لا تنتهي جميع الأحكار في عام 2009
الوقائع
لوقف الحرمين الشريفين بدمياط أرض محكرة مساحتها 45.35م2 (خمسة وأربعون متراً مربعاً وخمسة وثلاثون سنتيمتر مربع) كائنة 10 تنظيم حارة الخنساء ببندر دمياط بدمياط، مقام عليها منزل باسم ورثة/ ……………. ، وقد صدر القرار رقم 10 لسنة 1989 بإنهاء هذا الحكر، ونشر عنه بالجريدة الرسمية في سبتمبر 1989 وبجريدة الجمهورية في 15/9/1989، وقد عرض موضوع استبدال حق الحكر على اللجنة القضائية لإنهاء الأحكار المشكلة بالقانون رقم 43 لسنة 1982 بشأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة، وتداول أمامها بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 29/9/2009 صدر قرار اللجنة والذي جرى منطوقه على النحو التالي:
"أولاً- بيع مسطح العقار البالغ 45.35م2 (خمسة وأربعون متراً مربعاً وخمسة وثلاثون سنتيمتر مربع) الملك رقم 10 تنظيم حارة الخنساء ببندر دمياط بدمياط، والتابع لحكر وقف/ الحرمين الشريفين، وذلك وفقاً لنص المادة التاسعة من القانون رقم 43 لسنة 1982 لإنهاء الأحكار، بالمزاد العلني.
ثانياً- إخطار ذوي الشأن وهيئة الأوقاف المصرية بالقرار لاتخاذ شئونها".
وقد رأت لجنة مراجعة قرارات اللجان القضائية لإنهاء الأحكار بمذكرتها المؤرخة في 13/10/2009 الطعن على ذلك القرار استناداً إلى أن العقار محل التداعي، ولئن قد صدر قرار بإنهاء حق الحكر المترتب عليه ونشر طبقاً للقانون، إلا أن الثابت أنه لم يتم عرضه على اللجنة القضائية إلا بجلسة 26/3/2009.
وحيث أنه لما كان القانون المدني قد نص في المادة 999 منه على حد أقصى لمدة الحكر وهي ستون عاماً تنتهي بالنسبة للأحكار التي يسري عليها أحكامه في عام 2008 تعود بعدها العين المحكرة خالصة لجهة الوقف دون أي تعويض من ثمن الأرض، وفقط تعويضه عن البناء أو الغراس المقام عليها بأقل قيمتيه مستحقة الإزالة أو البقاء (المادة 1010 من القانون المدني).
وحيث أنه لما كان السيد الأستاذ/ المستشار نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس إدارة الفتوى لوزارات الصحة والأوقاف والتضامن الاجتماعي وشئون الأزهر، قد انتهى في مذكرة سيادته المؤرخة 11/9/2008 في الملف رقم 41/29/37 إلى:
"أولاً- انتهاء الأحكار التي مر عليها ستون عاماً دون حاجة إلى اتخاذ أي من الإجراءات المنصوص عليها بالقانون رقم 43 لسنة 1982 مع مراعاة ما تقضي به المادة 1010 من القانون المدني من أحكام. ؟!!!!
ثانياً- استمرار اللجنة القضائية المشكلة وفقاً لأحكام المادة الخامسة من القانون رقم 43 لسنة 1982 في نظر المنازعات المتعلقة بتطبيق أحكام المادتين 999 و 1010 من القانون المدني، وذلك كله على النحو المبين بالأسباب".
وحيث أنه لما كانت اللجنة القانونية المنبثقة عن مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية قد أبدت رأياً أيضاً في هذا الشأن مفاده:
1- إنه بحلول عام 2008 تعتبر جميع الأحكار منتهية بقوة القانون، وكل ما للمحتكر أو واضع اليد من حقوق: هو إزالة البناء أو الغراس أو تقاضي الأقل من قيمتها مستحقة الإزالة أو البقاء.؟!!!!
2- صدور قرار وزاري بإنهاء هذه الأحكار ونشره في الوقائع المصرية وجريدتين يوميتين وإعلان المحتكر أو واضع اليد الظاهر به.
3- تظل اللجان القضائية قائمة بتشكيلاتها التي يصدرها الأستاذ الدكتور/ وزير الأوقاف لمباشرة الاختصاص في تحديد المحتكر أو واضع اليد الظاهر أو ثمن ما على الأرض من بناء أو غراس عند المنازعة في أيا منها وكذلك بما هو معروض عليها من أحكار قبل عام 2008 إذ أن هذه الولاية أنيطت بها بحكم القانون لا تغل سلطتها إلا بأداة تشريعية موازية.
وحيث أنه لما كان البين مما سبق أن اللجنة القضائية لإنهاء الأحكار تختص حالياً بتحديد من هو المحتكر أو المنتفع الظاهر أو ثمن ما على الأرض من بناء أو غراس عند المنازعة في أيا منها وكذلك الاختصاص بالأحكار التي كانت معروضة عليها قبل عام 2008
وحيث أن الثابت أن الحالة المعروضة لم تعرض على اللجنة القضائية لإنهاء الأحكار قبل عام 2008، وأن أول عرض لها كان في 26/3/2009، وبالتالي ما كان المفروض عرض هذا الملف على اللجنة القضائية أو إصدار قرار من اللجنة على النحو سالف الذكر، ومن ثم يكون قرار اللجنة قد جاء مخالفاً لأحكام القانون متعيناً الطعن عليه.
ولا ينال من ذلك أن القرار صدر بالبيع بالمزاد العلني، ذلك لأن من شأن تنفيذ هذا القرار هو أحقية المستحكر في الحصول على 25% من ثمن الأرض بالإضافة لثمن المباني طبقاً لما يسفر عنه المزاد العلني، بينما لو طبق القانون واعتبار حكر العقار محل البحث منتهياً بقوة القانون على النحو الوارد تفصيلاً آنفاً، لكان حق المستحكر سينحصر في الحصول على قيمة البناء مستحقة الهدم فقط أي قيمة الأنقاض فقط وعدم أحقيته في الحصول على نسبة 25% من ثمن الأرض.
ومن ثم، فقد انتهى رأي لجنة مراجعة قرارات اللجان القضائية لإنهاء الأحكار إلى الطعن على ذلك القرار للأسباب سالفة الذكر. وقد قامت إدارة القضايا بالفعل بتحرير صحيفة الطعن وإعداد حافظة المستندات تمهيداً لإرسالهما لمنطقة الأوقاف بدمياط لقيدها ومباشرتها للاختصاص. إلا أنه يعن لي مناقشة أسانيد اللجنة الموقرة فيما استندت إليه في رأيها المتقدم ذكره، على نحو ما سيلي:
البحث القانوني:
تنص المادة الثانية من مواد إصدار القانون المدني الجديد رقم 131 لسنة 1948 والصادر في تاريخ 29/7/1948، على أن: "... يُعمل به ابتداءً من 15 أكتوبر سنة 1949".
ومن وقت العمل بالقانون المدني الجديد، في 15/10/1949، لا يجوز ترتيب حق الحكر على أرض غير موقوفة. طبقاً لنص المادة 1012 من القانون المدني الجديد، والتي تنص على أنه: "من وقت العمل بهذا القانون لا يجوز ترتيب حق حكر على أرض غير موقوفة ...".
وتنص المادة 999 من القانون المدني الجديد على أنه: "لا يجوز التحكير لمدة تزيد على ستين سنة. فإذا عينت مدة أطول أو أغفل تعيين المدة، اعتبر الحكر معقوداً لمدة ستين سنة".
وتنص المادة 187 من الدستور المصري الدائم على أنه: "لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها ...".
ومن ثم فإن أحكام القانون المدني الجديد لا تسري إلا على عقود التحكير المبرمة في ظله، أي اعتباراً من 15/10/1949، ولا تسري على عقود التحكير المبرمة في ظل القانون المدني القديم الذي كان معمولاً به أمام المحاكم الوطنية والصادر في 28 أكتوبر سنة 1883.
هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "الأصل المُقرر دستورياً هو عدم سريان أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها فلا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها، وإن السلطة التشريعية تتخذ قراراتها بالأغلبية المطلقة للحاضرين من أعضائها، وإنه استثناء من هاتين القاعدتين أجاز الدستور في غير المواد الجنائية - النص في القانون على رجعية الآثار التي يرتبها، على أن يكون ذلك بموافقة أغلبية أعضاء السلطة التشريعية في مجموعهم، وهي أغلبية خاصة فرضها الدستور كضمانة أساسية للحد من الآثار التي تحدثها الرجعية في محيط العلاقات القانونية وتوكيداً لخطورتها في الأعم الأغلب من الأحوال، باعتبار ما قد تؤول إليه من مساس بالحقوق و إخلال بالاستقرار". (نقض مدني في الطعن رقم 27 لسنة 8 قضائية).
ولذلك فقد جرى قضاء محكمة النقض على أنه: "المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأحتكار من وضع فقهاء الشريعة الإسلامية، وهو عندهم عقد لإيجار يعطى للمحتكر حق البقاء والقرار على الأرض المحكورة ما دام يدفع أجرة المثل، ونصوا على أنه لو خرب بناء المحتكر أو جف شجرة ولم يبق لهما أثر في أرض الوقف ومضت مدة الأحتكار عادت الأرض إلى جهة الوقف ولم يكن للمحتكر ولا لورثته حق البقاء وإعادة البناء، ونصوا أيضاً على أنه إذا لم يمكن الانتفاع بالعين المؤجرة بفسخ العقد وتسقط الأجرة عن المحتكر عن المدة الباقية - لما كان ذلك - وكان البين من الأعمال التحضيرية للقانون المدني الحالي أن النصف المادة 999 منه على توقيت الحكر وتحديد مدته إنما يسرى على الأحكار الجديدة التي تنشأ فى ظل العمل به اعتبارا من 15/10/1949 أما الأحكار السابقة على هذا التاريخ فلم ينص على كيفية انتهائها وتركها إلى أن يصدر فى شأنها تشريع خاص بعد أن تعارضت مصالح وحقوق المحكرين والمحتكرين تعارضاً استعصى على التوفيق، وبذلك تبقى هذه الأحكار خاضعة لقواعد الشريعة الإسلامية التي كانت تحكمها وقت إنشائها". (نقض مدني في الطعن رقم 645 لسنة 54 قضائية – جلسة 25/5/1988 مجموعة المكتب الفني – السنة 39 – صـ 977 – فقرة 2).
مع الأخذ في الاعتبار أن أغلب - إن لم يكن جميع - عقود الحكر التي أبرمتها الأوقاف، هي عقود سابقة على تاريخ العمل بالقانون المدني الجديد في أواخر عام 1949. ومن ثم يطبق عليها أحكام الشريعة الإسلامية التي كانت تحكمها وقت إنشائها ولا تسري عليها أحكام القانون المدني الصادر في عام 1948.
والقانون المدني الجديد قد حصر حالات إنهاء حق الحكر فيما يلي:
1- حلول الأجل المعين للحكر.
2- وفاة المستحكر قبل أن يبني أو يغرس.
3- زوال صفة الوقف عن الأرض المحكرة.
4- عدم استعمال حق الحكر لمدة 15 سنة، وإذا كان حق الحكر موقوفاً فينتهي بعدم استعماله مدة 33 سنة.
5- ويجوز فسخ عقد الحكر إذا لم يدفع المستحكر أجرة الحكر لمدة 3 سنوات متوالية.
(وذلك كله طبقاً لنص المواد 1008 و 1011 و 1009 من القانون المدني الجديد).
كما نظمت المادة 1010 من القانون المدني الجديد ما يترتب على إنهاء حق الحكر، بنصها على أنه عند إنهاء حق الحكر: "... يكون للمحكر أن يطلب إما إزالة البناء والغراس أو استبقاءهما مقابل دفع أقل قيمتيهما مستحقي الإزالة أو البقاء، هذا كله ما لم يوجد اتفاق يقضي بغيره".
ولكن قوانين إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة، الصادرة بعدة قوانين متعاقبة: أولها القانون رقم 649 لسنة 1953 (أي بعد أربع سنوات فقط من تاريخ سريان القانون المدني الجديد)، ثم القانون رقم 295 لسنة 1954، ثم القانون رقم 92 لسنة 1960، ثم القانون رقم 38 لسنة 1966، ثم أخيراً القانون الحالي رقم 43 لسنة 1982 الصادر في 24 يونيو سنة 1982. نظمت إنهاء حق الحكر بطريقة مختلفة عما تضمنه القانون المدني. حيث فرق القانون رقم 43 لسنة 1982 في شأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة بين طائفتين من الأحكار على نحو ما يلي:-
الطائفة الأولى: وقد نظمتها المادة الأولى من القانون المذكور بنصها على أن: "يُعتبر حق الحكر منتهياً دون تعويض في الأعيان الموقوفة الخالية من أي بناء أو غراس عند العمل بهذا القانون، وتعتبر الأرض ملكاً خالصاً لجهة الوقف ولا يعتد بأي بناء أو غراس تقام في الأرض الفضاء المحكرة بعد العمل بهذا القانون".
والطائفة الثانية: وقد نظمتها المادة الثانية من القانون المذكور بنصها على أن: "ينتهي حق الحكر على الأعيان الموقوفة المشغولة ببناء أو غراس بقرار يصدره وزير الأوقاف ويختص الوقف مالك الرقبة بثلاثة أرباع ثمن الأرض والمحتكر بباقي ثمنها وذلك بالإضافة إلى الأقل من ثمن البناء أو الغراس مستحقي الإزالة أو البقاء".
وقد نصت صراحة المادة الخامسة عشر من القانون المذكور على أن: "يلغى القانون رقم 92 لسنة 1960 بإعادة تنظيم الحكر على الأعيان الموقوفة، كما يلغى كل نص يخالف أحكام هذا القانون ...".
ولما كان من القواعد الأصولية والأساسية المسلم بها قانوناً أن: القانون الخاص يقيد العام، وأن القانون اللاحق يجب السابق. كما تنص المادة الثانية من القانون المدني الجديد على أنه: "لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء، أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم، أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرره قواعده ذلك التشريع".
هذا، ومن المُقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أنه: "من الأمور المسلمة أن النسخ الضمني للقاعدة القانونية لا يكون إلا حيث يصدر تشريع لاحق على ذات المستوى فى مجال المدارج التشريعية، وأن يكون التشريع اللاحق الذى توافر له الشروط المتقدم حاسماً فى إسقاطه للحكم السابق وذلك لتعارضه معه بصورة تجعل من غير الممكن التوفيق بينهما وإعمالهما معاً أما حيث يكون لكل من التشريعين مجال لإعماله يختلف عن الآخر فلا يكون هناك نسخ، وإذا أورد المشرع تنظيماً خاصاً بمسألة قانونية محددة وردت الإشارة إليها بصفة عامة فى قانون آخر فإنه يتعين إطراح الإشارة العامة وتطبيق التنظيم الخاص وذلك تطبيقاً لقاعدة أن الخاص يقيد العام". (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1283 لسنة 14 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 12/6/1971 مجموعة المكتب الفني – السنة 16 – صـ 323).
ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "إذا كان المقصود بإلغاء التشريع نسخه مع رفع حكم قانوني بحكم قانوني آخر متأخر عنه بما يترتب عليه بطلان العمل بالتشريع الأول وتجريده من قوته الملزمة، وكان المُقرر في قضاء هذه المحكمة أن يتم ذلك بتشريع لاحق ينص على الإلغاء صراحة أو يدل عليه ضمناً، بأن يشتمل على نص يتعارض مع التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده، وكان من الجائز أن يتم إلغاء التشريع إما عن طريق استبدال نصوص أخرى بنصوصه أو الاقتصار على إبطال مفعوله دون سن تشريع جديد، بمعنى أنه لا يلزم أن يشتمل النص الناسخ على بديل للحكم المنسوخ". (نقض مدني في الطعن رقم 17 لسنة 43 قضائية – جلسة 5/11/1975 مجموعة المكتب الفني – السنة 26 – صـ 1376).
ومن ثم يكون القانون رقم 43 لسنة 1982 بإنهاء الأحكار قد نسخ جميع القوانين السابقة عليه والتي نص صراحة على إلغائها، ويكون كذلك قد نسخ كل حكم يخالف القواعد التي قررها في القوانين السابقة عليه (ومن ضمنها القانون المدني الحالي)، حيث نظم قانون إنهاء الأحكار مسألة إنهاء الأحكار وحالاتها وطرقها بطريقة مختلفة عما نظمها به القانون المدني، وعليه يكون قانون إنهاء الأحكار هو الواجب التطبيق (قانوناً) باعتباره قانوناً خاصاً ولاحقاً، وليس أحكام القانون المدني باعتباره قانوناً عاماً وسابقاً قد نسخه وجبه قانون إنهاء الحكر كقانون خاص ولاحق عليه، طبقاً لنص المادة 15 من القانون رقم 43 لسنة 1982 والمادة 2 من القانون المدني الحالي.
ويؤيد هذا النظر (بأن قانون إنهاء الحكر يطبق على جميع الأحكار بصرف النظر عن مدة حق الحكر)، أن النص في المادة الأولى من قانون إنهاء الحكر رقم 43 لسنة 1982 قد نصت على أن: يُعتبر حق الحكر منتهياً دون تعويض (وبقوة هذا القانون) في الأعيان الموقوفة الخالية من أي بناء أو غراس عند العمل بهذا القانون، وتعتبر الأرض ملكاً خالصاً لجهة الوقف. وهذا النص يُطبق على جميع الأعيان الموقوفة الخالية من أي بناء أو غراس عند العمل بالقانون المذكور، بصرف النظر عن مدة حق الحكر المُقرر على تلك الأعيان أو وفاة المستحكر من عدمه أو استعمال حق الحكر من عدمه أو أي سبب آخر من أسباب إنهاء حق الحكر المنصوص عليها في القانون المدني. فالإنهاء في هذا النص من هذا القانون يرد على جميع الأحكار أياً ما كانت وأياً ما كانت مدتها وسواء كانت أقل أم أكثر من ستين عاماً وأياً ما كان القانون "العام" الخاضعة له سواء كانت الشريعة الإسلامية أم القانون المدني الحالي.
أما الأعيان الموقوفة المشغولة ببناء أو غراس (في جميع الأحكار) (وهو الوجه المقابل للحالة الأولى سالفة الذكر) فينتهي حق الحكر فيها بقرار يصدره وزير الأوقاف وفقاً للأوضاع والشروط التي نظمها قانون إنهاء الحكر رقم 43 لسنة 1982 بصرف النظر عن مدة حق الحكر المُقرر على تلك الأعيان أو وفاة المستحكر من عدمه أو استعمال حق الحكر من عدمه أو أي سبب آخر من أسباب إنهاء حق الحكر المنصوص عليها في القانون المدني. فالإنهاء في هذا النص من هذا القانون يرد على جميع الأحكار أياً ما كانت وأياً ما كانت مدتها وسواء كانت أقل أم أكثر من ستين عاماً وأياً ما كان القانون "العام" الخاضعة له سواء كانت الشريعة الإسلامية أم القانون المدني الحالي. لا سيما وأن المادة الأولى من القانون رقم 92 لسنة 1960 كانت تنص على أن: "ينتهي الحكر بقرار من وزير الأوقاف على أن يتم إنهاء جميع الأحكار في مدة لا تجاوز خمس سنوات من تاريخ العمل بالقانون". مما مفاده أن قانون الأحكار السابق كان يطبق على جميع الأحكار (كما هو الحال في جميع قوانين إنهاء الحكر باعتبارها قوانين خاصة ولاحقة على القانون المدني باعتباره الشريعة العامة)، ومن ثم فقوانين إنهاء الحكر هي الواجبة الاتباع عند إنهاء الحكر وليس نصوص القانون المدني التي تتعارض مع أحكام قوانين إنهاء الحكر.
حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن:
1- النص في المادة الأولى من القانون رقم 92 لسنة 1960 على أن ينتهي الحكر بقرار من وزير الأوقاف على أن يتم إنهاء جميع الأحكار في مدة لا تجاوز خمس سنوات من تاريخ العمل بالقانون مفاده أن المشرع استلزم لإنهاء الحكر من جانب المطعون ضدها الثانية صدور قرار بذلك من وزير الأوقاف وإتباعاً للإجراءات المنصوص عليها في ذلك القانون، فلا تثريب على الحكم المطعون فيه إذا هو رتب على عدم اتخاذ الإجراءات المشار إليها بقاء حق الحكر قائماً.
2- النص في المادة الأولى من القانون رقم 43 لسنة 1982 على أن يعتبر حق الحكر منتهياً دون تعويض في الأعيان الموقوفة الخالية من أي بناء أو غراس عند العمل بهذا القانون وتعتبر الأرض ملكاً خالصاً لجهة الوقف ولا يعتد بأي بناء أو غراس تقام في الأرض الفضاء المحكرة بعد العمل بهذا القانون، والنص في المادة الثانية من ذات القانون على أن ينتهي حق الحكر على الأعيان الموقوفة المشغولة ببناء أو غراس بقرار يصدره وزير الأوقاف، يدل على أن حق الحكر ينتهي بقوة القانون دون اتخاذ أي إجراء متى كانت أعيان الوقف المرتب عليها حق الحكر فضاء غير مشغولة ببناء أو غراس عند بدء العمل بالقانون أما تلك المقام عليها بناء أو بها غراس فلا ينتهي حق الحكر في شأنها إلا بقرار يصدره وزير الأوقاف. (نقض مدني في الطعن رقم 186 لسنة 53 قضائية – جلسة 13/11/1983 مجموعة المكتب الفني – السنة 34 – الجزء الثاني – القاعدة رقم 311 – صـ 1589).
مع مراعاة أن القوانين الخاصة لا تلغيها إلا قوانين خاصة مثلها، ولا تنسخ بقوانين عامة ما لم يكن التشريع العام الجديد (اللاحق على القوانين الخاصة) قد أشار بعبارة صريحة إلى الحالة التي كان يحكمها القانون الخاص وجاءت عباراته قاطعة في سريان حكمه في جميع الأحوال. (نقض مدني في الطعن رقم 839 لسنة 43 قضائية – جلسة 7/6/1978 مجموعة المكتب الفني – السنة 29 – صـ 1428) ولما كان إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة وقفاً خيرياً ينظمها ويحكمها قانون إنهاء الحكر (رقم 43 لسنة 1982) وهو قانون خاص ولم يلغه قانون خاص مثله (ولا حتى قانون عام لاحق عليه)، ومن ثم فيكون قانون إنهاء الحكر هو القانون الواجب التطبيق في خصوص إنهاء الأحكار بما تضمنه من إجراءات وشروط وأوضاع لا سيما صدور قرار الإنهاء من وزير الأوقاف واختصاص اللجان القضائية للأحكار بكافة المنازعات المتعلقة به.
ومن ثم فيتعين إتباع الإجراءات المنصوص عليها في القانون رقم 43 لسنة 1982 بشأن إنهاء الأحكار، في جميع الموضوعات الخاصة بإنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة وقفاً خيرياً، (وهو ذات الرأي الذي انتهت إليه الشئون القانونية بوزارة الأوقاف كما أفادت بذلك الإدارة العامة للأوقاف والمحاسبة بكتابها الرقيم 500 والمؤرخ في 17/4/2008 والموجهة لإدارة الأحكار بالإدارة العامة للملكية العقارية بديوان عام هيئة الأوقاف المصرية)، وذلك بصرف النظر عن المدة المنصوص عليها في عقد الحكر وبصرف النظر عما إذا كانت تلك المدة أطول أو أقل من ستين عاماً وبصرف النظر عما إذا كان عقد الحكر مبرم في ظل القانون المدني الحالي أو في ظل القانون المدني القديم. كما أنه لا يرجع إلى الأحكام الواردة في القانون المدني المنظمة لحق الحكر إلا فيما لا يتعارض منها مع أحكام قانون إنهاء الحكر رقم 43 لسنة 1982 (والقوانين السابقة عليه في حالة انطباقها). وفي خصوص طلب "فسخ" عقد الحكر فينظمها القانون المدني وحده، حيث لم تتناولها بالتنظيم قوانين إنهاء الأحكار المشار إليها آنفاً.
مدارج التشريع:
وإذ أناط المشرع باللجان القضائية وحدها دون غير النظر والفصل في المنازعات المتعلقة بإنهاء الأحكار، وهذا الاختصاص الذي أنيط بتلك اللجان بموجب "قانون" لا ينحسر عنها إلا بأداة تشريعية موازية، وهي "القانون"، ذلك أن مؤدى مبدأ المشروعية هو خضوع الكافة حكاماً ومحكومين للقانون، ويجب على الجميع الانصياع لحكم القانون وعدم الخروج عليه.
فالقاعدة في تدرج التشريعات هي أن: التشريع الدستوري هو الأعلى، ويليه التشريع العادي "القانون"، ثم يليه التشريع الفرعي "اللوائح".
ويترتب على تدرج التشريعات نتيجة هامة وهي أن التشريع الأدنى يجب ألا يخالف التشريع الأعلى منه، فاللوائح يجب ألا تخالف القانون ولا الدستور، والقانون – بدوره – يجب ألا يخالف الدستور، فإذا تعارض تشريعان من درجتين مختلفتين، وجب تغليب الأعلى.
وفي هذا الشأن جرى قضاء محكمة النقض على أنه: "من المُقرر أنه عند تعارض بين نصين أحدهما وارد في القانون والآخر في لائحة تنفيذية، فإن النص الأول يكون هو واجب التطبيق باعتباره أصلاً للائحة التي هي أداة تشريعية أدنى من القانون". (نقض مدني في الطعون أرقام 2 و 3 و 4 لسنة 35 قضائية "صحافة" – جلسة 31/5/1966).
وتتجلى إحدى نتائج التدرج في القواعد التشريعية في مجال "إلغاء التشريع"، والمقصود بإلغاء القاعدة القانونية هو رفع القوة الملزمة لها أو إنهاء العمل بها ابتداء من وقت الإلغاء. فالتشريع الدستوري لا يلغى إلا بتشريع دستوري، والتشريع العادي يلغيه تشريع عادي أو تشريع دستوري، والتشريع اللائحي يلغيه تشريع لائحي أو عادي أو دستوري. ولكن لا يجوز لقرار تنفيذي أن يلغي أو ينهي أو يعدل قاعدة قانونية واردة في نص قانون عادي، بأي حال من الأحوال.
حيث أنه من المقرر قانوناً أن إلغاء التشريع أو تعديله لا يكون إلا بتشريع مثله، أي يصدر عن مجلس الشعب طبقاً للإجراءات المُعتادة لسن القوانين، ولا يجوز إلغاء التشريع أو تعديله بلائحة تصدر بقرار وزاري من الوزير المُختص. حيث تنص المادة الثانية من القانون المدني على أنه: "لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء، أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم، أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع".
كما أن المادة 144 من الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية لعام 1971 تنص على أنه: "يُصدر رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها، وله أن يفوض غيره في إصدارها. ويجوز أن يعين القانون من يُصدر القرارات اللازمة لتنفيذه".
فاللائحة التنفيذية إذن تفصل حيث أجمل القانون، وتفسر حيث عمم القانون، وتضع الإجراءات حيث لم يضع القانون إلا القواعد الموضوعية، واللائحة بصفة عامة تسهل على السلطات العامة مهمة تنفيذ القوانين في الدولة. واللائحة إذ تفعل ذلك كله لا يمتد نطاقها – وفقاً للدستور ذاته – إلى حيث تتعارض مع القانون الصادرة هي لتنفيذه، ولا تصل إلى حد تعديل مضمون القانون، ولا يجوز للائحة أن تعفي أحداً من أحكام فرضها القانون، لأن اللائحة في هذه الأحوال جميعها لا تؤدي إلى تنفيذ القانون بل على العكس تؤدي إلى عدم تنفيذه أو تنفيذه على نحو غير النحو الذي قصد إليه المُشرع. ولا يجوز للائحة عن طريق تفسير بعض الأحكام المُجملة في القانون أن تعمد إلى تحوير مضمونه وإضافة أحكام موضوعية جديدة، ذلك أن إضافة أحكام موضوعية جديدة إلى القانون لا يكون إلا بقانون مثله، فإذا عمدت السلطة التنفيذية وهي تضع اللائحة إلى مثل ذلك فإنها تكون قد تعدت النطاق المرسوم لها وتجاوزت اختصاصها واعتدت على اختصاص سلطة التشريع. (المصدر: "النظام الدستوري في جمهورية مصر العربية" – للدكتور/ يحي الجمل – طبعة 1974 القاهرة – صـ 210 و 211).
هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "لا يجوز لسلطة أدنى في مدارج التشريع أن تلغي أو تعدل قاعدة تنظيمية وضعتها سلطة أعلى أو أن تضيف إليها أحكاماً جديدة". (نقض مدني في الطعن رقم 476 لسنة 26 قضائية – جلسة 31/5/1962 مجموعة المكتب الفني – السنة 13 – صـ 734).
وقد جرى قضاء محكمة النقض على أن: "الأصل أن اللائحة لا تعدل تشريعاً إذ هي في مرتبة أدنى منه". (نقض مدني في الطعن رقم 25 لسنة 27 قضائية – جلسة 29/11/1962 مجموعة المكتب الفني – السنة 13 – صـ 1078).
ومن المقرر في قضاء النقض: "إنه وإن كانت المحاكم لا تملك إلغاء أو تعديل القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية إلا أن القرارات التي تصدرها السلطة التنفيذية بتفويض من السلطة التشريعية وإن كان لها فى موضوعها قوة القانون، إلا أنها تعتبر قرارات إدارية لا تبلغ مرتبة القوانين فى حجية التشريع، فيكون القضاء الإداري بما له من ولاية الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية أن يحكم بإلغائها إذا جاوزت الموضوعات المحددة بقانون التفويض أو الأسس التي يقوم عليها، ولا تحوز هذه القرارات حجية التشريع إلا إذا أقرها المجلس النيابي شأنها فى ذلك شأن أي قانون آخر". (نقض مدني في الطعن رقم 26 لسنة 41 قضائية – جلسة 21/12/1972 مجموعة المكتب الفني – السنة 23 – صـ 11919).
ومن ثم، فإن "مذكرة" السيد الأستاذ/ المستشار نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس إدارة الفتوى لوزارات الصحة والأوقاف والتضامن الاجتماعي وشئون الأزهر، المؤرخة 11/9/2008 في الملف رقم 41/29/37 والمنتهية إلى: "أولاً- انتهاء الأحكار التي مر عليها ستون عاماً دون حاجة إلى اتخاذ أي من الإجراءات المنصوص عليها بالقانون رقم 43 لسنة 1982 مع مراعاة ما تقضي به المادة 1010 من القانون المدني من أحكام. ثانياً- استمرار اللجنة القضائية المشكلة وفقاً لأحكام المادة الخامسة من القانون رقم 43 لسنة 1982 في نظر المنازعات المتعلقة بتطبيق أحكام المادتين 999 و 1010 من القانون المدني، وذلك كله على النحو المبين بالأسباب".. هذه المذكرة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تلغي قانون أصدره المجلس النيابي ولا يجوز لها أن تعدله أو تنهي العمل به أو تغير من أحكام وحالاته وشروطه، إذ لا يجوز ذلك إلا بسن تشريع آخر يصدر عن ذات المجلس النيابي وليس مجرد مذكرة حررها أحد نواب مجلس الدولة، والتي كانت أساساً وسنداً للجنة مراجعة قرارات اللجان القضائية لإنهاء الأحكار بديوان عام هيئة الأوقاف المصرية.
ثالثاً- الرأي:
* لكل ما تقدم، نرى – لدى الموافقة – توصية لجنة .................. بإعادة مرة أخرى على ضوء ما ورد بهذه المذكرة، وفي حالة ما إذا عدلت رأيها فتوصي بمراعاة ذلك مستقبلاً في الملفات المشابهة.
هذا، والله أعلى وأعلم،،،