السبت، 3 أكتوبر 2009

بدل التفرغ - الـ 30%

مجلس الدولة

محكمة القضاء الإداري

دائرة التسويات "أ"

مذكرة

بدفاع/ تهامي علي زهرة المُحامي (المدعي)

ضد

السيد/ رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية بصفته (المدعى عليها)

في الدعوى رقم 33259 لسنة 60 قضائية "قضاء إداري"، والمحدد لنظرها جلسة يوم الخميس الموافق 8 أكتوبر 2009م للمرافعة.

أولاً- الوقائع

تخلص وقائع الدعوى الماثلة في أن المدعي عقد الخصومة فيها بموجب صحيفة موقعة منه كمحام، وأودعت قلم كتاب المحكمة بتاريخ 8/7/2006، وأعلنت قانوناً، طلب في ختامها الحكم له: بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع: بإلزام هيئة الأوقاف المصرية "المدعى عليها" بأن تصرف له "بدل التفرغ" المُقرر لأعضاء الإدارات القانونية بنسبة 30% من بداية الأجر الأساسي المُقرر للدرجة الأولى التي يشغلها مُضافاً إليها العلاوات الإضافية (طبقاً لنص المادة 45 من القانون رقم 29 لسنة 1992) والمقررة في التواريخ المحددة لضم هذه العلاوات، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وكذلك صرف الفروق المالية لهذا البدل اعتباراً من تاريخ التعيين، مع ما يُستجد حتى تاريخ السداد الفعلي.

وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه عُيِنَ بوظيفة محام بالإدارة القانونية بهيئة الأوقاف المصرية بالدرجة الثالثة التخصُصية اعتباراً من 30/6/1989، وتدرج في الوظيفة حتى وصل إلى وظيفة مدير إدارة قانونية بالدرجة الأولى (مدير إدارة تنفيذ الأحكام، بالإدارة العامة للقضايا وتنفيذ الأحكام، بالإدارة المركزية للشئون القانونية، بهيئة الأوقاف المصرية).

وأنه يتقاضى بدل تفرغ بنسبة 30% من بداية مربوط الدرجة الوظيفية شهرياً دون العلاوات الخاصة، حيث دأبت الجهة الإدارية على صرف بدل التفرغ له دون إضافة العلاوات الخاصة المُقررة قانوناً، مما حدا به إلى التقدم بطلب التوفيق في بعض المنازعات رقم 141 لسنة 2006 للجنة الثالثة بلجان التوفيق بهيئة الأوقاف المصرية (المُشكلة بالقانون رقم 7 لسنة 2000) والتي أصدرت توصيتها بجلسة 26/6/2006 بأحقية الطالب فيما يطالب به من صرف بدل التفرغ بنسبة 30% من بداية الأجر الأساسي المقرر للدرجة التي يشغلها مُضافاً إليه العلاوات الإضافية والخاصة المُضافة إلى بداية الأجر طبقاً لأحكام القانون رقم 29 لسنة 1992 مع ما يترتب على ذلك من آثار. إلا أن الجهة الإدارية امتنعت عن تنفيذ توصية لجنة التوفيق، مما حدا به إلى إقامة دعواه الماثلة بغية القضاء له بطلباته سالفة الذكر.

وقدم تأييداً لدعواه حافظة مستندات طويت على بيان الحالة الوظيفية له وعلى أصل إخطار توصية لجنة التوفيق في المنازعات وعلى أحكام قضائية وتقارير هيئة مفوضي الدولة في حالات مماثلة.

وتداولت الدعوى بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها أمام هيئة مفوضي الدولة والتي قامت بتحضير الدعوى وأودعت تقريراً بالرأي القانوني فيها، ومن ثم تحدد لنظرها أمام عدالة المحكمة الموقرة جلسة اليوم للمرافعة.

ثانياً- الدفاع

حيث أنه عن شكل الدعوى: فإنها من دعاوى الاستحقاق التي لا تتقيد بمواعيد وإجراءات دعوى الإلغاء، كما أن المدعي قد لجأ إلى لجان التوفيق في المنازعات (بالطلب رقم 141 لسنة 2006)، وإذ استوفت الدعوى سائر أوضاعها الشكلية المُقررة قانوناً، ومن ثم فإنها تكون مقبولة شكلاً.

وحيث أنه عن موضوع الدعوى: فإن المادة الأولى من مواد إصدار القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية بالمؤسسات العامة والهيئات العامة والإدارات التابعة لها، على أن: "تسري أحكام القانون المرافق على مديري وأعضاء الإدارات القانونية بالمؤسسات العامة والهيئات العامة والوحدات التابعة لها".

وحيث تنص المادة 29 من ذات القانون، على أن: "يُمنح شاغلو الوظائف المُبينة في هذا الجدول بدل تفرغ قدره 30% من بداية مربوط الفئة الوظيفية ...".

وحيث تنص المادة الثانية من القانون رقم 29 لسنة 1992 بتقرير علاوة خاصة للعاملين بالدولة وضم العلاوات الإضافية إلى الأجور الأساسية، على أنه: "يقصد بالعاملين بالدولة في تطبيق أحكام هذا القانون العاملون داخل جمهورية مصر العربية، وكذلك العاملين بالدولة الذين تنظم شئون توظيفهم قوانين أو لوائح خاصة".

وحيث تنص المادة الرابعة من ذات القانون على أنه: "تضم إلى الأجور الأساسية للخاضعين لأحكام هذا القانون العلاوات الخاصة المُقررة بالقوانين التالية من التاريخ المحدد قرين كل منها ولو تجاوز العامل بها نهاية مربوط الدرجة أو المربوط الثابت المُقرر لوظيفته أو منصبه ...".

وحيث تنص المادة السادسة من ذات القانون على أنه: "يُنشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويُعمل به اعتباراً من أول يوليو سنة 1992".

وحيث ينص البند الثاني من القواعد المتعلقة بتطبيق أحكام القانون رقم 29 لسنة 1992 سالف الذكر، والصادر عن رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة برقم 6 لسنة 1992، على أنه: "تصبح العلاوة الخاصة المضمومة جزء لا يتجزأ من الأجر الأساسي للعامل من أول يوليو الذي تضم فيه، وتحسب من هذا الأجر نسبة الحوافز أو التعويضات أو البدلات التي تصرف منسوبة إلى هذا الأجر، كما تحسب نسبة الحد الأقصى لمجموع البدلات على أساس هذا الأجر بعد إجراء الضم".

ومن حيث أن المستفاد من النصوص السابقة أن المشرع قرر منح أعضاء الإدارات القانونية العاملين بالمؤسسات العامة والهيئات العامة والإدارات التابعة لها بدل تفرغ بنسبة 30% من بداية مربوط الأجر المُقرر للدرجة الوظيفية التي يشغلونها (طبقاً لجدول ترتيب الوظائف الخاصة بهم). وبصدور القانون رقم 29 لسنة 1992 أصبحت العلاوات الخاصة جزءاً من الراتب اعتباراً من 1/7/1992 بحيث يحسب على أساس ذلك الأجر المضاف إليه العلاوات الخاصة التي ضمت نسبة البدلات التي تصرف للعامل، وتلك هي الحكمة من التشريع المتضمن ضم العلاوات الخاصة إلى الأجر الأساسي للعامل وهو زيادة الأجر الأساسي بغية رفع مستوى العاملين المدنيين بالدولة.

ويؤيد ذلك ما تضمنه تقرير اللجنة المشتركة من لجنة القوى العاملة ومكتب لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب بشأن القانون رقم 29 لسنة 1992 بتقرير ضم علاوة خاصة للعاملين بالدولة وضم العلاوات الإضافية إلى الأجور الأساسية من أن الحكومة استجابت لما طالب به أعضاء المجلس من ضم العلاوات الخاصة التي منحت للعاملين على مدار ست سنوات ابتداء من 1987 وحتى 1992 إلى المرتب وذلك استكمالاً لمعالجة الخلل بين الأجور والأسعار وتحسينها وما يستتبع ذلك من النتائج التي ستترتب على جميع ما يحصل عليه العامل من مكافآت وأجور إضافية وحوافز ومعاش. والقول بغير ذلك ينتفي معه الغرض من ضم هذه العلاوات إلى الأجر الأساسي طالما لا يترتب عليه آثار في باقي مستحقات العامل، ويصبح لا مقتضى لاستصدار قانون بهذا الخصوص مع ملاحظة أن ضم هذه العلاوات يتم على مراحل مختلفة للتخفيف من الأعباء التي تتحملها الدولة نتيجة هذا الضم، وهو ما يفسر تقاضي العامل لعلاوات خاصة تقررت بأكثر من قانون مع ضم علاوات أخرى مضى على منحها مدة زمنية.

ومن حيث ما تقدم، فإن المشرع بموجب القانون رقم 29 لسنة 1992 سالف الذكر، قد قرر ضم العلاوات الخاصة للراتب الأساسي وجعلها من ثم جزء لا يتجزأ منه بحيث يضحى الأجر الأساسي يشمل الأجر الأساسي للوظيفة حسب جدول المرتبات وكذلك العلاوات الخاصة التي تنضم إليه، ومن ثم فإذا ما قرر المشرع منح ثمة بدل لأي من العاملين المُخاطبين بأحكام القانون المشار إليه وحسابه من الأجر الأساسي للعامل، فإن ذلك مؤداه حساب البدل المقرر من مجموع الأجر الأساسي للوظيفة فضلاً عن العلاوات التي أضيفت إليه اعتباراً من 1/7/1992.

ومن حيث أنه، وهدياً بما تقدم، وكان الثابت بالأوراق أن المدعي يشغل وظيفة مدير إدارة قانونية بالدرجة الأولى (مدير إدارة تنفيذ الأحكام، بالإدارة العامة للقضايا وتنفيذ الأحكام، بالإدارة المركزية للشئون القانونية، بهيئة الأوقاف المصرية). وأن جهة الإدارة تقوم بصرف بدل التفرغ المُقرر للوظيفة بنسبة 30% من بداية مربوط درجة وظيفته (طبقاً لأحكام القانون رقم 47 لسنة 1973) دون أن تضيف إليها العلاوات الخاصة التي ضمت إليه اعتباراً من 1/7/1992 (طبقاً لأحكام القانون رقم 29 لسنة 1992)، فإنها بذلك تكون قد وقعت في حومة المُخالفة القانونية. وتضحى الدعوى الماثلة بطلب حساب البدل المشار إليه على أساس من بداية مربوط الدرجة الوظيفية للمدعي مُضافاً إليه العلاوات الخاصة التي ضمت إليه اعتباراً من 1/7/1992، قائمة على ما يبررها قانوناً وعلى سند صحيح من القانون خليقة بالقبول وإجابة المدعي إلى طلباته فيها.

التعقيب على تقرير هيئة مفوضي الدولة:

قامت هيئة مفوضي الدولة بتحضير الدعوى الماثلة، وبإيداع تقريراً برأيها القانوني فيه، والذي انتهى إلى: "قبول الدعوى شكلاً، ورفضها موضوعاً، وإلزام المدعي المصروفات".

وذلك تأسيساً على ما أفتت به الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة من أن: "ضم العلاوات الخاصة ليس من شأنه تعديل بداية أجر التعيين كما هو وارد بجدول نظم التوظيف بمقدار هذه العلاوة، بل يظل بداية أجر التعيين كما هو وارد بهذه الجداول، والقول بغير ذلك من شأنه أن يصبح هذا الحد الأدنى غير محدد تحديداً واحداً، حيث يظل متحركاً سنوياً بمقدار ما يضم من علاوات خاصة إلى الأجر الأساسي منذ بداية الضم في 1/7/1992، كما أن هذا القول يؤدي إلى اختلاف الحد الأدنى من فرد إلى آخر حسب اختلاف الداعي المنسوب إليه الإضافة المضمومة، وهي نتيجة لو أرادها المشرع لنص صراحة على تعديل بداية الربط بمقدار ما يُضم من علاوات خاصة إلى الأجور الأساسية، أما وأنه لم يفعل فإن إرادته تكون قد انصرفت إلى الإبقاء على بداية الأجر كما هي، ومؤدى ذلك أن ضم العلاوات إلى الأجور وفقاً لأحكام القانون رقم 29 لسنة 1992 ليس من شأنه تعديل بداية الربط المقرر بالجداول المرفقة بنظم التوظيف". (فتوى رقم: 413 بتاريخ 8/6/1996 ملف رقم: 86/4/1331).

وهذا الذي ذهب إليه تقرير هيئة مفوضي الدولة مردود عليه بما يلي:

1- عدم اختصاص الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بالإفتاء فيما يتعلق بشئون أعضاء الإدارات القانونية الخاضعين لأحكام القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية:

حيث تنص المادة السابعة من القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية بالمؤسسات العامة والهيئات العامة والوحدات التابعة لها، على أن: "تشكل لجنة عليا لشئون الإدارات القانونية بوزارة العدل برئاسة وزير العدل وعضوية ممثلي الهيئات القضائية ونقابة المحامين".

وحددت المادة الثامنة من ذات القانون اختصاصات تلك اللجنة العليا، ومنها: "... إبداء الرأي في جميع القوانين واللوائح والقرارات التنظيمية العامة المتعلقة بشئون الإدارات القانونية".

ومن ثم، فإن الاختصاص في إبداء الرأي فيما يتعلق بشئون الإدارات القانونية ينعقد للجنة العليا للإدارات القانونية بوزارة العدل دون غيرها، ولا اختصاص في ذلك لمجلس الدولة.(1)

هذا، وقد استقرت أراء الأمانة العامة للجنة العليا للإدارات القانونية بوزارة العدل على أحقية المحامين أعضاء الإدارات القانونية بالهيئات والشركات في صرف بدل التفرغ طبقاً لنص المادة 29 من القانون رقم 47 لسنة 1973 بواقع 30% من بداية مربوط الدرجة مُضافاً إليه العلاوات الخاصة.

2- فتاوى الجمعية العامة لا تحوز حجية الأمر المقضي:

حيث أنه من المُقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن: "جهة القضاء أو الهيئة ذات الاختصاص القضائي، هي تلك التي تستمد ولايتها من القانون محدداً لاختصاصها، يكون مبيناً لإجراءات نظر الخصومة أمامها، مفصلاً لضماناتها القضائية، ومقيداً أحكامها بأن تصدر على أساس قاعدة قانونية محددة سلفاً، لتكون عنواناً للحقيقة، متى حازت قوة الأمر المقضي، بما مؤداه أن الجهات والهيئات التي تتنازع الاختصاص فيما بينها - إيجابياً كان هذا التنازع أم سلبياً - هي تلك التي منحها المشرع ولاية القضاء في نزاع معين، وتتوافر لقراراتها القضائية في شأن هذا النزاع خصائص الأحكام ومقوماتها، وترقى بالتالي إلى مرتبتها، باعتبارها من جنسيتها، وكان نهوض المحكمة الدستورية العليا لفض التنازع بين هذه الجهات والهيئات، أو بين بعضها البعض، يقتضيها إعمال القواعد الآمرة التي حدد بها المشرع - بتفويض من المادة 167 من الدستور - ولاية كل منها، باعتبار أن ما يدخل في اختصاص كل جهة أو هيئة من بينها، يعتبر محجوزاً لها وموقوفاً عليها، فقد وجب الارتكان إلى هذه القواعد لإسناد الخصومة القضائية التي وقع التنازع على الاختصاص بصددها، إلى أحق هذه الجهات أو الهيئات بالفصل فيها.

والجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، تستمد اختصاصها من المادة 66 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 47 لسنه 1972، التي تنص على أن تختص هذه الجمعية العمومية بإبداء الرأي مسبباً في المسائل والموضوعات الآتية: ... د) المنازعات التي تنشأ بين الوزارات، أو بين المصالح العامة، أو بين المؤسسات العامة ،أو بين الهيئات المحلية، أو بين هذه الجهات وبعضها البعض، وكان من المقرر أن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع ـ لا تعتبر في ممارستها لهذا الاختصاص، جهة قضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائي، ذلك أن ما يصدر عنها في المسائل التي اختصها البند "د" من المادة 6 قانون مجلس الدولة بنظرها، لا يعدو أن يكون رأياً في مجال الإفتاء، لا تنعقد به خصومة بين طرفين، ولا يلزم للفصل في المنازعة التي يتعلق هذا الرأي بها، مراعاة حد أدنى من إجراءات التقاضي أو ضماناته الرئيسية. وأية ذلك أن قانون مجلس الدولة، قد فصل فصلا كاملا بين الوظيفة القضائية التي تتولاها محاكم مجلس الدولة دون غيرها، وبين مهام الإفتاء، ومراجعة النصوص القانونية التي عهد بها إلى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع في الأحوال التي عينها، وكان الفصل بين هاتين الوظيفتين، مؤداه أنهما لا تتداخلان مع بعضهما، ولا تحل إحداهما محل الأخرى، أو تقوم مقامها". (حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 8 لسنة 15 قضائية "دستورية" – جلسة 4/6/1994 مجموعة المكتب الفني – السنة 6 – صـ 856).

وقد تواتر قضاء المحكمة الدستورية على أن: "المشرع لم يسبغ على الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع ولاية القضاء في المنازعات التي تقوم بين فروع السلطة التنفيذية وهيئاتها، وإنما عهد إليها بمهمة الإفتاء فيها بإبداء الرأي مسبباً على ما يفصح عنه صدر النص. ولا يؤثر في ذلك ما أضفاه المشرع على رأيها من صفة الإلزام للجانبين لأن هذا الرأي الملزم لا يتجاوز حد الفتوى ولا يرقى به نص المادة 66 المشار إليها إلى مرتبة الأحكام، ذلك أن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع ليست من بين ما يتألف منه القسم القضائي لمجلس الدولة، ولا تتبع عند طرح المنازعة عليها الإجراءات التي رسمها قانون المرافعات أو أية قواعد إجرائية أخرى تقوم مقامها وتتوافر بها سمات إجراءات التقاضي وضماناته، كما لا يحوز الرأي الذي تبديه بشأنها حجية الأمر المقضي". (حكم المحكمة الدستورية العليا في لطعن رقم 15 لسنة 1 قضائية "دستورية – تنازع اختصاص" جلسة 17/1/1981 – مجموعة المكتب الفني السنة 1 - صـ 279).

وهدياً بما تقدم، فإن الجمعية العمومية ليست جهة تقاضي، وفتاويها ليست أحكاماً، ولا تحوز حجية الأمر المقضي به. كما أنه من المقرر قانوناً أنه إذا كانت المنازعة ليست محض منازعة بين جهات عامة وإنما كان من بين أطرافها أحد الأفراد فإن نص المادة 66 المشار إليها لا يستبعد في هذه الحالة الاختصاص القضائي المقرر قانوناً للمحاكم (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2819 لسنة 27 قضائية "إدارية عليا" - جلسة 7/1/1984 مجموعة المكتب الفني – السنة 29 - صـ 415).

وعليه، فلا مجال للاحتجاج بالفتوى المذكورة في حالة دعوانا الماثلة، ويكون استناد تقرير هيئة مفوضي الدولة إليها قد جانبه الصواب وجاء على غير سند من صحيح القانون جديراً بعدم الأخذ به أو التعويل عليه عند الفصل في موضوع الدعوى الماثلة.

3- تعارض فتوى الجمعية العامة مع أحكام قضائية عديدة:

تتعارض فتوى الجمعية العامة لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة سالفة الذكر والمنوه عنها بتقرير هيئة مفوضي الدولة في الدعوى الماثلة، تتعارض مع العديد من الأحكام القضائية الصادرة من مجلس الدولة ومن القضاء العادي. ونذكر من تلك الأحكام على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:

أ‌. حكم المحكمة الإدارية لوزارة النقل والمواصلات بجلسة 21/6/1998 في الدعوى رقم 26 لسنة 40 قضائية بأحقية المدعي بجامعة قناة السويس في احتساب بدل التفرغ المقرر بالمادة 29 من القانون رقم 47 لسنة 1973 بشأن الإدارات القانونية على أساس بداية الدرجة الوظيفية له بعد ضم العلاوات الإضافية على النحو الموضح بالأسباب.

ب‌. الحكم الصادر بجلسة 12/4/1998 في الدعوى رقم 31 لسنة 40 قضائية من محكمة القضاء الإداري.

ت‌. الحكم الصادر بجلسة 15/5/2000 في الدعوى رقم 206 لسنة 46 قضائية من المحكمة الإدارية لوزارة النقل والمواصلات.

ث‌. الحكم الصادر بجلسة 2/4/2000 في الدعوى رقم 210 لسنة 46 قضائية من المحكمة الإدارية لوزارة النقل والمواصلات.

ج‌. الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالمنصورة (من الدائرة الثانية) بجلسة 20/11/2004 في الدعوى رقم 2381 لسنة 23 قضائية ضد جامعة المنصورة بأحقية المدعي في صرف بدل التفرغ المقرر لأعضاء الإدارات القانونية بواقع 30% من بداية مربوط الدرجة مضافاً إليه العلاوات الخاصة مع ما يترتب على ذلك من آثار على النحو الموضح بالأسباب مع صرف الفروق المالية المترتبة على ذلك.

ح‌. الحكم الصادر من محكمة كفر الدوار (الدائرة الثانية) بجلسة 12/9/1999 في الدعوى رقم 448 لسنة 1998 مدني كفر الدوار.

خ‌. الحكم الصادر من اللجنة الخماسية بمحكمة بور سعيد الابتدائية بجلسة 30/12/2003 في الطلب رقم 134 لسنة 2003. وفي الطلب رقم 236 لسنة 2003.

د‌. الحكم الاستئنافي الصادر من محكمة استئناف الإسماعيلية (مأمورية بور سعيد) في الاستئناف رقم 16 لسنة 45 قضائية. وقد انتهى فرع هيئة قضايا الدولة الذي كان يباشر الاستئناف إلى عدم الطعن بالنقض في هذا الحكم لسلامته قانوناً.

4- عدم صحة ما ذهبت إليه فتوى الجمعية العامة:

حيث استقر قضاء المحكمة الإدارية على أحقية المدعين في حساب بدل التفرغ على أساس بداية مربوط الدرجة الوظيفية بعد ضم العلاوات الإضافية، لا سيما وأن المشرع منح العلاوات المذكورة للعاملين المدنيين بالدولة وقت العمل بالقوانين المشار إليها ولم يعين بعد هذا التاريخ.

ومن ثم فإن ضم هذه العلاوات إلى المرتب الأساسي يعد زيادة في بداية مربوط الدرجة الوظيفية، وهو الأمر الذي يتعين معه أن يكون البدل المنسوب إلى بداية ربط الدرجة الوظيفية منسوباً إلى هذا الربط بعد الزيادة المقررة بالعلاوات الإضافية.

ثالثاً- الطلبات

لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة المحكمة من أسباب أصوب وأرشد، يلتمس المدعي الحكم له بطلباته التالية:

أولاً- بقبول الدعوى شكلاً؛

ثانياً- وفي الموضوع: بإلزام هيئة الأوقاف المصرية "المدعى عليها" بأن تصرف للمدعي "بدل التفرغ" المُقرر لأعضاء الإدارات القانونية بنسبة 30% من بداية الأجر الأساسي المُقرر للدرجة الأولى التي يشغلها مُضافاً إليها العلاوات الإضافية (طبقاً لنص المادة 4 من القانون رقم 29 لسنة 1992) والمقررة في التواريخ المحددة لضم هذه العلاوات، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وكذلك صرف الفروق المالية لهذا البدل اعتباراً من تاريخ التعيين، مع ما يُستجد حتى تاريخ السداد الفعلي، مع إلزام جهة الإدارة المصروفات.

مع حفظ كافة حقوق المدعي الأخرى أياً ما كانت،،،



(1) مع ملاحظة أن قانون الإدارات القانونية (رقم 47 لسنة 1973) هو قانون خاص، بينما قانون مجلس الدولة (رقم 47 لسنة 1972) هو قانون عام، ومن المسلم به أن: "الخاص يقيد العام". كما أن قانون الإدارات القانونية قانون لاحق على قانون مجلس الدولة، ومن المسلم به كذلك أن: "القانون اللاحق يجب القانون السابق" فيما يتعارض معه من أحكام.

طرق التعويض عن فسخ العقود الإدارية

التعويض عن فسخ العقود الإدارية

أنواع القرارات الإدارية بشأن العقود الإدارية:

لما كان من المُقرر قانوناً أن القرارات التي تصدرها جهة الإدارة في شأن العقود الإدارية نوعان:

أولهما- يتمثل في القرارات التي تصدرها الإدارة في المراحل التمهيدية للتعاقد، وتسمى هذه القرارات بـ: "القرارات المنفصلة" أو "المستقلة"، مثل قرار لجنة فتح المظاريف وقرار لجنة البت والقرار الصادر بإبرام التعاقد. وهي قرارات إدارية نهائية تخضع لما تخضع له كافة القرارات الإدارية النهائية من أحكام في شأن طلب وقف تنفيذها وإلغائها.

وثانيهما- يتمثل في القرارات التي تصدرها الجهة الإدارية تنفيذاً للعقد الإداري واستناداً إلى نص من نصوصه، كالقرار الصادر بسحب العمل ممن تعاقد معها، والقرار الصادر بمصادرة التأمين، والقرار الصادر بإلغاء العقد ذاته، وهذه يختص القضاء الإداري بنظر المنازعات التي تثور بشأنها لا على أساس اختصاصه بنظر المنازعات الناشئة عن القرارات الإدارية النهائية وإنما باعتباره المحكمة ذات الولاية الكاملة بنظر المنازعات الناشئة عن العقود الإدارية (بالتطبيق للبند الحادي عشر من المادة العاشرة من القانون رقم 7 لسنة 1978 بشأن مجلس الدولة). (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 666 لسنة 24 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 14/4/1979 – مجموعة الخمسة عشر عاماً – صـ 178).

قرار الإدارة بفسخ العقد ليس قرار إداري:

فالقرار الصادر من جهة الإدارة بفسخ العقد، هو قرار متعلق بتنفيذ العقد، ولا يعتبر بذلك قراراً إدارياً. ومن ثم لا تدخل منازعة المتعاقد الآخر بشأنه في نطاق قضاء "الإلغاء". فقرار الفسخ هو إجراء تعاقدي لا يخضع للأحكام العامة الخاصة بإلغاء القرارات الإدارية قضائياً. وإنما يكون محلاً للطعن على أساس استدعاء ولاية "القضاء الكامل". (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 679 لسنة 46 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 7/8/2001).

الخصومة في دعوى الإلغاء هي خصومة عينية مناطها اختصام القرار الإداري في ذاته استهدافا لمراقبة مشروعيته ـ يخرج عن نطاق القرار الإداري الذي يكون محلا لدعوى الإلغاء كل ما يصدر عن الإدارة استنادا إلي إحكام العقود التي تبرمها ـ الإجراءات التي تتخذها الإدارة استنادا إلى العقود التي تبرمها تدخل المنازعات التي تتولد عنها في ولاية القضاء الكامل ـ أساس ذلك أنه لا يجوز الاستناد إلى مخالفة الإدارة لالتزاماتها التعاقدية كسبب من الأسباب التي تجيز طلب إلغاء ما اتخذته من إجراءات ـ دعوى الإلغاء هي جزاء لمخالفة المشروعية بينما الالتزامات المترتبة على العقود الإدارية هي التزامات شخصية ـ طلب وقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر بإنهاء التعاقد ومصادرة التأمين النهائي هو طلب يستند إلى أحكام العقد ـ أثر ذلك: إن المنازعة التي تثار بشأنه هي من المنازعات الحقوقية تدخل في ولاية القضاء الكامل وتخرج من نطاق ولاية الإلغاء مؤدى ذلك: عدم قبول طلب وقف التنفيذ وإلغاء القرار المشار إليه. (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1645 لسنة 36 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 22/3/1994 مجموعة المكتب الفني – السنة 39 – صـ 1113).

القضاء الكامل:

والقاضي الإداري عند نظر الدعاوى الإدارية، يتمتع بسلطات واسعة تتفق مع طبيعة النزاع، فيقوم أولاً بتقدير المركز القانوني لرافع الدعوى وتحديد مداه، ثم يحدد بعد ذلك حقوق المدعي ويُلزم المدعى عليه بالرد أو التنفيذ، فالأمر لا يقتصر إذن على إلغاء القرار المطعون فيه إذا خالف مبدأ الشرعية كما هو الشأن في دعوى الإلغاء، بل يجاوز ذلك إلى تعديل القرار المطعون فيه أو إصلاحه أو إحلال آخر محله أو الحكم بتعويض مالي، ولذا فإن هذه الدعاوى تتشابه في هذا الجانب مع الدعاوى التي ترفع أمام القضاء العادي، وتحمل من أجل تسمية "القضاء الكامل". (المصدر: "القضاء الإداري" – للدكتور/ فؤاد العطار – دار النهضة العربية – صـ 694).

سلطة الإدارة في فسخ العقد:

تملك الإدارة حق فسخ العقد الإداري، سواء انطوى هذا العقد على نص يخولها هذا الحق أم خلا من النص على ذلك، ودون حاجة للجوء للقضاء، حيث أن هذا الحق من مظاهر "السلطة العامة"، حيث تملك الدولة حق استعماله بإرادتها المنفردة دون حاجة إلى اللجوء للقضاء. (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1127 لسنة 15 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 28/1/1978).

عدم قبول الطعن بالإلغاء على قرار فسخ العقد الإداري:

ولا يكون للمتعاقد مع الإدارة الطعن بالإلغاء ضد قرارها بفسخ التعاقد معه، حيث أن مثل هذا القرار ليس من القرارات الإدارية المنفصلة عن العقد التي تخضع لدعاوى الإلغاء، وإنما هو إجراء متصل بالعقد تتخذه الإدارة بوصفها طرفاً في التعاقد، ومن ثم فإن المنازعة التي تثار بشأنه هي من المنازعات الحقوقية التي تكون محلاً للطعن على أساس استدعاء ولاية القضاء الكامل. ومن ثم تخرج عن ولاية الإلغاء. وتطبيقاً لذلك فقد قضي بعدم قبول طلب وقف تنفيذ وإلغاء قرار الفسخ بحسبانه لا يكتسب وصف القرار الإداري الذي يتعين وجوده كشرط لقبول دعوى الإلغاء. (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1654 لسنة 36 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 22/3/1994).

والمُنازعة حول صرف قيمة خطاب الضمان استناداً إلى شروط العقد الإداري تعتبر منازعة عقدية لا تنظرها المحكمة بمقتضى ولاية الإلغاء وإنما تنظرها وتفصل فيها بما لها من ولاية القضاء الكامل – بموجب تلك الولاية فإن محكمة القضاء الإداري تفصل فيما يطرح عليها من منازعات أصلية أو منازعات متفرعة عنها باعتبارها أنها المختصة وحدها بالمنازعات الخاصة العقود الإدارية دون أي جهة قضائية أخرى – هذا الاختصاص شامل مطلق تدخل في دائرته منازعات العقد الأصلية وما يتفرع عنها، يستوي في ذلك ما يتخذ منها صورة قرار إداري وما لا يتخذ هذه الصورة طالما توافرت في المنازعة حقيقة التعاقد الإداري – أثر ذلك: أن القضاء الإداري يفصل في الشق العاجل من المنازعة العقدية لا على اعتبار أنه من طلبات وقف التنفيذ المتفرعة عن طلبات الإلغاء بل على اعتبار أنه من الطلبات الفرعية المستعجلة التي تعرض على قاضي العقد لاتخاذ إجراءات وقتية أو تحفظية لا تحتمل التأخير وتدعو إليه الضرورة لدفع خطر أو نتائج يتعذر تداركها وذلك حماية للحق إلى أن يفصل في موضوعه – لا عبرة في هذا الصدد بوصف صاحب الشأن طلبه بأنه وقف تنفيذ إذ العبرة في وصف الطلب بحقيقته وجوهره حسبما يظهر من أوراق الدعوى وحسب التصوير القانوني الصحيح المستفاد من وقائعها. (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2003 لسنة 40 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 11/11/1997 مجموعة المكتب الفني – السنة 43 – الجزء الأول – القاعدة رقم 35 – صـ 289).

آثار الفسخ:

من المسلم به أنه يحق للمتعاقد مع الإدارة طلب التعويض منها إذا كان الفسخ الذي أوقعته الإدارة لا يرجع إلى خطأ جسيم ارتكبه، ومن ثم فإن الفقه يفرق بين حالتين بشأن تعويض المتعاقد مع الإدارة عند فسخ عقده، وهما:

1- الحالة الأولى: إذا كان الفسخ صادراً عن الإدارة المتعاقدة مباشرة إعمالاً لحقها في إنهاء العقد الإداري، تأسيساً على أنه لم يعد مفيداً للمرفق العام، في مثل هذه الحالة يلتزم المتعاقد بالخضوع لأوامر الإدارة إلا أن ذلك لا يحرمه بالطبع من الفائدة التي كان يأمل في الحصول عليها من تنفيذ عقده، مما يعطيه الحق في التعويض الكامل الذي يجبر ما لحقه من ضرر ويحقق له ما فاته من كسب.

2- الحالة الثانية: إذا كان الفسخ بناء على رغبة المتعاقد سواء كان أمام القاضي أو بالاتفاق الودي والتفاهم مع الإدارة المتعاقدة وذلك بهدف التخلص من الالتزامات التي تحمل بها والتي تفوق إمكانياته، فعلى الرغم من أن الفسخ بناء على طلبه إلا أنه جاء نتيجة تدخل الإدارة بتعديل التزاماته مما أرهق كاهله وعرقل تنفيذ العقد لذلك وجب تعويضه تعويضاُ كاملاً أيضاً.

وذلك كله على عكس الفسخ نتيجة الخطأ الجسيم من المتعاقد فإن ذلك لا يعطيه الحق في طلب التعويض أياً كان مقداره. (المصدر: "العقود الإدارية وعقد البوت " – للدكتور/ أحمد سلامة بدر – طبعة 2003 القاهرة – صـ 201 و 202).

التعويض عن فسخ الإدارة للعقد:

قد ترى الإدارة إنهاء العقد، إذا ما اقتضت ذلك مصلحة عامة، وتكون ملزمة في هذه الحالة بتعويض المقاول. (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3567 لسنة 44 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 15/5/2001).

فسلطة الإدارة التي تتمتع بها في فسخ العقد الإداري من جانبها وحدها من أبرز الخصائص التي تميز ا لعقد الإداري عن العقد المدني. فأحكام العقد المدني تقضي بأن العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون، بينما في العقود الإدارية يجوز للإدارة أن تفسخ العقد بإجراء صادر من جانبها وحدها إذا رأت أن مقتضيات المرفق العام تستدعي ذلك، كأن تقدر أن تنفيذ ا لعقد غير ضروري للمصلحة العامة أو أنه قد أصبح غير متفق مع حاجات المرفق العام. وحق الإدارة في الفسخ غير مقصور على حالة النص عليه في العقد، بل هو حق مقرر للإدارة حتى في حالة عدم وجود نص في العقد ودون صدور خطأ من جانب المتعاقد وهذه السلطة المخولة لجهة الإدارة تقوم على فكرة المرفق العام إذ ينبغي الوفاء بحاجاته وجعلها مسايرة للتطورات التي تستلزمها مقتضياتها، والإدارة دون سواها هي صاحبة الاختصاص في تنظيم المرفق العام، إلا أنه يقابل سلطة الإدارة في الفسخ، دون صدور خطأ من جانب المتعاقد معها، حقه في التعويض عما لحقه من أضرار بسبب هذا الفسخ طبقاً للمبادئ العامة في التعويض. (حكم محكمة القضاء الإداري في القضية رقم 863 لسنة 10 قضائية "قضاء إداري" – جلسة 16/6/1957).

وسلطة الإدارة في إنهاء العقد الإداري قبل انتهاء مدته، ودون موافقة المتعاقد معها أو خطئه، يقابلها حقاً لهذا المتعاقد في الحصول على تعويض يجبر الأضرار التي أوجدها هذا الإنهاء. (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 4682 لسنة 35 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 26/4/1994 – الموسوعة الإدارية الحديثة – الجزء 49 – صـ 270).

عناصر التعويض عن قيام الإدارة بفسخ العقد الإداري:

قد ينظم العقد ذاته مدى استحقاق هذا التعويض وعناصره في حالة الإنهاء الفردي له. وهنا يجب إعمال شروط العقد. ولكن إذا لم ينظم العقد أو القوانين أو اللوائح أوضاع منح التعويض عن الإنهاء، فيقوم القاضي بتقدير ما يستحقه المتعاقد من تعويض وفقاً للقواعد العامة. وفي جميع الأحوال يكون التعويض الذي يستحقه المتعاقد في هذه الحالة هو تعويض كامل أي يراعى في تقديره ما لحق المتعاقد من خسارة وما فاته من كسب. (المصدر: "الأسس العامة للعقود الإدارية" – للدكتور/ عبد العزيز عبد المُنعم خليفة – طبعة 2004 القاهرة – صـ 258 و 259).

ومن المبادئ العامة للتعويض عن إنهاء عقود المقاولات، ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 688 من القانون المدني "الكويتي" (المُقابلة لنص المادة 663/1 مدني مصري) من أنه: "لرب العمل أن يُنهي المقاولة ويوقف تنفيذ العمل في أي وقت قبل تمامه، على أن يعوض المقاول عن جميع ما أنفقه من مصروفات وما أنجزه من أعمال وما كان يستطيع كسبه لو أنه أتم العمل".

فيشمل التعويض، وفقاً لنص المادة 688/1 مدني "كويتي"، العناصر الآتية:

1- المصروفات التي أنفقها المقاول في سبيل تنفيذ العمل: ويدخل في ذلك أثمان المواد التي اشتراها واستخدمها في العمل، وأجور العمال الذين اشتغلوا معه فيه، مع ملاحظة أن المقاول الذي يطالب بأثمان المواد التي اشتراها يلتزم بأن يسلم هذه المواد إلى رب العمل، إذ لا يجوز له أن يتقاضى ثمنها وفي نفس الوقت يحتفظ بها، ولكن المقاول لا يرغم على تسليم هذه المواد إلى رب العمل، فله أن يحتفظ بها، وفي هذه الحالة لا يكون له أن يتقاضى تعويضاً عنها.

2- قيمة الأعمال التي أنجزها المقاول فعلاً حتى الوقت الذي وصله فيه إعلان رب العمل بوقف تنفيذ المقاولة، وتقدر هذه القيمة على أساس نسبة ما تم من الأعمال إلى مجموع ما كان يلتزم به المقاول، فإذا كان المقاول أتم نصف العمل وكان الأجر المحدد للعمل كله ثلاثمائة جنيه، التزم رب العمل بأن يدفع له مائة وخمسون جنيهاً، ولا يدخل ضمن هذه القيمة ما يكون المقاول قد قام به من أعمال بعد علمه بإنهاء رب العمل للمقاولة، ما تكن هذه الأعمال ضرورية للمحافظة على ما تم من عمل، فإن كان العمل المعهود به إلى المقاول هو تغيير أو إصلاح شبكة الأسلاك الكهربائية الموجودة بمصنع معين، وبعد أن كشف المقاول عن هذه الأسلاك صدر إليه أمر رب العمل بالتوقف عنه، فعلى المقاول في هذه الحالة أن يعيد الحال إلى ما كانت عليه بتغطية هذه الأسلاك وله أن يطالب رب العمل بقيمة هذه التغطية، لأن قيامه بذلك ليس مجرد حق له، بل هو واجب عليه.

3- قيمة ما كان المقاول يستطيع كسبه لو أنه أتم العمل:

أ‌. فإذا كانت المقاولة مبرمة بأجر إجمالي: فإن كسب المقاول يتحدد بالفرق بين قيمة هذا الأجر وقيمة النفقات اللازمة لتنفيذ العمل، وتقدر هذه النفقات على أساس قيمتها عند إنهاء العقد. ولا يعتد بالتغيرات التي تطرأ بعد ذلك على أثمان المواد وأجور العمال، لأن حق المقاول في التعويض ينشأ من يوم إنهاء العقد، ولذلك فيجب ألا ينظر في تقدير قيمة هذا التعويض إلا إلى ذلك الوقت.

ب‌. أما إذا كانت المقاولة مبرمة على أساس مقايسة بسعر الوحدة: فإن كسب المقاول يتحدد بالفرق بين أجر كل وحدة من وحدات العمل وقيمة النفقات اللازمة لتنفيذه، وإذا كانت كمية الأعمال غير محددة في العقد، فإنه يمكن مع ذلك معرفة الحد الأدنى لهذه الأعمال، فيدخل الربح المتوقع من ورائها في التعويض.

(المصدر: "أحكام عقد المقاولة" – للمستشار/ فتحيه قره – طبعة 1987 الإسكندرية – صـ 270 و 271).

تنفيذ العقد كأحد طرق التعويض:

لما كان من المُقرر قانوناً أن: "تقدير التعويض متى قامت أسبابه ولم يكن في العقد أو القانون نص يوجب إتباع معايير معينة في تقديره هو من سلطة قاضى الموضوع بغير رقابة من محكمة النقض". (نقض مدني في الطعن رقم 601 لسنة 39 قضائية – جلسة 12/3/1975 مجموعة المكتب الفني – السنة 26 – صـ 568 – فقرة 2).

وتنص الفقرة الأولى من المادة 247 مدني كويتي على أن: "يحدد القاضي التعويض بالقدر الذي يراه جابراً للضرر وفق ما تقرره المادتان 230 و 231 وذلك مع مراعاة الظروف الشخصية للمضرور".

كما تنص المادة 246 مدني كويتي على أن:

1- يقدر القاضي التعويض بالنقد.

2- ويجوز للقاضي، تبعاً للظروف، وبناء على طلب المضرور أن يحكم بإعادة الحال إلى ما كانت عليه أو بأي أداء آخر على سبيل التعويض".

فقد يكون التعويض عينياً، هو خير أنواع التعويض، وأكثر ما يقع بالنسبة إلى الالتزامات العقدية، حيث يتيسر في كثير من الأحيان إجبار المدين على التنفيذ العيني. (المصدر: "مصادر الالتزام" – للدكتور/ عبد المُنعم فرج الصده – طبعة 1984 القاهرة – بند 481 – صـ 520 و 521).

وعليه، نرى (كرأي شخصي، بناء على ما تقدم) أنه ليس هناك ما يمنع المتعاقد الذي فسخت الإدارة تعاقدها معه، بالمخالفة للقانون، أن يطالب بتعويضه عن ذلك، وأن يتخذ التعويض المُطالب به شكل "إلزام الجهة الإدارية بتنفيذ تعاقدها معه" كتعويض عيني بإلزامها بأداء معين على سبيل التعويض.. وذلك كطلب أصلي، ثم يضيف طلب احتياطي (في حالة رفض الطلب الأصلي) بالمطالبة بتعويض مالي استناداً لنص المادة 688 مدني كويتي السالف بيانها.

هذا، والله أعلى وأعلم،،،

القرار الإداري المضاد

القرار الإداري "المضاد"

القرار الإداري:

جرى قضاء محكمة النقض على تعريف القرار الإداري بأنه: "القرار الإداري الذي لا تختص جهة القضاء العادي بإلغائه أو تأويله أو تعديله هو ذلك القرار الذي تفصح به الإدارة عن إرادتها المُلزمة بما لها من سلطة بمُقتضى القوانين واللوائح وذلك بقصد إحداث مركز قانوني معين متى كان مُمكناً وجائزاً قانوناً وكان الباعث عليه مصلحة عامة". (نقض مدني في الطعن رقم 2200 لسنة 51 قضائية – جلسة 25/12/1986 مجموعة المكتب الفني – السنة 27 – العدد الثاني – صـ 1038).

ويكاد الفقه يُجمع، سواء في فرنسا أو في مصر، على أن القرار الإداري هو: "تصرف قانوني تتخذه الإدارة بإرادتها المنفردة، ويرد على النظام القانوني القائم، ويؤثر في حقوق والتزامات المُخاطبين به دون رضائهم".

ويؤثر القرار الإداري في النظام القانوني القائم بطريقتين: أما بطريقة إيجابية، بإنشاء حقوق والتزامات إضافية؛ وإما بطريقة سلبية، تتمثل بصفة خاصة في القرارات التي تنطوي على رفض لطلب أو امتناع عن إصدار ترخيص.

ومن المبادئ المسلم بها قانوناً أن السلطة الإدارية لا تستطيع أن تضع نهاية للقرارات الإدارية "الفردية"، سواء الإيجابية أو السلبية، وسواء بالنسبة للمستقبل أو بأثر رجعي. حيث يلعب مبدأ "الاستقرار القانوني للمراكز القانونية" دوراً مهماً في تقييد سلطة الإدارة في تعديل القرارات المنشئة لتلك المراكز بالنسبة للمستقبل، وكذلك يقيدها في اتخاذ قرارات لها أثر رجعي، أي أن الإدارة تلتزم قانوناً بالإبقاء على المراكز التي تكونت، وبعدم فرض التزامات جديدة تطبق بأثر رجعي.

ويعتبر مبدأ "عدم المساس بالآثار الفردية" للقرارات الإدارية من المبادئ العامة التي أقرها القضاء الإداري(1). ويعني هذا المبدأ ضرورة احترام الإدارة للآثار التي ترتبت على القرارات الإدارية، بحيث لا يجوز التعرض لها إلا طبقاً للشروط والأشكال التي يحددها القانون. وهذا المبدأ يجد أساسه في ضرورة ثبات الأوضاع القانونية ضماناً لاستقرار المعاملات وحمايةً للمراكز القانونية المتولدة عن القرارات الإدارية، ليس فقط لحماية الأفراد وإنما أيضاً لتحقيق الاستقرار الاجتماعي، فاستقرار العمل القانوني هو بعينه استقرار للحياة السياسية والاجتماعية لأن القانون هو الأداة التي على ضوئها تسير الحياة في مجتمع ما. وهذا المبدأ من المبادئ العامة للقانون التي تطبق في مجال القانون الإداري دون حاجة إلى نص يقررها، لذا فلا يجوز للإدارة أن تخرق هذا المبدأ وإلا كان تصرفها غير مشروع. ومن ثم فالتصرف القانوني الذي يؤدي إلى آثار فردية لا يمكن إلغاؤه أو تعديله، أي لا يمكن وضع نهاية لآثاره، إلا في الأحوال المنصوص عليها قانوناً، وذلك باتخاذ قرار إداري "مُضاد".

القرار الإداري "المُضاد":

القرار الإداري "المُضاد" هو: القرار الذي تصدره الإدارة، بموجب القانون، ليحل محل قرار إداري سابق. فالقرار الإداري "المضاد" ينهي أو يعدل آثار قرار إداري سابق عليه؛ ويكون ذلك بالنسبة إلى المستقبل فقط، فالقرار الإداري الجديد لا يرتد بأثر رجعي، وإنما يخلف ويلي قرار قام بتعديله.

صور القرار الإداري "المُضاد":

هناك صورتين للقرار الإداري "المضاد"..

الصورة الأولى: هو القرار الإداري المضاد الذي يحكمه "نص"، وهو الذي يضع نهاية لآثار قرار إداري منشئ لحقوق، ويعتبر منفصلاً عن القرار الأصلي، حيث يحدد المشرع السلطة المختصة بإصداره، كما يحدد المشرع الشكل والإجراءات اللازم إتباعها عند إصداره، وتلتزم الإدارة باحترام هذه النصوص عند إصدار القرار الإداري المضاد وإلا اعتبر تصرفها غير مشروع خليقاً بالإلغاء.

الصورة الثانية: تتمثل في القرار الإداري الذي لا يحكمه نص، وهو الذي يضع نهاية لآثار قرار غير منشئ لحقوق، ولا يمكن فصله عن القرار الأصلي، بحيث يُعد على غِراره، أي يجب احترام مبدأ "توازي أو تقابل الإشكال والإجراءات" عند إصداره.

ضمانات القرار الإداري "المضاد":

ونظراً لخطورة اتخاذ القرار الإداري المضاد لمساسه بمراكز قانونية مكتسبة، كان لزاماً إحاطة إصداره بالعديد من الضمانات التي تكفل حماية تلك المراكز من تعسف الإدارة. ويُجمع الفقه – أو يكاد – على أن القرار الإداري "المضاد" يخضع في إصداره لثلاث ضمانات، هي:

1- قاعدة توازي أو تقابل الأشكال والإجراءات.

2- ضرورة تسبيب القرار المضاد.

3- ضرورة احترام مبدأ حقوق الدفاع.

1- قاعدة توازي أو تقابل الأشكال والإجراءات:

مبدأ توازي الأشكال يعني أن إلغاء أو تعديل القرار الإداري يكون بقرار إداري آخر صادر من ذات السلطة التي أصدرت القرار الأول وبإتباع ذات الأشكال والإجراءات التي اتبعت عند إصداره.

ووفقاً لمبدأ توازي (أو تقابل) الأشكال والإجراءات، تلتزم الإدارة عند إصدار القرار المضاد بمراعاة الأشكال والإجراءات التي لها صفة ملزمة بالنسبة إلى القرار الأصلي، أي أن القرار الذي يضع نهاية، بصفة كلية أو جزئية، لآثار قرار أصلي أو يأتي بتغيير عكسي للقرار الأصلي (بالنسبة للمستقبل فقط)، يجب أن يخضع لذات الشكل والإجراءات الملزمة في القرار الأصلي.

ومبدأ توازي الأشكال من أهم المبادئ العامة والقواعد غير المكتوبة التي استخلصها القضاء الإداري. وقد وضع هذا المبدأ لصالح الإدارة من جهة، باعتبار أنه يغطي نقص أو سكوت النصوص، ولصالح الأفراد من جهة أخرى، حيث أنه يشكل ضمانة أو حماية لهم، فالدور الرئيسي لهذا المبدأ هو الإبقاء على نوع من النظام داخل الحياة الإدارية. وقد قضت المحكمة الإدارية العليا بأن: "احترام مبدأ توازي الأشكال يهدف إلى حماية المصلحة العامة ومصلحة الأفراد على السواء". (الطعن رقم 571 لسنة 24 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 12/5/1979).

ومبدأ توازي الأشكال تفرضه كذلك البديهة والمنطق، فماذا تعني الضمانات المقررة للأفراد إذا كان يمكن إهدار الأشكال أو مخالفة الإجراءات التي صدر بمقتضاها قرار معين بواسطة قرار جديد دون إتباع الأشكال والإجراءات التي أتبعها القرار الأول؟

وقد اضطرد القضاء في فرنسا وفي مصر على الأخذ بمبدأ توازي الأشكال، حيث قضي في فرنسا بأنه: "عند غياب نص تشريعي أو لائحي يقضي بإجراء خاص، لابد أن يصدر قرار (تغيير الترتيب والتصنيف) وفقاً للأشكال المتبعة بالنسبة لقرار الترتيب والتصنيف، أي بعد استشارة الهيئات المعنية والمركز القومي للسياحة"(2).

وفي مصر استقرت أحكام مجلس الدولة على الأخذ بمبدأ توازي الأشكال، حيث قضت محكمة القضاء الإداري بأن: "السلطة التي تملك التعيين أو العزل، تملك قبول الاستقالة". (في القضية رقم 37 لسنة 4 قضائية "قضاء إداري" – جلسة 26/2/1953 مجموعة المكتب الفني – السنة 7 – صـ 564).

كما قضت المحكمة الإدارية العليا في هذا الخصوص بأن: "الأمر الإداري لا يلغيه ألا أمر إداري آخر بنفس أداة الأمر الأول وهي الكتابة". (في الطعن رقم 1267 لسنة 7 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 24/4/1965 مجموعة المكتب الفني – السنة 10 – صـ 1094. وكذلك في الموسوعة الإدارية – الجزء 19 – القاعدة رقم 496 – صـ 731).

ومفاد ما تقدم، أن مبدأ توازي الأشكال يعتبر من المبادئ العامة التي استخلصها القضاء الإداري سواء في فرنسا أو في مصر، فهو يشكل قيداً على الإدارة، ولا يجوز لها الخروج عليه وإلا كان تصرفها غير مشروع.

2- ضرورة تسبيب القرار المضاد:

يتعين أن يكون القرار المضاد، باعتباره قراراً إدارياً جديداً، على أسباب موضوعية تسانده. لذا لم يتردد القضاء الإداري في فرنسا في إلغاء قرارات السحب أو الإلغاء التي لا تقوم على أسباب صحيحة، فقضى بأن: "وضع نهاية لتصريح لا يمكن أن يكون سليماً إلا عند وجود أسباب جديدة"(3).

كما جرى قضاء مجلس الدولة الفرنسي على أن: "مأمور الضبط لا يستطيع قانوناً أن يرجع في التصريح الذي اتخذه لإقامة احتفال ديني ما لم توجد وقائع جديدة تتعلق بالهدوء والأمن العام أو بالحفاظ على الدومين العام"(4).

ومن تطبيقاته في هذا الخصوص، ما قضت به محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في مصر، من أن: "قرار الإزالة يجب أن يكون مُسبباً، وأن يكون التسبيب في صلب القرار ذاته، وإلا كان مفتقداً لشرط شكلي جوهري لازم لصحته". كما قضت المحكمة الإدارية العليا بأنه: "إذا ما ذكرت الإدارة سبباً لقرارها، فتكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون". (في الطعن رقم 1571 لسنة 7 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 17/12/1966 مجموعة المكتب الفني – السنة 12 – صـ 395).

3- ضرورة احترام مبدأ حقوق الدفاع:

قد تتخذ الإدارة قرارات تقترب من القرارات القضائية، أي القرارات التي تفصل بصفة أساسية من منازعة بينها وبين صاحب الشأن، وقد أطلق البعض على هذه القرارات: "القرارات شبة القضائية". وهذه الطائفة من القرارات كانت الدافع لفرض مبدأ احترام حقوق الدفاع، بمعنى التحرر من القواعد العادية لإعداد القرار الإداري وذلك بإعطاء صاحب الشأن إمكانية إيضاح رأيه قبل اتخاذ القرار بحيث يدخل في هذا الإجراء السابق ضمن إجراءات إعداد القرار، وبالتالي يشكل شرطاً لمشروعيته الإجرائية.

وأساس احترام مبدأ حقوق الدفاع يكمن في النصوص الدستورية والتشريعية المنظمة له. وأحكام القضاء ما هي إلا ترديد وتأكيد لتلك النصوص. أما فيما يتعلق بتوسع القضاء في تطبيق هذا المبدأ فإنه إنما يرتد إلى الدور التفسيري الذي يتمتع به القاضي الإداري، نظراً لعدم تقنين القانون الإداري، لذا يترتب على الإخلال بحق الدفاع عدم مشروعية القرار مما يستوجب إلغاؤه.

وقد فرض مجلس الدولة الفرنسي هذا المبدأ على كل القرارات الإدارية التي تتخذها الإدارة بنية معاقبة صاحب الشأن، سواء لسلوكه أو لنشاطه، بحيث تلتزم السلطة الإدارية - حتى عند عدم وجود نص - بإطلاع صاحب الشأن قبل اتخاذ قرارها، على التهمة المنسوبة إليه، وتمكينه من إبداء دفاعه(5).

كما أستقر القضاء الإداري في فرنسا على أن: "وضع نهاية للترخيص بسبب عدم تنفيذ المرخص له لنصوص القوانين واللوائح التي تتعلق بالنشاط محل الترخيص يعد نوعاً من الجزاء الذي يقترن باحترام مبدأ حقوق الدفاع. حيث يتعلق الأمر – وفقاً لأحكام مجلس الدولة الفرنسي – بتدبير يصدر "اعتباراً للشخص". وبصفة أكثر عمومية، يتعلق الأمر بقرار فردي ممكن أن يضر بالحقوق المعنوية والمادية لصاحب الشأن"(6).

ومن تطبيقات مجلس الدولة في مصر، في هذا الخصوص، ما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا من أنه: "من المُقرر أن مواجهة الموظف بالمخالفة المنسوبة إليه يعتبر من الضمانات الأساسية التي يجب توافرها في التحقيق، وذلك وفقاً لما أستقر عليه قضاء هذه المحكمة، لأنه يتعين مواجهة العامل بحقيقة التهمة المنسوبة إليه حتى يستطيع أن يدلي بأوجه دفاعه، فإن مخالفة هذا الإجراء تؤدي إلى بطلان التحقيق استناداً إلى الإخلال بحقه في الدفاع عن نفسه". (في الطعن رقم 1399 لسنة 3 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 28/10/1986. وكذا في الطعن رقم 2180 لسنة 33 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 29/10/1988. وأيضاً في الطعن رقم 1744 لسنة 45 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 17/2/2002).

هذا، والله أعلى وأعلم،،،



(1) القرارات الإدارية الفردية، هي: القرارات التي تخاطب فرداً معيناً بذاته، أو أفراداً معينين بذواتهم، وهو الذي ينشئ مركزاً قانونياً خاصاً لفرد معين.

(2) C. E. 27 janv. 1956, Société Maison des étudiants du Maroc a Paris, rec., p. 41

(3) C. E. 29 Juin 1945, Dame veuve carly rec., P. 144

(4) C.E. 5 Mrs. 1948., Jeunesse indépendante eh retienne, D. 1949., P. 197.

(5) C. E. 8 Juill. 1936, Dame veuve Hoareau, rec. P. 743.. C. E. 26 Janv. 1966, Sieur Devine, rec. P. 60.

(6) C. E. 26 Fève. 1971, Rosé, A. J. D. A. 1971, p. 289.