الجمعة، 16 مارس 2012

حالة اكتساب ملكية أعيان الأوقاف الخيرية بالتقادم


حالة اكتساب ملكية أعيان الأوقاف الخيرية بالتقادم – دعوى تثبيت ملكية – منطقة أوقاف سوهاج – هيئة قضايا الدولة – إشكال في تنفيذ حكم / عدم الاعتداد بالحكم .

وقائع الموضوع، والبحث القانوني:
أقام السيد/ محمود ***** الدعوى رقم ***** لسنة 2005 مدني جزئي المراغة ضد هيئة الأوقاف المصرية وآخرين، بموجب صحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة، طلب في ختامها الحكم له – وفق طلباته الختامية والمعدلة – بتثبيت ملكيته لعين التداعي، وهي قطعة أرض زراعية قدرها 16س 4ط ــط (أربعة قراريط وستة عشر سهماً) بحوض ترك على نمرة/3 قطعة 82 بزمام شندويل البلد - مركز مراغة - محافظة سوهاج، بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية، مع إجراء التعديل في بيانات السجل العيني، وإلزام المدعى عليهم (والخصوم المدخلين) بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
        وتداولت الدعوى بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 27/4/2006 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى لمكتب الخبراء لتحقيق عناصر الدعوى. ونفاذاً لهذا القضاء باشر الخبير المنتدب المأمورية المنوطة به وأودع تقريره بملف الدعوى والذي انتهى فيه إلى نتيجة نهائية مفادها أن عين التداعي واردة في تكليف وقف خيري وإن المدعي لم يقدم صلته بهذا التكليف، كما لم يقدم المدعي (للخبرة الفنية) المستندات الدالة على تملكه لتلك الأطيان، إلا أن أرض التداعي في وقت المعاينة كانت في وضع يد المدعي، وإن شهادة الشهود أجمعت على أن المدعي هو واضع اليد على أرض التداعي الآن بشخصه ومن قبل ذلك كان والده يضع اليد عليها (وتنضم مدة الخلف للسلف)، وأن وضع يد المدعي (وسلفه من قبله) هو وضع يد هادئ وظاهر ومستمر وبنية التملك، كما أثبت الخبير (بناءً على ما قدمته له منطقة أوقاف سوهاج) أن أعيان التداعي تتبع جهة وقف/ حسان السيد محمد الخيري ومكلفة باسمه في العوائد ومسجلة باسمه في سجلات السجل العيني. وقد ترك الخبير للمحكمة الفصل فيما إذا كان يجوز تملك تلك الأطيان – باعتبارها وقفاً خيرياً – بالتقادم من عدمه لكونها مسألة قانونية تخرج عن اختصاص الخبرة الفنية.
        وفي تاريخ 6/5/2007 خاطبت منطقة أوقاف سوهاج هيئة قضايا الدولة (فرع سوهاج) بكتاب أرفقت به صورة تقرير الخبرة الفنية سالف الذكر، وطلبت من هيئة قضايا الدولة تقديم مذكرة بدفاع هيئة الأوقاف المصرية تتضمن الدفع بعدم جواز تملك أطيان الأوقاف الخيرية بالتقادم طبقاً لنص المادة 970 من القانون المدني المعدلة بالقانون رقم 147 لسنة 1957.
        وبجلسة 27/12/2007 قضت محكمة المراغة الجزئية في تلك الدعوى بحكمها الذي جرى منطوقه على النحو التالي: "بتثبيت ملكية المدعي لعقار التداعي المبين الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى وتقرير الخبير مع إجراء القيد والتغيير في بيانات السجل العيني، وألزمت المدعى عليه بصفته بالمصاريف وخمسون جنيهاً أتعاب محاماة".
        وقد أسس ذلك الحكم قضائه على ما مفاده إن القانون رقم 147 لسنة 1957 (المعدل لنص المادة 970 من القانون المدني) قد أضاف جديداً يقضي بعدم جواز تملك الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو كسب أي حق عيني عليها بالتقادم، وهذا الحكم مستحدث ولا أثر له على ما تم كسب ملكيته بالتقادم من أملاك الدولة الخاصة (والأوقاف الخيرية) قبل تعديل المادة 970 من القانون المدني (بالقانون رقم 147 لسنة 1957)، فإذا ثبت وضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية (لمدة 33 عاماً) قبل صدور القانون رقم 147 لسنة 1957 فإنه يتم كسب ملكيتها بالتقادم ولو تم رفع الدعوى بذلك بعد صدور ذلك القانون (رقم 147 لسنة 1957).
وهذا الذي ذهب إليه الحكم صحيح قانوناً وله سنده من شروح الفقه وأحكام محكمة النقض. حيث إنه من المقرر قانوناً أن: "الوقف الخيري الذي تم كسبه بالتقادم قبل نفاذ القانون رقم 147 لسنة 1957 يبقى على ملك من كسبه، دون أن يكون للقانون سالف الذكر أثر رجعي". (لطفاً، المرجع: "الوسيط في شرح القانون المدني" – للدكتور/ عبد الرزاق أحمد السنهوري – الجزء التاسع – طبعة 2006 القاهرة – بند 376 – ص 1021).
        كما إنه من المقرر قانوناً – وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض – أن: "مؤدى نص المادة 970 من القانون المدني المعدلة بالقانون رقم 147 لسنة 1957، أنه لا يجوز اعتباراً من تاريخ العمل بهذا القانون تملك الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو كسب أي حق عيني عليها بالتقادم إلا أن يكون هذا التملك قد تم أو اكتمل بالتقادم المكسب له قبل العمل بهذا التعديل". (نقض مدني في الطعن رقم 3036 لسنة 58 قضائية – جلسة 23/1/1991. ونقض مدني في الطعن رقم 1737 لسنة 51 قضائية – جلسة 21/11/1982 مجموعة المكتب الفني – السنة 33 – صـ 1990. ومشار إليها في: "وسيط السنهوري" – المرجع السابق – بند375 – صـ 1015 – هامش 1/أ).
        كما تواتر قضاء محكمة النقض على أنه: "إن كان المشرع قد استحدث بالقرار الجمهوري رقم 147 لسنة 1957 حكماً جديداً أضافه إلى نص المادة 970 من القانون المدني يقضي بعدم جواز تملك الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة أو كسب حق عيني عليها بالتقادم، ثم أصدر القانون رقم 55 لسنة 1970 حظر به تملك أموال الوحدات الاقتصادية التابعة للمؤسسات العامة أو الهيئات العامة وشركات القطاع العام غير التابعة لأيهما أو كسب أي حق عيني على هذه الأموال بالتقادم، إلا أنه ليس لهذين التشريعين أثر رجعي، فتبقى (تلك الأعيان) في ملك من اكتسبها بالتقادم قبل نفاذ هذين القانونين". (نقض مدني في الطعن رقم 223 لسنة 48 قضائية – جلسة 2/4/1981. ونقض مدني جلسة 31/12/1981 مجموعة المكتب الفني – السنة 32 – صـ 2518. ومشار إليها في: "وسيط السنهوري" – المرجع السابق – نفس الموضع – هامش 1/ب).
        كما قضت محكمة النقض بأن: "العقار الذي انتهى تخصيصه للنفع العام يدخل في عِداد الملك الخاص للدولة، وبالتالي يجوز للأفراد اكتساب ملكيته بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية قبل نفاذ القانون رقم 147 لسنة 1957 في 13/7/1957 والذي أضاف لنص المادة 970 من القانون المدني حكماً جديداً يقضي بعدم جواز تملك الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو كسب أي حق عيني عليها بالتقادم". (نقض مدني في الطعن رقم 210 لسنة 29 قضائية – جلسة 24/5/2006. مشار إليه في: "وسيط السنهوري" – المرجع السابق – نفس الموضع – صـ 1016 – هامش 1/ج).  
        كما قضت محكمة النقض بأنه: "من الجائز قانوناً تملك عين موقوفة بالتقادم الذي تبلغ مدته ثلاثة وثلاثين عاماً وذلك قبل تعديل المادة 970 من القانون المدني" (نقض مدني في الطعن رقم 1370 لسنة 48 قضائية – جلسة 7/3/1985. مشار إليه في: "قضاء النقض في المواد المدنية "1931 : 1992" – للمستشار/ عبد المنعم دسوقي – الجزء الثاني – المجلد الثاني – القاعدة رقم 3673 – صـ 1437).   
        وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، فإنه طالما اكتسب الأفراد ملكية أعيان تابعة للوقف الخيري بوضع اليد المدة الطويلة المكسبة للملكية (وهي 33 عاماً)(1) قبل نفاذ القانون رقم 147 لسنة 1957 في 13/7/1957 فإنها تبقى على ملكهم، ولو رفعوا الدعوى بذلك بعد صدور ذلك القانون، لأن العبرة في هذا الشأن هي باكتمال مدة التقادم بالفعل قبل نفاذ القانون رقم 147 لسنة 1957، وليست العبرة بتاريخ رفع الدعوى أو تاريخ صدور الحكم فيها، طبقاً للقواعد العامة في "اكتساب الملكية بالتقادم الطويل". أما من لم تكتمل بالنسبة له مدة التقادم الطويل (33 عاماً) في تاريخ سريان ونفاذ القانون رقم 147 لسنة 1957 فإنه لا يجوز له تملك أعيان الأوقاف الخيرية بالتقادم.
        ورغم ذلك فقد خاطبت منطقة أوقاف سوهاج هيئة قضايا الدولة (فرع سوهاج) التي تباشر تلك الدعوى نيابة عن هيئة الأوقاف المصرية، بكتابها الرقيم 197 في 22/1/2008 بالطعن على ذلك الحكم بطريق الاستئناف خلال المواعيد القانونية.
إلا أن هيئة قضايا الدولة رأت عدم الطعن على ذلك الحكم بالاستئناف (كما هو ثابت من الشهادة الرسمية المستخرجة من واقع جدول محكمة سوهاج الابتدائية تفيد بعدم الطعن على ذلك الحكم بالاستئناف – حيث إن الأحكام الجزئية يتم استئنافها أمام المحكمة الابتدائية المختصة بهيئة استئنافية).
وإذ لا تملك الشئون القانونية بمنطقة أوقاف سوهاج مراجعة أو مُسألة هيئة قضايا الدولة في هذا الخصوص. لا سيما وأنه من المقرر قانوناً طبقاً لنص المادة السابعة من القانون رقم 75 لسنة 1963 في شأن تنظيم هيئة قضايا الدولة، أنه: "إذا أبدت هيئة قضايا الدولة رأيها بعدم رفع الدعوى أو الطعن لا يجوز للجهة الإدارية صاحبة الشأن مُخالفة هذا الرأي إلا بقرار مسبب من الوزير المختص".
وإزاء ذلك لم تملك الشئون القانونية بمنطقة أوقاف سوهاج – لا سيما بعد فوات مواعيد الاستئناف – سوى مخاطبة هيئة قضايا الدولة (بكتابها الرقيم 245 والمؤرخ 5/2/2008) تطلب فيه منها عمل إشكال في تنفيذ هذا الحكم سالف الذكر.
        لما كان ذلك، وكانت هيئة قضايا الدولة هي التي تباشر قضايا هيئة الأوقاف المصرية في محافظة سوهاج، وإن صحيفة الدعوى أعلنت لهيئة الأوقاف على هيئة قضايا الدولة (كما هو ثابت من الحكم الصادر فيها)، وقد باشرت هيئة قضايا الدولة تلك الدعوى نيابة عن هيئة الأوقاف، وإن منطقة أوقاف سوهاج باشرت الدعوى فقط أمام الخبرة الفنية وأثبتت لها إن أطيان التداعي تتبع الوقف الخيري ومكلفة باسمه، وإن هيئة قضايا الدولة لم تر الطعن بالاستئناف على ذلك الحكم. ومن ثم، فلا توجد أي مآخذ على الشئون القانونية بمنطقة أوقاف سوهاج.
        لما كان ما تقدم، وكانت فتوى الشئون القانونية رقم ***** حصر عام ***** لسنة 2009 قد انتهت إلى:
1-  عرض الأمر على الإدارة العامة للملكية العقارية لبحث ملكية الأرض محل البحث على ضوء الحكم المشار إليه بهذه المذكرة.
2-  وعلى أن تحال كافة المستندات والأوراق إلى الإدارة العامة للقضايا لندب أحد السادة المحامين لمراجعة ملف القضية المشار إليها وبيان أوجه القصور الذي أدى إلى صدور هذا الحكم ضد الأوقاف والمتعلقة بالملكية.
وقد اعتمدت تلك الفتوى من السيد الأستاذ/ رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية بتاريخ 11/5/2009.
        ومن ثم أفرد للموضوع – بإدارة قضايا الهيئة – الملف الماثل وقيد برقم ***** لسنة 2009 أعمال قانونية، وبعد إحالة الملف إليَّ، وبعد عدة مكاتبات ومخاطبات مع منطقة أوقاف سوهاج، وبعد مطالعة الأوراق، وبناء على كل ما تقدم:

الرأي القانوني:
* لم يتبين لنا وجود تقصير في جانب الشئون القانونية بمنطقة أوقاف سوهاج في مباشرة الدعوى رقم ***** لسنة 2005 مدني جزئي مراغة حيث لم تكن الشئون القانونية بمنطقة أوقاف سوهاج تباشر تلك الدعوى بل كانت تباشرها نيابة عن هيئة الأوقاف المصرية هيئة قضايا الدولة وقد قامت الشئون القانونية بمنطقة أوقاف سوهاج بموافاة هيئة قضايا الدولة بكافة المستندات والأوراق المتعلقة بموضوع الدعوى وكلفتها بتقديم مذكرة دفاع عن هيئة الأوقاف وباشرت الدعوى فقط أمام الخبرة الفنية وأثبتت لها إن أطيان التداعي تتبع جهة الوقف الخيري ومكلفة باسمه، وهو ما أثبته الخبير في تقريره، كما قامت الشئون القانونية بمنطقة أوقاف سوهاج بتكليف هيئة قضايا الدولة بالطعن بطريق الاستئناف على الحكم المذكور، إلا أن هيئة قضايا الدولة لم تر الطعن عليه، فقامت الشئون القانونية بمنطقة أوقاف سوهاج بتكليف هيئة قضايا الدولة بعم إشكال في تنفيذ ذلك الحكم. وبذلك فلا يوجد ثمة تقصير أو إهمال يمكن نسبته للشئون القانونية بمنطقة أوقاف سوهاج في خصوص الدعوى رقم ***** لسنة 2005 مدني جزئي مراغة.
وعلى سبيل الاحتياط الكلي نرى إحالة الأوراق إلى إدارة قضايا وزارة الأوقاف (بديوان عام الوزارة بالقاهرة)، لمخاطبة هيئة قضايا الدولة (فرع سوهاج) بعمل إشكال موضوعي "من الغير" في تنفيذ الحكم رقم ***** لسنة 2005 مدني جزئي مراغة استناداً إلى أن وزارة الأوقاف لم تكن ممثلة في ذلك الحكم الذي يراد تنفيذه على مال الوقف الخيري المملوك للوزارة والمختصة وحدها دون غيرها بالدعاوى المتعلقة بملكية الأوقاف الخيرية؛ ومن ثم التحصل على حكم "بعدم الاعتداد بالحكم رقم ***** لسنة 2005 مدني جزئي مراغة في مواجهة وزارة الأوقاف" وبالتالي عدم تنفيذه على أعيان الوقف الخيري المملوك للوزارة وعدم إجراء التغيير في بيانات السجل العيني (من اسم/ الوقف الخيري إلى اسم/ المدعي الصادر لصالحه حكم تثبيت الملكية "المستشكل ضده").
وفي حالة صدور حكم لصالح وزارة الأوقاف في ذلك الإشكال، فيمكن للوزارة – من بعده – إصدار قرار بإزالة وضع يد الغير على أعيان الوقف الخيري ومن ثم قيام الوزارة باستلامها خالية.
وفي حالة صدور الحكم في غير صالح وزارة الأوقاف – لا قدر الله – فللوزارة بحث إمكانية رفع دعوى موضوعية جديدة باسمها بطلب تثبيت ملكية جهة الوقف الخيري لأعيان التداعي، لكون الوزارة لم تكن ممثلة قانوناً في دعوى رقم ***** لسنة 2005 مدني جزئي مراغة، ولكون لكل من الوزارة والهيئة شخصية قانونية اعتبارية عامة مستقلة عن الأخرى.
هذا ما انتهينا إليه، والرأي النهائي مفوض لسيادتكم.




(1)  حيث كانت تنص الفقرة الأولى من المادة 970 من القانون المدني – قبل تعديلها – على أنه: "في جميع الأحوال، لا تكسب حقوق الإرث والوقف بالتقادم إلا إذا دامت الحيازة مدة ثلاث وثلاثين سنة". ومن المقرر في قضاء محكمة النقض أنه: "صدر القانون رقم 147 لسنة 1957 بتعديل نص المادة 970 من القانون المدني فجرى نصها على أنه لا يجوز تملك أموال الأوقاف الخيرية أو كسب أي حق عيني عليها بالتقادم، فإن مفاد ذلك أنه في الفترة السابقة على تعديل المادة 970 من القانون المدني بالقانون رقم 147 لسنة 1957 كانت مدة التقادم اللازمة لاكتساب أموال الأوقاف أو ترتيب حقوق عينية عليها (سواء في ذلك الأوقاف الخيرية أو الأوقاف الأهلية – قبل إلغائها بالقانون رقم 180 لسنة 1952) هي ثلاث وثلاثون سنة". (نقض مدني في الطعن رقم 235 لسنة 54 قضائية – جلسة 8/3/1990. ونقض مدني في الطعن رقم 706 لسنة 43 قضائية – جلسة 29/5/1979 مجموعة المكتب الفني – السنة 30 – الجزء الثاني – صـ 468. مشار إليهما في: "وسيط السنهوري" – الجزء التاسع – طبعة 2006  – بند 376 – صـ 1019 و 1020 – هامش 3/أ).