الخميس، 3 مارس 2011

التصقيع


"التصقيع"
* هل يستحق المُؤجر زيادة في الأجرة مُقابل تحسين صُقع المكان؟
        قد يتحسن صقع المنطقة التي تقع بها العين المُؤجرة عما كان عليه عند تأجيرها نتيجة قيام الدولة بتوسيع الشوارع أو إنشاء مراكز تجارية أو صناعية فيها أو إزدهار العمران بها أو إدخال المرافق إليها ...الخ.
كما قد يسوء صقع المكان عما كان عليه، كما كان حال مدن القنال إبان حرب الاستنزاف.
فهل يجوز تصقيع المكان وإعادة تقدير أجرة العين المؤجرة وزيادتها في حالة تحسن الصقع أو تخفيضها في حالة سوءته؟؟
1 - الوضع في قوانين إيجار الأماكن
رأيان في الفقه:
        للإجابة على هذا التساؤل، نذكر أن هناك رأيان في الفقه:
الرأي الأول: يرى فيه بعض الفقهاء( 1 ) أن تحسين صقع المكان يُعتبر في حكم "التحسينات" فإذا كان المكان المؤجر قد تحسن صقعه كثيراً، فيحسب هذا التحسين في الصقع كميزة للمستأجر يجب تقويمها كما تُقوم التحسينات والمزايا الأخرى وتضاف قيمتها إلى أجرة الأساس.
ذلك أن تحسين الصقع ميزة لا يصح أن ينفرد بها المستأجر بل يجب أن تُقوم حتى يُشارك فيها المُؤجر، كما هو الأمر في تصقيع الحكر، إذ تقضي المادة 1004 مدني بأنه: "لا يجوز التحكير بأقل من أجرة المثل. وتزيد هذه الأجرة أو تنقص كلما بلغ التغيير في أجرة المثل حداً جاوز الخمس زيادة أو نقصاً، على أن يكون قد مضى ثماني سنوات على آخر تقدير". كما أن المُؤجر قد يتحمل في بعض الأحيان بضريبة إضافية مقابل تحسين الصقع تسمى بضريبة "التحسين". وإذا لم تكن هناك أجرة فعلية أو تعذر إثباتها، تعين الرجوع إلى أجرة المثل، لأن ما طرأ على العين من تصقيع يجب أن يُعد من عناصر المماثلة التي تراعى في تقدير أجرة المثل.
        كما يذهب بعض أنصار هذا الرأي إلى وجوب تطبيق هذا المبدأ نزولاً في الحالة العكسية، أي الحالة التي تنخفض فيها صقع المكان المُؤجر، كأن يكون واقعاً في شارع تجاري هام فتتحول التجارة من هذا الشارع إلى شارع آخر غيره في منطقة أخرى، فيلزم إعادة تقدير أجرة مثل المكان المُؤجر في هذا الصقع المنخفض.
        الرأي الثاني: ويذهب رأي آخر( 2 ) في الفقه إلى أن المؤجر لا يستحق زيادة في الأجرة على أجرة الأساس في حالة تحسين صقع المكان المؤجر، إلا إذا فرضت الدولة عليه مقابلاً لتحسين صقع المكان المؤجر، إذ في هذه الحالة تزيد التزامات المؤجر زيادة لم تكن موجودة في شهر الأساس فيستحق بسببها زيادة في الأجرة. أما في غير هذه الحالة فلا يستحق المؤجر زيادة في الأجرة لمجرد تحسين صقع المكان كما لا يحق للمستأجر طلب إنقاص الأجرة عند سوء حالة صقع المكان.
        حيث أن نصوص القانون لا تحتمل تفسيرها على النحو الذي ذهب إليه الرأي الأول، لأن تحسين صقع المكان المؤجر أو سوء حالته لا يعتبر شرطاً أو التزاماً جديداً يفرض على المؤجر أو المستأجر إلا إذا فرضت الدولة مقابلاً لتحسين صقع المكان فتزيد الأجرة بزيادة أعباء المؤجر، وفي غير هذه الحالة لا تزيد أعباء ولا تنقص وكذلك الحال بالنسبة للمستأجر، فلا محل لقياس هذه الحالة على التحسينات والإصلاحات والالتزامات الجديدة التي تشكل عبئاً على أحد المتعاقدين والتي قصد واضع القانون بسببه أن يعيد التوازن بين حقوق المؤجر وحقوق المستأجر فنص على تقويم كل شرط أو التزام جديد في حساب الأجرة. هذا إلى أن واضع القانون لم يقصد أن يقتضي المؤجر زيادة من المستأجر عن أية ميزة يحصل عليها المستأجر ولا يد للمؤجر فيها، كقربه من المواصلات إذا امتدت إليه أو رواج بضاعته إذا كثر عدد الناس من حوله، كما لم يقصد إنقاص الأجرة إذا زالت مثل هذه المزايا. ومنطق الرأي السابق يقتضي عمل حساب هذه المزايا إذا استحدثت أو زالت، وهو ما يؤدي إلى اضطراب العلاقات بين المؤجر والمُستأجر( 3 ).
اتجاه محكمة النقض:
        أما محكمة النقض فلم تأخذ بأي من الرأيين السابقين، وذهبت في حكم (غير منشور) لها صادر بتاريخ 28/11/1984 في الطعن بالنقض المدني رقم 659 لسنة 49 قضائية إلى أن:
"تحسين صقع المكان لا يعتبر شرطاً أو التزاماً جديداً يفرض على المؤجر أو المستأجر، ومن ثم لا يسوغ قياس الزيادة في صقع المكان على التحسينات والإصلاحات التي تشكل عبئاً على عاتق أحد المتعاقدين، إذ من المُقرر أن قوانين إيجار الأماكن من القوانين الاستثنائية والتي يتعين تفسيرها في أضيق الحدود". (المصدر: "موسوعة الفقه والقضاء والتشريع" – للمستشار/ محمد عزمي البكري – جزء: "أجرة الأماكن القديمة وما طرأ عليها" – الطبعة الثالثة، طبعة نادي القضاة بالقاهرة – البند 32 – صـ 106 و 107).
الخلاصة:
في ظل قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية التي حددت بقواعد قانونية آمره متعلقة بالنظام العام عقود الإيجار الخاضعة لأحكامها، لا سيما من حيث الأجرة والمدة، فلا مجال للحديث فيها عن "تصقيع" العين المؤجرة وزيادة أجرتها أو تخفيضها بسبب التصقيع، لكون المشرع هو الذي تولى تحديد أجرة تلك الأماكن (تخفيضاً وزيادة) بقواعد قانونية آمرة متعلقة بالنظام العام لا يجوز مخالفتها وكل مخالفة لها تعتبر باطلة.
2 - الوضع في القانون المدني
        في عقود الإيجار الخاضعة للقانون المدني، يلتزم الطرفان فيها بالأجرة المحددة في العقد والتي اتفق عليها وتراضى بها الطرفان. ولا يجوز للمؤجر بإرادته المنفردة زيادة القيمة الايجارية لتلك العين بزعم تحسن صقع المكان الواقع فيه العين المؤجرة، كما لا يجوز للمستأجر بإرادته المنفردة تخفيض القيمة الإيجارية لتلك العين بزعم سوء صقع المكان الواقع فيه العين المؤجرة.
حيث أن المادة 147/1 من القانون المدني تنص على أن: "العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التي يقررها القانون". ومفاد ذلك أنه يمتنع على أحد العاقدين نقض العقد أو إنهاؤه أو تعديله على غير مُقتضى شروط العقد ما لم يُتَفَق على ذلك مع أطراف العقد الآخرين، كما يمتنع ذلك على القاضي. (المرجع: "التقنين المدني في ضوء الفقه والقضاء" للأستاذ الدكتور/ محمد كمال عبد العزيز الجزء الأول (في الالتزامات) طبعة 1980 القاهرة ص 412 : 413). 
        ومن المُقرر في قضاء محكمة النقض أن: "العقد شريعة المُتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يُقررها القانون، مما مؤداه التزام المُستأجر باحترام الشروط الواردة في عقد الإيجار". (الطعن بالنقض المدني رقم 939 لسنة 45 قضائية جلسة 7/5/1979).  
الخلاصة:
في ظل القانون المدني، فإن الأجرة المتفق عليها في عقد الإيجار تكون هي الملزمة للطرفين، فلا يجوز للمؤجر طلب الزيادة ولا يجوز للمستأجر طلب التخفيض، ما لم يتفق الطرفان على الزيادة أو التخفيض بالتراضي فيما بينهما.
3 - الوضع بالنسبة إلى الاحكار
تنص المادة 1004 من القانون المدني على أنه: "لا يجوز التحكير بأقل من أجرة المثل. وتزيد هذه الأجرة أو تنقص كلما بلغ التغيير في أجرة المثل حداً جاوز الخُمس زيادة أو نقصاً، على أن يكون قد مضى ثماني سنوات على آخر تقدير".
كما تنص المادة 1005 من القانون المدني على أنه: "يرجع في تقدير الزيادة أو النقص إلى ما للأرض من قيمة ايجارية وقت التقدير، ويراعى في ذلك صقع الأرض ورغبات الناس فيها بغض النظر عما يوجد فيها من بناء أو غراس، ودون اعتبار لما أحدثه المحتكر فيها من تحسين أو إتلاف في ذات الأرض أو صقع الجهة، ودون تأثر بما للمحتكر على الأرض من حق القرار".
كما تنص المادة 1006 من القانون المدني على أنه: "لا يسري التقدير الجديد إلا من الوقت الذي يتفق الطرفان عليه، وإلا فمن يوم رفع الدعوى".
        فالقانون المدني نظم الحكر، وأقر بالتصقيع فيه (زيادة أو نقصان) بشرط أن تكون الأجرة قد (زادت أو نقصت) بما يجاوز الخمس، مع قواعد التقدير الذي حددتها المادة 1005 سالفة الذكر، وبشرط أن يكون قد مرت ثماني سنوات على الأقل على آخر تقدير أو تصقيع للعين المحكرة، وحتى في هذه الحالة يشترط اتفاق الطرفين على قيمة الزيادة أو النقصان فالعملية تتم باتفاق الطرفين وليس بالإرادة المنفردة لأيهما. وفي حالة عدم الاتفاق يتم رفع الأمر إلى القضاء للفصل فيه وتقدير الزيادة أو النقصان وإلزام الطرفين بها.
        وإذا كان عقد التحكير الخاضع للقانون المدني قد اتفق فيه الطرفان على شروط أخرى بأن يكونا مثلاً قد اتفقا وتراضيا على أن يكون للمالك المؤجرة الحق في تصقيع الأجرة كل فترة زمنية محددة (تزيد أو تنقص عن الفترة التي حددها القانون المدني) وبقبول المحتكر لتلك الزيادة بدون مناقشة أو معارضة أو اعتراض منه، ففي هذه الحالة يكون من حق المؤجر المحكر أن يصقع العين المؤجرة المحكرة كل فترة وبالقدر الذي اتفقا عليه في عقد الحكر، وإلا فتطبق القواعد سالفة الذكر.
        مع الأخذ في الاعتبار أنه لا عبرة (قانوناً) بزيادة أجرة المثل التي تكون ناشئة عن بناء المحتكر أو غراسه، وإنما العبرة بالزيادة الراجعة إلى الأرض في ذاتها لكثرة رغبات الناس في صقعها. (المصدر: "الوافي في شرح القانون المدني" – للدكتور/ سليمان مرقس – الجزء الثالث: في العقود المسماة – المجلد الثاني: عقد الإيجار – الطبعة الرابعة 1993 القاهرة – بند رقم 331 – صـ 921 وهامش رقم 16 بذات الصفحة).
        حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض: "أن يكون التقدير على اعتبار أن الأرض حرة خالية من البناء، وأن لا يلاحظ في التقدير سوى حالة الصقع الذي فيه الأرض المحكرة ورغبات الناس فيها وأن يُصرف النظر عن التحسين اللاحق بذات الأرض وبصقع الجهة بسبب البناء الذي أقامه المحتكر، وأن لا يكون لحق البقاء والقرار الذي للمحتكر تأثير في التقدير". (نقض مدني 14 يونيه 1934 المجموعة 35-512-207. المصدر: المرجع السابق – صـ 926 : 928).
        ولا يسري التقدير الجديد إلا من الوقت الذي يتفق الطرفان عليه، وإلا فمن يوم رفع الدعوى (المادة 1006 مدني).
        وتكون الأجرة مستحقة الدفع في نهاية كل سنة ما لم ينص عقد التحكير على غير ذلك (المادة 1003 مدني).
الخلاصة:
بالنسبة للاحكار يجوز للمحكر إعادة تصقيع العين المحكرة كل ثماني سنوات وزيادة قيمة أجرة الحكر إذا كان صقع المكان قد تحسن وزادت أجرة المثل بقدر الخمس عن أجرة الحكر وشريطة موافقة المستحكر على تلك الزيادة (سواء موافقة سابقة أو لاحقة على التصقيع) وإلا لجأ المحكر للقضاء لطلب تقدير تلك الزيادة وإلزام المستحكر بها.
أحكام محكمة النقض في تصقيع الحكر:
* "يلتزم المحتكر بمقتضى المواد 1003 ، 1004 ، 1005 من القانون المدنى بأداء المقابل المتفق عليه إلى المحكر وعلى أن يكون هذا المقابل مستحق الدفع فى نهاية كل سنة ما لم ينص عقد التحكير على غير ذلك وبزيادة المقابل وفقاً لأجر المثل وصقع المكان وذلك بخلاف إيجار الوقف إذ العبرة فيه بأجرة المثل وفقاً لنص المادة 632 من القانون المدنى بالوقت الذى أبرم فيه عقد الإيجار فلا يتقيد بما يستجد من ظروف إقتصادية بعد ذلك ترفع من قيمة المقابل". (نقض مدني في الطعن رقم 1074 لسنة 53 قضائية – جلسة 20/6/1984 مجموعة المكتب الفني – السنة 35 – صـ 1700 – فقرة 3).
* "القاعدة الصحيحة الواجبة الإتباع فى تقدير أجرة الحكر عند طلب تصقيعه هى - على ما قررته محكمة النقض - أخذاً من المبادىء الشرعية - فى حكمها الصادر فى 14 من يونيو سنة 1934 وجرى عليه قضاؤها - أن يكون التقدير على إعتبار أن الأرض حرة خالية من البناء وأن لا يلاحظ فيه سوى حالة الصقع الذى فيه الأرض المحكرة ورغبات الناس فيها وأن يصرف النظر عن التحسين اللاحق بذات الأرض وبصقع الجهة بسبب البناء الذى أقامه المحتكر، وأن لا يكون لحق البقاء والقرار الذى للمحتكر تأثير فى التقدير. وقد صرحت محكمة النقض فى حكمها سالف الذكر بأنها ترفض الأخذ بنظرية "النسبة" التى تقضي بالمحافظة على النسبة بين أجرة الحكر وقت التحكير وقيمة الأرض فى ذلك الوقت و قالت عنها إنه لا أصل لها فى الشريعة الإسلامية وأن أجرة الحكر يجب أن تكون دائما هى أجرة المثل. و لقد أخذ التقنين المدنى بالقاعدة التى قررتها محكمة النقض وقننها بما نص عليه فى المادة 1005 منه ونبذ نظرية النسبة وذلك على ما يبين من الأعمال التحضيرية وإذا كانت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدى قد تضمنت عبارات صريحة تفيد الأخذ بهذه النظرية وإسنادها خطأ إلى محكمة النقض فقد نسخ ذلك ما جرى بعدها من تعديلات أدخلتها لجنة الشيوخ على النص الذى كان وارداً فى المشروع التمهيدى وما ظهر جليا من إتجاه هذه اللجنة إلى عدم الأخذ بنظرية النسبة وفات واضعوا المشروع بعد إدخال هذا التعديل أن يصححوا على مقتضاه ما تضمنته المذكرة فى هذا الخصوص". (نقض مدني في الطعن رقم 382 لسنة 29 قضائية – جلسة 15/4/1964 مجموعة المكتب الفني – السنة 15 – صـ 556 – فقرة 3. ونقض مدني قس الطعن رقم 442 لسنة 35 قضائية – جلسة 27/1/1970 مجموعة المكتب الفني – السنة 21 – صـ 202 – فقرة 2).
* "ما تشترطه المادة 1004 من القانون المدنى القائم لقبول تعديل أجرة الحكر من مضى ثمانى سنوات على آخر تقدير هو حكم مستحدث وليس فى أحكام الشريعة الإسلامية ولا فى القواعد التى قررها الفقة والقضاء قبل صدور هذا القانون ما كان يقيد طلب تصقيع الحكر بوجوب مضى مدة معينة على آخر تقدير بل إن ما تقضى به أحكام الشريعة هو أن المحتكر تلزمه الزيادة كلما زادت أجرة المثل زيادة فاحشة. ولقد كان من المقرر فى ظل القانون المدنى الملغى أن تقدير ما إذا كان التغيير الذى طرأ على أجرة المثل بلغ الحد الذى يبرر طلب الزيادة أو لم يبلغه من مسائل الواقع التى يستقل بها قاضى الموضوع". (نقض مدني في الطعن رقم 382 لسنة 29 قضائية – جلسة 15/4/1964 مجموعة المكتب الفني – السنة 15 – صـ 556).
        * "القاعدة الصحيحة الواجبة الإتباع فى تقدير أجرة الحكر عند طلب تصقيعة هى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أخذاً من المبادئ الشرعية أن يكون التقدير على إعتبار أن الأرض المحكرة حرة خالية من البناء، وأن لا يلاحظ فيه سوى حالة الصقع الذى فيه الأرض المحكرة ورغبات الناس فيها، وأن يصرف النظر عن التحسين اللاحق بذات الأرض وبصقع الجهة بسبب البناء الذى أقامه المحتكر، وأن لا يكون لحق البناء والقرار الذى للمحتكر تأثيره فى التقدير، و أنه لا محل للأخذ بنظرية "النسبة" التى تقضى بالمحافظة على النسبة بين أجرة الحكر وقت التحكير وقيمة الأرض فى ذلك الوقت، إذ لا أصل لها فى الشريعة الإسلامية، و أن أجرة الحكر يجب أن تكون دائماً هى أجرة المثل. وقد أخذ المشرع بهذه القاعدة و قننها فى المادة 1005 من القانون المدنى". (نقض مدني في الطعن رقم 268 لسنة 36 قضائية – جلسة 5/1/1971 مجموعة المكتب الفني – السنة 22 – صـ 9).
* "تقديم القيمة الإيجارية للأرض المحكرة طبقاً لنص المادة 1005 من القانون المدنى لا يكون إلا على إعتبار أنها حرة خالية من البناء أو الغراس ولا يراعى فيه غير صقع الأرض ورغبات الناس فيها، ولا يجوز أن يتأثر بما للمحتكرين عليها من حق القرار". (نقض مدني في الطعن رقم 442 لسنة 36 قضائية – جلسة 8/4/1971 مجموعة المكتب الفني – السنة 22 – صـ 467).
* "أجرة الحكر ـــ طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية التى رفعت الدعوى فى ظلها ـــ تتغير تبعاً لتغير أجرة المثل متى بلغ هذا التغيير حداً كبيراً زيادة أو نقصاً فهى بطبيعتها قابلة للتغيير". (نقض مدني في الطعن رقم 411 لسنة 37 قضائية – جلسة 13/6/1972 مجموعة المكتب الفني – السنة 23 – صـ 1121 – فقرة 3).
        * "إن ما قرره الشرع والقانون (لائحة الأوقاف) من أن تقدير أجرة الحكر يكون على مثل أرض الوقف يقتضى معرفة ماذا كانت عليه حالة أرض الوقف عند التحكير. والمحتكر هو المكلف بإثبات حالتها تلك القديمة. وقاضى الموضوع متى تحرى وتحقق وقرر للأرض حالة أصلية خاصة، أو متى قدر الخبير لها حالة خاصة وإعتمدها القاضى، وبين فى حكمه علة إعتباره إياها على هذه الحالة الخاصة فى مبدأ التحكير، كان رأيه فى ذلك من مسائل الموضوع التى لا رقابة عليه فيها لمحكمة النقض". (نقض مدني في الطعن رقم 94 لسنة 3 قضائية – جلسة 14/6/1934 مجموعة عمر 1ع  - صـ 439 – فقرة 2).  
* "إن حق القرار الذى للمحتكر لا تأثير له فى تقدير قيمة الحكر، لكن البناء الذى يقيمه المحتكر فى أرض الوقف من شأنه أن يقلل من هذه القيمة وهى أجر المثل، إذا كان له دخل ما فى تحسين صقع الجهة التى فيها أرض الوقف، بحيث إن قاضى الموضوع متى إقتطع من أجر المثل قدراً ما، مقرراً أنه ثبت له أن بناء المحتكر قد زاد فى الصقع بقدر هذه الحطيطة التى يقتطعها، فلا رقابة لأحد عليه". (نقض مدني في الطعن رقم 94 لسنة 3 قضائية – جلسة 14/6/1934 مجموعة عمر 1ع  - صـ 439 – فقرة 3).
* "الدعوى بطلب الزيادة فى مربوط الحكر كالدعوى بأصل الحكر تقدر على إعتبارها دعوى بإيراد مؤبد. فهى دعوى ينطوى فيها بحث ماهية الإستحكار وأثر تغير صقع الأرض المحكرة فى قيمة الحكر المقدر، وأثر فعل المستحكر فى تحسين الصقع، مما هو فى صميم الحكر ومرتبط بأصله". (نقض مدني في الطعن رقم 74 لسنة 8 قضائية – جلسة 26/1/1939 مجموعة عمر 2ع  - صـ 485).
* "إن حكم القانون فى تقدير أجرة الحكر - على ما سبق أن قررته محكمة النقض - هو أنه لا يعتبر فيه بحق البقاء والقرار الذى للمحتكر. فإن حق البقاء والقرار هو فى مقابل أجرة الأرض المحكرة وصاحبه لا يحصل عليه إلا بهذا المقابل، فلا يمكن أن يكون لهذا الحق أثر فى تقدير المقابل له. ومن ثم يكون المحتكر ملزماً دائماً ولا بد بأجرة المثل كاملة غير منقوصة. أما القول بتقدير القيمة على أساس نسبة الثلث إلى الثلثين من قيمة الأرض، على ما ورد فى قانون رسم الأيلولة على التركات، فمحله إنما يكون عند تقدير قيمة حق كل من المحكر والمحتكر بعد أن يكون المحتكر قد حصل على حق البقاء والإستقرار مقابل الأجر سواء لتحصيل الضريبة المستحقة عليهما أو فى حالة إستبدال الأرض المحكرة". (نقض مدني في الطعن رقم 61 لسنة 15 قضائية – جلسة 11/4/1946 مجموعة عمر 5ع – صـ 150).
هذا، والله أعلى وأعلم،،،


( 1 )  السنهوري صـ 931 وما بعدها – مرقس صـ 247 وما بعدها – محمد علي عمران صـ 71. المصدر: "موسوعة الفقه والقضاء والتشريع – أجرة الأماكن القديمة وما طرأ عليها من تخفيضات وزيادات" – للمستشار/ محمد عزمي البكري – الطبعة الثالثة القاهرة – بند 32 – صـ 102 وما بعدها.
( 2 )  العطار – صـ 161 وما بعدها.
( 3 )  وهذا الرأي يسانده ما ذهب إليه قضاء محكمة مصر الابتدائية في 16/3/1955، ومحكمة أسوان الكلية في 17/5/1966 في القضية رقم 155 لسنة 1965 كلي والذي أيدته محكمة استئناف أسيوط في 15/3/1967 في الاستئناف رقم 60 لسنة 41 قضائية والذي رفض زيادة الأجرة لتحسن الصقع في أسوان، لأن القول بذلك يؤدي إلى زيادة الأجرة في جميع أماكن مدن الجمهورية لازدهارها كلها، وبالتالي تعطيل أحكام التشريع الاستثنائي. المصدر: "موسوعة الفقه والقضاء والتشريع – أجرة الأماكن القديمة وما طرأ عليها من تخفيضات وزيادات" – للمستشار/ محمد عزمي البكري – الطبعة الثالثة – طبعة نادي القضاة بالقاهرة – بند 32 – هامش 1 صـ 105.

السبت، 22 يناير 2011

لا يجوز شرعاً الانتحار للاحتجاج على سوء الأوضاع المعيشية

القرضاوي يوضح موقفه من البوعزيزي


قال رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي إنه لم يصدر أي فتوى في موضوع إحراق الشاب التونسي محمد البوعزيزي نفسه، في تحرك كان وراء اندلاع احتجاجات عارمة أطاحت بالرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي.
وقال القرضاوي - في بيان تلقت الجزيرة نت نسخة منه - إنه لم يكتب أي فتوى في الموضوع، ولكنه اكتفى بالتعليق عليه في برنامج "الشريعة والحياة".
وذكر القرضاوي أنه قال في البرنامج نفسه "إني أتضرع إلى الله تعالى، وأبتهل إليه أن يعفو عن هذا الشاب ويغفر له، ويتجاوز عن فعلته التي خالف فيها الشرع الذي ينهى عن قتل النفس".
وأوضح القرضاوي أن الشاب التونسي محمد البوعزيزي - الذي أقدم على إضرام النار في جسده احتجاجا على تعرضه للضرب من لدن شرطية ومنعه من ممارسة نشاط تجاري يعتاش منه - كان في حالة ثورة وغليان نفسي، ولا يملك فيها نفسه وحرية إرادته.
وذكّر القرضاوي بقاعدة شرعية مهمة، وهي أن الحكم بعد الابتلاء بالفعل غير الحكم قبل الابتلاء به، وأوضح أنه "قبل الابتلاء بالفعل ينبغي التشديد حتى نمنع من وقوع الفعل، أما بعد الابتلاء بوقوعه فعلا، فهنا نلتمس التخفيف ما أمكن ذلك".
وبناء على ذلك ناشد القرضاوي شباب العرب والمسلمين - الذين أرادوا أن يحرقوا أنفسهم سخطا على حاضرهم - الحفاظ على حياتهم "التي هي نعمة من الله يجب أن تشكر"، مؤكدا أن من يجب أن يحرق "إنما هم الطغاة الظالمون".
وخلص القرضاوي إلى القول إنه "لدينا من وسائل المقاومة للظلم والطغيان ما يغنينا عن قتل أنفسنا، أو إحراق أجسادنا. وفي الحلال أبدا ما يغني عن الحرام".

السبت، 17 يوليو 2010

حجية أحكام النقض و سلطة محكمة الموضوع في تفسير القانون


حجية أحكام النقض
وسلطة محكمة الموضوع في تفسير القانون
"لما كان يتعين الإشارة بادئ ذي بدء إلى أن الحكم المطعون فيه قد تردى فى خطأ حينما أشار الى أنه يخالف حكم محكمة النقض فى أسبابه لأنه لم يخالف أسباباً ولكنه خالف قضاءً يتضمن فصلا فى مسألة قانونية تتعلق بمدى ولاية هيئة الرقابة الإدارية بالنسبة لرجال السلطة القضائية وقضى فيها بعدم ولايتها بالنسبة لهم وانحسار اختصاصها عنهم وقد اعتنق الحكم المطعون فيه فى رده على الدفع المبدى من الطاعنين فى هذا الشأن مفهوما سائدا بان محكمة الإعادة لا تتقيد بما تنتهي إليه محكمة النقض فانه يتعين القول بأنه إن صح هذا المفهوم بالنسبة إلى تقدير الوقائع والمسائل الموضوعية التي تتمتع محكمة الموضوع بحرية فى تقديرها فإنه بالنسبة للمسائل القانونية فإن الأمر مختلف لأن القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض فى المواد الجنائية ولئن خلا من نص مماثل لما نصت عليه المادة 269 من قانون المرافعات المدنية والتجارية فى فقرتها الثانية من أنه يتحتم على المحكمة التي أحيلت إليها القضية أن تلتزم بما انتهت إليه محكمة النقض فيما فصلت فيه من مسائل قانونية فان هذا المبدأ واجب الإعمال فى المواد الجنائية أيضاً لأنه لا وجه للتفرقة بين ما تفصل فيه محكمة النقض من مسائل قانونية مدنية كانت أو جنائية بل إن وجوب تقيد محكمة الإعادة بما تفصل فيه محكمة النقض من مسائل قانونية فى المواد الجنائية أوجب وألزم لتعلقها بالحريات التي يجب أن تستقر المبادئ التي تحكمها وتكفل حمايتها ولا يتأتى ذلك إلا بالالتزام بما تفصل فيه محكمة النقض من مسائل قانونية ولا يعترض على ذلك بما نصت عليه المادة 44 من القانون 57 لسنة 1959 سالف الذكر من أنه "إذا كان الحكم المطعون فيه صادرا بقبول دفع قانوني مانع من السير فى الدعوى ونقضته محكمة النقض وأعادت القضية الى المحكمة التي أصدرته لنظر الموضوع فلا يجوز لهذه المحكمة أن تحكم بعكس ما قضت به محكمة النقض وكذلك لا يجوز لمحكمة الموضوع فى جميع الأحوال أن تحكم بعكس ما قررته الهيئة العامة للمواد الجزائية بمحكمة النقض" لأن هذا النص قد خلا مما يقيد محكمة الإعادة فى هاتين الحالتين دون غيرهما والقول بغير ذلك تخصيص دون مقتض ولا سند فضلا عن أن ما تضمنه هذا النص لا يعدو فى حقيقته أن يكون من صور الالتزام بما تفصل فيه محكمة النقض من مسائل قانونية والذى يجب أن يعمم على كافة ما تفصل فيه محكمة النقض من هذه المسائل لتلتزم بها محكمة الإعادة وحبذا لو تناول هذه المسائل تعديل تشريعي والقول بغير ذلك مضيعة للوقت والجهد لا طائل من ورائه إلا إطالة أمد التقاضي بغير مبرر فضلا عن مجافاته للعقل والمنطق وتأباه طبيعة محكمة النقض التي هي فى الأصل محكمة القانون، لما كان ذلك وكان يقصد بالمسألة القانونية فى هذا المجال هي تلك المسألة التي تكون قد طرحت على محكمة النقض وأدلت فيها برأيها عن قصد وبصر فاكتسب حكمها قوة الشيء المحكوم فيه بشأنها بحيث يمتنع على محكمة الإعادة عند نظر الدعوى المساس بهذه الحجية، وكان المشرع وإن ناط بالمحكمة الدستورية العليا تفسير القوانين إلا أن ذلك لا يصادر حق جهات القضاء الأخرى فى تفسير القوانين وإنزال تفسيرها على الواقعة المعروضة عليها مادام لم يصدر بشأن النص المطروح تفسير ملزم من السلطة التشريعية أو من المحكمة الدستورية العليا طبقا للأوضاع المقررة فى قانونها بشأن طلبات التفسير وكانت محكمة النقض وهى محكمة لا تعلوها محكمة وبما تقتضيه وظيفتها من تفسير للقوانين قد تصدت لتفسير نصوص القانون رقم 54 لسنة 1964 بشأن الرقابة الإدارية وذلك فى حكمها الصادر فى الدعوى المعروضة بتاريخ 25 من سبتمبر سنة 2002 وقضت بعدم ولاية هيئة الرقابة الإدارية بالنسبة لرجال القضاء وانحسار اختصاصها عنهم وانحصاره فى العاملين بالجهاز الحكومي بالدولة ورتبت على ذلك آثارا سبقت الإشارة إليها فإنها تكون بذلك قد فصلت فى مسألة قانونية حازت قوة الشيء المحكوم فيه فى هذه الدعوى مما كان لازمه ألا تعاود محكمة الإعادة التصدي لهذه المسألة بأي حال من الأحوال بعد أن فصلت فيها محكمة النقض أو تناقش الآثار المترتبة على قضاء محكمة النقض فيها لما فى ذلك من مساس بحجية قضائها فى الدعوى وكان يجب أن يقتصر بحثها فى المسائل التي لا تمس هذه الحجية وغنى عن البيان إن هذا القول لا يصادر حق محكمة الموضوع فى تفسير نصوص القوانين على غير ما تراه محكمة النقض ولكن يكون ذلك فى دعاوى أخرى لأن أحكام محكمة النقض ليس لها طبيعة لائحية وتقتصر حجيتها على حدود النزاع المطروح فى ذات الدعوى بين الخصوم أنفسهم ولا يمتد أثر هذه الحجية الى غيرها، لما كان ما تقدم فانه ودون ما حاجة الى مناقشة الأسباب التي ساقتها محكمة الإعادة وأجهدت نفسها فى البحث عنها وخالفت بها محكمة النقض ما كان لهذه المحكمة (محكمة الإعادة) أن تعاود بحث تلك المسألة مرة أخرى بعد أن قضت فيها محكمة النقض بحكم حاز قوة الأمر المقضي حتى لو صادف الدعوى بعد صدور حكم النقض حكم أو تفسير مغاير من جهة ملزمة لأن حجية الأحكام تسمو على اعتبارات النظام العام، وإذ غاب هذا النظر عن محكمة الإعادة أو خالفته فان ذلك مما يعيب حكمها بمخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه".
( نقض جنائي، في الطعن رقم 27375 لسنة 73 قضائية – جلسة 6/7/2003 – المستحدث من أحكام النقض – صـ 117 )

الخميس، 8 يوليو 2010

إثبات الواقعة السلبية أو إثبات النفي


إثبات الواقعة السلبية – أو إثبات النفي؟!
من الشروط المسلم بها والواجب توافرها في الواقعة محل الإثبات أن تكون "محددة".
فمما لاشك فيه أن تجهيل الواقعة يجعلها غير قابلة للإثبات لأن الإقناع لا ينصب بداهة على أمر غامض أو مبهم. ويرجع ما تقدم إلى أن أساس الإقناع هو الفهم، والفهم لا بد له من الدقة والتحديد ووضوح البيان.
وهو ما يعبر عنه بعض الشراح بقولهم أن الواقعة يجب أن تكون "معينة" أو "محصورة", وهذه كلها مترادفات تؤدي إلي نفس المعني.
وهكذا فإنه إذا كانت الواقعة محددة فإنها تصلح لأن تكون محلاً للإثبات, ويستوي في هذا أن تكون واقعة إيجابية أو أن تكون واقعة سلبية.([1])
فإثبات عقد أو إثبات فعل ضار كمصدر للحق هو إثبات لوقائع إيجابية, أما الوقائع السلبية المحددة فيمكن إثباتها بإقامة الدليل على واقعة إيجابية منافية لها([2]), ذلك أن كل واقعة سلبية محددة تتضمن واقعة إيجابية مضادة لها وإثبات الواقعة السلبية  إنما يكون بإثبات الواقعة الإيجابية المضادة لها.
وعلي ذلك فالواقعة محل الإثبات هي الواقعة المحددة دون الواقعة غير المحددة التي لا تصلح لأن تكون محلاً لأي إثبات ومن أمثلة الوقائع غير المحددة:
-   أن يدعي أحد الأشخاص الملك المطلق (أي دون بيان سبب التملك) أو يقول أنه مالك بعقد ولا يحدد ماهية ذلك العقد هل هو عقد شراء أم هبة ...الخ
-        أو أن يدعي أحد الأشخاص مرض الموت دون أن يبين ماهيته
-        أو أن يدعي وضع اليد دون أن يحدد عنصره الزمني أي مدته وتاريخ بدايته.
فمثل هذا الغموض كفيل بان يجعل الإدعاء مستعصياً على الإثبات ويؤدي بالتالي إلى رفض الدعوى لعدم إثبات المُدعي لدعواه.([3])
وإلى هنا نجد أن هذا الشرط لا صعوبة فيه بل ويكاد أن يكون بديهياً.
وحقيقة الأمر أن البلبلة إنما ثارت بسبب ما تردد في بعض المؤلفات من أن "إثبات النفي" مستحيل، لأن النفي أمر غير محدد.
وهذا الرأي ناتج عن خطأ وقع فيه بعض الشراح في فهم كلمة "النفي", حيث لم يفهمونها على معناها الحقيقي وهو الإنكار بل فهموها علي معني الأمر السلبي أو الواقعة السلبية.([4])
ولعدم الوقوع في هذا الخطأ في الفهم يجب الاحتفاظ بالفرق بين تقسيم الوقائع إلى إيجابية وسلبية وتقسيمها – أي الوقائع – إلى محددة ومطلقة, فليست كل واقعة إيجابية محددة, كما لا تعني سلبية الواقعة أنها دائمة مطلقة.([5])
وفي هذا الصدد ذهب الدكتور عبد الودود يحي إلى القول بأن إثبات العقد أو الفعل الضار هو إثبات لوقائع إيجابية أما الوقائع السلبية المحددة فيمكن إثباتها بإقامة الدليل على واقعة إيجابية منافية لها،([6]) فإن صعوبة الإثبات لا تكمن في كون الواقعة سلبية ولكن تكون الصعوبة إذا كانت هذه الواقعة تتضمن إدعاءً مطلقاً أو مُجهلاً, وذلك لا يقتصر على الواقعة السلبية فحسب بل يمكن للواقعة الإيجابية أيضاً أن تتضمن إدعاءً عاماً مجهلاً وهنا لا تصح هذه الوقائع أن تكون محلاً للإثبات([7]). ولذلك فإنه يشترط في الواقعة التي تكون محلاً للإثبات أن تكون واقعة محددة سواء أكانت واقعة إيجابية أم سلبية.
ومع ذلك يجب أن نلاحظ أن الفهم الصحيح للمسألة هو أن من ينكر لا يجوز أن يكلف بدليل لأن وضعه هو الوضع الطبيعي والمألوف, ومن يدعي عكس هذا الوضع هو الذي يجب أن يدعم ادعاءه ويأتي ببرهانه حيث أن البينة – أي الدليل – على من ادعي خلاف الظاهر.
ولقد استغل البعض هذا الفهم الصحيح للمسألة في اتجاه آخر, أو غم عليهم, فذهبوا إلى أن من أقام إدعاء بواقعة سلبية لا يلتزم بالإثبات بل يفترض صحة ادعائه.([8])
وهذا فهم خاطئ للمسألة حيث أنه وبحسب الأصل إذا كان الإنكار يصلح وسيلة للدفاع إلا أنه لا يصلح وسيلة للدعوى (أي للإدعاء).([9])
ولئن كانت بعض هذه التفسيرات الخاطئة سالفة البيان قد شاعت حيناً من الدهر إلا أن الفقهاء قد تنبهوا إليها منذ زمن طويل([10])،([11]) وردوا الأمور في خصوصها إلى الوضع الصحيح وهو أن الواقعة السلبية كالواقعة الإيجابية قابلة للإثبات ما دامت محددة ومن ثم يجب على من يدعيها إقامة الدليل عليها.([12])
وإذا كان البعض لا يتصور كيف تثبت واقعة سلبية فإنه وكما أسلفنا فإن هذا يكون عن طريق إثبات واقعة إيجابية مضادة لها([13]) حيث أن كل واقعة سلبية تتضمن وبالضرورة واقعة إيجابية مضادة لها([14]) ntitheses immediate une a
فعلى سبيل المثال إذا أدعي عمرو بأن زيداً أحدث به إصابة وسأله عن تعويضها, وأراد زيد أن يثبت أنه لم يكن موجوداً في مكان الحادث حين وقوعه (وهذه واقعة سلبية) فإنه يستطيع إثبات هذه الواقعة عن طريق إثبات واقعة إيجابية مضادة لها, وذلك بأن يثبت أنه كان حينئذ موجود في مكان آخر, وهذا يؤكد أنه لم يكن موجودا في مكان الحادث وقت وقوعه وهي الواقعة السلبية محل الإثبات.([15])
وهذه الطريقة مألوفة في الإثبات وشائعة في القضايا الجنائية بوجه خاص ويسمونها في الاصطلاح ALIBI أي إثبات وجود المتهم في غير مكان الجريمة([16])، ومع ذلك وكما رأينا فهي معروفة أيضاً في المسائل المدنية.
وعلى هذا فمن الخطأ أن يقال أن إثبات الوقائع السلبية مستحيل وأنه لهذا لا يجوز التكليف به, بل أن القانون نفسه يتطلب أحياناً إثبات وقائع سلبية. وعلي سبيل المثال وفي باب استرداد ما دفع بغير وجه حق يلزم أن يثب طالب الرد أنه لم يكن مدينا بما دفعه, أي بما يبغي استرداده.([17])
وكذلك فقد يقتضي المنطق ذاته وجوب إثبات الواقعة السلبية في أحيان أخرى, ومن أمثلة ذلك أن من تحدى بحق معلق على شرط ينطوي على واقعة سلبية, فإنه يلتزم بإثباتها.
لهذا فإنه ومتى تعهد موظف مثلاً بأن يأجرك منزله بالقاهرة أن لم ينقل إليها في تاريخ معين فأردت أن تثبت أنه لم ينقل إليها, فإن إثبات هذه الواقعة السلبية يكون جائزاً وميسوراً من ناحية, وواجب عليك من ناحية أخري.
ومن أمثلة ذلك أيضاً أن من يدعي أن حكماً ما قد أصبح نهائياً يجب أن يثبت أنه قد أعلن للخصم, وأن هذا الخصم لم يطعن فيه ويحصل هذا عادة بالحصول على شهادة (من قلم كتاب المحكمة المختصة) بعدم حصول الطعن.
وثمة حجة أخرى يضيفها الشراح وهي تتلخص في أنه حتى إذا كان إثبات الواقعة السلبية مستحيلاً فإن هذه الاستحالة التي يجد المدعي فيها نفسه لا تبرر إعفائه من الإثبات وتحميل خصمه به.([18])
وهكذا فإن كون الواقعة سلبية ليس من شأنه إعفاء مدعيها من الإثبات أو منعه من الإثبات, بل يباح له ويطلب منه إثباتها, فإن أخفق فلا يكون ذلك داعياً إلى تحميل خصمه بالإثبات, بل أنه يكون مدعاة لرفض دعواه.
ويفهم مما تقدم، في إطار أن إثبات النفي لا يكون مستحيلا, إلا إذا كان من قبيل النفي المطلق ـ على حد تعبير محكمة النقض – أو النفي الصرف. ومرد ذلك في حقيقة الأمر ليس إلى كون الواقعة سلبية, ولكن إلى كون الواقعة غير محددة INDEFINI ومثال ذلك أن يدعي شخص أنه لم يقترض أي مبلغ من المال طوال حياته. فمثل هذه الواقعة لا يمكن إثباتها, ليس لكونها واقعة سلبية, ولكن لكونها واقعة غير محددة.
ويخلص لنا مما تقدم أن استحالة الإثبات في الفروض السابقة ترجع إلى كون الواقعة غير محددة لا إلى كونها سلبية أو إيجابية([19]). لذلك فإنه يصبح أمراً بديهيا عدم تصور أن تكون مثل هذه الوقائع محلا لنزاع قضائي أو أن ترفع بشأنها دعوى.([20])
مواجهة الصعوبات العملية في إثبات الوقائع السلبية:
إلا أننا إذا ما خلصنا إلى أن من يدعي واقعة سلبية يجب عليه إثباتها بحكم كونه مدعيا, لا نلبث أن نجد أنفسنا إزاء الصعوبات العملية التي يجدها مدعي الواقعة السلبية في إثباتها, لذلك فإن الشراح ينصحون القضاة عندئذ بأن يتلطفوا معه في شأنها, وألا يكلفوه من أمره عسراً([21]). أي أن منطق الأمور والحال كذلك أن يقنع القضاة في هذا المجال من المدعي بالتبعيض في الإثبات وأن يسبغوا له استبدال محل الإثبات بإثبات واقعة مقاربة للواقعة المدعاة دون الواقعة المدعاة نفسها, وأن يلجئوا إلى طريق الموازنة والترجيح, ويقفوا عند حد الاحتمال القوي أو الظن الغالب.
لذلك وإزاء صعوبة إثبات الواقعة السلبية, فإن قضاة الموضوع عادة ما يكونون أكثر تساهلاً مع المدعي, فيكتفون بما لهم من سلطة في تقدير الدليل بما يقدمه هذا الأخير بما يجعل ادعاءه بالواقعة السلبية قريب الاحتمال لينقلوا على عاتق الطرف الآخر عبء إثبات العكس.([22])
التمسك بالوضع العادي للأمور واشتباهه بالواقعة السلبية:
ثمة حالات قد يتوهم الباحث إزاءها أن المدعي يتحدى بواقعة سلبية مما يقتضي تكليفه بإثباتها, مع أننا لو تأملنا هذه الحالات لوجدنا أن المدعي يتمسك فيها بالوضع المعمول به في توزيع عبء الإثبات أو ما يسميه بعض الشراح "القرينة الطبيعية".
لذلك فإذا رفع المدعي دعواه بالاستناد إلى تلك "القرينة الطبيعية" فإنه فيُعفى من الإثبات, بل يكلف بذلك خصمه إذا نازعه في دعواه, مع أن مركز ذلك الخصم في الدعوى هو مركز المدعي عليه. فإذا كان ثمة وضع طبيعي يتمسك به المدعي ويرفع دعواه بطلب تقرير حق له على أساس قيام ذلك الوضع, والمُفترض بقاء ما كان على ما كان. فإذا نازع المدعى عليه في ذلك لزمه إثبات ما يدعيه: لأنه – وإن كان مدعى عليه في القضية – إلا أنه من وجهة الإثبات يعتبر مدعياً لأمر مخالف للأصل.([23])
ومن أمثلة اشتباه التمسك بالوضع الثابت أصلا بالوقائع السلبية ما يحدث عادة في مجال الجزاءات المطبقة في عقود العمل والجزاءات الإدارية من اعتبار ادعاء العامل أو الموظف بعدم ارتكابه خطأ من قبيل الوقائع السلبية التي يقع عليه عبء إثباتها, بينما أن حقيقة الأمر أن العامل أو الموظف الإداري, وبحسب الأصل, يفترض في شأنه عدم ارتكاب الخطأ واستصحاب سلامة الأداء..
أ- حالة انعدام المبرر في فسخ عقد العمل:
في حالة العامل الذي يرفع دعوى علي صاحب العمل طالباً التعويض عن فسخ عقده على أساس أن هذا الفصل لم يكن له مبرر, لذلك فقد يذهب البعض إلى القول بأن الإدعاء بانعدام المبرر هو إدعاء بواقعة سلبية! فإن صح هذا كان الواجب تحميل العامل بإثباتها لأنه هو المدعي.
لكن الواقع وصحيح القانون على خلاف التصور السابق: ذلك أن الأصل والوضع الطبيعي للأمور هو انعدام الخطأ في جانب أي شخص: فإذا رفع العامل دعواه مستنداً إلى هذه القرينة الطبيعية, وهي عدم وجود خطأ من جانبه فإنه لا يكون مكلفاً بالإثبات, لا على أساس أن الواقعة التي يدعيها واقعة سلبية, وإنما على أساس أنه يتمسك بالوضع الطبيعي, وهو الأصل. فإذا نازعه خصمه في ذلك فمعني هذا أنه يدعي أن هذا الأصل قد جدت واقعة على خلافه, وحينئذ ينقلب المدعي عليه (في الدعوى) مدعياً (للواقعة) التي تخالف الأصل, ويترتب على ذلك أن يكون هو المكلف بإثباتها.([24])
ب ـ حالة الجزاءات الإدارية:
كذلك من الحالات التي يختلط فيها الأمر بشأن تحديد محدودية الواقعة وبين ما إذا كانت ممكنة الإثبات من عدمه بالنظر إلى كونها واقعة سلبية "حالة الجزاءات الإدارية".([25])
والأمر في شأن الجزاءات الإدارية يتعلق بتلك الجزاءات التي يخول القانون للإدارة توقيعها دونما حاجة إلى اللجوء إلى القضاء. ويؤدي ذلك إلي جعل من وقع عليه الجزاء في موقف المدعي دائماً إذا ما تظلم, وبالتالي فهو المكلف بإثبات أنه لم يرتكب ما يستوجب الجزاء, وهذا من قبيل الواقعة السلبية.
وقد دعا ذلك بعض الشراح إلى استنكار هذا الوضع بالنظر إلى أن هذا تكليف للمدعي بإثبات أمر سلبي, وهو ما لا يجوز.
والواقع أن هذه الحجة غير صحيحة طبقاً لما أسلفناه, ذلك لأنه لو كان المتظلم مدعياً بواقعة سلبية لما كان هناك ثمة ما يمنع من تكليفه بإثباتها, بل لوجب ذلك. والحقيقة أنه يتمسك بالأصل وبالقرينة الطبيعية والتي تقول بأن الأصل هو عدم نسبة الخطأ للإنسان. وبالتالي فإذا كانت جهة الإدارة هي التي تدعي خلافاً للأصل (بتوقيعها الجزاء عليه), فإن عليها أن تثبت ذلك.
والقول بغير ذلك مؤداه الانحدار إلى قبول أن الأصل في الإنسان الخطأ, أي أن تصبح القرينة الأصلية هي قرينة الإجرام وانشغال الذمة, لا قرينة البراءة وبراءة الذمة, وهو ما لا يستسيغه منطق: لأن الأصول يجب أن تطابق المعقول, ولولا ذلك لما اعتبرت أصولا.
وقد تواتر قضاء محكمة النقض على أنه:
تنص المادة الأولى من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 على أنه على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه، فالأصل هو براءة الذمة وانشغالها عارض ويقع عبء الإثبات على عاتق من يدعى خلاف الثابت أصلاً مدعياً كان أو مدعى عليه.
       (نقض مدني في الطعن رقم 916 لسنة 48 قضائية، جلسة 26/12/1983، مجموعة المكتب الفني، السنة 34، صـ 1098، فقرة 3).
هذا، والله أعلى وأعلم،،،


(1) من أمثلة الوقائع الإيجابية ادعاء شخص بأنه يقابل آخر كل يوم طيلة حياته. ومن أمثلة الوقائع السلبية ادعاء شخص آخر بأنه لم يقابل الآخر بالمرة. وأشار إلى هذه الأمثلة: محمود جمال الدين زكي، صـ 291، بند 277 نقلا عن ريبيو وبولانجيه، وعن جلاسون وتيسيه.
([2]) عبد الودود يحي، الموجز في قانون الإثبات، عام 1987، صـ 13.
([3]) أنظر في تفصيل هذه الأمثلة وأمثلة أخري, وجيز السنهوري، وتعليقات دالوز على المادة 253 مرافعات، دالوز العملي والربراتوار الحديث في هذا المقام.
([4]) يرجع السر في هذه البلبلة إلي خطأ أنزلق إليه بعض الشُراح GLOSSATEURS في تعليقهم على بعض النصوص اللاتينية التي تقرر أن من أنكر AUI NEGQT ليس عليه دليل, أي أنه من اكتفي بنفي الواقعة المدعي بها عليه لا يكلف بتقديم دليل يؤيد إنكاره. راجع في هذه النصوص اللاتينية: وجيز أكاريا (في القانون الروماني وشرح النظم لجستنيان)، جـ 2، صـ 402، وهامش 4 صـ 905، بند 776، هامش 2، وقد فند في هامشيه مزاعم هؤلاء الشراح, وأنظر أيضاً مبسوط بودري، التزامات، جـ 3، بند 2065 وكذا بوجه خاص وجيز كولان وكابيتان، جـ 1، صـ  99 وهامش 1. وجلاسون، جـ 3، صـ 664 بند 596 وقد أشار إلى أن بونيه سبق له التنبيه لهذا الخطأ.
([5]) محمد شكري سرور، موجز أصول الإثبات في المواد المدنية والتجارية، عام 1986، بند 17، صـ 31.
([6]) عبد الودود يحي، الموجز في قانون الإثبات، عام 1987، صـ 13.
([7]) أحمد عبد العال أبو قرين، الجامع في أحكام الإثبات في المواد المدنية والتجارية، 1990 – 1991، صـ 20.  
([8]) أنظر لوران، جـ  19، صـ 93، بند 95. وأنظر جلاسون، جـ 3، صـ 665، وقد استند البعض في تبرير ذلك إلى أحد النصوص اللاتينية الثلاثة المشار إليها وهو الخاص بالدفع بعدم استلام النقود وعدها وبيان ذلك أنه إذا حدث أن الواعد بالقرض لم يسلم المبلغ إلى الموعود ورفع عليه مع ذلك دعوى يطالبه فيها بالسداد بناء على تعهده بالرد, فقد أجيز للموعود بالقرض أن يدراً عن نفسه المطالبة بان يبدي الدفع المسمي دفع عدم استلام النقود وعدها, وكان إبداؤها له كافياً ما دام قد تمسك به في بداية دفاعه فلم يكن إذن محتاجاً إلى إقامة الدليل على عدم صحة استلامه للنقود بل كان يفترض إنه لم يتسلمها إلى أن يقيم خصمه الدليل على استلامه لها (قارن هذا في القانون الحديث بالسبب إذا لم يذكر في العقد) والواقع أن القانون الروماني يقيم هنا قرينة الغش الذي كان الإثبات فيه على المدين فكأن عد النقود كان يعتبر من عناصر إتمام العقد. ولا شك في أن هذا كان خروجاً علي القواعد العامة إلا إنه قد اقتضاه شيوع ذلك النوع من التحليل (أنظر ديديه بلهبه، أستاذ من جرنيوبل، في كتابه القانون الروماني، جـ 2، صـ 113 وما بعدها، واكاربا، جـ 2، بند 581، صـ 401. وجلاسون، جـ 3، بند 596، صـ 64. وقد ذكر أن هذا الدفع لم يؤخذ به في القانون الفرنسي, أن لوازيل قد أنكره (في القاعدة 6 من الباب 2 من الكتاب الخامس من مؤلفه في العادات).  
([9]) حيث سنوضح فيما بعد وجود حالات استثنائية يكون فيها الإنكار صالحاً لإقامة دعوى أصلية كما هو الحال بالنسبة لدعوى إنكار الارتفاق.
([10]) يري بعض الشراح أن الذين خلطوا بين الأمر السلبي والإنكار بمعني النفي لم يخطئوا عن جهل وإنما عن عمد (رأي الفقيه ليسونا، في صادق فهمي، صـ 213 وهامش 1)، فاستعملوا هذه النصوص في غير معناها الصحيح ليجعلوا منها تكئة لبعض آرائهم. ولعل هذا ا يفسر أن أرتول وهو من شيوخهم لم يقع في هذا الخطأ بل أشار بوضوح إلى الرأي الصحيح (أنظر بوردي ص 427 هامش 2).
([11]) كولان وكابيتان، جـ 1، صـ 99، هامش 1. وجلاسون، صـ 655 وأشار إلى بونيه طبعة خامسة، بند 39 ومبسوط بودري، وأنظر أيضاً لوران، جزء 91، بند 95 حيث يقرر أن خطأ تفسير الشراح لهذه النصوص الرومانية قد أقره جميع الشراح.
([12]) نقض فرنسي (عرائض) 21 نوفمبر 1826, أورده جلاسون، صـ 664، دالوز العلمي (إثبات)، بند 38، وربر دالوز والهجائي العتيق (R) تحت كلمة إثبات، بند 20 أولاً. وأنظر أيضاً نقض فرنسي 12 نوفمبر 1956 دالوز الدوري 1857-1- 59 ومبسوط بلانيول، التزامات ثان، صـ 754 وهامش 4. وأنظر كذلك نقض مصري 26 يناير 1950 في الطعن رقم 84 لسنة 18 قضائية.  
([13]) لوران، 19، بند 95. ومبسوط بلانيول، التزامات ثان، صـ 755، بند 1416. وأديري، 12، خامسة، صـ 82، فقرة 749 عند هامش 14. ومبسوط بودري، التزامات ثالث، صـ 427 عند هامش 2 بها.
([14]) أحمد عبد العال أبو قرين، الجامع في أحكام الإثبات في المواد المدنية والتجارية، عام 1990، صـ 19.
([15]) أنظر لوران، 19، صـ 93. حيث يقول: وأني أثبت أنك لست بلجيكياً بإثبات أنك فرنسي أو بأنك قد فقدت صفتك كبلجيكي، ومثله مبسوط بودري، التزامات ثالث، صـ 427 عند هامش 2 بها.
([16]) وفي ذلك قضت محكمة النقض الجنائي بأنه: "لا يصح أن تقام الإدانة على الشك والظن، بل يجب أن تؤسس على الجزم واليقين. فإذا كان المتهم قد تمسك في دفاعه بأنه لم يحضر الحادث الذي أصيب فيه المجني عليه إذ كان وقتئذ بنقطة البوليس وأشهد على ذلك شاهداً فلم تأخذ المحكمة بهذا الدفاع دون أن تقطع برأي في صحة شهادة ذلك الشاهد أو كذبها مع ما لهذه الشهادة من أثر في ثبوت التهمة المسندة إلى المتهم لتعلقها بما إذا كان موجوداً بمكان الحادث وقت وقوعه أو لم يكن فإن حكمها يكون معيباً. الطعن رقم 442 سنة 20 قضائي، جلسة 16/10/1950.
([17]) أوبري ورو, ط خامسة، 12، صـ 83 عند هامش 16. وجوريس كلاسير، مدني، مادة 1315، بند 60 ومراجعه. لوران، جـ 19، صـ 94 ومراجعه. وكابيتان، صـ 478، بند 719. ومبسوط بلانيول العملي, التزامات، جـ 2، صـ 755 هامش 2.
(18) ودالوز العملي، تحت كلمة "إثبات"، بند 38 ومراجعه. ومبسوط بودري، التزامات، جزء ثالث، بند 2066. ومبسوط بلانيول، التزامات، جزء ثان، صـ 755.
([19]) فإطلاق الواقعة هو الذي يؤدي إلى جعلها مستحيلة في مقام الإثبات. وسنري أن الاستحالة تجعل الواقعة غير جائزة القبول في مجال الإثبات.
([20]) مبسوط بلانيول, التزامات, جـ 2، صـ 754 هامش 4. وتعليق روسو في سيري، عام 1922, 2, 73.
([21]) دالوز العملي، تحت كلمة إثبات، بند 38 ومراجعه. ومبسوط بلانيول, سابق الإشارة إليه, صـ 755 وهامش 4.
([22]) محمد شكري سرور, موجز أصول الإثبات في المواد المدنية والتجارية, 1986، صـ 32. قارن ذلك بالمبدأ الذي تطبقه محكمة النقض في شأن تيسير إثبات الإخلال بتنفيذ الالتزام ببذل عناية, الطعن رقم 111 لسنة 35 قضائية، جلسة 26/6/1969 حيث قضت بأنه: "لئن كان مقتضى اعتبار التزام الطبيب التزاما ببذل عناية ـ خاصة أن المريض إذا أنكر على الطبيب بذل العناية الواجبة ـ فإن عبء إثبات ذلك يقع على المريض. إلا أنه إذا أثبت المريض واقعة ترجح إهمال الطبيب كما إذا أثبت أن الترقيع الذي أجراه له جراح التجميل في موضع الجرح والذي نتج عنه تشويه ظاهر بجسمه لم يكن يقتضيه السير العادي لعملية التجميل وفقا للأصول الطبية المستقرة، فإن المريض يكون بذلك قد أقام قرينة قضائية على عدم تنفيذ الطبيب لالتزامه فينتقل عبء الإثبات بمقتضاها إلى الطبيب ويتعين عليه لكي يدرأ المسئولية عن نفسه أن يثبت قيام حالة الضرورة التي اقتضت إجراء الترقيع والتي من شأنها أن تنفى عنه وصف الإهمال".
([23]) مثال ذلك دعوى إنكار الارتفاق وفيها يدعي مالك عقار ضد مالك عقار مجاور له بأن عقاره غير محمل بارتفاق للعقار المجاور ويطالب بالحكم له بذلك في مواجهة المدعي عليه. وفى هذه الحالة جري القضاء على أن المدعي غير مكلف بإثبات مما يدعيه من خلو عقاره من الارتفاق بل يكون المدعي عليه هو المكلف بإثبات ارتفاقه أن كان يدعي من ذلك شيئاً. فهل إعفاء المدعي من الإثبات في هذه الحالة يرجع إلى أن الواقعة التي يدعيها سلبية؟ والحقيقة أن التبرير الصحيح لذلك هو: أن الوضع الطبيعي للأمور هو خلو الأعيان من الأعباء فالمدعي إنما يقرر أمرا مطابقا للوضع الطبيعي، ولذلك لا يكلف بإثباته. فإن كان المدعي عليه لا ينازعه في ذلك وجب الحكم له بما طلب: لأن القاضي حينئذ لا يفعل أكثر من تقرير الأمر. أما إذا نازعه المدعي عليه فإن معنى ذلك أن هذا المدعي عليه (في الدعوى) يدعي أمرا على خلاف الأصل (الذي يتمسك به المدعي) – فينبغي عليه إثباته.
([24]) وفي مسألة أخري، وهي مدى استحقاق التعويض عند تحقق الشرط الجزائي، قضت محكمة النقض بأنه: "تنص الفقرة الأولى في المادة 224 من القانون المدني على أن "لا يكون التعويض الاتفاقي مستحقاً إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر" ووجود الشرط الجزائي في العقد يفترض معه وقوع الضرر إلا إذا أثبت المدين عدم وقوعه لأن هذا الشرط ينقل عبء الإثبات من عاتق الدائن إلى عاتق المدين". وذلك في الطعن رقم 1293 لسنة 54  قضائية، جلسة 16/3/1986.
([25]) أنظر رسالة: باكتيه، في الإثبات أمام القضاء الإداري, رسالة من باريس 1952, بند 57، صـ 90.