مجلس الدولة
محكمة القضاء الإداري – بكفر الشيخ
مذكرة
انضمام للطاعن في طلباته
مقدمة من/ رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية بصفته. (المطعون ضده السادس)
انضماماً للسيد/ عادل سليمان الشرقاوي "المحامي" (الطاعن)
ضــــــد
كل من:
1- السيد/ رئيس مجلس الوزراء بصفته. (مطعون ضده الأول)
2- السيد/ وزير الدولة للتنمية المحلية بصفته. (مطعون ضده الثاني)
3- السيد/ محافظ كفر الشيخ بصفته. (مطعون ضده الثالث)
4- السيد/ وزير الأوقاف بصفته. (مطعون ضده الرابع)
5- السيد/ رئيس مركز ومدينة الوحدة المحلية ببلطيم بصفته. (مطعون ضده الخامس)
6- السيد/ وكيل وزارة الشهر العقاري بكفر الشيخ بصفته. (مطعون ضده السابع)
7- السيد/ مدير عام المساحة بكفر الشيخ بصفته. (مطعون ضده الثامن)
في الدعوى رقم 8636 لسنة 9 قضائية "قضاء إداري كفر الشيخ" – والمحدد لنظرها جلسة يوم الأربعاء الموافق 14/10/2009م للمرافعة.
أولاً- الوقائع
تخلص وقائع الدعوى الماثلة في الطاعن عقد الخصومة فيها بموجب صحيفة، موقعة من محام، أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بكفر الشيخ في تاريخ 3 سبتمبر 2009م، وأعلنت قانوناً للمطعون ضدهم، طلب في ختامها الحكم له:
أولاً- بقبول الدعوى شكلاً.
وبصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1856 لسنة 2009 والصادر بتاريخ 7 يوليه سنة 2009 بشأن فض المنازعات الخاصة بهيئة الأوقاف المصرية، وإلزام جهة الإدارة مصروفات الدعوى، على أن ينفذ الحكم بمسودته بغير إعلان.
ثانياً- وفي الموضوع: بإلغاء هذا القرار، مع ما يترتب عليه من آثار، وإلزام المطعون ضدهم بصفاتهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
وقال الطاعن شرحاً لدعواه أنه يطعن بالإلغاء على القرار الصادر من رئيس مجلس الوزراء برقم 1856 لسنة 2009 بشأن فض المنازعات الخاصة بهيئة الأوقاف المصرية (مع طلب وقف تنفيذه)..
والذي قرر الآتي
المادة الثانية:
تُشكل بهيئة المستشارين بالأمانة العامة لمجلس الوزراء لجنة خاصة، من المستشارين بهيئة المستشارين وعضوية ممثلين لوزارات المالية والأوقاف والتنمية المحلية والمحافظة المعنية بالنزاع الذي تنظره اللجنة، يختارهم الوزراء والمحافظون، وللجنة أن تستعين بمن ترى الاستعانة بهم من الخبراء والمتخصصين بالجهات الحكومية.
المادة الخامسة:
في حالة الخلاف بين هيئة الأوقاف المصرية والمحافظات أو الجهات الحكومية بشأن الأراضي، فيعرض الخلاف على اللجنة المشار إليها بالمادة الثانية من أحكام هذا القرار.
المادة السادسة:
تتولى الهيئة العامة للخدمات الحكومية بوزارة المالية تقويم (تقييم) أراضي الوقف المتنازع عليها، سواء كان انتفاعاً أو نقل ملكية أو أي حق عيني آخر.
وتتولى الهيئة المشار إليها التقويم (التقييم)، بناء على طلب اللجنة المشكلة بهيئة المستشارين وخلال الموعد الذي تحدده اللجنة، بما لا يجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ الطلب.
وفي حالة ما إذا كانت الأرض المتنازع عليها ستخصص لمشروعات نفع عام فإن تقدير قيمتها يكون بقيمة رمزية، تقسم بين الطرفين وفقاً للمادة التاسعة؟!!
المادة الثامنة:
لا تختص اللجنة بتدقيق والفصل في ملكية العقارات محل الخلاف، وتستوفي فقط وتتحقق مما يفيد أن العقارات ثابتة بسجلات ومستندات هيئة الأوقاف المصرية، أياً كان حجيتها، بمراعاة أن أحكام هذا القرار في جملتها تسوية للخلاف بقرارات نهائية تحسم النزاع.
المادة التاسعة:
تتم تسوية الخلاف بين المحافظات والجهات الحكومية وهيئة الأوقاف المصرية، بشأن العقارات الموقوفة المتنازع عليها، على أساس تقاضي هيئة الأوقاف 60% والمحافظة أو الجهة الحكومية 40% من مقابل الانتفاع أو قيمة التصرف بحسب الأول، كتسوية نهائية للخلاف أو أي دعاوى أو أحكام بشأن هذه العقارات ... .
المادة العاشرة:
يكون تنفيذ توصيات اللجنة بعد اعتمادها من رئيس مجلس الوزراء، ملزماً للجهات المتنازعة وكافة الجهات المعنية بهذه الأراضي استخداماً واستغلالاً وتوثيقاً، وأخصها اعتبار العقارات من أعيان الوقف، وما يترتب على ذلك من آثار، على أن تلتزم هيئة الأوقاف المصرية بما توصي به اللجنة من التزامات على الهيئة.
المادة الحادية عشر:
تتنازل المحافظات وهيئة الأوقاف المصرية والجهات الحكومية عن كافة الدعاوى المقامة والأحكام الصادرة بشأن الخلاف حول الأعيان الموقوفة
ويكون تسوية النزاع والخلاف، وفقاً لما يصدر من توصية من اللجنة المُشكلة بهيئة المستشارين المشار إليها، والتي يعتمد رئيس مجلس الوزراء توصياتها بقرار نهائي واجب التنفيذ.
المادة الرابعة عشر:
تكون اللجنة المُشكلة بهيئة المستشارين وحدها المختصة بتفسير أحكام هذا القرار أو التوصيات التي تصدرها والقرارات الصادرة باعتمادها ويعتمد رأيها من رئيس مجلس الوزراء ... إلى آخر ما جاء بهذا القرار.
خلفيات الموضوع
ثارت عدة خلافات بين هيئة الأوقاف المصرية وبعض الجهات الحكومية والمحافظات بشأن أراضي تابعة لجهات الوقف الخيري الذي تديره هيئة الأوقاف المصرية، تتعلق بثلاث أوقافات هي: وقف/ الأمير مُصطفى عبد المنان، ووقف/ سيدي غانم الأشعري، ووقف/ عبد الله الروبي؛ وتقع في ثلاث محافظات هي: محافظ دمياط، ومحافظة كفر الشيخ، ومحافظة الدقهلية.
ونشبت عن ذلك عدة دعاوى قضائية أمام مختلف جهات القضاء، وإذ تشكلت لجنة بمجلس الوزراء من بعض الوزراء والمحافظين المعنيين للفض تلك الخلافات، إلا أن هيئة الأوقاف المصرية فوجئت بصدور قرار رئيس مجلس الوزراء سالف الذكر والذي عمم أحكامه على جميع المحافظات وجميع الأراضي التابعة لجهات الوقف الخيري وجميع المنازعات التي تكون هيئة الأوقاف المصرية طرفاً فيها مع أي جهة حكومية أو محافظة، فضلاً عن أن أحكام ذلك القرار قد جاء مجحفاً بحقوق هيئة الأوقاف وأعيان الوقف الخيري الذي هو على ملك الله تعالى، تارة ببخس قيمة أرض الوقف الخيري إذا كانت الجهة الحكومية أو المحافظة تريد تخصيصها لمشروع ذو نفع عام، بل وأكثر من ذلك قرر تقسيم هذه القيمة البخسة بين هيئة الأوقاف وبين تلك الجهة الحكومية أو المحافظة بدون أي سند من حقيقة الواقع أو صحيح القانون، وتارة أخرى بجعل قرارات وتوصيات اللجنة المشكلة بموجب القرار المطعون فيه نهائية واجبة النفاذ اً بما يعني عدم جواز التقاضي بشأنها، بل والنزول عن الدعاوى المقامة أو الأحكام الصادرة لصالح الهيئة في هذا الشأن؟!! وتارة بجعله اللجنة المذكور هي الخصم والحكم في ذات الوقت بأن جعلها وحدها المختصة بتفسير أحكام هذا القرار أو التوصيات التي تصدر أو القرارات التي تصدر باعتمادها.
وإذ أقام الطاعن طعنه الماثل على القرار المذكور، فإن هيئة الأوقاف المصرية (المطعون ضدها السادسة) تنضم للطاعن في طلباته في الطعن الماثل تأسيساً على ما يلي:
ثانياً- الدفاع
قبول الطعن الماثل لتوافر شرط المصلحة:
حيث تنص المادة الثالثة من قانون المرافعات على أنه: "
- لا تقبل أي دعوى كما لا يقبل أي طلب أو دفع استنادا لأحكام هذا القانون أو أي قانون آخر، لا تكون لصاحبه فيها مصلحة شخصية ومباشرة يقرها القانون.
- ومع ذلك تكفي المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه.
- وتقضي المحكمة من تلقاء نفسها، في أي حالة تكون عليها الدعوى، بعدم القبول في حالة عدم توافر الشروط المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين.
- ويجوز للمحكمة عند الحكم بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرط أن تحكم على المدعي بغرامة إجرائية لا تزيد على خمسمائة جنيه إذا تبينت أن المدعي قد أساء استعمال حقه في التقاضي".
فالمُشرع قد أجاز قبول الدعوى ولو لم تكن المصلحة والصفة قائمة وذلك في طائفتين من الدعاوى:
الطائفة الأولى- التي يكون الغرض منها الاحتياط لدفع ضرر محدق.
والطائفة الثانية- التي يكون الغرض منها الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه.
ومن أمثلة الطائفة الأولى: بعض دعاوى تقرير الحقوق والمراكز القانونية، كدعوى المطالبة ببطلان العقود والشروط التي لم يتمسك بها الطرف الآخر ودعوى التزوير الأصلية. (المرجع: "التعليق على قانون المرافعات" – للمستشار/ الدناصوري – الجزء الأول – الطبعة الثامنة 1996 القاهرة – المادة 3 – البند رابعاً – صـ 24).
هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "إذ كانت المصلحة في الدعوى لا تهدف إلى حماية الحق واقتضائه فحسب بل قد يقصد بها مجرد إستيثاق المدعى لحقه بحيث لا يلزم أن يثبت الحق له حتى تقبل دعواه بل يكفى أن تكون له شبهة حق حتى تكون دعواه جديرة بالعرض أمام القضاء، فقد أجاز المشرع تأسيساً على ذلك بالمادة 291 من قانون المرافعات لمن يخشى الاحتجاج عليه بورقة مزورة أن يختصم من بيده تلك الورقة ومن يستفيد منها لسماع الحكم بتزويرها، وذلك قبل أن يتمسك بالورقة في مواجهته ويكون ذلك بدعوى تزوير أصلية تقتصر مهمة المحكمة فيها على القضاء بصحة الورقة أو تزويرها". (نقض مدني في الطعن رقم 296 لسنة 35 قضائية – جلسة 17/6/1969 مجموعة المكتب الفني – السنة 20 – صـ 970).
وقد تواتر قضاء النقض على أن: "المصلحة المحتملة التي تكفي لقبول الدعوى لا تتوافر كصريح نص المادة الثالثة من قانون المرافعات إلا إذا كان الغرض من الطلب أحد أمرين: (الأول) الاحتياط لدفع ضرر محدق (والثاني) الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه". (نقض مدني في الطعن رقم 135 لسنة 46 قضائية – جلسة 25/1/1979. مشار التعليق على قانون المرافعات – للدناصوري – الجزء الأول – الطبعة الثامنة 1996 القاهرة – المادة 3 – القاعدة رقم 154 – صـ 66).
ومن ثم، تكون للطاعن مصلحة قائمة يقرها القانون في إقامة طعنه الماثل.
مال الوقف مال خاص، والملكية الخاصة مصونة:
لما كان من المسلم به قانوناً أن "الأوقاف" لها شخصية اعتبارية طبقاً لنص المادة 52/3 من القانون المدني والتي تنص على أن: "الأشخاص الاعتبارية هي ... والأوقاف ...". كما تنص المادة 53 من القانون المدني على أن: "الشخص الاعتباري يتمتع بجميع الحقوق ... وذلك في الحدود التي قررها القانون ... فيكون له ذمة مالية و أهلية و حق التقاضي و موطن مستقل و يكون له نائب يعبر عن إرادته".
ولما كانت أموال الأوقاف هي "أموال خاصة" بصريح نص المادة 5 من القانون رقم 80 لسنة 1970 بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية والتي تنص على أن: "تتولى الهيئة، نيابة عن وزير الأوقاف بصفته ناظراً على الأوقاف الخيرية، إدارة هذه الأوقاف، واستثمارها، والتصرف فيها على أسس اقتصادية، بقصد تنمية أموال الوقف باعتبارها أموالاً خاصة ...".
ولما كانت الملكية الخاصة (سواء أموال أو منقولات أو عقارات المملوكة ملكية خاصة للأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين) مصونة طبقاً لنص المادة 34 من الدستور والتي تنص على أن: "الملكية الخاصة مصونة ... ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومُقابل تعويض وفقاً للقانون". وهذا الأمر يبين منه أن المُشرع الدستوري قد أضفى على الملكية الخاصة حصانة تعصمها من الاعتداء عليها أو النيل والانتقاص منها، مُقرراً أنه لا يتم نزع ملكيتها إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون.
فقد التزم المُشرع العادي نهج المُشرع الدستوري في حماية الملكية الخاصة، فقد تضمن القانون المدني في نص المادة 802 منه أن: "لمالك الشيء وحده، في حدود القانون، استعماله واستغلاله والتصرف فيه".. كما نص في المادة 804 منه على أن: "لمالك الشيء الحق في كل ثماره ومنتجاته وملحقاته ما لم يوجد نص أو اتفاق يخالف ذلك".. كما نص في المادة 805 منه على أنه: "لا يجوز أن يحرم أحد من ملكه إلا في الأحوال التي يقررها القانون، وبالطريقة التي يرسمها، ويكون ذلك في مقابل تعويض عادل".
كما تنص المادة 970 مدني على أنه: "لا يجوز تملك الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية ... أو الأوقاف الخيرية ... أو كسب أي حق عيني على هذه الأموال بالتقادم، ولا يجوز التعدي على هذه الأموال ...".
ومن ثم، فإن ما قضى به القرار المطعون فيه – بصورة تعسفية – بتقدير قيمة الأوقاف الخيرية بقيمة رمزية، ثم تقسم هذه القيمة الرمزية بين الأوقاف الخيرية وبين الجهات الحكومية (المادة السادسة من القرار)، وكذلك ما قضى به من اختصاص الجهات الحكومية بنسبة 40% من مقابل الانتفاع أو قيمة التصرف في الأعيان الموقوفة، كل ذلك قد جاء بالمخالفة لنص وروح جميع القوانين سالفة الذكر بل وللدستور ذاته، بما يستوجب وقف تنفيذ ثم إلغاؤه.
قاعدة تدرج التشريع:
لما كان ما تقدم، وكان المشرع قد نص في المادة الخامسة من القانون رقم 80 لسنة 1971 بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية على أن: "تتولى الهيئة نيابة عن وزير الأوقاف بصفته ناظراً على الأوقاف الخيرية إدارة هذه الأوقاف واستثمارها والتصرف فيها على أسس اقتصادية بقصد تنمية أموال الأوقاف باعتبارها أموالاً خاصة ...".
كما نصت المادة الثانية من ذات القانون على أن: "تختص الهيئة وحدها بإدارة واستثمار أموال الأوقاف ...".
ومن ثم فقد أناط المشرع بهيئة الأوقاف وحدها سلطة إدارة واستثمار أموال الوقف الخيري والتصرف فيها على أسس اقتصادية بقصد تنميتها باعتبارها أموالاً خاصة، وذلك وفقاً للسياسة العامة التي يرسمها مجلس إدارتها لتحقيق أقصى عائد ممكن، وهذا الاختصاص الذي أنيط بالهيئة بموجب "قانون" لا ينحسر عنها إلا بأداة تشريعية موازية، وهي "القانون"، ذلك أن مؤدى مبدأ المشروعية هو خضوع الكافة حكاماً ومحكومين للقانون، ويجب على الجميع الانصياع لحكم القانون وعدم الخروج عليه، بينما ما تضمنه قرار رئيس مجلس الوزراء المطعون عليه ينطوي على خرق واضح لقاعدة قانونية مقررة بأداة تشريعية أعلى، وهذا أمر غير جائز قانوناً.
فالقاعدة في تدرج التشريعات هي أن: التشريع الدستوري هو الأعلى، ويليه التشريع العادي "القانون"، ثم يليه التشريع الفرعي "اللوائح".
ويترتب على تدرج التشريعات نتيجة هامة وهي أن التشريع الأدنى يجب ألا يخالف التشريع الأعلى منه، فاللوائح يجب ألا تخالف القانون ولا الدستور، والقانون – بدوره – يجب ألا يخالف الدستور، فإذا تعارض تشريعان من درجتين مختلفتين، وجب تغليب الأعلى.
وفي هذا الشأن جرى قضاء محكمة النقض على أنه: "من المُقرر أنه عند تعارض بين نصين أحدهما وارد في القانون والآخر في لائحة تنفيذية، فإن النص الأول يكون هو واجب التطبيق باعتباره أصلاً للائحة التي هي أداة تشريعية أدنى من القانون". (نقض مدني في الطعون أرقام 2 و 3 و 4 لسنة 35 قضائية "صحافة" – جلسة 31/5/1966).
وتتجلى إحدى نتائج التدرج في القواعد التشريعية في مجال "إلغاء التشريع"، والمقصود بإلغاء القاعدة القانونية هو رفع القوة الملزمة لها أو إنهاء العمل بها ابتداء من وقت الإلغاء. فالتشريع الدستوري لا يلغى إلا بتشريع دستوري، والتشريع العادي يلغيه تشريع عادي أو تشريع دستوري، والتشريع اللائحي يلغيه تشريع لائحي أو عادي أو دستوري. ولكن لا يجوز لقرار تنفيذي أن يلغي أو ينهي أو يعدل قاعدة قانونية واردة في نص قانون عادي، بأي حال من الأحوال.
حيث أنه من المقرر قانوناً أن إلغاء التشريع أو تعديله لا يكون إلا بتشريع مثله، أي يصدر عن مجلس الشعب طبقاً للإجراءات المُعتادة لسن القوانين، ولا يجوز إلغاء التشريع أو تعديله بلائحة تصدر بقرار وزاري من الوزير المُختص. حيث تنص المادة الثانية من القانون المدني على أنه: "لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء، أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم، أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع".
كما أن المادة 144 من الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية لعام 1971 تنص على أنه: "يُصدر رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها، وله أن يفوض غيره في إصدارها. ويجوز أن يعين القانون من يُصدر القرارات اللازمة لتنفيذه".
فاللائحة التنفيذية إذن تفصل حيث أجمل القانون، وتفسر حيث عمم القانون، وتضع الإجراءات حيث لم يضع القانون إلا القواعد الموضوعية، واللائحة بصفة عامة تسهل على السلطات العامة مهمة تنفيذ القوانين في الدولة. واللائحة إذ تفعل ذلك كله لا يمتد نطاقها – وفقاً للدستور ذاته – إلى حيث تتعارض مع القانون الصادرة هي لتنفيذه، ولا تصل إلى حد تعديل مضمون القانون، ولا يجوز للائحة أن تعفي أحداً من أحكام فرضها القانون، لأن اللائحة في هذه الأحوال جميعها لا تؤدي إلى تنفيذ القانون بل على العكس تؤدي إلى عدم تنفيذه أو تنفيذه على نحو غير النحو الذي قصد إليه المُشرع. ولا يجوز للائحة عن طريق تفسير بعض الأحكام المُجملة في القانون أن تعمد إلى تحوير مضمونه وإضافة أحكام موضوعية جديدة، ذلك أن إضافة أحكام موضوعية جديدة إلى القانون لا يكون إلا بقانون مثله، فإذا عمدت السلطة التنفيذية وهي تضع اللائحة إلى مثل ذلك فإنها تكون قد تعدت النطاق المرسوم لها وتجاوزت اختصاصها واعتدت على اختصاص سلطة التشريع. (المصدر: "النظام الدستوري في جمهورية مصر العربية" – للدكتور/ يحي الجمل – طبعة 1974 القاهرة – صـ 210 و 211).
هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "لا يجوز لسلطة أدنى في مدارج التشريع أن تلغي أو تعدل قاعدة تنظيمية وضعتها سلطة أعلى أو أن تضيف إليها أحكاماً جديدة". (نقض مدني في الطعن رقم 476 لسنة 26 قضائية – جلسة 31/5/1962 مجموعة المكتب الفني – السنة 13 – صـ 734).
وقد جرى قضاء محكمة النقض على أن: "الأصل أن اللائحة لا تعدل تشريعاً إذ هي في مرتبة أدنى منه". (نقض مدني في الطعن رقم 25 لسنة 27 قضائية – جلسة 29/11/1962 مجموعة المكتب الفني – السنة 13 – صـ 1078).
وهذا ما حدا بلجنة التوفيق في المنازعات بمجلس الوزراء ذاته (المُشكلة بالقانون رقم 7 لسنة 2000 بشأن التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الجهات الحكومية طرفاً فيها) إلى أن تصدر توصيتها في طلب التوفيق رقم 58 لسنة 2009 المقدم من/ جمعية المساعي المشكورة بالمنوفية ضد/ رئيس مجلس الوزراء، طعناً وتظلماً من ذات القرار المطعون فيه بالطعن الماثل (قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1856 لسنة 2009)، حيث صدرت توصية اللجنة بما نصه: "قررت اللجنة بالإجماع التوصية بسحب القرار رقم 1856 لسنة 2009 لرئيس مجلس الوزراء والصادر بتاريخ 7/7/2009 لبطلانه ولمخالفته لقانون الوقف الخيري وقانون إنشاء هيئة الأوقاف المصرية". وقد صدرت هذه التوصية بجلسة29/9/2009م ونتشرف بتقديم صورة ضوئية منها بحافظة مستنداتنا المقدمة لعدالة المحكمة الموقرة بجلسة اليوم.
وقد جاء في حيثيات تلك التوصية أن القرار المطعون فيه معيب بالبطلان الذي ينحدر به إلى مستوى الانعدام لصدوره ممن لا يملكه، كما أنه يخالف القانون رقم 48 لسنة 1946 بنظام الوقف الخيري، وما يترتب على الوقف من أبديته، ونقل ملكية المال الموقوف وقفاً خيرياً من ملكية خاصة إلى مال مملوك لله تعالى أبد الدهر بما لا يسمح بالتصرف فيه إلا بالاستبدال وبإجراءات خاصة، وبما يكفل للمال الموقوف صفة الأبدية حسب المنصوص عليه في القانون.
كما أوضحت اللجنة في قرارها أن المشرع أصدر القانون رقم 80 لسنة 1971 بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية، وعهد إليها – دون غيرها – بإدارة الأعيان الموقوفة وقفاً خيرياً لحساب وزارة الأوقاف التي تتولى النظر على الوقف الخيري بنص القانون، وبما لا يسمح لجهة أخرى بتسلم هذه الأوقاف وإدارتها.
وأوردت اللجنة في قرارها أنه لما كان من المقرر أن القانون لا يعدله إلا قانون (موازي له في الدرجة أو أعلى منه) ولا تملك أي سلطة في الدولة – مهما علت – أن تصدر قراراً يخالف أحكام القانون (أو يعدل من أحكامه أو يلغيه أو ينهي العمل به)، إذ أن ذلك منوط بالسلطة التشريعية وحدها بحكم الدستور أو رئيس الجمهورية دون غيره (بقرار جمهوري له قوة القانون)، حيث خوله الدستور – في حالة الاستعجال وعدم وجود مجلس الشعب – أن يصدر قرارات لها قوة القانون (في حالات وبإجراءات وبشروط معينة) بما يلغي أو يعدل من أحكام قوانين قائمة، فإن قرار رئيس مجلس الوزراء (المطعون فيه) يكون باطلاً بطلاناً ينحدر به إلى مستوى الانعدام.
وفضلاً عما تقدم، فقد جاوز المطعون ضده الأول (السيد/ رئيس مجلس الوزراء) - بإصداره القرار المطعون فيه – الاختصاصات التي خولها له الدستور، حيث أن الدستور لم يخول رئيس مجلس الوزراء إلا في إصدار القرارات الإدارية والتنفيذية وفقاً للقوانين والقرارات، ومراقبة تنفيذها (المادة 156/ح من الدستور)، وليس الحال كذلك بالنسبة للقرار المطعون فيه.
وفضلاً عما تقدم، ولما كانت أموال الوقف تعد أموالاً خاصة، وإن أضفى عليها المُشرع الحماية المقررة للمال العام، فإنها بتلك الصفة تكون متمتعة بالحماية التي قررها الدستور، مما يضحى معه – والحال كذلك – ما جاء بقرار رئيس مجلس الوزراء المطعون عليه من أحكام منطوياً على خروج على هذا المبدأ الدستوري، فقد غل القرار يد هيئة الأوقاف عن إدارة واستثمار والتصرف في أعيان الوقف الخيري أو إقامة مشروعات على الأراضي التي تعلن عنها كأعيان موقوفة إذا وجد خلاف بينها وبين المحافظات أو الجهات الحكومية الأخرى، كما ألزم الهيئة بما يصدره المحافظ المختص من قرارات بشأن تخطيط واستخدام هذه العقارات، فضلاً عما تضمنه من أحكام أخرى بخصوص تسوية الخلال بين الهيئة والجهات الحكومية والمحافظات وتقسيم مقابل الانتفاع أو قيمة التصرف بنسب ما أنزل الله بها من سلطان، كما قرر تقدير قيمة تلك الأعيان "بقيمة رمزية"، وهذه الأحكام جميعها من شأنها الاعتداء على أملاك الوقف الثابتة له بموجب حجج شرعية، ويكفي – وفقاً لأحكامه – لغل يد الهيئة مجرد الإدعاء من قبل أي جهة إدارية أو حكومية بملكيتها لبعض أو كل هذه الأعيان، وهو أمر لا يستقيم مع القانون ولا يتفق مع مقتضيات العدالة.
الأوقاف ما زالت مُتمسكة بملكية أراضيها:
لما كان ما تقدم، وكان عدم اتخاذ الإجراءات القانونية في نزع الملكية أو الاستيلاء المُؤقت، يترتب عليه احتفاظ المالك بملكه، ولذلك له الحق في استغلاله بالكيفية التي يراها، علاوة على حصوله على الريع الناتج عن العقار (كاملاً لنفسه بدون أن يشاركه فيه أية جهة حكومية أو محافظة، بأية حصة أو نسبة، بدون سند من القانون).
حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "الأموال المملوكة للأفراد لا تكتسب صفة الأموال العامة بمُجرد تخصيصها بالفعل لمنفعة عامة إلا إذا انتقلت ملكيتها إلى الدولة بأحد أسباب كسب الملكية المنصوص عليها في القانون. أما استيلاء الحكومة على العقار جبراً عن صاحبه دون اتخاذ الإجراءات القانونية التي يوجبها قانون نزع الملكية فيغدو بمثابة غصب ليس من شأنه أن ينقل الملكية إلى غاصبها، ويظل صاحب العقار مُحتفظاً بملكه رغم هذا الاستيلاء ويكون له الحق في ريعه واسترداده حتى تتخذ إجراءات نزع الملكية قانوناً أو يستحيل رده". (نقض مدني في الطعن رقم 1500 لسنة 53 قضائية – جلسة 24/3/1987).
وحيث أن القرار المطعون فيه لم يراع إجراءات نزع الملكية ولا التعويض عنها وإنما هو قرر استيلاء جهة الإدارة على الملكية الخاصة التي صانها الدستور وكافة القوانين أو المشاركة فيها وفي ريعها بدون سند من القانون، فإن ذلك يعد غصباً لتلك الأوقاف، ومن المسلم به أنه لا يترتب علي الغصب أي أثر قانوني حيث أنه عمل مادي محض وإن تم صبه في قالب قرار إداري. فمن المُقرر قانوناً وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض أن: "ضم الدولة للملك الخاص للمنفعة العامة دون اتخاذ إجراءات نزع الملكية، يعد غصباً أو مجرد واقعة مادية لا إلى عمل قانوني". (قرب ذلك: نقض مدني في الطعن رقم 1274 لسنة 48 قضائية - جلسة 16/1/1983 مجموعة المكتب الفني – السنة 34 - الجزء الأول – القاعدة 52 – صـ 215 : 227).
ومن ثم، يتعين إلغاء القرار المطعون فيه ووقف تنفيذه، واعتباره كأن لم يكن، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
عدم دستورية ما قرره القرار المطعون فيه من نهائية قرارات اللجنة ووجوب تنفيذها:
من المُقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أنه: "وعلى ما أستقر عليه قضاء هذه المحكمة، فإن أداء اللجان المنصوص عليها في المادة الحادية عشر من القانون رقم 7 لسنة 2000 لا ينال من حق التقاضي سواء في محتواه أو في مقاصده، ذلك أن نشاطها يمثل مرحلة أولية لفض النزاع حول حقوق يدعيها ذوو الشأن، فإن استنفدتها، وكان قرارها في شأن هذه الحقوق لا يرضيهم، ظل طريقهم إلى الخصومة القضائية متاحاً ليفصل قضاتها في الحقوق المدعى بها، سواء بإثباتها أو بنفيها. كما أن ضمانة سرعة الفصل في القضايا المنصوص عليها في الدستور، غايتها أن يتم الفصل في الخصومة القضائية – بعد عرضها على قضاتها – خلال فترة زمنية لا تجاوز باستطالتها كل حد معقول، ولا يكون قصرها متناهياً، وإذ كان النص المادة الحادية عشر المطعون عليه قد اشترط تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار التوصية أو الميعاد المقرر لعرضها دون قبول قبل الالتجاء إلى القضاء في هذه المنازعات، وكان هذا الميعاد معقولاً، وكانت سرعة الفصل في القضايا شرط في الخصومة القضائية لا يثور إلا عند استعمال الحق في الدعوى، ولا يمتد إلى المراحل السابقة عليها، كلما كانت تنظيمها متوخياً تسوية الحقوق المتنازع عليها قبل طلبها قضاءً، فإن النعي بمخالفة النص الطعين لنص المادة 68 من الدستور يكون شططاً. وحيث إن تقريب جهات القضاء من المتقاضين يتوخى ضمان حماية أكثر فعالية لحق التقاضي، إلا أن اللجان المشار إليها بنص المادة الحادية عشر المطعون عليها لا صلة لها بجهات القضاء، ولا بموقعها التي تباشر فيها وظائفها، ولا شأن للدستور بقربها منها أو نأيها عنها، ولذلك يكون الإدعاء بمخالفتها لأحكامه خليقاً بالالتفات عنه". (حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في الطعن رقم 11 لسنة 24 قضائية "دستورية" – بجلسة 9/5/2004 والمنشور بالجريدة الرسمية في العدد رقم 24 بتاريخ 10/6/2004 صـ 48 وما بعدها).
وبمفهوم المخالفة لحيثيات حكم الدستورية المتقدم ذكره، فإذا كان قرار اللجنة التي شكلها القرار المطعون فيه يعد وفق مفهوم القرار "قراراً نهائياً وواجب النفاذ"، بما يعني أنه ينال من حق التقاضي في محتواه ومقاصده، لأنه يعني إنه إذا كان القرار في الحقوق المدعى لا يرضي الخصوم، فلا مجال للجوء إلى القاضي الطبيعي للفصل في المنازعات لأن قرار اللجنة نهائية وواجب النفاذ، بل القرار نص على التنازل عن الدعاوى المقامة بالفعل بل وعن الأحكام الصادرة في المنازعات القضائية من قبل؟!! وهذا كله مخالف للدستور الذي ضمن حق التقاضي وصان حق لجوء الشخص إلى قاضيه الطبيعي.
بل إن القرار المطعون فيه، فضلاً عما تقدم، قد حصن القرارات الصادرة عن اللجنة التي شكلها، من الطعن عليها أمام القضاء، وبالتالي أسبغ عليها حصانة تعصمها من رقابة القضاء، وهو أمر مخالف للدستور. حيث تنص المادة 68 من دستور جمهورية مصر العربية على أن: "التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا. ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء".
وكما سلف القول، فقد جاوز المطعون ضده الأول (السيد/ رئيس مجلس الوزراء) - بإصداره القرار المطعون فيه – الاختصاصات التي خولها له الدستور، حيث أن الدستور لم يخول رئيس مجلس الوزراء إلا في إصدار القرارات الإدارية والتنفيذية وفقاً للقوانين والقرارات، ومراقبة تنفيذها (المادة 156/ح من الدستور)، وليس الحال كذلك بالنسبة للقرار المطعون فيه.
طلب وقف التنفيذ:
تنص المادة 49 من القرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة والتي تقضي بأنه: "لا يترتب على رفع الطلب إلى المحكمة وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذه إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها".
وعلى ذلك فإنه يُشترط لوقف تنفيذ القرار المطعون عليه توافر الشرطين الآتيين:
1- أن يطلب الطاعن وقف تنفيذ القرار صراحة في صحيفة الطعن، فلا يُقبل طلب وقف التنفيذ الذي يُبدى بصحيفة مُستقلة فيجب أن تتضمن صحيفة الدعوى طلبين: طلب مُستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مُؤقتاً حتى يُفصل في موضوع الطعن، وطلب موضوعي هو إلغاء القرار المطعون فيه.
2- أن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها، وهو ما عبرت عنه المحكمة الإدارية العليا بـ "ركن الاستعجال"، ومحكمة القضاء الإداري هي التي تقدر ما إذا كان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها من عدمه، ولا شك أن كافة القرارات الصادرة بالاستيلاء على العقارات في ذاتها تجعل نتائج التنفيذ يتعذر تداركها.
3- ويجب لوقف تنفيذ القرار المطعون فيه أن يكون ادعاء الطالب قائماً بحسب الظاهر على أسباب جدية يُرجح معها إلغاء القرار المطعون عليه. وفي هذا الشأن قضت المحكمة الإدارية العليا بأن: "قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن سلطة وقف تنفيذ القرارات الإدارية مُشتقة من سلطة الإلغاء وفرع منها، مردهما إلى الرقابة القانونية التي يُسلطها القضاء الإداري على القرار على أساس وزنه بميزان القانون وزناً مناطه مبدأ المشروعية توجب على القضاء الإداري ألا يوقف قراراً إدارياً إلا إذا تبين له – على حسب الظاهر من الأوراق ومع عدم المساس بأصل طلب الإلغاء عند الفصل فيه – أن طلب وقف التنفيذ يقوم على ركنين: الأول- قيام الاستعجال بأن كان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها؛ والثاني- يتصل بمبدأ المشروعية بأن يكون ادعاء الطالب في هذا الشأن قائماً بحسب الظاهر على أسباب جدية. وكلا الركنين من الحدود القانونية التي تحد سلطة القضاء الإداري وتخضع لرقابة المحكمة العليا". (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2 لسنة 20 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 25/1/1975. وفي الطعن رقم 1235 لسنة 18 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 15/2/1975. المصدر: "شرح قانون المباني الجديد" – للمُستشار/ محمد عزمي البكري – طبعة 1997 القاهرة – بند 182 – صـ 432 ، 433).
حيث أن القاضي الإداري يفصل في الطلب المستعجل بمراعاة الحدود والضوابط المقررة في الطلبات المستعجلة، فتنظر المحكمة أولاً في قواعد الاستعجال حسب الحالة المعروضة والحق المطالب به بأن تستظهر الأمور التي يخشى عليها من فوات الوقت أو النتائج التي يتعذر تداركها أو الضرر المحدق بالحق المطلوب المحافظة عليه، ثم تستظهر بعد ذلك جدية الأسباب أو عدم جديتها من حيث الظاهر، فتحكم على مقتضى هذا النظر حكمها المؤقت في الوجه المستعجل من النزاع باتخاذ الإجراء المطلوب أو رفضه دون مساس بأصل الحق المتنازع فيه أي دون مساس بالناحية الموضوعية للنزاع التي تفصل فيها بعد ذلك فصلاً نهائياً على مقتضى ما تتبينه من دلائل موضوعية يقدمها كل من طرفي الخصومة. (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2003 لسنة 40 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 11/11/1997 مجموعة المكتب الفني – السنة 43 – الجزء الأول – الحكم رقم 35 – صـ 289).
لما كان ما تقدم، وكان يترتب على تنفيذ القرار المطعون فيه نتائج يتعذر تداركها ويلحق أبلغ الضرر بأموال وحقوق جهة الوقف الخيري (الذي هو على ملك الله تعالى)، كما أن القرار الإداري المطعون فيه من المُرجح – على الأقل من ظاهر الأوراق – القضاء بإلغائه لكونه صدر معيباً بعيب مُخالفة القانون، وهو ما يتحقق به ركن الجدية وقد توافر ركن الاستعجال لكون من شأن تنفيذ القرار المطعون فيه ترتيب نتائج يتعذر تداركها ويتمثل بعضها في حرمان هيئة الأوقاف المصرية من الانتفاع بأعيان الأوقاف الخيرية وبحصول الجهات الإدارية الحكومية على 40% من مقابل الانتفاع أو قيمة التصرف بدون أي سند من القانون وبالمخالفة لأحكام القانون ونصوص الدستور فضلاً عن التنازل عن الدعاوى والأحكام ونهائية القرار الصادر من اللجان الخاصة التي شكلها القرار المطعون فيه وبالتالي حرمان هيئة الأوقاف من اللجوء إلى قاضيها الطبيعي بالمخالفة للدستور.
مما يحق معه لهيئة الأوقاف المصرية (رئاسة المطعون ضده السادس بصفته) الانضمام إلى الطاعن في طعنه الماثل للقضاء بوقف تنفيذ القرار الإداري المذكور والمطعون فيه لحين الفصل نهائياً في الطعن بالإلغاء الماثل، وكذا الطعن على القرار المطعون فيه بعدم دستوريته لمخالفته لنصوص المواد 34 و 68 و 144 و 156 من الدستور.
لا سيما وأنه من المُقرر في قضاء المحكمة الدستورية أن: "مُؤدى نص المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا أن المشرع رسم طريقاً لرفع الدعوى الدستورية التي أتاح للخصوم مباشرتها وربط بينه وبين الميعاد الذي حدده لرفعها، فدل بذلك على أنه أعتبر هذين الأمرين من مقومات الدعوى الدستورية، فلا ترفع إلا بعد إبداء دفع بعدم الدستورية تقدر محكمة الموضوع جديته، ولا تقبل إلا إذا رفعت خلال الأجل الذي ناط المشرع بمحكمة الموضوع تحديده بحيث لا يجاوز ثلاثة أشهر. وهذه الأوضاع الإجرائية - سواء ما أتصل منها بطريقة رفع الدعوى الدستورية أو بميعاد رفعها - تتعلق بالنظام العام باعتبارها شكلاً جوهرياً في التقاضي تغيا به المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعى في المسائل الدستورية بالإجراءات التي رسمها وفي الموعد الذي حدده، وبالتالي فإن ميعاد الثلاثة أشهر الذي فرضه المشرع على نحو آمر كحد أقصى لرفع الدعوى الدستورية طبقاً لنص الفقرة "ب" من المادة 29 المشار إليها، يعتبر ميعاداً حتمياً يقيد محكمة الموضوع والخصوم على حد سواء، فإن هي تجاوزته أو سكتت عن تحديد أي ميعاد، تعين على الخصوم أن يلتزموا برفع دعواهم الدستورية قبل انقضاء هذا الحد الأقصى وإلا كانت دعواهم غير مقبولة". (حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 29 لسنة 2 قضائية "دستورية" – جلسة 3/4/1982 مجموعة المكتب الفني – السنة 2 – صـ 31).
ثالثاً- الطلبات
* لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة المحكمة من أسباب أصوب وأرشد، تلتمس هيئة الأوقاف المصرية من عدالة المحكمة الحكم لها في الدعوى الماثلة بما يلي:
أولاً- في الشق المُستعجل: بوقف تنفيذ القرار الإداري الصادر من المطعون ضده الأول بصفته والذي يحمل رقم 1856 لسنة 2009 بشأن فض المنازعات الخاصة بهيئة الأوقاف المصرية. وذلك لحين الفصل نهائياً في دعوى الإلغاء الموضوعية الماثلة. مع إلزام المطعون ضدهم (عدا وزير الأوقاف) بمصروفات الدعوى، على أن ينفذ الحكم بمسودته بغير إعلان.
ثانياً- وفي الموضوع:
1- بقبول هذا الطعن شكلاً.
2- وفي موضوع الطعن:
أ. بصفة أصلية: بإلغاء القرار الإداري الصادر من المطعون ضده الأول بصفته والذي يحمل رقم 1856 لسنة 2009 بشأن فض المنازعات الخاصة بهيئة الأوقاف المصرية. واعتباره كأن لم يكن، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ب. وبصفة احتياطية: بالتصريح للمطعون ضده السادس بصفته باتخاذ إجراءات رفع الدعوى الدستورية للطعن على القرار المطعون فيه بالمخالفة الدستورية لنصوص المواد 34 و 68 و 144 و 156 من الدستور، مع وقف الدعوى الماثلة لحين الفصل في الدعوى الدستورية.
ت. وفي جميع الأحوال: إلزام المطعون ضدهم (عدا وزير الأوقاف) بالمصروفات ومُقابل أتعاب المُحاماة.
مع حفظ كافة حقوق الأوقاف الأخرى أياً ما كانت،،،