الجمعة، 28 يوليو 2023

نموذج - مذكرة دفاع – في جناية – أسواق المال

 

مذكرة دفاع – في جناية – أسواق المال



قـــرار الإحالــــة:

الاتهــام

حيث أسندت النيابة العامة الاتهام إلى المتهم بوصف أنه في غضون عام 2022 بدائرة المباحث الجنائية – محافظة العاصمة:

ادعى قيام هيئة أسواق المال باتخاذ قرارات وإجراءات لم تقم باتخاذها في الواقع، بأن تحدث خط لقاء تلفزيوني عن قيام الهيئة سالفة البيان ببيع نسبة 44% من قيمة رأس مال شركة بورصة الكويت للأوراق المالية بأقل من قيمتها الفعلية، وعلى النحو المبين بالتحقيقات.

وتبعاً لذلك أحالته النيابة العامة إلى المحكمة الموقرة عملاً بالمواد 125 من قانون إنشاء هيئة أسواق المال وتنظيم نشاط الأوراق المالية رقم 7 لسنة 2010.

الوقائع

حيث إن وقائـع هذه الدعوى تخلص في أن الجهة الشاكية (هيئة أسواق المال) قد تقدمت بشكوى جزائية للنيابة العامة ضد المتهم بزعم مخالفته لحكم المادة 125 من قانون هيئة أسواق المال، وذلك بادعائه –على خلاف الحقيقة– بأن الهيئة لم تقم باتخاذ الإجراءات اللازمة عند قيامها بعملية تخصيص سوق الكويت للأوراق المالية.

على سندٍ من القول بأنه: تم عرض مقابلة تلفزيونية على قناة ATM في برنامج "على درجة رجال الأعمال"، حيث تمت استضافة السيد/ -------------- رئيس مجلس إدارة شركة بورصة الكويت للأوراق المالية الأسبق، وقد تناول بالحديث عن خصخصة بورصة الكويت للأوراق المالية، وأورد خلال حديثه عبارات تشكك في نزاهة إجراءات هيئة أسواق المال من خلال التصريح بعدم شفافية عملية تخصيص نسبة 44% من رأس مال شركة بورصة الكويت للأوراق المالية.

ولـم يتم تقـديم دليل واحد معتبر قانوناً أمام المحكمة الموقـرة يفيـد كذب المعلومات التي أدلى بها المتهم.

وباستجواب المتهم تفصيلاً بالتحقيقات أنكر ما أُسند إليه من اتهام، وأضاف شرحاً وافياً لتصريحاته التي أدلى بها في المقابلة التلفزيونية محل الاتهام، وفند مزاعم الجهة الشاكية، وأوضح الأسباب التي دعته إلى الإدلاء بتلك التصريحات.

تلك هي واقعة الدعوى وما حوته أوراقها من دليل وحيد وركنت إليه النيابة العامة في إسناد الاتهام إلى المتهم، والذي لا يمكن أن يقيم دليل إسناد يصلح للإدانة أو التعويل عليه؛ إذ جاء قاصراً عن حد الكفاية، ومتناقضاً مع ماديات الدعوى وقرائن الأحوال فيها، وقــد شابه الشك والريبة بما لا يمكن معه أن يطمئن إليه وجدان المحكمة الموقرة؛ إذ العبرة في الإثبات في المواد الجزائية هو باقتناع المحكمة واطمئنانها إلى الأدلة المطروحة على بساط البحث، ومن المقرر أيضاً أن الشك في إسناد الاتهام سند البراءة.

لــذا، فإن الدفاع يلتمس القضاء بالآتي:

ببراءة المتهم مما أسند إليه من اتهام، وذلك تأسيساً على الدفاع الآتي:

الدفاع

1) عدم انطباق الشكوى الجزائية، على وقائع الدعوى الماثلة:

       لما كان أساس الدعوى الماثلة، هو تكييف الجهة الشاكية لفعل المتهم بأنه يخضع لنص التجريم الوارد في صلب المادة (125) من قانون هيئة أسواق المال، حيث أوردت الجهة الشاكية في شكواها ما نصه:

       "... فالتصريح الذي أدلى به يهيأ للعامة بأن ما حدث هو عملية تخصيص مرفق عام دون إتباع الإجراءات القانونية ...".

واستندت في شكواها -وفق طلبها الختامي فيها- إلى:

       "ادعائه -أي المتهم- على خلاف الحقيقة، بأن الهيئة لم تقم باتخاذ الإجراءات اللازمة عند قيامها بعملية تخصيص سوق الكويت للأوراق المالية".

ولما كان نص المادة (125) من القانون رقم 22 لسنة 2015 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 7 لسنة 2010 بشأن إنشاء هيئة أسواق المال وتنظيم نشاط الأوراق المالية، تنص على أنه:

"يعاقب بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار، ولا تجاوز خمسين ألف دينار، كل شخص ادعى –على خلاف الحقيقة– بأن الهيئة قامت باتخاذ إي إجراء أو قرار، لم تقم باتخاذه في الواقع".

وشتان (في الصياغة القانونية) ما بين القول: (بعدم اتخاذ الإجراءات القانونية) المنسوب صدورها للمتهم،

وبين القول: (باتخاذ إجراء لم تقم الهيئة باتخاذه في الواقع) وهو مناط التجريم والعقاب في نص الاتهام.

لما كان ذلك، وكان من المقرر قانوناً أن النص الجزائي، المقرر للجريمة والعقوبة، هو نص خاص يُلْتَزم بحرفية نصوصه، فلا يقاس عليه، ولا يتوسع في تفسيره، كما إنه لا يجوز تأويله (إزاء صراحة النص، وقطعية دلالته) على نحو يخرج النص عما قصده الشارع منه بزعم تفسيره.

حيث إنه من المقرر في قضاء محكمة التمييز -في هذا الشأن- أنه:

"... لما كان ذلك، وكان الأصل أنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجزائية والتزام جانب الدقة في ذلك، وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل، وأنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها، فإنه يجب أن تعد تعبيراً صادقاً عن إرادة الشارع، ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل، أيا كان الباعث على ذلك، كما أنه لا مجال للاجتهاد إزاء صراحة النص الواجب تطبيقه".

(الطعن بالتمييز رقم 332 لسنة 2014 جزائي – جلسة 25/3/2015)

كما جرى قضاء التمييز على أن:

"البين من نص المادة 109 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية أن كل ما تطلبه المشرع حتى يمكن رفع الدعوى في الجرائم التي عددتها على سبيل الحصر -ومن بينها جريمتي القذف والسب محل التهمة الثانية- المنسوبة للمطعون ضده الأول هو تقديم شكوى من المجني عليه فيها، فإذا كان قاصراً كان لوليه الشرعي أن يقدم الشكوى نيابة عنه، ولم يتطلب المشرع إذا ما تقدم بالشكوى وكيل عن المجني عليه أن يكون موكلاً في ذلك توكيلاً خاصاً، إذ لو شاء المشرع لما أعوزه أن ينص على ذلك صراحة في موضعه بحسبانه خروجاً على الأصل العام المقرر بنصوص المواد 54، 56، 57 من قانون المرافعات المدنية والتجارية في شأن التوكيل بالخصومة، وإلا كان القول باشتراط صدور توكيل خاص من المجني عليه لوكيله حتى يمكنه تقديم الشكوى في الجرائم التي حددتها المادة 109 سالفة الذكر هو تخصيص لنصها دون سند، والقاعدة الأساسية أن المطلق يظل على إطلاقه إلى أن يقيد، كما أنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها فإنه يجب أن تعد تعبيراً صادقاً عن إرادة المشرع ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل إذ لا محل للاجتهاد إزاء صراحة النص الواجب التطبيق".

(الطعن بالتمييز رقم 242 لسنة 2008 جزائي – جلسة 25/8/2008)

وقد جاء في ذات الحكم السابق ما نصه:

       "النيابة العامة -أو من يقوم مقامها في قضايا الجنح- هي صاحبة الحق في رفع الدعوى الجزائية ومباشرتها عملاً بأحكام المواد 9، 105، 129 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، 53 من المرسوم لقانون رقم 23 لسنة 1990 بشأن قانون تنظيم القضاء، وكان توقف رفع الدعوى الجزائية على تقديم شكوى من المجني عليه -وفق ما تنص عليه المادة 109 من القانون الأول- إنما هو استثناء من هذا الأصل بحسبانه قيداً على سلطة التحقيق صاحبة الاختصاص الأصيل به فلا يجوز من ثم التوسع فيه أو القياس عليه ليشمل جرائم أخرى مشابهة لتلك الواردة في النص ذاك على سبيل الحصر، إذ لو شاء المشرع أن يشملها حكمه لما أعوزه أن ينص على ذلك صراحة".

(الطعن بالتمييز رقم 242 لسنة 2008 جزائي – جلسة 25/8/2008)

(والطعن بالتمييز رقم 700 لسنة 2009 جزائي – جلسة 11/5/2010)

وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه:

ولما كان النص القانوني الواجب التطبيق في الجناية الماثلة، والوارد في قرار الاتهام وقرار الإحالة للمحاكمة الجزائية، نقلاً عما ورد بالشكوى المقدمة من الجهة الشاكية، هو نص المادة 125 من قانون هيئة أسواق المال، والتي تنص صراحة وعلى نحو قاطع الدلالة على أن مناط التجريم (والعقاب فيها) هو:

الادعاء –على خلاف الحقيقة– بأن الهيئة قامت باتخاذ إي إجراء أو قرار، لم تقم باتخاذه في الواقع.

بينما الثابت في الشكوى المقدمة من الجهة الشاكية إنها تشتكي من أن المتهم أدلى بتصريحات:

تهيئ للعامة بأن ما حدث هو عملية تخصيص مرفق عام دون إتباع الإجراءات القانونية.

دون أن ينسب للهيئة الشاكية قيامها باتخاذ إجراء أو قرار، لم تقم هي باتخاذه في الواقع، فإن مناط التجريم والعقاب الوارد في نص قرار الاتهام وقرار الإحالة للمحاكمة الجزائية غير متحقق ولا متوفر، في حالتنا الماثلة، ولا يجوز من بعد القياس على ذلك النص ولا التوسع في تفسيره، بل ولا مجال لتفسيره أصلاً إزاء صراحة النص وقطعية دلالته، على نحو ما بيناه آنفاً، فإن الدعوى الجزائية الماثلة تكون قد جاءت مفتقدة لسندها الواقعي والقانوني.

 

2) إسناد المخالفة للمتهم إنما جاءت على سبيل الفرض والتخمين، على سبيل الجزم واليقين:

لما كان من المقرر قانوناً، وعلى ما جرت عليه مبادئ مجلس التأديب بهيئة أسواق المال، ناهيك عما هو مقرر قانوناً، من أن الأحكام الجزائية إنما تصدر عن الجزم واليقين، ولا يجوز أن تبنى على الظن والتخمين.

في من المقرر في مجلس التأديب بهيئة أسواق المال أنه:

       "... لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أنه تم إسناد مخالف للمشكو في حقها لسيطرتها على شركة مرخصة وهي شركة ....... دون الحصول على موافقة هيئة أسواق المال، إذ بلغت ملكيتها 21.22% وأصبحت أكبر الملاك، فإن مجلس التأديب لا يساير ما انتهت إليه الهيئة في إسنادها لتلك المخالفة، إذ قامت على الفرض والتخمين، لا على الجزم واليقين، إذ لم يثبت جزماً أن تملك تلك النسبة يسمح للمشكو في حقها بتعيين أغلب أعضاء مجل الإدارة أو بالسيطرة على قرارته أو على قرارات الجمعية العمومية، إلا إذا توافرت فرضيات معينة لا يمكن الارتكان إليها في توجيه المخالفة إليها لقيامها على الاحتمال، ولم تقدم الهيئة سوى فرضيات وأرقام احتمالية مستقبلية لم تؤكدها أو تؤيدها أي وقائع مستمدة من الأوراق أو المستندات، ولا يمكن للمجلس أن يرتكن إليها في إسناد المخالفة للمشكو في حقها، الأمر الذي ينتهي معه إلى حفظ الأواق لانتفاء شبهة المخالفة فيها".

(قرار مجلس التأديب في المخالفة رقم 93 /2018 مجلس تأديب – 158 /2018 هيئة أسواق المال – الصادر بتاريخ 24/1/2018)

لما كان ذلك، وكان مناط شكوى الجهة الشاكية أن تصريحات المتهم تهيئ للمشاهدين أن الهيئة قامت بتخصيص مرفق عام دون إتباع الإجراءات القانونية، وتهيئ للمشاهدين أن الهيئة قامت بالتلاعب في أموال عامة لمصلحة طرف على آخر، وتوحي للمشاهدين بالتشكيك في شفافية إجراءات الهيئة الشاكية، وكلها تهيئات ظنية وفرضيات احتمالية وتخمينات ذهنية، وليس في الأرواق، حيث لم تقدم الهيئة الشاكية، ما يجعل تلك التهيئات والاحتمالات والتخمينات جزماً يقينياً يصلح الارتكان إليه في توجيه المخالفة للمتهم.

       لما كان ذلك، وكان من المقرر قانوناً، وعلى ما جرى عليه قضاء محكمة التمييز، فإن:

       "الأحكام الجزائية يجب أن تبنى بالجزم واليقين على الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر ولا تؤسس بالظن والاحتمال على الفروض والاعتبارات المجردة".

(الطعن بالتمييز رقم 34 لسنة 2002 جزائي – جلسة 13/5/2003)

كما تواتر قضاء التمييز على أنخ:

"لم يثبت في حق المتهم المذكور على وجه اليقين إن ما قام به من أفعال كان بقصد تمكين المتهمين الآخرين من ارتكاب الجريمة التي دينوا بها، بما ينتفي معه القصد الجنائي لديه، وتنتفي بذلك أركان الجريمة المسندة إلى المتهم بما يكون لازمه تبرئته مما أسند إليه، إذ أن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين من الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر، ولا تؤسس على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة".

(الطعن بالتمييز رقم 130 لسنة 2013 جزائي/2 – جلسة 14/7/2014)

وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، ولما كان الثابت بالأوراق خلوها من أي دليل معتبر قانوناً على ما تزعمه الهيئة الشاكية من تهيؤات وظنون واحتمالات مجردة، لم يثبت تحقق أياً منها. فإنها تكون قد جاءت مفتقدة لسندها الواقعي والقانوني.

 

3) حرية التعبير عن الرأي والانتقاد الهادف، مكفولة قانوناً ودستوراً:

لما كان من المقرر وفقاً لما تواتر عليه قضاء التمييز، فإن:

"النص في المادة 36 من الدستور وفي المادة 26 من القانون رقم 3 لسنة 1961 بإصدار قانون المطبوعات والنشر يدل -وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- على أن الأصل الدستوري هو حرية الفكر وإبداء الرأي بما في ذلك حق النقد، وأن الاستثناء هو حظر النشر إذا كان من شأنه أن يخدش بالآداب العامة ويمس كرامة الأشخاص وحرياتهم الشخصية؛ وكان من المقرر أنه وإن كان الخطأ الموجب للمسئولية التقصيرية وما يقع عن طريق النشر بما يسئ، إلا أنه إذا كان الهدف من النشر إثارة قضية عامة ونقد موقف جهة ما تحقيقاً للصالح العام، فإن الناشر وإن اشتدت عباراته وعنف تعليقه ملتزماً حدود النقد المباح وينتفي خطؤه الموجب للمسئولية؛ وأنه إذا ما اشتمل المقال على عبارات يكون الغرض منها الدفاع عن مصلحة عامة وأخرى يكون القصد منها التشهير فإن المحكمة في هذه الحالة توازن بين القصدين وتقدر لأيهما كانت الغلبة في نفس الناشر؛ ومن المقرر أيضاً أن استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية عن التعويض من سلطة محكمة الموضوع متى أقامت قضاءها في ذلك على أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق، أن الأصل في تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف أو الإهانة هو بما تطمئن إليه من تحصيلها لفهم الواقع في الدعوى، ولا رقابة عليها في ذلك من محكمة التمييز، مادام أنها لم تخطئ في التطبيق القانوني للواقعة".

(الطعن بالتمييز رقم 261 لسنة 2014 مدني/1 – جلسة 21/11/2016)

كما تواتر قضاء التمييز على أن:

       "المقرر في المادة 36 من الدستور على أن "حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو بالكتابة أو غيرهما وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي بينها القانون"، وتنص المادة 37 من ذات الدستور على أن حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفق الشروط والأوضاع التي يعينها القانون، ونصت المادة 3 لسنة 1961 بإصدار قانون المطبوعات والنشر المنطبقة على واقعة الدعوى وقبل إلغائه بالقانون رقم 3 لسنة 2006 على أن حرية الطباعة والكتابة والنشر مكفولة له في حدود هذا القانون"، ونصت المادة 26 من ذات القانون على أن يحظر نشر ما من شأنه أن يخدش الآداب العامة أو يمس كرامة الأشخاص أو حرياتهم الشخصية، وتنص المادة 28 من ذات القانون على معاقبة رئيس التحرير وكاتب المقال بالحبس إذا نشر بالجريدة ما حظرته المواد الخمس السابقة"، مفاد هذه النصوص أن الأصل الدستوري هو حرية الفكر وإبداء الرأي بما في ذلك حق النقد والاستثناء هو القيد، ولا يجوز أن يمحو الاستثناء الأصل أو يغول عليه أو يعطله، ويقتصر أثره على الحدود التي وردت به، وأن النشر المباح هو الذي لا يتضمن ما يخدش الآداب العامة أو يمس كرامة الأشخاص أو حرياتهم الشخصية التي كفلها الدستور والقانون، فإذا تجاوز النشر هذا الحد وجب مؤاخذة المسئول عنها مرتكباً لجريمة القذف والسب أو الإهانة حسب الأحوال، كما يجب مسائلته عن الأضرار التي ترتبت على ذلك، فيجب أن يلتزم الناقد أو الناشر العبارات الملائمة والألفاظ المناسبة ولا يلجأ إلى أسلوب التهم والسخرية أو يستعمل العبارات التي توحي للقارئ على مدلول غير ملائم أو أقسى من القدر المحدود الذي يتضمنه عرضه للواقعة أو التعليق عليها، كما يجب أن يتوخى الناشر أو الناقد المصلحة العامة باعتبار أن النشر أو النقد ليس إلا وسيلة للبناء لا للهدم فإذا ما تجاوز ذلك فلا يكون محل للحديث عن النقد المباح، وإذا ما اشتمل المقال على عبارات يكون الطعن فيها الدفاع عن مصلحة عامة وأخرى يكون النقد منها التشهير فإن للمحكمة في هذه الحالة أن توازن بين القصدين وتقدر لأيهما كانت الغلبة في نفس الناشر، ومن المقرر أيضا أن الخطأ الموجب للمسئولية التقصيرية ما يقع عن طريق النشر بما يسئ وأنه وإن كان استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية عن التعويض والتعرف على حقيقة الناشر السب أو القذف أو الإهانة هو ما تطمئن إليه محكمة الموضوع من تحصيلها لفهم الواقع في الدعوى دون معقب إلا أن شرط ذلك ألا تخطئ في التطبيق القانوني للواقعة وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة".

(الطعن بالتمييز رقم 472 لسنة 2013 مدني/1 – جلسة 6/4/2015)

وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، ولما كانت تصريحات المتهم في المقابلة التي أجريت معه، كان الهدف منها هو النقد البناء، وممارسة لحرية التعبير وإبداء الرأي (وإن اختلف مع رأي الجهة الشاكية)، وهو حقه قد كفلته له الدساتير والقوانين السارية (المدنية منها والجزائية)، وقد التزم المتهم حدود النقد البناء، ولم يعمد إلى التشهير بالجهة الشاكية، فإن استعماله لحقه الدستوري والقانوني في التعبير عما يراه الحق، لا تأثيم عليه، ولا تثريب عليه، حتى وإن لم تعجب هذه التصريحات الجهة الشاكية أو لم ترق لها.

 

3) انعدام الجريمة وانتفاء أركانها:

= الركن المادي للجريمة محل الاتهام:

يتمثل الركن المادي لجريمة الادعاء الكاذب على هيئة أسواق المال، في ادعاء الجاني على خلاف الحقيقة بأن هيئة أسواق المال قد قامت باتخاذ أي إجراء أو قرار، في حين إنها لم تقم باتخاذه في الواقع.

       وكما أسلفنا في بيان إن النص الجزائي، فيما ينص عليه من فعل التأثيم، والعقوبة المقدرة له، هو نص خاص لا يجوز القياس عليه ولا يجوز التوسع في تفسيره، بل لا يجوز – إزاء صراحة النص ووضوحه وقطعية دلالته – من الخروج على ذلك النص بزعم تأويله توخياً للعلة من التشريع، إذ أن ذلك التأويل أو التفسير لا يكون إلا عند غموض النص أو وجود لبس فيه، وهو ما لا يتوافر في حالة دعوانا الماثلة.

       لا سيما وأنه من المقرر قانوناً، وعلى ما جرى عليه قضاء محكمة التمييز، فإن:

       "التعرف على حقيقة الألفاظ الماسة بكرامة الأشخاص وسمعتهم التي تضمنتها المادة الإعلامية التي جرى بثها، وتحديد شخصية من وجهت إليه هذه الألفاظ [بما يمثل الركن المادي للجريمة]، هو بما يطمئن إليه قاضي الموضوع من تحصيله لفهم الواقع في الدعوى، مادام لم يخطئ التطبيق القانوني على الواقعة".

(الطعن بالتمييز رقم 677 لسنة 2010 جزائي – جلسة 22/1/2012)

       ومن ثم، فإن زعم الجهة الشاكية بأن المشكو في حقه أوحي في تصريحاته ولمح وهيأ للمشاهدين (بدون تقديم الدليل المعتبر على تحقق تلك التلميحات وهذه التهيؤات) بأن الهيئة الشاكية لم تقم باتباع الإجراءات القانونية عند تخصيص سوق الأوراق المالية. تلك الواقعة محل الشكوى لا ينطبق عليها – كما أسلفنا البيان – الركن المادي للجريمة محل التأثيم في صريح نص المادة 125 من قانون هيئة أسواق المال، التي تقتصر على الادعاء الكاذب بأن الهيئة قامت باتخاذ إجراء، بينما هي لم تقم به، بما ينتفي معه الركن المادي للجريمة محل الاتهام، وينهار معها الاتهام بالكلية.

= الركن المعنوي للجريمة محل الاتهام:

       جريمة الادعاء الكاذب على هيئة أسواق المال هي من الجرائم العمدية، ولكي يتحقق الركن المعنوي فيها، فإنه يشترط توافر القصد الجنائي العام المتمثل في علم الجاني بأنه يدعي على خلاف الحقيقة بأن هيئة أسواق المال قد قامت باتخاذ إجراء أو إصدار قرار، رغم إن تلك الهيئة لم تتخذ هذا الإجراء أو ذلك القرار في الواقع، فضلاً عن اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب تلك الجريمة.

هذا، ومن المقرر في قضاء محكمة التمييز، أن:

       "القول بتوافر القصد الجنائي في هذه الجريمة أو بانتفائه هو مما تفصل فيه محكمة الموضوع بغير معقب مادامت تقيمه على ما ينتجه".

(الطعن بالتمييز رقم 114 لسنة 2002 جزائي – جلسة 4/2/2003)

لما كان ما تقدم، وكان المتهم قد انتفى لديه القصد الجنائي في الجريمة محل الاتهام الماثل، وأية ذلك ما يلي:

·      إن المتهم عند استجوابه في التحقيقات –بدون أن يكون معه محامياً للدفاع عنه– قرر بأنه: في مقابلة تلفزيونية –على قناة ATM– في برنامج: "على درجة رجال الأعمال"، تحدثت (في سياق حديثي مع مقدم البرنامج)، عن قيمة رأس مال شركة بورصة الكويت، وإنني لا أعلم من قام بتحديد تلك القيمة، وحديثي هذا كان بناءً على معلومات عندي مستقاة من بيانات حقيقية واردة في نشرة اكتتاب الشركة، وكنت قد اطلعت عليها بحكم تخصصي السابق، وهي ليست معلومات سرية، بل متاحة للعامة. وهذا كل ما حدث، فأنا لم أدعِ إن الهيئة (مثلاً) باعت تلك النسبة وثبت عدم قيامها بالبيع، أو إنني (مثلاً) ادعيت أن الهيئة باعت تلك النسبة بقيمة معينة، وقدمت الهيئة ما يفيد إنها باعت بقيمة أعلى. فكل ما ذكرته في أثناء تلك المقابلة هي أمور حدثت بالفعل، وإجراءات اتخذت بالفعل وقرارات صدرت بالفعل، وإن كانت الهيئة (الشاكية) تنكر ذلك، فعليها هي تقديم ما تحت يدها من مستندات تثبت عدم صحة ما قررته في أثناء المقابلة التلفزيونية.

·      مع ملاحظة أن تخصيص نسبة الـ 44% من قيمة رأس مال شركة بورصة الكويت للأوراق المالية (عملية التخصيص) لم تتم إلا في غضون شهر فبراير من عام 2019، بينما المتهم قد ترك منصبه في شهر أبريل من عام 2018، أي أن عملية التخصيص قد تمت بعد ما يناهز 10 عشرة أشهر من تاريخ ترك المتهم لمنصبه.

فالمتهم كان عضواً في لجنة التخصيص أثناء فترة رئاسته للشركة، وليس أثناء التخصيص الفعلي الذي اتخذ بعد عشرة أشهر من تاريخ تركه لمنصبه.

·      ورداً على سؤال المحقق للمتهم عند استجوابه: وكيف وقفت على أن قيمة تخصيص نسبة 44% من رأس مال شركة الكويت للأوراق المالية تقل عن القيمة الفعلية، وفقاً لما قررته في المقابلة التلفزيونية محل التحقيق؟

أجاب المتهم:-

·      لأن رأس مال الشركة قدرته الهيئة بإجمالي مبلغ ـ/20,000,000 د.ك (عشرون مليون دينار كويتي)، في حين أن رأس المال الفعلي يتراوح من ـ/50,000,000 د.ك (خمسون مليون دينار كويتي) إلى ـ/100,000,000 د.ك (مائة مليون دينار كويتي)، وسندي في ذلك أنه بالأمس، وبالاطلاع على موقع شركة بورصة الكويت، في البيان الخاص بمعلومات الشركة، أوردت الشركة ذاتها أن قيمتها السوقية تبلغ ـ/405,567,000 .ك (أربعمائة وخمسة مليون وخمسمائة وسبعة وستون ألف دينار كويتي)، ونحن نتحدث عن عام 2023، فكيف تباع نسبة 44% من رأس مال الشركة في عام 2019 بـ ـ/15,000,000 د.ك (خمسة عشر مليون دينار كويتي) تقريباً ؟؟!!

·      كما إنه بالاطلاع على البيان الصادر عن شركة بورصة الكويت، والمعنون بـ: "بيان الدخل المجمع في السنة المنتهية في 31/12/2020"، فقد ثبت به أن ربحية الأساسية للسهم الواحد قدرها 128.54 فلس، ونحن هنا نتحدث عن أرباح أساسية للسهم الواحد، فكيف يعر السهم للبيع بقيمة 100 فلس، ويباع فعلياً بقيمة 230 فلس تقريباً، إذا كان السهم يحقق ذلك الربح سنوياً ؟؟!! بما يدل على أن القيم التي بيع بها السهم هي أقل بكثير من قيمته الحقيقة.

·      كما إن لشركة بورصة الكويت أصول استثمارية في شركة زميلة، وهي الشركة الكويتية للمقاصة، تبلغ قيمتها –في عام 2018– حوالي ـ/12,000,000 د.ك (اثنا عشر مليون دينار كويتي)، بما يعادل نسبة 27% من أسهم الشركة الزميلة، قم قامت شركة بورصة الكويت بشراء حصة تعادل 13% بقيمة ـ/12,000,000 د.ك (اثنا عشر مليون دينار كويتي) من أسهم الشركة الكويتية للمقاصة، وهذا يدل على أن شركة بورصة الكويت تملك جزء من أصولها بقيمة ـ/24,000,000 د.ك (أربعة وعشرون مليون دينار كويتي)، حصتها في رأس مال الشركة الكويتية للمقاصة، وأنا هنا أتحدث عن جزء فقط من الأصول التي تملكها شركة بورصة الكويت (وليس كل الأصول).

·      كما إن هناك أصول أخرى لم تأخذ بعين الاعتبار عندما حددت قيمة رأس مال شركة بورصة الكويت، مثل حق الانتفاع بالمبنى الذي به مقر البورصة،

ورخصة البورصة ذاتها والتي تبلغ رسومها فقط ـ/1,000,000 د.ك (مليون دينار كويتي)،

بالإضافة إلى الأرباح التي تتحصل عليها البورصة من التداول، حيث إن البورصة تحصل نسبة قدرها 30% من قيمة أي عملية تداول، وهذه النسبة تتحصل عليها البورصة من كل من البائع والمشتري،

وكل تلك الأصول والأرباح لم توضع بعين الاعتبار ممن قام بتحديد قيمة رأس مال الشركة.

·      ورداً على سؤال المحقق للمتهم عند استجوابه: وما قولك فيما شهد به/ عبدالله يوسف الكندري مدير إدارة التحقيق الرقابي بهيئة أسواق المال؟

أجاب المتهم:-

هذا غير صحيح،

فقد تم تخصيص نسبة 44% من قيمة رأس مال شركة بورصة الكويت بعد انتهاء خدمتي كرئيس لتلك الشركة،

ولم يتم تحديد القيمة المبيعة أثناء عضويتي للجنة التخصيص،

فكيف أبدي اعتراضاً عليها إن كانت صفتي قد زالت عني حينها (بتركي الخدمة)،

كما أن الكتاب المرسل لي، والمؤرخ 1/7/2021، قد تم إرساله إلى كافة رؤساء الشركة السابقين، ولم يكن لي –وقتها– حق الاعتراض عليه (لزوال صفتي بتركي الخدمة).

·      لم يصدر عن المتهم مطلقاً -في أي جزء من المقابلة التلفزيونية- ان الهيئة قامت بمخالفة الإجراءات ... وإنما ما ورد باللقاء هو رأي فني مخالف لقرار تقييم سهم البورصة الذي قامت به الهيئة عند تسعير قيمة الشركة السوقية، وهذا الرأي الفني مبني على خبرة المتهم في مجال أسواق المال المحلية والعالمية التي تمتد لأكثر من 30 سنة وكذلك تخصصه العلمي.

·      كتاب المتهم والذي تستند إليه الهيئة في سياق الاتهام والمؤرخ 7/3/2018 تم توقيعه من المتهم بصفته رئيس مجلس إدارة شركة بورصة الكويت استكمالاً للإجراءات المنصوص عليها في اتفاقية الهيئة مع شركة البورصة الموقع في عام 2016، و ذلك لتوثيق عملية تحويل ملكية أصول الشركة والتزاماتها من الهيئة الى ميزانية شركة البورصة.

أما كتاب الهيئة (المرفق بكتاب المتهم في 7/3/2018) الذي تطلب الهيئة فيه تسجيل قيمة الأصول المقدرة "تقديراً مؤقتا" (فيه اعتراف ضمني من الهيئة بأن تلك القيمة المقدرة ليست نهائية ولا تعكس السعر السوقي لها) كما في 30/9/2016 بينما التخصيص تم بتاريخ 2/2019 أي ان هناك مدة زمنية قدرها 30 شهراً تقريباً، ارتفعت فيها قيمة تلك الأصول نتيجة زيادة نشاط التداول في سوق الكويت للأوراق المالية في تلك الفترة والتي أدت حتماً الى ارتفاع إيرادات البورصة والشركة الزميلة (الشركة الكويتية للمقاصة). وهذا حتماً يرفع قيمة أسهم الشركة بصورة كبيرة. والتي انعكست على سعر السهم بالسوق الموازي (قبل إدراجها في السوق الرسمي إلى أكثر من 700 فلس) في أقل من 10 شهور من التخصيص.

كذلك لم يتضمن الكتاب بعض الأصول غير الملموسة مثل قيمة الرخصة (شبه المحتكرة) ...الخ.

وكل ما تقدم، يثبت يقيناً، وبما لا يدع مجال للشك، في أن المتهم، عندما أدلى بتصريحاته (محل الاتهام) لم يصدر تلك التصريحات وهو عالماً بكذبها، بل أصدرها وهو متيقن من صحتها، ولديه من الدلائل والقرائن ما يثبت صحة تلك التصريحات، وقد قدم العديد منها للنيابة العامة عند استجوابه، وكل ذلك ينفي عن المتهم الركن المعنوي (وهو الادعاء الكاذب، مع علمه بكذب هذا الادعاء)، بما تنهار معه أركان الجريمة محل الاتهام، بركنيها المادي والمعنوي، وتضحى براءة المتهم ظاهرة للعيان.

علماً بأن المتهم ليس مكلفاً بإثبات براءته، بينما على النيابة العامة والجهة الشاكية إثبات الاتهام في حق المتهم، وإذ لم تقدم النيابة العامة ولا الجهة الشاكية الدليل المعتبر قانوناً على توافر أركان الجريمة محل الاتهام، فلا مناص من الحكم –عندئذ– ببراءة المتهم مما نسب إليه زوراً وبهتاناً.

فمن المقرر قانوناً، وعلى ما جرى عليه قضاء محكمة التمييز، فإنه:

       "ولئن كان من المتعين على قاضي الموضوع -وهو بصدد إنزال حكم القانون على الواقعة المطروحة عليه- أن يتحقق من أن الفعل معاقب عليه بمقتضى قانون البلد الذي ارتكب فيه، إلا أنه يسبق هذا أن عبء إثبات هذا الأمر يقع على عاتق النيابة العامة طبقاً للقواعد العامة في المحاكمات الجزائية، إذ الأصل أنها تتولى مسئولية إثبات الجرائم كافة وذلك في ظل التزامها بإقامة وتقديم الأدلة المؤيدة لكل ركن يتصل ببناء الجريمة ويعتبر من عناصرها".

(الطعن بالتمييز رقم 111 لسنة 2000 جزائي – جلسة 7/11/2000)

وننوه أخيراً إلى ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز من أنه:

       "يكفي في المحاكمات الجزائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة؛ إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام حكمها يفيد أنها محّصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة، ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات وأقامت قضاءها على أسباب تحمله وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها".

(الطعن بالتمييز رقم 140 لسنة 1994 جزائي – جلسة 14/11/1994)

 

لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة المحكمة الموقرة من أسباب أصوب وأرشد.

 

الطلبات

يلتمس المتهم القضاء له:

ببراءة المتهم مما نسب إليه.

مع حفظ كافة الحقوق الأخرى للمتهم، أياً ما كانت،،،

المتهم

.......................

نموذج - مذكرة دفاع – في جناية – غسل أموال

 

مذكرة دفاع – في جناية – غسل أموال

 

 

الاتهام

أسندت النيابة العامة الاتهام إلى المتهم الأول آخرين بوصف أنهم خلال الفترة من عام ----- حتى عام ----- بدائرة مباحث أمن الدولة – بدولة الكويت:

أولاً- للمتهم الأول (وللمتهمين الثاني والثالث):

أ‌)     إنهم – بوصفهم جماعة إجرامية منظمة – ارتكبوا جريمة غسل الأموال لمبلغ يعادل ثلاثمائة وثلاثة وأربعون مليون وسبعمائة ألف دينار كويتي، مع علمهم أن هذه الأموال متحصلة من جريمة سرقة أموال مرتبطة باستثمارات --------- (موضوع الجرائم الثابتة بالإنابة القضائية الواردة من السلطات --------)، بأن تلقاها واكتسبها المتهم الأول من شركة ------ في ------------- على إنها عمولة مفروضة لصالح شركة --------- – المملوكة له – عن عقد استشارات مقاولة مؤرخ ---/---/------ لتنفيذ مشروع (---------------) الذي أعده له المتهمان الثاني والثالث زوراً وعلى خلاف الحقيقة دون أن يقابله أي أعمال حقيقية؛ - وحاز المتهم الأول هذه الأموال بالحسابات المصرفية للشركة المذكورة وحساباته الشخصية (لدى البنك ------ ------)، واستخدمها في إجراء تحويلات عبر شبكة معقدة من العمليات المالية الصادرة بين حساباته المشار إليها وحساب شركة ---------- في ------------- – المملوكة له – لدى ذات البنك المذكور؛ - كما أجرى تحويلاً لمبلغ ------------ دينار كويتي من جملة المبلغ آنف البيان إلى شركة ---------- في --------- قيمة عقد شراء أسهم فيها – المؤرخ ---/---/------- – والذي أعد زوراً لهذا الغرض؛ - وأجرى كذلك تحويلات أخرى من حساباته المشار إليها وحسابات شركة ---------------- – المملوكة له – لدى البنك المذكور إلى مكاتب محاماة وغيرها من الأعمال الخاصة بالمتهم الخامس، واختص لنفسه بمبلغ ----------- دينار كويتي. - بالإضافة إلى تحويله مبلغ ----------- دينار كويتي إلى حسابات ------------ ، وكذا مبلغ -------------- دينار كويتي إلى حساب المتهم الثاني لدى ذات البنك -------- وموها سوياً طبيعة تلك الأموال وأظهراها على شكل عقود أتعاب استشارات اقتصادية عرفية دون أن يقابلها أي عمل حقيقي، وحول المتهمان سالفي الذكر مبلغ ---------------- دينار كويتي لحساب المتهم الثالث ---------- فاكتسب وحاز المتهمان الثاني والثالث تلك الأموال في حساباتهما المشار إليها، واستخدماها في إجراء تحويلات مالية خاصة بهما، وكان ذلك كله بغرض إخفاء وتمويه المصدر غير المشروع للأموال وطبيعتها الحقيقية.

ب‌)      ارتكبوا تزويراً في محررين عرفيين بقصد استعمالهما على نحو يوهم بمطابقتهما للحقيقة، وهما عقد استشارات المقاولات المؤرخ -----/----/------- المبرم بين شركة --------------- وشركة --------------------- ، وعقد شراء أسهم في شركة ------------------ المؤرخ ----/----/------، وكان ذلك بجعلهم واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمهم بتزويرها، بأن أثبتوا فيهما أحقية شركة ------------- وشركة ------------------ للمبالغ الواردة فيهما نظير تقديم الخدمات وشراء الأسهم المنوه عنها في العقدين، وكان المحرران بعد تغيير الحقيقة فيهما صالحين للاستعمال على هذا الأساس.

ج‌)        حال كونهم كويتيون باشروا نشاطاً من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد، بأن شكلوا جماعة إجرامية منظمة تهدف إلى ارتكاب جرائم غسل الأموال.

ثانياً- للمتهم الأول (وللمتهم الرابع):

أ‌)     ارتكبا جريمة غسل الأموال لمبلغ يعادل ------------ كويتي، مع علمهم أن هذه الأموال متحصلة من جريمة سرقة أموال مرتبطة باستثمارات -------------- (موضوع الجرائم الثابتة بالإنابة القضائية الواردة من السلطات ----------)، بأن اكتسباها من شركة ----------------- في ---------- على إنها عمولة مفروضة لصالح شركة ----------------------- عن عقد توريد مواد مؤرخ ---/---/------- اللذان أعداه لهذا الغرض دون أن يقابله أي أعمال حقيقية، وحازا تلك الأموال بحساب الشركة آنفة الذكر (لدى البنك -------- --------)، واستخدمها في إجراء تحويلات عبر شبكة معقدة من العمليات المالية الصادرة بين حسابات الشركة المذكورة وحسابات شركات وكيانات أخرى، وكان ذلك كله بغرض إخفاء وتمويه المصدر غير المشروع للأموال وطبيعتها الحقيقية.

ب‌)      ارتكبا تزويراً في محرر عرفي بقصد استعمالهما على نحو يوهم بمطابقته للحقيقة، وهما عقد توريد مواد المؤرخ ---/---/------ المبرم بين شركتي ----------- وشركة -------------------- ، وكان ذلك بجعلهما واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمهم بتزويرها، بأن أثبتا فيه أحقية الشركة المذكورة للمبالغ الواردة فيه نظير توريد مواد منوه عنها في العقد، وكان المحرر بعد تغيير الحقيقة فيهما صالحين للاستعمال على هذا الأساس.

 

ثالثاً- للمتهم الأول (وللمتهم الثاني):

ارتكبا تزويراً في محررات عرفية بقصد استعمالهما على نحو يوهم بمطابقته للحقيقة، وكان ذلك بجعلهما واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمهم بتزويرها، بأن أثبتا فيها استحقاق المتهم الثاني للمبالغ الواردة فيها والمدفوعة له من المتهم الأول نظير حصوله منه على الاستشارات الاقتصادية المنوه عنها في العقد، وكانت تلك المحررات بعد تغيير الحقيقة فيهما صالحة للاستعمال على هذا الأساس.

 

وتبعاً لذلك أحالت النيابة العامة جميع المتهمين إلى المحكمة عملاً بمواد الاتهام.

الوقائع

تخلص وقائع هذه الدعوى استخلاصاً من سائر أوراقها وما خلصت إليه التحقيقات في أن النيابة العامة ركنت في إسناد الاتهام إلى المتهم الأول ولسائر المتهمين إلى ما أسمته بـ:

-        إنهم (بوصفهم جماعة إجرامية منظمة).

-        ارتكبوا جريمة (غسل الأموال)، ... مع علمهم أن هذه الأموال (متحصلة من جريمة) سرقة أموال مرتبطة باستثمارات ---------- (موضوع الجرائم الثابتة بالإنابة القضائية الواردة من السلطات ----------------).

-        مع التزوير في محررات عرفية.

على سندٍ من: ما تزعمه النيابة العامة من (إنابة قضائية من دولة --------)، تقرير وحدات التحريات المالية، وتحريات ضابط أمن الدولة، وكلهم جاءوا عبارة عن شبهات لم تثبت وقاصرين عن أدلة ثبوت جدية للتهم التي كالتها النيابة العامة للمتهم الأول (والموضوع من أوله لآخره زوبعة في فنجان أثارتها وسائل التواصل الاجتماعي، فتم تحريك الدعوى الجزائية ضد المتهم الأول – بسبب مركزه الاجتماعي والسياسي – لغرضاً ما في نفس يعقوب).

تلك هي جوهر واقعة الدعوى وما حوته أوراقها من أدلة واهنة وغير سديدة وغير كافية على حمل الاتهام على السياق آنف البيان وركنت إليها النيابة العامة في إسناد الاتهام إلى المتهم الأول وسائر المتهمين، وقد شاب تلك الأدلة الشك والتناقض وقامت على الاحتمال ونفث فيها الظن وباتت عصية على الإدانة جافية التأثيم رامية العودة بالمتهمين إلى الأصل فيهم وهي البراءة بعد أن انحصر الاتهام عن الأوراق ركناً ودليلاً.

لا سيما وأنه من المقرر قانوناً، وفقاً لما نصت عليه المادة (34/1) من دستور دولة الكويت:

"إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمّن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع".

وكانت من أهم الحقوق المترتبة على قرينة البراءة أن المتهم لا يلتزم بإثبات براءته، بل هي مفترضة – وإنما يقع عبء إثبات التهمة قِبله على عاتق النيابة العامة التي عليها وحدها عبء تقديم الدليل الذي ينقض أصل البراءة المفترضة أصلاً وأساساً.

 

الدفاع

أولاً- انتفاء جريمة تشكيل جماعة إجرامية منظمة المسندة إلى المتهم:

بداية ننوَّه إلى ما حرص دستور الدولة على تقريره بإقراره مبدأ الشرعية الجزائية، فنص في المادة (32) على أنه:

"لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها".

       ومن ثم فلا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وإذ خلا قانون الجزاء وكافة التشريعات الجزائية من نص صريح ينظم ويحكم – ما أسمته النيابة العامة – تشكيل عصابي منظم، وعلماً بأن النصوص الجزائية لا يتوسع في تفسيرها ولا يقاس عليها.

ومن المقرر في قضاء التمييز أن:

"الدستور الكويتي قد حرص على ترسيخ قاعدة شرعية الجرائم والعقاب بما نص عليه في المادة 32 منه على أن "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها"، ... لما هو مقرر من وجب التحرز في تفسير القوانين الجزائية وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل وأنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها فإنه يجب أن تعد تعبيرا صادقا عن إرادة المشرع ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل إذ لا محل للاجتهاد إزاء صراحة النص محل التطبيق ...".

(الطعن بالتمييز رقم 190 /2014 جزائي/3 – جلسة 22/10/2015)

وطالما لا يوجد تشريع جزائي ينص صراحة على تجريم هذا الفعل المنسوب زوراً وبهتاناً للمتهم الأول، فلا مجال لمعاقبته عليه – دون الخوض في إثباته أو نفيه عنه – لأنه طبقاً لمبدأ شرعية الجرائم والعقاب: فلا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.

لا سيما وأن الجريمة المنظمة تتميز بخصائص معينة تميزها عن غيرها من الجرائم، وعن الاشتراك في الجرائم، ومن بين أهم تلك الخصائص، ما يلي:

1)          التنظيم: أي أنه يوجد نظام يحدد طبيعة العمل داخل المنظمة الإجرامية ويقسم الأدوار بين الأعضاء ويحدد علاقة كل منهم بالآخر، وأعضاء الجماعة لا يرتكبون الجريمة بشكل منفرد وإنما في إطار هذا التنظيم.

2)         الاستمرارية: أي الاستمرار في ممارسة النشاط الإجرامي حيث إن زوال أحد أعضاء الجماعة لا يؤثر على بقائها وارتكابها للجرائم.

3)         التخطيط والإعداد الجيد (والاحترافي) لارتكاب الجرائم.

4)         اتسام العمل داخل الجماعة الإجرامية بالسرية.

5)         استخدام وسائل العنف والإفساد لتحقيق أهدافها.

ومن هنا فإن القواعد العامة في قانون الجزاء لا تستوعب أركان وخصائص الجريمة المنظمة، وذلك لاختلاف طبيعة هذه الجريمة عن الجرائم التقليدية.

والركن المادي للجريمة المنظمة يختلف عن الركن المادي لأي جريمة تقليدية، وهو كذلك يختلف باختلاف نوع النشاط الإجرامي محل الجريمة فيما إذا كانت جريمة إتجار بمخدرات أو تهريب أسلحة أو أي نشاط إجرامي آخر.

وما يقال بشأن الركن المادي يصدق كذلك على الركن المعنوي.

       فإذا لم تقم النيابة العامة بإيراد النصوص القانونية التي بموجبها أسندت للمتهم الأول وآخرين: (إنهم بوصفهم جماعة إجرامية منظمة)، ولم تقم النيابة العام بإثبات تحقق الركن المادي لهذه الجريمة، ولم تقم بإثبات توافر الركن المعنوي لها. ومن ثم يظل المتهم الأول متمتعاً بقرينة البراءة المفترضة فيه أصلاً طالما لم يثبت – في محاكمة عادلة – عكس ذلك.

 

ثانياً- انتفاء (الإنابة القضائية) سند النيابة في توجيه الاتهام للمتهم الأول:

لما كان دستور دولة الكويت ينص في المادة (177) منه على أنه:

"لا يخل تطبيق هذا الدستور بما إرتبطت به الكويت مع الدول والهيئات الدولية من معاهدات وإتفاقات".

ومفاد هذا النص الدستوري، أن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تبرمها أو تنضم لها دولة الكويت، تعلو –عند التعارض– على دستور الدولة (طبقاً لمفهوم النص)، وهي كذلك تعلو –من باب أولى– على سائر القوانين الداخلية الأقل شأناً من الدستور (بمفهوم الموافقة). وهو ما يتحقق به مبدأ (سمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الداخلي).

لما كان ذلك، وكان من المقرر قانوناً، وفقاً للقانون رقم (5) لسنة 2006 بالموافقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكلين المقترنيين بها (باليريمو – نوفمبر 2000).

ولما كانت هذا الاتفاقية تنص في الفقرة (15) من المادة (18) منها، المنظمة للـ: (المساعدة القانونية المتبادلة)، على أنه:

"يتضمن طلب المساعدة القانونية المتبادلة:

1)           هوية السلطة مقدمة الطلب.

2)           موضوع وطبيعة التحقيق أو الملاحقة أو الإجراء القضائي الذي يتعلق به الطلب، واسم ووظائف السلطة التي تتولى التحقيق أو الملاحقة أو الإجراء القضائي.

3)           ملخصاً للوقائع ذات الصلة بالموضوع ... .

4)           وصفاً للمساعدة الملتمسة وتفاصيل أي إجراء معين تود الدولة الطرف الطالبة إتباعه.

5)           هوية أي شخص معني ومكانه وجنسيته ... .

6)           الغرض الذي تلتمس من أجله الأدلة أو المعلومات أو التدابير".

كما نصت هذه الاتفاقية، في الفقرة (3) من المادة (18) منها، على أنه:

       "يجوز أن تطلب المساعدة القانونية المتبادلة ... لأي من الأغراض التالية:

1)             الحصول على أدلة أو أقوال من الأشخاص.

2)             تبليغ المستندات القضائية.

3)             تنفيذ عمليات التفتيش والضبط والتجميد (تجميد أرصدة الحسابات البنكية).

4)             فحص الأشياء والمواقع.

5)             تقديم المعلومات والأدلة والتقييمات التي يقوم بها الخبراء.

6)             تقديم أصول المستندات والسجلات ذات الصلة، بما فيها السجلات الحكومية، أو المصرفية، أو المالية، أو سجلات الشركات، أو الأعمال، أو نسخ مصدقة عنها.

7)             التعرف على عائدات الجرائم والممتلكات، أو الأدوات، أو الأشياء الأخرى ،أو اقتفاء أثرها لأغراض الحصول على أدلة.

8)             تيسير مثول الأشخاص طواعية في الدولة الطرف الطالبة.

9)             أي نوع آخر من المساعدة لا يتعارض مع القانون الداخلي للدولة الطرف متلقية الطلب".

وهدياً بما تقدم، ولما كان يبين من جماع كل تلك النصوص المتقدم بيانها (وغيرها من النصوص التي تضمنتها الاتفاقية الدولية الموقع عليها من كل من الكويت و --------- )، أن الاتفاقية المذكورة تنظم المساعدة القانونية المتبادلة بين الدول الأطراف فيها، وأغراض المساعدة القانونية المتبادلة – كما نظمتها ونصت عليها الاتفاقية – إنما تنصب في الأساس على أعمال جمع الأدلة والمعلومات والاستدلالات والتحريات ومختلف مهام التحقيق الابتدائي وبصفة عامة تبادل المعلومات التي تهم الدولة الطرف مقدمة الطلب، ولكنها لم تنص ولم تتضمن بأي شكل من الأشكال (إنابة قضائية) بمعنى محاكمة المواطنين نيابة عن الدولة الطرف مقدمة الطلب.

       والجانب ---------- مدرك تمام الإدراك لإغراض المساعدة القانونية المتبادلة وفقاً للاتفاقية الدولية (المتقدم ذكرها، والموقع عليها من البلدين: الكويت و-------- ). وآية ذلك ما يلي:

·       إنه في ديباجة الكتاب المؤرخ ---/---/-------، والمرفق به طلب المساعدة المتبادلة، وأسفل من عبارة: (تحية طبية وبعد) – (عنون الكتاب بـ): "طلب المساعدة المتبادلة في مسألة جنائية ...".

·       وفي مستهل الكتاب، أورد المدعي (النائب) العام --------، ما نصه: "مرفق طيه خطاب طلب المساعدة من حكومة ------- ... ويسعى هذا الطلب للحصول على المساعدة والتعاون ... للحصول على إثبات لغرض التحقيق الجنائي الجاري، والملاحقة القضائية المحتملة في ----------".

·       وفي خطاب طلب المساعدة المتبادلة، تحت عنوان صلاحية الطلب، يشير النائب العام --------- إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية. وهي الاتفاقية التي قننها المشرع الكويتي بالقانون رقم 5 لسنة 2006 المتقدم ذكره. وهذه الاتفاقية تنظم – على ما سلف بيانه – المساعدة القانونية المتبادلة بين الدول الأطراف، لا تتناول (الإنابة القضائية) بأي شكل من الأشكال.

·       وقد نص خطاب النائب العام ---------، تحت عنوان (غرض الطلب)، على أنه: "بموجب هذا الطلب، يهدف للحصول على جميع الأدلة والمعلومات ذات الصلة لغرض التحقيق الجنائي الجاري، والملاحقة القضائية الجنائية المحتملة ضد الأشخاص المعنيين".

·       ومنعاً لأي لبس قد يثور بالأذهان، فقد نص خطاب النائب العام ------- – في بند التعهدات الإلزامية، تحت رقم 6/1/5 – على أن هذا الطلب: "لا يتعلق بالتحقيق، أو المقاضاة، أو العقاب لشخص فيما يتعلق بفعل أو اغفال، والذي كان قد حدث في الكويت كان سوف يشكل جريمة ضد قوانين الكويت".

وبصرف النظر عن (حرفية) الترجمة، فإن مفهوم النص يقضي بأن خطاب النائب العام ------- لا يتعلق لا بالتحقيق، ولا بمحاكمة، ولا بمعاقبة أي شخص يكون قد قام بعمل (أو امتنع عن عمل)، إذا وقع منه (في النطاق الجغرافي لدولة الكويت، وبالتالي خاضع لولاية القضاء الكويتي)، فإنه يشكل جريمة يعاقب عليها القانون الكويتي.

وهذا البند تحديداً ينسف أي مزاعم بأن خطاب النائب العام ------ يمكن تكييف قانوناً على إنه "إنابة قضائية" لمحاكمة مواطن كويتي بالوكالة عن القضاء --------- (الذي لم يكن قد نظر أي قضية بعد، فالخطاب إنما يتحدث عن جمع استدلالات لتحقيقات جارية، وقد تستخدم مستقبلاً في محاكمة محتملة).

ومن جهة أخرى، فهذا البند تحديداً، والخطاب بأكمله، إنما ينسف نسفاً فكرة (الجريمة الأصلية) – وهي مفترض أساسي لجريمة غسل الأموال – حيث لم تكن هناك جريمة أصلاً ولا محاكمة من أساسه لأي شخص بأي تهمة، وإنما هي تحريات بشأن الاشتباه، لا أكثر ولا أقل.

·       وأخيراً، جاء في البند (7) من خطاب النائب العام، والمعنون بـ: وصف المساعدة المطلوبة، وجاء فيها – في مختلف بنودها – طلب الجانب -------- من الجانب الكويتي إمداده بالمعلومات والمستندات التي تتضمن كشوف الحسابات وحركة الأرصدة وسماع الشهود واستجوابهم وإبلاغهم بإمكانية سفرهم إلى ------ لسماع شهادتهم أو استجوابهم.

هذا هو كل ما جاء في خطاب النائب العام، وليس فيه – لا من قريب ولا من بعيد – ولا في الاتفاقية الدولية التي يستند إليها الجانب --------- – لا من قريب ولا من بعيد – إلى وجود (إنابة قضائية)، وكل ما في الأمر هو فقط (مساعدة قانونية متبادلة) لجميع المعلومات والاستدلات والتحريات وتقديم مستندات وسماع شهود واستجواب مشتبه فيهم، وكافة إجراءات وأعمال الاستدلات والتحقيق الابتدائي، بل نص الخطاب بنص صريح قاطع الدلالة على أن هذا الطلب (المقدم من الجانب -----------) لا يتعلق لا بالتحقيق، ولا بمحاكمة، ولا بمعاقبة أي شخص يكون قد قام بعمل (أو امتنع عن عمل)، إذا وقع منه، فإنه يشكل جريمة يعاقب عليها القانون الكويتي.

فعلى أي أساس قانوني كيفت النيابة العامة خطاب طلب المساعدة المتبادلة المقدمة من الجانب ---------- على إنها (إنابة قضائية)؟؟!!

علماً بأن مسألة التكييف، هي مسألة قانونية، تخضع لرقابة عدالة المحكمة لتقول كلمتها الفصل بشأنها.

وإذا كان خطاب الجانب --------- هو طلب مساعدة متبادلة، وليس إنابة قضائية، ولم يشر فيها لا من قريب ولا من بعيد إلى وجود جريمة أصلية ينظرها القضاء --------، فمن أين استقت النيابة العامة وجود مثل هذه المحاكمة الوهمية التي لا أساس لها إلا في مخيلة محرر قرار الاتهام؟؟!!

وإذا لم يبن من خطاب النائب العام ------- وجود محاكمة قضائية جزائية متداولة أمام القضاء --------، فعلى أي أساس قدمت النيابة العامة المتهم الأول للمحاكمة بتهمة غسل أموال، بزعم وجود جريمة أصلية (وهي مفترض أساسي لجريمة غسل الأموال)؟؟!!

 

ثالثاً- انتفاء جريمة غسل الأموال المسندة إلى المتهم الأول بكافة أركانها وعناصرها القانونية وانحسارها عن الأوراق ركناً ودليلاً:

أركان جريمة غسل الأموال:

القاعدة العامة للجرائم أن الجريمة تقوم على ركنين أساسيين متفق عليهما، وهما الركن المادي والركن المعنوي، وهناك ركن ثالث يختلف فيه في الفقه وهو الركن الشرعي، لكن بعض الجرائم تتسم بطبيعة خاصة ومن هذه الجرائم جريمة غسيل الأموال، إذ تعد جريمة أثر أو نتيجة لجريمة سابقة، فهي تفترض لقيامها جريمة أولية لقيامها وينتج عنها أموال غير مشروعة تقع عليها عملية الغسل.

 

لذا تتطلب (4) أربعة أركان، هي:

(1)         الركن المفترض الجريمة الأولية:

تحديد الجريمة الأصلية التي يكمن وراءها عملية غسل الأموال وقد تكون إرهاب، أو تمويل إرهاب أو تجارة بشر أو مخدرات أو فساد ورشوة، والخلاصة هنا أن القانون الكويتي لا يشترط الإدانة في الجريمة الأصلية لقيام جريمة غسل الأموال ولكن لا مناص من إثبات النيابة العامة وقوع جريمة أصلية (سابقة)، فهذه الجريمة الأصلية ركن مفترض في جريمة غسل الأموال.

فمن المقرر قانوناً، ووفقاً لحكم المحكمة الدستورية:

"... إن النص المطعون فيه [نص المادة 2 من القانون رقم 106 لسنة 2013 بشأن غسل الأموال] لا يسوغ تفسيره بأنه أعفى النيابة العامة من إثبات وقوع الجريمة الأصلية مصدر الأموال غير المشروعة، أو أنه أجاز إدانة المتهم بارتكاب جريمة غسل الأموال على الرغم من انتفاء تلك الجريمة الأصلية، إذ أن هذا الفهم لا يستقيم مع صراحة ما تضمنه ذلك النص من أنه "وعند إثبات أن الأموال هي متحصلات جريمة ..."، مما لازمة أن إثبات وقوع جريمة، وأن الأموال محل الغسل هي من متحصلاتها، يُعد مفترضاً أولياً لا تقوم جريمة غسل الأموال بغيره، وبالتالي يجب على النيابة العامة أن تقيم الدليل على أن الأموال محل الغسل هي أموال غير مشروعة متحصلة من جريمة، كما يكون على المحكمة أن تتحقق بنفسها على ضوء تقديرها للأدلة التي تطرح عليها من قيام تلك الجريمة بكامل أركانها وعناصرها. متى كان ما تقدم، فإن النص المطعون فيه لا يكون قد أهدر أصل البراءة، ولا يكون قد أعفى النيابة العامة من التزامها بإثبات الجريمة الأصلية والأموال غير المشروعة المتحصلة منها، كما إنه لم يجز إدانة المتهم بغسل الأموال دون تحقق هذا الإثبات يقيناً، ومن ثم يضحى الادعاء بعدم دستوريته على غير أساس".

(في الطعن رقم 1/2020 "طعن مباشر دستوري" – جلسة 24/3/2021)

وقد جرى قضاء المحكمة الدستورية على أنه:

"... توسع المشرع في تحديد الجرائم التي تُعد مصدراً للأموال غير المشروعة والتي يمكن أن تكون محلاً لجريمة غسل الأموال، فاعتبر في المادة (1) من القانون (رقم 106 لسنة 2013 في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب) أن الجريمة الأصلية هي "كل فعل يُشكل جريمة بموجب القوانين في دولة الكويت ..."؛ وعرَّف في المادة (2) جريمة غسل الأموال وحدد ماهية الأفعال التي إن ارتكبها الجاني كان مرتكباً لهذه الجريمة، وجعل مناط تجريمها أن يعلم الجاني أن الأموال متحصلة من جريمة ويقوم عمداً بأحد الأفعال التي حددتها المادة بغرض إخفاء المصدر غير المشروع لتلك الأموال، أو مساعدة مرتكب الجريمة الأصلية على الإفلات من عواقب فعلته، أو اكتساب الأموال أو حيازتها أو استخدامها، وبما مؤداه أن جريمة غسل الأموال لا تقوم إلا إذا ارتكبت جريمة أصلية يتحصل منها على أموال غير مشروعة تكون هي محل جريمة الغسل".

(الطعن رقم 3 /2019 "طعن مباشر دستوري" – جلسة 24/3/2021م)

 

(2)         محل جريمة غسل الأموال (المال غير المشروع):

لا يكفي لقيام جريمة غسل الأموال ارتكاب الجاني للجريمة الأصلية مصدر المال غير المشروع، لكن يجب أن ينتج منها مال غير مشروع يكون بمنزلة الموضوع الذي ينصب عليه الفعل الإجرامي في جريمة غسل الأموال، وبناءً عليه تطبق عقوبة غسيل الأموال في الكويت.

(3)         الركن المادي:

وهو إجراءات غسل الأموال نفسها ويمكن النظر له من جانبين:

-        صور الجريمة الأساسية لجريمة غسل الأموال (مخدرات، اختلاس، إرهاب).

-        صور السلوك الإجرامي الممهد لجريمة غسل الأموال (كيفية تحويل الأموال غير الشرعية إلى أموال شرعية والصور التي يتم بها ذلك من تعاملات مع بنوك ومكاتب صرافة وشركات شحن).

 

(4)         الركن المعنوي:

فجريمة غسيل الأموال جريمة عمدية بالمقام الأول تقوم على قصد ونية صاحبها وإدراكه بما يفعله ومع ذلك يكمل فيه، فالركن المعنوي لجريمة غسل الأموال ينظر له بتحقق الآتي:

-        علم المتهم بأن مصدر هذه الأموال غير شرعي.

-        القصد العام لدى المجرم باستكمال الجريمة بعد علمه بالحقيقة.

-        توافر القصد الجنائي الخاص، أي علم المتهم بأدق تفاصيل وبيانات هذه الأموال.

ولا تعامل الجريمة بأنها غسل أموال إلا بعد التيقن من توافر هذه الأركان كافة فيها، ومن ثَمّ تطبق عقوبة غسيل الأموال في الكويت.

 

عدم توافر أركان جريمة غسل الأموال وخلو الاوراق من ثمة دليل قبل المتهم الأول لانتفاء ركنيها المادي والمعنوي، فضلاً عن انتفاء الركن المفترض (الجريمة الأصلية):

لما كان من المتعين أنه حتى تصلح القرينة دليلاً في الإثبات يجب التأكد من وضوح القرينة المعلومة، لأنها تتخذ مناطاً للواقعة المجهولة، كما يلزم استنتاجها بشكل سليم، ووفق عملية منطقية، وينبغي أن تكون القرائن متسقة مع بعضها البعض لا تنافر بينها ولا تضارب.

لما كان ذلك، وكان المشرع قد حرص في صدر المادة (الأولى) من القانون رقم 106 لسنة 2013 في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بإيراد التعريفات الأساسية التالية، فعرف كل منها على النحو التالي:

غسل الأموال: أي فعل من الأفعال المنصوص عليها في المادة (2) من هذا القانون.

الجريمة الأصلية: كل فعل يشكل جريمة بموجب القوانين في دولة الكويت، كما تشمل أي فعل يرتكب خارج دولة الكويت، إذا كان يشكل جريمة وفقاً لقوانين الدولة التي ارتكب فيها ووفقاً لقوانين دولة الكويت.

متحصلات الجريمة: أموال تنشأ أو تحصل - بصورة مباشرة أو غير مباشرة- من ارتكاب جريمة أصلية، وتشمل ما تدره هذه الأموال من أرباح، أو فوائد، أو ريع، أو أي ناتج آخر، سواء بقيت على حالها أو تحويلها كلها أو بعضها إلى أموال أخرى.

كما حددت المادة (2) من القانون سالف الذكر، الأفعال المؤثمة قانوناً – بوصفها تشكل جريمة غسل الأموال – بنصها على أنه:

"يُعد مرتكباً لجريمة غسل الأموال كل من عَلِم أن الأموال متحصلة من جريمة، وقام عمداً بما يلي:

أ‌)            تحويلها أو نقلها أو استبدالها، بغرض إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع لتلك الأموال، أو مساعدة أي شخص ضالع في ارتكاب الجرم الأصلي التي تحصلت منه الأموال، على الإفلات من العواقب القانونية لفعلته.

ب‌)          إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للأموال، أو مصدرها، أو مكانها، أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها.

ج‌)            اكتساب الأموال أو حيازتها أو استخدامها.

ويكون الشخص الاعتباري مسؤولاً عن أية جريمة تنص عليها أحكام هذه المادة، إذا ارتكبت باسمه أو لحسابه.

ولا تحول معاقبة مرتكب الجريمة الأصلية دون معاقبته عن أي جريمة أخرى من جرائم غسل الأموال.

وعند إثبات أن الأموال هي متحصلات جريمة، فليس من اللازم أن يكون قد تم إدانة شخص بارتكاب الجريمة الأصلية".

كما تنص الفقرة (الأولى) من المادة (28) من القانون المشار إليه، على أنه:

"يُعاقب بالحبس مدة لا تجاوز عشر سنوات وبغرامة لا تقل عن نصف قيمة الأموال محل الجريمة ولا تجاوز كامل قيمتها، كل من إرتكب إحدى جرائم الأموال المنصوص عليها في المادة (2) من هذا القانون، إذا كان قد عَلِمَ بأن تلك الأموال والأدوات متحصلة من الجريمة".

وكان من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية على أنه:

"وحيث إنه من المقرر – في قضاء هذه المحكمة – أن أصل البراءة الذي كفله الدستور في المادة (34) منه، مؤداه افتراض البراءة فيما يتعلق بالتهمة الجنائية من ناحية إثباتها، ومقتضى هذا الأصل هو درء وطأة العقوبة عن الفرد كلما كانت الواقعة الإجرامية قد أحاطت بها الشبهات، ولازم ذلك أنه يجب على النيابة العامة أن تقيم الدليل على قيام تلك في كل ركن من أركانها، ولا يجوز التحلل من عبء الإثبات الواقع على كاهلها فيها.

       وحيث إن القانون رقم (106) لسنة 2013 في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، قد استهدف به المشرع – وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون – القضاء على تلك النوعية من الجرائم التي تضر بالاقتصاد الوطني وتضرب جذوره، ومواكبة ما لحق هذه الجرائم من تطورات على مستوى المؤسسات والأشخاص والمنظمات، بسبب ظهور ملامح جديدة تسود حركة رأس المال بين الأقطار المختلفة، ولتفعيل ما صدر عن منظمة الأمم المتحدة من اتفاقيات لمكافحة الجريمة المنظمة ومكافح الفساد وتحقيق الغاية المرجوة منه، لذلك اعتبر المشرع – في المادة (2) من القانون – جريمة غسل الأموال هي جريمة عمدية، تتحقق بعلم الجاني أن الأموال متحصلة من جريمة، وقيامه عمداً بأحد الأفعال التي حددتها المادة بغرض إخفاء المصدر غير المشروع لتلك الأموال، أو مساعدة مرتكب الجريمة الأصلية على الإفلات من عواقب فعلته، أو اكتساب الأموال أو حيازتها أو استخدامها، وبما مؤداه أن جريمة غسل الأموال لا تقوم إلا إذا ارتكبت جريمة أصلية يُتحصل منها على أموال غير مشروعة تكون هي محل جريمة الغسل، وباعتبار هذه الجريمة هي جريمة عمدية فإنه يتعين أن يقوم الدليل على كافة العناصر الواقعية والقانونية لها، ومنها وجود أموال غير مشروعة متحصلة من الجريمة الأصلية، وعلم الجاني بذلك، وانصراف إرادته إلى ارتكاب السلوك الإجرامي سالف البيان، وإلى إحداث النتيجة المترتبة عليه. ... وبالترتيب على ذلك، فإن النص المطعون فيه لا يسوغ تفسيره بأنه أعفى النيابة العامة من إثبات وقوع الجريمة الأصلية مصدر الأموال غير المشروعة، أو أنه قد أجاز إدانة المتهم بارتكاب جريمة غسل الأموال على الرغم من انتفاء تلك الجريمة الأصلية، إذ أن هذا الفهم لا يستقيم مع صراحة ما تضمنه ذلك النص من أنه "وعند إثبات أن الأموال هي متحصلات جريمة ..."، مما لازمه أن إثبات وقوع جريمة، وأن الأموال محل الغسل هي من متحصلاتها، يُعد مُفترضاً أولياً لا تقوم جريمة غسل الأموال بغيره، وبالتالي يجب على النيابة العامة أن تقيم الدليل على أن الأموال غير مشروعة متحصلة من جريمة، كما يكون على المحكمة أن تتحقق بنفسها – على ضوء تقديرها للأدلة المطروحة عليها – من قيام تلك الجريمة بكامل أركانها وعناصرها ...".

(الطعن رقم 1/2020 "طعن مباشر دستوري" – جلسة 24/3/2021)

هذا، ومن المقرر في قضاء التمييز أن:

"النص في المادة الثانية من القانون رقم 35 لسنة 2002 في شأن مكافحة عمليات غسيل الأموال الذي حصلت واقعة الدعوى في ظل سريان أحكامه - وقبل إلغائه واستبداله بالقانون رقم 106 لسنة 2013 في شأن مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب الصادر في 8/5/2013 والمعمول به اعتبارا من 26/5/2013 على أنه يُعد مرتكباً لجريمة غسيل الأموال كل من ارتكب أحد الأفعال الآتية أو شرع في ارتكابها: (1) إجراء عملية غسيل الأموال مع العلم بأنها متحصل عليها من جريمة أو متحصل عليها من فعل من أفعال الاشتراك فيها. (2) نقل، أو تحويل، أو حيازة، أو إحراز، أو استخدام، أو احتفاظ، أو تلقي أموال مع العلم بأنه متحصل عليها من جريمة أو متحصل عليها من فعل من أفعال الاشتراك فيها. (3) إخفاء، أو تمويه حقيقة الأموال، أو مصدرها، أو مكانها، أو طريقة التصرف فيها، أو حركتها، أو الحقوق المتعلقة بها، أو ملكيتها مع العلم بأنها متحصل عليها من جريمة أو متحصل عليها من فعل من أفعال الاشتراك فيها؛ مما مفاده أن الركن المادي لجريمة غسيل الأموال يتحقق متى ارتكب الجاني أحد الأفعال المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من هذه المادة، كما يتوافر القصد الجنائي فيها باتجاه إرادة الجاني إلى القيام بأي من تلك الأفعال بقصد غسيل الأموال - موضوعها - وإظهارها في صورة أموال أو عائدات متحصل عليها من مصدر مشروع، مع العلم بأنها متحصل عليها من جريمة أو من فعل من أفعال الاشتراك فيها؛ وتقدير توافر ذلك أو نفيه، هو مما تستقل به محكمة الموضوع حسبما تستخلصه من ظروف الدعوى وعناصرها، مادام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستخلاص".

(الطعن بالتمييز رقم 795 لسنة 2013 جزائي – جلسة 8/2/2015)

كما جرى قضاء التمييز على أن: "النص في المادة الثانية من القانون رقم 35 لسنة 2002 في شأن مكافحة عمليات غسيل الأموال على أنه: يُعد مرتكباً لجريمة غسيل الأموال كل من ارتكب أحد الأفعال الآتية أو شرع في ارتكابها:

-        إجراء عملية غسيل الأموال مع العلم بأنها متحصل عليها من جريمة أو متحصل عليها من فعل من أفعال الاشتراك فيها.

-        نقل، أو تحويل، أو حيازة، أو إحراز، أو استخدام، أو احتفاظ، أو تلقى أموال مع العلم بأنه متحصل عليها من جريمة أو متحصل عليها من فعل من أفعال الاشتراك فيها.

-        إخفاء، أو تمويه حقيقة الأموال، أو مصدرها، أو مكانها، أو طريقة التصرف فيها، أو حركتها، أو الحقوق المتعلقة بها، أو ملكيتها مع العلم بأنها متحصل عليها من جريمة أو متحصل عليها من فعل من أفعال الاشتراك فيها.

مفاده أن الركن المادي لجريمة غسيل الأموال يتحقق متى ارتكب الجاني أحد الأفعال المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من هذه المادة.

"كما يتوافر القصد الجنائي فيها باتجاه إرادة الجاني إلى القيام بأي من تلك الأفعال بقصد غسيل الأموال - موضوعها - وإظهارها في صورة أموال أو عائدات متحصل عليها من مصدر مشروع، مع العلم بأنها متحصل عليها من جريمة أو من فعل من أفعال الاشتراك فيها.

وتقدير توافر ذلك أو نفيه، هو مما تستقل به محكمة الموضوع حسبما تستخلصه من ظروف الدعوى وعناصرها، مادام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستخلاص".

(الطعن بالتمييز رقم 493 لسنة 2009 جزائي – جلسة 9/2/2010)

(الطعن بالتمييز رقم 612 لسنة 2009 جزائي – جلسة 29/6/2010)

(الطعن بالتمييز رقم 187 لسنة 2008 جزائي – جلسة 16/9/2008)

كما تواتر قضاء التمييز على أن:

"النص في المادة الثالثة من القانون رقم 106 لسنة 2013 في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على أنه "يُعد مرتكباً لجريمة الإرهاب كل من قام أو شرع بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بإرادته وبشكل غير مشروع بتقديم أو جمع الأموال بنية استخدامها لارتكاب عمل إرهابي، أو مع علمه بأنها ستستخدم كلياً أو جزئياً لهذا العمل، أو لصالح منظمة إرهابية أو لصالح شخص إرهابي، وتعتبر أي من الأعمال الواردة في الفقرة السابقة جريمة تمويل إرهاب، حتى لو لم يقع العمل الإرهابي أو لم تستخدم الأموال فعلياً لتنفيذ أو محاولة القيام به أو ترتبط الأموال بعمل إرهابي معين أياً كان البلد الذي وقعت فيه محاولة العمل الإرهابي"، مفاده أن الركن المادي لجريمة تمويل الإرهاب يتحقق متى ارتكب الجاني أحد الأفعال المنصوص عليها في هذه المادة، كما يتوافر القصد الجنائي فيها باتجاه إرادة الجاني إلى القيام بأي من تلك الأفعال بقصد ارتكاب عمل إرهابي مع العلم باستخدامها كلياً أو جزئياً لهذا العمل أو لصالح منظمة إرهابية أو شخص إرهابي؛ وتقدير توافر ذلك أو نفيه هو مما تستقل به محكمة الموضوع حسبما تستخلصه من ظروف الدعوى وعناصرها مادام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستخلاص".

(الطعن بالتمييز رقم 1131 /2015 جزائي /1 – جلسة 19/2/2017)

لما كان ما تقدم، وكان الأصل أنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجزائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عبارتها فوق ما تحتمل، وأنه متى كانت عبارة النص واضحة لا لبس فيها فإنه يجب أن تُعد تعبيراً صادقاً عن إرادة الشارع ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أيا كان الباعث على ذلك، كما أنه لا محل للاجتهاد إزاء صراحة القانون الواجب تطبيقه.

ولما كان المشرع قد حرص علي تحديد الركن المادي لجريمة غسل الأموال عن طريق الحصر ومحدداً لمفهومها وعناصرها المادية التي تتلخص في اعتبارها مجموعة من العمليات المالية أو غير المالية تهدف الي إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال أو عائدات أي جريمة وإظهارها في صورة أموال أو عائدات متحصله من مصدر مشروع .

ولما كان المتهم الأول قد أقر في التحقيقات إن المبالغ المحولة له من الحكومة الصينية إنما هو نظير العقد المبرم بينهما، وقد استفسر البنك ذاته من الجانب الصيني عن تلك التحويلات فأفاده بأنه نظير العقد المبرم مع المتهم الأول، علماً بأن المتعاقد مع المتهم الأول في ذلك العقد سند التحويل هي جهة حكومية رسمية (وليست تشكيل عصابي إجرامي).

الأمر الذي ينتفي معه عنصر التمويه والإخفاء المكون الرئيسي للجريمة لارتباط تلك التحويلات، فينتفي معه الركن المادي لغسل الأموال، فضلاً عن انتفاء الركن المفترض (الجريمة الأصلية). بما ينتفي معه فعل التمويه والإخفاء لمصدر هذه الأموال أو طريقة التصرف بها، وينتفي معه الركن المادي للجريمة المسندة للمتهم الأول زوراً وبهتاناً.

الأمر الذي ينهدم معه إسناد الاتهام حيث خلت أدلة ثبوت الاتهام ضد المتهم الأول من دليل يعول عليه.

كما إنه من المقرر أنه لا يكفى لإدانة المتهم مجرد إثبات الفعل وإنما يجب بالإضافة إلى ذلك إثبات أن هذا الفعل كان بمحض إرادته وعلمه اي ارتكبه عمداً وقصداً.

ولما كان قوام توافر جريمة غسل الأموال يرتكن علي توافر العلم بأن مصدر تلك الأموال التي تم تحويلها متحصلة من جريمة أو الاشتراك فيهاـ وقد خلت أوراق الدعوي مما يفيد توافر العلم اليقيني لدي المتهم الأول.

ولا شك أن المشرع قد تعمد وضع عبارة (كل من علِم) مع نصوص التجريم لواقعة غسل الأموال لاتخاذ الحذر والحيطة عند إسناد الاتهام وعدم التوسع في تفسير أو تأويل النصوص الجزائية، الأمر الذي يتعين معه إثبات توافر العلم اليقيني لا أن يفترض لمجرد حيازة هذا المال، وهو الأمر الذي لا يتوافر في حق المتهم الأول.

كما إنه من المقرر أن الدفع (بعدم العلم) يوجب علي المحكمة أن تورد في حكمها ما يثبت توافره فعلياً لا افتراضياً، وان القول بغير ذلك فيه إنشاء لقرينة قانونية لا سند لها من القانون مبناها افتراض العلم وهو مالا يمكن إقراره قانوناً مادام القصد الجنائي من أركان الجريمة ويجب أن يكون ثبوته فعلياً لا افتراضياً.

لما كان الثابت من تقرير الاتهام أن النيابة العامة قد أسندت الاتهام إلي المتهم الأول بجريمة غسل الأموال استناداً إلى ما أسمته (الإنابة القضائية -----------)، وقد سبق بيان عدم صحة هذا الاستناد، على النحو المبين آنفاً.

وحيث أن هذا الاتهام الباطل، ولم يشفع بالبينة العادلة، بما مؤداه انحسار الدليل على صحة الاتهام، الأمر الذي يؤكد علي انتفاء كافة أركان جريمة غسل الأموال وعدم اشتراكه معه في الجريمة المسندة إليه، بما يتعين براءته من جريمة غسل الأموال لانتفاء أركانها جميعها. فتضحى التهمة المحمول على المتهم الأول اقترافها بعيدة عن دليل الإسناد الذى يجوز أن يساق به إلى العقاب، ولا يبقى في الأوراق إلا الأصل المفترض في المتهم وهو البراءة .

لا سيما وأنه من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية أنه:

"لما كان المشرع قد أنشأ بموجب المادة (16) المطعون فيها، وحدة تسمى (وحدة التحريات الماليةتكون لها شخصية اعتبارية مستقلة، وجعلها الجهة المسئولة عن تلقي وطلب وتحيل وإحالة المعلومات المتعلقة بما يُشتبه أن يكون عائدات متحصلة من جريمة أو أموال مرتبطة بها أو لها علاقة بها أو يمكن استعمالها للقيام بعمليات غسل أموال أو تمويل إرهاب، ويكون لهذه الوحدة – وفقاً للمادة (18) من القانون – صلاحية الحصول من المؤسسات المالية الملتزمة بالإخطار عن العمليات المُشتبه فيها، على أية معلومات إضافية ترى أنا ضرورية لأداء مهامها، وكذلك الحصول على هذه المعلومات من الجهات المختصة وأجهزة الدولة، فإن مؤدى ذلك أن ما تقوم به هذه الوحدة لا يعدو أن يكون من إجراءات الاستدلال لتحقق من الشبهات المثارة بشأن معاملة من المعاملات، وما قد تنطوي عليه من ارتكاب جريمة غسل أموال أو تمويل إرهاب، أما إجراءات التحقيق في تلك الجرائم فهي من اختصاص النيابة العامة وحدها دون غيرها، إذ تلتزم الوحدة المشار إليها – إذا توافرت لها دلائل معقولة على جدية الشبهات المثارة – بإبلاغ النيابة العامة لاتخاذ إجراءاتها في هذا الخصوص، ولا يكون التحفظ على الأموال محل هذه الجرائم أو الحجز عليها إلا بأمر من النائب العام أو من يفوضه ...".

(الطعن رقم 3 /2019 "طعن مباشر دستوري" – جلسة 24/3/2021)

فدور وحدة التحريات المالية – كما جاء في قضاء المحكمة الدستورية – إنما يقتصر فقط على: (إجراءات الاستدلال التي تتمثل في تلقي الإخطارات، وطلب المعلومات، وتحليلها، وإحالتها لجهة التحقيق).

ومن ثم، فإنه يجري عليها ما يجري على كافة إجراءات الاستدلال، والتي تواتر قضاء التمييز الجزائي بشأنها على أنه:

       "تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار إذن التفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع".

(الطعن بالتمييز رقم 11 لسنة 2001 جزائي – جلسة 22/5/2001)

(الطعن بالتمييز رقم 510 لسنة 2008 جزائي – جلسة 23/6/2009)

كما جرى قضاء التمييز على أنه:

"من المقرر أن تقدير قوة الدليل وكفايته للقبض على المتهم هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها بداءةً لرجل الشرطة على أن يكون تقديره خاضعاً لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع - وفق الوقائع المعروضة عليها - بغير معقب مادامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها في حكمها".

(الطعن بالتمييز رقم 793 لسنة 2001 جزائي – جلسة 29/4/2003)

لما كان ما تقدم، وكان المقصود بكافية الأدلة هو توافر اليقين التام للإدانة لا مجرد ترجيح وقوع الجريمة، فالأحكام لا تبنى على الظن والتخمين، بل علي الجزم واليقين، لذا فإنه - في المحاكم الجزائية - يكفى أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكى يقضى بالبراءة متى داخله الشك في عناصر الاثبات أو لعدم كفاية الادلة أو عدم توافر أركان الجريمة، مادام أنه محص وفحص أوراق الدعوى عن بصر وبصيرة وأحاط بكافة جوانبها.

حيث جرى قضاء التمييز على أن:

"العبرة في المحاكمات الجزائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، وكان من المقرر أنه يكفي في تلك المحاكمات أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة، مادام الظاهر في حكمها أنها محصت الدعوى وأحاطت بكل ظروفها وبأدلة الثبوت فيها عن بصر وبصيرة، ووازنت بينها وبين أدلة النفي، فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات، وأقامت قضاءها على أسباب تحمله، وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها، وحسبها أنها أبانت في حكمها إحاطتها بالدعوى وظروفها، ولا يعيبها أن تكون قد أغفلت الرد على بعض أدلة الاتهام لأن في إغفال التحدث عن بعضها ما يفيد ضمناً أنها أطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المتهم".

(الطعن بالتمييز رقم 635 لسنة 2012 جزائي – جلسة 26/4/2015)

 

رابعاً- انتفاء جريمة التزوير في محررات عرفية المسندة إلى المتهم الأول بكافة أركانها وعناصرها القانونية وانحسارها عن الأوراق ركناً ودليلاً:

لما كان من المقرر قانوناً، وفقاً لما نصت عليه المادة (257) من قانون الجزاء بأنه:

"يُعد تزويراً كل تغيير للحقيقة في محرر بقصد استعماله على نحو يوهم بأنه مطابق للحقيقة، إذا كان المحرر بعد تغييره صالحاً لأن يستعمل على هذا النحو، ويقع التزوير إذا اصطنع الفاعل محرراً ونسبه إلى شخص لم يصدر عنه، أو أدخل تغييراً على محررٍ موجود، سواء بحذف بعض ألفاظه أو بإضافة ألفاظ لم تكن موجودة أو بتغيير بعض الألفاظ، أو وضع إمضاء أو خاتم أو بصمة شخص آخر عليه دون تفويض من هذا الشخص، أو حمل هذا الشخص عن طريق التدليس على وضع إمضائه أو خاتمه أو بصمته على المحرر دون علم بمحتوياته، أو دون رضاء صحيح بها، ويقع التزوير أيضاً إذا غيّــر الشخص المكلّف بكتابة المحرر معناه أثناء تحريره بإثباته فيه واقعة غير صحيحة على أنها واقعة صحيحة".

وكان من المقرر في قضاء التمييز أن:

"القانون لم يحدد طريقة معينة لإثبات دعاوى التزوير، وللمحكمة أن تكوّن عقيدتها فيها مما تطمئن إليه من أدلة وعناصر في الدعوى دون التقيد بدليل معين، ولها أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليها اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بها، مادام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق، ولها أصلها في الأوراق، كما أن وزن أقوال الشهود وتعويل القضاء عليها مرجعه إلى محكمة الموضوع".

(الطعن بالتمييز رقم 36 لسنة 1988 جزائي ــــ جلسة 11/4/1988)

كما أنه من المستقر عليه:

"إن جريمة التزوير المنصوص عليها في المادة (257) من قانون الجزاء تتحقق بتعمد تغيير الحقيقة في المحرر بإحدى الوسائل التي نص عليها القانون وأن يكون التغيير من شأنه أن يولّد الاعتقاد بأنه مطابق للحقيقة، وبنية استعمال المحرر فيما غــُـيرت الحقيقة من أجله وبصرف النظر على الباعث على ذلك، حتى ولو لم يتحقق ضررٌ يلحق شخصاً بعينه".

(الطعن بالتمييز رقم 242 لسنة 1985 جزائي ـــ جلسة 20/1/1986)

ومن المقرر أيضاً:

"إنه لا يكفي للعقاب أن يكون الشخص قد غيّر الحقيقة في المحرر؛ بل يجب أن يكون التغيير قد وقع في بيان جوهري من البيانات التي أعد المحرر لإثباتها، وأنه ليس كل تغيير للحقيقة في محرر ــ رسمياً أو عرفياً ــ يعتبر تزويراً".

(الطعن بالتمييز رقم 69 لسنة 1987 جزائي ــ جلسة 13/4/1987)

كما أن:

"القصد الجنائي في جريمة التزوير يتحقق بمجرد تغيير الحقيقة في المحرر بإحدى الوسائل التي نص عليها القانون في المادة (257) من قانون الجزاء تغييراً من شأنه أن يولّـد الاعتقاد بأنه مطابق للحقيقة وبنية استعمال المحرر فيما غيّرت من أجله الحقيقة فيه، وبصرف النظر عن الباعث على ذلك، وأن تقدير قيام هذا القصد أو عدم قيامه يعد مسألة متعلقة بالوقائع تفصل فيها محكمة الموضوع بلا معقب".

(الطعن بالتمييز رقم 2004 لسنة 2000 جزائي ــ جلسة 16/1/2001)

وحيث إنه متى كان ذلك، وكانت جريمة التزوير تستند إلى تغيير الحقيقة في بيان جوهري، في محرر بإحدى الطرق التي نص عليها القانون، فإن تلك الجريمة لا تنهض إلا إذا توافر لها شرطان مفترضان، هما: شرط (المحرر) وشرط (البيان الجوهري).

الشــــرط الأول:

المحرر: وهو كلمات منسوب صدورها إلى شخص معين تثبت مركزاً قانونياً أو تثبت علاقة معينة بشخص معين، وعلى ذلك فإن الورقة لا تكون محرراً في مفهوم جريمة التزوير، إلا إذا كان صدورها منسوباً إلى شخص معين.

 

الشرط الثاني:

البيان الجوهري: إذ لا يكفي لوقوع جريمة التزوير أن يحدث تغيير للحقيقة وأن يرد ذلك على المحرر فتتغير الحقيقة أحياناً لا يشكل جريمة التزوير متى كان وارداً على بيان ثانوي في المحرر، إذ إنه من المبادئ المستقرة أنه ليس كل تغيير في الحقيقة تزويراً متى دُوّن على ورقة لا يتوافر فيها صفة المحرر، وعلى بيان ثانوي في ذلك المحرر، فمن اللازم أن يرد التزوير على بيان جوهري في المحرر حتى تقع الجريمة، وهذا ما استقرت عليه أحكام محكمة التمييز على النحو آنف البيان.

وعلى ذلك فإن البيان يعتبر جوهرياً إذا كان المحرر معداً لإثبات هذا البيان، ومؤدى ذلك أنه من اللازم تحديد ما إذا كان المحرر منذ إعداده مقصوداً به إثبات هذا البيان أم لا، وعلى ذلك فإنه يلزم لثبوت جريمة التزوير توافر أركانها وعناصرها القانونية؛ وهي كالآتي:

(1)   الركــــن المــــــادي:

وهذا الركن يتمثل في النشاط الذي يقوم به الجاني في تغيير الحقيقة؛ وذلك بإحدى الطرق التي نص عليها القانون، ويضاف إليه احتمال حدوث الضرر.

كما أنه من المستقر عليه قانوناً أنه: "لا تقع جريمة التزوير إلا إذا كان الفاعل في جريمة التزوير منتوياً استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله"، إذ نصت المادة (257) من قانون الجزاء على هذا الشرط على أنه: "يعد تزويراً للحقيقة في محرر بقصد استعماله على نحو يوهم بأنه مطابق للحقيقة، إذا كان المحرر بعد تغييره صالحاً لأن يستعمل على هذا النحو".

 

(2)   الركن المعنوي:

ذلك أن جريمة التزوير من الجرائم العمدية التي لا تقوم إلا بتوافر القصد الجنائي، أي العلم والإرادة ولا يُكتفى بالقصد الجنائي العام، بل إنه يلزم توافر قصد جنائي خاص لوقوع التزوير.

وقد استقرت محكمة التمييز على ذلك، وأكدت على أن:

"القصد الجنائي في جريمة التزوير يتحقق متى تعمد الجاني تغيير الحقيقة في المحرر بطريقة من الطرق التي نص عليها القانون مع انتواء استعمال المحرر في الغرض الذي من أجله غيرت الحقيقة".

(مجموعة القواعد التي قررتها محكمة التمييز ـــ يناير 1994

ــ صـ 135 ــ تمييز جلسة 1/12/1986)

لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق وما خلصت إليه التحقيقات من دلائل ثابتة بالوقائع موضوع هذا الاتهام ووجوهها القانونية والتي لا يمكن معها أن تطمئن المحكمة الموقرة إلى أدلة الثبوت التي ساقتها النيابة العامة في إسناد هذا الاتهام إذ إن الدليل الوحيد القائم في الأوراق والمتمثل في تحريات المباحث والتي استند مجريها إلى ما ورد بتقرير لجنة تقصي الحقائق وتلك التحريات لا تصلح وحدها لأن تكون دليلاً على ثبوت ذلك الاتهام قِبل المتهم الأول والذي أنكر هذا الاتهام منذ فجر التحقيقات.

ونوالي في البند التالي بيان بطلان تلك التحريات وعدم جديتها وعدم كفايتها كدليل لثبوت الاتهام، وذلك على النحو التالي:

 

خامساً- الدفع ببطلان التحريات وبعدم جديتها وكفايتها كدليل لثبوت الاتهام:

       لما كان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها موكولاً إلى محكمة الموضوع بلا معقب؛ لأن ملاك الأمر كله متروك لها، وكان الثابت بالأوراق أنها خلت من دليلٍ يقيني على أن المتهم الأول ارتكب الواقعة المسندة إليه، إلا من أقوال ضابط المباحث وتحرياته على النحو سالف البيان، رغم إنكار المتهم الأول ذلك تماماً بالتحقيقات وأمام المحكمة.

لما كان ذلك، وكان من المقرر أن:

"تقدير جدية التحريات وكفايتها من الأمور الموضوعية التي تستقل به محكمة الموضوع بلا معقب عليها فيما ارتأته لتعلقه بالموضوع لا بالقانون".

(الطعن بالتمييز رقم 129 لسنة 2000 جزائي – جلسة 24/10/2000)

(الطعن بالتمييز رقم 191 لسنة 2001 جزائي – جلسة 30/10/2001)

وكان من المقرر أيضاً في قضاء التمييز أن:

"تحريات الشرطة لا تصلح وحدها لأن تكون دليلاً أساسياً على ثبوت الاتهام وهي لا تعدو أن تكون رأياً لمجريها يحتمل الصحة والخطأ".

(الطعن بالتمييز رقم 83 لسنة 2007 جزائي – جلسة 14/7/2008)

لما كان ذلك، وكان الثابت من التحقيقات أن المحقق – وبعد عرض وتفريغ البلاغ – قد طلب:

1)         حضور موظف وحدة التحريات المالية الكويتية المختص لسؤاله عن الواقعة موضوع البلاغ، على أن يكون مصحوباً بالمستندات المعززة لتقرير وحدة التحريات.

2)         مُخاطبة وكيل وزارة التجارة والصناعة لموافاته بنسخ من عقود تأسيس لشركات (--------) و (--------) و (---------).

3) مُخاطبة محافظ البنك الكويتي المركزي بالكشف عن الحسابات المصرفية لكل من: (شركة ---------) و (شركة --------) و (شركة ----------) و (شركة ---------) لدى بنوك: الخليج، والأهلي الكويتي، والبنك الصناعي -------، وكذا حساب (-------------).

 

·        وبتاريخ ---/---/------- مثل أمام المحقق المدعو/ --------------، المحلل المالي بوحدة التحريات المالية الكويتية.

·        وخلصت أقواله أمام السيد المحقق - وتحديداً في صـ 309 : 310 من التحقيقات - أن هناك شبهات بإتصال الأموال المحولة من --------- إلى شركة ----------- ولكن هذه الشبهات لا تزال طور البحث والتحري.

·        وفي موقع أخر بصـ 310 من التحقيقات، عندما سُئل عن معلوماته حول --------------------؟

أجاب: بـأنه ليس لديه معلومات مؤكدة حول هذا الموضوع وأن عمله بالوحدة يتعلق بمعلومات وأنها لا تزال حتى اليوم في طور جمعها ولا يمكن الجزم بصحة ما يشاع حول موضوع -------- سوى أنه يتصل بشبهات فساد. (وكانت تلك الأقوال أمام السيد المحقق بتاريخ ---/---/-----).

·        وبسؤال جامع التحريات (المقدم/ -------------- - ضابط إدارة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب) حول الواقعة أنه وبناءً على قرار النيابة العامة له والمؤرخ ---/---/----- والمتضمن طلب إستعجال التحريات في الواقعة محل المحاكمة:

·        أوضح مُجري التحريات أن تحرياته السرية دلت على أن المتهم ----------- و ------------ والمدعو/ ------------- خططوا في عام --------- للقيام بعمليات غسل أموال داخل دولة الكويت من خلال إنشاء شركات وهمية (شركة ----------)، (شركة ---------) بمعرفة المتهم ----------- وذلك لإستقبال الأموال المسروقة من السلطات -------------- على يد المتهم (--------).

·        وأكد مُجري التحريات أن المتهم (------) دخل إلى البلاد في تاريخ -----/----/-------- وكان الغرض من دخوله هو الاجتماع مع المتهمين لوضع آلية عن كيفية دخول الأموال وكيفية إضفاء الصفة الشرعية لها.

·        وآكد مُجري التحريات أنه قام بإعداد هذه التحريات من خلال سؤال بعض أطراف الواقعة والإطلاع على المستندات المتعلقة بالواقعة ومصدره السري الذي أمسك عن الإفصاح عنه للمحقق.

·        وأكد أيضاً أن التحويلات الواردة من -------- هي الأموال المسروقة من السلطات ------------ .

·        إلا أن هذه التحريات أثبتت الأوراق والتحقيقات عدم جديتها للأمور الأتية:

-        لأنه لو جدَّ الضابط في تحرياته لعلم حقيقة العلاقة التي تجمع المتهم الأول ------------ بالمتهم الرابع ----------- حيث تجمعهما علاقة عمل وشراكة منذ أكثر من عشرين عاماً إلا أن تحرياته جاءت خالية من هذه المعلومة مما يصم تحرياته بالقصور وعدم الجدية.

-        ولو جدَّ الضابط في تحرياته لعلم أن المتهم --------- ليس لديه مزرعة في العبدلي، وأن مكان اللقاء كان في إحدى الشاليهات التي يمكلها والد المتهم الأول في منطقة "العريفجان" وليس العبدلي.

-        ولو جدَّ لعلم أن الأموال المحولة لصالح شركة ---------- من --------- لا تخص -------------- بل إنها متحصلة من القرض الذي حصلت عليه (شركة ------------) من البنك ---------- .

-        لو جدَّ لعلم أن دخول السيد/ (-----) البلاد كان بسبب توسطه في بيع البنك التجاري الفيدرالي الكائن في جزر القمر والمملوك للمتهم -------- كما هو ثابت من أقوال المتهم أمام المحقق،

وهنا لا يمكن أن يزعم أن أحداً أطلع المتهم على محضر التحريات حتى يدلي بأقوال مخالفة لما سطره جامع التحريات في محضره.

ويكذب التحريات أيضاً أقوال المدعو/ -------- في قرار الحفظ (لطفاً، يرجى مراجعة حافظة مستنداتنا - مستند رقم "3") حيث قرر --------- أن هناك إتفاق على بيع بنك -------- في جزر القمر مع شخص أسيوي، وكان ذلك قبل ميلاد هذه القضية الأمر الذي يكذب جامع التحريات فيما سطره في محضره.

-        أضف إلى ذلك أن الاجتماع المزعوم كان في شهر إبريل عام ------.

-        وأن توجه رئيس وزراء ------- ومن بعده (--------) إلى -------- كان في شهر سبتمبر -------.

فكيف يستقيم القول أن التخطيط للإستيلاء على الأموال كان قبل ميلاد الاتفاق الحاصل بين ------- و ------- على مشاريع البنية التحتية ----------- بمعرفة وتنفيذ دولة ---------- ؟؟!!

-        بالإضافة إلى ما تقدم، فقد ما جاء بأقوال جامع التحريات في صـ 562 من التحقيقات، عندما سأله السيد المحقق:

س/ هل تقاضى المتهم المذكور (--------) ثمة فائدة من هذه الأفعال؟؟؟

ج/ لم تسفر تحرياتي عن تقاضي المذكور ثمة فائدة من عدمه. وعدم علم جامع التاحريات يشكل قصوراً في تحريه.

فهل يعقل أن تتوصل التحريات إلى خطوات التخطيط للجريمة وأدوار كل متهم فيها ولم تتوصل إلى الفائدة التي يتحصل عليها المتهم --------- ؟؟!!

-        أضف إلى ذلك عدم إفصاح الضابط عن مصدره السري، الأمر الذي يشكل شكاً وريبة في تحرياته، لأنه لو كان جاداً في تحرياته لأفصح عن مصدره السري، إلا أنه أمسك عنه خشية إستدعاءه أمام المحقق والمحكمة وينكشف أمر عدم جدية تحرياته.

-        وبتاريخ ---/---/------- أرسل السيد/ ---------- (رئيس وحدة التحريات المالية الكويتية بالإنابة) كتاباً إلى السيد المستشار/ -----------، وقد ناظرت النيابة العامة هذا الكتاب بتاريخ ----/----/------ وأرفقته بالتحقيقات.

وقد جاء في الكتاب أنه بناء على طلب المعلومات المرسل من وحدة التحريات المالية الكويتية للوحدة النظيرة -------- عن أي معاملات مالية مشبوهة لأفراد أو شركات مقرها دولة الكويت مرتبطة --------------، وذلك لتستوضح الوحدة عما إذا كانت المعاملات المالية المشبوهة موضوع البلاغ لها علاقة -------------- محل طلب المعلومات من عدمه.

فتلقت الوحدة الرد على طلب المعلومات من الوحدة النظيرة -------- وأفادة الأخيرة: إنها لم يكن لديها ثمة تحريات أو تحقيقات جارية بشأن القضية وإنما إستند الرد بشكل عام على ما ذكر في (المصادر المفتوحة) التي تناولت القضية على النحو التالي:

1)  معلومات مستنبطة من نشرة إخبارية بتاريخ ---/---/------- .

2) معلومات من مقالات في تقرير (ساراواك) .

-        كما أشارت الوحدة النظيرة إلى مقالة أخرى في ذات المصدر تضمنت ((ما يعتقدهُ مُعِده)) بأن المتهم الأول هو (المالك المستفيد لشركة -------------).

-        كما أن الوحدة النظيرة أشارت في ردها إلى تقرير آخر من نفس المصدر يعتقد معده أن شركة تشييد ------ وهي شركة تابعة لجمهورية -------- قد دفعت الأموال للمتهم الأول.

-        فهذا الكتاب وما إشتمله من الرد على طلب المعلومات المرسل من وحدة التحريات الكويتية يكذب جامع التحريات فيما ذهب إليه من أن الأموال محل الواقعة متحصلة ومسروقة من ------------ .

-        وأن أقوال السيد/ ---------، بالإضافة إلى الكتاب المتقدم ذكره، يؤكدان أن المتهم الأول قد قُدِمً إلى المحاكمة على أساس (الإشتباة) مستقى من مصادر مفتورحة (مواقع الانترنت ومنصات التواصل الاجتماعي)، وليس على أدلة معتبرة قانوناً.

-        هذا، وبسؤال المتهم الأول أمام المحقق عن الإتهام المنسوب إليه أنكر الإتهام جملةً وتفصيلاً.

-        وأوضح أن علاقته بشركة -------- هي علاقة قانونية صحيحة تخلص في العقد المقدم أمام النيابة بإعتباره مروجاً لأعمال هذه الشركة في الكويت، وأن ما تقاضاه من أموال يعتبر بمثابة أجر مقابل الترويج للشركة.

-        كما أوضح المتهم الأول في أقواله أمام السيد المحقق أن كافة التحويلات التي قام بها هي كانت عمليات تجارية بإعتباره رجل أعمال وقد تمت تحت بصر وعلم الكافة وتخلو من أي تمويه أو إخفاء، حيث وردت من مصدر معلوم (مشروع وليس متحصل من جريمة ما) وقد حولت إلى مصدر معلوم.

وإذ إنتهت النيابة العامة من التحقيقات، وقدمت المتهمين للمحاكمة على ضوء تلك التحريات سالفة الذكر، على الرغم من عدم وجود تحريات جدية وكافية وصادقة يمكن الاعتماد عليها كقرينة معزّزة للأدلة في الدعوى؛ وهي لا تعدو أن تكون رأياً لمجريها يحتمل الصواب والخطأ، وقد أجدبت الأوراق من ثمة دليل يدل على جدية ما توصَّــلت إليه هذه التحريات.

 

وكان من المستقر عليه في قضاء التمييز، أن:

"الأحكام يجب أن تبنى على الأدلة التي يقتنع بها القاضي بإدانة المتهم أو ببراءته صادراً في ذلك عن عقيدة يحصلها هو مما يجريه من التحقيق مستقلاً في تحصيل هذه العقيدة بنفسه لا يشاركه فيها غيره ولا يصلح في القانون أن يدخل في تكوين عقيدته بصحة الواقعة التي أقام قضاءه عليها أو بعدم صحتها حكم لسواه، وأنه وإن كان الأصل أن المحكمة تعول في تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة طالما أنها كانت مطروحة على بساط البحث، إلا أنها لا تصلح وحدها لأن تكون قرينة أو دليلاً أساسياً على ثبوت التهمة؛ إذ إنها لا تعدو أن تكون مجرد رأي لصاحبها تخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب إلى أن يعرف مصدره ويتحدد كنهه ويتحقق القاضي منه بنفسه حتى يستطيع أن يبسط رقابته على الدليل ويقدر قيمته من حيث صحته أو فساده أو إنتاجه في الدعوى".

(الطعن بالتمييز رقم 62 لسنة 1990 جزائي – جلسة 14/5/1990)

وكان من المقرر في قضاء النقض:

"إن الأحكام الجنائية يجب أن تُـبنى على الجزم واليقين على الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر، ولا يؤسس بالظن والاحتمال على الفروض والاعتبارات المجردة، وأن القاضي إنما يستند في ثبوت الحقائق القانونية إلى الدليل الذي يقتنع به وحده، ولا يصلح أن يؤسس حكمه على رأي غيره، وأنه وإن كان الأصل أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على التحريات باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ما دامت أنها كانت مطروحة على بساط البحث، إلا أنها لا تصلح وحدها لأن تكون قرينة معينة أو دليلاً أساسياً على ثبوت الجريمة إذ إنها رأي محرر محضر التحريات ويجب ألا يبنى الحكم على عقيدة حصّـلها الشاهد من تحريه، وإنما على عقيدة استقلت بتحصيلها بنفسها".

(الطعن رقم 15672 لسنة 67 قضائية "جزائي" – جلسة 1/3/1999)

لما كان ذلك، وكانت الأدلة التي ساقتها النيابة العامة وركنت إليها في إسناد الاتهام قد شابها الوهن وعلقت بها الريب وأحاطت بها الشكوك والظنون وجاءت قاصرة عن حد الكفاية، ولم يكن هناك دليل يقيني واحد يمكن الاعتماد عليه كدليلٍ جازمٍ، وقد خلت الأوراق من ثمة دليل قاطع وجازم لإسناد الاتهام للمتهم الأول على هذا النحو.

الأمر الذي تكون معه الأوراق قد جاءت خلواً من أي دليل يقيني على ارتكاب المتهم الأول للجرم المسند إليه.

لما كان ذلك، وكان المقرر في قضاء التمييز أنه:

"يكفي في المحاكمات الجزائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة؛ إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام حكمها يفيد أنها محصّت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات وأقامت قضاءها على أسباب تحمله وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها".

(الطعن بالتمييز رقم 140 لسنة 1994 جزائي - جلسة 14/11/1994)

لما كان ذلك، وكانت الأوراق والتحقيقات تنطق صارخة بانتفاء كافة الاتهامات المسندة إلى المتهم الأول بكافة أركانها وعناصرها القانونية – على النحو السالف بيانه – ومن ثم فإن الأوراق تضحى بلا سند أو دليل جازم وحاسم يطمئن إليه وجدان المحكمة الموقرة، وكانت وقائع تلك الدعوى ومادياتها وملابساتها وما حوته أوراقها قد زخرت وفاضت بأدلة دامغة وأسانيد قاطعة وبراهين فنية ساطعة سطوع الشمس؛ إذ جاءت متعددة ومتنوعة ومتساندة يؤازر بعضها البعض، انسابت من خلال التحقيقات والمستندات لتؤكد بل وتقطع ببراءة المتهم الأول من الاتهامات المسندة إليه.

 

لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة المحكمة الموقرة من أسباب أصوب وأرشد.

 

الطلبات

يلتمس المتهم الأول، الحكم له:

ببراءة المتهم الأول مما أسند إليه زوراً وبهتاناً.

المتهم الأول

..............................