الخميس، 8 يوليو 2010

إثبات الواقعة السلبية أو إثبات النفي


إثبات الواقعة السلبية – أو إثبات النفي؟!
من الشروط المسلم بها والواجب توافرها في الواقعة محل الإثبات أن تكون "محددة".
فمما لاشك فيه أن تجهيل الواقعة يجعلها غير قابلة للإثبات لأن الإقناع لا ينصب بداهة على أمر غامض أو مبهم. ويرجع ما تقدم إلى أن أساس الإقناع هو الفهم، والفهم لا بد له من الدقة والتحديد ووضوح البيان.
وهو ما يعبر عنه بعض الشراح بقولهم أن الواقعة يجب أن تكون "معينة" أو "محصورة", وهذه كلها مترادفات تؤدي إلي نفس المعني.
وهكذا فإنه إذا كانت الواقعة محددة فإنها تصلح لأن تكون محلاً للإثبات, ويستوي في هذا أن تكون واقعة إيجابية أو أن تكون واقعة سلبية.([1])
فإثبات عقد أو إثبات فعل ضار كمصدر للحق هو إثبات لوقائع إيجابية, أما الوقائع السلبية المحددة فيمكن إثباتها بإقامة الدليل على واقعة إيجابية منافية لها([2]), ذلك أن كل واقعة سلبية محددة تتضمن واقعة إيجابية مضادة لها وإثبات الواقعة السلبية  إنما يكون بإثبات الواقعة الإيجابية المضادة لها.
وعلي ذلك فالواقعة محل الإثبات هي الواقعة المحددة دون الواقعة غير المحددة التي لا تصلح لأن تكون محلاً لأي إثبات ومن أمثلة الوقائع غير المحددة:
-   أن يدعي أحد الأشخاص الملك المطلق (أي دون بيان سبب التملك) أو يقول أنه مالك بعقد ولا يحدد ماهية ذلك العقد هل هو عقد شراء أم هبة ...الخ
-        أو أن يدعي أحد الأشخاص مرض الموت دون أن يبين ماهيته
-        أو أن يدعي وضع اليد دون أن يحدد عنصره الزمني أي مدته وتاريخ بدايته.
فمثل هذا الغموض كفيل بان يجعل الإدعاء مستعصياً على الإثبات ويؤدي بالتالي إلى رفض الدعوى لعدم إثبات المُدعي لدعواه.([3])
وإلى هنا نجد أن هذا الشرط لا صعوبة فيه بل ويكاد أن يكون بديهياً.
وحقيقة الأمر أن البلبلة إنما ثارت بسبب ما تردد في بعض المؤلفات من أن "إثبات النفي" مستحيل، لأن النفي أمر غير محدد.
وهذا الرأي ناتج عن خطأ وقع فيه بعض الشراح في فهم كلمة "النفي", حيث لم يفهمونها على معناها الحقيقي وهو الإنكار بل فهموها علي معني الأمر السلبي أو الواقعة السلبية.([4])
ولعدم الوقوع في هذا الخطأ في الفهم يجب الاحتفاظ بالفرق بين تقسيم الوقائع إلى إيجابية وسلبية وتقسيمها – أي الوقائع – إلى محددة ومطلقة, فليست كل واقعة إيجابية محددة, كما لا تعني سلبية الواقعة أنها دائمة مطلقة.([5])
وفي هذا الصدد ذهب الدكتور عبد الودود يحي إلى القول بأن إثبات العقد أو الفعل الضار هو إثبات لوقائع إيجابية أما الوقائع السلبية المحددة فيمكن إثباتها بإقامة الدليل على واقعة إيجابية منافية لها،([6]) فإن صعوبة الإثبات لا تكمن في كون الواقعة سلبية ولكن تكون الصعوبة إذا كانت هذه الواقعة تتضمن إدعاءً مطلقاً أو مُجهلاً, وذلك لا يقتصر على الواقعة السلبية فحسب بل يمكن للواقعة الإيجابية أيضاً أن تتضمن إدعاءً عاماً مجهلاً وهنا لا تصح هذه الوقائع أن تكون محلاً للإثبات([7]). ولذلك فإنه يشترط في الواقعة التي تكون محلاً للإثبات أن تكون واقعة محددة سواء أكانت واقعة إيجابية أم سلبية.
ومع ذلك يجب أن نلاحظ أن الفهم الصحيح للمسألة هو أن من ينكر لا يجوز أن يكلف بدليل لأن وضعه هو الوضع الطبيعي والمألوف, ومن يدعي عكس هذا الوضع هو الذي يجب أن يدعم ادعاءه ويأتي ببرهانه حيث أن البينة – أي الدليل – على من ادعي خلاف الظاهر.
ولقد استغل البعض هذا الفهم الصحيح للمسألة في اتجاه آخر, أو غم عليهم, فذهبوا إلى أن من أقام إدعاء بواقعة سلبية لا يلتزم بالإثبات بل يفترض صحة ادعائه.([8])
وهذا فهم خاطئ للمسألة حيث أنه وبحسب الأصل إذا كان الإنكار يصلح وسيلة للدفاع إلا أنه لا يصلح وسيلة للدعوى (أي للإدعاء).([9])
ولئن كانت بعض هذه التفسيرات الخاطئة سالفة البيان قد شاعت حيناً من الدهر إلا أن الفقهاء قد تنبهوا إليها منذ زمن طويل([10])،([11]) وردوا الأمور في خصوصها إلى الوضع الصحيح وهو أن الواقعة السلبية كالواقعة الإيجابية قابلة للإثبات ما دامت محددة ومن ثم يجب على من يدعيها إقامة الدليل عليها.([12])
وإذا كان البعض لا يتصور كيف تثبت واقعة سلبية فإنه وكما أسلفنا فإن هذا يكون عن طريق إثبات واقعة إيجابية مضادة لها([13]) حيث أن كل واقعة سلبية تتضمن وبالضرورة واقعة إيجابية مضادة لها([14]) ntitheses immediate une a
فعلى سبيل المثال إذا أدعي عمرو بأن زيداً أحدث به إصابة وسأله عن تعويضها, وأراد زيد أن يثبت أنه لم يكن موجوداً في مكان الحادث حين وقوعه (وهذه واقعة سلبية) فإنه يستطيع إثبات هذه الواقعة عن طريق إثبات واقعة إيجابية مضادة لها, وذلك بأن يثبت أنه كان حينئذ موجود في مكان آخر, وهذا يؤكد أنه لم يكن موجودا في مكان الحادث وقت وقوعه وهي الواقعة السلبية محل الإثبات.([15])
وهذه الطريقة مألوفة في الإثبات وشائعة في القضايا الجنائية بوجه خاص ويسمونها في الاصطلاح ALIBI أي إثبات وجود المتهم في غير مكان الجريمة([16])، ومع ذلك وكما رأينا فهي معروفة أيضاً في المسائل المدنية.
وعلى هذا فمن الخطأ أن يقال أن إثبات الوقائع السلبية مستحيل وأنه لهذا لا يجوز التكليف به, بل أن القانون نفسه يتطلب أحياناً إثبات وقائع سلبية. وعلي سبيل المثال وفي باب استرداد ما دفع بغير وجه حق يلزم أن يثب طالب الرد أنه لم يكن مدينا بما دفعه, أي بما يبغي استرداده.([17])
وكذلك فقد يقتضي المنطق ذاته وجوب إثبات الواقعة السلبية في أحيان أخرى, ومن أمثلة ذلك أن من تحدى بحق معلق على شرط ينطوي على واقعة سلبية, فإنه يلتزم بإثباتها.
لهذا فإنه ومتى تعهد موظف مثلاً بأن يأجرك منزله بالقاهرة أن لم ينقل إليها في تاريخ معين فأردت أن تثبت أنه لم ينقل إليها, فإن إثبات هذه الواقعة السلبية يكون جائزاً وميسوراً من ناحية, وواجب عليك من ناحية أخري.
ومن أمثلة ذلك أيضاً أن من يدعي أن حكماً ما قد أصبح نهائياً يجب أن يثبت أنه قد أعلن للخصم, وأن هذا الخصم لم يطعن فيه ويحصل هذا عادة بالحصول على شهادة (من قلم كتاب المحكمة المختصة) بعدم حصول الطعن.
وثمة حجة أخرى يضيفها الشراح وهي تتلخص في أنه حتى إذا كان إثبات الواقعة السلبية مستحيلاً فإن هذه الاستحالة التي يجد المدعي فيها نفسه لا تبرر إعفائه من الإثبات وتحميل خصمه به.([18])
وهكذا فإن كون الواقعة سلبية ليس من شأنه إعفاء مدعيها من الإثبات أو منعه من الإثبات, بل يباح له ويطلب منه إثباتها, فإن أخفق فلا يكون ذلك داعياً إلى تحميل خصمه بالإثبات, بل أنه يكون مدعاة لرفض دعواه.
ويفهم مما تقدم، في إطار أن إثبات النفي لا يكون مستحيلا, إلا إذا كان من قبيل النفي المطلق ـ على حد تعبير محكمة النقض – أو النفي الصرف. ومرد ذلك في حقيقة الأمر ليس إلى كون الواقعة سلبية, ولكن إلى كون الواقعة غير محددة INDEFINI ومثال ذلك أن يدعي شخص أنه لم يقترض أي مبلغ من المال طوال حياته. فمثل هذه الواقعة لا يمكن إثباتها, ليس لكونها واقعة سلبية, ولكن لكونها واقعة غير محددة.
ويخلص لنا مما تقدم أن استحالة الإثبات في الفروض السابقة ترجع إلى كون الواقعة غير محددة لا إلى كونها سلبية أو إيجابية([19]). لذلك فإنه يصبح أمراً بديهيا عدم تصور أن تكون مثل هذه الوقائع محلا لنزاع قضائي أو أن ترفع بشأنها دعوى.([20])
مواجهة الصعوبات العملية في إثبات الوقائع السلبية:
إلا أننا إذا ما خلصنا إلى أن من يدعي واقعة سلبية يجب عليه إثباتها بحكم كونه مدعيا, لا نلبث أن نجد أنفسنا إزاء الصعوبات العملية التي يجدها مدعي الواقعة السلبية في إثباتها, لذلك فإن الشراح ينصحون القضاة عندئذ بأن يتلطفوا معه في شأنها, وألا يكلفوه من أمره عسراً([21]). أي أن منطق الأمور والحال كذلك أن يقنع القضاة في هذا المجال من المدعي بالتبعيض في الإثبات وأن يسبغوا له استبدال محل الإثبات بإثبات واقعة مقاربة للواقعة المدعاة دون الواقعة المدعاة نفسها, وأن يلجئوا إلى طريق الموازنة والترجيح, ويقفوا عند حد الاحتمال القوي أو الظن الغالب.
لذلك وإزاء صعوبة إثبات الواقعة السلبية, فإن قضاة الموضوع عادة ما يكونون أكثر تساهلاً مع المدعي, فيكتفون بما لهم من سلطة في تقدير الدليل بما يقدمه هذا الأخير بما يجعل ادعاءه بالواقعة السلبية قريب الاحتمال لينقلوا على عاتق الطرف الآخر عبء إثبات العكس.([22])
التمسك بالوضع العادي للأمور واشتباهه بالواقعة السلبية:
ثمة حالات قد يتوهم الباحث إزاءها أن المدعي يتحدى بواقعة سلبية مما يقتضي تكليفه بإثباتها, مع أننا لو تأملنا هذه الحالات لوجدنا أن المدعي يتمسك فيها بالوضع المعمول به في توزيع عبء الإثبات أو ما يسميه بعض الشراح "القرينة الطبيعية".
لذلك فإذا رفع المدعي دعواه بالاستناد إلى تلك "القرينة الطبيعية" فإنه فيُعفى من الإثبات, بل يكلف بذلك خصمه إذا نازعه في دعواه, مع أن مركز ذلك الخصم في الدعوى هو مركز المدعي عليه. فإذا كان ثمة وضع طبيعي يتمسك به المدعي ويرفع دعواه بطلب تقرير حق له على أساس قيام ذلك الوضع, والمُفترض بقاء ما كان على ما كان. فإذا نازع المدعى عليه في ذلك لزمه إثبات ما يدعيه: لأنه – وإن كان مدعى عليه في القضية – إلا أنه من وجهة الإثبات يعتبر مدعياً لأمر مخالف للأصل.([23])
ومن أمثلة اشتباه التمسك بالوضع الثابت أصلا بالوقائع السلبية ما يحدث عادة في مجال الجزاءات المطبقة في عقود العمل والجزاءات الإدارية من اعتبار ادعاء العامل أو الموظف بعدم ارتكابه خطأ من قبيل الوقائع السلبية التي يقع عليه عبء إثباتها, بينما أن حقيقة الأمر أن العامل أو الموظف الإداري, وبحسب الأصل, يفترض في شأنه عدم ارتكاب الخطأ واستصحاب سلامة الأداء..
أ- حالة انعدام المبرر في فسخ عقد العمل:
في حالة العامل الذي يرفع دعوى علي صاحب العمل طالباً التعويض عن فسخ عقده على أساس أن هذا الفصل لم يكن له مبرر, لذلك فقد يذهب البعض إلى القول بأن الإدعاء بانعدام المبرر هو إدعاء بواقعة سلبية! فإن صح هذا كان الواجب تحميل العامل بإثباتها لأنه هو المدعي.
لكن الواقع وصحيح القانون على خلاف التصور السابق: ذلك أن الأصل والوضع الطبيعي للأمور هو انعدام الخطأ في جانب أي شخص: فإذا رفع العامل دعواه مستنداً إلى هذه القرينة الطبيعية, وهي عدم وجود خطأ من جانبه فإنه لا يكون مكلفاً بالإثبات, لا على أساس أن الواقعة التي يدعيها واقعة سلبية, وإنما على أساس أنه يتمسك بالوضع الطبيعي, وهو الأصل. فإذا نازعه خصمه في ذلك فمعني هذا أنه يدعي أن هذا الأصل قد جدت واقعة على خلافه, وحينئذ ينقلب المدعي عليه (في الدعوى) مدعياً (للواقعة) التي تخالف الأصل, ويترتب على ذلك أن يكون هو المكلف بإثباتها.([24])
ب ـ حالة الجزاءات الإدارية:
كذلك من الحالات التي يختلط فيها الأمر بشأن تحديد محدودية الواقعة وبين ما إذا كانت ممكنة الإثبات من عدمه بالنظر إلى كونها واقعة سلبية "حالة الجزاءات الإدارية".([25])
والأمر في شأن الجزاءات الإدارية يتعلق بتلك الجزاءات التي يخول القانون للإدارة توقيعها دونما حاجة إلى اللجوء إلى القضاء. ويؤدي ذلك إلي جعل من وقع عليه الجزاء في موقف المدعي دائماً إذا ما تظلم, وبالتالي فهو المكلف بإثبات أنه لم يرتكب ما يستوجب الجزاء, وهذا من قبيل الواقعة السلبية.
وقد دعا ذلك بعض الشراح إلى استنكار هذا الوضع بالنظر إلى أن هذا تكليف للمدعي بإثبات أمر سلبي, وهو ما لا يجوز.
والواقع أن هذه الحجة غير صحيحة طبقاً لما أسلفناه, ذلك لأنه لو كان المتظلم مدعياً بواقعة سلبية لما كان هناك ثمة ما يمنع من تكليفه بإثباتها, بل لوجب ذلك. والحقيقة أنه يتمسك بالأصل وبالقرينة الطبيعية والتي تقول بأن الأصل هو عدم نسبة الخطأ للإنسان. وبالتالي فإذا كانت جهة الإدارة هي التي تدعي خلافاً للأصل (بتوقيعها الجزاء عليه), فإن عليها أن تثبت ذلك.
والقول بغير ذلك مؤداه الانحدار إلى قبول أن الأصل في الإنسان الخطأ, أي أن تصبح القرينة الأصلية هي قرينة الإجرام وانشغال الذمة, لا قرينة البراءة وبراءة الذمة, وهو ما لا يستسيغه منطق: لأن الأصول يجب أن تطابق المعقول, ولولا ذلك لما اعتبرت أصولا.
وقد تواتر قضاء محكمة النقض على أنه:
تنص المادة الأولى من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 على أنه على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه، فالأصل هو براءة الذمة وانشغالها عارض ويقع عبء الإثبات على عاتق من يدعى خلاف الثابت أصلاً مدعياً كان أو مدعى عليه.
       (نقض مدني في الطعن رقم 916 لسنة 48 قضائية، جلسة 26/12/1983، مجموعة المكتب الفني، السنة 34، صـ 1098، فقرة 3).
هذا، والله أعلى وأعلم،،،


(1) من أمثلة الوقائع الإيجابية ادعاء شخص بأنه يقابل آخر كل يوم طيلة حياته. ومن أمثلة الوقائع السلبية ادعاء شخص آخر بأنه لم يقابل الآخر بالمرة. وأشار إلى هذه الأمثلة: محمود جمال الدين زكي، صـ 291، بند 277 نقلا عن ريبيو وبولانجيه، وعن جلاسون وتيسيه.
([2]) عبد الودود يحي، الموجز في قانون الإثبات، عام 1987، صـ 13.
([3]) أنظر في تفصيل هذه الأمثلة وأمثلة أخري, وجيز السنهوري، وتعليقات دالوز على المادة 253 مرافعات، دالوز العملي والربراتوار الحديث في هذا المقام.
([4]) يرجع السر في هذه البلبلة إلي خطأ أنزلق إليه بعض الشُراح GLOSSATEURS في تعليقهم على بعض النصوص اللاتينية التي تقرر أن من أنكر AUI NEGQT ليس عليه دليل, أي أنه من اكتفي بنفي الواقعة المدعي بها عليه لا يكلف بتقديم دليل يؤيد إنكاره. راجع في هذه النصوص اللاتينية: وجيز أكاريا (في القانون الروماني وشرح النظم لجستنيان)، جـ 2، صـ 402، وهامش 4 صـ 905، بند 776، هامش 2، وقد فند في هامشيه مزاعم هؤلاء الشراح, وأنظر أيضاً مبسوط بودري، التزامات، جـ 3، بند 2065 وكذا بوجه خاص وجيز كولان وكابيتان، جـ 1، صـ  99 وهامش 1. وجلاسون، جـ 3، صـ 664 بند 596 وقد أشار إلى أن بونيه سبق له التنبيه لهذا الخطأ.
([5]) محمد شكري سرور، موجز أصول الإثبات في المواد المدنية والتجارية، عام 1986، بند 17، صـ 31.
([6]) عبد الودود يحي، الموجز في قانون الإثبات، عام 1987، صـ 13.
([7]) أحمد عبد العال أبو قرين، الجامع في أحكام الإثبات في المواد المدنية والتجارية، 1990 – 1991، صـ 20.  
([8]) أنظر لوران، جـ  19، صـ 93، بند 95. وأنظر جلاسون، جـ 3، صـ 665، وقد استند البعض في تبرير ذلك إلى أحد النصوص اللاتينية الثلاثة المشار إليها وهو الخاص بالدفع بعدم استلام النقود وعدها وبيان ذلك أنه إذا حدث أن الواعد بالقرض لم يسلم المبلغ إلى الموعود ورفع عليه مع ذلك دعوى يطالبه فيها بالسداد بناء على تعهده بالرد, فقد أجيز للموعود بالقرض أن يدراً عن نفسه المطالبة بان يبدي الدفع المسمي دفع عدم استلام النقود وعدها, وكان إبداؤها له كافياً ما دام قد تمسك به في بداية دفاعه فلم يكن إذن محتاجاً إلى إقامة الدليل على عدم صحة استلامه للنقود بل كان يفترض إنه لم يتسلمها إلى أن يقيم خصمه الدليل على استلامه لها (قارن هذا في القانون الحديث بالسبب إذا لم يذكر في العقد) والواقع أن القانون الروماني يقيم هنا قرينة الغش الذي كان الإثبات فيه على المدين فكأن عد النقود كان يعتبر من عناصر إتمام العقد. ولا شك في أن هذا كان خروجاً علي القواعد العامة إلا إنه قد اقتضاه شيوع ذلك النوع من التحليل (أنظر ديديه بلهبه، أستاذ من جرنيوبل، في كتابه القانون الروماني، جـ 2، صـ 113 وما بعدها، واكاربا، جـ 2، بند 581، صـ 401. وجلاسون، جـ 3، بند 596، صـ 64. وقد ذكر أن هذا الدفع لم يؤخذ به في القانون الفرنسي, أن لوازيل قد أنكره (في القاعدة 6 من الباب 2 من الكتاب الخامس من مؤلفه في العادات).  
([9]) حيث سنوضح فيما بعد وجود حالات استثنائية يكون فيها الإنكار صالحاً لإقامة دعوى أصلية كما هو الحال بالنسبة لدعوى إنكار الارتفاق.
([10]) يري بعض الشراح أن الذين خلطوا بين الأمر السلبي والإنكار بمعني النفي لم يخطئوا عن جهل وإنما عن عمد (رأي الفقيه ليسونا، في صادق فهمي، صـ 213 وهامش 1)، فاستعملوا هذه النصوص في غير معناها الصحيح ليجعلوا منها تكئة لبعض آرائهم. ولعل هذا ا يفسر أن أرتول وهو من شيوخهم لم يقع في هذا الخطأ بل أشار بوضوح إلى الرأي الصحيح (أنظر بوردي ص 427 هامش 2).
([11]) كولان وكابيتان، جـ 1، صـ 99، هامش 1. وجلاسون، صـ 655 وأشار إلى بونيه طبعة خامسة، بند 39 ومبسوط بودري، وأنظر أيضاً لوران، جزء 91، بند 95 حيث يقرر أن خطأ تفسير الشراح لهذه النصوص الرومانية قد أقره جميع الشراح.
([12]) نقض فرنسي (عرائض) 21 نوفمبر 1826, أورده جلاسون، صـ 664، دالوز العلمي (إثبات)، بند 38، وربر دالوز والهجائي العتيق (R) تحت كلمة إثبات، بند 20 أولاً. وأنظر أيضاً نقض فرنسي 12 نوفمبر 1956 دالوز الدوري 1857-1- 59 ومبسوط بلانيول، التزامات ثان، صـ 754 وهامش 4. وأنظر كذلك نقض مصري 26 يناير 1950 في الطعن رقم 84 لسنة 18 قضائية.  
([13]) لوران، 19، بند 95. ومبسوط بلانيول، التزامات ثان، صـ 755، بند 1416. وأديري، 12، خامسة، صـ 82، فقرة 749 عند هامش 14. ومبسوط بودري، التزامات ثالث، صـ 427 عند هامش 2 بها.
([14]) أحمد عبد العال أبو قرين، الجامع في أحكام الإثبات في المواد المدنية والتجارية، عام 1990، صـ 19.
([15]) أنظر لوران، 19، صـ 93. حيث يقول: وأني أثبت أنك لست بلجيكياً بإثبات أنك فرنسي أو بأنك قد فقدت صفتك كبلجيكي، ومثله مبسوط بودري، التزامات ثالث، صـ 427 عند هامش 2 بها.
([16]) وفي ذلك قضت محكمة النقض الجنائي بأنه: "لا يصح أن تقام الإدانة على الشك والظن، بل يجب أن تؤسس على الجزم واليقين. فإذا كان المتهم قد تمسك في دفاعه بأنه لم يحضر الحادث الذي أصيب فيه المجني عليه إذ كان وقتئذ بنقطة البوليس وأشهد على ذلك شاهداً فلم تأخذ المحكمة بهذا الدفاع دون أن تقطع برأي في صحة شهادة ذلك الشاهد أو كذبها مع ما لهذه الشهادة من أثر في ثبوت التهمة المسندة إلى المتهم لتعلقها بما إذا كان موجوداً بمكان الحادث وقت وقوعه أو لم يكن فإن حكمها يكون معيباً. الطعن رقم 442 سنة 20 قضائي، جلسة 16/10/1950.
([17]) أوبري ورو, ط خامسة، 12، صـ 83 عند هامش 16. وجوريس كلاسير، مدني، مادة 1315، بند 60 ومراجعه. لوران، جـ 19، صـ 94 ومراجعه. وكابيتان، صـ 478، بند 719. ومبسوط بلانيول العملي, التزامات، جـ 2، صـ 755 هامش 2.
(18) ودالوز العملي، تحت كلمة "إثبات"، بند 38 ومراجعه. ومبسوط بودري، التزامات، جزء ثالث، بند 2066. ومبسوط بلانيول، التزامات، جزء ثان، صـ 755.
([19]) فإطلاق الواقعة هو الذي يؤدي إلى جعلها مستحيلة في مقام الإثبات. وسنري أن الاستحالة تجعل الواقعة غير جائزة القبول في مجال الإثبات.
([20]) مبسوط بلانيول, التزامات, جـ 2، صـ 754 هامش 4. وتعليق روسو في سيري، عام 1922, 2, 73.
([21]) دالوز العملي، تحت كلمة إثبات، بند 38 ومراجعه. ومبسوط بلانيول, سابق الإشارة إليه, صـ 755 وهامش 4.
([22]) محمد شكري سرور, موجز أصول الإثبات في المواد المدنية والتجارية, 1986، صـ 32. قارن ذلك بالمبدأ الذي تطبقه محكمة النقض في شأن تيسير إثبات الإخلال بتنفيذ الالتزام ببذل عناية, الطعن رقم 111 لسنة 35 قضائية، جلسة 26/6/1969 حيث قضت بأنه: "لئن كان مقتضى اعتبار التزام الطبيب التزاما ببذل عناية ـ خاصة أن المريض إذا أنكر على الطبيب بذل العناية الواجبة ـ فإن عبء إثبات ذلك يقع على المريض. إلا أنه إذا أثبت المريض واقعة ترجح إهمال الطبيب كما إذا أثبت أن الترقيع الذي أجراه له جراح التجميل في موضع الجرح والذي نتج عنه تشويه ظاهر بجسمه لم يكن يقتضيه السير العادي لعملية التجميل وفقا للأصول الطبية المستقرة، فإن المريض يكون بذلك قد أقام قرينة قضائية على عدم تنفيذ الطبيب لالتزامه فينتقل عبء الإثبات بمقتضاها إلى الطبيب ويتعين عليه لكي يدرأ المسئولية عن نفسه أن يثبت قيام حالة الضرورة التي اقتضت إجراء الترقيع والتي من شأنها أن تنفى عنه وصف الإهمال".
([23]) مثال ذلك دعوى إنكار الارتفاق وفيها يدعي مالك عقار ضد مالك عقار مجاور له بأن عقاره غير محمل بارتفاق للعقار المجاور ويطالب بالحكم له بذلك في مواجهة المدعي عليه. وفى هذه الحالة جري القضاء على أن المدعي غير مكلف بإثبات مما يدعيه من خلو عقاره من الارتفاق بل يكون المدعي عليه هو المكلف بإثبات ارتفاقه أن كان يدعي من ذلك شيئاً. فهل إعفاء المدعي من الإثبات في هذه الحالة يرجع إلى أن الواقعة التي يدعيها سلبية؟ والحقيقة أن التبرير الصحيح لذلك هو: أن الوضع الطبيعي للأمور هو خلو الأعيان من الأعباء فالمدعي إنما يقرر أمرا مطابقا للوضع الطبيعي، ولذلك لا يكلف بإثباته. فإن كان المدعي عليه لا ينازعه في ذلك وجب الحكم له بما طلب: لأن القاضي حينئذ لا يفعل أكثر من تقرير الأمر. أما إذا نازعه المدعي عليه فإن معنى ذلك أن هذا المدعي عليه (في الدعوى) يدعي أمرا على خلاف الأصل (الذي يتمسك به المدعي) – فينبغي عليه إثباته.
([24]) وفي مسألة أخري، وهي مدى استحقاق التعويض عند تحقق الشرط الجزائي، قضت محكمة النقض بأنه: "تنص الفقرة الأولى في المادة 224 من القانون المدني على أن "لا يكون التعويض الاتفاقي مستحقاً إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر" ووجود الشرط الجزائي في العقد يفترض معه وقوع الضرر إلا إذا أثبت المدين عدم وقوعه لأن هذا الشرط ينقل عبء الإثبات من عاتق الدائن إلى عاتق المدين". وذلك في الطعن رقم 1293 لسنة 54  قضائية، جلسة 16/3/1986.
([25]) أنظر رسالة: باكتيه، في الإثبات أمام القضاء الإداري, رسالة من باريس 1952, بند 57، صـ 90.