الجمعة، 8 مايو 2009

بحث في الشرط الجزائي - الجزء الثاني

فرع ثان

الشرط الجزائي في ميزان الشريعة الإسلامية

أولاً- في فقه أهل السُنة والجماعة:

ورد في الأثر، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... المسلمون على شروطهم، إلا شرط حرم حلالاً أو أحل حراماً". (رواه الترمذي).([1])

فدل هذا الحديث على صحة جميع الشروط التي يبرمها المتعاقدون، ولا يُستثنى منها إلا ما حرم حلالاً، أو أحل حراماً.([2])

وقد روى "البخاري" في صحيحه، في باب ما يجوز من الاشتراط وما لا يجوز، عن محمد بن سيرين أنه قال: "قال رجل لكريه (لناقله) رحل ركابك (أي شد على دوابك استعداداً للسفر)، فإن لم أرحل معك في يوم كذا وكذا، فلك مائتا درهم؛ فلم يخرج، فقال "شريح" القاضي: من شرط على نفسه طائعاً غير مُكره، فهو عليه".

فهذا التابعي الجليل يحكم في هذه المسألة، وهي صريحة في أنها من أنواع الشروط الجزائية، بالصحة ووجوب النفاذ، فهي واضحة الدلالة على أنه إذا التزم أحد طرفي العقد عند التعاقد أن يدفع للطرف الآخر مقداراً مُعيناً من المال إن لم يقم بتنفيذ العقد، وكان صادراً عن رضاء واختيار، فإن التزامه يكون صحيحاً ويجب العمل بمُقتضاه.([3])

فالأصل في الشروط الصحة وأنه لا يُحرم منها ويبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصاً أو قياساً.

وفي هذا الصدد يقول ابن القيم: "هاهنا قضيتان كليتان من قضايا الشرع الذي بُعِثَ بها رسوله:

أحدهما: أن كل شرك خالف حكم الله، وناقض كتابه فهو باطل كائناً ما كان.

والثانية: أن كل شرط لا يُخالف حكم الله، ولا يُناقض كتابه، وهو ما يجوز تركه وفعله بدون الشرط، فهو لازم للشرط.

ولا يُستثنى من هاتين القضيتين شيء، وقد دل عليهما كتاب الله وسنة رسوله واتفاق الصحابة" (انتهى).

فإذا كان الشرط الجزائي يحفظ لصاحب الحق حقه، ولا يُحل حراماً، ولا يُحرم حلالاً، فهو بذلك من الصنف الثاني. ويبقى الحال معه كقول عائشة رضي الله عنها عندما سُئِلَت عن "الشعر"، فقالت: "هو كلام، حلاله حلال، وحرامه حرام".([4])

وقد طلبت الحكومة السعودية من هيئة كبار العلماء الفتوى الشرعية بشأن جواز النص على الشرط الجزائي من عدمه، وقد أصدرت هيئة كبار العلماء فتواها في دورتها الخامسة المُنعقدة في الفترة من 5 : 22 من شهر شعبان عام 1394 هجرية بمدينة الطائف، وقد جاء فيها: "... في القول بتصحيح الشرط الجزائي سد لأبواب الفوضى والتلاعب بحقوق عباد الله. وسبب من أسباب الحفز على الوفاء بالعهود والعقود تحقيقاً لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود"، لذلك فإن المجلس يُقرر بالإجماع أن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح مُعتبر يجب الأخذ به، ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يُعتد به شرعاً، فيكون العذر مُسقطاً لوجوبه حتى يزول. وإذا كان الشرط الجزائي كثيراً عرفاً بحيث يُراد به التهديد المالي، ويكون بعيداً عن مُقتضى القواعد الشرعية، فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف، على حسب ما فات من منفعة أو لحق من مضرة، ويُرجع في تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر عملاً بقوله تعالى: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"، وقوله سبحانه: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى"، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضِرار". (انتهى).([5])

وتحريم الشرط (شرعاً) إذا كان مُفضياً إلى الربا:

إلا أن الشرط الجزائي يُحرم شرعاً إذا كان مُفضياً إلى الربا، وذلك بأن يكون محل الالتزام الأصلي مبلغاً من المال، والتزم المدين بأن يدفع للدائن مقداراً مُعيناً من المال إذا تأخر عن الوفاء بالدين أو الالتزام الأصلي في الوقت المُحدد للوفاء، وهو ما يُسمى في القانون الوضعي بـ "فائدة التأخير"، فإن هذا الشرط الجزائي لا يكون صحيحاً ولا يجوز العمل بمُوجبه (شرعاً) لأن هذه الفائدة أو التعويض الاتفاقي تكون "ربا"، والشريعة الإسلامية لا تجيزه ولا تقره بحال.([6])

فإذا كانت المماطلة في السداد من جانب المدين القادر محرمة شرعاً، لما ورد في الأثر من أن: "مطل الواجد ظلم"؛ إلا أن فرض غرامات على المدين المتأخر في السداد هي ربا محرم شرعاً، فيحرم فرض غرامات تأخير على من يتأخر في السداد، لأنها رباً مُحرم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء". (رواه مسلم).

ثانياً- في فقه الشيعة:

عرف فقه الشيعة الإمامية الشرط الجزائي في عقد الإجارة، فقد جاء في كتاب "من لا يحضره الفقيه" من كتب الشيعة الإمامية ما يلي:

روى منصور بن يونس عن محمد الحلبي قال: "كنتُ قاعداً إلى قاض وعنده أبو جعفر (الإمام "الباقر" عليه السلام) جالس، فجاءه رجلان فقال أحدهما: إني تكاريت (استأجرت ناقل) إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعاً إلى بعض المعادن (المدن)، فاشترطتُ عليه أن يُدخلني المعدن (المدينة) يوم كذا وكذا لأنها سوق أخاف أن يفوتني، فان احتبستُ عن ذلك حططت من الكراء (أجرة النقل) لكل يوم احتبستُه كذا وكذا، وأنه حبسني عن ذلك اليوم كذا وكذا يوماً؟ فقال القاضي: هذا شرط فاسد، وفّهِ كراه (وفيه الأجرة كاملة)". فلما قام الرجل أقبل إلى أبو جعفر (عليه السلام) فقال: شرطه هذا جائز ما لم يُحِط بجميع كراه (أجرته)".([7])

فلم تكن خصوصية لعقد الإجارة في صحة الشرط الجزائي، فيكون الشرط الجزائي صحيحاً في جميع العقود إن لم يكن هناك نهي عنه، هذا بالإضافة إلى الحديث الصحيح: "المسلمون عند شروطهم" فإذا اشترط المشتري لبضاعة أنّ أيّ تأخير يحصل في تسليم البضاعة يستوجب نقصان قيمة (ثمن) البضاعة بمقدار 10% من الثمن الأصلي، أو أن البضاعة إذا تأخّرت شهراً عن الأجل المُحدد نقصت قيمة (ثمن) البضاعة 10% من الثمن الأصلي، فان تأخرت شهرين نقصت 20%، فان هذا الشرط يكون صحيحاً ونافذاً حسب قاعدة "المؤمنون عند شروطهم" وما لم يُحط بجميع السعر (الثمن) حسب "ما لم يحط بجميع كراه" أي بحيث لا يكون مُؤداه اشتريت البضاعة بلا ثمن.

أما إذا اشترط أنه إذا تأخر عن تسليم البضاعة في الوقت المحدد فينقص الثمن (ولم يُحدد النقصان) ففي هذه الصورة تبطل المُعاملة لجهالة الثمن على تقدير التأخير.

وعلى التحقيق فإننا نستثني من صحة الشرط الجزائي في البيوع ما إذا كان الثمن نسيئة أو الثمن مُؤجلاً (كلياً في الذمة) لما ثبت من أن بيع النسيئة الذي يكون الثمن في ذمة المشتري لا يجوز فيه تأجيل الثمن وتأخيره في مقابل المال لأنه داخل في الربا.([8])

الخلاصة الشرعية:

يجوز شرعاً أن يكون الشرط الجزائي في جميع العقود المالية ما عدا العقود التي يكون الالتزام الأصلي فيها ديناً (مبلغاً من النقود)، فإن هذا من الربا الصريح، وبناء على هذا لا يجوز الشرط الجزائي مثلاً في البيع بالتقسيط بسبب تأخر المدين عن سداد الأقساط المُتبقية سواء كان بسبب الإعسار، أو المُماطلة.

مع التنبيه على عدة أمور:

الشرط الجزائي، كسائر الشروط التي يجوز إسقاطها مجانا أو بعوض؛ لأنه حق للشارط، فله أن يرفع يده عنه.

يثبت الشرط الجزائي في ذمة المشروط عليه بمُجرد تخلفه عن الوفاء بما تعهد به، ويجوز للشارط إجباره على أدائه عند الامتناع، ويثبت له الخيار في الفسخ إذا أمتنع عن الأداء. والظاهر أن خياره غير مشروط بتعذر إجباره، بل له الخيار عند مُخالفته وامتناعه حتى مع التمكن من الإجبار.

لا فرق في ثبوت الشرط الجزائي، عند عدم قيام المتعهد بإجراء ما تعهد به، بين إخلاله بأصل النفع المُستهدف للشارط وبين تأخيره في ذلك؛ فلو اشترطت امرأة على رجل في ضمن عقد لازم أن يتزوج بها في زمان معين وإلا كان عليه كذا من المبلغ، فسواء لم يتزوج المشروط عليه بها أصلا أو تأخر في الزواج بها عن الزمان المعين، فإنه على كلا التقديرين يثبت عليه الجزاء المُتفق عليه؛ لان المتعهد به لم يكن مجرد الزواج، بل كان هو الزواج في زمان مُعين وقد تخلف عنه، فيثبت عليه الجزاء المقرر.

ومن أشترى شيئا ودفع بعض ثمنه وأستأجل (طلب أجلاً) لدفع الباقي، لأجل معين، فاشترط البائع عليه أنه إن لم يدفع الباقي عند حلول الأجل، يكون المعجل ملكاً للبائع، فقبل ذلك، صح الشرط وترتب عليه أثره عند الحنابلة. ويصير مُعجل الثمن ملكاً للبائع إن لم يقم المشترى بدفع الباقي في أجله المحدد.

والظاهر أنه يجوز أخذ الضمان أو الرهن أو الكفالة لتوثيق موجب الشرط الجزائي؛ لأنه حق مالي يثبت في ذمة المشروط عليه عند عدم قيامه بما تعهد به، فيجوز أخذ الوثيقة عليه بأحد الأنحاء المذكورة.

وبعض الفقهاء لا يشترطون وقوع الضرر لتحقق الشرط الجزائي؛ لأنه بمُجرد تخلف المشروط عليه عما تعهد به يثبت على عهدته الجزاء وإن لم يحصل ضرر للشارط أو كان ضرره أقل من مقدار الجزاء المُتفق عليه. ويقولون أنه إذا كان الشرط الجزائي مُطلقاً غير مُقيد بترتيب خاص، فالظاهر ثبوت الجزاء في ذمة المتعهد بمجرد عدم قيامه بما تعهد به، سواء كان عدم إجراء التعهد باختيار أو ناشئاً عن سبب اضطراري؛ مثل الحرب والثورة والإضراب والحريق والمرض ونحوها. لأن الشرط في الفقه الإسلامي يكون نافذاً على المشروط عليه ما لم يُخالف الكتاب والسنة، ومعنى ذلك: أن الشرط يجب على المُشترط عليه تنفيذه سواء كان تعويضاً عن ضرر مُقدر سابقاً سببه المُشترط عليه، أو كان تعويضاً عن ضرر بسبب غير المُشترط عليه - أجنبياً كان أو سماوياً - أو لم يكن هناك ضرر أصلا من عدم التزام المُشترط عليه، فالشرط إذا لم يُخالف كتاب الله وسنة رسوله وقد قبله المُشترط عليه باختياره ولم يكن سفيهاً، يجب عليه العمل به حسب الحديث النبوي الصحيح: "المسلمون عند شروطهم"، وحسب آية "أوفوا بالعقود" والشرط جزء من العقد.([9])

إلا أن مجمع الفقه الإسلامي اشترط – في دورته الثانية عشر والمُتعلقة بالشرط الجزائي – اشترط لاستحقاق التعويض الاتفاقي (الشرط الجزائي) وقوع الضرر، والضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي، وما لَحِق المضرور من خسارة حقيقية، وما فاته من كسب مؤكد، ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي. ولا يُعمل بالشرط الجزائي إذا أثبت من شُرِط عليه أن إخلاله بالعقد كان بسببٍ خارج عن إرادته، أو أثبت أن من شرط له لم يلحقه أي ضرر من الإخلال بالعقد.([10])

وكذلك اشترط عدد من الفقهاء ألا يتجاوز مقدار التعويض عن الضرر المالي قيمة الصفقة الإجمالية, لئلا يجتمع للمشتري الثمن والمثمن، فيفضي إلى الربح بدون مقابل. كما أنه من المقرر عند الفقهاء أن ضمان المتلفات يكون بالمثل أو بالقيمة، فإذا تأخر البائع في تسليم المبيع فإنه على أسوأ الأحوال يكون كما لو أتلف المبيع، فليس عليه حينئذ سوى المثل أو القيمة. فلا يجوز اشتراط تعويض مالي يزيد عن قيمة الصفقة.([11])

وفي حالة البيع بالتقسيط..

إذا تأخر المُشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه بأي زيادة على الدين الأصلي، سواء بشرط سابق، أو بدون شرط، لأن ذلك ربا مُحرم.

كما يحرُم على المدين المليء أن يُماطل في أداء ما حل من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعًا اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء.

ولكن يجوز شرعاً أن يشترط البائع لأجل (البائع بالتقسيط)، حلول جميع الأقساط قبل مواعيدها عند تأخر المدين عن أداء بعضها، مادام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد.

ولا يحق للبائع الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة.[12])

وقد قضت محكمة النقض المصرية في ظل القانون الوضعي بأن: "الاتفاق على سداد الثمن على قسطين، وعلى أنه إذا تأخر المشترون في الوفاء بأي قسط أو جزء منه التزموا بأداء نصف أجرة الأطيان المبيعة دون تنبيه أو إنذار، فإن هذا الشرط الجزائي يكون في حقيقته اتفاقاً على فوائد عن التأخر في الوفاء بالتزام محله مبلغ من النقود يخضع لحكم المادة 227 من القانون المدني، فلا يجوز أن يزيد سعر الفائدة المتفق عليها عن سبعة في المائة، وإلا وجب تخفيضها إلى هذا الحد".([13])

مبحث ثان

مصير الشرط الجزائي عند تنفيذ العقد

(التنفيذ بمُقابل عن طريق التعويض "الاتفاقي")

الفرع الأول

شروط استحقاق الشرط الجزائي – "إحالة"

سبب استحقاق التعويض:

الشرط الجزائي ليس هو السبب في استحقاق التعويض، وإنما منشأ التعويض من مصدر آخر، يغلب أن يكون عقداً، وعدم قيام المدين بتنفيذ التزامه الناشئ من هذا العقد هو السبب في استحقاق التعويض عن عدم التنفيذ، وكذلك تأخر المدين في تنفيذ التزامه هو السبب في استحقاق التعويض عن التأخير، والشرط الجزائي إنما هو تقدير المتعاقدين مُقدماً لكل من التعويضين.

هذا، وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني في هذا الصدد: "ليس الشرط الجزائي في جوهره إلا مُجرد تقدير اتفاقي للتعويض الواجب أداؤه فلا يُعتبر بذاته مصدراً لوجوب هذا التعويض، بل للوجوب مصدر آخر قد يكون التعاقد في بعض الصور، وقد يكون العمل غير المشروع في صور أخرى، فلا بد لاستحقاق الجزاء المشروط إذن من اجتماع الشروط الواجب توافرها للحكم بالتعويض، وهي الخطأ والضرر والإعذار".([14])

شروط استحقاق الشرط الجزائي:

(إحالة: إلى القواعد العامة في التعويض عن المسئولية العقدية)

شروط استحقاق الشرط الجزائي هي نفس شروط استحقاق التعويض، وشروط استحقاق التعويض هي:

وجود خطأ من المدين؛

وحدوث ضرر يصيب الدائن؛

وعلاقة سببية ما بين الخطأ والضرر؛

وإعذار المدين.

فهذه هي أيضاً شروط استحقاق الشرط الجزائي، وقد أشارت إلى ذلك المادة 223 مدني حيث أحالت على المواد من 215 إلى 220، وهذه المواد بعضها (المواد من 215 إلى 217) يتناول الشروط الثلاثة الأولى ويدخل في ذلك التعديل الاتفاقي لقواعد المسئولية، وبعضها الآخر (المواد من 218 إلى 220) يتناول شرط الإعذار.([15])

الفرع الثاني

آثار الشرط الجزائي

تنص المادة 224 من القانون المدني على أنه: "

لا يكون التعويض الاتفاقي مُستحقاً إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر.

ويجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مُبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه.

ويقع باطلاً كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين السابقتين".

كما تنص المادة 225 من القانون المدني على أنه: "إذا جاوز الضرر قيمة التعويض الاتفاقي، فلا يجوز للدائن أن يطالب بأكثر من هذه القيمة، إلا إذا أثبت أن المدين قد ارتكب غشاً أو خطأ جسيماً".

ومفاد هذين النصين أنه متى وجد الشرط الجزائي، وأصبح مُستحقاً، لم يبق إلا القضاء به على المدين، لكونه تعويض مقدر ارتضاه مُقدماً، فالحكم عليه به حكم بما ارتضاه على نفسه.

ولكن الشرط الجزائي لا يُستحق كله إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر، كما أن الشرط الجزائي قابل للتخفيض وقابل للزيادة. ونبحث كل حالة منهم بإيجاز على الوجه التالي:

عدم استحقاق الشرط الجزائي:

لا يُستحق الشرط الجزائي إذا لم يكن هناك أي ضرر أصاب الدائن. ذلك أن الضرر من أهم أركان استحقاق التعويض، فإذا لم يوجد ضرر لم يكن التعويض مُستحقاً، ولا محل لإعمال الشرط الجزائي في هذه الحالة، لأن الشرط الجزائي ما هو إلا اتفاق الطرفين مقدماً على مقدار التعويض.

فلا يكفي لاستحقاق التعويض الاتفاق مُجرد توافر ركن الخطأ في جانب المدين بالالتزام، وإنما يُشترط أيضاً توافر ركن الضرر في جانب الدائن، فإذا أثبت المدين انتفاء الضرر، سقط الجزاء المشروط.([16])

ورغم بداهة هذا الحكم، إلا أن الأمر غير مسلم به في ظل القانون الفرنسي، كما كان محل تردد في ظل القانون المدني المصري القديم.

ففي القانون الفرنسي، تنص المادة 1152 مدني فرنسي على أنه: "إذا ذكر في الاتفاق أن الطرف الذي يقصر في تنفيذه يدفع مبلغاً معيناً من النقود على سبيل التعويض، فلا يجوز أن يعطى لتعويض الطرف الآخر مبلغ أكثر أو أقل".

ولهذا ذهب القضاء الفرنسي إلى أن الشرط الجزائي يُستحق حتى ولو لم يثبت الدائن أن هناك ضرراً أصابه، لكون اتفاق الطرفين على شرط جزائي، وتقديرهما مقدماً للتعويض المستحق، معناه أنهما مسلمان بأن إخلال المدين بالتزامه يحدث ضرراً اتفقا على المقدار اللازم لتعويضه، وفي هذه الحالة يكون الغرض من الشرط الجزائي هو منع أي جدل يدور أو منازعة تثور بشأن وقوع الضرر ومقدار تعويضه.([17])

أما في مصر، في ظل القانون المدني القديم، فقد كانت تنص المادة 123/181 منه على أنه: "إذا كان مقدار التضمين في حالة عدم الوفاء مصرحاً به في العقد أو في القانون، فلا يجوز الحكم بأقل منه ولا بأكثر".

ورغم وضوح نقل هذا النص عن النص الفرنسي، إلا أن القضاء في مصر ظل متردداً، تقضي بعض أحكامه بعدم اشتراط إثبات الدائن لوقوع الضرر أصابه على غرار القضاء الفرنسي، وتقضي أحكام أخرى بوجوب إثبات وقوع الضرر لاستحقاق الشرط الجزائي تطبيقاً للقواعد العامة في المسئولية. ثم أنحسم الخلاف، واستقر القضاء على الرأي الثاني، وهو المتفق مع القواعد العامة في المسئولية، وقضت الدوائر المجتمعة لمحكمة الاستئناف في كل من القضاءين الوطني والمختلط بأنه يشترط لاستحقاق الشرط الجزائي أن يكون هناك ضرر أصاب المدين.([18])

وجاء القانون المدني الحالي فنص صراحة على اشتراط حدوث ضرر لاستحقاق الشرط الجزائي، فتمشى بذلك مع القواعد العامة في المسئولية، حيث نصت الفقرة الأولى من المادة 224 مدني على أنه "لا يكون التعويض الاتفاقي مُستحقاً، إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر".

ورغم أن هذا النص جاء تطبيقاً للقواعد العامة في المسئولية، إلا أنه لا يخلو من فائدة، فوجود هذا الشرط يجعل الضرر واقعاً في تقدير المتعاقدين، ولذلك فإنه يُفترض وقوع الضرر، ولا يُكلف الدائن بإثباته، بل على المدين إذا أدعى أن الدائن لم يلحقه أي ضرر، أن يقوم بإثبات ذلك، فعبء إثبات الضرر هنا – على عكس القواعد العامة في الإثبات – ينتقل من الدائن إلى المدين بفضل وجود الشرط الجزائي.

فقد استقر قضاء محكمة النقض في مصر على أن: "تنص الفقرة الأولى في المادة 224 من القانون المدني على أن "لا يكون التعويض الاتفاقي مستحقاً إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر" ووجود الشرط الجزائي في العقد يفترض معه وقوع الضرر إلا إذا أثبت المدين عدم وقوعه لأن هذا الشرط ينقل عبء الإثبات من عاتق الدائن إلى عاتق المدين".([19])

وكذلك قضت محكمة النقض المصرية بأنه: "ولئن كانت المادة من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 قد وضعت القاعدة العامة من قواعد الإثبات – وهي غير مُتعلقة بالنظام العام – بما نصت عليه من أن على الدائن إثبات الالتزام، وأن على المدين إثبات التخلص منه، إلا أن هذه القاعدة قد وردت عليها بعض الاستثناءات، ومن بينها الحالات التي أورد فيها المشرع قرائن قانونية، كالحالة المنصوص عليها بالمادة 224 من القانون المدني، والتي أعتبر فيها المشرع اتفاق الطرفين على الشرط الجزائي، قرينة قانونية – غير قاطعة – على وقوع الضرر. فمن المُقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنه متى وجد شرط جزائي في العقد، فإن تحقق مثل هذا الشرط يجعل الضرر واقعاً في تقدير المتعاقدين، فلا يكلف الدائن بإثباته لأن وجوده يقوم قرينة قانونية – غير قاطعة – على وقوع الضرر، ويكون على المدين في هذه الحالة إثبات عدم تحقق الشرط أو إثبات عدم وقوع الضرر".([20])

تخفيض الشرط الجزائي:

يتبين من نص الفقرة الثانية للمادة 224 مدني أنه يجوز للقاضي أن يخفض من قيمة الشرط الجزائي في حالتين: أولاهما- إذا نفذ المدين الالتزام الأصلي في جزء منه. وثانيهما- إذا أثبت المدين أن تقدير التعويض في الشرط الجزائي كان مُبالغاً فيه إلى درجة كبيرة.

الحالة الأولى- حالة تنفيذ الالتزام الأصلي في جزء منه: يوضع الشرط الجزائي عادة لحالة عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه أصلاً، فإذا كان المدين قد قام بتنفيذ جزء من التزامه، فإن القاضي يكون قد احترم إرادة المتعاقدين إذا خفض الشرط الجزائي بنسبة ما نفذ المدين من التزامه. ويعتبر الأساس هو المبلغ المقدر في الشرط الجزائي، فيخفض هذا المبلغ إلى النسبة التي تتفق مع الجزء الباقي دون تنفيذ من الالتزام الأصلي. ويقع عبء إثبات التنفيذ الجزئي على المدين.

وقد يتفق المتعاقدان على استحقاق الشرط الجزائي إذا لم ينفذ المدين الالتزام الأصلي تنفيذاً سليماً، سواء كان ذلك بأن لم ينفذه أصلاً أو نفذه تنفيذاً معيباً، ففي هذه الحالة يُستحق الشرط الجزائي كله إذا كان هناك عيب في التنفيذ، نزولاً على اتفاق المتعاقدين. ولكن إذا كان هذا العيب غير جسيم، بحيث يكون الشرط الجزائي، كتعويض عنه، مُبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، جاز للقاضي تخفيض الشرط الجزائي إلى الحد المناسب، كما سنرى فيما يلي..

الحالة الثانية– حالة المُبالغة في تقدير التعويض في الشرط، إلى درجة كبيرة: تنص الفقرة الثانية من المادة 224 مدني على أنه "يجوز للقاضي أن يخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مُبالغاً فيه إلى درجة كبيرة". ويبرر هذا الحكم، بأن مبالغة الدائن في تقدير الشرط الجزائي يجعل الشرط الجزائي "شرطاً تهديدياً" لحمل المدين على الوفاء بالتزاماته، ومؤدى ذلك أن الشرط الجزائي المبالغ فيه ينطوي – في حقيقة الأمر – على عقوبة فرضها الدائن على المدين، فيكون الشرط باطلاً، ويظل العقد صحيحاً، ويعمد القاضي عندئذ إلى تقدير التعويض وفقاً للقواعد العامة.

فضلاً عن أن الشرط الجزائي لا يعرض إلا لتقدير التعويض المستحق، فهو ليس سبباً في استحقاق التعويض، بل يقتصر على مجرد تقديره مقدماً وفقاً لما قام لدى الطرفين – عند الاتفاق – من اعتبارات وظروف. فإذا اتضح بعد ذلك أن الضرر الذي وقع لم يكن بالمقدار الذي ظنه الطرفان قبل وقوعه، وأن تقديرهما للتعويض عن هذا الضرر كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، فإن الأمر لا يخول عندئذ من غلط في التقدير وقع فيه الطرفان أو ضغط وقع على المدين قبل شرطاً يعلم مقدماً أنه مجحف به، وفي الحالتين يكون من الواجب تخفيض الشرط الجزائي إلى الحد الذي يتناسب مع الضرر.([21])

وعلى هذا جرى قضاء محكمة النقض في مصر حيث قضت بأنه: "إذا كان الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الموضوع بعدم استحقاق التعويض الاتفاقي "الشرط الجزائي" لتخلف شرط الإعذار فلا يجوز له التمسك لأول مرة أمام محكمة النقض بهذا السبب الذي لم يسبق عرضه على محكمة الموضوع. ووجود الشرط الجزائي يفترض معه أن تقدير التعويض فيه متناسب مع الضرر الذي لحق الدائن وعلى القاضي أن يعمل هذا الشرط إلا إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر فعندئذ لا يكون الاتفاق مستحقا أصلاً، أو إذا أثبت المدين أن التقدير كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة وفي هذه الحالة يجوز للقاضي أن يخفض التعويض المتفق عليه".([22])

كما قضت محكمة النقض المصرية بأنه: "إذ كانت المادة 224 من القانون المدني قد أجازت للقاضي أن يخفض مقدار التعويض الاتفاقي إذا أثبت المدين أنه مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، وكانت الطاعنة قد تمسكت في مذكرتها المقدمة لمحكمة الاستئناف بأن مقدار التعويض الاتفاقي مبالغ فيه إلى درجة كبيرة، وطلبت إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بالتعويض الاتفاقي دون أن يعرض لهذا الدفاع رغم أنه جوهري – إن صح – قد يتغير به وجه الرأي في الدعوى، فإنه يكون مشوباً بالقصور".([23])

مزايا الشرط الجزائي عند عدم حدوث ضرر أو المبالغة في تقديره:

بالرغم من عدم الحكم باستحقاق الشرط الجزائي كلياً عند انعدام وقوع الضرر، أو تخفيضه إذا كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة بحيث لا يكون متناسباً مع الضرر الذي وقع، فإن للشرط الجزائي – حتى في تلك الحالات – فائدة محققة للدائن من عدة وجوه، نذكر منها:

إن وجود الشرط الجزائي، يجعل وقوع الضرر مفترضاً، لا يكلف الدائن بإثباته، فإن ادعى المدين أن الدائن لم يلحقه ضرر، فعليه هو لا على الدائن يقع عبء الإثبات، بخلاف القواعد العامة في الإثبات، على نحو ما سلف ذكره.

وبهذا قضت محكمة النقض المصرية بأن: "مؤدى حكم المادة 224 من القانون المدني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أنه متى وجد شرط جزائي في العقد، فإن تحقق مثل هذا الشرط يجعل الضرر واقعاً في تقدير المتعاقدين فلا يكلف الدائن بإثباته، وإنما يقع على المدين عبء إثبات أن الضرر لم يقع".([24])

فإن وجود الشرط الجزائي يجعل من المفترض أن تقدير التعويض الوارد في هذا الشرط هو تقدير صحيح للضرر الذي وقع بالفعل، فإن ادعى المدين أنه تقدير مبالغ فيه إلى درجة كبيرة، فعليه هو – كذلك - لا على الدائن يقع عبء الإثبات.

ولا يكفي المدين أن يثبت أن التقدير الوارد في الشرط الجزائي يزيد على مقدار الضرر الذي وقع فعلاً، فما لم يثبت المدين أن التقدير كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، فإن القاضي لا يخفض الشرط الجزائي حتى ولو زاد التقدير الوارد في الشرط الجزائي على الضرر زيادة غير كبيرة. وحتى إذا أثبت المدين أن التقدير مبالغ فيه إلى درجة كبيرة وخفض القاضي الشرط الجزائي، فإن التخفيض هنا يكون إلى الحد الذي يتناسب مع الضرر ولا يتحتم أن يكون مساوياً للضرر، ومن ثم فإذا وجد شرط جزائي سخياً في تقدير التعويض، كان هذا من شأنه أن يجعل سلطة القاضي التقديرية في حساب التعويض تسخو لمصلحة الدائن، فيبقى غالباً في التعويض حتى بعد تخفيضه سعة ينتفع بها الدائن.([25])

أحكام المادة 224 مدني مُتعلقة بالنظام العام:

الأحكام المتقدم ذكرها، من اشتراط وقوع ضرر لاستحقاق الشرط الجزائي، وجواز تخفيض هذا الشرط عند التنفيذ الجزئي للالتزام، أو للمبالغة في تقديره إلى درجة كبيرة، هي أحكام متعلقة بالنظام العام، ومن ثم فلا يجوز الاتفاق على مخالفتها، وقد نصت على ذلك صراحة الفقرة الثالثة من المادة 224 مدني بقولها: "ويقع باطلاً كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين السابقتين".

وعليه، فلا يجوز للمتعاقدين أن يضيفا إلى الشرط الجزائي عبارات تفيد أنه "واجب الدفع على كل حال، حتى ولو لم يقع ضرر، أو وإن قام المدين بتنفيذ الالتزام جزئياً، أو حتى إذا تبين أن التقدير مبالغ فيه إلى درجة كبيرة". ولو تم الاتفاق على ذلك، كان هذا الاتفاق باطلاً لمخالفته للنظام العام، وجاز للقاضي رغم وجوده ألا يحكم بأي تعويض إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر، أو أن يخفض الشرط الجزائي إذا أثبت المدين أنه قام بتنفيذ الالتزام تنفيذاً جزئياً أو أن التقدير كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة. فالقانون هنا يحمي المدين، ويعتبر أن رضاءه بمثل هذا الاتفاق أقرب إلى الإذعان منه إلى القبول. مع ملاحظة أن بطلان الشرط لا يؤثر في صحة العقد، فيظل العقد صحيحاً ونافذاً حتى مع بطلان الشرط الجزائي.([26])

زيادة قيمة الشرط الجزائي:

زيادة الضرر على التعويض المقدر وقد ارتكب المدين غشاً أو خطأ جسيماً: تنص المادة 225 مدني مصري على جواز زيادة قيمة التعويض الوارد في الشرط الجزائي إذا جاوز الضرر قيمة ذلك التعويض المقدر، واستطاع الدائن إثبات أن المدين ارتكب غشاً أو خطأ جسيماً. فإذا تبين أن التعويض المقدر ليس مبالغاً فيه بل بالعكس كان أقل من الضرر الواقع، فإن القاضي رغم ذلك لا يزيد ذلك التعويض ليكون مساوياً للضرر، بل يحكم به كما هو. ويكون الشرط الجزائي في هذه الحالة بمثابة تخفيف لمسئولية المدين، والاتفاق على التخفيف من المسئولية أو الإعفاء منها جائز قانوناً. فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 217 مدني مصري على جواز الاتفاق على إعفاء المدين من أية مسئولية تترتب على عدم تنفيذه التزامه التعاقدي إلا ما ينشأ عن غشه أو خطئه الجسيم.

ومعنى ذلك، أنه إذا زاد الضرر على التعويض المقدر، ولكن الدائن أثبت أن المدين قد ارتكب غشاً أو خطأ جسيماً، فإن الشرط الجزائي الذي جاز أن يخفف من مسئولية المدين في حالة الخطأ العادي لا يستطيع أن يخفف من مسئوليته في حالتي الغش والخطأ الجسيم. وينبني على ذلك أن القاضي يزيد في مقدار التعويض حتى يصبح معادلاً لضرر الذي وقع، ولا يمنعه من ذلك أن التعويض مقدر في الشرط الجزائي، فإن الدائن في اتفاقه مع المدين على تقدير التعويض لم يدخل في حسابه غش المدين أو خطأه الجسيم، ولا ينبغي له أن يحسب حساب ذلك.

على أن الفقرة الثانية من المادة 217 تجيز للمدين أن يشترط عدم مسئوليته عن غش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه، وينبني على ذلك أنه يجوز الاتفاق على شرط جزائي يقدر التعويض الذي يستحق من جراء تحقق مسئولية الأشخاص الذين يستخدمهم المدين في تنفيذ التزامه، ولا يجوز للقاضي زيادة هذا التعويض حتى ولو جاوز الضرر المبلغ المقدر ووقع غش أو خطأ جسيم من الأشخاص الذين استخدمهم المدين في تنفيذ التزامه، ذلك أن الشرط الجزائي في هذه الحالة يعتبر اتفاقاً على تخفيف المسئولية عن الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من تابعي المدين ومثل هذا الاتفاق جائز قانوناً.([27])

التوسل بالشرط الجزائي للاحتيال على القانون:

تنص الفقرة الثالثة من المادة 217 من القانون المدني المصري على أنه: "يقع باطلاً كل شرط يقضي بالإعفاء من المسئولية المترتبة على العمل غير المشروع". ويتبين من ذلك أنه لا يجوز أن يتفق الطرفان على إعفاء المدين من مسئوليته التقصيرية ويكون هذا الاتفاق باطلاً لو تم لتعارضه مع النظام العام.

وكما لا يستطيع الطرفان أن يبرما هذا الاتفاق بطريق مباشر، كذلك لا يستطيعان إبرامه بطريق غير مباشر، بأن يتفقا على شرط جزائي يكون من التفاهة بحيث يكون المقصود به أن يصل المدين إلى اشتراط إعفائه من مسئوليته التقصيرية. ففي هذه الحالة يكون الشرط الجزائي باطلاً، وللقاضي أن يحكم بتعويض أزيد بكثير من التقدير التافه الذي ورد في الشرط الجزائي، متوخياً في ذلك تطبيق القواعد العامة في التقدير القضائي للتعويض.([28])

سلطة القضاء في مراقبة الشرط الجزائي:

كما سلف القول فإن الشرط الجزائي على فرض تنفيذه، لا يعني سلب قاضي الموضوع السلطة التقديرية في تقدير التعويض، حيث تنص المادة 224 من القانون المدني على أنه:

لا يكون التعويض الاتفاقي مُستحقاً إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر.

ويجوز للقاضي أن يُخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مُبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، أو أن الالتزام الأصلي قد نًفِذَ في جزء منه.

ويقع باطلاً كل اتفاق يُخالف أحكام الفقرتين السابقتين.

ومفاد تلك المادة – في إيجاز شديد – تشترط وقوع ضرر لاستحقاق الشرط الجزائي، وتجيز للقاضي تخفيض هذا الشرط في حالة التنفيذ الجزئي للالتزام أو إذا كان تقدير التعويض مُبالغاً فيه، وهذه الأحكام تعتبر من النظام العام، فلا يجوز الاتفاق على مُخالفتها. وقد نصت صراحة الفقرة الثالثة من تلك المادة على ذلك إذ تنص على أنه: "ويقع باطلاً كل اتفاق يخالف أحكام الفقرتين السابقتين".

ومن ثم، لا يجوز للطرفين أن يُضيفا إلى الشرط الجزائي ما يفيد أنه: "واجب الدفع على كل حال، حتى ولو لم يقع ضرر(أو حتى إذا قام المدين بتنفيذ الالتزام تنفيذاً جزئياً، أو حتى إذا تبين أن التقدير مبالغ فيه إلى درجة كبيرة)"؛ وفي حالة الاتفاق على ذلك، يكون هذا الاتفاق باطلاً لمُخالفته للنظام العام، وجاز للقاضي بالرغم من وجوده إلا يحكم بأي تعويض إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر، وأن يخفض الشرط الجزائي إذا أثبت المدين أنه قام بتنفيذ الالتزام تنفيذاً جزئياً أو أن التقدير كان مُبالغاً فيه إلى درجة كبيرة. فالقانون هنا يحمي المدين، ويعتبر أن رضاءه بمثل هذا الاتفاق أقرب إلى الإذعان منه إلى القبول.([29])

ومن ناحية أخرى، فالقضاء كذلك لا يُعمل الشرط الجزائي الذي يُخفي تحايلاً على قواعد الإعفاء من المسئولية إعفاءً يتعارض مع النظام العام:

حيث تنص الفقرة الثالثة من المادة 217 من القانون المدني المصري على أنه: "يقع باطلاً كل شرط يقضي بالإعفاء من المسئولية المُترتبة على العمل غير المشروع". ويتبين من ذلك أنه لا يجوز أن يتفق الطرفان على إعفاء المدين من مسئوليته التقصيرية ويكون هذا الاتفاق باطلاً لو تم لتعارضه مع النظام العام.

وكما لا يستطيع الطرفان أن يبرما هذا الاتفاق بطريق مُباشر، كذلك لا يستطيعان إبرامه بطريق غير مباشر، بأن يتفقا على شرط جزائي يكون من التفاهة بحيث يكون المقصود به أن يصل المدين إلى اشتراط إعفائه من مسئوليته التقصيرية. ففي هذه الحالة يكون الشرط الجزائي باطلاً، وللقاضي أن يحكم بتعويض أزيد بكثير من التقدير التافه الذي ورد في الشرط الجزائي، متوخياً في ذلك تطبيق القواعد العامة في التقدير القضائي للتعويض.([30])

حالة إخلال الطرفين:

مع ملاحظة أنه لا محل لإعمال أحكام الشرط الجزائي في حالة ما إذا كان كلا المُتعاقدين قد أخلا بالتزاماتهما، حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أنه: "لا محل للحكم بما تضمنه الشرط الجزائي ما دام الحكم قد أثبت أن كلا من المتعاقدين قد قصر في التزامه".([31])

الفرع الثالث

قابلية أو عدم قابلية الشرط الجزائي للتجزئة

نظراً للارتباط الوثيق بين استحقاق الشرط الجزائي، وبين تنفيذ الالتزام الأصلي، ونظراً لأن المحل في الشرط الجزائي يمكن أن يكون شيئاً آخر غير النقود فإن مسألة القابلية أو عدم القابلية للتجزئة تأخذ أبعادها.

ولا تثير هذه المسألة أية إشكالات، عندما يكون الشرط الجزائي بين دائن واحد، ومدين واحد، حيث يقترف الخطأ الموجب لاستحقاق الجزاء المشروط شخص واحد هو المدين ويستفيد من إيقاعه شخص واحد هو الدائن.

ولكن المسألة تخلف عدداً من المشاكل، عندما يكون أمام الدائن عدد من المدينين، أو أمام المدين عدد من الدائنين، وينشأ هذا الوضع عند نشوء الالتزام، أو بعد نشوئه وقبل تنفيذه، بأن يموت الدائن أو المدين، ويترك ورثة متعددة، أو بأن يحول الدائن أو المدين جزءاً من الدين، إلى محال له أو محال عليه. (السنهوري – صـ 1048)

لذا يتعين التصدي لما عسى أن تخلفه هذه الحالة من مواقف حتى يؤدي الشرط الجزائي مهمته كضمان لتنفيذ الاتفاق. وذلك على النحو التالي

حالة الالتزام الأصلي القابل للتجزئة:

لا تثير هذه الحالة أية مشاكل، فإذا كان الالتزام الأصلي القابل للتجزئة قد أبرم تحت شرط جزائي، فإن الأخير لا يستحق إلا على من خالف هذا الالتزام وفيما يتعلق فقط بنصيبه في الالتزام الأصلي، ولا مسئولية على من قاموا بالتنفيذ.

وهذا يعتبر تطبيقاً للمبدأ المعتمد والذي يقضي بأن الدائن ليس له حق بكامل المبلغ، عندما يكون تنفيذ الالتزام الأصلي جزئياً يشكل نفعاً له.

فإذا التزم المدين بدين قابل للتجزئة، وتوفى تاركاً عدداً من الورثة، فإن الالتزام الذي كان سينفذ بين مورثهم والدائن سيتم بينهم وبين الدائن باعتبارهم خلفاً عاماً، ولا يلتزم كل منهم إلا بمقدار نصيبه وحصته في الميراث، فإذا قام أحدهم بمخالفة الالتزام فإن المسئولية تقع على عاتقه وحده، ولكن نظراً إلى أن الالتزام الأصلي هنا قابل للتجزئة، فإن هذا الوارث المخالف لن يلتزم إلا بجزء من الجزاء المقابل لحصته التي كان ملتزماً بها بصفته ممثلاً للمدين المتوفى، ولا دعوى للدائن، تنشأ قبل الورثة الذين نفذوا التزاماتهم أو برأت ذمتهم لوجود سبب أجنبي لا يد لهم فيه.

وكذلك في حالة ما إذا خالف هذا الالتزام وارثان أو أكثر، فلا يلتزمون بدفع الجزاء أيضاً إلا بالنسبة لنصيبهم ولا تضامن بينهم، فالدائن يلتزم بأن يطالب كل بحصته.([32])

حالة الالتزام الأصلي الغير قابل للتجزئة:

يكون الالتزام غير قابل للتجزئة إذا فرضت ذلك طبيعة الالتزام سواء كانت مطلقة أو نسبية، وإذا اقتضت ذلك نية الطرفين سواء كانت صريحة أو ضمنية، ويختلف الأمر بحسب التعدد في طرف الالتزام غير القابل للتجزئة المدينين أو الدائنين:

عدم القابلية للتجزئة عند تعدد المدينين:

عدم القابلية للتجزئة هنا ترتب أن يكون كل مدين ملزماً بوفاء الدين كاملاً، ومن حق المدين الذي وفى الدين الرجوع على الباقين كل بقدر حصته، وهذا ما ذهبت إليه المادة 301 من القانون المدني المصري في حكم عام بقولها: "إذا تعدد المدينون في التزام غير قابل للانقسام كان كل منهم ملزماً بوفاء الدين كاملاً ... وللمدين الذي وفى بالدين حق الرجوع على الباقين كل بقدر حصته إلا إذا تبين من الظروف غير ذلك".

ولا يختلف الوضع عند تعدد المخالفين من بين المدينين في الالتزام غير قابل للتجزئة.

وكذلك الحال إذا كان الالتزام تضامنياً فيستحق الشرط الجزائي بالتضامن من كافة المدينين.

وإذا حصل الدائن على الجزاء من أحدهم، فليس له أن يطالب به من مخالف آخر. وفي هذه الحالة إذا دفع المخالف، فله أن يرجع على باقي المخالفين.([33])

عدم القابلية للتجزئة عند تعدد الدائنين:

في حالة تعدد المدينين في التزام غير قابل للتجزئة، يستحق الشرط الجزائي لصالح الدائن ضحية المخالفة، أما الباقون فلم يلحقهم أي ضرر، وبالتالي فلا وجه لمطالبتهم بالمبلغ المتفق عليه بصفة جزاء.

والجزاء يوقع بقدر حصة الدائن قبل من لم ينفذ الالتزام الأصلي ولمصلحته هو لأن القول بغير هذا يستتبع أن يحصل هذا الدائن على الجزاء كله في وقت لا يتعلق حقه إلا بجزء من هذا الجزاء فقط، وفي هذا إثراء لهذا الدائن بدون وجه حق.([34])

قابلية أو عدم قابلية الشرط الجزائي للتجزئة:

قابلية الشرط الجزائي للتجزئة لا تثير أية مشكلة وهي الحالة العامة والغالبة عليه إذ يتمثل في الأغلب مبلغاً نقدياً.

أما المشكلة فتثور عندما يكون غير قابل للتجزئة، فإذا كنا بصدد التزام أصلي قابل للتجزئة، يتبعه شرط جزائي غير قابل للتجزئة، فطبقاً للقواعد العامة، فيلتزم المدين المخالف للالتزام الأصلي القابل للتجزئة بدفع كامل الجزاء للدائن، وبما أن الالتزام الأصلي قابل للتجزئة فلا يجوز مقاضاة المدينين الذين وفوا بالتزاماتهم، لسداد الشرط الجزائي.([35])

وقد يكون للمدين المخالف في هذا الحالة الرجوع على الدائن الذي يكون قد نال أكثر مما له سواء على أساس الإثراء بلا سبب أو حتى طلب تخفيض التعويض في هذه الحالة باعتبار أن الدائن لم يصبه ضرر أو أن مبلغ التعويض هنا يكون مبالغاً فيه إلى حد كبير.



([1]) رواه الترمذي في كتاب الأحكام – باب الصلح بين الناس – جـ 2 – صـ 403 – طبعة الاتحاد العربي. وأنظر للشيخ/ منصور ناصف – التاج الجامع للأصول، في أحاديث الرسول – طبعة 1382 هجرية – جـ 4 – صـ 202.

([2]) وتطبق تلك القاعدة الأصولية العامة، "المسلمون على شروطهم"، في جميع مُعاملات المسلمين، حتى ولو كانت مع كفره يحاربون الإسلام.

فقد خرج الصحابيان (سيل وأبنه حُذيفة) رضي الله تعالى عنهما من مكة قاصدين المدينة لِحاقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم في مهجره، فأدركهما الكُفار وهموا بقتلهما لما عرفوا نيتهما، فعرضا على الكُفار أن يدفعا لهم أموالهما ويخلوا سبيلهُما إلى المدينة، فقبِلَ الكُفار بشرط أنه إذا كانت حرب بين مكة والمدينة لا يُحارب حُذيفة وأبوه في صفوف المُسلمين، فلما كانت غزوة بدر قصا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قصتهما قائلين: "إنما قبلنا الشرط تخلصاً من الكُفار وتحت الإكراه"، فلم يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه التعلة، وقال لهما: "وفوا لهم، ونستعين بالله عليهم".

فأنظر في هذا الحديث، كيف فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم التمسك بالوعد وإعمال الشرط حتى ولو كان المُستفيد منه كافر يعد العدة لحرب المُسلمين، وفي وقت تشتد فيه حاجة المُسلمين إلى الرجال والسلاح في معركة بدر التي كان فيها عدد المُسلمين قليلاً بالنسبة للمُشركين.

أنظر: "الشرط الجزائي في الفقه الإسلامي" – رسالة دكتوراه مُقدمة من الباحث/ عبد المُحسن سعد الرويشد لكلية الحقوق جامعة القاهرة في عام 1983 – صـ 593.

([3]) أنظر: العيني في شرح صحيح البخاري – طبعة المنيرية – جـ 14 – صـ 21. مشار إليه في: "الشرط الجزائي في الفقه الإسلامي" – رسالة دكتوراه – المرجع السابق – صـ 598.

([4]) "الشرط الجزائي في الفقه الإسلامي" – رسالة دكتوراه – المرجع السابق – صـ 619 و 620.

([5]) "الشرط الجزائي في الفقه الإسلامي" – رسالة دكتوراه – المرجع السابق – صـ 609 : 611.

([6]) "الشرط الجزائي في الفقه الإسلامي" – رسالة دكتوراه – المرجع السابق – صـ 599.

([7]) أبن بابوية القممي – من لا يحضره الفقيه – جـ 3 – صـ 13. المصدر: "الشرط الجزائي في الفقه الإسلامي" – رسالة دكتوراه – المرجع السابق – صـ 600.

([8]) المصدر: مواقع كتب فقه الشيعة على شبكة المعلومات العالمية "الإنترنت"، ومن أهمها الموقع التالي:

www.al-shia.com/html/ara/books/bohoos-feqh-01/26.html

([9]) أنظر: مقال للشيخ/ محمد علي التسخيري، بعنوان "حكم الشرط الجزائي المالي في البنوك اللاربوية" – منشور في مجلة فقه أهل البيت، على شبكة الإنترنت.

([10]) من الفتاوى والاستشارات المنشورة على موقع إسلام اون لاين IslamOnline.net على شبكة الإنترنت.

([11]) من فتوى للدكتور سامي إبراهيم السويلم، منشور على صفحة فتاوى ودراسات في موقع "الإسلام اليوم" IslamToDay.net على شبكة الإنترنت.

([12]) من قرارات مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المُنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الرابعة عشرة بالدوحة بقطر في الفترة من 8 إلى 13 من ذي القعدة 1423هـ، الموافق 11/16 يناير 2003 بخصوص موضوع مُشكلة المتأخرات في المؤسسات المالية الإسلامية. منشور على صفحة وثائق وبيانات في موقع "إسلام اون لاين IslamOnline.net" على شبكة الإنترنت.

([13]) نقض مدني في الطعن رقم 161 لسنة 41 قضائية – جلسة 21/3/1978 مجموعة المكتب الفني – السنة 29 – صـ ... – فقرة 2.

([14]) مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني المصري – جـ 2 – صـ 573.

([15]) وسيط السنهوري – المرجع السابق – جـ 1 – مجلد 2 – بند 480 وما يليه – صـ 770 وما بعدها والهوامش.

([16]) نقض مدني في الطعن رقم 102 لسنة 34 قضائية – جلسة 14/11/1967 مجموعة المكتب الفني – السنة 18 – صـ 1668.

([17]) وسيط السنهوري – المرجع السابق – بند 482 – صـ 771 وما بعدها.

([18]) وسيط السنهوري – المرجع السابق – نفس الموضع وصـ 772.

([19]) نقض مدني في الطعن رقم 1293 لسنة 54 قضائية – جلسة 16/3/1986 مجموعة المكتب الفني – السنة 37 – صـ ... – فقرة 3 .

([20]) نقض مدني في الطعن رقم 743 لسنة 49 قضائية – جلسة 11/1/1983 مجموعة المكتب الفني – السنة 34 – الجزء الأول – القاعدة رقم 45 – صـ 166 : 174 – الفقرتين 3 و 4.

وذلك على الرغم من أن قانون الإثبات الصادر عام 68 أحدث من القانون المدني الصادر عام 48 إلا أن هذا الحكم نفسه قد ورد فيه (في فقرة 2 منه) ما يلي: =

= من المقرر وفقاً لقواعد التفسير أن النص الخاص يقيد النص العام و يعتبر استثناء منه و أن النص اللاحق يلغى النعي السابق إذا ما تعارض معه ، إلا أن النص العام اللاحق لا يلغى نصاً خاصاً سابقاً عليه و إن تعارض معه.

كما أن محكمة النقض قد قررت في حكم آخر لها أن: "... القانون الخاص لا يلغيه إلا قانون خاص مثله، ولا يُنسخ بقانون عام، ما لم يكن التشريع الجديد الذي أورد الحكم العام قد أشار بعبارة صريحة إلى الحالة التي يحكمها القانون الخاص، وجاءت عباراته قاطعة في سريان حكمه في جميع الأحوال". نقض مدني في الطعن رقم 839 لسنة 43 قضائية – جلسة 7/6/1978 مجموعة المكتب الفني – السنة 29 – صـ 1428 – القاعدة رقم 275.

([21]) وسيط السنهوري – المرجع السابق – البنود 493 : 495 – صـ 782 وما بعدها.

([22]) نقض مدني في الطعن رقم 563 لسنة 34 قضائية – جلسة 5/12/1968 مجموعة المكتب الفني – السنة 19 – صـ ... – فقرة 3 و 4.

([23]) نقض مدني في الطعن رقم 928 لسنة 52 قضائية – جلسة 10/3/1983 مجموعة المكتب الفني – السنة 34 – صـ 669.

([24]) نقض مدني في الطعن رقم 1581 لسنة 48 قضائية – جلسة 15/6/1982 مجموعة المكتب الفني – السنة 33 – صـ ... .

([25]) وسيط السنهوري – المرجع السابق – نفس الموضع.

([26]) وسيط السنهوري – المرجع السابق – بند 496 – صـ 788.

([27]) وسيط السنهوري – المرجع السابق – بند 498 – صـ 789 وما بعدها.

وقد قضي بأنه: "متى ثبت أن الإخلال بالتعهد كان عن سوء قصد، وجب تعويض الضرر دون التقيد بالشرط الجزائي، لأن الملحوظ بين المتعاقدين عند تقديرهما التعويض بنفسيهما تبادل حسن القصد بينهما، فإذا انتفى ذلك وتبدلت النية، وجب الرجوع إلى القاعدة العامة، وهي التعويض عن الضرر مهما بلغت قيمته". محكمة استئناف مصر جلسة 30/1/1929 - المحاماة 10 - صـ 65.

والرأي الذي أستقر عليه الفقه والقضاء يقرب معنى الخطأ في المسئولية التقصيرية من معناه في المسئولية العقدية، فالخطأ في المسئولية التقصيرية هو إخلال بالتزام "قانوني"، كما أن الخطأ في المسئولية العقدية هو إخلال بالتزام "عقدي"، والالتزام العقدي الذي يعد الإخلال به خطأ في المسئولية العقدية إما أن يكون التزاماً بتحقيق غاية وإما أن يكون التزاماً ببذل عناية، أما الالتزام القانوني الذي يعتبر الإخلال به خطأ في المسئولية التقصيرية فهو دائماً التزام ببذل عناية، وهو أن يصطنع الشخص في سلوكه اليقظة والتبصر حتى لا يضر بالغير، فإذا انحرف عن هذا السلوك الواجب (المألوف للشخص العادي)، وكان من القدرة على التمييز بحيث يدرك أنه قد انحرف، كان هذا الانحراف منه خطأ يستوجب مسئوليته التقصيرية. ومن ثم يقوم الخطأ في المسئولية التقصيرية على ركنين: الركن الأول مادي وهو "التعدي" (Culpabilité) ، والركن الآخر معنوي وهو "الإدراك" (Imputabilité Discernement) . أنظر: وسيط السنهوري – المرجع السابق – جـ 1 – بند 527 – صـ 656.

([28]) وسيط السنهوري – المرجع السابق – بند 499 – صـ 790 وما بعدها.

([29]) وسيط السنهوري – المرجع السابق – جـ 1 – مجلد 2 – بند 496 – صـ 788.

([30]) وسيط السنهوري – المرجع السابق – جـ 1 – مُجلد 2 – بند 499 – صـ 790 وما بعدها.

([31]) نقض مدني في الطعن رقم 92 لسنة 23 قضائية – جلسة 19/12/1957 مجموعة المكتب الفني – السنة 8 – صـ 921 – فقرة 2.

([32]) "الشرط الجزائي في الفقه الإسلامي" – رسالة دكتوراه – المرجع السابق – صـ 300 وما بعدها.

([33]) "الشرط الجزائي في الفقه الإسلامي" – رسالة دكتوراه – المرجع السابق – صـ 302.

([34]) "الشرط الجزائي في الفقه الإسلامي" – رسالة دكتوراه – المرجع السابق – صـ 307.

([35]) "الشرط الجزائي في الفقه الإسلامي" – رسالة دكتوراه – المرجع السابق – صـ 309.

بحث في الشرط الحزائي - الجزء الأول

الوجيز في "الشرط الجزائي"

وبيان مصيره في حالة زوال العقد بتقرير بطلانه أو فسخه

مع تطبيقات قضائية لمحكمة النقض المصرية ومحكمة التمييز الكويتية

مُقدمة

الحمد لله وسلاماً على عباده الذين أصطفى.

يقول الله تعالى في القرآن الكريم: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }.([1])

والمقصود بالعقود في الآية – كما جاء في تفسير الجلالين – العهود المؤكدة التي بينكم وبين الله والناس.

وورد في التفسير الميسر لتلك الآية: "يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, أتِمُّوا عهود الله الموثقة, من الإيمان بشرائع الدين, والانقياد لها, وأَدُّوا العهود لبعضكم على بعض من الأمانات, والبيوع وغيرها, مما لم يخالف كتاب الله, وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ...".

ولما كان "الشرط" في العقد، هو جزء من العقد، الذي أُمِرَ المؤمنون بالوفاء به، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد قال في الحديث الشريف: "المسلمون على شروطهم، إلا شرط حرم حلالاً أو أحل حراماً".([2])

وورد عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قوله: "مقاطع الحقوق عند الشروط".

وفي الشريعة السمحاء، الأصل في الشروط "الصحة"، وأنه لا يحرُم منها ويبطل، إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله نصاً أو قياساً.

هذا، وقد أُثِرَ عن فضيلة الشيخ/ محمد أبو زهرة (شيخ الأزهر الأسبق) قوله: "أن الصفقات التجارية قد أتسع أفقها وتشعبت أنواعها، وتنوع بحسب العرف التجاري ما يشترطه العاقدون، حتى وجدت عقود لم تكن، وتفنن الناس في الشروط تفنناً باعد بين العقود وأصولها المذكورة في كتب الفقه، ولو حكمنا ببطلان تلك العقود وفساد هاتيك الشروط لصار الناس في حرج وضيق، ولشلت الحركة في الأسواق، ولتقطعت العلاقات التجارية بين الناس، بل لتقطعت الأسباب، فلا تنمو ثروات آحاد الناس، ولا تنمو ثروة الجماعات".([3])

وفي القول بتصحيح الشرط الجزائي سد لأبواب الفوضى والتلاعب بحقوق عباد الله، وسبب من أسباب الحفز على الوفاء بالعهود والعقود؛ تحقيقاً لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود". لذا فقد قررت هيئة كبار العلماء في تاريخ 26/9/2005 بخصوص الشرط الجزائي ما يلي: "إن الشرط الجزائي الذي يجري اشتراطه في العقود شرط صحيح مُعتبر، يجب الأخذ به، ما لم يكن هناك عذر في الإخلال بالالتزام الموجب له يُعتبر شرعاً، فيكون العذر مُسقطاً لوجوبه حتى يزول. وإذا كان الشرط الجزائي كثيراً عرفاً، بحيث يُراد به التهديد المالي، ويكون بعيداً عن مقتضى القواعد الشرعية - فيجب الرجوع في ذلك إلى العدل والإنصاف، على حسب ما فات من منفعة، أو لحق من مضرة. ويرجع في تقدير ذلك عند الاختلاف إلى الحاكم الشرعي عن طريق أهل الخبرة والنظر؛ عملاً بقوله تعالى: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"، وقوله سبحانه: "ولا يجرمنكم شنئان قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى"، وبقوله –صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار".([4])

بغية العقد – تنفيذه – عينياً أو عن طريق التعويض – الاتفاق على تقدير ذلك التعويض – الشرط الجزائي – تكييفه وطبيعته – وأثره – مصيره في حالة زوال العقد وليس انقضائه.

الحديث عن العقد وشروطه

وعلى العموم زوال العقد، والتفرقة بين الزوال والانقضاء

الحديث عن بطلان العقد (العقد الباطل والعقد القابل للإبطال)

وعن فسخ العقد والتفاسخ والإنفساخ والحياة العملية يصدر بهم حكم قضائي

تقييد سلطة القاضي وحكمه بالفسخ كاشف وليس منشئ

وفي حالة زوال العقد المتضمن لشرط جزائي فما مصير هذا الشرط

في الصفحات التالية محاولة للتأصيل القانوني للإجابة على هذا التساؤل..

فهذا البحث الصغير والمتواضع يتركز أساساً في محاولة الوصول إلى إجابة شافية وافية (مع التأصيل القانوني لها) على التساؤل التالي:

- هل يجوز إعمال وتطبيق الشرط الجزائي في حالتي تقرير بطلان أو فسخ العقد المُتضمن لهذا الشرط؟؟

مبحث أول

المبادئ العامة للشرط الجزائي

فرع أول

تعريف بالشرط الجزائي

النصوص قانونية:

نظم المُشرع المصري أحكام "الشرط الجزائي" في ثلاثة مواد من 223 إلى 225 من القانون المدني.

فنص في المادة 223 من القانون المدني المصري على أنه:

"يجوز للمُتعاقدين أن يُحددا مُقدماً قيمة التعويض بالنص عليه في العقد، أو في اتفاق لاحق، ويُراعى في هذه الحالة أحكام المواد من 215 إلى 220".([5])

كما نص في المادة 224 من القانون المدني على أنه: "

لا يكون التعويض الاتفاقي مُستحقاً إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر.

ويجوز للقاضي أن يُخفض هذا التعويض إذا أثبت المدين أن التقدير كان مُبالغاً فيه إلى درجة كبيرة، أو أن الالتزام الأصلي قد نًفِذَ في جزء منه.

ويقع باطلاً كل اتفاق يُخالف أحكام الفقرتين السابقتين".

وأخيراً، نص في المادة 225 من القانون المدني على أنه:

"إذا جاوز الضرر قيمة التعويض الاتفاقي فلا يجوز للدائن أن يُطالب بأكثر من هذه القيمة إلا إذا أثبت أن المدين قد أرتكب غشاً أو خطأً جسيماً".([6])

تعريف الشرط الجزائي ( La Clause Pénale ):

عرف الفقيه الفرنسي "تولييه" الشرط الجزائي بقوله: "الشرط الجزائي هو ذاك الذي يفرض على شخص ضرورة أداء مبلغ أو شيء كعقوبة لعدم قيامه بتنفيذ التزام أو لتأخره في تنفيذه".([7])

كما عرف الدكتور/ عبد المُنعم البدراوي الشرط الجزائي بأنه: "اتفاق سابق على تقدير التعويض الذي يستحقه الدائن في حالة عدم التنفيذ أو التأخر فيه.([8])

وقد عرفت المادة الأولى من اتفاقية "بيوتلكس" المُتعلقة بأحكام الشرط الجزائي والمُوقعة في لاهاى في 26/11/1973، عرفت الشرط الجزائي بأنه: "كل شرط يلتزم بموجبه المدين بدفع مبلغ من المال، أو القيام بأي عمل قانوني آخر، بصفة جزاء أو تعويض، إذا لم يوف بالتزامه".

أمثلة الشرط الجزائي:

ويقول الفقيه الفرنسي "ديموج" في هذا الصدد أن: "الشرط الجزائي يصح أن يكون مبلغاً من النقود، كما يصح أن يكون شيئاً أو عملاً أو امتناعاً (عن عمل) أو تقصير ميعاد في استعمال الحق أو تشديداً في شروط استعماله أو اشتراط ترخيص أو تغيير مكان تنفيذ الالتزام".

والأمثلة على الشرط الجزائي كثيرة متنوعة:

فشروط المقاولة قد تتضمن شرطاً جزائياً يلزم المقاول بدفع مبلغ معين عن كل يوم أو عن كل أسبوع أو عن كل مدة أخرى من الزمن يتأخر فيها المقاول عن تسليم العمل المعهود إليه إنجازه.

ولائحة المصنع قد تتضمن شروطاً جزائية تقضي بخصم مبالغ معينة من أجرة العامل جزاء له على إخلاله بالتزاماته المختلفة.

وتعريفة مصلحة السكك الحديدية أو مصلحة البريد قد تتضمن تحديد مبلغ معين هو الذي تدفعه المصلحة للمتعاقد معها في حالة فقد "طرد" أو فقد رسالة.

واشتراط حلول جميع أقساط الدين إذا تأخر المدين في دفع قسط منها، فهذا شرط جزائي، ولكن من نوع مختلف، إذ هو هنا ليس مقداراً معيناً من النقود قدر به التعويض، بل هو تعجيل أقساط مؤجلة.

وأيضاً إذا اتفق المؤجر والمستأجر على أن يسلم المستأجر عند انتهاء إجارته الأطيان الزراعية المؤجرة إليه خالية من الزراعة، وشرط في العقد تعويض المؤجر عن الإخلال بهذا الاتفاق بأن الزراعة التي عسى أن تكون قائمة عند انتهاء الإيجار تكون ملكاً للمؤجر، كان الاتفاق الأصلي صحيحاً وكان الشرط الجزائي صحيحاً معه.([9])

أغراض الشرط الجزائي:

الأصل في الشرط الجزائي هو أن يكون تقديراً مقدماً للتعويض، ولكن قد يستعمله المتعاقدان لأغراض أخرى، ومن ذلك أن يتفقا على مبلغ كبير يزيد كثيراً على الضرر الذي يتوقعانه، فيكون الشرط الجزائي بمثابة تهديد مالي، وقد يتفقان على مبلغ صغير يقل كثيراً عن الضرر المتوقع، فيكون الشرط الجزائي بمثابة إعفاء أو تخفيف من المسئولية. وإذا ستر الشرط الجزائي غرضاً غير مشروع، كما أخفى إعفاء غير مشروع من المسئولية، كان الشرط بـاطـلاً.([10])

تمييز الشرط الجزائي عما يُشتبه من أوضاع:

1- الشرط الجزائي، والالتزام الشرطي:

تسمية "الشرط" تستخدم في المُصطلح القانوني بمعاني عديدة، فقد يُقصد به الدلالة على جزء من مضمون ما اتفق عليه المتعاقدان، أي جزء من التصرف القانوني أو بند من بنود العقـد([11]). وقد يُقصد به "وصف" للالتزام.([12])،([13])

و"الشرط الجزائي" هو اتفاق يُحدد بموجبه المتعاقدان مُسبقاً مقدار التعويض عند عدم التنفيذ، فهو بند من بنود العقد.

أما "الالتزام الشرطي" فهو التزام يرتبط في وجوده أو زواله بأمر مُستقبل غير مُحقق الوقوع، أي هو التزام مشروط، والشرط فيه (كوصف للالتزام) قد يكون "شرطاً واقفاً"([14]) يترتب على تحققه وجود الالتزام، وقد يكون "شرطاً فاسخاً"([15]) يترتب على تحققه زوال الالتزام.

والتفرقة بين الشرط كوصف والشرط كجزء من مضمون التصرف (أو الاتفاق) تفرقة أساسية، ولذا يجب أن تكون واضحة كل الوضوح، فالشرط كوصف يُعلق على تحققه وجود الالتزام أو زواله، هو واقعة خارجة عن غايات المُتعاملين، أي كما يقول الفقه، عنصر عرضي في الاتفاق، ولا يحمل تعليق نشوء الالتزام عليها (في الشرط الواقف مثلاً) أي قصد إلى الحصول على مُقابل مُعين. وبذا لا يدخل الاتفاق عليها في مضمون العقد، بخلاف الحال بالنسبة لما يسمى بنود العقد، فهي أعباء يتم الاتفاق على تحمل طرف العقد بها كمُقابل لالتزام على الطرف الآخر.([16])

بينما يقول السنهوري أن: "الشرط الجزائي – كتعويض – هو التزام تابع للالتزام الأصلي، وهو التزام مُعلق على شرط لأنه لا يُستحق إلا إذا أصبح تنفيذ الالتزام الأصلي مُستحيلاً بخطأ المدين([17]). وأن تكييف الالتزام بأنه التزام شرطي أو بأنه شرط جزائي يُنظر فيه إلى نية المُتعاقدين.([18])

2- الشرط الجزائي والتهديد المالي ( Les Astreintes ):

تتلخص وسيلة التهديد المالي (التي نظمتها المادتان 213 و 214 من القانون المدني المصري) في أن القاضي يلزم المدين بتنفيذ التزامه عيناً في خلال مدة معينة، فإذا تأخر في التنفيذ كان مُلزماً بدفع غرامة تهديدية عن هذا التأخر، مبلغاً مُعيناً عن كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر أو أية وحدة زمنية أخرى أو عن كل مرة يأتي عملاً يخل بالتزامه، وذلك إلى أن يقوم بالتنفيذ العيني أو إلى أن يمتنع نهائياً عن الإخلال بالالتزام. ثم يرجع إلى القاضي فيما تراكم على المدين من غرامات تهديدية، ويجوز للقاضي أن يخفض هذه الغرامات أو أن يمحوها بتاتاً.([19])

ومما تقدم نستطيع أن نميز بين التهديد المالي والشرط الجزائي من الوجوه الآتية:

فالتهديد المالي يحكم به القاضي، أما الشرط الجزائي فيتفق عليه الدائن والمدين.

والتهديد المالي "تحكمي" لا يقاس بمقياس الضرر، وإنما يُقصد به التغلب على عِناد المدين، فينظر إلى موارده المالية وقدرته على مُقاومة الضغط، أما الشرط الجزائي فالأصل فيه أن يقاس بمقياس الضرر.

والتهديد المالي "حكم وقتي تهديدي"، فهو لا يقبل التنفيذ إلا إذا حول من غرامة تهديدية إلى تعويض نهائي. أما الشرط الجزائي فليس بوقتي ولا تهديدي، وإنما هو اتفاق قابل للتنفيذ بحالته. وإذا جاز تخفيض الشرط الجزائي للمُبالغة في التقدير، فالأصل فيه عدم التخفيض، أما التهديد المالي فالأصل فيه التخفيض، لأنه يكون عادة أزيد بكثير من الضرر الحقيقي، فيغلب تخفيضه عند تحويله إلى تعويض نهائي.

وليس التهديد المالي إلا وسيلة غير مباشرة للتنفيذ العيني، أما الشرط الجزائي فعلى العكس من ذلك يتصل بالتعويض لا بالتنفيذ العيني.

والتهديد المالي يقدر عن كل وحدة زمنية أو عن كل مرة يخل فيها المدين بالتزامه. أما الشرط الجزائي فلا يُقدر على هذا النحو إلا إذا كان تعويضاً عن تأخر المدين في تنفيذ التزامه، فإذا كان تعويضاً عن عدم التنفيذ فإنه يُقدر عادة مبلغاً مقطوعاً (Forfaitaire).

ومن المُقرر في قضاء محكمة النقض المصرية أن: " مُؤدى النص المادة 213/2 من القانون المدني أن الغرامة التهديدية وسيلة للضغط على المدين لحمله على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً كلما كان ذلك ممكناً، ومن ثم فهي ليست تعويضاً يقضى به للدائن ولكنها مبلغ من المال يقدر عن كل وحدة زمنية يتأخر فيها عن تنفيذ هذا الالتزام أو عن كل مرة يخل به، فهي ليست مبلغاً يقدر دفعة واحدة، حتى يتحقق معنى التهديد، ولا تقرر إلا بحكم القاضي بناء على طلب الدائن، ويتفرع على ذلك أن الحكم بها يُعتبر وقتياً لأن القاضي يجوز له أن يزيد في مقدارها إمعاناً في تهديد المدين لحمله على التنفيذ أو العدول عنها إذا رأى أنه لا جدوى منها ومن ثم تختلف عن الشرط الجزائي الذي يجوز بمقتضاه للدائن والمدين أن يتفقا مقدماً على التعويض المُستحق لأولهما في حالة ما إذا لم يقم الثاني بالوفاء بالتزامه، هو سبب استحقاق التعويض لا الشرط الجزائي الذي يترتب على وجوده في العقد اعتبار الضرر واقعاً في تقدير المتعاقدين ومن ثم لا يكلف الدائن بإثباته كما يفترض معه أن تقدير التعويض على أساسه يتناسب مع الضرر الذي أصابه ولا يكون على القاضي إلا القضاء به إلا إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه ضرر أو أن التقدير كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة إذا يكون له في تلك الحالة ألا يقضي بالتعويض أو يخفضه إلى الحد المناسب".([20])

3- الشرط الجزائي والعربون ( Les Arrhes ):

إذا كانت دلالة العربون هي جواز العدول عن العقد([21])، فإنه يجوز لكل من المتعاقدين أن يرجع في العقد بعد إبرامه نظير دفع مبلغ العربون، فيُشتبه العربون بالشرط الجزائي من هذه الناحية، وقد يُحمل العربون على أنه شرط جزائي لتقدير التعويض في حالة العدول عن العقد.

ولكن الفرق كبير بين العربون والشرط الجزائي، ويظهر هذا الفرق في النواحي التالية:

العربون هو المُقابل لحق العدول عن العقد، فمن أراد من المُتعاقدين أن يعدل عن العقد كان ذلك في مُقابل دفع العربون، أما الشرط الجزائي فتقدير لتعويض عن ضرر قد وقع ويترتب على ذلك أن الالتزام بدفع العربون قائم حتى ولو لم يترتب على العدول عن العقد أي ضرر، أما الشرط الجزائي فلا يُستحق إلا إذا وقع ضرر للدائن.

والعربون لا يجوز تخفيضه، سواء كان الضرر الذي أصاب المُتعاقد الآخر من جراء العدول عن العقد مُناسباً للعربون أو غير مُناسب، بل يجب دفع مبلغ العربون كما هو حتى ولو لم يلحق الطرف الآخر أي ضرر من العدول عن العقد. أما الشرط الجزائي فيجوز تخفيضه حتى يتناسب مع الضرر.

ويمكن تكييف العربون بأنه البدل في التزام بدلي. ففي البيع مع العربون مثلاً، يلتزم المشتري التزاماً أصلياً بدفع الثمن في مُقابل أخذ المبيع، وله إذا شاء أن يعدل عن هذا المحل الأصلي – دفع الثمن في مُقابل أخذ المبيع – إلى محل بدلي هو دفع مبلغ العربون في غير مُقابل([22]). أما الشرط الجزائي فتكييفه القانوني هو أنه تعويض اتفاقي، لا هو بالتزام تخييري ولا هو بالتزام بدلي. ومن ثم لا يكون المدين حراً – بخلاف المشتري في المثل المُتقدم – في العدول عن تنفيذ التزامه الأصلي إذا كان هذا التنفيذ مُمكناً إلى تنفيذ الشرط الجزائي، بل يتعين عليه أن يقوم بتنفيذ التزامه الأصلي إذا طُلِبَ منه ذلك. وينبغي دائماً الرجوع إلى نية المُتعاقدين لمعرفة ما إذا كانا قد أرادا بالعربون تحديد قيمة جزافية لا يجوز الانتقاص منها، أو تقدير تعويض اتفاقي يجوز إنقاصه، لا سيما إذا كان الجزاء المشروط فادحاً.([23])

4- الشرط الجزائي وغرامات التأخير في العقود الإدارية:

المُقرر في قضاء محكمة النقض المصرية أن: "الغرامات التي ينص عليها في العقود الإدارية – على ما جرى به قضاء محكمة النقض – تختلف في طبيعتها عن الشرط الجزائي في العقود المدنية، لأنها جزاء قصد به ضمان وفاء المتعاقد مع الإدارة بالتزامه بحسن سير المرفق بانتظام واطراد، وفي سبيل تحقيق هذه الغاية يحق للإدارة أن توقع الغرامة المنصوص عليها في العقد بمجرد وقوع المخالفة التي تقررت الغرامة جزاء لها، كما أن للإدارة أن تستنزل قيمة هذه الغرامة مما يكون مستحقاً في ذمتها للمتعاقد دون أن يتوقف ذلك على ثبوت وقوع ضرر للإدارة من جراء إخلال المتعاقد معها بالتزامه، ولا يجوز للطرف الآخر أن ينازع في استحقاقها للغرامة بحجة انتفاء الضرر أو المبالغة في تقدير الغرامة إلا إذا أثبت أن الضرر راجع إلى قوة قاهرة أو إلى فعل الإدارة المتعاقد معها".([24])

وعلى ذلك، فالغرامات المنصوص عليها في العقود الإدارية تختلف عن الشرط الجزائي في أن القانون جعل من وقوع المخالفة التي تقررت الغرامة جزاء لها، قرينة قانونية لا تقبل إثبات العكس على حدوث ضرر للجهة الإدارية، وأن هذا الضرر المفترض لا يقل عن قيمة الغرامة المقررة، وبالتالي لا يجوز للمتعاقد مع الإدارة أن ينازع في هذه القرينة القانونية، فلا هو يستطيع أن يزعم عدم استحقاق الغرامة بحجة انتفاء الضرر، ولا هو يستطيع المجادلة بأن الضرر الواقع أقل من قيمة الغرامة وأن تلك الغرامة قد تمت المبالغة في تقدير قيمتها. وإن كان لهذا المتعاقد أن ينفي ركن الخطأ في جانبه بإثبات أن وقوع المخالفة التي تقررت الغرامة جزاء لها راجع إلى قوة قاهرة أو سبب أجنبي أو خطأ الإدارة ذاتها. كما أن للإدارة في حالة ما إذا كان الضرر الذي أصابها أكبر من قيمة الغرامة المقررة، ولم تستطع الحصول على مستحقاتها بالطرق الإدارية، أن تلجأ للقضاء للمطالبة باستكمال قيمة التعويض المستحق لها عما أصابها من أضرار بسبب المخالفة التي ارتكبها المتعاقد معها.

فضلاً عن أن للجهة الإدارية في حالة وقوع المخالفة التي تقررت الغرامة جزاء لها، أن توقع الغرامة بمجرد وقوع المخالفة وبدون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو اتخاذ أي إجراء آخر؛ فالإدارة توقع الجزاء بنفسها مباشرة دون اللجوء إلى القضاء.([25])

وقد قضت المحكمة الإدارية العليا (في مصر) بأنه: "ومن حيث أنه بالنسبة لغرامة التأخير فإنه طبقاً لما أستقر عليه قضاء هذه المحكمة فإن غرامات التأخير في العقود الإدارية تختلف عن الشرط الجزائي في العقود المدنية، وذلك أن الشرط الجزائي في العقود المدنية هو تعويض متفق عليه مقدماً يستحق في حالة إخلال أحد المتعاقدين بالتزامه فيشترط فيه ما يشترط لاستحقاق التعويض بوجه عام من وجوب حصول ضرر للمتعاقد الآخر وإعذار للطرف المقصر وصدور حكم به وللقضاء أن يحققه إن ثبت أنه لا يتناسب والضرر الذي لحق بالمتعاقد، بينما الحكمة في الغرامات التي ينص عليها في العقود الإدارية هي ضمان تنفيذ هذه العقود في المواعيد المتفق عليها حرصاً على حسن سير المرافق العامة بانتظام واضطراد، وقد نصت لائحة المناقصات والمزايدات على حق الإدارة في توقيعها بمجرد حصول التأخير ولو لم يترتب عليه ضرر ودون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو اتخاذ أية إجراءات قضائية أخرى، ومن ثم فالجهة الإدارية توقعها بنفسها دون حاجة إلى حكم بها إذا أخل المتعاقد بالتزامه قبلها ولا يقبل منه إثبات عدم حصول ضرر لها من تأخيره في تنفيذ التزامه فاقتضاء الغرامة منوط بتقديرها باعتبارها القوامة على حسن سير المرافق العامة".([26])

وعلى ذلك فالغرامات المنصوص عليها في العقود الإدارية تختلف من هذه الأوجه عن الشرط الجزائي الذي يشترط فيه وقوع ضرر وسبق إنذار للطرف المقصر ولا يوقع – عند المنازعة في استحقاقه – إلا عن طريق القضاء الذي يملك تخفيضه إذا كان الضرر الحادث أقل من قيمة التعويض الاتفاقي المتمثل (المتمثل هنا في الغرامة) كما لا يملك الطرف المضرور المطالبة بأكثر من قيمة التعويض الاتفاقي إلا إذا أثبت الغش أو الخطأ الجسيم في حق الطرف المقصر.


([1]) سورة المائدة – الآية رقم 1.

([2]) رواه الترمذي.

([3]) أنظر: "الشرط الجزائي في الفقه الإسلامي" – رسالة دكتوراه مُقدمة من الباحث/ عبد المُحسن سعد الرويشد لكلية الحقوق جامعة القاهرة في عام 1983 – صـ 607 وما بعدها.

([4]) أبحاث هيئة كبار العلماء - المجلد الأول - صـ 293 : 296.

([5]) ويُطابق النص في القوانين المدنية العربية الأخرى: في القانون المدني السوري المادة 224، وفي القانون المدني العراقي المادة 170/1، وفي القانون المدني الليبي المادة 226. وفي قانون الموجبات والعقود اللبناني تنص المادة 266/1 على أن: "للمتعاقدين أن يعينوا مُقدماً في العقد أو في صك لاحق، قيمة بدل العطل والضرر في حالة تخلف المديون عن تنفيذ الموجب كله أو بعضه"، فصياغة النص اختلفت في القانون اللبناني ولكن الحكم واحد. وفي القانون المدني الكويتي (رقم 67 لسنة 1980) تنص المادة 302 على أنه: "إذا لم يكن محل الالتزام مبلغاً من النقود، يجوز للمتعاقدين أن يُقدرا مُقدماً التعويض، في العقد أو في اتفاق لاحق" واستبعاد النص للالتزامات التي يكون محلها مبلغاً من النقود يتفق مع الشرع الحنيف حتى لا يتخذ من "التعويض الاتفاقي" ستاراً لمعاملات ربوية محرمة شرعاً. وقد أكد المشرع الكويتي ذلك، بنصه في المادة 305 من القانون المدني الكويتي على أن: "يقع باطلاً كل اتفاق على تقاضي فوائد مقابل الانتفاع بمبلغ من النقود أو مقابل التأخير في الوفاء بالالتزام به. ويعتبر في حكم الفائدة كل منفعة أو عمولة أياً كان نوعها اشترطها الدائن إذا ما ثبت أن ذلك لا يقابله خدمة حقيقة متناسبة يكون الدائن قد أداها فعلاً". وليت المشرع المصري، وسائر المشرعين العرب والمسلمين، أن يحتذوا بالمشرع الكويتي في شأن انصياعه لأمر التشريع الإسلامي الذي يحرم الربا في شتى صوره وأشكاله.

([6]) ويقابل نص المادتين 224 و 225 من القانون المدني المصري في القوانين العربية الأخرى ما يلي: في القانون المدني السوري نص المادتين 225 و 226 وهما مُطابقتان للنص المصري، وفي القانون المدني العراقي المادة 170 الفقرتين الثانية والثالثة وهي مُطابقة للنص المصري فيما عدا كلمة "فادحاً" بدلاً من عبارة "مُبالغاً فيه إلى درجة كبيرة". وفي القانون المدني الليبي المادتين 227 و 228 وهما مُطابقتان للنص المصري. وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني المادتين 266 (فقرة 2 و 3) و 267. فتنص المادة 266 فقرة 2 و3 لبناني على = أن: "ولقد وضع البند الجزائي لتعويض الدائن من الأضرار التي تلحق به من عدم تنفيذ الموجب. فلا يحق له أن يطالب بالأصل والغرامة معاً، إلا إذا كان البند الجزائي قد وضع لمجرد التأخير أو على سبيل إكراه المديون على الإيفاء. ويحق للقاضي أن يخفض غرامة الإكراه إذا وجدها فاحشة. وللقاضي أن ينقص البدل المعين في البند الجزائي إذا كان قد نفذ قسم من الموجب الأصلي". كما تنص المادة 267 لبناني على أن: "البند الجزائي صحيح معمول به وإن كان موازياً في الواقع لبند ناف للتبعية. وإنما تستثنى حالة الخداع الذي يرتكبه المديون". وفي القانون المدني الكويتي نص المادتين 303 و 304 وهما مُطابقتان "تقريباً" للنص المصري.

([7]) Toullier: « Le Droit Civil Français ». 5e ed T. 6 No. 799.

([8]) أنظر: للدكتور عبد المُنعم البدراوي – "النظرية العامة للالتزامات" – الأحكام – طبعة 1971 – صـ 80.

([9]) أنظر: "الوسيط في شرح القانون المدني" – للدكتور/ عبد الرزاق أحمد السنهوري – الجزء الأول: "نظرية الالتزام بوجه عام" – المُجلد الثاني: "الإثبات – آثار الالتزام" – طبعة لجنة الشريعة الإسلامية بنقابة المُحامين 2006 القاهرة – بند 477 – صـ 767 وهوامشها.

([10]) وسيط السنهوري – المرجع السابق – جـ 1 – مجلد 2 – بند 477 – صـ 767 وما بعدها وهامش 3 صـ 767 وما بعدها.

([11]) ويُسمى بالفرنسية Clause .

([12]) ويُسمى بالفرنسية Condition .

([13]) كما تُستعمل لفظة "الشرط" للدلالة على ما يستلزمه القانون في واقعة ليرتب عليها أثر قانوني مُعين، فالرسمية "شرط" لصحة التصرف القانوني بالهبة أو بالرهن الرسمي، والتسجيل في بيع العقار "شرط" لنقل الملكية بين المُتعاقدين (وفقاً لنص القانون) وبالنسبة إلى الغير، وحدوث الضرر "شرط" لنشوء التزام بالتعويض على عاتق مُرتكب الخطأ، والحاجة "شرط" لاستحقاق النفقة، والشرط في كل هذه الصور ليس وصفاً للالتزام، بل هو عنصر يلزم توافره لاكتمال الواقعة التي يترتب عليها أثر من الآثار القانونية، ولذا فإتمام التسجيل ليس شرطاً واقفاً لنشوء حق المُشتري في ملكية العقار، وكذا الرسمية في الرهن أو في الهبة، أو حدوث ضرر في الالتزام بالتعويض أو الحاجة في الالتزام بالنفقة. ويُلاحظ أن الشرط بهذا المعنى يُعبر عنه باللغة الفرنسية بنفس الكلمة الدالة على الشرط بمعنى الوصف (Condition). وفي اصطلاح الفقه الإسلامي، يُسمى الشرط بمعنى الوصف: "شرط التعليق"، أما الشرط كبند من بنود العقد، فيُسمى "شرط التقييد".

أنظر: "النظرية العامة للالتزام" – للدكتور/ جميل الشرقاوي – الكتاب الثاني "أحكام الالتزام" – طبعة 1981 القاهرة – بند 51 – هامش 1 صـ 163.

([14]) Condition Suspensive .

([15]) Condition Résolutoire .

([16]) أنظر: "النظرية العامة للالتزام" – للدكتور/ جميل الشرقاوي – الكتاب الثاني "أحكام الالتزام" – طبعة 1981 القاهرة – بند 51 – صـ 161 وما بعدها وهوامشها.

([17]) وسيط السنهوري – المرجع السابق – جـ 1 – مجلد 2 – بند 486 و 487 – صـ 775 و 776 وهامش 1 صـ 776.

([18]) وسيط السنهوري – المرجع السابق – جـ 1 – مجلد 2 – بند 488 – هامش 1 صـ 777.

ومن المُقرر في قضاء محكمة النقض المصرية أن: "المقرر في قضاء هذه المحكمة أن العبرة في تكييف العقد والتعرف على حقيقة مرماه وتحديد حقوق الطرفين فيه إنما هي بما حواه من نصوص وبما عناه المُتعاقدان، دون اعتداد بما أطلقوه عليه من أوصاف متى تبين أن هذه الأوصاف تخالف الحقيقة. وأن لمحكمة الموضوع استخلاص - نية المُتعاقدين - وما انعقد عليه اتفاقهما مُستهدية في ذلك بحقيقة الواقع والنية المُشتركة وطبيعة التعامل والعرف الجاري في المعاملات وظروف التعاقد وبالطريقة التي يتم بها تنفيذ العقد، شريطة أن يكون هذا الاستخلاص سائغاً ولا مُخالفة فيه للثابت في الأوراق".

نقض مدني في الطعن رقم 336 لسنة 53 قضائية – جلسة 23/5/1991 مجموعة المكتب الفني – السنة 42 – الجزء الأول – صـ 1180 – فقرة 1 و 2.

([19]) وسيط السنهوري – المرجع السابق – جـ 1 – مجلد 2 – بند 446 – صـ 727 وما بعدها.

([20]) نقض مدني في الطعن رقم 411 لسنة 59 قضائية – جلسة 29/12/1993 مجموعة المكتب الفني – السنة 44 – صـ ... – فقرة 1.

([21]) تنص المادة 103 من القانون المدني المصري على أن: "دفع العربون وقت إبرام العقد يُفيد أن لكل من المُتعاقدين الحق في العدول عنه، إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك. فإذا عدل من دفع العربون، فقده. وإذ عدل من قبضه، رد ضعفه. هذا ولو لم يترتب على العدول أي ضرر".

([22]) فالعربون الذي يدفع في مُقابل العدول عن العقد يمكن تكييفه بأنه البدل في التزام بدلي، ويكون المدين ملتزماً أصلاً بالالتزام الوارد في العقد ودائناً بالحق الذي يقابل هذا الالتزام، ولكن تبرأ ذمته من الالتزام الأصلي ويسقط الحق المُقابل له إذا هو أدى العربون، ومؤدى ذلك أن العدول في حالة دفع العربون لا يكون عن العقد في جملته، بل عدول عن الالتزام الأصلي والحق المُقابل له، والعربون بدل مُستحق بالعقد، إنما هو تنفيذ للعقد في أحد شطريه وهو البدل، لا عدول عن العقد في جملته. أنظر: وسيط السنهوري – المرجع السابق – جـ 1 – مجلد 1 – بند 142 – هامش 3 صـ 220.

([23]) وسيط السنهوري – المرجع السابق – جـ 1 – مُجلد 2 – بند 490 – صـ 778 وما بعدها وهوامشها.

([24]) نقض مدني في الطعن رقم 471 لسنة 30 قضائية – جلسة 26/10/1965 مجموعة المكتب الفني – السنة 16 – صـ 922.

([25]) أنظر: المادة 23 من القانون رقم 89 لسنة 1998 بشأن المُناقصات والمزايدات المصري، وكذلك المادة 83 من اللائحة التنفيذية لقانون المناقصات والمزايدات الصادرة بقرار وزير المالية رقم 1367 لسنة 1998.

([26]) الطعن رقم 1130 لسنة 33 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 20/4/1993. والطعن رقم 61 لسنة 2 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 21/9/1960. والطعن رقم 94 لسنة 9 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 11/12/1965.