بالغرض في مقام، وتبرز معان أخرى في سائر المقامات حسب اختلاف مقتضيات الأحوال.
5- ظهور صدق القرآن وأنه من عند الله حيث تأتي هذه القصص متنوعة بدون تناقض.

فــــوائد القصص القرآني:
1- بيان حكمة الله تعالى فيما تضمنته هذه القصص، لقوله تعالى: }وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ{ (القمر: 4-5).  
2- بيان عدله تعالى بعقوبة المكذبين، لقوله تعالى عن المكذبين: }وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ{ (هود: 101).
3- بيان فضله تعالى بمثوبة المؤمنين، لقوله تعالى: }إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ{34} نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ{ (القمر: 34- 35).
4- تسلية النبي - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه من المكذبين له، لقوله تعالى: }وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ * ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ{ (فاطر: 25-26).
5- ترغيب المؤمنين في الإيمان بالثبات عليه والازدياد منه إذا علموا نجاة المؤمنين السابقين وانتصار من أمروا بالجهاد، لقوله تعالى }فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ{ (الأنبياء: 88).  
6- تحذير الكافرين من الاستمرار في كفرهم، لقوله تعالى: }أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا{ (محمد: 10).
7- إثبات رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن أخبار الأمم السابقة لا يعلمها إلا الله - عز وجل -، لقوله تعالى: }تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ{ (هود: 49).  


19- الضمائر في القرآن الكريم  

تعريف الضمير:
- في اللغة:
من الضمور وهو الهزال لقلة حروفه.
أول من: الإضمار وهو الخفاء لكثرة استتاره.
- في الاصطلاح:
ما كني به عن الظاهر اختصاراً.
وقيل ما دل علي حضور أو غيبه لا من مادتهما.

الأمثـــلة:
الدال على الحضور نوعان:
1- ما وضع للمتكلم، مثل: }وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ{ (غافر: 44).
2- ما وضع للمخاطب، مثل: }صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ{ (الفاتحة: 7).  
وهاذان لا يحتاجان إلى مرجع اكتفاء بدلالة الحضور عنه.
والدال على الغائب: ما وضع للغائب. لا بدله من مرجع يعود عليه.

حالات مرجع الضمير:
1- الأصل في المرجع أن يكون سابقاً على الضمير لفظاً ورتبة مطابقاً لفظا ومعنى.
مثاله: }وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ{ (هود: 45).  
2- وقد يكون مفهوماً من مادة الفعل السابق.
مثاله: }اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى{ (المائدة: 124).  
3- وقد يسبق لفظاً لا رتبة.
مثاله: }وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ{ (البقرة: 124).
4- وقد يسبق رتبة لا لفظاً.
مثاله: حمل كتابه الطالب.  
5- وقد يكون مفهوماً من السياق.
مثاله: }وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ{ (النساء: 11).  
فالضمير يعود على الميت المفهوم من قوله }مما ترك{.
6- وقد لا يطابق الضمير معنى.
مثاله: }وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً{ (المؤمنون: 12-13).
فالضمير يعود على الإنسان باعتبار اللفظ، لأن المجعول نطفه ليس الإنسان الأول.
7- إذا كان المرجع صالحاً للمفرد والجمع جاز عود الضمير عليه بإحداهما.
مثاله: }وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً{ (الطلاق: 11).  
8- الأصل اتحاد مرجع الضمائر إذا تعددت.
مثاله: }عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى{ (النجم: 5-10).  
ضمائر الرفع في هذه الآيات تعود إلى شديد القوى وهو جبريل - عليه السلام -.
9- الأصل عود الضمير على أقرب مذكور إلا في المتضايفين، فيعود على المضاف لأنه المتحدث عنه.
مثال الأصل: }وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ{. (الإسراء: 2).
مثال المتضايفين: }وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا{ (النحل: 18).
وقد يأتي على خلاف الأصل فيما سبق بدليل يدل عليه.  

الإظهار في موضع الإضمار:
الأصل أن يؤتى في مكان الضمير بالضمير أنه أبين للمعنى وأخصر للفظ ولهذا ناب الضمير في قوله تعالى: }أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً{ (الأحزاب: 35) عن عشرين الكلمة المذكورة قبله.
وربما يؤتي مكان الضمير بالاسم الظاهر، ولذلك فوائد كثيرة تظهر بحسب السياق، منها:
1- الحكم على مرجع الضمير بما يقتضيه الاسم الظاهر.
2- بيان علة الحكم.
3- عموم الحكم لكل متصف بما يقتضيه الاسم الظاهر.
مثاله:
قوله تعالى: }مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ{ (البقرة: 98).  
ولم يقل فإن الله عدو له، فأفاد هذا الإظهار:
1- الحكم بالكفر على من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال.
2- أن الله عدوا لهم لكفرهم.
3- أن كل كافر فالله عدو له.

ضمـير الفصل:
- تعريفه:
  حرف بصيغة ضمير الرفع المنفصل يقع بين المبتدأ والخبر إذا كان معرفتين:
- حالاته:
1- يكون بضمير المتكلم، كقوله تعالى: }إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا{ (طه: 1).  
2- وبضمير المخاطب، كقوله تعالى: }كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ{ (المائدة: 117).  
3- وبضمير الغائب، كقوله تعالى: }وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ (البقرة: 5).
فوائـده:
1- التوكيد، فإن قولك: زيد هو أخوك، أوكد من قولك: زيد أخوك.
2- الحصر: وهو اختصاص ما قبله بما بعده، فإن قولك: المجتهد هو الناجح يفيد اختصاص المجتهد بالنجاح.
3- الفضل: أي التميز بين كون ما بعده خبراً أو تابعاً، فإن قولك: زيد الفاضل، ويحتمل أن تكون الفاضل صيغة لزيد، والخبر منتظر، ويحتمل أن تكون الفاضل خبراً. فإذا قلت: زيد هو الفاضل، تعين أن تكون الفاضل خبراً لوجود ضمير الفصل.

من المؤلفين في الضمائر الواردة في القرآن:
وقد صنف أبوبكر محمد بن القاسم النحوي، المشهور بابن الأنباري ( ت 328 هـ ) كتاباً في تعين الضمائر الواقعة في القرآن في مجلدين.



معنى التعارض:
التعارض أن تتقابل آيتان بحيث يمنع مدلول إحداهما مدلول الأخرى.
مثل أن تكون إحداهما مثبتة لشيء والأخرى نافيه له.

متى يمتنع التعارض؟
1- لا يمكن أن يقع التعارض بين آيتين مدلولهما خبري، لأنه يلزم كون إحداهما كذباً، وهو مستحيل في أخبار الله تعالى، قال الله تعالى: }وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً{ (النساء: 87).  
2- ولا يقع التعارض بين آيتين مدلولهما حُكمي، لأن الأخيرة منهما ناسخة للأولي، قال الله تعالى: }مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا{ (البقرة: 106)، وإذا ثبت كان حكم الأولي غير قائم ولا معارض للأخيرة.

العمل عند توهم التعارض:
إذا رأيت ما يوهم التعارض، فحاول الجمع بينهما، فإن لم يتبين لك، فاسأل أهل الذكر - وهم العلماء - وإلا فكل الأمر إلى عالمه وتوقف.

أمثلة موهم التعارض:
وقد ذكر العلماء - رحمهم الله - تعالى أمثلة كثيرة لما يوهم التعارض، وبينوا الجمع في ذلك، فمن أمثلة ذلك:
1- قوله تعالى في الرسول - صلى الله عليه وسلم -: }إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ{ (القصص: 56).
وقوله فيه: }وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (الشورى: 52).
فنفي الهداية في الآية الأولى وأثبتها في الثانية.
والجمع بينهما: أن الهداية في الآية الأولى هي الهداية التوفيق والانتفاع، وفي الثانية هداية التبيين والإرشاد.
2- قوله تعالى: }إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء{ (الأعراف: 28). وقوله: }وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً{ (الإسراء: 16).  
ففي الآية الأولى نفي أن يأمر الله تعالى بالفحشاء، وظاهر الثانية أن الله تعالى بأمر بما هو فسق !.
والجمع بينهما أن الأمر في الآية الأولى هو الأمر الشرعي، والله تعالى لا يأمر شرعا بالفحشاء، لقوله تعالى: }إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ{. (النحل: 90).
والأمر في الآية الثانية هو الأمر الكوني، والله تعالى يأمر كونا بما يشاء حسب ما تقتضيه حكمته، لقوله تعالى: }إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ{ (يس: 82).

من المؤلفات في التعارض:
تطرق كثير من العلماء لموهم التعارض في القرآن الكريم، ومما أفرد هذا النوع بالتأليف:
1- تأويل مشكل القرآن.
لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ( ت 276 هــ ).
2- دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب.
لمحمد الأمين الشنقيطي ( ت 1393 هــ ).
وهو من أجمع ما ألف في بابه.


21- إعجــــاز القرآن الكريم

تعريف الإعجاز:
- في اللغة:
إثبات العجز، وهو ضد القدرة، بمعنى القصور عن فعل الشيء.
- والمعجزة في الاصطلاح:
أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم عن المعارضة.
- فإعجاز القرآن:
إظهار صدق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في دعوى الرسالة بإظهار عجز العرب عن معارضته.

أنـــواع إعجاز القرآن:
1- الإعجاز اللغوي:
والمراد به إعجازه في ألفاظه، وأسلوبه، وبيانه، ونظمه.
وقد أمر الله - عز وجل – نبيه - صلى الله عليه وسلم - بتحدي العرب بالقرآن الكريم على مراحل ثلاث:
1- تحداهم بالقرآن كله في أسلوب عام يتناولهم ويتناول غيرهم من الأنس والجن تحدياً يظهر على طاقاتهم مجتمعين.
قال تعالى: }قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً{ (الإسراء: 88).  
2- ثم تحداهم بعشر سور منه.
قال تعالى: }أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ  اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ { (هود: 13-14).
3- ثم تحداهم بسورة واحدة منه.
قال تعالى: }أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ{ (يونس: 38).

2- الإعجاز العلــــمي:
والمراد به إعجاز في علومه ومعارفه المختلفة التي أثبت اعلم الحديث كثيراً من حقائقها المغيبة.
ويكمن إعجازه العلمي في حثه على التفكير، فهو يحث الإنسان على النظر في الكون وتدبره، ولا يشل حركة العقل في تفكيره، أو يحول بينه وبين الاستزادة من العلوم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وليس ثمة كتاب من كتب الأديان السابقة يكفل هذا بمثل ما يكفله القرآن.
قال تعالى: }إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{ (آل عمران: 190-191).
وحث الله تعالى المسلم على التفكير في نفسه، وفي الأرض التي يعمرها، وفي الطبيعة التي تحيط به، فقال: }أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى{ (الروم: 8).
وأثار فيه الحس العلمي للتفكير والفهم والتعقل، فقال: }كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ{ (البقرة: 219).
ورفع مكانة المسلم بفضيلة العلم، فقال: }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ{ (المجادلة: 11).

3- الإعجــــاز التشـــريعي:
المراد به إعجازه في تشريعه وصيانته للحقوق لتكون مجتمع مثالي تسعد الدنيا على يديه

وتتعدد مظاهر هذا الإعجاز بتعدد نواحي التشريع، ومنها:
1- يحرر القرآن المسلم بقصيدة التوحيد من عبودية الشهوات والشبهات.
قال تعالى: }قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ {(سورة الإخلاص).  
2- الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
قال تعالى: }إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ{ (العنكبوت: 45).
3- القيام بالعبادات يربي المسلم على الشعور بالتبعة الفردية التي يقرها القرآن، وينوط بها كل تكليف من تكاليف الدين.
قال تعالى: }لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ{ (البقرة: 286).
4- توثيق رباط الأسرة.
قال تعالى: }وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً{ (الروم: 21). وقال تعالى: }وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ{ (النساء: 19).
5- تقرير الشورى.
قال تعالى: }وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ{ (الشورى: 38).
6- إقامة العدل.
قال تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً{ (النساء: 135).
7- حفظ الأمانات.
قال الله تعالى: }إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ{ (النساء: 58).
8- الحكم بما أنزل الله.
قال تعالى }أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ{ (المائدة: 50).
9- حفظ الكليات الخمس الضرورية للحياة الإنسانية.
قال تعالى: }وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ{ (البقرة: 179).  
قال تعالى: }الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ{ (النور: 2).
وقال تعالى }وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً{ (النور: 4)، وقال: }وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا{ (المائدة: 38).
10- قرر القرآن العلاقات الدولية في الحرب والسلم بين المسلمين وجيرانهم أو معاهديهم، وهي أرفع معاملة عرفت في عصور الحضارة الإنسانية.

المؤلفــــات في إعـــجاز القرآن الكريم:
المؤلفات في إعجاز القرآن الكريم كثيرة جداً، ولكل كتاب منها طريقته الخاصة في بيان الإعجاز، وإن كان أغلبها في بيان الإعجاز اللغوي.
ومن كتب الإعجاز:
1- النكت في إعجاز القرآن.
  لأبي الحسن علي بن عيسى الرماني ( ت 348 هـ).
2- بيان إعجاز القرآن.
لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي ( ت 388 هـ).
3- إعجاز القرآن.
لأبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني ( ت 403 هـ).
وجميعها مطبوعة.


22- تفســــير القرآن الكريم
معناه وحكمه وأنـــواعه

معنــى التفســير:
- في اللغة:
من الفَسْر وهو الكشف عن المغطى.
- في الاصطلاح :  
بيان معاني القرآن الكريم.

حكم تعلم التفســـير:
تعلم التفسير واجب لم أراد أن يعمل به لقوله تعالى }كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ{ (ص: 29)، ولقوله تعالى: }أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا{ (محمد: 24).
أما تعلمه كعلم من العلوم فقد أجمع العلماء على أنه فروض الكفايات.

وجــــه الدلالـــــة:
وجه الدلالة من الآية الأولى أن الله تعالى بين الحكمة من إنزال هذا القرآن المبارك أن يتدبر الناس آياته ويتعظون بما فيها.
والتدبر هو التأمل في الألفاظ للوصول إلى معانيها، فإذا لم يكن ذلك فاتت الحكمة من إنزال القرآن، وصار مجرد ألفاظ لا تأثير لها.
ولأنه لا يمكن الاتعاظ بما في القرآن بدون فهم معانيه.
ووجه الدلالة من الآية الثانية أن الله تعالى وبخ أولئك الذين لا يتدبرون القرآن وأشار إلى أن ذلك من الإقفال على قلوبهم وعدم وصول الخير إليها.

أنــــواع التفسير:
قسم ابن عباس - رضي الله عنهما - التفسير إلى أربعة أوجه فقال: "التفسير على أربعة أوجه:
1- وجه تعرفه العرب من كلامها،
2- وتفسير لا يعذر أحد بجهالته،
3- وتفسير يعلمه العلماء،
4- وتفسير لا يعلمه أحد إلا الله".
والذي لا يعذر أحد بجهله: هو ما يتبادر فهم معناه إلى الأذهان العربية من النصوص المتضمنة شرائع الأحكام ودلائل التوحيد ولا لبس فيها، فكل امرئ يدرك معنى التوحيد من قوله تعالى: }فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ{ (محمد: 19)، وإن لم يعلم أن هذه العبارة وردت بطريق النفي والاستثناء فهي دالة على الحصر.
وهذان الوجهان هما المعنيان بحكم التفسير المتقدم بيانه آنفا لمن أراد العمل به.
وأما ما لا يعلمه إلا الله: فهو المغيبات، كحقيقة قيام الساعة، وحقيقة الروح.
وأما ما يعلمه العلماء: فهو الذي يرجع إلى اجتهادهم المعتمد على الشواهد والدلائل دون مجرد الرأي، من بيان مجمل، أو تخصيص عام، أو نحو ذلك.
وهو المراد بالفرض الكفائي.
وهذا التقسيم باعتبار وضوح المعنى للمفسر.
أما باعتبار منهجية التأليف في التفسير وطريقته فهو يتنوع إلى نوعين رئيسين، هما:
1- التفسير بالمأثور.
2- والتفسير بالرأي، ويدخل فيه أنواع أخرى.

التفسير بالمأثــــور:
هو الذي يعتمد على المنقول بالسند بمراتبه المعروفة.
من تفسير القرآن بالقرآن.
أو بالسنة، لأنها جاءت مبينة لكتاب الله.
أو بما روى عن الصحابة، لأنهم أعلم الناس بكتاب الله، وشهدوا نزوله.  
أو بما قاله كبار التابعين، لأنهم تلقوا ذلك غالباً عن الصحابة.

الاختــــلاف فيـه:
كان الخلاف بين صدر الأمة قليلاً جداً بالنسبة إلى من بعدهم، وأكثره لا يعدو أن يكون خلافاً في التعبير مع اتحاد المعنى، أو يكون من تفسير العام ببعض أفراده على طريق التمثيل، وقد يكون الاختلاف لاحتمال اللفظ الأمرين.

أشهر المؤلفـــات فيه:
1- جامع البيان في تفسير القرآن.
لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري ( ت 310هـ ).
2- تفسير القرآن العظيم.
لأبي الفداء إسماعيل بن عمرو بن كثير الدمشقي (774هـ).
3- الدر المنثور في التفسير بالمأثور.
لأبي الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911 هـ).

التفسير بالرأي:
هو ما يعتمد فيه المفسر في بيان المعنى على فهمه واستنباطه الخاص.

أقسامــه:
1- التفسير بالرأي الجائز:
وهو ما وافق كلام العرب ومناحيهم في القول، مع موافقة الكتاب والسنة، ومراعاة سائر شروط التفسير.
2- التفسير بالرأي المذموم:
  وهو ما خالف الأدلة الشرعية أو قوانين العربية، ولم يستوف شروط التفسير.

أشهر المؤلفات فيه:
1- مفاتيح الغيب.
لأبي عبد الله محمد بن عمر الرازي (ت606 هـ).
2- أنوار التنزيل وأسرار التأويل.
لأبي الخير عبد الله بن عمر البيضاوي (685 هـ).
3- البحر المحيط.  
لأبي عبد الله محمد بن يوسف بن حيان الأندلسي (ت 745 هـ).



قائمة المصادر والمراجع
1- الإتقان في علوم القرآن، السيوطي، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة المشهد الحسيني - القاهرة، ط: 1/1387 هـ.
2- الأحرف القرآنية السبعة، د. عبد الرحمن المطرودي، عالم الكتب - الرياض، ط: 1/1411 هـ.
3- إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، الشوكاني، مصورة دار المعرفة - بيروت.
4- أصول في التفسير، ابن عثيمين، دار الوطن - الرياض، ط: 1/1415 هـ ضمن مجموع: الرسائل والمتون العلمية ج 3.
5- الأصول من علم الأصول، ابن عثيمين، مكتبة المعارف - الرياض، ط1، 1403هـ.
6- الأمثال في القرآن الكريم، ابن قيم الجوزية، ت: سعيد الخطيب، دار المعرفة – بيروت، ط: 2/1403 هـ، وهو مستل من كتاب: " إعــلام الموقعين".
7- أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، ابن هشام الأنصاري، ط: 1/1401 هـ معه: ضياء السالك للنجار.
8- البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة من طريقي الشاطبية والدرة، عبد الفتاح القاضي، مكتبة الدار - المدينة، ط: 1/1404 هـ.
9- البرهان في علوم القرآن، الزركشي، ت: د. يوسف المرعشلي وزملائه، دار المعرفة - بيروت، ط: 1/1404 هـ.
10-  تأويل مشكل القرآن، ابن قتيبة، ت: السيد أحمد الصقر، دار التراث - القاهرة، ط: 2/1393 هـ.
11-  التبيان في آداب حملة القرآن، للنووي، مكتبة طيبة - المدينة، ط: 1/1403 هـ.
12- تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، ت: على شيري، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط: 1/1405 هـ.
13- التفسير والمفسرون، د. محمد الذهبي، دار الكتب الحديثة - القاهرة، ط: 2/1396 هـ.
14- الجامع، للترمذي، ت: احمد شاكر وكمال الحوت، دار الكتب العلمية - بيروت، ط: 1/1408 هـ.
15- جامع البيان عن تأويل أي القرآن، ابن جرير الطبري، دار الفكر - بيروت، ط 1408 هـ.
16- دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب، لمحمد الأمين الشنقيطي، مطبوع في آخر تفسيره أضواء البيان.
17- الرسل والرسالات، د. عمر الأشقر، مكتبة الفلاح - الكويت، ط: 4/1414 هـ.
18- روضة الناظر وجنة المناظر، ابن قدامة المقدسي، ومعه: نزهة الخاطر لابن بدران، مكتبة المعارف - الرياض، ط: 2/1404 هـ.
19- السنن لأبي داود، ت: عزت الدعاس وزميله، دار الحديث - بيروت، ط: 1/1388 هـ.
20- شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك، ت: محمد محي الدين عبد الحميد، دار إحياء التراث العربي - بيروت.
21- شرح السنة، للبغوي، ت: زهير الشاويش وزميله، المكتب الإسلامي - بيروت، ط: 2/1403 هـ.
22- شعب الإيمان، البيهقي، ت: محمد السعيد زغلول، دار الكتب العلمية - بيوت، ط: 1/1410 هـ.
23- صحيح البخاري، مع شرحه: فتح الباري لابن حجر، الطبعة السلفية - القاهرة.
24- صحيح الجامع الصغير، الألباني، المكتب الإسلامي - بيروت، ط:  2/1406 هـ.
25- صحيح مسلم، ت: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي - بيروت ط: 1/1374 هـ.
26- ضعيف سنن أبي داود، الألباني، المكتب الإسلامي - بيروت، ط: 1/1412 هـ.  
27- العجاب في بيان الأسباب، ابن حجر العسقلاني، ت: عبد الحكيم الأنيس، دار ابن الجوزي ـ الدمام، ط: 1/1418 هـ.
28- العواصم من القواصم، ابن العربي المالكي، ت: محب الدين الخطيب، دار الكتب السلفية - القاهرة، ط: 1/1405 هـ.
29- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، ت: محمد فؤاد عبد الباقي وغيره، الطبعة السلفية - القاهرة.
30- فضائل القرآن، الرازي، ت: د. عامر صبري، دار البشائر الإسلامية – بيروت، ط: 1/1415 هـ.
31- فضائل القرآن، الفريابي، ت: يوسف جبريل، مكتبة الرشد - الرياض، ط: 1/1409 هـ.
32- فنون الأفنان في عيون علوم القرآن، ت: د. حسن عتر، دار البشائر الإسلامية - بيروت، ط: 1/1408 هـ.
33- الفهرست، ابن النديم، ت: د. يوسف الطويل، دار الكتب العلمية - بيروت، ط: 1/1416 هـ.
34- القاموس المحيط، الفيروز آبادي، مؤسسة الرسالة - بيروت، ط: 2/1407 هـ.
35- القرآن تاريخه وآدابه، إبراهيم على عمر، مكتبة الفلاح - الكويت، ط 1/ 1404 هـ.
36- كُتّاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، د. محمد مصطفي الأعظمي، المكتب الإسلامي ـ بيروت، ط: 1/1394 هـ.
37- لسان العرب، ابن منظور الإفريقي، دار صادر - بيروت، ط: 1/هـ.
38- مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، مؤسسة الرسالة، ط: 15/1405 هـ.
39- المجموع شرح المهذب، النووي، مصورة دار الفكر.
40- مجموع فتاوى ابن تيمية، جمع: عبد الرحمن بن قاسم، دار عالم الكتب - الرياض، ط: 1/1412 هـ.
41- مراقي السعود لمبتغى الرقي والصعود، عبد الله بن إبراهيم الشنقيطي، ت: د. محمد حبيب الشنقيطي، دار المنارة - جدة، ط: 1/1416 هـ.
42- المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، ومعه: التلخيص للذهبي، مصورة دار المعرفة - بيروت.
43- المصاحف، ابن أبي داود السجستاني، دار الكتب العلمية – بيروت، ط: 1/1405 هـ.
44- المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية - القاهرة، ط: 3/1405 هـ.
45- معرفة القراء الكبار على الطبقات والإعصار، الذهبي، ت: بشار عواد وزملائه، مؤسسة الرسالة - بيروت، ط: 2/1408 هـ.
46- مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، ت: صفوان داو ودي، دار القلم - دمشق، ط: 1/1412 هـ.
47- مقدمات في علوم القرآن وتجويده، د. عبد الرحمن الفرج، دار المنار - الخرج، ط: 1/1412 هـ.
48- المقنع في رسم المصاحف الأمصار، الداني، ت: محمد الصادق القمحاوي، مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة.
49- مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد الزرقاني، دار إحياء الكتب العربية - القاهرة، ط: 3/ 1362 هـ.
50- موارد الظمآن في علوم القرآن، صابر حسن أبو سليمان، الدار السلفية - الهند، ط 1/ 1404 هـ.
51- نزول القرآن على سبعة أحرف، مناع القطان، مكتبة وهبة - القاهرة، ط: 1/1411 هـ.
52- النشر في القراءات العشر، ابن الجزري، ت: على الضباع، دار الفكر.
53- النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير، محمود الطناحي وزميله، دار الفكر - بيروت.
54- هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، إسماعيل باشا البغدادي، طبعة النجف
55- الواضح في أصول الفقه، د. محمد سليمان الأشقر، الدار السلفية - الكويت، ط: 3/1407 هـ.
تم بحمد الله


كــتب للمؤلــف

1- الوجيز في علوم الكتاب العزيز، 144 صفحة.
2- الإمام شهاب الدين البوصيري ( ت 840 هـ ) ومنهجه في الدراسات الحديثية، رسالة دكتوراه، 620 صفحة.
3- الإمام مالك وأثره في الحديث النبوي، 500 صفحة.
4- مجموع: أوراق منثورة، 420 صفحة.
مجموعة أبحاث متفرقة ومخطوطات محققة، وردود وفهارس، وهي:
1- تحقيق كتاب " التوبة " لأبي القاسم على بن الحسن بن هبة الله الشافعي المعروف بابن عساكر (ت 571 هـ)، الطبعة الثانية.
2- تحقيق كتاب " ذم ذي الوجهين واللسانين" له أيضا.
3- تحقيق كتاب " أصول السنة" لأبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي ( ت 219 هــ )، الطبعة الثانية.
4- اقتران الخلود بالأبدية في القرآن الكريم.
5- ملحوظات على كتاب: " العمارة في صدر الإسلام " للأستاذ الدكتور: كمال الدين سامح.
6- ملحوظات على تحقيق كتاب: " الوقوف على الموقوف" لأبي حفص عمر بن بدر الموصلي ( ت 622 هـ)، والذي حققته أم عبد الله بنت محروس العسلي، وبإشراف زوجها محمود الحداد.
7- فهرس أحاديث كتاب: " مكارم الأخلاق" لابن أبي الدنيا ( ت 281 هـ)، تحقيق: جيمز بلمي.
8- الأقوال المنسوبة لواقدي، ت ( 207هـ ) في الجرح والتعديل.
9- الرد على مقالة: " صفة الصلاة على النبي عقب الأذان".
10- زخرفة المساجد رؤية شرعية.
تـــــــــم بحــــمــد اللــــــــه