الخميس، 17 فبراير 2022

قرارات مجلس الوزراء بغلق كافة حدود الدولة ومجالها الجوي وحظر رحلات الطيران - احتجاز العمل في بلدانهم وعدم إمكان عودتهم في وقت الغلق - هل يجوز فصل العامل بحجة غيابه عن العمل سبعة أيام متصلة؟

 

الموضــــوع: استشارة عن فصل عامل محتجز خارج الكويت

بحجة تغيبه عن العمل سبعة أيام متصلة

إيماءً إلى الموضوع المنوَّه عنه أعلاه، وإلى طلب موافاتكم بالرأي القانوني فيما يتعلق بالأحكام والقوانين الواجب اتباعها بشأن الموظفين المحتجزين خارج دولة الكويت عام 2021 عند إغلاق الحدود الجوية والبرية والبحرية بقرار من مجلس الوزراء. وهل يجوز فصل العامل (المحتجز خارج الكويت وقتئذ) بحجة انقطاعه عن العمل لمدة سبعة أيام متصلة؟ وهل توجد أحكام صدرت عن المحاكم في هذا السياق؟

فإننا نفيدكم بالآتــــي:

من المقرر شرعاً وقانوناً أنه "لا التزام بمستحيل".

ومن تطبيقات هذه القاعدة الأصولية، ما نصت عليه المادة (437) من القانون المدني، من أنه: "ينقضي الالتزام إذا أثبت المدين أن الوفاء به أصبح مستحيلاً عليه لسبب أجنبي لا يد له فيه".

وجاء في المذكرة الإيضاحية للقانون، تعليقاً على هذه المادة، ما نصه: "عرض المشروع لاستحالة التنفيذ كسبب من أسباب انقضاء الالتزام بالمادة 437 ... ومؤدى الحكم الذى أوردته أن الالتزام ينقضي اذا طرأ عليه بعد نشوئه ما يجعل تنفيذه مستحيلاً بسبب أجنبي عن المدين، ويستوى في ذلك أن تكون الاستحالة فعلية أو قانونية، كما يستوى أن يكون السبب الأجنبي هو الحادث الفجائي أو القوة القاهرة أو خطأ الدائن أو فعل الغير، ويترتب على انقضاء الالتزام عدم استيفاء الدائن لحقه لا عيناً ولا بمقابل".

ومن المستقر عليه في قضاء محكمة التمييز أن: "مفاد المادة 437 من القانون المدني أنه يشترط لانقضاء الالتزام بعد نشوئه أن يثبت المدين أن الوفاء به أصبح مستحيلاً بسبب أجنبي لا يد له فيه ويجعل تنفيذه مستحيلاً استحالة دائمة مطلقة بالنسبة للكافة وليس بالنسبة للبعض دون البعض الآخر".

[[ الطعن بالتمييز رقم 343 لسنة 2006 تجاري/2 – جلسة 17/6/2007م ]]

وفي مجال الالتزامات العقدية "التي روعيت فيها المدة"، تنص المادة (215) من القانون المدني على أنه: "

1-في العقود الملزمة للجانبين، إذا أصبح تنفيذ التزام أحد الطرفين مستحيلاً لسبب أجنبي لا يد له فيه، انقضى هذا الالتزام، وانقضت معه الالتزامات المقابلة على الطرف الأخر وانفسخ العقد من تلقاء نفسه.

2- فإن كانت الاستحالة جزئية، كان للدائن، بحسب الأحوال، أن يتمسك بالعقد فيما بقى ممكن التنفيذ، أو أن يطلب فسخ العقد".

وجاء في المذكرة الإيضاحية للقانون، تعليقاً على هذه المادة، ما نصه: "وتعرض المادة 215 لأثر استحالة تنفيذ الالتزام لسبب أجنبي عن المدين في العقود الملزمة للجانبين. وهى تفرق في الحكم بين الاستحالة الكلية والاستحالة الجزئية.

فإن كانت الاستحالة كلية، انقضى التزام المدين بسببها، وانقضى معه الالتزام المقابل على الطرف الاخر، ويتفرغ العقد بالتالي من مضمونه، فينفسخ من تلقاء نفسه ويزول.

أما إذا كانت الاستحالة جزئية، فإن العقد لا ينفسخ كلياً ويكون للدائن حسب الأحوال، أن يتمسك بالعقد فيما يخص ما بقى ممكن التنفيذ من حقه وما يتناسب معه من الالتزام المقابل، أو أن يطلب فسخ العقد برمته.

وغنى عن البيان أنه في حالة زوال العقد نتيجة استحالة تنفيذ الالتزام الناشئ لسبب أجنبي عن المدين، سواء كانت الاستحالة كلية أو جزئية، لا يستحق الدائن تعويضاً ما عما يناله من ضرر بسبب تفويت الصفقة عليه كلياً أو جزئياً. فالفرض أن المدين هنا لم يخطئ. وبهذا يتميز انفساخ العقد عن فسخه. الذى لا يحول دون حق الدائن في التعويض عن الضرر الذى يرتبه له، اعتباراً بأنه يتمثل رخصة يجيزها له القانون كجزاء لإخلال المدين وتقصيره في الوفاء بالتزاماته".

ومن المقرر في قضاء محكمة التمييز أنه: "من المقرر أن مفاد المادة (215) من القانون المدني أنه في الالتزامات العقدية التي روعيت فيها المدة، وحدثت في ذلك الوقت قوة قاهرة جعلت تنفيذ الالتزام مستحيلاً طوال الوقت الواجب فيه التنفيذ، فإن الالتزام ينقضي بهذه الاستحالة، أي أن القوة القاهرة التي تحل خلال الفترة المحددة لتنفيذ الالتزام تعتبر من الظروف الطارئة التي تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً وينقضي بها الالتزام، أما إذا كانت الاستحالة مؤقتة وزالت في وقت يكون فيه تنفيذ الالتزام غير متعارض مع الغرض الذي من أجله وجد الالتزام، فإن هذه الاستحالة المؤقتة لا ينقضي بها الالتزام بل تقتصر على وقفه إلى أن يصبح قابلاً للتنفيذ بزوال هذا الطارئ وتستأنف الالتزامات المؤجلة سيرها، فلا يكون لذلك الطارئ من أثر على قيام العقد الذي يبقى شريعة المتعاقدين التي تحكم العلاقة بين أطرافه".

[[ الطعن بالتمييز رقم 103 لسنة 2007 تجاري/4 – جلسة 9/10/2008م ]]

وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، فإن صدور قرار مجلس الوزراء الكويتي بغلق كافة حدود الدولة الجوية والبرية والبحرية (لمدة محددة، مددت أكثر من مرة)؛ وقرارته بغلق مطار الكويت الدولي ووقف كافة رحلات الطيران من وإلى الكويت لفترة زمنية محددة مددت أكثر من مرة (ثم في مرحلة لاحقة بحظر استقبال رحلات الطيران من عدة دول بعينها).

ومن ثم، فإنه على فرض وجود "العامل" خارج دولة الكويت في تلك التوقيتات –سالفة الذكر– لأي سبباً كان (كإجازة، أو علاج، أو مهمة عمل أو خلافه)، فإنه يستحيل عليه عملياً الرجوع مرة أخرى إلى دولة الكويت في تلك التوقيتات المذكورة.

حيث تعد قرارات مجلس الوزراء في هذا الشأن من قبيل السبب الأجنبي –الذي لا يد ولا دخل للعامل فيها– وهذا السبب الأجنبي يعد بمثابة "استحالة مؤقتة"، تحول دون عودة ورجوع العامل إلى الكويت، لكون تلك القرارات قد جاءت "مؤقتة" بطبيعتها، حيث حدد مجلس الوزراء تاريخاً لنهايتها –حتى وإن تم تجديدها وتمديدها بعد انتهاء مدتها الأولى– وبالتالي فلا ينفسخ عقد "العمل" تلقائياً في هذه الحالة، ولكن "يوقف تنفيذه" إلى حين زوال أثر تلك القرارات ببلوغ نهايتها وعدم تجديدها.

فإذا أراد صاحب العمل الاحتفاظ بعماله، فإنه يلتزم بتجديد إقاماتهم "الكترونياً" عبر الانترنت، كما يلتزم (طبقاً لنص المادة 61 من قانون العمل) بمنحهم رواتبهم طوال فترة التعطل عن العمل والاحتجاز خارج الكويت.

حيث تنص المادة (61) من قانون العمل في القطاع الأهلي (رقم 6 لسنة 2010) على أنه: "يلزم صاحب العمل بدفع أجور عماله خلال فترة الإغلاق إذا تعمد غلق المنشأة لإجبار العمال على الرضوخ والإذعان لمطالبه. كما يلتزم بدفع أجور عماله طوال فترة تعطيل المنشأة كلياً أو جزئياً لأي سبب آخر لا دخل للعمال فيه، طالما رغب صاحب العمل في استمرار عملهم لديه".

ويقاس احتجاز العامل خارج الكويت وعدم  إمكانية عودته إليها بسبب غلق الحدود والمجال الجوي والمطار وحظر رحلات الطيران، على حالة تعطل المنشأة كلياً أو جزئياً، لاتحاد العلة بينهما، طالما كان هذا التعطل أو ذاك الاحتجاز لا دخل للعامل فيه، وبشرط رغبة صاحب العمل في استمرار العامل لديه، بما يترتب عليه عملياً من عدم إمكانية التحاق العامل بعمل لدى صاحب عمل آخر لكي يقتات منه ويعيل عائلته ومن يلتزم بنفقتهم ويعتمدون عليه في معيشتهم.

أما إذا أراد صاحب العمل إنهاء علاقة العمل مع عماله المحتجزين خارج الكويت (للتخلص من عبء التزامه برواتبهم دون الاستفادة الفعلية من عملهم، أو لأي سبب آخر)، فإنه يلتزم –في هذه الحالة– بمنحهم كافة حقوقهم العمالية، مع رواتبهم خلال فترة التعطل عن العمل والاحتجاز بالخارج حتى تاريخ إنهاء خدماتهم، والتي تدخل جميعها في حساب مدة خدمة العامل، وتشمل هذه الحقوق العمالية الواجب سدادها للعامل: مقابل فترة الإنذار ومكافأة نهاية الخدمة ورصيد إجازاته ورواتبه المتأخرة وكافة المستحقات العمالية الأخرى أياً ما كانت.  

ولكنه –في جميع الأحوال– لا يجوز قانوناً لصاحب العمل اعتبار العامل (المحتجز في الخارج، خلال فترة غلق حدود الدولة، وغلق مطارها) "مستقيل حكماً" لتغيبه لمدة سبعة أيام متصلة. وذلك لعدم انطباق شروط المادة (42) من قانون العمل على تلك الحالة.

حيث تنص المادة (42) من قانون العمل في القطاع الأهلي (رقم 6 لسنة 2010) على أنه: "إذا انقطع العامل عن العمل دون عذر مقبول لمدة سبعة أيام متصلة أو عشرين يوماً متفرقة خلال سنة جاز لصاحب العمل اعتباره مستقيلاً حكماً، وفي هذه الحالة تسري أحكام المادة (53) من هذا القانون في شأن استحقاق العامل لمكافأة نهاية الخدمة".

فمناط اعتبار صاحب العمل أن عامله قد استقال حكماً من وظيفته لديه، هو أن يتغيب العامل عن العمل (لمدد المذكورة) بدون عذر مقبول.

ومن المقرر في قضاء محكمة التمييز أن: "النص في المادة (42) من القانون رقم 6 لسنة 2010 في شأن العمل في القطاع الأهلي –المنطبق على واقعة الدعوى– على أنه "إذا انقطع العامل عن العمل دون عذر مقبول لمدة سبعة أيام متصلة أو عشرين يوما متفرقة خلال سنة، جاز لصاحب العمل اعتباره مستقيلاً حكماً، وفي هذه الحالة تسري أحكام المادة (53) من هذا القانون في شأن استحقاق العامل لمكافأة ونهاية الخدمة"؛ تدل –على ما جاء بالمذكرة الإيضاحية– على أن لصاحب العمل أن يعتبر العامل مستقيلاً إذا انقطع عن العمل مدة سبعة أيام متصلة أو عشرين يوماً متفرقة خلال سنة، على أن تسري أحكام المادة (53) بشأن قواعد احتساب مكافأة نهاية الخدمة إذا توافرت مبررات ذلك، وكان تقدير قيام هذا المبرر أو عدم قيامه هو من مسائل الواقع التي تستقل بها محكمة الموضوع التي لها سلطة تحصيل وفهم الواقع في الدعوى وتقدير ما يقدم فيها من الدلائل والمستندات وحسبها أن تقيم قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله".

[[ الطعن بالتمييز رقم 102 لسنة 2015 عمالي/1 – جلسة 10/4/2017م ]]

هذا فضلاً عن أن عدم وجود عذر مقبول للعامل في تغيبه عن العمل، يكشف عن نيته في التخلي عن العمل لدى صاحب العمل، بما تحمل من دلالة على "استقالته الضمنية" من عمله. وهذه الاستقالة الضمنية يصعب –إن لم يستحيل– افتراضها في العامل المحتجز رغماً عنه خارج الكويت والممنوع من العودة إليها عملياً بسبب غلق الكويت لحدودها ومجالها الجوي ومطارها. فإذا لم يكن ذلك عذراً مقبولاً فما هو العذر الذي يمكن وصفه إذن بأنه "مقبول" ؟؟!!

ثم إن الاستقالة الحكمية إنما تبنى وتؤسس على وجود إرادة ضمنية لدى العامل في ترك العمل، وهذه الإرادة الضمنية يكشف عنها تغيبه عن العمل بدون عذر مقبول.

و"التعبير الضمني" عن الإرادة قد أجازته المادة (35) من القانون المدني بنصها على أنه: "يجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنياً، ما لم يستلزم القانون أو الاتفاق أو طبيعة المعاملة أن يجئ صريحاً".

إلا أن "التعبير الضمني" لا يكون إلا باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود منه.

حيث  إنه من المقرر قانوناً، وعلى ما جرى عليه قضاء محكمة التمييز، فإن: "المقرر أن إسقاط الحق بوصفه تعبيراً عن إرادة صاحبه في التخلي عن منفعة مقررة يحميها القانون لا يكون إلا صراحة أو باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود منه. لما كان ذلك وكانت الأوراق قد خلت مما يقطع بأن المستأنف ضدهم تنازلوا عن حقهم المستمد من الحظر الوارد بالبند الثالث عشر من عقد التخارج، وأن تأخرهم في مقاضاة المستأنف عن إخلاله بالتزامه بموجب هذا البند ليس فيه من الدلالة القاطعة على حصول هذا التنازل، سميا وأنهم قد تجاهلوا كتاب الشركة الأجنبية إليهم بما تضمنه من سحب وكالة التوزيع منهم وإسنادها إلى المستأنف، ووجهوا إليها مطالبة بتوريد بضائع لهم ولم يطلبوها من المستأنف، ولم يردوا على عرض الأسعار الوارد منه، بما يستفاد منه أنهم متمسكون بوكالة التوزيع وبالشرط التي تضمنه البند الثالث عشر والذي يحظر على المستأنف الاشتغال بنشاط مماثل لنشاطهم ومنافس لهم فيه، لما كان ما تقدم فإن ما يثيره المستأنف من وجه دفاع في هذا الخصوص يكون على غير أساس".

[[ الطعنان بالتمييز رقما 618 و 622 لسنة 2006 تجاري/3 – جلسة 12/6/2007م ]]

ومن ثم، فإنه لا مجال للزعم بوجود إرادة ضمنية أو تعبير ضمني عن إرادة العامل في الاستقالة من عمله، لكونه محتجزاً خارج الكويت ولا يستطيع عملياً وفعلياً العودة إليها بسبب غلق الحدود الكويتية ومجالها الجوي ومطارها، فهذا الاحتجاز لا إرادي وخارج عن إرادة العامل ولا يد له فيه، لذا فلا يعقل ولا يقبل قانوناً الزعم بوجود "تعبير ضمني" –باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود منه– من العامل في الاستقالة من عمله (بذريعة تغيبه عن العمل).

هذا، ونحيطكم علماً بأنه لم يتصل علمنا بأية أحكام قضائية صدرت حديثاً بشأن تطبيق تلك القواعد القانونية المقدم ذكرها فيما يتعلق بفترة غلق حدود الدولة ومجالها الجوي ومطارها. وفي حال تحصلنا عليها (في حال صدورها) سنوافيكم بنسخة منها.

هذا، وفي حال وجود أي استسفار، يسعدنا مناقشته معكم.

مع تمنياتنا لكم بدوام التوفيق والسداد.

شاكرين دوماً ثقتكم بمكتبنا.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير،،،