الثلاثاء، 13 أكتوبر 2009

الطعن على قرار رئيس مجلس الوزراء بخصوص فض منازعات هيئة الأوقاف المصرية

مجلس الدولة

محكمة القضاء الإداري – بكفر الشيخ

مذكرة

انضمام للطاعن في طلباته

مقدمة من/ رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية بصفته. (المطعون ضده السادس)

انضماماً للسيد/ عادل سليمان الشرقاوي "المحامي" (الطاعن)

ضــــــد

كل من:

1- السيد/ رئيس مجلس الوزراء بصفته. (مطعون ضده الأول)

2- السيد/ وزير الدولة للتنمية المحلية بصفته. (مطعون ضده الثاني)

3- السيد/ محافظ كفر الشيخ بصفته. (مطعون ضده الثالث)

4- السيد/ وزير الأوقاف بصفته. (مطعون ضده الرابع)

5- السيد/ رئيس مركز ومدينة الوحدة المحلية ببلطيم بصفته. (مطعون ضده الخامس)

6- السيد/ وكيل وزارة الشهر العقاري بكفر الشيخ بصفته. (مطعون ضده السابع)

7- السيد/ مدير عام المساحة بكفر الشيخ بصفته. (مطعون ضده الثامن)

في الدعوى رقم 8636 لسنة 9 قضائية "قضاء إداري كفر الشيخ" – والمحدد لنظرها جلسة يوم الأربعاء الموافق 14/10/2009م للمرافعة.

أولاً- الوقائع

تخلص وقائع الدعوى الماثلة في الطاعن عقد الخصومة فيها بموجب صحيفة، موقعة من محام، أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بكفر الشيخ في تاريخ 3 سبتمبر 2009م، وأعلنت قانوناً للمطعون ضدهم، طلب في ختامها الحكم له:

أولاً- بقبول الدعوى شكلاً.

وبصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1856 لسنة 2009 والصادر بتاريخ 7 يوليه سنة 2009 بشأن فض المنازعات الخاصة بهيئة الأوقاف المصرية، وإلزام جهة الإدارة مصروفات الدعوى، على أن ينفذ الحكم بمسودته بغير إعلان.

ثانياً- وفي الموضوع: بإلغاء هذا القرار، مع ما يترتب عليه من آثار، وإلزام المطعون ضدهم بصفاتهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".

وقال الطاعن شرحاً لدعواه أنه يطعن بالإلغاء على القرار الصادر من رئيس مجلس الوزراء برقم 1856 لسنة 2009 بشأن فض المنازعات الخاصة بهيئة الأوقاف المصرية (مع طلب وقف تنفيذه)..

والذي قرر الآتي

المادة الثانية:

تُشكل بهيئة المستشارين بالأمانة العامة لمجلس الوزراء لجنة خاصة، من المستشارين بهيئة المستشارين وعضوية ممثلين لوزارات المالية والأوقاف والتنمية المحلية والمحافظة المعنية بالنزاع الذي تنظره اللجنة، يختارهم الوزراء والمحافظون، وللجنة أن تستعين بمن ترى الاستعانة بهم من الخبراء والمتخصصين بالجهات الحكومية.

المادة الخامسة:

في حالة الخلاف بين هيئة الأوقاف المصرية والمحافظات أو الجهات الحكومية بشأن الأراضي، فيعرض الخلاف على اللجنة المشار إليها بالمادة الثانية من أحكام هذا القرار.

المادة السادسة:

تتولى الهيئة العامة للخدمات الحكومية بوزارة المالية تقويم (تقييم) أراضي الوقف المتنازع عليها، سواء كان انتفاعاً أو نقل ملكية أو أي حق عيني آخر.

وتتولى الهيئة المشار إليها التقويم (التقييم)، بناء على طلب اللجنة المشكلة بهيئة المستشارين وخلال الموعد الذي تحدده اللجنة، بما لا يجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ الطلب.

وفي حالة ما إذا كانت الأرض المتنازع عليها ستخصص لمشروعات نفع عام فإن تقدير قيمتها يكون بقيمة رمزية، تقسم بين الطرفين وفقاً للمادة التاسعة؟!!

المادة الثامنة:

لا تختص اللجنة بتدقيق والفصل في ملكية العقارات محل الخلاف، وتستوفي فقط وتتحقق مما يفيد أن العقارات ثابتة بسجلات ومستندات هيئة الأوقاف المصرية، أياً كان حجيتها، بمراعاة أن أحكام هذا القرار في جملتها تسوية للخلاف بقرارات نهائية تحسم النزاع.

المادة التاسعة:

تتم تسوية الخلاف بين المحافظات والجهات الحكومية وهيئة الأوقاف المصرية، بشأن العقارات الموقوفة المتنازع عليها، على أساس تقاضي هيئة الأوقاف 60% والمحافظة أو الجهة الحكومية 40% من مقابل الانتفاع أو قيمة التصرف بحسب الأول، كتسوية نهائية للخلاف أو أي دعاوى أو أحكام بشأن هذه العقارات ... .

المادة العاشرة:

يكون تنفيذ توصيات اللجنة بعد اعتمادها من رئيس مجلس الوزراء، ملزماً للجهات المتنازعة وكافة الجهات المعنية بهذه الأراضي استخداماً واستغلالاً وتوثيقاً، وأخصها اعتبار العقارات من أعيان الوقف، وما يترتب على ذلك من آثار، على أن تلتزم هيئة الأوقاف المصرية بما توصي به اللجنة من التزامات على الهيئة.

المادة الحادية عشر:

تتنازل المحافظات وهيئة الأوقاف المصرية والجهات الحكومية عن كافة الدعاوى المقامة والأحكام الصادرة بشأن الخلاف حول الأعيان الموقوفة

ويكون تسوية النزاع والخلاف، وفقاً لما يصدر من توصية من اللجنة المُشكلة بهيئة المستشارين المشار إليها، والتي يعتمد رئيس مجلس الوزراء توصياتها بقرار نهائي واجب التنفيذ.

المادة الرابعة عشر:

تكون اللجنة المُشكلة بهيئة المستشارين وحدها المختصة بتفسير أحكام هذا القرار أو التوصيات التي تصدرها والقرارات الصادرة باعتمادها ويعتمد رأيها من رئيس مجلس الوزراء ... إلى آخر ما جاء بهذا القرار.

خلفيات الموضوع

ثارت عدة خلافات بين هيئة الأوقاف المصرية وبعض الجهات الحكومية والمحافظات بشأن أراضي تابعة لجهات الوقف الخيري الذي تديره هيئة الأوقاف المصرية، تتعلق بثلاث أوقافات هي: وقف/ الأمير مُصطفى عبد المنان، ووقف/ سيدي غانم الأشعري، ووقف/ عبد الله الروبي؛ وتقع في ثلاث محافظات هي: محافظ دمياط، ومحافظة كفر الشيخ، ومحافظة الدقهلية.

ونشبت عن ذلك عدة دعاوى قضائية أمام مختلف جهات القضاء، وإذ تشكلت لجنة بمجلس الوزراء من بعض الوزراء والمحافظين المعنيين للفض تلك الخلافات، إلا أن هيئة الأوقاف المصرية فوجئت بصدور قرار رئيس مجلس الوزراء سالف الذكر والذي عمم أحكامه على جميع المحافظات وجميع الأراضي التابعة لجهات الوقف الخيري وجميع المنازعات التي تكون هيئة الأوقاف المصرية طرفاً فيها مع أي جهة حكومية أو محافظة، فضلاً عن أن أحكام ذلك القرار قد جاء مجحفاً بحقوق هيئة الأوقاف وأعيان الوقف الخيري الذي هو على ملك الله تعالى، تارة ببخس قيمة أرض الوقف الخيري إذا كانت الجهة الحكومية أو المحافظة تريد تخصيصها لمشروع ذو نفع عام، بل وأكثر من ذلك قرر تقسيم هذه القيمة البخسة بين هيئة الأوقاف وبين تلك الجهة الحكومية أو المحافظة بدون أي سند من حقيقة الواقع أو صحيح القانون، وتارة أخرى بجعل قرارات وتوصيات اللجنة المشكلة بموجب القرار المطعون فيه نهائية واجبة النفاذ اً بما يعني عدم جواز التقاضي بشأنها، بل والنزول عن الدعاوى المقامة أو الأحكام الصادرة لصالح الهيئة في هذا الشأن؟!! وتارة بجعله اللجنة المذكور هي الخصم والحكم في ذات الوقت بأن جعلها وحدها المختصة بتفسير أحكام هذا القرار أو التوصيات التي تصدر أو القرارات التي تصدر باعتمادها.

وإذ أقام الطاعن طعنه الماثل على القرار المذكور، فإن هيئة الأوقاف المصرية (المطعون ضدها السادسة) تنضم للطاعن في طلباته في الطعن الماثل تأسيساً على ما يلي:

ثانياً- الدفاع

قبول الطعن الماثل لتوافر شرط المصلحة:

حيث تنص المادة الثالثة من قانون المرافعات على أنه: "

- لا تقبل أي دعوى كما لا يقبل أي طلب أو دفع استنادا لأحكام هذا القانون أو أي قانون آخر، لا تكون لصاحبه فيها مصلحة شخصية ومباشرة يقرها القانون.

- ومع ذلك تكفي المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الاحتياط لدفع ضرر محدق أو الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه.

- وتقضي المحكمة من تلقاء نفسها، في أي حالة تكون عليها الدعوى، بعدم القبول في حالة عدم توافر الشروط المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين.

- ويجوز للمحكمة عند الحكم بعدم قبول الدعوى لانتفاء شرط أن تحكم على المدعي بغرامة إجرائية لا تزيد على خمسمائة جنيه إذا تبينت أن المدعي قد أساء استعمال حقه في التقاضي".

فالمُشرع قد أجاز قبول الدعوى ولو لم تكن المصلحة والصفة قائمة وذلك في طائفتين من الدعاوى:

الطائفة الأولى- التي يكون الغرض منها الاحتياط لدفع ضرر محدق.

والطائفة الثانية- التي يكون الغرض منها الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه.

ومن أمثلة الطائفة الأولى: بعض دعاوى تقرير الحقوق والمراكز القانونية، كدعوى المطالبة ببطلان العقود والشروط التي لم يتمسك بها الطرف الآخر ودعوى التزوير الأصلية. (المرجع: "التعليق على قانون المرافعات" – للمستشار/ الدناصوري – الجزء الأول – الطبعة الثامنة 1996 القاهرة – المادة 3 – البند رابعاً – صـ 24).

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "إذ كانت المصلحة في الدعوى لا تهدف إلى حماية الحق واقتضائه فحسب بل قد يقصد بها مجرد إستيثاق المدعى لحقه بحيث لا يلزم أن يثبت الحق له حتى تقبل دعواه بل يكفى أن تكون له شبهة حق حتى تكون دعواه جديرة بالعرض أمام القضاء، فقد أجاز المشرع تأسيساً على ذلك بالمادة 291 من قانون المرافعات لمن يخشى الاحتجاج عليه بورقة مزورة أن يختصم من بيده تلك الورقة ومن يستفيد منها لسماع الحكم بتزويرها، وذلك قبل أن يتمسك بالورقة في مواجهته ويكون ذلك بدعوى تزوير أصلية تقتصر مهمة المحكمة فيها على القضاء بصحة الورقة أو تزويرها". (نقض مدني في الطعن رقم 296 لسنة 35 قضائية – جلسة 17/6/1969 مجموعة المكتب الفني – السنة 20 – صـ 970).

وقد تواتر قضاء النقض على أن: "المصلحة المحتملة التي تكفي لقبول الدعوى لا تتوافر كصريح نص المادة الثالثة من قانون المرافعات إلا إذا كان الغرض من الطلب أحد أمرين: (الأول) الاحتياط لدفع ضرر محدق (والثاني) الاستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه". (نقض مدني في الطعن رقم 135 لسنة 46 قضائية – جلسة 25/1/1979. مشار التعليق على قانون المرافعات – للدناصوري – الجزء الأول – الطبعة الثامنة 1996 القاهرة – المادة 3 – القاعدة رقم 154 – صـ 66).

ومن ثم، تكون للطاعن مصلحة قائمة يقرها القانون في إقامة طعنه الماثل.

مال الوقف مال خاص، والملكية الخاصة مصونة:

لما كان من المسلم به قانوناً أن "الأوقاف" لها شخصية اعتبارية طبقاً لنص المادة 52/3 من القانون المدني والتي تنص على أن: "الأشخاص الاعتبارية هي ... والأوقاف ...". كما تنص المادة 53 من القانون المدني على أن: "الشخص الاعتباري يتمتع بجميع الحقوق ... وذلك في الحدود التي قررها القانون ... فيكون له ذمة مالية و أهلية و حق التقاضي و موطن مستقل و يكون له نائب يعبر عن إرادته".

ولما كانت أموال الأوقاف هي "أموال خاصة" بصريح نص المادة 5 من القانون رقم 80 لسنة 1970 بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية والتي تنص على أن: "تتولى الهيئة، نيابة عن وزير الأوقاف بصفته ناظراً على الأوقاف الخيرية، إدارة هذه الأوقاف، واستثمارها، والتصرف فيها على أسس اقتصادية، بقصد تنمية أموال الوقف باعتبارها أموالاً خاصة ...".

ولما كانت الملكية الخاصة (سواء أموال أو منقولات أو عقارات المملوكة ملكية خاصة للأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين) مصونة طبقاً لنص المادة 34 من الدستور والتي تنص على أن: "الملكية الخاصة مصونة ... ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومُقابل تعويض وفقاً للقانون". وهذا الأمر يبين منه أن المُشرع الدستوري قد أضفى على الملكية الخاصة حصانة تعصمها من الاعتداء عليها أو النيل والانتقاص منها، مُقرراً أنه لا يتم نزع ملكيتها إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون.

فقد التزم المُشرع العادي نهج المُشرع الدستوري في حماية الملكية الخاصة، فقد تضمن القانون المدني في نص المادة 802 منه أن: "لمالك الشيء وحده، في حدود القانون، استعماله واستغلاله والتصرف فيه".. كما نص في المادة 804 منه على أن: "لمالك الشيء الحق في كل ثماره ومنتجاته وملحقاته ما لم يوجد نص أو اتفاق يخالف ذلك".. كما نص في المادة 805 منه على أنه: "لا يجوز أن يحرم أحد من ملكه إلا في الأحوال التي يقررها القانون، وبالطريقة التي يرسمها، ويكون ذلك في مقابل تعويض عادل".

كما تنص المادة 970 مدني على أنه: "لا يجوز تملك الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو للأشخاص الاعتبارية ... أو الأوقاف الخيرية ... أو كسب أي حق عيني على هذه الأموال بالتقادم، ولا يجوز التعدي على هذه الأموال ...".

ومن ثم، فإن ما قضى به القرار المطعون فيه – بصورة تعسفية – بتقدير قيمة الأوقاف الخيرية بقيمة رمزية، ثم تقسم هذه القيمة الرمزية بين الأوقاف الخيرية وبين الجهات الحكومية (المادة السادسة من القرار)، وكذلك ما قضى به من اختصاص الجهات الحكومية بنسبة 40% من مقابل الانتفاع أو قيمة التصرف في الأعيان الموقوفة، كل ذلك قد جاء بالمخالفة لنص وروح جميع القوانين سالفة الذكر بل وللدستور ذاته، بما يستوجب وقف تنفيذ ثم إلغاؤه.

قاعدة تدرج التشريع:

لما كان ما تقدم، وكان المشرع قد نص في المادة الخامسة من القانون رقم 80 لسنة 1971 بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية على أن: "تتولى الهيئة نيابة عن وزير الأوقاف بصفته ناظراً على الأوقاف الخيرية إدارة هذه الأوقاف واستثمارها والتصرف فيها على أسس اقتصادية بقصد تنمية أموال الأوقاف باعتبارها أموالاً خاصة ...".

كما نصت المادة الثانية من ذات القانون على أن: "تختص الهيئة وحدها بإدارة واستثمار أموال الأوقاف ...".

ومن ثم فقد أناط المشرع بهيئة الأوقاف وحدها سلطة إدارة واستثمار أموال الوقف الخيري والتصرف فيها على أسس اقتصادية بقصد تنميتها باعتبارها أموالاً خاصة، وذلك وفقاً للسياسة العامة التي يرسمها مجلس إدارتها لتحقيق أقصى عائد ممكن، وهذا الاختصاص الذي أنيط بالهيئة بموجب "قانون" لا ينحسر عنها إلا بأداة تشريعية موازية، وهي "القانون"، ذلك أن مؤدى مبدأ المشروعية هو خضوع الكافة حكاماً ومحكومين للقانون، ويجب على الجميع الانصياع لحكم القانون وعدم الخروج عليه، بينما ما تضمنه قرار رئيس مجلس الوزراء المطعون عليه ينطوي على خرق واضح لقاعدة قانونية مقررة بأداة تشريعية أعلى، وهذا أمر غير جائز قانوناً.

فالقاعدة في تدرج التشريعات هي أن: التشريع الدستوري هو الأعلى، ويليه التشريع العادي "القانون"، ثم يليه التشريع الفرعي "اللوائح".

ويترتب على تدرج التشريعات نتيجة هامة وهي أن التشريع الأدنى يجب ألا يخالف التشريع الأعلى منه، فاللوائح يجب ألا تخالف القانون ولا الدستور، والقانون – بدوره – يجب ألا يخالف الدستور، فإذا تعارض تشريعان من درجتين مختلفتين، وجب تغليب الأعلى.

وفي هذا الشأن جرى قضاء محكمة النقض على أنه: "من المُقرر أنه عند تعارض بين نصين أحدهما وارد في القانون والآخر في لائحة تنفيذية، فإن النص الأول يكون هو واجب التطبيق باعتباره أصلاً للائحة التي هي أداة تشريعية أدنى من القانون". (نقض مدني في الطعون أرقام 2 و 3 و 4 لسنة 35 قضائية "صحافة" – جلسة 31/5/1966).

وتتجلى إحدى نتائج التدرج في القواعد التشريعية في مجال "إلغاء التشريع"، والمقصود بإلغاء القاعدة القانونية هو رفع القوة الملزمة لها أو إنهاء العمل بها ابتداء من وقت الإلغاء. فالتشريع الدستوري لا يلغى إلا بتشريع دستوري، والتشريع العادي يلغيه تشريع عادي أو تشريع دستوري، والتشريع اللائحي يلغيه تشريع لائحي أو عادي أو دستوري. ولكن لا يجوز لقرار تنفيذي أن يلغي أو ينهي أو يعدل قاعدة قانونية واردة في نص قانون عادي، بأي حال من الأحوال.

حيث أنه من المقرر قانوناً أن إلغاء التشريع أو تعديله لا يكون إلا بتشريع مثله، أي يصدر عن مجلس الشعب طبقاً للإجراءات المُعتادة لسن القوانين، ولا يجوز إلغاء التشريع أو تعديله بلائحة تصدر بقرار وزاري من الوزير المُختص. حيث تنص المادة الثانية من القانون المدني على أنه: "لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء، أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم، أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع".

كما أن المادة 144 من الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية لعام 1971 تنص على أنه: "يُصدر رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها، وله أن يفوض غيره في إصدارها. ويجوز أن يعين القانون من يُصدر القرارات اللازمة لتنفيذه".

فاللائحة التنفيذية إذن تفصل حيث أجمل القانون، وتفسر حيث عمم القانون، وتضع الإجراءات حيث لم يضع القانون إلا القواعد الموضوعية، واللائحة بصفة عامة تسهل على السلطات العامة مهمة تنفيذ القوانين في الدولة. واللائحة إذ تفعل ذلك كله لا يمتد نطاقها – وفقاً للدستور ذاته – إلى حيث تتعارض مع القانون الصادرة هي لتنفيذه، ولا تصل إلى حد تعديل مضمون القانون، ولا يجوز للائحة أن تعفي أحداً من أحكام فرضها القانون، لأن اللائحة في هذه الأحوال جميعها لا تؤدي إلى تنفيذ القانون بل على العكس تؤدي إلى عدم تنفيذه أو تنفيذه على نحو غير النحو الذي قصد إليه المُشرع. ولا يجوز للائحة عن طريق تفسير بعض الأحكام المُجملة في القانون أن تعمد إلى تحوير مضمونه وإضافة أحكام موضوعية جديدة، ذلك أن إضافة أحكام موضوعية جديدة إلى القانون لا يكون إلا بقانون مثله، فإذا عمدت السلطة التنفيذية وهي تضع اللائحة إلى مثل ذلك فإنها تكون قد تعدت النطاق المرسوم لها وتجاوزت اختصاصها واعتدت على اختصاص سلطة التشريع. (المصدر: "النظام الدستوري في جمهورية مصر العربية" – للدكتور/ يحي الجمل – طبعة 1974 القاهرة – صـ 210 و 211).

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "لا يجوز لسلطة أدنى في مدارج التشريع أن تلغي أو تعدل قاعدة تنظيمية وضعتها سلطة أعلى أو أن تضيف إليها أحكاماً جديدة". (نقض مدني في الطعن رقم 476 لسنة 26 قضائية – جلسة 31/5/1962 مجموعة المكتب الفني – السنة 13 – صـ 734).

وقد جرى قضاء محكمة النقض على أن: "الأصل أن اللائحة لا تعدل تشريعاً إذ هي في مرتبة أدنى منه". (نقض مدني في الطعن رقم 25 لسنة 27 قضائية – جلسة 29/11/1962 مجموعة المكتب الفني – السنة 13 – صـ 1078).

وهذا ما حدا بلجنة التوفيق في المنازعات بمجلس الوزراء ذاته (المُشكلة بالقانون رقم 7 لسنة 2000 بشأن التوفيق في بعض المنازعات التي تكون الجهات الحكومية طرفاً فيها) إلى أن تصدر توصيتها في طلب التوفيق رقم 58 لسنة 2009 المقدم من/ جمعية المساعي المشكورة بالمنوفية ضد/ رئيس مجلس الوزراء، طعناً وتظلماً من ذات القرار المطعون فيه بالطعن الماثل (قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1856 لسنة 2009)، حيث صدرت توصية اللجنة بما نصه: "قررت اللجنة بالإجماع التوصية بسحب القرار رقم 1856 لسنة 2009 لرئيس مجلس الوزراء والصادر بتاريخ 7/7/2009 لبطلانه ولمخالفته لقانون الوقف الخيري وقانون إنشاء هيئة الأوقاف المصرية". وقد صدرت هذه التوصية بجلسة29/9/2009م ونتشرف بتقديم صورة ضوئية منها بحافظة مستنداتنا المقدمة لعدالة المحكمة الموقرة بجلسة اليوم.

وقد جاء في حيثيات تلك التوصية أن القرار المطعون فيه معيب بالبطلان الذي ينحدر به إلى مستوى الانعدام لصدوره ممن لا يملكه، كما أنه يخالف القانون رقم 48 لسنة 1946 بنظام الوقف الخيري، وما يترتب على الوقف من أبديته، ونقل ملكية المال الموقوف وقفاً خيرياً من ملكية خاصة إلى مال مملوك لله تعالى أبد الدهر بما لا يسمح بالتصرف فيه إلا بالاستبدال وبإجراءات خاصة، وبما يكفل للمال الموقوف صفة الأبدية حسب المنصوص عليه في القانون.

كما أوضحت اللجنة في قرارها أن المشرع أصدر القانون رقم 80 لسنة 1971 بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية، وعهد إليها – دون غيرها – بإدارة الأعيان الموقوفة وقفاً خيرياً لحساب وزارة الأوقاف التي تتولى النظر على الوقف الخيري بنص القانون، وبما لا يسمح لجهة أخرى بتسلم هذه الأوقاف وإدارتها.

وأوردت اللجنة في قرارها أنه لما كان من المقرر أن القانون لا يعدله إلا قانون (موازي له في الدرجة أو أعلى منه) ولا تملك أي سلطة في الدولة – مهما علت – أن تصدر قراراً يخالف أحكام القانون (أو يعدل من أحكامه أو يلغيه أو ينهي العمل به)، إذ أن ذلك منوط بالسلطة التشريعية وحدها بحكم الدستور أو رئيس الجمهورية دون غيره (بقرار جمهوري له قوة القانون)، حيث خوله الدستور – في حالة الاستعجال وعدم وجود مجلس الشعب – أن يصدر قرارات لها قوة القانون (في حالات وبإجراءات وبشروط معينة) بما يلغي أو يعدل من أحكام قوانين قائمة، فإن قرار رئيس مجلس الوزراء (المطعون فيه) يكون باطلاً بطلاناً ينحدر به إلى مستوى الانعدام.

وفضلاً عما تقدم، فقد جاوز المطعون ضده الأول (السيد/ رئيس مجلس الوزراء) - بإصداره القرار المطعون فيه – الاختصاصات التي خولها له الدستور، حيث أن الدستور لم يخول رئيس مجلس الوزراء إلا في إصدار القرارات الإدارية والتنفيذية وفقاً للقوانين والقرارات، ومراقبة تنفيذها (المادة 156/ح من الدستور)، وليس الحال كذلك بالنسبة للقرار المطعون فيه.

وفضلاً عما تقدم، ولما كانت أموال الوقف تعد أموالاً خاصة، وإن أضفى عليها المُشرع الحماية المقررة للمال العام، فإنها بتلك الصفة تكون متمتعة بالحماية التي قررها الدستور، مما يضحى معه – والحال كذلك – ما جاء بقرار رئيس مجلس الوزراء المطعون عليه من أحكام منطوياً على خروج على هذا المبدأ الدستوري، فقد غل القرار يد هيئة الأوقاف عن إدارة واستثمار والتصرف في أعيان الوقف الخيري أو إقامة مشروعات على الأراضي التي تعلن عنها كأعيان موقوفة إذا وجد خلاف بينها وبين المحافظات أو الجهات الحكومية الأخرى، كما ألزم الهيئة بما يصدره المحافظ المختص من قرارات بشأن تخطيط واستخدام هذه العقارات، فضلاً عما تضمنه من أحكام أخرى بخصوص تسوية الخلال بين الهيئة والجهات الحكومية والمحافظات وتقسيم مقابل الانتفاع أو قيمة التصرف بنسب ما أنزل الله بها من سلطان، كما قرر تقدير قيمة تلك الأعيان "بقيمة رمزية"، وهذه الأحكام جميعها من شأنها الاعتداء على أملاك الوقف الثابتة له بموجب حجج شرعية، ويكفي – وفقاً لأحكامه – لغل يد الهيئة مجرد الإدعاء من قبل أي جهة إدارية أو حكومية بملكيتها لبعض أو كل هذه الأعيان، وهو أمر لا يستقيم مع القانون ولا يتفق مع مقتضيات العدالة.

الأوقاف ما زالت مُتمسكة بملكية أراضيها:

لما كان ما تقدم، وكان عدم اتخاذ الإجراءات القانونية في نزع الملكية أو الاستيلاء المُؤقت، يترتب عليه احتفاظ المالك بملكه، ولذلك له الحق في استغلاله بالكيفية التي يراها، علاوة على حصوله على الريع الناتج عن العقار (كاملاً لنفسه بدون أن يشاركه فيه أية جهة حكومية أو محافظة، بأية حصة أو نسبة، بدون سند من القانون).

حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "الأموال المملوكة للأفراد لا تكتسب صفة الأموال العامة بمُجرد تخصيصها بالفعل لمنفعة عامة إلا إذا انتقلت ملكيتها إلى الدولة بأحد أسباب كسب الملكية المنصوص عليها في القانون. أما استيلاء الحكومة على العقار جبراً عن صاحبه دون اتخاذ الإجراءات القانونية التي يوجبها قانون نزع الملكية فيغدو بمثابة غصب ليس من شأنه أن ينقل الملكية إلى غاصبها، ويظل صاحب العقار مُحتفظاً بملكه رغم هذا الاستيلاء ويكون له الحق في ريعه واسترداده حتى تتخذ إجراءات نزع الملكية قانوناً أو يستحيل رده". (نقض مدني في الطعن رقم 1500 لسنة 53 قضائية – جلسة 24/3/1987).

وحيث أن القرار المطعون فيه لم يراع إجراءات نزع الملكية ولا التعويض عنها وإنما هو قرر استيلاء جهة الإدارة على الملكية الخاصة التي صانها الدستور وكافة القوانين أو المشاركة فيها وفي ريعها بدون سند من القانون، فإن ذلك يعد غصباً لتلك الأوقاف، ومن المسلم به أنه لا يترتب علي الغصب أي أثر قانوني حيث أنه عمل مادي محض وإن تم صبه في قالب قرار إداري. فمن المُقرر قانوناً وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض أن: "ضم الدولة للملك الخاص للمنفعة العامة دون اتخاذ إجراءات نزع الملكية، يعد غصباً أو مجرد واقعة مادية لا إلى عمل قانوني". (قرب ذلك: نقض مدني في الطعن رقم 1274 لسنة 48 قضائية - جلسة 16/1/1983 مجموعة المكتب الفني – السنة 34 - الجزء الأول – القاعدة 52 – صـ 215 : 227).

ومن ثم، يتعين إلغاء القرار المطعون فيه ووقف تنفيذه، واعتباره كأن لم يكن، مع ما يترتب على ذلك من آثار.

عدم دستورية ما قرره القرار المطعون فيه من نهائية قرارات اللجنة ووجوب تنفيذها:

من المُقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أنه: "وعلى ما أستقر عليه قضاء هذه المحكمة، فإن أداء اللجان المنصوص عليها في المادة الحادية عشر من القانون رقم 7 لسنة 2000 لا ينال من حق التقاضي سواء في محتواه أو في مقاصده، ذلك أن نشاطها يمثل مرحلة أولية لفض النزاع حول حقوق يدعيها ذوو الشأن، فإن استنفدتها، وكان قرارها في شأن هذه الحقوق لا يرضيهم، ظل طريقهم إلى الخصومة القضائية متاحاً ليفصل قضاتها في الحقوق المدعى بها، سواء بإثباتها أو بنفيها. كما أن ضمانة سرعة الفصل في القضايا المنصوص عليها في الدستور، غايتها أن يتم الفصل في الخصومة القضائية – بعد عرضها على قضاتها – خلال فترة زمنية لا تجاوز باستطالتها كل حد معقول، ولا يكون قصرها متناهياً، وإذ كان النص المادة الحادية عشر المطعون عليه قد اشترط تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار التوصية أو الميعاد المقرر لعرضها دون قبول قبل الالتجاء إلى القضاء في هذه المنازعات، وكان هذا الميعاد معقولاً، وكانت سرعة الفصل في القضايا شرط في الخصومة القضائية لا يثور إلا عند استعمال الحق في الدعوى، ولا يمتد إلى المراحل السابقة عليها، كلما كانت تنظيمها متوخياً تسوية الحقوق المتنازع عليها قبل طلبها قضاءً، فإن النعي بمخالفة النص الطعين لنص المادة 68 من الدستور يكون شططاً. وحيث إن تقريب جهات القضاء من المتقاضين يتوخى ضمان حماية أكثر فعالية لحق التقاضي، إلا أن اللجان المشار إليها بنص المادة الحادية عشر المطعون عليها لا صلة لها بجهات القضاء، ولا بموقعها التي تباشر فيها وظائفها، ولا شأن للدستور بقربها منها أو نأيها عنها، ولذلك يكون الإدعاء بمخالفتها لأحكامه خليقاً بالالتفات عنه". (حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في الطعن رقم 11 لسنة 24 قضائية "دستورية" – بجلسة 9/5/2004 والمنشور بالجريدة الرسمية في العدد رقم 24 بتاريخ 10/6/2004 صـ 48 وما بعدها).

وبمفهوم المخالفة لحيثيات حكم الدستورية المتقدم ذكره، فإذا كان قرار اللجنة التي شكلها القرار المطعون فيه يعد وفق مفهوم القرار "قراراً نهائياً وواجب النفاذ"، بما يعني أنه ينال من حق التقاضي في محتواه ومقاصده، لأنه يعني إنه إذا كان القرار في الحقوق المدعى لا يرضي الخصوم، فلا مجال للجوء إلى القاضي الطبيعي للفصل في المنازعات لأن قرار اللجنة نهائية وواجب النفاذ، بل القرار نص على التنازل عن الدعاوى المقامة بالفعل بل وعن الأحكام الصادرة في المنازعات القضائية من قبل؟!! وهذا كله مخالف للدستور الذي ضمن حق التقاضي وصان حق لجوء الشخص إلى قاضيه الطبيعي.

بل إن القرار المطعون فيه، فضلاً عما تقدم، قد حصن القرارات الصادرة عن اللجنة التي شكلها، من الطعن عليها أمام القضاء، وبالتالي أسبغ عليها حصانة تعصمها من رقابة القضاء، وهو أمر مخالف للدستور. حيث تنص المادة 68 من دستور جمهورية مصر العربية على أن: "التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا. ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء".

وكما سلف القول، فقد جاوز المطعون ضده الأول (السيد/ رئيس مجلس الوزراء) - بإصداره القرار المطعون فيه – الاختصاصات التي خولها له الدستور، حيث أن الدستور لم يخول رئيس مجلس الوزراء إلا في إصدار القرارات الإدارية والتنفيذية وفقاً للقوانين والقرارات، ومراقبة تنفيذها (المادة 156/ح من الدستور)، وليس الحال كذلك بالنسبة للقرار المطعون فيه.

طلب وقف التنفيذ:

تنص المادة 49 من القرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة والتي تقضي بأنه: "لا يترتب على رفع الطلب إلى المحكمة وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذه إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها".

وعلى ذلك فإنه يُشترط لوقف تنفيذ القرار المطعون عليه توافر الشرطين الآتيين:

1- أن يطلب الطاعن وقف تنفيذ القرار صراحة في صحيفة الطعن، فلا يُقبل طلب وقف التنفيذ الذي يُبدى بصحيفة مُستقلة فيجب أن تتضمن صحيفة الدعوى طلبين: طلب مُستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مُؤقتاً حتى يُفصل في موضوع الطعن، وطلب موضوعي هو إلغاء القرار المطعون فيه.

2- أن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها، وهو ما عبرت عنه المحكمة الإدارية العليا بـ "ركن الاستعجال"، ومحكمة القضاء الإداري هي التي تقدر ما إذا كان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها من عدمه، ولا شك أن كافة القرارات الصادرة بالاستيلاء على العقارات في ذاتها تجعل نتائج التنفيذ يتعذر تداركها.

3- ويجب لوقف تنفيذ القرار المطعون فيه أن يكون ادعاء الطالب قائماً بحسب الظاهر على أسباب جدية يُرجح معها إلغاء القرار المطعون عليه. وفي هذا الشأن قضت المحكمة الإدارية العليا بأن: "قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن سلطة وقف تنفيذ القرارات الإدارية مُشتقة من سلطة الإلغاء وفرع منها، مردهما إلى الرقابة القانونية التي يُسلطها القضاء الإداري على القرار على أساس وزنه بميزان القانون وزناً مناطه مبدأ المشروعية توجب على القضاء الإداري ألا يوقف قراراً إدارياً إلا إذا تبين له – على حسب الظاهر من الأوراق ومع عدم المساس بأصل طلب الإلغاء عند الفصل فيه – أن طلب وقف التنفيذ يقوم على ركنين: الأول- قيام الاستعجال بأن كان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها؛ والثاني- يتصل بمبدأ المشروعية بأن يكون ادعاء الطالب في هذا الشأن قائماً بحسب الظاهر على أسباب جدية. وكلا الركنين من الحدود القانونية التي تحد سلطة القضاء الإداري وتخضع لرقابة المحكمة العليا". (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2 لسنة 20 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 25/1/1975. وفي الطعن رقم 1235 لسنة 18 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 15/2/1975. المصدر: "شرح قانون المباني الجديد" – للمُستشار/ محمد عزمي البكري – طبعة 1997 القاهرة – بند 182 – صـ 432 ، 433).

حيث أن القاضي الإداري يفصل في الطلب المستعجل بمراعاة الحدود والضوابط المقررة في الطلبات المستعجلة، فتنظر المحكمة أولاً في قواعد الاستعجال حسب الحالة المعروضة والحق المطالب به بأن تستظهر الأمور التي يخشى عليها من فوات الوقت أو النتائج التي يتعذر تداركها أو الضرر المحدق بالحق المطلوب المحافظة عليه، ثم تستظهر بعد ذلك جدية الأسباب أو عدم جديتها من حيث الظاهر، فتحكم على مقتضى هذا النظر حكمها المؤقت في الوجه المستعجل من النزاع باتخاذ الإجراء المطلوب أو رفضه دون مساس بأصل الحق المتنازع فيه أي دون مساس بالناحية الموضوعية للنزاع التي تفصل فيها بعد ذلك فصلاً نهائياً على مقتضى ما تتبينه من دلائل موضوعية يقدمها كل من طرفي الخصومة. (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 2003 لسنة 40 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 11/11/1997 مجموعة المكتب الفني – السنة 43 – الجزء الأول – الحكم رقم 35 – صـ 289).

لما كان ما تقدم، وكان يترتب على تنفيذ القرار المطعون فيه نتائج يتعذر تداركها ويلحق أبلغ الضرر بأموال وحقوق جهة الوقف الخيري (الذي هو على ملك الله تعالى)، كما أن القرار الإداري المطعون فيه من المُرجح – على الأقل من ظاهر الأوراق – القضاء بإلغائه لكونه صدر معيباً بعيب مُخالفة القانون، وهو ما يتحقق به ركن الجدية وقد توافر ركن الاستعجال لكون من شأن تنفيذ القرار المطعون فيه ترتيب نتائج يتعذر تداركها ويتمثل بعضها في حرمان هيئة الأوقاف المصرية من الانتفاع بأعيان الأوقاف الخيرية وبحصول الجهات الإدارية الحكومية على 40% من مقابل الانتفاع أو قيمة التصرف بدون أي سند من القانون وبالمخالفة لأحكام القانون ونصوص الدستور فضلاً عن التنازل عن الدعاوى والأحكام ونهائية القرار الصادر من اللجان الخاصة التي شكلها القرار المطعون فيه وبالتالي حرمان هيئة الأوقاف من اللجوء إلى قاضيها الطبيعي بالمخالفة للدستور.

مما يحق معه لهيئة الأوقاف المصرية (رئاسة المطعون ضده السادس بصفته) الانضمام إلى الطاعن في طعنه الماثل للقضاء بوقف تنفيذ القرار الإداري المذكور والمطعون فيه لحين الفصل نهائياً في الطعن بالإلغاء الماثل، وكذا الطعن على القرار المطعون فيه بعدم دستوريته لمخالفته لنصوص المواد 34 و 68 و 144 و 156 من الدستور.

لا سيما وأنه من المُقرر في قضاء المحكمة الدستورية أن: "مُؤدى نص المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا أن المشرع رسم طريقاً لرفع الدعوى الدستورية التي أتاح للخصوم مباشرتها وربط بينه وبين الميعاد الذي حدده لرفعها، فدل بذلك على أنه أعتبر هذين الأمرين من مقومات الدعوى الدستورية، فلا ترفع إلا بعد إبداء دفع بعدم الدستورية تقدر محكمة الموضوع جديته، ولا تقبل إلا إذا رفعت خلال الأجل الذي ناط المشرع بمحكمة الموضوع تحديده بحيث لا يجاوز ثلاثة أشهر. وهذه الأوضاع الإجرائية - سواء ما أتصل منها بطريقة رفع الدعوى الدستورية أو بميعاد رفعها - تتعلق بالنظام العام باعتبارها شكلاً جوهرياً في التقاضي تغيا به المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعى في المسائل الدستورية بالإجراءات التي رسمها وفي الموعد الذي حدده، وبالتالي فإن ميعاد الثلاثة أشهر الذي فرضه المشرع على نحو آمر كحد أقصى لرفع الدعوى الدستورية طبقاً لنص الفقرة "ب" من المادة 29 المشار إليها، يعتبر ميعاداً حتمياً يقيد محكمة الموضوع والخصوم على حد سواء، فإن هي تجاوزته أو سكتت عن تحديد أي ميعاد، تعين على الخصوم أن يلتزموا برفع دعواهم الدستورية قبل انقضاء هذا الحد الأقصى وإلا كانت دعواهم غير مقبولة". (حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 29 لسنة 2 قضائية "دستورية" – جلسة 3/4/1982 مجموعة المكتب الفني – السنة 2 – صـ 31).

ثالثاً- الطلبات

* لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة المحكمة من أسباب أصوب وأرشد، تلتمس هيئة الأوقاف المصرية من عدالة المحكمة الحكم لها في الدعوى الماثلة بما يلي:

أولاً- في الشق المُستعجل: بوقف تنفيذ القرار الإداري الصادر من المطعون ضده الأول بصفته والذي يحمل رقم 1856 لسنة 2009 بشأن فض المنازعات الخاصة بهيئة الأوقاف المصرية. وذلك لحين الفصل نهائياً في دعوى الإلغاء الموضوعية الماثلة. مع إلزام المطعون ضدهم (عدا وزير الأوقاف) بمصروفات الدعوى، على أن ينفذ الحكم بمسودته بغير إعلان.

ثانياً- وفي الموضوع:

1- بقبول هذا الطعن شكلاً.

2- وفي موضوع الطعن:

أ‌. بصفة أصلية: بإلغاء القرار الإداري الصادر من المطعون ضده الأول بصفته والذي يحمل رقم 1856 لسنة 2009 بشأن فض المنازعات الخاصة بهيئة الأوقاف المصرية. واعتباره كأن لم يكن، مع ما يترتب على ذلك من آثار.

ب‌. وبصفة احتياطية: بالتصريح للمطعون ضده السادس بصفته باتخاذ إجراءات رفع الدعوى الدستورية للطعن على القرار المطعون فيه بالمخالفة الدستورية لنصوص المواد 34 و 68 و 144 و 156 من الدستور، مع وقف الدعوى الماثلة لحين الفصل في الدعوى الدستورية.

ت‌. وفي جميع الأحوال: إلزام المطعون ضدهم (عدا وزير الأوقاف) بالمصروفات ومُقابل أتعاب المُحاماة.

مع حفظ كافة حقوق الأوقاف الأخرى أياً ما كانت،،،

الجمعة، 9 أكتوبر 2009

صفقة بيع شركة محلات عمر أفندي لشركة أنوال السعودية

صفقة بيع شركة محلات عمر أفندي لشركة أنوال السعودية

طلب توفيق في بعض المنازعات

(مُقدم للجان التوفيق المُشكلة بالقانون رقم 7 لسنة 2000)

بمقر هيئة الأوقاف المصرية - بالدقي

مُـذكرة

مقدمه للسيد الأستاذ المستشار/ رئيس لجنة توفيق في بعض المنازعات (بمقر هيئة الأوقاف المصرية).

من السيد اللواء/ رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية بصفته الممثل القانوني لهيئة الأوقاف المصرية "طالب"

ضد

كل من السادة:

السيد الأستاذ/ وزير الاستثمار بصفته الرئيس الأعلى للشركة القابضة للتجارة. ويعلن سيادته بمقر عمله بوزارة الاستثمار الكائنة بالعقار رقم 3 بشارع صلاح سالم – بأرض المعارض بمدينة نصر – مدينة نصر – القاهرة.

السيد الأستاذ/ رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للتجارة بصفته. ويعلن سيادته بمقر عمله بالشركة القابضة للتجارة الكائن بالعقار رقم 23 خلف طلعت حرب – تابع قسم قصر النيل - القاهرة.

السيد الأستاذ/ رئيس مجلس إدارة شركة محلات عمر أفندي بصفته. ويعلن سيادته بالمركز الرئيسي لإدارة شركة محلات عمر أفندي الكائن بالعقار رقم 25 بشارع عدلي – تابع دائرة قسم عابدين – بالقاهرة.

السيد الأستاذ/ الممثل القانوني لشركة "أنوال المتحدة للتجارة" (شركة ذات مسئولية محدودة، سعودية الجنسية). وتعلن بمقرها الرئيسي الكائن بالدورين الثامن والتاسع بمركز "ألماس" – طريق الملك فهد – العليَّا – الرياض – المملكة العربية السعودية. وتعلن بالطريق الدبلوماسي عن طريق النيابة العامة بمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية. "معروض ضدهم"

"الموضوع"

يوجد لشركة محلات "عمر أفندي" (رئاسة المعروض ضده الثالث بصفته) فروع في العديد من محافظات الجمهورية وتلك الأفرع مملوكة لجهات الوقف الخيري، التي يتنظر عليها السيد الدكتور/ وزير الأوقاف بصفته، وتديره هيئة الأوقاف المصرية نيابة عن وزارة الأوقاف بموجب نص المادة الخامسة من قانون إنشاء الهيئة رقم 80 لسنة 1971، وخلفاً للمحليات التي كانت تدير بعض تلك الأعيان نيابة عن وزارة الأوقاف قبل تاريخ إنشاء الهيئة.

وتلك الأفرع مؤجرة من الأوقاف إلى شركة محلات "عمر أفندي" (المعروض ضده الثالث بصفته) بموجب عقود إيجار أماكن خاضعة للقوانين الاستثنائية لإيجار الأماكن (لا سيما القانون رقم 49 لسنة 1977 المعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1981 وتعديلاتهما).

ولما كانت عقود إيجار تلك الفروع المحرر بين الأوقاف والمعروض ضده الثالث بصفته تنص على أنه: "لا يجوز للمُستأجر أن يتنازل لأحد عن حقوقه في هذا الاستئجار ... ولا أن يُؤجر المحل المُؤجر كله أو بعضه من باطنه ...".

كما تنص تلك العقود على أنه: "ليس للمُستأجر الحق في التنازل عن الشقة (العين) المُؤجرة أو تأجيرها كلها أو جزء منها من الباطن أو إشراك غيره في السكن (الانتفاع) بمُقابل أو بغير مُقابل وإذا خالف ذلك فيُعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بلا حاجة إلى تنبيه أو إنذار ويكون وضع يده مُغتصباً ومن حق الهيئة طرده بحكم من قاضي الأمور المُستعجلة".

فضلاً عن أنه من المُقرر قانوناً، أن الأصل – في ظل قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية – هو حظر التأجير من الباطن أو التنازل عن العين المؤجرة حتى ولو خلا عقد الإيجار من نص أو شرط يتضمن ذلك الحظر. حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "حظر التأجير من الباطن بغير إذن كتابي صريح من المالك، حكم تشريعي قائم منذ صدور القانون رقم 121 لسنة 1947 بالنص عليه في المادة 4 فقرة "ب"، بمُقتضاه أصبح الأصل هو تحريم التأجير من الباطن، وكان الأثر الفوري لقوانين إيجار الأماكن يوجب سريان هذا التحريم على كل تأجير من الباطن يحدث بعد صدور القانون 121 لسنة 1947 ولو خلا عقد الإيجار من شرط بالحظر". (نقض جلسة 2/5/1979 مجموعة المكتب الفني – السنة 30 – صـ 253. ونقض مدني في الطعن رقم 4310 لسنة 61 قضائية – جلسة 29/5/1995).

وإذ نما إلى علم الطالب بصفته أن الشركة القابضة للتجارة (المعروض ضده الثاني بصفته) التابعة لوزارة الاستثمار (المعروض ضده الأول بصفته) قد باعت شركة محلات "عمر أفندي" (المعروض ضده الثالث بصفته) إلى المعروض ضده الرابع بصفته (شركة "أنوال المتحدة للتجارة" سعودية الجنسية)، ولما كان هذا البيع يتضمن حوالة حقوق الشركة المعروض ضدها الثالثة إلى الشركة المعروض ضدها الرابعة بما فيها حقوقها في استئجار الفروع المؤجرة لها من قِبل الأوقاف سالفة الذكر، ولما كانت هذه الحوالة للحق تعد بمثابة تنازل عن عقود الإيجار – في غير الحالات التي يجيزها القانون – وذلك بالمخالفة لبنود عقود الإيجار مكملة بأحكام قوانين إيجار الأماكن. لا سيما وأنه من المُقرر في قضاء النقض أنه: "الخلف الخاص هو من تلقى من سلفه شيئاً سواء كان هذا الشيء حقاً عينياً أو حقاً شخصياً. أما من يترتب له ابتداء حق شخصي في ذمة شخص آخر فلا يكون خلفاً خاصاً له بل يكون دائناً. فالمُستأجر ليس بخلف للمُؤجر بل هو دائن له، إنما خلف المُستأجر الأصلي هو المُتنازل إليه عن الإيجار، ولما كان التنازل عن الإيجار يتضمن حوالة حق بالنسبة إلى حقوق المُستأجر وحوالة دين بالنسبة لالتزاماته، فإنه لذلك يجب خضوعه من حيث صحته ونفاذه للقواعد العامة التي تحكم هذين التصرفين فلا ينفذ التنازل عن الإيجار كحوالة حق في حق المُؤجر إلا من وقت إعلانه بالتنازل أو قبوله له – المادة 305 من القانون المدني – ولا ينفذ كحوالة دين في حق الدائن إلا إذا أقرها – المادة 316/1 من القانون المدني". (نقض مدني في الطعن رقم 5 لسنة 44 قضائية – جلسة 2/1/1978 مجموعة المكتب الفني – السنة 29 – صـ 61).

لما كان ذلك، وكانت المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 بشأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، تنص على أنه: "

يحق للمالك عند قيام المستأجر في الحالات التي يجوز له فيها بيع المتجر أو المصنع أو التنازل عن حق الانتفاع بالوحدة السكنية أو المؤجرة لغير أغراض السكنى الحصول على 50% من ثمن البيع أو مقابل التنازل بحسب الأحوال، بعد خصم قيمة المنقولات التي بالعين.

وعلى المستأجر قبل إبرام الاتفاق إعلان المالك على يد محضر بالثمن المعروض، ويكون للمالك الحق في الشراء إذا أبدى رغبته في ذلك وأودع الثمن مخصوماً منه نسبة الـ 50% المشار إليها خزانة المحكمة الجزئية الواقع في دائرتها العقار إيداعاً مشروطاً بالتنازل عن عقد الإيجار وتسليم العين وذلك خلال شهر من تاريخ الإعلان.

وبانقضاء ذلك الأجل يجوز للمستأجر أن يبيع لغير المالك مع التزام المشترى بأن يؤدى للمالك مباشرة نسبة الـ 50% المشار إليها".

لما كان ما تقدم، وكانت هيئة الأوقاف المصرية قد خاطبت السيد الدكتور/ وزير الأوقاف بصفته بخصوص المطالبة بحقها في صفقة البيع التي تتضمن تنازلاً عن عقود إيجار الفروع سالفة الذكر وذلك تطبيقاً لنص المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 المتقدم ذكرها، ومن ثم فقد تفضل السيد الدكتور/ وزير الأوقاف بمخاطبة السيد/ وزير الاستثمار (المعروض ضده الأول بصفته) بشأن هذا الأمر، فتفضل السيد/ وزير الاستثمار بالرد على السيد الدكتور/ وزير الأوقاف بكتابه المؤرخ في 10/10/2006 – والذي جاء فيه ما نصه: "... هيئة الأوقاف المصرية تكون وشأنها إذا ما رغبت في التفاوض مع مشتري أسهم شركة عمر أفندي على استبدال عقود الإيجار المبرمة بينهما عن الفروع المؤجرة للشركة المذكورة ...".

ومن ثم فقد سعت هيئة الأوقاف المصرية (رئاسة الطالب بصفته) إلى التفاوض مع الشركة القابضة للتجارة (المعروض ضدها الثانية)، وقد اقترحت هيئة الأوقاف على الشركة القابضة للتجارة ثلاثة اقتراحات هي:

الاقتراح الأول: في حالة قبول الشركة تعديل القيمة الايجارية، فقد اقترحت الهيئة أن تكون القيمة الايجارية بمبلغ (لا يقل عن) 547000جم (خمسمائة وسبعة وأربعون ألف جنيه) شهرياً.

الاقتراح الثاني: في حالة موافقة الشركة على شراء مباني الهيئة، فيكون حق الهيئة مبلغ (لا يقل عن) 98000000جم (ثمانية وتسعون مليون جنيه).

الاقتراح الثالث: في حالة موافقة الشركة عن البيع بالجدك، فيكون حق الهيئة مبلغ (لا يقل عن) 33750000جم (ثلاثة وثلاثون مليون وسبعمائة وخمسون ألف جنيه).

وإذ طلب السيد رئيس الشركة القابضة (المعروض ضده الثاني بصفته) منحه مهلة عشرة أيام للتفاوض مع شركة أنوال (المعروض ضده الرابع بصفته) التي قامت بشراء أكثر من 90% (تسعون بالمائة) من أسهم شركة "عمر أفندي" (المعروض ضده الثالث بصفته)، وإذ ورد إلى الطالب بصفته كتاب المعروض ضده الثاني بصفته والمؤرخ 19/5/2007 والذي يفيد عدم موافقته على تطبيق أحكام المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981.

لما كان ما تقدم، وكان المعروض ضدهم لا يعترفون بواقعة تنازلهم عن عقود إيجار فروع شركة "عمر أفندي" ويدعون أن ما حدث هو مجرد بيع لأسهم الشركة المعروض ضدها الثالثة فقط وبالتالي دخول المشترية (المعروض ضده الرابع بصفته) كشريك في إدارة شركة محلات "عمر أفندي" ليس إلا. وإذا كانت الفقرة الثانية من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 – قبل تعديلها – تنص على أنه: "إذا كانت العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو مهني أو حرفي، فلا ينتهي العقد بوفاة المستأجر أو تركه العين ويستمر لصالح ورثته وشركائه في استعمال العين بحسب الأحوال".

وحيث قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية تلك الفقرة وذلك بالحكم الصادر منها في الطعن رقم 4 لسنة 15 قضائية "دستورية عليا" – بجلسة 6/7/1996 والذي جاء فيه ما يلي: "... وحيث أن النص المطعون فيه، يفتح فوق هذا أبواباً عريضة للتحايل ينفذ الانتهاز منها، ويتعذر دفعها أو توقيها، ذلك أن مباشرة أشخاص جدد لذات النشاط الذي كان مزاولاً في العين المؤجرة لغير أغراض السكنى، قد لا يكون منبئاً عن قيام اتفاق بين مستأجرها الأصلي وبينهم لتكوين شركة يضيفون من خلالها حصصهم إلى أموال يستغلها هذا المستأجر فعلاً في نشاطها، متقاسمين أرباحها وخسائرها، كل بقدر نصيبه فيها بما يوحد مصالحهم في شأنها ويكتل جهودهم من أجل صون أهدافها، بل ساتراً لعقد حقيقي يتغيا مستأجر العين الأصلي بمقتضاه – ومقابل عوض يختص به من دون المؤجر – إحلال آخرين محله في الاستئثار بهذه العين، تسلطاً على نشاطها وانفراداً بتسييره، فلا يقوم أصلاً العقد الظاهر في نية عاقديه، بل تعود على هؤلاء الأغيار وحدهم منافعها، ليكون القول بانضمامهم إليه في مباشرة هذا النشاط من خلال شركتهم، منتحلاً. وحتى في الأحوال التي يقوم الدليل فيها على أن وجود شركاء في العين المؤجرة ليس صورياً، وإن استمرارهم في مباشرة ذات النشاط بها بعد تخلي المستأجر الأصلي عنها، يكفل استثمار أفضل للأموال التي رصدها عليها، إلا أن هذا الاعتبار وحده لا يسوغ العدوان على الملكية، ولا يجوز أن ينال الحقوق المتفرعة عنها بما يجرد أصحابها كلية من مباشرة سلطتهم في استعمال الشيء محلها في الأغراض التي يطلبونها، ذلك أن تراكم الثروة لا يأتي إلا بحمايتها والتمكين من أسبابها، وليس من بينها أن تكون حقوق الأغيار في الانتفاع بالعين المؤجرة أولى من سلطان أصحابها عليها ..."

ولما عدلت الفقرة المذكورة بالفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 6 لسنة 1997 لم تتضمن الفقرة المعدلة النص على استمرار الإيجار لصالح شركاء المستأجر الأصلي بوفاته أو بتركه العين. بل ونصت المادة الخامسة من اللائحة التنفيذية للقانون الصادرة بالقرار الجمهوري رقم 237 لسنة 1997 على أن: "لا يستمر عقد الإيجار لصالح أحد الورثة أو الشركاء إذا ترك المستأجر العين". كما نصت المادة السادسة من ذات اللائحة على أن: "لا يستمر عقد الإيجار لصالح الشركاء إذا مات المستأجر".

وفوق ما تقدم، وإذا كان المعروض ضدهم بصفتهم يدعون أن ما حدث هو مجرد تداول لأسهم الشركة المعروض ضدها الثالثة وأن المشتري الجديد (المعروض ضده الرابع بصفته) ما هو إلا شريك جديد في الشركة، فإن هذا الزعم كان يمكن الاحتجاج به في حالة ما إذا كانت الشركة المعروض ضدها الثالثة قد عدلت عقد تأسيسها لزيادة قيمة رأس مالها ومن ثم دخول الشركاء الجدد بالاكتتاب في قيمة تلك الزيادة التي زاد بها رأس مال الشركة بعد تعديل عقد تأسيسها، أما قيام الشركة – وبدون تعديل عقد تأسيسها وبدون زيادة رأس مالها – ببيع أسهمهما الموجودة فعلاً إلى الغير ليحل هؤلاء الأغيار محلها في حقوقها واستئجارها للأعيان والفروع المؤجرة لها من الأوقاف، ففي تلك الحالة لا يصح زعم المعروض ضدهم ولا يمكنهم الاحتجاج به.

بالإضافة إلى ما تقدم، فإن أسهم شركة عمر أفندي غير مقيدة في بورصة الأوراق المالية، وبالتالي فإن ملكيتها لا تنتقل بتداول الأسهم إنما تنتقل ملكيتها بالبيع وفقاً للضوابط والقواعد التي تضعها الحكومة، ومن ثم فإن ذلك يؤكد أننا أمام عملية بيع بالمعنى القانوني المعروف، وأن العقارات المملوكة لجهة الوقف الخيري والمؤجرة لشركة عمر أفندي قد أُخِذَت في الحسبان عند تقييم الشركة المبيعة، وهو ما يعني تنازل الشركة المستأجرة (شركة عمر أفندي) لمشتريها عن عقود الإيجار الخاصة بتلك العقارات المؤجرة لها من الأوقاف، وهذا هو مناط تطبيق حكم المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1980 بشأن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، يضاف إلى ذلك فإن المشترين وبحكم القانون قد حلوا محل المستأجر الأصلي (شركة عمر أفندي) في كافة حقوقه والتزاماته، لا سيما وأنهما قد اشتريا ما يزيد على 90% من إجمالي أسهم شركة عمر أفندي المستأجرة الأصلية. ولا أدل على ذلك مما جاء بكتاب المعروض ضده الأول بصفته (معالي السيد/ وزير الاستثمار) إلى معالي الدكتور/ وزير الأوقاف – والمؤرخ في 10/10/2006 – والذي جاء فيه ما نصه: "... وعلى ما تقدم فإن هيئة الأوقاف المصرية تكون وشأنها إذا ما رغبت في التفاوض مع مشتري أسهم شركة عمر أفندي على استبدال عقود الإيجار المبرمة بينهما عن الفروع المؤجرة للشركة المذكورة في الإطار القانوني الذي يسفر عنه التفاوض ..."، فإذا كان ما يدعيه المعروض ضدهم بصفتهم أن ما حدث ليس بيعاً لأصول الشركة وإنما هو إدخال شريك جديد فيها، فكيف يتسنى والحال كذلك التصريح لهيئة الأوقاف بالتفاوض مع المشتري لتغيير واستبدال عقود الإيجار باسم الشركة المشترية؟!!

وخلاصة القول أن تصرف الشركة المعروض ضدها الثانية ببيع أسهم الشركة المعروض ضدها الثالثة للمعروض ضدها الرابعة – على النحو السالف ذكره – يتضمن تنازل (كلي أو جزئي) عن حقوق الشركة المعروض ضدها الثالثة في عقود إيجار فروعها المؤجرة لها من قِبل الأوقاف. وهذا التنازل (الكلي أو الجزئي) هو تصرف محظور عليها بموجب عقود الإيجار مكملة بأحكام قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية الخاضعة لها تلك العقود.

لما كان ذلك، وكان من المُقرر في قضاء النقض أن: "ثبوت مُخالفة المُستأجر لشروط العقد مُكملة بالقانون كاف لتوفير مُبرر الإخلاء سواء كانت المُخالفة قد انصبت على العين المُؤجرة جميعاً أم على جزء منها". (نقض مدني في الطعن رقم 1039 لسنة 52 قضائية – جلسة 9/2/1989).

ولما كان من المُسلم به قانوناً، فقهاً وقضاءاً، أنه: "قد يكون التنازل عن الإيجار أو التأجير من الباطن أو الترك سافراً، كما يمكن أن يكون مُستتراً تحت ستار عقد آخر كالوكالة أو غيرها لأن العبرة بحقيقة العلاقة كما تثبت للمحكمة، ومن أمثلة ذلك ستر التنازل عن الإيجار أو التأجير من الباطن أو الترك بإبرام توكيل من المُستأجر الأصلي إلى المُتنازل إليه أو المُستأجر من الباطن أو لمن وقع الترك لصالحه بإدارة العين المُؤجرة ودفع أجرتها". (المرجع: "موسوعة الفقه والقضاء والتشريع في إيجار وبيع الأماكن الخالية" – للمُستشار/ محمد عزمي البكري – الجزء الثاني - الفقرة رقم 129/1 – صـ 452).

ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "مُؤدى المادة 23 من القانون رقم 52 لسنة 1969 (المقابلة للمادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981) أن المُشرع أجاز للمُؤجر طلب الإخلاء إذا أجر المُستأجر العين من باطنه أو تنازل عنها أو تركها للغير دون إذن كتابي منه، يستوي أن يكون التأجير من الباطن أو النزول عن الإيجار أو الترك سافراً صريحاً أو مُتخذاً ستار عقد آخر لأن العبرة بحقيقة العلاقة لا بما يسبغه المُتعاقدان من أوصاف، فلا تقف المحكمة عن المظهر البادي وإنما من حقها أن تمحص العلاقة التعاقدية، وأن تطلق عليها وصفها الصحيح". (نقض مدني في الطعن رقم 356 لسنة 48 قضائية – جلسة 7/2/1979).

وحتى لو كان هذا التنازل (الكلي أو الجزئي) الذي وقع بين المعروض ضدهم بصفتهم جدي ويهدف لتحقيق مصلحة اقتصادية مشروعة لهم، إلا أن تلك المصلحة مهما علا قدرها وسمى نفعها بالنسبة للمستأجر والغير (وللمعروض ضدهم بصفتهم) فإنها لا تسوغ العدوان على الملكية الخاصة (بالنسبة للمالك المؤجر وهو الوقف الخيري الذي هو على ملك الله تعالى) ولا يجوز أن تجرد أصحاب الملكية من الحقوق المتفرعة عنها، ولا أن تكون حقوق الغير في الانتفاع بالأعيان المؤجرة أولى من سلطان ملاكها عليها، أو كما قضت المحكمة الدستورية العليا بأنه: "... وحتى في الأحوال التي يقوم الدليل فيها على أن وجود شركاء في العين المؤجرة ليس صورياً، وإن استمرارهم في مباشرة ذات النشاط بها بعد تخلي المستأجر الأصلي عنها، يكفل استثمار أفضل للأموال التي رصدها عليها، إلا أن هذا الاعتبار وحده لا يسوغ العدوان على الملكية، ولا يجوز أن ينال الحقوق المتفرعة عنها بما يجرد أصحابها كلية من مباشرة سلطتهم في استعمال الشيء محلها في الأغراض التي يطلبونها، ذلك أن تراكم الثروة لا يأتي إلا بحمايتها والتمكين من أسبابها، وليس من بينها أن تكون حقوق الأغيار في الانتفاع بالعين المؤجرة أولى من سلطان أصحابها عليها ...". (حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 4 لسنة 15 قضائية "دستورية عليا" – بجلسة 6/7/1996 سالف الإشارة إليه بعاليه).

وفضلاً عما تقدم، فقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه: "يُعد إخلالاً بالشرط المانع من التنازل عن عقد الإيجار أن تحل شركة جديدة محل شركة قديمة في الإيجار حتى ولو كان أكثر أعضاء الشركة الجديدة من أعضاء الشركة القديمة". (نقض فرنسي جلسة 10/1/1881 داللوز 81-1-119). وتلك المسألة مسألة واقع، وقاضي الموضوع هو الذي يبت فيما إذا كانت الشركة الجديدة ليست إلا استمراراً للشركة القديمة أو أنها شركة أخرى مستقلة. (المصدر: "الوسيط في شرح القانون المدني" – للدكتور/ عبد الرزاق أحمد السنهوري – الجزء السادس "في الإيجار والعارية" – طبعة 2006 القاهرة – بند 456 – صـ 625 وهوامشها).

ويذهب الفقه الفرنسي إلى القول بأنه: "لا يُعد إخلالاً بالشرط المانع أن ينزل أحد الشركاء عن حصته لشريك آخر ويدخل في ذلك حقه في الإيجار، ما لم يتبين أن هذا مخالف للمعنى الذي قصد إليه المتعاقدان من الشرط المانع". (بودري وفال – فقرة 1088. مُشار إليه في "وسيط السنهوري" – المرجع السابق – نفس الموضع).

علماً بأن عقود إيجار أعيان التداعي تنص على أنه: "ليس للمُستأجر الحق في التنازل عن الشقة (العين) المُؤجرة أو تأجيرها كلها أو جزء منها من الباطن أو إشراك غيره في السكن (الانتفاع) بمُقابل أو بغير مُقابل وإذا خالف ذلك فيُعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بلا حاجة إلى تنبيه أو إنذار ويكون وضع يده مُغتصباً ومن حق الهيئة طرده بحكم من قاضي الأمور المُستعجلة".

هذا، وقد قضي في مصر بأنه: "إذا باع أحد الشريكين في شركة واقعية حصته للشريك الآخر وتنازل له عن حصته في الإجارة، كان هذا التنازل إخلالاً بالشرط المانع". (محكمة الإسكندرية الوطنية – جلسة 8/1/1951 – التشريع والقضاء 3 رقم 155 صـ 505).

لما كان ما تقدم، وكانت الفقرة "ج" من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المُؤجر والمُستأجر تنص على أنه: "لا يجوز للمُؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المُدة المُتفق عليها في العقد إلا لأحد الأسباب الآتية: ... إذا ثبت أن المُستأجر قد تنازل عن المكان المُؤجر، أو أجره من الباطن بغير إذن كتابي صريح من المالك للمُستأجر الأصلي، أو تركه للغير بقصد الاستغناء عنه نهائياً وذلك دون إخلال بالحالات التي يُجيز فيها القانون للمُستأجر تأجير المكان مفروشاً أو التنازل عنه أو تأجيره من الباطن أو تركه لذوي القربى وفقاً لأحكام المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977".

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "المقصود بالتنازل عن الإيجار – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – هو نقل حقوق المُستأجر والالتزامات الناشئة عن عقد الإيجار إلى شخص آخر يحل محله فيها، وأنه يترتب عليه خروج منفعة العين المُؤجرة – التي كان يرتبها عقد الإيجار الأصلي للمُستأجر الأصلي – من حوزة هذا الأخير ودخولها في حوزة آخر هو المُتنازل إليه". (نقض مدني في الطعن رقم 530 لسنة 57 قضائية – جلسة 9/7/1995).

وقد حظرت قوانين إيجار الأماكن على المُستأجر تأجير المكان من الباطن أو التنازل عن الإيجار للغير بدون إذن كتابي صريح من المالك للمُستأجر الأصلي، والحكمة من هذا الحظر أن المُشرع بعد أن خول المُستأجر مزايا عديدة تتلخص في البقاء بأجرة مُخفضة في العين بعد انقضاء مُدة الإيجار الاتفاقية، وجد من الواجب أن يُلقي على المُستأجر واجبات شديدة تضمن من جهة قيامه بسداد هذه الأجرة المُخفضة في ميعادها، ومن جهة أخرى المُحافظة على أن يكون شغله للمكان بهذه الأجرة ناشئاً عن ضرورة حقيقية دون أن يتخذه وسيلة للاستغلال والربح بأن يُؤجره من باطنه أو بأن يتنازل عن الإيجار للغير، والغالب أن يكون ذلك نظير إيجار مُرتفع ارتفاعاً فاحشاً يُثري به على حساب المالك ولإخفاء هذه الزيادة يكتب العقد بالقيمة القانونية ويأخذ الفرق نقداً من المُستأجر الثاني أو المُتنازل إليه. (من التقرير الثاني للجنة العدل بمجلس الشيوخ في خصوص قانون إيجار الأماكن رقم 121 لسنة 1947. المصدر: "موسوعة الفقه والقضاء والتشريع في إيجار وبيع الأماكن الخالية" – للمُستشار/ محمد عزمي البكري – الجزء الثاني - الفقرة رقم 123 – صـ 436).

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "جرى التقنين المدني على أن حق المُستأجر المُتولد من عقد الإيجار في الانتفاع بالشيء المُؤجر، بوصفه من الحقوق المالية، يقبل التعامل فيه سواء بالنزول عنه إلى الغير كُلاً أو جزءاً، مُدة الإجارة كلها أو بعضها، بمُقابل أو بدونه، أو بتأجيره إلى الغير لقاء أجرة على النحو المُتقدم، وذلك ما نصت عليه المادة 593 من القانون المدني بقولها: "للمُستأجر حق التنازل عن الإيجار أو الإيجار من الباطن وذلك عن كل ما استأجره أو بعضه ما لم يقض الاتفاق بغير ذلك"، دلالة على أن المنع من هذه التصرفات هو استثناء من الأصل لا يقوم إلا بالاتفاق عليه بين المُؤجر والمُستأجر، إلا أنه تنظيماً للعلاقات بين المُؤجرين والمُستأجرين أصدر المُشرع قوانين آمرة منها القانون رقم 140 لسنة 1946 ومن بعده القانون رقم 121 لسنة 1947 الذي حدد أجرة الأماكن ومد الإيجار بعد انتهاء مُدته الاتفاقية، سالباً المُؤجر بذلك حقه في طلب إخلاء المسكن المُؤجر لهذا السبب، ومُقيداً حقه في ذلك بأسباب حددها من بينها تأجير المُستأجر للمكان من باطنه بغير إذن كتابي صريح من المالك، مما أضحى الأصل الذي أورده القانون المدني بشأن الحق في التأجير من الباطن استثناء يستلزم ترخيصاً به من المُؤجر، وذلك على تقدير من المُشرع بأنه لا وجه لتخويل المُستأجر حق استغلال المكان المُؤجر عند عدم احتياجه إلى الانتفاع به بنفسه وبمن يشملهم الحق في الانتفاع بطريق التبعية له، وذلك بتأجيره إلى الغير من باطنه كله أو بعضه بغير إذن من المالك، ثم جاء بعد ذلك القانون رقم 52 لسنة 1969 مُقتفياً هذا الأثر ومُضيفاً إليه النص على حظر التنازل عن المكان المُؤجر أو تركه للغير بأي وجه من الوجوه بغير إذن كتابي صريح من المالك، مُؤكداً بذلك التسوية في الحكم بين التنازل عن الإيجار وبين التأجير من الباطن إتباعاً لحكم المادة 594 من القانون المدني التي تقضي بأن: "منع المُستأجر من أن يُؤجر من الباطن يقتضي منعه من التنازل عن الإيجار وكذلك العكس"، ومُحققاً شمول الحكم لكافة صور تخلي المُستأجر عن الحق في الانتفاع بالمكان المُؤجر بتمكين الغير منه بأي وجه من الوجوه، ولو بغير طريق التنازل أو التأجير من الباطن، فدل ذلك على أن الأصل في ظل هذا القانون الآمر هو انفراد المُستأجر ومن يتبعه بحكم العقد بالحق في الانتفاع بالمكان المُؤجر وعدم جواز تخليه عنه للغير كُلياً أو جزئياً، مُستمراً أو مُؤقتاً، بمُقابل أو بدونه، باعتبار هذا التخلي بجميع صوره، خروجاً من المُستأجر على نص عقد الإيجار مُكملاً بحكم هذا القانون يُجيز للمُؤجر طلب إخلاء المكان المُؤجر". (نقض مدني في الطعن رقم 225 لسنة 47 قضائية – جلسة 20/1/1979 مجموعة المكتب الفني – السنة 30 – صـ 309. ونقض مدني في الطعن رقم 1195 لسنة 50 قضائية – جلسة 13/4/1987. ونقض مدني في الطعن رقم 1697 لسنة 54 قضائية – جلسة 8/6/1987. ونقض مدني في الطعن رقم 276 لسنة 52 قضائية – جلسة 22/3/1989).

كما أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "ثبوت مُخالفة المُستأجر لشروط العقد مُكملة بالقانون كاف لتوفير مُبرر الإخلاء سواء كانت المُخالفة قد انصبت على العين المُؤجرة جميعاً أم على جزء منها". (نقض مدني في الطعن رقم 1039 لسنة 52 قضائية – جلسة 9/2/1989).

وقد جرى قضاء محكمة النقض على أن: "العقد شريعة المُتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يُقرها القانون، مما مُؤداه التزام المُستأجر باحترام الشروط الواردة في عقد الإيجار والذي يحظر عليه التنازل عن الإيجار، وإلا حق عليه الجزاء المُقرر لمُخالفة ذلك في العقد أو في القانون، وكان من الأصول التي تقوم عليها القوانين الاستثنائية الصادرة في شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقات بين المُؤجرين والمُستأجرين، حظر تأجير الأماكن المُؤجرة من الباطن والتنازل عن الإيجار وترك المكان المُؤجر للغير بأي وجه من الوجوه بغير إذن كتابي صريح من المالك، وتقرير الحق للمُؤجر - في حالة إخلال المُستأجر بذلك - في طلب إخلاء المكان المُؤجر". (نقض جلسة 12/5/1979 مجموعة المكتب الفني – السنة 30 – صـ 332).

هذا، ومن المُقرر بين فقهاء قوانين إيجار الأماكن أنه: "يجوز للمُؤجر إثبات الإيجار من الباطن والتنازل عن الإيجار وترك العين المُؤجرة بكافة طرق الإثبات القانونية – بما فيها البينة والقرائن – فلئن كانت الإجارة الأصلية صادرة منه، إلا أنه يُعتبر من الغير بالنسبة لعقد الإيجار من الباطن والتنازل عن الإيجار. الأمر الذي يُشكل مانعاً من الحصول على دليل كتابي يُثبت الإيجار من الباطن أو التنازل عن الإيجار". (المرجع: عزمي البكري – المرجع السابق - الفقرة رقم 160 – صـ 536).

لما كان ما تقدم، وكانت المادة 160 من القانون المدني (الشريعة العامة) تنص على أنه: "إذا فُسِخَ العقد أُعيدَ المُتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ...".

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "النص في المادة 160 من القانون المدني يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أنه يترتب على فسخ العقد انحلال العقد بأثر رجعى منذ نشوئه". (نقض مدني في الطعن رقم 1458 لسنة 49 قضائية – جلسة 8/3/1983 مجموعة المكتب الفني – السنة 34 – صـ 652).

وكذلك من المُقرر في قضاء النقض أنه: "يترتب على الإنفساخ ما يترتب على الفسخ من عودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد". (نقض مدني في الطعن رقم 182 لسنة 34 قضائية – جلسة 26/12/1968 مجموعة المكتب الفني – السنة 19 – صـ 1565).

وأيضاً من المُقرر في قضاء النقض أنه: "في حالة القضاء بالفسخ تترتب الآثار التي نصت عليها المادة 160 من القانون المدني وهى أن يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد فيرد كل منهما ما تسلمه بمقتضى العقد بعد أن تم فسخه". (نقض مدني في الطعن رقم 193 لسنة 34 قضائية – جلسة 15/8/1967 مجموعة المكتب الفني – السنة 18 – صـ 1500).

لما كان ما تقدم، وكان الإخلاء من مقتضيات الحكم بالفسخ، ومن ثم يتعين مع القضاء بالفسخ والإخلاء إلزام المعروض ضدهم برد أعيان التداعي إلى الطالب بصفته وتسليمها له خالية من الأشياء والأشخاص وبالحالة التي كانت عليها عند التعاقد.

وهدياً بما تقدم، فقد أنذر الطالب بصفته المعروض ضدهم بصفتهم بموجب إنذارات رسمية بضرورة إخطاره رسمياً باختيارهم أحد الاقتراحات الثلاثة التالية:

الاقتراح الأول: في حالة القبول بتعديل القيمة الايجارية، فالقيمة الايجارية ستكون بمبلغ لا يقل عن 547000جم (خمسمائة وسبعة وأربعون ألف جنيه) شهرياً.

الاقتراح الثاني: وفي حالة الموافقة على شراء مباني الهيئة، فيكون حق الهيئة مبلغ لا يقل عن 98000000جم (ثمانية وتسعون مليون جنيه).

الاقتراح الثالث: وفي حالة الموافقة على البيع بالجدك، فسيكون حق الهيئة مبلغ لا يقل عن 33750000جم (ثلاثة وثلاثون مليون وسبعمائة وخمسون ألف جنيه).

وإلا سيضطر الطالب بصفته إلى اتخاذ كافة الإجراءات القانونية والقضائية للمطالبة بحقوقه وبفسخ عقود إيجار الفروع سالفة الذكر، وبعدم نفاذ التصرف في أسهم الشركة المستأجرة في حق الأوقاف المؤجرة، كل ذلك مع طلب الإخلاء والتسليم والتعويضات المناسبة. إلا أن المعروض ضدهم لم يحركوا ساكنا، الأمر الذي حدا بالطالب بصفته لتقديم الطلب الماثل لعدالة اللجنة الموقرة بغية إصدار توصيتها بما يلي:

"لذلك"

* نلتمس من عدالة اللجنة إصدار توصيتها في الطلب الماثل بما يلي:

أولاً- بفسخ عقود إيجار أعيان التداعي (فروع شركة محلات عمر أفندي المؤجرة لها من الأوقاف) المبينة بصدر هذا الطلب وبعقود الإيجار، وهي:

فرع الجيزة: والمؤجر بموجب عقد إيجار مؤرخ في 16/3/1995 وساري اعتباراً من 1/4/1995، ويشمل الدور الأرضي والجزأيين الكائنين بمقر عمر أفندي بالعمارة "أ" بشارع أحمد عرابي – بالمهندسين – بالجيزة.

فرع الإسكندرية: والمؤجر بموجب عقد إيجار مؤرخ في 7/2/1977 وساري اعتباراً من 1/2/1977، ويشمل المحلات التجارية الكائنة بمحطة ثروت بمحافظة الإسكندرية.

فرع دمياط: بموجب عقد اتفاق مؤرخ في 22/4/1962 بين شركة محلات عمر أفندي وبين محافظ دمياط بصفته نائباً عن وزير الأوقاف، ويشمل الدور الأرضي ودور مسروق والدور الأول والثاني العلويين.

فرع فارسكور: مقر شركة محلات عمر أفندي بمدينة فراسكور بدمياط.

فرع الفيوم: والمؤجر بموجب عقد إيجار مؤرخ في 10/4/1974 وساري اعتباراً من 1/3/1974، ويشمل جناح بالدور الأرضي والدور الأول والثاني العلويين بالكامل.

فرع بني سويف: والمؤجر بموجب عقد إيجار مؤرخ في 1/7/1974 وساري اعتباراً من 1/7/1974، ويشمل الدور الأرضي ونصف الدور الأول فوق الأرضي.

ثانياً- بعدم نفاذ التصرف في أسهم الشركة المستأجرة في حق الأوقاف المؤجرة.

ثالثاً- إلزام المعروض ضدهم بإخلاء أعيان التداعي وتسليمها للطالب بصفته خالية من الأشياء والأشخاص وبالحالة التي كانت عليها عند التعاقد".

مع حفظ كافة حقوق الأوقاف الأخرى أياً كانت،،،