الجمعة، 28 يوليو 2023

نموذج - مذكرة دفاع – في جناية – أسواق المال

 

مذكرة دفاع – في جناية – أسواق المال



قـــرار الإحالــــة:

الاتهــام

حيث أسندت النيابة العامة الاتهام إلى المتهم بوصف أنه في غضون عام 2022 بدائرة المباحث الجنائية – محافظة العاصمة:

ادعى قيام هيئة أسواق المال باتخاذ قرارات وإجراءات لم تقم باتخاذها في الواقع، بأن تحدث خط لقاء تلفزيوني عن قيام الهيئة سالفة البيان ببيع نسبة 44% من قيمة رأس مال شركة بورصة الكويت للأوراق المالية بأقل من قيمتها الفعلية، وعلى النحو المبين بالتحقيقات.

وتبعاً لذلك أحالته النيابة العامة إلى المحكمة الموقرة عملاً بالمواد 125 من قانون إنشاء هيئة أسواق المال وتنظيم نشاط الأوراق المالية رقم 7 لسنة 2010.

الوقائع

حيث إن وقائـع هذه الدعوى تخلص في أن الجهة الشاكية (هيئة أسواق المال) قد تقدمت بشكوى جزائية للنيابة العامة ضد المتهم بزعم مخالفته لحكم المادة 125 من قانون هيئة أسواق المال، وذلك بادعائه –على خلاف الحقيقة– بأن الهيئة لم تقم باتخاذ الإجراءات اللازمة عند قيامها بعملية تخصيص سوق الكويت للأوراق المالية.

على سندٍ من القول بأنه: تم عرض مقابلة تلفزيونية على قناة ATM في برنامج "على درجة رجال الأعمال"، حيث تمت استضافة السيد/ -------------- رئيس مجلس إدارة شركة بورصة الكويت للأوراق المالية الأسبق، وقد تناول بالحديث عن خصخصة بورصة الكويت للأوراق المالية، وأورد خلال حديثه عبارات تشكك في نزاهة إجراءات هيئة أسواق المال من خلال التصريح بعدم شفافية عملية تخصيص نسبة 44% من رأس مال شركة بورصة الكويت للأوراق المالية.

ولـم يتم تقـديم دليل واحد معتبر قانوناً أمام المحكمة الموقـرة يفيـد كذب المعلومات التي أدلى بها المتهم.

وباستجواب المتهم تفصيلاً بالتحقيقات أنكر ما أُسند إليه من اتهام، وأضاف شرحاً وافياً لتصريحاته التي أدلى بها في المقابلة التلفزيونية محل الاتهام، وفند مزاعم الجهة الشاكية، وأوضح الأسباب التي دعته إلى الإدلاء بتلك التصريحات.

تلك هي واقعة الدعوى وما حوته أوراقها من دليل وحيد وركنت إليه النيابة العامة في إسناد الاتهام إلى المتهم، والذي لا يمكن أن يقيم دليل إسناد يصلح للإدانة أو التعويل عليه؛ إذ جاء قاصراً عن حد الكفاية، ومتناقضاً مع ماديات الدعوى وقرائن الأحوال فيها، وقــد شابه الشك والريبة بما لا يمكن معه أن يطمئن إليه وجدان المحكمة الموقرة؛ إذ العبرة في الإثبات في المواد الجزائية هو باقتناع المحكمة واطمئنانها إلى الأدلة المطروحة على بساط البحث، ومن المقرر أيضاً أن الشك في إسناد الاتهام سند البراءة.

لــذا، فإن الدفاع يلتمس القضاء بالآتي:

ببراءة المتهم مما أسند إليه من اتهام، وذلك تأسيساً على الدفاع الآتي:

الدفاع

1) عدم انطباق الشكوى الجزائية، على وقائع الدعوى الماثلة:

       لما كان أساس الدعوى الماثلة، هو تكييف الجهة الشاكية لفعل المتهم بأنه يخضع لنص التجريم الوارد في صلب المادة (125) من قانون هيئة أسواق المال، حيث أوردت الجهة الشاكية في شكواها ما نصه:

       "... فالتصريح الذي أدلى به يهيأ للعامة بأن ما حدث هو عملية تخصيص مرفق عام دون إتباع الإجراءات القانونية ...".

واستندت في شكواها -وفق طلبها الختامي فيها- إلى:

       "ادعائه -أي المتهم- على خلاف الحقيقة، بأن الهيئة لم تقم باتخاذ الإجراءات اللازمة عند قيامها بعملية تخصيص سوق الكويت للأوراق المالية".

ولما كان نص المادة (125) من القانون رقم 22 لسنة 2015 بشأن تعديل بعض أحكام القانون رقم 7 لسنة 2010 بشأن إنشاء هيئة أسواق المال وتنظيم نشاط الأوراق المالية، تنص على أنه:

"يعاقب بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف دينار، ولا تجاوز خمسين ألف دينار، كل شخص ادعى –على خلاف الحقيقة– بأن الهيئة قامت باتخاذ إي إجراء أو قرار، لم تقم باتخاذه في الواقع".

وشتان (في الصياغة القانونية) ما بين القول: (بعدم اتخاذ الإجراءات القانونية) المنسوب صدورها للمتهم،

وبين القول: (باتخاذ إجراء لم تقم الهيئة باتخاذه في الواقع) وهو مناط التجريم والعقاب في نص الاتهام.

لما كان ذلك، وكان من المقرر قانوناً أن النص الجزائي، المقرر للجريمة والعقوبة، هو نص خاص يُلْتَزم بحرفية نصوصه، فلا يقاس عليه، ولا يتوسع في تفسيره، كما إنه لا يجوز تأويله (إزاء صراحة النص، وقطعية دلالته) على نحو يخرج النص عما قصده الشارع منه بزعم تفسيره.

حيث إنه من المقرر في قضاء محكمة التمييز -في هذا الشأن- أنه:

"... لما كان ذلك، وكان الأصل أنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجزائية والتزام جانب الدقة في ذلك، وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل، وأنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها، فإنه يجب أن تعد تعبيراً صادقاً عن إرادة الشارع، ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل، أيا كان الباعث على ذلك، كما أنه لا مجال للاجتهاد إزاء صراحة النص الواجب تطبيقه".

(الطعن بالتمييز رقم 332 لسنة 2014 جزائي – جلسة 25/3/2015)

كما جرى قضاء التمييز على أن:

"البين من نص المادة 109 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية أن كل ما تطلبه المشرع حتى يمكن رفع الدعوى في الجرائم التي عددتها على سبيل الحصر -ومن بينها جريمتي القذف والسب محل التهمة الثانية- المنسوبة للمطعون ضده الأول هو تقديم شكوى من المجني عليه فيها، فإذا كان قاصراً كان لوليه الشرعي أن يقدم الشكوى نيابة عنه، ولم يتطلب المشرع إذا ما تقدم بالشكوى وكيل عن المجني عليه أن يكون موكلاً في ذلك توكيلاً خاصاً، إذ لو شاء المشرع لما أعوزه أن ينص على ذلك صراحة في موضعه بحسبانه خروجاً على الأصل العام المقرر بنصوص المواد 54، 56، 57 من قانون المرافعات المدنية والتجارية في شأن التوكيل بالخصومة، وإلا كان القول باشتراط صدور توكيل خاص من المجني عليه لوكيله حتى يمكنه تقديم الشكوى في الجرائم التي حددتها المادة 109 سالفة الذكر هو تخصيص لنصها دون سند، والقاعدة الأساسية أن المطلق يظل على إطلاقه إلى أن يقيد، كما أنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها فإنه يجب أن تعد تعبيراً صادقاً عن إرادة المشرع ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل إذ لا محل للاجتهاد إزاء صراحة النص الواجب التطبيق".

(الطعن بالتمييز رقم 242 لسنة 2008 جزائي – جلسة 25/8/2008)

وقد جاء في ذات الحكم السابق ما نصه:

       "النيابة العامة -أو من يقوم مقامها في قضايا الجنح- هي صاحبة الحق في رفع الدعوى الجزائية ومباشرتها عملاً بأحكام المواد 9، 105، 129 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، 53 من المرسوم لقانون رقم 23 لسنة 1990 بشأن قانون تنظيم القضاء، وكان توقف رفع الدعوى الجزائية على تقديم شكوى من المجني عليه -وفق ما تنص عليه المادة 109 من القانون الأول- إنما هو استثناء من هذا الأصل بحسبانه قيداً على سلطة التحقيق صاحبة الاختصاص الأصيل به فلا يجوز من ثم التوسع فيه أو القياس عليه ليشمل جرائم أخرى مشابهة لتلك الواردة في النص ذاك على سبيل الحصر، إذ لو شاء المشرع أن يشملها حكمه لما أعوزه أن ينص على ذلك صراحة".

(الطعن بالتمييز رقم 242 لسنة 2008 جزائي – جلسة 25/8/2008)

(والطعن بالتمييز رقم 700 لسنة 2009 جزائي – جلسة 11/5/2010)

وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه:

ولما كان النص القانوني الواجب التطبيق في الجناية الماثلة، والوارد في قرار الاتهام وقرار الإحالة للمحاكمة الجزائية، نقلاً عما ورد بالشكوى المقدمة من الجهة الشاكية، هو نص المادة 125 من قانون هيئة أسواق المال، والتي تنص صراحة وعلى نحو قاطع الدلالة على أن مناط التجريم (والعقاب فيها) هو:

الادعاء –على خلاف الحقيقة– بأن الهيئة قامت باتخاذ إي إجراء أو قرار، لم تقم باتخاذه في الواقع.

بينما الثابت في الشكوى المقدمة من الجهة الشاكية إنها تشتكي من أن المتهم أدلى بتصريحات:

تهيئ للعامة بأن ما حدث هو عملية تخصيص مرفق عام دون إتباع الإجراءات القانونية.

دون أن ينسب للهيئة الشاكية قيامها باتخاذ إجراء أو قرار، لم تقم هي باتخاذه في الواقع، فإن مناط التجريم والعقاب الوارد في نص قرار الاتهام وقرار الإحالة للمحاكمة الجزائية غير متحقق ولا متوفر، في حالتنا الماثلة، ولا يجوز من بعد القياس على ذلك النص ولا التوسع في تفسيره، بل ولا مجال لتفسيره أصلاً إزاء صراحة النص وقطعية دلالته، على نحو ما بيناه آنفاً، فإن الدعوى الجزائية الماثلة تكون قد جاءت مفتقدة لسندها الواقعي والقانوني.

 

2) إسناد المخالفة للمتهم إنما جاءت على سبيل الفرض والتخمين، على سبيل الجزم واليقين:

لما كان من المقرر قانوناً، وعلى ما جرت عليه مبادئ مجلس التأديب بهيئة أسواق المال، ناهيك عما هو مقرر قانوناً، من أن الأحكام الجزائية إنما تصدر عن الجزم واليقين، ولا يجوز أن تبنى على الظن والتخمين.

في من المقرر في مجلس التأديب بهيئة أسواق المال أنه:

       "... لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أنه تم إسناد مخالف للمشكو في حقها لسيطرتها على شركة مرخصة وهي شركة ....... دون الحصول على موافقة هيئة أسواق المال، إذ بلغت ملكيتها 21.22% وأصبحت أكبر الملاك، فإن مجلس التأديب لا يساير ما انتهت إليه الهيئة في إسنادها لتلك المخالفة، إذ قامت على الفرض والتخمين، لا على الجزم واليقين، إذ لم يثبت جزماً أن تملك تلك النسبة يسمح للمشكو في حقها بتعيين أغلب أعضاء مجل الإدارة أو بالسيطرة على قرارته أو على قرارات الجمعية العمومية، إلا إذا توافرت فرضيات معينة لا يمكن الارتكان إليها في توجيه المخالفة إليها لقيامها على الاحتمال، ولم تقدم الهيئة سوى فرضيات وأرقام احتمالية مستقبلية لم تؤكدها أو تؤيدها أي وقائع مستمدة من الأوراق أو المستندات، ولا يمكن للمجلس أن يرتكن إليها في إسناد المخالفة للمشكو في حقها، الأمر الذي ينتهي معه إلى حفظ الأواق لانتفاء شبهة المخالفة فيها".

(قرار مجلس التأديب في المخالفة رقم 93 /2018 مجلس تأديب – 158 /2018 هيئة أسواق المال – الصادر بتاريخ 24/1/2018)

لما كان ذلك، وكان مناط شكوى الجهة الشاكية أن تصريحات المتهم تهيئ للمشاهدين أن الهيئة قامت بتخصيص مرفق عام دون إتباع الإجراءات القانونية، وتهيئ للمشاهدين أن الهيئة قامت بالتلاعب في أموال عامة لمصلحة طرف على آخر، وتوحي للمشاهدين بالتشكيك في شفافية إجراءات الهيئة الشاكية، وكلها تهيئات ظنية وفرضيات احتمالية وتخمينات ذهنية، وليس في الأرواق، حيث لم تقدم الهيئة الشاكية، ما يجعل تلك التهيئات والاحتمالات والتخمينات جزماً يقينياً يصلح الارتكان إليه في توجيه المخالفة للمتهم.

       لما كان ذلك، وكان من المقرر قانوناً، وعلى ما جرى عليه قضاء محكمة التمييز، فإن:

       "الأحكام الجزائية يجب أن تبنى بالجزم واليقين على الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر ولا تؤسس بالظن والاحتمال على الفروض والاعتبارات المجردة".

(الطعن بالتمييز رقم 34 لسنة 2002 جزائي – جلسة 13/5/2003)

كما تواتر قضاء التمييز على أنخ:

"لم يثبت في حق المتهم المذكور على وجه اليقين إن ما قام به من أفعال كان بقصد تمكين المتهمين الآخرين من ارتكاب الجريمة التي دينوا بها، بما ينتفي معه القصد الجنائي لديه، وتنتفي بذلك أركان الجريمة المسندة إلى المتهم بما يكون لازمه تبرئته مما أسند إليه، إذ أن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين من الواقع الذي يثبته الدليل المعتبر، ولا تؤسس على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة".

(الطعن بالتمييز رقم 130 لسنة 2013 جزائي/2 – جلسة 14/7/2014)

وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، ولما كان الثابت بالأوراق خلوها من أي دليل معتبر قانوناً على ما تزعمه الهيئة الشاكية من تهيؤات وظنون واحتمالات مجردة، لم يثبت تحقق أياً منها. فإنها تكون قد جاءت مفتقدة لسندها الواقعي والقانوني.

 

3) حرية التعبير عن الرأي والانتقاد الهادف، مكفولة قانوناً ودستوراً:

لما كان من المقرر وفقاً لما تواتر عليه قضاء التمييز، فإن:

"النص في المادة 36 من الدستور وفي المادة 26 من القانون رقم 3 لسنة 1961 بإصدار قانون المطبوعات والنشر يدل -وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- على أن الأصل الدستوري هو حرية الفكر وإبداء الرأي بما في ذلك حق النقد، وأن الاستثناء هو حظر النشر إذا كان من شأنه أن يخدش بالآداب العامة ويمس كرامة الأشخاص وحرياتهم الشخصية؛ وكان من المقرر أنه وإن كان الخطأ الموجب للمسئولية التقصيرية وما يقع عن طريق النشر بما يسئ، إلا أنه إذا كان الهدف من النشر إثارة قضية عامة ونقد موقف جهة ما تحقيقاً للصالح العام، فإن الناشر وإن اشتدت عباراته وعنف تعليقه ملتزماً حدود النقد المباح وينتفي خطؤه الموجب للمسئولية؛ وأنه إذا ما اشتمل المقال على عبارات يكون الغرض منها الدفاع عن مصلحة عامة وأخرى يكون القصد منها التشهير فإن المحكمة في هذه الحالة توازن بين القصدين وتقدر لأيهما كانت الغلبة في نفس الناشر؛ ومن المقرر أيضاً أن استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية عن التعويض من سلطة محكمة الموضوع متى أقامت قضاءها في ذلك على أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق، أن الأصل في تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف أو الإهانة هو بما تطمئن إليه من تحصيلها لفهم الواقع في الدعوى، ولا رقابة عليها في ذلك من محكمة التمييز، مادام أنها لم تخطئ في التطبيق القانوني للواقعة".

(الطعن بالتمييز رقم 261 لسنة 2014 مدني/1 – جلسة 21/11/2016)

كما تواتر قضاء التمييز على أن:

       "المقرر في المادة 36 من الدستور على أن "حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو بالكتابة أو غيرهما وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي بينها القانون"، وتنص المادة 37 من ذات الدستور على أن حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفق الشروط والأوضاع التي يعينها القانون، ونصت المادة 3 لسنة 1961 بإصدار قانون المطبوعات والنشر المنطبقة على واقعة الدعوى وقبل إلغائه بالقانون رقم 3 لسنة 2006 على أن حرية الطباعة والكتابة والنشر مكفولة له في حدود هذا القانون"، ونصت المادة 26 من ذات القانون على أن يحظر نشر ما من شأنه أن يخدش الآداب العامة أو يمس كرامة الأشخاص أو حرياتهم الشخصية، وتنص المادة 28 من ذات القانون على معاقبة رئيس التحرير وكاتب المقال بالحبس إذا نشر بالجريدة ما حظرته المواد الخمس السابقة"، مفاد هذه النصوص أن الأصل الدستوري هو حرية الفكر وإبداء الرأي بما في ذلك حق النقد والاستثناء هو القيد، ولا يجوز أن يمحو الاستثناء الأصل أو يغول عليه أو يعطله، ويقتصر أثره على الحدود التي وردت به، وأن النشر المباح هو الذي لا يتضمن ما يخدش الآداب العامة أو يمس كرامة الأشخاص أو حرياتهم الشخصية التي كفلها الدستور والقانون، فإذا تجاوز النشر هذا الحد وجب مؤاخذة المسئول عنها مرتكباً لجريمة القذف والسب أو الإهانة حسب الأحوال، كما يجب مسائلته عن الأضرار التي ترتبت على ذلك، فيجب أن يلتزم الناقد أو الناشر العبارات الملائمة والألفاظ المناسبة ولا يلجأ إلى أسلوب التهم والسخرية أو يستعمل العبارات التي توحي للقارئ على مدلول غير ملائم أو أقسى من القدر المحدود الذي يتضمنه عرضه للواقعة أو التعليق عليها، كما يجب أن يتوخى الناشر أو الناقد المصلحة العامة باعتبار أن النشر أو النقد ليس إلا وسيلة للبناء لا للهدم فإذا ما تجاوز ذلك فلا يكون محل للحديث عن النقد المباح، وإذا ما اشتمل المقال على عبارات يكون الطعن فيها الدفاع عن مصلحة عامة وأخرى يكون النقد منها التشهير فإن للمحكمة في هذه الحالة أن توازن بين القصدين وتقدر لأيهما كانت الغلبة في نفس الناشر، ومن المقرر أيضا أن الخطأ الموجب للمسئولية التقصيرية ما يقع عن طريق النشر بما يسئ وأنه وإن كان استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية عن التعويض والتعرف على حقيقة الناشر السب أو القذف أو الإهانة هو ما تطمئن إليه محكمة الموضوع من تحصيلها لفهم الواقع في الدعوى دون معقب إلا أن شرط ذلك ألا تخطئ في التطبيق القانوني للواقعة وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة".

(الطعن بالتمييز رقم 472 لسنة 2013 مدني/1 – جلسة 6/4/2015)

وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، ولما كانت تصريحات المتهم في المقابلة التي أجريت معه، كان الهدف منها هو النقد البناء، وممارسة لحرية التعبير وإبداء الرأي (وإن اختلف مع رأي الجهة الشاكية)، وهو حقه قد كفلته له الدساتير والقوانين السارية (المدنية منها والجزائية)، وقد التزم المتهم حدود النقد البناء، ولم يعمد إلى التشهير بالجهة الشاكية، فإن استعماله لحقه الدستوري والقانوني في التعبير عما يراه الحق، لا تأثيم عليه، ولا تثريب عليه، حتى وإن لم تعجب هذه التصريحات الجهة الشاكية أو لم ترق لها.

 

3) انعدام الجريمة وانتفاء أركانها:

= الركن المادي للجريمة محل الاتهام:

يتمثل الركن المادي لجريمة الادعاء الكاذب على هيئة أسواق المال، في ادعاء الجاني على خلاف الحقيقة بأن هيئة أسواق المال قد قامت باتخاذ أي إجراء أو قرار، في حين إنها لم تقم باتخاذه في الواقع.

       وكما أسلفنا في بيان إن النص الجزائي، فيما ينص عليه من فعل التأثيم، والعقوبة المقدرة له، هو نص خاص لا يجوز القياس عليه ولا يجوز التوسع في تفسيره، بل لا يجوز – إزاء صراحة النص ووضوحه وقطعية دلالته – من الخروج على ذلك النص بزعم تأويله توخياً للعلة من التشريع، إذ أن ذلك التأويل أو التفسير لا يكون إلا عند غموض النص أو وجود لبس فيه، وهو ما لا يتوافر في حالة دعوانا الماثلة.

       لا سيما وأنه من المقرر قانوناً، وعلى ما جرى عليه قضاء محكمة التمييز، فإن:

       "التعرف على حقيقة الألفاظ الماسة بكرامة الأشخاص وسمعتهم التي تضمنتها المادة الإعلامية التي جرى بثها، وتحديد شخصية من وجهت إليه هذه الألفاظ [بما يمثل الركن المادي للجريمة]، هو بما يطمئن إليه قاضي الموضوع من تحصيله لفهم الواقع في الدعوى، مادام لم يخطئ التطبيق القانوني على الواقعة".

(الطعن بالتمييز رقم 677 لسنة 2010 جزائي – جلسة 22/1/2012)

       ومن ثم، فإن زعم الجهة الشاكية بأن المشكو في حقه أوحي في تصريحاته ولمح وهيأ للمشاهدين (بدون تقديم الدليل المعتبر على تحقق تلك التلميحات وهذه التهيؤات) بأن الهيئة الشاكية لم تقم باتباع الإجراءات القانونية عند تخصيص سوق الأوراق المالية. تلك الواقعة محل الشكوى لا ينطبق عليها – كما أسلفنا البيان – الركن المادي للجريمة محل التأثيم في صريح نص المادة 125 من قانون هيئة أسواق المال، التي تقتصر على الادعاء الكاذب بأن الهيئة قامت باتخاذ إجراء، بينما هي لم تقم به، بما ينتفي معه الركن المادي للجريمة محل الاتهام، وينهار معها الاتهام بالكلية.

= الركن المعنوي للجريمة محل الاتهام:

       جريمة الادعاء الكاذب على هيئة أسواق المال هي من الجرائم العمدية، ولكي يتحقق الركن المعنوي فيها، فإنه يشترط توافر القصد الجنائي العام المتمثل في علم الجاني بأنه يدعي على خلاف الحقيقة بأن هيئة أسواق المال قد قامت باتخاذ إجراء أو إصدار قرار، رغم إن تلك الهيئة لم تتخذ هذا الإجراء أو ذلك القرار في الواقع، فضلاً عن اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب تلك الجريمة.

هذا، ومن المقرر في قضاء محكمة التمييز، أن:

       "القول بتوافر القصد الجنائي في هذه الجريمة أو بانتفائه هو مما تفصل فيه محكمة الموضوع بغير معقب مادامت تقيمه على ما ينتجه".

(الطعن بالتمييز رقم 114 لسنة 2002 جزائي – جلسة 4/2/2003)

لما كان ما تقدم، وكان المتهم قد انتفى لديه القصد الجنائي في الجريمة محل الاتهام الماثل، وأية ذلك ما يلي:

·      إن المتهم عند استجوابه في التحقيقات –بدون أن يكون معه محامياً للدفاع عنه– قرر بأنه: في مقابلة تلفزيونية –على قناة ATM– في برنامج: "على درجة رجال الأعمال"، تحدثت (في سياق حديثي مع مقدم البرنامج)، عن قيمة رأس مال شركة بورصة الكويت، وإنني لا أعلم من قام بتحديد تلك القيمة، وحديثي هذا كان بناءً على معلومات عندي مستقاة من بيانات حقيقية واردة في نشرة اكتتاب الشركة، وكنت قد اطلعت عليها بحكم تخصصي السابق، وهي ليست معلومات سرية، بل متاحة للعامة. وهذا كل ما حدث، فأنا لم أدعِ إن الهيئة (مثلاً) باعت تلك النسبة وثبت عدم قيامها بالبيع، أو إنني (مثلاً) ادعيت أن الهيئة باعت تلك النسبة بقيمة معينة، وقدمت الهيئة ما يفيد إنها باعت بقيمة أعلى. فكل ما ذكرته في أثناء تلك المقابلة هي أمور حدثت بالفعل، وإجراءات اتخذت بالفعل وقرارات صدرت بالفعل، وإن كانت الهيئة (الشاكية) تنكر ذلك، فعليها هي تقديم ما تحت يدها من مستندات تثبت عدم صحة ما قررته في أثناء المقابلة التلفزيونية.

·      مع ملاحظة أن تخصيص نسبة الـ 44% من قيمة رأس مال شركة بورصة الكويت للأوراق المالية (عملية التخصيص) لم تتم إلا في غضون شهر فبراير من عام 2019، بينما المتهم قد ترك منصبه في شهر أبريل من عام 2018، أي أن عملية التخصيص قد تمت بعد ما يناهز 10 عشرة أشهر من تاريخ ترك المتهم لمنصبه.

فالمتهم كان عضواً في لجنة التخصيص أثناء فترة رئاسته للشركة، وليس أثناء التخصيص الفعلي الذي اتخذ بعد عشرة أشهر من تاريخ تركه لمنصبه.

·      ورداً على سؤال المحقق للمتهم عند استجوابه: وكيف وقفت على أن قيمة تخصيص نسبة 44% من رأس مال شركة الكويت للأوراق المالية تقل عن القيمة الفعلية، وفقاً لما قررته في المقابلة التلفزيونية محل التحقيق؟

أجاب المتهم:-

·      لأن رأس مال الشركة قدرته الهيئة بإجمالي مبلغ ـ/20,000,000 د.ك (عشرون مليون دينار كويتي)، في حين أن رأس المال الفعلي يتراوح من ـ/50,000,000 د.ك (خمسون مليون دينار كويتي) إلى ـ/100,000,000 د.ك (مائة مليون دينار كويتي)، وسندي في ذلك أنه بالأمس، وبالاطلاع على موقع شركة بورصة الكويت، في البيان الخاص بمعلومات الشركة، أوردت الشركة ذاتها أن قيمتها السوقية تبلغ ـ/405,567,000 .ك (أربعمائة وخمسة مليون وخمسمائة وسبعة وستون ألف دينار كويتي)، ونحن نتحدث عن عام 2023، فكيف تباع نسبة 44% من رأس مال الشركة في عام 2019 بـ ـ/15,000,000 د.ك (خمسة عشر مليون دينار كويتي) تقريباً ؟؟!!

·      كما إنه بالاطلاع على البيان الصادر عن شركة بورصة الكويت، والمعنون بـ: "بيان الدخل المجمع في السنة المنتهية في 31/12/2020"، فقد ثبت به أن ربحية الأساسية للسهم الواحد قدرها 128.54 فلس، ونحن هنا نتحدث عن أرباح أساسية للسهم الواحد، فكيف يعر السهم للبيع بقيمة 100 فلس، ويباع فعلياً بقيمة 230 فلس تقريباً، إذا كان السهم يحقق ذلك الربح سنوياً ؟؟!! بما يدل على أن القيم التي بيع بها السهم هي أقل بكثير من قيمته الحقيقة.

·      كما إن لشركة بورصة الكويت أصول استثمارية في شركة زميلة، وهي الشركة الكويتية للمقاصة، تبلغ قيمتها –في عام 2018– حوالي ـ/12,000,000 د.ك (اثنا عشر مليون دينار كويتي)، بما يعادل نسبة 27% من أسهم الشركة الزميلة، قم قامت شركة بورصة الكويت بشراء حصة تعادل 13% بقيمة ـ/12,000,000 د.ك (اثنا عشر مليون دينار كويتي) من أسهم الشركة الكويتية للمقاصة، وهذا يدل على أن شركة بورصة الكويت تملك جزء من أصولها بقيمة ـ/24,000,000 د.ك (أربعة وعشرون مليون دينار كويتي)، حصتها في رأس مال الشركة الكويتية للمقاصة، وأنا هنا أتحدث عن جزء فقط من الأصول التي تملكها شركة بورصة الكويت (وليس كل الأصول).

·      كما إن هناك أصول أخرى لم تأخذ بعين الاعتبار عندما حددت قيمة رأس مال شركة بورصة الكويت، مثل حق الانتفاع بالمبنى الذي به مقر البورصة،

ورخصة البورصة ذاتها والتي تبلغ رسومها فقط ـ/1,000,000 د.ك (مليون دينار كويتي)،

بالإضافة إلى الأرباح التي تتحصل عليها البورصة من التداول، حيث إن البورصة تحصل نسبة قدرها 30% من قيمة أي عملية تداول، وهذه النسبة تتحصل عليها البورصة من كل من البائع والمشتري،

وكل تلك الأصول والأرباح لم توضع بعين الاعتبار ممن قام بتحديد قيمة رأس مال الشركة.

·      ورداً على سؤال المحقق للمتهم عند استجوابه: وما قولك فيما شهد به/ عبدالله يوسف الكندري مدير إدارة التحقيق الرقابي بهيئة أسواق المال؟

أجاب المتهم:-

هذا غير صحيح،

فقد تم تخصيص نسبة 44% من قيمة رأس مال شركة بورصة الكويت بعد انتهاء خدمتي كرئيس لتلك الشركة،

ولم يتم تحديد القيمة المبيعة أثناء عضويتي للجنة التخصيص،

فكيف أبدي اعتراضاً عليها إن كانت صفتي قد زالت عني حينها (بتركي الخدمة)،

كما أن الكتاب المرسل لي، والمؤرخ 1/7/2021، قد تم إرساله إلى كافة رؤساء الشركة السابقين، ولم يكن لي –وقتها– حق الاعتراض عليه (لزوال صفتي بتركي الخدمة).

·      لم يصدر عن المتهم مطلقاً -في أي جزء من المقابلة التلفزيونية- ان الهيئة قامت بمخالفة الإجراءات ... وإنما ما ورد باللقاء هو رأي فني مخالف لقرار تقييم سهم البورصة الذي قامت به الهيئة عند تسعير قيمة الشركة السوقية، وهذا الرأي الفني مبني على خبرة المتهم في مجال أسواق المال المحلية والعالمية التي تمتد لأكثر من 30 سنة وكذلك تخصصه العلمي.

·      كتاب المتهم والذي تستند إليه الهيئة في سياق الاتهام والمؤرخ 7/3/2018 تم توقيعه من المتهم بصفته رئيس مجلس إدارة شركة بورصة الكويت استكمالاً للإجراءات المنصوص عليها في اتفاقية الهيئة مع شركة البورصة الموقع في عام 2016، و ذلك لتوثيق عملية تحويل ملكية أصول الشركة والتزاماتها من الهيئة الى ميزانية شركة البورصة.

أما كتاب الهيئة (المرفق بكتاب المتهم في 7/3/2018) الذي تطلب الهيئة فيه تسجيل قيمة الأصول المقدرة "تقديراً مؤقتا" (فيه اعتراف ضمني من الهيئة بأن تلك القيمة المقدرة ليست نهائية ولا تعكس السعر السوقي لها) كما في 30/9/2016 بينما التخصيص تم بتاريخ 2/2019 أي ان هناك مدة زمنية قدرها 30 شهراً تقريباً، ارتفعت فيها قيمة تلك الأصول نتيجة زيادة نشاط التداول في سوق الكويت للأوراق المالية في تلك الفترة والتي أدت حتماً الى ارتفاع إيرادات البورصة والشركة الزميلة (الشركة الكويتية للمقاصة). وهذا حتماً يرفع قيمة أسهم الشركة بصورة كبيرة. والتي انعكست على سعر السهم بالسوق الموازي (قبل إدراجها في السوق الرسمي إلى أكثر من 700 فلس) في أقل من 10 شهور من التخصيص.

كذلك لم يتضمن الكتاب بعض الأصول غير الملموسة مثل قيمة الرخصة (شبه المحتكرة) ...الخ.

وكل ما تقدم، يثبت يقيناً، وبما لا يدع مجال للشك، في أن المتهم، عندما أدلى بتصريحاته (محل الاتهام) لم يصدر تلك التصريحات وهو عالماً بكذبها، بل أصدرها وهو متيقن من صحتها، ولديه من الدلائل والقرائن ما يثبت صحة تلك التصريحات، وقد قدم العديد منها للنيابة العامة عند استجوابه، وكل ذلك ينفي عن المتهم الركن المعنوي (وهو الادعاء الكاذب، مع علمه بكذب هذا الادعاء)، بما تنهار معه أركان الجريمة محل الاتهام، بركنيها المادي والمعنوي، وتضحى براءة المتهم ظاهرة للعيان.

علماً بأن المتهم ليس مكلفاً بإثبات براءته، بينما على النيابة العامة والجهة الشاكية إثبات الاتهام في حق المتهم، وإذ لم تقدم النيابة العامة ولا الجهة الشاكية الدليل المعتبر قانوناً على توافر أركان الجريمة محل الاتهام، فلا مناص من الحكم –عندئذ– ببراءة المتهم مما نسب إليه زوراً وبهتاناً.

فمن المقرر قانوناً، وعلى ما جرى عليه قضاء محكمة التمييز، فإنه:

       "ولئن كان من المتعين على قاضي الموضوع -وهو بصدد إنزال حكم القانون على الواقعة المطروحة عليه- أن يتحقق من أن الفعل معاقب عليه بمقتضى قانون البلد الذي ارتكب فيه، إلا أنه يسبق هذا أن عبء إثبات هذا الأمر يقع على عاتق النيابة العامة طبقاً للقواعد العامة في المحاكمات الجزائية، إذ الأصل أنها تتولى مسئولية إثبات الجرائم كافة وذلك في ظل التزامها بإقامة وتقديم الأدلة المؤيدة لكل ركن يتصل ببناء الجريمة ويعتبر من عناصرها".

(الطعن بالتمييز رقم 111 لسنة 2000 جزائي – جلسة 7/11/2000)

وننوه أخيراً إلى ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز من أنه:

       "يكفي في المحاكمات الجزائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة؛ إذ مرجع الأمر في ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام حكمها يفيد أنها محّصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة، ووازنت بينها وبين أدلة النفي فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات وأقامت قضاءها على أسباب تحمله وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها".

(الطعن بالتمييز رقم 140 لسنة 1994 جزائي – جلسة 14/11/1994)

 

لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة المحكمة الموقرة من أسباب أصوب وأرشد.

 

الطلبات

يلتمس المتهم القضاء له:

ببراءة المتهم مما نسب إليه.

مع حفظ كافة الحقوق الأخرى للمتهم، أياً ما كانت،،،

المتهم

.......................

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق