السبت، 3 أكتوبر 2009

مناظرة الأوزاعي للمعتزلة

مُناظرة الشيخ عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي (إمام وفقيه أهل الشام في عصر الدولة الأموية)، مُناظرته للمُعتزلة في قولهم بمشيئة الإنسان (والمُسمون بـ: "القدرية"):

"روى الإمام أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي في كتابه المُسمى "الحجة على تارك المحجة" بإسناده عن محمد بن كثير قال: كان على عهد هشام بن عبد الملك رجل قدري، فبعث هشا إليه، فقال له: قد كًثُرَ كلام الناس فيك.

قال: نعم، يا أمير المُؤمنين، أدع من شئت فيُجادلني، فإن أدركت علىَّ بسبب فقد أمكنتك من علاوتي (أي رأسي).

فقال هشام: قد أنصفت. فبعث هشام إلى الأوزاعي، فلما حضر قال له هشام: يا أبا عمرو، ناظر لنا هذا القدري.

فقال له الأوزاعي: أختر إن شئت ثلاث كلمات، وإن شئت أربع كلمات، وإن شئت واحدة.

فقال القدري: بل ثلاث كلمات.

فقال الأوزاعي للقدري: أخبرني عن الله، هل قضى ما نهى؟

فقال القدري: ليس عندي في هذا شيء.

فقال الأوزاعي: هذه واحدة، ثم قال الأوزاعي: أخبرني عن الله، هل حال دون ما أمر؟

فقال القدري: هذه أشد من الأولى، ما عندي في هذا شيء.

فقال الأوزاعي: هذه اثنتان يا أمير المؤمنين.

فقال الأوزاعي: أخبرني عن الله، هل أعان على ما حرم؟

فقال القدري: هذه أشد من الأولى والثانية، ما عندي في هذا شيء.

فقال الأوزاعي: يا أمير المُؤمنين هذه ثلاث كلمات.

فقال هشام للأوزاعي: فسر لنا هذه الكلمات الثلاث ما هي؟

قال الأوزاعي: نعم يا أمير المُؤمنين، أمّا أما تعلم أن الله قضى ما نهى، فقد نهى آدم عن الأكل من الشجرة ثم قضى عليه بأكلها فأكلها.

ثم قال الأوزاعي: أمّا أما تعلم أن الله حال دون ما أمر؟ فقد أمر إبليس بالسجود لآدم، ثم حال بينه وبين السجود.

ثم قال الأوزاعي: أمّا أما تعلم – يا أمير المُؤمنين – أن الله تعالى أعان على ما حرّم؟ فقد حرم الميتة والدم ولحم الخنزير، ثم أعان عليه بالاضطرار إليه.

فقال هشام: أخبرني عن الواحدة، ما كنت تقول له؟

فقال الأوزاعي: كنت أقول له: أخبرني عن مشيئتك مع مشيئة الله، أو مشيئتك دون مشيئة الله؟ فبأيهما أجابني حل ضرب عنقه.

قال هشام: فأخبرني عن الأربع كلمات ما هن؟

فقال الأوزاعي: كنت أقول له: أخبرني عن الله حيث خلقك، خلقك كيف شاء، أو كما شئت؟ فإن كان يقول: كما شاء، فأقول له: أخبرني عن الله، يتوفاك إذا شئت أو إذا شاء؟ فإن كان يقول: إذا شاء، فأقول له: أخبرني عن الله إذا توفاك أين يصيرك؟ حيث شاء أو حيث شئت؟ فإنه كان يقول: حيث شاء.

ثم قال الأوزاعي: يا أمير المؤمنين، من لم يمكنه أن يُحسن خلقك، ولا يزيد في رزقك، ولا يؤخر أجلك، ولا يُصيرَّ نفسه حيث شاء، فأي شيء في يده من المشيئة يا أمير المؤمنين؟

قال هشام: صدقت يا أبا عمرو.

ثم قال الأوزاعي: يا أمير المؤمنين، إن القدرية (المعتزلة) ما رضوا بقول الله، ولا بقول الأنبياء، ولا بقول أهل الجنة، ولا بقول أهل النار، ولا بقول الملائكة، ولا بقول أخيهم إبليس.

- أما قول الله في سورة القلم/50 : "فاجتباه ربه فجعله من الصالحين".

- وأما قول الملائكة في البقرة/ 32 : "لا علم لنا إلا ما علمتنا".

- وأما قول الأنبياء، فقد قال شعيب عليه السلام في هود/8 : "وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت"، وقال إبراهيم في الأنعام/ 77 :"لئن لم يهدني ربي لأكونن من الضالين"، وقال نوح : "ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم".

- وأما قول أهل الجنة، فإنهم قالوا : "الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله". الأعراف/ 43.

- وأما قول أهل النار : "لو هدانا الله لهديناكم". إبراهيم/ 21.

- وأما قول إبليس : "رب بما أغويتني". الحجر/39.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق