السبت، 6 مارس 2010

من صور الإيجاب في عقود البيع

من صور الإيجاب في عقد البيع

عقد البيع مثله في ذلك مثل سائر العقود يلزم لانعقاده وجود إرادتين صحيحتين متوافقتين, وهاتان الإرادتان المتقابلتان يعرفان بالإيجاب والقبول.
حيث نصت المادة 89 من القانون المدني على أن: "يتم العقد بمجرد أن يتبادل (طرفان) التعبير عن إرادتين متطابقتين، مع مراعاة ما يقرره القانون فوق ذلك من أوضاع معينة لانعقاد العقد"
وعليه فيجب أن يتوافر التراضي بين إرادتي البائع والمشتري حتى ينعقد عقد البيع.
ويعني ذلك أن يتم التعبير عن الإرادة من المتعاقدين, وأن تتوافر في كل منهما إرادة التصرف, وأن تكون تلك الإرادة خالية من العيوب.
ولم يرد بشأن عقد البيع شكل معين اشترطه المشرع كي يترتب على توافره انعقاد عقد البيع بصفة عامة، وبالتالي فيطبق في شأن عقد البيع بالنسبة إلى كيفية التعبير عن الإرادة القواعد العامة للعقد بصفة عامة، فلما كان الرضا، وهو اقتران ارادتين متطابقتين، أي وجود إيجاب معين وقبول مطابق له، واقترن الأخير بالأول أي وصوله إلى علم الموجب. فمن الجائز التعبير عن كل من الإيجاب والقبول أي عن إرادة البيع وإرادة الشراء بأية طريقة سواء باللفظ أو بالكتابة أو بالإشارة المتداولة عرفاً، بل من الجائز التعبير عنهما باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود، وكذلك يجوز أن يكون التعبير ضمنياً إذا لم ينص القانون أو يتفق الطرفان على أن يكون صريحاً (المادة 90 من القانون المدني).
فعقد البيع عقد رضائي، لأنه يتم بمُجرد اتفاق الطرفين، ولا يحتاج انعقاده إلى إجراء شكلي، أي أنه يتم بمُجرد تبادل ارادتين متطابقتين أياً كانت طريقة هذا التبادل، كتابة كانت أو مشافهة أو إشارة.
ويستثنى من ذلك بيع السفن التجارية إذ اعتبره المشرع عقداً شكلياً ونص في الفقرة الأولى من المادة الحادية عشر من قانون التجارة البحرية الجديد رقم 8 لسنة 1990 على أن: "تقع التصرفات التي يكون موضوعها إنشاء أو نقل أو انقضاء حق الملكية أو غيره من الحقوق العينية على السفينة بمحرر رسمي وإلا كانت باطلة".
وهو ذات الحكم الذي كان ينص عليه قانون التجارة البحرية القديم الصادر من الباب العالي في عام 1883 والذي كانت تنص المادة الثالثة منه على أن: "بيع السفينة كلها أو بعضها اختيارياً يلزم أن يكون بسند رسمي سواء حصل قبل السفر أو في أثنائه وإلا كان البيع لاغياً".
هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "لم يعن قانون التجارة البحري الصادر عام 1883 بتعريف السفينة إلا أنه يمكن تحديد معناها بالرجوع إلى أحكام ذلك القانون التي يبين منها أن نطاقه يتحدد بأعمال الملاحة البحرية وأن السفينة هي الأداة الرئيسية لهذه الملاحة. وعلى ذلك إذا أطلقت عبارة السفينة في بعض نصوصه بغير قيد كما هو الحال بالمادة الثالثة منه التي تنص على أن "بيع السفينة كلها أو بعضها بيعاً اختيارياً يلزم أن يكون بسند رسمي سواء حصل قبل السفر أو في أثنائه وإلا كان البيع لاغياً" [والمُقابلة لنص الفقرة الأولى من المادة الحادية عشر من قانون التجارة البحرية الجديد رقم 8 لسنة 1990] فإن مفاد ذلك هو إخضاع كل منشأة عائمة تقوم بالملاحة البحرية لحكم هذا النص بغض النظر عن حمولتها أو حجمها أو طريقة بنائها أو أبعادها وأيا كانت أداتها المسيرة شراعية أو بخارية وسواء أعدت السفينة بحسب صنعها لتحمل مخاطر الملاحة في أعالي البحار أو لمجرد الملاحة الساحلية أو الحدية وبغير التفات إلى الغر ض من تشغيلها بأن كانت سفينة تجارية أو سفينة للصيد أو النزهة". (نقض مدني في الطعن رقم 58 لسنة 25 قضائية – جلسة 7/5/1959 مجموعة المكتب الفني – السنة 10 – صـ 395 – فقرة 1).
ومثل بيع الطائرات.
وكذلك التصرف في حق المؤلف والحقوق المجاورة. ويقصد بالحقوق المجاورة لحق المؤلف: "الحقوق الخاصة بالأشخاص الذين تدور أعمالهم في فلك استغلال المصنف الأدبي أو الفني والمترتبة لهم بناء على الدور الذي نفذوه فيه، مثل فنانو الأداء، ومنتجو التسجيلات الصوتية، وهيئات الإذاعة., على النحو الذي نظمه القانون رقم 82 لسنة 2002 المنظم لحقوق الملكية الفكرية، حيث تنص المادة 149 من قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 على أن للمؤلف أن ينقل إلى الغير كل أو بعض حقوقه المالية المبينة في هذا القانون. ويُشترط لانعقاد التصرف أن يكون مكتوباً وأن يُحدَد فيه صراحة وبالتفصيل كل حق على حده يكون محلاً للتصرف مع بيان مداه والغرض منه ومدة الاستغلال ومكانه ...".
ومثل التنازل عن العلامات التجارية وعن براءات الاختراع, حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 21 من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002 على أنه: "... لا تنتقل ملكية البراءة ولا يكون رهنها أو تقرير حق انتفاع عليها حجة على الغير إلا من تاريخ التأشير بذلك في سجل البراءات". فالتنازل عن البراءة سواء كان كلياً أو جزئياً يخضع في أحكامه لعقد البيع بصفة عامة. وبالتالي فإن التنازل يتم بمجرد موافقة إرادة كل من المتنازل والمتنازل إليه دون حاجة إلى إجراء شكلي أو رسمي لذلك. إلا أنه لكي يحتج على الغير بمثل هذه التصرفات لا بد من إتباع إجراءات معينة وهي التأشير بالتنازل في سجل البراءات. وعليه، فالكتابة هنا ليست للانعقاد بل للاحتجاج في مواجهة الغير(بحسب أن التأشير في سجل البراءات يفترض بداهة كتابة العقد). أما فيما بين المتعاقدين (المتنازل والمتنازل إليه) فلا يستطيع أحدهما التمسك بعدم إتمام إجراءات التسجيل في مواجهة الآخر.
وكذلك الحال بالنسبة للعلامات التجارية فتنص المادة 87 من ذات القانون على أنه يجوز نقل ملكية العلامة التجارية أو تقرير أي حق عيني عليها أو الحجز عليها استقلالاً عن المحل التجاري أو مشروع الاستغلال، وذلك وفقاً للقواعد والإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون والتي تنص الفقرة 6 من المادة 102 من تلك اللائحة التنفيذية (لقانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002) الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء برقم 1366 لسنة 2002 على أنه: "يقدم طلب التأشير في السجل بانتقال ملكية العلامة أو ترتيب أي حق عليها وذلك بناء على طلب ممن انتقل إليه الحق أو من يوكله في ذلك بموجب توكيل خاص رسمي. ويحرر الطلب على النموذج المعد مشتملاً على البيانات الآتية: ... 6- المستند الدال على انتقال الملكية موثقاً أو مصدقاً عليه". مما يفترض بداهة في حالة بيع العلامة التجارية أن يكون عقد بيعها أو التنازل عنها مكتوباً حتى يمكن توثيقه أو التصديق عليه ومن ثم التأشير به في سجل العلامات التجارية، ولكن أثر ذلك فقط للاحتجاج به على الغير أما فيما بين المتعاقدين فلا يجوز لأحدهما التمسك قِبل الآخر بعدم إتمام إجراءات تسجيل انتقال ملكية العلامة التجارية (بتطبيق ذات القواعد بشأن براءة الاختراع).
فالتسجيل يقتضي تدوين عقد البيع في محرر لأن التسجيل لا يرد على العمل القانوني في ذاته بل على المحرر المُثبت له.
    وفي غير هذه الحالات المستثناة، فإذا لم يدون عقد البيع في محرر، وكان مما يُشترط تسجيله، جاز إثباته من طريق الإقرار أو اليمين أو غيرهما وفقاً لقواعد الإثبات، وقام الحكم المثبت له مقام المحرر الذي يصدر من الطرفين من حيث التسجيل. فالتسجيل يقتضي تدوين عقد البيع في محرر لأن التسجيل لا يرد على العمل القانوني في ذاته بل على المحرر المُثبت له.  
أما إذا تم تحرير عقد البيع كتابة ولكن لم يثبت التراضي عليه، فلا عبرة بالكتابة إذ مناط التعاقد هو التراضي وليس الكتابة، فمن المقرر في قضاء النقض أن: "التعاقد لا يعتبر تاماً ملزماً بمجرد تدوين نصوصه كتابةً ولو حصل التوقيع عليها بل أنه لابد من قيام الدليل على تلاقى إرادة المتعاقدين على قيام الالتزام ونفاذه وهذا ما يقتضي تسليم السند المُثبت له لصاحب الحق فيه بحيث لو تبين إنه لم يسلم إليه مطلقاً لما صلح هذا دليلاً على الالتزام، كذلك إذا تبين أنه قد حرر مكتوب بالتعاقد ولكنه سلم "لأمين" فإنه يتعين البحث في ظروف وشروط تسليم ذلك المكتوب للأمين". (نقض مدني في الطعن رقم 220 لسنة 18 قضائية – جلسة 21/12/1950 مجموعة المكتب الفني – السنة 2 – صـ 185 – فقرة 1).
وعلى ذلك يمكن القول بأن عقد البيع ينعقد بمجرد تبادل الإرادتين المتوافقتين (أي الإيجاب والقبول) بين البائع والمشتري متى ما كانت الإرادتين متطابقتين بشأن الالتزامات المتبادلة وأهمها نقل ملكية وتسليم المبيع للمشتري ودفع الثمن للبائع.
وتسري على تبادل الإيجاب والقبول الأحكام العامة التي نص عليها المُشرع في المواد 90 وما بعدها من القانون المدني. 
الإيجاب الموجه إلى الجمهور:
من الشائع حالياً أن يعلن منتجو السلع عن بضائعهم وسلعهم سواء بعرضها في واجهات محلاتهم مع كتابة أثمانها عليها، أو بالنشر عنها مع أثمانها في الجرائد والصحف أو في نشرات خاصة يرسلونها إلى عملائهم أو يوزعونها على أفراد الجمهور، أو عبر وسائل الإعلام لا سيما المرئية منها فيما أصبح يعرف بـ: "التسوق عبر شاشة التليفزيون"، أو "التجارة الإلكترونية" عبر شبكة الإنترنت.
عرض السلع في المتاجر:
عرض السلع في واجهات المحلات مع كتابة أثمانها عليها، لا نزاع في أنه يعتبر إيجاباً صريحاً لأن التاجر يتخذ بذلك موقفاً لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على أنه يقصد بيع هذه البضائع بالثمن المكتوب عليها (المادة 90 مدني فقرة أولى).
الإعلان عن السلع في الصحف أو في نشرات خاصة:
الإعلان عن السلع مع بيان أثمانها في الجرائد أو في نشرات توزع على الجمهور أو "كتالوجات"، يعتبر – في الغالب – إيجاباً صحيحاً صالحاً لأن يقترن به القبول. ولكن أيترتب على ذلك التزام التاجر بإجابة جميع الطلبات التي تقدم إليه بشأن السلع التي أعلن عنها؟
إن القول بذلك يقتضي أن يكون لدى التاجر قدر من هذه السلع لا ينفذ أو على الأقل يفي بجميع الطلبات، وهو أمر نادر الوقوع.
ولذلك يجب في تعيين مدى التزام التاجر في هذه الحالة النظر في العلاقة التعاقدية بينه وبين العملاء الذين يتقدمون إليه بطلباتهم وتفسيرها بحسب النية المشتركة للمتعاقدين مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقاً للعرف الجاري في المعاملات.
بيع السلع عبر شاشة التليفزيون:
بيع السلع بواسطة التسوق عبر شاشة التليفزيون يتم فيه عرض سلعة معينة (مع الدعاية التجارية لها)، وبيان مزاياها وتحديد أوصافها، والأسعار الجاري التعامل بها (بالإضافة إلى مصاريف الشحن)، وللمتلقي أن يتصل هاتفياً بأرقام التليفونات التي تظهر على الشاشة في عدة دول لإرسال الثمن، وتسلم المبيع عن طريق مندوب، وعادة ما يتم الإعلان عن أن هذه السلعة لا تُباع في الأسواق.
ويثور التساؤل حول طرح السلع بواسطة التليفزيون، هل يعتبر إيجاباً، أم دعوة إلى التعاقد أو إلى التفاوض قد تنتهي بدورها إلى صياغة محددة تعتبر إيجاباً ينعقد بها العقد إذا صادفه قبول أو قد لا تنتهي إلى هذه النتيجة.
وإذا ما اعتبر العرض إيجاباً بالبيع، صادفه قبول مطابق، فهل ينعقد العقد بين حاضرين أم بين غائبين، مع ما يترتب على ذلك من نتائج تمس القوة الملزمة للإيجاب بصفة خاصة.
طبقاً للقواعد العامة في القانون المدني، فإن العقد ينعقد بتوافق إرادتي المتعاقدين "الإيجاب والقبول" (المادة 89 مدني مصري).
والإيجاب عرض بات بنية الارتباط بالعقد إذا صادفه قبول مطابق. ويتعين أن يتضمن الإيجاب، العناصر الأساسية للعقد المراد إبرامه بحيث يتم التعاقد بمجرد أن يقترن به قبول مطابق. فالإيجاب بالبيع يجب أن يتضمن المبيع والثمن، فإذا حدد المبيع، والثمن، فلا يلزم بعد ذلك أن يشتمل الإيجاب على المسائل التفصيلية للعقد. حيث يمكن الرجوع بشأنها إلى القواعد المكملة لإرادة المتعاقدين، ومن ذلك مكان تسليم المبيع الثمن مثلاً.
فقد نص المشرع على أنه: "إذا اتفق الطرفان على جميع المسائل الجوهرية في العقد، واحتفظا بمسائل تفصيلية يتفقان عليها فيما بعد، ولم يشترطا أن العقد لا يتم عند عدم الاتفاق عليها، اعتبر العقد قد تم، وإذا قام خلاف على المسائل التي لم يتم الاتفاق عليها، فإن المحكمة تقضي فيها طبقاً لطبيعة المعاملة ولأحكام القانون والعرف والعدالة" (المادة 95 مدني).
وهكذا، فإن المسائل الجوهرية يجب أن يتضمنها الإيجاب حتى ينعقد به العقد بقبول مطابق، أما المسائل التفصيلية فلا يشترط أن يتضمنها، ويلزم – مع ذلك – ألا يقوم بشأنها خلاف.
ولقد لوحظ عملاً أن العرض الذي يحمل في طياته ألفاظاً محددة بالبيع يعتبر إيجاباً – مع افتراض توافر العناصر الأخرى – ولا يؤثر في ذلك أن تذيل العرض عبارات من نوع "أن هذا العرض لا يعتبر عقداً إلا إذا طابقه قبول" أو عبارات "اقتراح بإيجاب، أو نداء بإيجاب" أو عبارات من نوع "دون أي تعهد من جانبنا" أو "أن هذا العرض لا يعتبر وثيقة تعاقدية".
وبتطبيق القواعد العامة على بيع السلع بواسطة التليفزيون نجد أن العرض إذا تضمن جميع العناصر الأساسية للعقد من حيث تحديد المبيع والثمن فإنه يعتبر إيجاباً صالحاً لأن يقترن به قبول المتلقي.
فإذا لم يتضمن العرض هذه العناصر الأساسية فإنه لا يعدو أن يكون مجرد دعوة إلى التعاقد أو التفاوض، حيث يدعو مقدم البرنامج المشاهدين للدخول معه في مناقشات ومساومات قد تنتهي إلى صياغة عرض محدد يعتبر إيجاباً، أو قد لا تنتهي إلى هذه النتيجة. كأن يحدد العرض أوصاف السلعة ولكنه يترك السعر ليكون موضوعاً للمناقشة أو المساومة، وأرفق عرضه بتحديد لأرقام الهاتف ليقوم المشاهد بالاتصال فإن ذلك لا يعتبر إيجاباً، وإنما دعوة للتعاقد ويكون اتصال المتلقي هاتفياً إيجاباً ينعقد به العقد إذا لحقه قبول مطابق.
وفي البيع بالتليفزيون يمكن للبرنامج أن يعلن عن بيع كمية محدودة فيكون الإيجاب في هذه الحالة معلقاً على شرط "عدم نفاذ الكمية المعروضة"، فإذا نفذت السلعة سقط الإيجاب.
ومن التحفظات التي نشاهدها عادة في برامج عرض السلع بالتليفزيون أن هذا العرض يظل سارياً حتى مدة معينة، أو أن التخفيض على الأسعار يظل سارياً حتى نفاذ الكمية. وهي تحفظات عمومية لا تعدم الإيجاب. فالقاعدة أن الإيجاب الموجه للجمهور كالإيجاب الموجه لشخص محدد يلزم به صاحبه إذا كان جازماً يتضمن العناصر الجوهرية للعقد. وهو المبدأ الذي وضعته محكمة النقض الفرنسية منذ زمن بعيد، وسار على هديه القضاء في مصر.
أما إذا احتفظ مقدم البرنامج لنفسه بإمكانية تعديل العرض، أو حقه في رفض البيع دون تحديد الأسباب، فإن العرض لا يعدو كونه دعوة إلى التعاقد.
من حيث إنه قد انتهينا بأن عرض السلع أو الخدمات بطريق التليفزيون يعتبر إيجاباً بالبيع بافتراض شموله عناصر العقد الأساسية، فإن الإيجاب يظل ملزماً لصاحبه مدة معينة بحيث ينعقد العقد إذا لحقه قبول مطابق خلال هذه المدة. وهو ما يطلق عليه القوة الملزمة (la force obligatoire) للإيجاب، وهي مسألة تختلف في التعاقد بين حاضرين "في مجلس العقد" عنها في التعاقد بين غائبين "بيوع المسافات".
وبيع السلع عن طريق التليفزيون لا يخرج عن كونه بيعاً بين حاضرين من حيث الزمان، ذلك أن البرنامج يعرض السلعة، مع بيان الثمن المحدد لها، ويطلب من المشاهد الاتصال به هاتفياً، وعندها ينعقد العقد بين حاضرين حيث لا توجد فترة زمنية بين صدور القبول، وعلم الموجب به. أما الرسالة التي يبعث بها المشاهد بعد ذلك إلى البرنامج مع المبلغ المحدد فهي لا تعدو أن تكون تنفيذاً لعقد سبق إبرامه. وبالتالي فإن عدم الوفاء بالمبلغ المحدد، أو التأخر في الدفع يدخل في نطاق قواعد تنفيذ العقد لا قواعد إبرام العقد، وشتان بين الجزاء في قواعد تنفيذ البيع وقواعد إبرامه. ففي الأولى يمكن للبرنامج أن يدفع بعدم التنفيذ أو يفسخ البيع مع المطالبة بالتعويض إن كان له مقتض، بينما يكون البطلان أو الإبطال هو الجزاء المترتب على مخالفة أحكام انعقاد العقد.
وهكذا فإن التعاقد بالتليفزيون لا يثير صعوبة تذكر إلا فيما يتعلق بتعيين مكان انعقاد العقد، إذ يأخذ في هذه الناحية حكم التعاقد بين الغائبين. وطبقاً للقواعد العامة فإن البيع بالتليفزيون، كالبيع بالتليفون، وما شابهه يكون قد تم في مكان الموجب، إذ فيه يحصل علم الموجب بالقبول ما لم يتفق على غير ذلك. وإذا افترضنا أننا بصدد إيجاب دولي عبر الحدود في تليفزيون يعرض للسلع أو الخدمات عن طريق الأقمار الصناعية (بالقنوات الفضائية) فإن تحديد مكان انعقاد العقد يصبح ضرورياً لتطبيق قواعد تنازع القوانين، حيث يخضع العقد من حيث الشكل إلى قانون البلد الذي أبرم فيه، ويخضع من حيث الموضوع لقانون هذا البلد إذا اختلف طرفاه موطناً ولم يتفقا على سريان قانون آخر عليه.  
مع ملاحظة أنه إذا كان التسوق – في هذه الحالة - يتم عبر الفضائيات وعبر حدود أكثر من دولة، فإنه يمكن أن يدخل في نطاق تطبيق اتفاقية فيينا لعام 1980 الخاصة بالبيع الدولي للبضائع، إذا توافرت سائر شروطه.
أنظر في تفصيل ذلك: بحث بعنوان "حق المشتري في إعادة النظر في عقود البيع بواسطة التليفزيون – ماهية البيع بالتليفزيون – وكيفية انعقاد العقد – وحق المشتري في إعادة النظر، أحكامه وطبيعته القانونية" – للدكتور/ أحمد السعيد الزقرد – منشور في "مجلة الحقوق" مجلة فصلية محكمة تعنى بالدراسات القانونية والشرعية تصدر عن مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت – العدد الثالث – السنة التاسعة عشر – سبتمبر 1995 – صـ 179 وما بعدها.
التجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت:
يمكن التعبير عن الإيجاب الإلكتروني (L’offre électronique) عبر الإنترنت باستخدام رسائل البريد الإلكتروني. بحيث تمثل الرسالة إيجاباً لإبرام عقد مُرسل إلى شخص واحد أو أشخاص مُحددين ما داموا مُعرفين على نحو كاف وكانت تشير إلى نية مرسل الإيجاب في أن يلتزم في حالة القبول، ولكن لا يعتبر إيجاباً الرسالة المتاحة إلكترونياً بوجه عام إلى الكافة (كإعلان) ما لم يُشر إلى غير ذلك. (الفقرة الثانية من المادة الثالثة من مشروع العقد النموذجي في شأن المعاملات الإلكترونية المحلق بقانون الأمم المتحدة النموذجي.
ومن القوانين العربية الحديثة من ضمنت قوانينها نصوصاً صريحة باعتبار المراسلة الإلكترونية وسيلة للتعبير عن الإيجاب والقبول، ومنها ما نصت عليه المادة 13 من القانون الإماراتي رقم 2 لسنة 2002 بشأن المعاملات والتجارة الإلكترونية بنصها على أنه: "لأغراض التعاقد، يجوز التعبير عن الإيجاب والقبول جزئياً أو كلياً بواسطة المراسلة الإلكترونية". وكذلك المادة الأولى من القانون التونسي رقم 83 لسنة 2000 بشأن المبادلات والتجارة الإلكترونية، والمادة 10 من القانون البحريني الصادر في 14/9/2002 بشأن التجارة الإلكترونية.
على أنه يلزم أن يتم الإيجاب الإلكتروني بأسلوب مكتوب، واضح ومفهوم وسهل القراءة، بأية لغة تكون مفهومة لمتلقي الإيجاب، مع ملاحظة أن شبكة الإنترنت شبكة عالمية والتجارة الإلكترونية عبرها غالباً ما تكون عابرة للحدود لذا فلا يشترط أن يكون الإيجاب فيها بلغة معينة بذاتها. 
كما ينبغي أن يتضمن الإيجاب – طبقاً للقواعد العامة – العناصر الجوهرية للعقد، بأن يتضمن وصفاً دقيقاً للمنتج أو الخدمة، وذلك بتحديد الاسم والكمية والنوع وأن يكون مقروناً بالصور والرسوم الملونة والتي تعرض صفات المنتج بدقة ووضوح وبأسلوب صادق وأمين على نحو يتجنب الإعلانات الخادعة. وكذلك يجب أن يتضمن بيان الثمن بوضوح، وبيان ما إذا كان يشمل مصاريف النقل والشحن والرسوم الجمركية من عدمه، وبيان وسيلة الدفع، ويلاحظ أنه غالباً ما يتم الوفاء بالثمن – في العقود الإلكترونية عن بعد – باستخدام وسائل الوفاء الإلكترونية مثل بطاقات الوفاء والائتمان المصرفية.
وأن يسمح بحفظ الشروط التعاقدية الواردة فيه، على دعامة إلكترونية أو أية دعامة أخرى مستديمة، بحيث يمكن استرجاعها مرة أخرى عند الضرورة.
وما يقال عن الإيجاب الإلكتروني، ينطبق كذلك على القبول الإلكتروني (L’acceptation électronique).
ونظراً لأن الإيجاب والقبول الإلكتروني يتم عن بعد عبر تقنيات الاتصال، ودون حضور مادي للطرفين، لذا يلزم من الضروري التحقق من شخصية الأطراف المتعاقدة – بصورة فنية دقيقة – بما يحقق الأمان والثقة في المعاملات المتبادلة إلكترونياً، ويجنب الأطراف أي شكل من أشكال الخداع.
ووفقاً لنص المادة 121 – 18 من قانون الاستهلاك الفرنسي فإنه ينبغي: "في كل إيجاب لبيع أموال أو تقديم خدمات عند بعد، يلتزم المهني بأن يوضح للمستهلك: اسم مشروعه، وأرقام هواتفه، وعنوان مركز إدارته إذا كان مختلفاً عن المنشأة المسئولة عن الإيجاب؛ كما يلتزم مقدم المنتج أو الخدمة بأن يكون ايجابه كاملاً، وأن يتضمن عدداً من البيانات، التي تسمح بتحديد هويته، وعلى النمط ذاته يلتزم المستهلك بأن يرشد مقدم المنتج أو الخدمة عن اسمه، وعناصر تحديد هويته المادية والإلكترونية.
وينبغي فضلاً عما تقدم، على مقدم المنتج أو الخدمة أن يوضح للمستهلك، سياسته ومهارته بصدد حماية المعطيات والمعلومات الشخصية، وذلك حتى يوفر للمستهلك الأمان والثقة في حالة الإفصاح عن بعض المعلومات أو المعطيات الشخصية الخاصة به بصدد المعاملة المطلوبة، وبحيث لا يتمكن أحد من الإطلاع عليها إلا الأطراف المعنية المسموح لها بذلك. 
هذا، والله أعلى وأعلم،،،