السبت، 3 أكتوبر 2009

القرار الإداري المضاد

القرار الإداري "المضاد"

القرار الإداري:

جرى قضاء محكمة النقض على تعريف القرار الإداري بأنه: "القرار الإداري الذي لا تختص جهة القضاء العادي بإلغائه أو تأويله أو تعديله هو ذلك القرار الذي تفصح به الإدارة عن إرادتها المُلزمة بما لها من سلطة بمُقتضى القوانين واللوائح وذلك بقصد إحداث مركز قانوني معين متى كان مُمكناً وجائزاً قانوناً وكان الباعث عليه مصلحة عامة". (نقض مدني في الطعن رقم 2200 لسنة 51 قضائية – جلسة 25/12/1986 مجموعة المكتب الفني – السنة 27 – العدد الثاني – صـ 1038).

ويكاد الفقه يُجمع، سواء في فرنسا أو في مصر، على أن القرار الإداري هو: "تصرف قانوني تتخذه الإدارة بإرادتها المنفردة، ويرد على النظام القانوني القائم، ويؤثر في حقوق والتزامات المُخاطبين به دون رضائهم".

ويؤثر القرار الإداري في النظام القانوني القائم بطريقتين: أما بطريقة إيجابية، بإنشاء حقوق والتزامات إضافية؛ وإما بطريقة سلبية، تتمثل بصفة خاصة في القرارات التي تنطوي على رفض لطلب أو امتناع عن إصدار ترخيص.

ومن المبادئ المسلم بها قانوناً أن السلطة الإدارية لا تستطيع أن تضع نهاية للقرارات الإدارية "الفردية"، سواء الإيجابية أو السلبية، وسواء بالنسبة للمستقبل أو بأثر رجعي. حيث يلعب مبدأ "الاستقرار القانوني للمراكز القانونية" دوراً مهماً في تقييد سلطة الإدارة في تعديل القرارات المنشئة لتلك المراكز بالنسبة للمستقبل، وكذلك يقيدها في اتخاذ قرارات لها أثر رجعي، أي أن الإدارة تلتزم قانوناً بالإبقاء على المراكز التي تكونت، وبعدم فرض التزامات جديدة تطبق بأثر رجعي.

ويعتبر مبدأ "عدم المساس بالآثار الفردية" للقرارات الإدارية من المبادئ العامة التي أقرها القضاء الإداري(1). ويعني هذا المبدأ ضرورة احترام الإدارة للآثار التي ترتبت على القرارات الإدارية، بحيث لا يجوز التعرض لها إلا طبقاً للشروط والأشكال التي يحددها القانون. وهذا المبدأ يجد أساسه في ضرورة ثبات الأوضاع القانونية ضماناً لاستقرار المعاملات وحمايةً للمراكز القانونية المتولدة عن القرارات الإدارية، ليس فقط لحماية الأفراد وإنما أيضاً لتحقيق الاستقرار الاجتماعي، فاستقرار العمل القانوني هو بعينه استقرار للحياة السياسية والاجتماعية لأن القانون هو الأداة التي على ضوئها تسير الحياة في مجتمع ما. وهذا المبدأ من المبادئ العامة للقانون التي تطبق في مجال القانون الإداري دون حاجة إلى نص يقررها، لذا فلا يجوز للإدارة أن تخرق هذا المبدأ وإلا كان تصرفها غير مشروع. ومن ثم فالتصرف القانوني الذي يؤدي إلى آثار فردية لا يمكن إلغاؤه أو تعديله، أي لا يمكن وضع نهاية لآثاره، إلا في الأحوال المنصوص عليها قانوناً، وذلك باتخاذ قرار إداري "مُضاد".

القرار الإداري "المُضاد":

القرار الإداري "المُضاد" هو: القرار الذي تصدره الإدارة، بموجب القانون، ليحل محل قرار إداري سابق. فالقرار الإداري "المضاد" ينهي أو يعدل آثار قرار إداري سابق عليه؛ ويكون ذلك بالنسبة إلى المستقبل فقط، فالقرار الإداري الجديد لا يرتد بأثر رجعي، وإنما يخلف ويلي قرار قام بتعديله.

صور القرار الإداري "المُضاد":

هناك صورتين للقرار الإداري "المضاد"..

الصورة الأولى: هو القرار الإداري المضاد الذي يحكمه "نص"، وهو الذي يضع نهاية لآثار قرار إداري منشئ لحقوق، ويعتبر منفصلاً عن القرار الأصلي، حيث يحدد المشرع السلطة المختصة بإصداره، كما يحدد المشرع الشكل والإجراءات اللازم إتباعها عند إصداره، وتلتزم الإدارة باحترام هذه النصوص عند إصدار القرار الإداري المضاد وإلا اعتبر تصرفها غير مشروع خليقاً بالإلغاء.

الصورة الثانية: تتمثل في القرار الإداري الذي لا يحكمه نص، وهو الذي يضع نهاية لآثار قرار غير منشئ لحقوق، ولا يمكن فصله عن القرار الأصلي، بحيث يُعد على غِراره، أي يجب احترام مبدأ "توازي أو تقابل الإشكال والإجراءات" عند إصداره.

ضمانات القرار الإداري "المضاد":

ونظراً لخطورة اتخاذ القرار الإداري المضاد لمساسه بمراكز قانونية مكتسبة، كان لزاماً إحاطة إصداره بالعديد من الضمانات التي تكفل حماية تلك المراكز من تعسف الإدارة. ويُجمع الفقه – أو يكاد – على أن القرار الإداري "المضاد" يخضع في إصداره لثلاث ضمانات، هي:

1- قاعدة توازي أو تقابل الأشكال والإجراءات.

2- ضرورة تسبيب القرار المضاد.

3- ضرورة احترام مبدأ حقوق الدفاع.

1- قاعدة توازي أو تقابل الأشكال والإجراءات:

مبدأ توازي الأشكال يعني أن إلغاء أو تعديل القرار الإداري يكون بقرار إداري آخر صادر من ذات السلطة التي أصدرت القرار الأول وبإتباع ذات الأشكال والإجراءات التي اتبعت عند إصداره.

ووفقاً لمبدأ توازي (أو تقابل) الأشكال والإجراءات، تلتزم الإدارة عند إصدار القرار المضاد بمراعاة الأشكال والإجراءات التي لها صفة ملزمة بالنسبة إلى القرار الأصلي، أي أن القرار الذي يضع نهاية، بصفة كلية أو جزئية، لآثار قرار أصلي أو يأتي بتغيير عكسي للقرار الأصلي (بالنسبة للمستقبل فقط)، يجب أن يخضع لذات الشكل والإجراءات الملزمة في القرار الأصلي.

ومبدأ توازي الأشكال من أهم المبادئ العامة والقواعد غير المكتوبة التي استخلصها القضاء الإداري. وقد وضع هذا المبدأ لصالح الإدارة من جهة، باعتبار أنه يغطي نقص أو سكوت النصوص، ولصالح الأفراد من جهة أخرى، حيث أنه يشكل ضمانة أو حماية لهم، فالدور الرئيسي لهذا المبدأ هو الإبقاء على نوع من النظام داخل الحياة الإدارية. وقد قضت المحكمة الإدارية العليا بأن: "احترام مبدأ توازي الأشكال يهدف إلى حماية المصلحة العامة ومصلحة الأفراد على السواء". (الطعن رقم 571 لسنة 24 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 12/5/1979).

ومبدأ توازي الأشكال تفرضه كذلك البديهة والمنطق، فماذا تعني الضمانات المقررة للأفراد إذا كان يمكن إهدار الأشكال أو مخالفة الإجراءات التي صدر بمقتضاها قرار معين بواسطة قرار جديد دون إتباع الأشكال والإجراءات التي أتبعها القرار الأول؟

وقد اضطرد القضاء في فرنسا وفي مصر على الأخذ بمبدأ توازي الأشكال، حيث قضي في فرنسا بأنه: "عند غياب نص تشريعي أو لائحي يقضي بإجراء خاص، لابد أن يصدر قرار (تغيير الترتيب والتصنيف) وفقاً للأشكال المتبعة بالنسبة لقرار الترتيب والتصنيف، أي بعد استشارة الهيئات المعنية والمركز القومي للسياحة"(2).

وفي مصر استقرت أحكام مجلس الدولة على الأخذ بمبدأ توازي الأشكال، حيث قضت محكمة القضاء الإداري بأن: "السلطة التي تملك التعيين أو العزل، تملك قبول الاستقالة". (في القضية رقم 37 لسنة 4 قضائية "قضاء إداري" – جلسة 26/2/1953 مجموعة المكتب الفني – السنة 7 – صـ 564).

كما قضت المحكمة الإدارية العليا في هذا الخصوص بأن: "الأمر الإداري لا يلغيه ألا أمر إداري آخر بنفس أداة الأمر الأول وهي الكتابة". (في الطعن رقم 1267 لسنة 7 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 24/4/1965 مجموعة المكتب الفني – السنة 10 – صـ 1094. وكذلك في الموسوعة الإدارية – الجزء 19 – القاعدة رقم 496 – صـ 731).

ومفاد ما تقدم، أن مبدأ توازي الأشكال يعتبر من المبادئ العامة التي استخلصها القضاء الإداري سواء في فرنسا أو في مصر، فهو يشكل قيداً على الإدارة، ولا يجوز لها الخروج عليه وإلا كان تصرفها غير مشروع.

2- ضرورة تسبيب القرار المضاد:

يتعين أن يكون القرار المضاد، باعتباره قراراً إدارياً جديداً، على أسباب موضوعية تسانده. لذا لم يتردد القضاء الإداري في فرنسا في إلغاء قرارات السحب أو الإلغاء التي لا تقوم على أسباب صحيحة، فقضى بأن: "وضع نهاية لتصريح لا يمكن أن يكون سليماً إلا عند وجود أسباب جديدة"(3).

كما جرى قضاء مجلس الدولة الفرنسي على أن: "مأمور الضبط لا يستطيع قانوناً أن يرجع في التصريح الذي اتخذه لإقامة احتفال ديني ما لم توجد وقائع جديدة تتعلق بالهدوء والأمن العام أو بالحفاظ على الدومين العام"(4).

ومن تطبيقاته في هذا الخصوص، ما قضت به محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في مصر، من أن: "قرار الإزالة يجب أن يكون مُسبباً، وأن يكون التسبيب في صلب القرار ذاته، وإلا كان مفتقداً لشرط شكلي جوهري لازم لصحته". كما قضت المحكمة الإدارية العليا بأنه: "إذا ما ذكرت الإدارة سبباً لقرارها، فتكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري للتحقق من مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون". (في الطعن رقم 1571 لسنة 7 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 17/12/1966 مجموعة المكتب الفني – السنة 12 – صـ 395).

3- ضرورة احترام مبدأ حقوق الدفاع:

قد تتخذ الإدارة قرارات تقترب من القرارات القضائية، أي القرارات التي تفصل بصفة أساسية من منازعة بينها وبين صاحب الشأن، وقد أطلق البعض على هذه القرارات: "القرارات شبة القضائية". وهذه الطائفة من القرارات كانت الدافع لفرض مبدأ احترام حقوق الدفاع، بمعنى التحرر من القواعد العادية لإعداد القرار الإداري وذلك بإعطاء صاحب الشأن إمكانية إيضاح رأيه قبل اتخاذ القرار بحيث يدخل في هذا الإجراء السابق ضمن إجراءات إعداد القرار، وبالتالي يشكل شرطاً لمشروعيته الإجرائية.

وأساس احترام مبدأ حقوق الدفاع يكمن في النصوص الدستورية والتشريعية المنظمة له. وأحكام القضاء ما هي إلا ترديد وتأكيد لتلك النصوص. أما فيما يتعلق بتوسع القضاء في تطبيق هذا المبدأ فإنه إنما يرتد إلى الدور التفسيري الذي يتمتع به القاضي الإداري، نظراً لعدم تقنين القانون الإداري، لذا يترتب على الإخلال بحق الدفاع عدم مشروعية القرار مما يستوجب إلغاؤه.

وقد فرض مجلس الدولة الفرنسي هذا المبدأ على كل القرارات الإدارية التي تتخذها الإدارة بنية معاقبة صاحب الشأن، سواء لسلوكه أو لنشاطه، بحيث تلتزم السلطة الإدارية - حتى عند عدم وجود نص - بإطلاع صاحب الشأن قبل اتخاذ قرارها، على التهمة المنسوبة إليه، وتمكينه من إبداء دفاعه(5).

كما أستقر القضاء الإداري في فرنسا على أن: "وضع نهاية للترخيص بسبب عدم تنفيذ المرخص له لنصوص القوانين واللوائح التي تتعلق بالنشاط محل الترخيص يعد نوعاً من الجزاء الذي يقترن باحترام مبدأ حقوق الدفاع. حيث يتعلق الأمر – وفقاً لأحكام مجلس الدولة الفرنسي – بتدبير يصدر "اعتباراً للشخص". وبصفة أكثر عمومية، يتعلق الأمر بقرار فردي ممكن أن يضر بالحقوق المعنوية والمادية لصاحب الشأن"(6).

ومن تطبيقات مجلس الدولة في مصر، في هذا الخصوص، ما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا من أنه: "من المُقرر أن مواجهة الموظف بالمخالفة المنسوبة إليه يعتبر من الضمانات الأساسية التي يجب توافرها في التحقيق، وذلك وفقاً لما أستقر عليه قضاء هذه المحكمة، لأنه يتعين مواجهة العامل بحقيقة التهمة المنسوبة إليه حتى يستطيع أن يدلي بأوجه دفاعه، فإن مخالفة هذا الإجراء تؤدي إلى بطلان التحقيق استناداً إلى الإخلال بحقه في الدفاع عن نفسه". (في الطعن رقم 1399 لسنة 3 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 28/10/1986. وكذا في الطعن رقم 2180 لسنة 33 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 29/10/1988. وأيضاً في الطعن رقم 1744 لسنة 45 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 17/2/2002).

هذا، والله أعلى وأعلم،،،



(1) القرارات الإدارية الفردية، هي: القرارات التي تخاطب فرداً معيناً بذاته، أو أفراداً معينين بذواتهم، وهو الذي ينشئ مركزاً قانونياً خاصاً لفرد معين.

(2) C. E. 27 janv. 1956, Société Maison des étudiants du Maroc a Paris, rec., p. 41

(3) C. E. 29 Juin 1945, Dame veuve carly rec., P. 144

(4) C.E. 5 Mrs. 1948., Jeunesse indépendante eh retienne, D. 1949., P. 197.

(5) C. E. 8 Juill. 1936, Dame veuve Hoareau, rec. P. 743.. C. E. 26 Janv. 1966, Sieur Devine, rec. P. 60.

(6) C. E. 26 Fève. 1971, Rosé, A. J. D. A. 1971, p. 289.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق