الأربعاء، 13 مايو 2009

إجارة الوقف

إجارة الوقف

القوانين المنظمة لإجارة الوقف:

الأصل العام:

نظمت نصوص القانون المدني (الشريعة العامة للمعاملات) أحكام إجارة الوقف وذلك في المواد من 628 إلى 634. وعني فيها المُشرع بتعيين من يجوز له تأجير الوقف أو استئجاره (المواد 628 : 630)، وبأجرة الوقف (المادتان 631 و 632)، ومدته (المادة 633).

أما ما عدا ذلك من المسائل المتعلقة بإيجار الوقف، فقد تركت للقواعد العامة، وهي في الأصل القواعد العامة للإيجار في الشريعة الإسلامية، ولكن المشرع الوضعي استبدل بها قواعد عقد الإيجار المنصوص عليها في القانون المدني، حيث نصت المادة 634 مدني على أنه: "تسري أحكام عقد الإيجار على إجارة الوقف إلا إذا تعارضت مع النصوص السابقة". وبناء على ذلك، أصبح إيجار الوقف يخضع

- أولاً لأحكام المواد من 628 : 633 مدني (وهي التي قننت فيها أحكام الشريعة الإسلامية)،

- ثم لأحكام الإيجار بوجه عام المنصوص عليها في المادة 558 مدني وما بعدها من القانون المدني،

- ثم لسائر أحكام الشريعة الإسلامية.

الاستثناء من الأصل العام:

غير أنه نظراً لصدور بعض قوانين خاصة بإيجار أنواع معينة من الأموال، مثل قانون إيجار الأماكن (القانون رقم 121 لسنة 1947 وما استبدل به من قوانين أخرى)، وقانون الإصلاح الزراعي (رقم 178 لسنة 1952 والقوانين المعدلة له)، فإن هذه القوانين تكون هي الواجبة التطبيق أولاً على إيجار الوقف، كل منها في نوع الأموال الموقوفة الذي يندرج تحت حكمه، وتعتبر ناسخة سائر الأحكام فيما يتعارض معها، ثم يطبق في خصوص المسائل التي لا تتناولها تلك القوانين أحكام الإيجار وذلك على الترتيب الوارد فيما تقدم.

اقتصار أحكام إيجار الوقف على الوقف الخيري فقط:

بصدور القانون رقم 180 لسنة 1952 المعدل بالمرسوم بقانون رقم 342 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات، وحل الأوقاف الأهلية القائمة، وملكها للمستحقين فيها، لم يبق في الوقت الحاضر إلا الوقف الخيري الذي يكون الموقوف عليه جهة بر لا تنقطع، والوقف الخيري هو الذي ينحصر فيه تطبيق أحكام إيجار الوقف.

أما الأوقاف الأهلية، حتى إذا ظلت تحت يد وزارة الأوقاف، باعتبارها حارسة قانونية عليها، لإدارتها ومحاسبة المستحقين فيها لحين تسليمها إليهم، فلا تخضع لأحكام إيجار الوقف سالفة الذكر.

وكذلك ما تقوم وزارة الأوقاف أو هيئة الأوقاف ببنائه أو شرائه (ولو بمال البدل أو ريع الأوقاف) من أموال وعقارات، بحيث تكون هي المالكة مباشرة لتلك الأموال وليست مجرد ناظرة أو مديرة لها، لا تخضع لأحكام إيجار الوقف المتقدم ذكرها.

فأحكام إيجار الوقف لا تطبق إلا على الأوقاف الخيرية فقط والتي يقوم الناظر على الوقف بتأجيرها، أما ما عدا ذلك فلا تطبق عليه أحكام إيجار الوقف.

مدة إيجار الوقف:

في الوقف الخيري، الذي يقوم الناظر عليه بتأجيره، يُشترط ألا تزيد مدة الإجارة عن ثلاث سنوات، حيث تنص المادة 633 من القانون المدني على أنه: "

1- لا يجوز للناظر بغير إذن القاضي أن يؤجر الوقف مدة تزيد على ثلاث سنين ولو كان ذلك بعقود مترادفة، فإذا عقدت الإجارة لمدة أطول، أنقصت المدة إلى ثلاث سنين.

2- ومع ذلك إذا كان الناظر هو الواقف أو المستحق الوحيد، جاز له أن يؤجر الوقف مدة تزيد على ثلاث سنين بلا حاجة إلى إذن القاضي، وهذا دون إخلال بحق الناظر الذي يخلفه في طلب إنقاص المدة إلى ثلاث سنين".

ويبين من حكم الفقرة الأولى أن المشرع أخذ بأحكام الشريعة الإسلامية من حيث أنه منع الناظر من تأجير الوقف لأكثر من ثلاث سنوات إلا بإذن القاضي – والمفروض أن القاضي لا يأذن إلا لضرورة كما لو كان الوقف محتاجاً إلى العمارة ولا يقبل المستأجر تعميره إلا إذا أستأجره مدة طويلة – وقد حل مجلس الوكلاء حالياً محل القضاء في الإذن بالتأجير لمدة تزيد عن ثلاث سنوات طبقاً لأحكام قانون تنظيم وزارة الأوقاف وتعديلاته – وقد جعل المشرع جزاء هذا المنع النقص لا البطلان. أي أنه في حالة مجاوزة المدة المُقررة، لا بطلان الإجارة، بل مجرد نقص مدتها إلى الحد الجائز شرعاً وقانوناً، مع إلزام الناظر بالتعويض إذا ثبت سوء نيته، ولا يقبل من المستأجر ادعاؤه بعدم علمه بحدود سلطة الناظر في التأجير إذ الواجب عليه أن يطلب من الناظر إطلاعه على شروط الوقف وعلى تقرير النظر.

من له طلب إنقاص المدة:

خلاصة ما تقدم، إنه لا يجوز إجارة الوقف الخيري لأكثر من ثلاث سنوات إلا في حالتين: الأولى- إذا أذن القاضي بذلك، والثانية- إذا كان الناظر هو الواقف أو المستحق الوحيد.

فإذا أجر الناظر أعيان الوقف في غير هاتين الحالتين لأكثر من المدة الجائزة لا يكون طلب إنقاص المدة إلا من الناظر الذي يخلفه بعد عزله أو من الناظر المنضم إليه إذا بقي مع انضمام ناظر إليه. فلا يجوز ذلك للناظر نفسه، ولا يجوز للمستحقين في الوقف، وإنما يكون لهؤلاء أن يطلبوا عزل الناظر الذي جاوز حدود سلطته بهذه الإجارة وتعيين ناظر آخر مكانه يتولى هو طلب إنقاص المدة. فما دام الناظر الذي أبرم الإجارة الزائدة عن الحد القانوني متولياً على الوقف، فإن هذه الإجارة تبقى سارية . فإذا ما تغير هذا الناظر وتقرر نقص المدة، كان للمستأجر حق الرجوع عليه بالتعويض عن الأضرار التي أصابته بسبب ذلك. (المرجع: "الوافي في شرح القانون المدني" – للدكتور/ سليمان مرقس – الجزء الثالث: في العقود المسماة – المجلد الثاني: عقد الإيجار – الطبعة الرابعة 1993 القاهرة – بند 323 – صـ 907).

حكم نقض:

من المُقرر في قضاء النقض أنه: "إذا كان الناظر هو المُستحق الوحيد، ولم يمنعه الواقف من ذلك، جاز له أن يؤجر أعيان الوقف لمدة تزيد على ثلاث سنوات، ويسرى الإيجار ما دامت نظارته باقية، فإذا ما انتهت، جاز للناظر الذي يخلفه إذا لم تكن الإجارة قد انقضت وكانت المدة الباقية منها أكثر من ثلاث سنوات أن ينقص المدة إلى ثلاث سنوات". (نقض مدني في الطعن رقم 36 لسنة 25 قضائية – جلسة 25/6/1959 مجموعة المكتب الفني – السنة 10 – الجزء الثاني – صـ 488 – فقرة 3).

هذا، والله أعلى وأعلم،،،

أشرف رشوان

المحامي بالنقض

Ashraf.rashwan@gmail.com

العقود الإدارية

العقود الإدارية

Les Contrats administratif

تمهيد:

تسلك الجهات الإدارية، وهي بصدد مباشرتها لاختصاصاتها وأداء وظائفها المتعددة، طريقين رئيسيين هما: "القرارات الإدارية" و "التعاقد".

وعندما تشرع الجهة الإدارية في "التعاقد" فإنها تختار أحد أسلوبين لإبرام ذلك التعاقد، إما أسلوب "القانون الخاص" وإما أسلوب "القانون العام".

فليس كل ما تعقده "الإدارة" من تعاقدات يُعد "عقوداً إدارية" تخضع لأحكام القانون العام ويختص بالفصل في منازعاتها القضاء الإداري؛ لأنه حينما تختار الجهة الإدارية أسلوب "القانون الخاص" في إبرام عقودها، فهي تكون هنا مثل أي شخص من أشخاص القانون الخاص (سواء طبيعي أو اعتباري) ويُطبق على عقدها المبرم بهذا الأسلوب، أحكام القانون الخاص، ويختص بالفصل في المنازعات الناشئة عن تلك العقود "القضاء العادي".

فلا تُعد عقوداً إدارية إلا العقود التي تبرمها الجهة الإدارية بأسلوب "القانون العام"، أي تعقدها الجهة الإدارية بوصفها "سلطة عامة" وبهدف تنظيم سير "مرفق عام" أو إدارته أو استغلاله، فتلك فقط هي التي تعد عقوداً إدارية، ويُطبق عليها أحكام القانون العام، ويختص بالفصل في المنازعات الناشئة عنها "القضاء الإداري".

تعريف "العقد الإداري":

يُعرف "العقد الإداري" بأنه: "العقد الذي يبرمه شخص معنوي عام، بقصد إدارة مرفق عام أو بمناسبة تسييره، وشريطة أن يُظهر نيته في العقد باختيار أسلوب القانون العام وأحكامه، وذلك بأن يُضمن العقد شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص".

وقد عرفت المحكمة الدستورية العليا "العقد الإداري" بأنه: "هو الذي يكون أحد طرفيه شخصاً معنوياً عاماً، يتعاقد بوصفه سلطة عامة، وأن يتصل العقد بنشاط مرفق عام، بقصد تسييره أو تنظيمه، وأن يتسم بالطابع المميز للعقود الإدارية وهو انتهاج أسلوب القانون العام فيما تتضمنه هذه العقود من شروط استثنائية بالنسبة إلى روابط القانون الخاص".([1])

شروط "العقد الإداري":

يلزم توافر ثلاثة شروط في العقد حتى يُعتبر عقداً إدارياً:

1- أن تكون جهة الإدارية طرفاً في العقد.

2- أن يتصل العقد بنشاط مرفق عام.

3- أن يتفق طرفا العقد على الأخذ بوسائل القانون العام، وذلك بتضمين العقد شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص.

فمن المُقرر في قضاء محكمة النقض أنه: "لما كانت العقود التي تبرمها الإدارة مع الأفراد – وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض – لا تعتبر عقوداً إدارية إلا إذا تعلقت بتسيير مرفق عام أو تنظيمه، وأظهرت الإدارة نيتها في الأخذ بشأنها بأسلوب القانون العام وأحكامه واقتضاء حقوقها بطريق التنفيذ المباشر، وذلك بتضمين العقد شروطاً استثنائية غير مألوفة بمنأى عن أسلوب القانون الخاص، أو تحيل فيها الإدارة على اللوائح الخاصة بها، وكان البين من الأوراق أن العقد موضوع الدعوى لم يتضمن شروطاً استثنائية وغير مألوفة في عقود القانون الخاص وتكشف عن نية الإدارة في اختيار وسائل القانون العام، وهو ما يفقده ركناً جوهرياً من أركانه كعقد إداري ويخرجه بالتالي من دائرة العقود الإدارية".([2])

ومن أمثلة الشروط الاستثنائية الغير مألوفة في القانون الخاص: حق الإدارة في تعديل العقد بإرادتها المنفردة، أو حق الإدارة في فسخ العقد بدون اللجوء إلى القضاء، أو حق الإدارة في توقيع جزاءات على المتعاقد معها ...الخ.

مع ملاحظة أنه:

1- يجب لاعتبار العقد "عقداً إدارياً" توافر الشروط الثلاثة سالفة الذكر مجتمعة، أما في حالة تخلف أي شرط منها فلا يُعد العقد "عقداً إدارياً".

2- وأن العقود التي تبرمها "الشركات القابضة" التي حلت محل هيئات القطاع العام، لا تعتبر عقوداً إدارية، بل تعتبر عقوداً خاصة، طبقاً لأحكام القانون رقم 203 لسنة 1991، ما لم تبرم العقد مع شخص معنوي عام، وبوصفه سلطة عامة، ومتعلقاً نشاطه بمرفق عام. فيكتسب العقد هنا صفة "العقد الإداري" ليس لكون الشركات القابضة هي التي عقدته بل لكون المتعاقد الآخر في العقد هو شخص عام وعقد العقد بصفته سلطة عامة ويتعلق موضوع العقد بمرفق عام، وشريطة أن يتسم العقد بالطابع المميز للعقود الإدارية أي أن يتضمن شروط استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص.

طرق إبرام العقد الإداري:

تعبر الجهة الإدارية عن إرادتها في إبرام عقد إداري، عن طريق نشر إعلان تدعو فيه من يرغب في التعاقد معها إلى التقدم بعطائه، وهذا العطاء هو "الإيجاب"، ولا يتم التعاقد إلا بعد صدور "القبول" من السلطة المختصة في الجهة الإدارية.

وعلى ذلك، فعملية إبرام العقد الإداري تتم على مراحل ثلاثة، هي:

1- الإعلان.

2- الإيجاب.

3- القبول.

1- الإعلان:

يُقصد بالإعلان، إخطار ذوي الشأن عن المُناقصة (أو المُزايدة) التي ستجرى، وإبلاغهم عن كيفية الحصول على "كراسة" الشروط العامة والمواصفات وقائمة الأسعار.

فيجب أن يسبق عملية التعاقد، صدور قرار بذلك من السلطة المُختصة في الجهة الإدارية، ثم يتم الإعلان عن شروط التعاقد وفقاً للقواعد التي بينتها اللائحة التنفيذية([3]) لقانون المُناقصات والمُزايدات رقم 89 لسنة 1998(المادة 27 من قانون المُناقصات والمُزايدات).([4])

فيُشترط أن يتم الإعلان، في وقت مناسب، وعلى مرتين، في صحيفة أو صحيفتين يوميتين واسعتي الانتشار؛ ويبين فيه على الأخص: الجهة التي يُقدم إليها العطاء، وآخر موعد لتقديمه، والصنف أو العمل المطلوب، ومبلغ التأمين المُؤقت، ونسبة التأمين النهائي، وثمن كراسة الشروط ومُلحقاتها، وأية بيانات أخرى تراها الجهة الإدارية ضرورية لصالح العمل.

كما يتم الإعلان عن المُناقصات الخارجية، في مصر والخارج، باللغتين العربية والإنجليزية، ويطلب إلى سفارات الدول الأجنبية أو قنصلياتها بحسب الأحوال، إخطار المُشتغلين بنوع النشاط موضوع التعاقد بتلك الدول بصيغة الإعلان عن المُناقصة.

ويجوز بالإضافة إلى ما تقدم، أن يتم الإعلان في غير ذلك من وسائل الإعلام واسعة الانتشار، وذلك بموافقة السلطة المختصة، بحسب أهمية وقيمة التعاقد (المادة 12 من اللائحة التنفيذية لقانون المناقصات والمزايدات).

وإذا تقرر طرح أكثر من مناقصة في تاريخ واحد، أو تواريخ متقاربة، فيتم النشر عنها في إعلان واحد (المادة 13 من اللائحة التنفيذية لقانون المناقصات والمزايدات).

والتكييف القانوني "للإعلان" هو أنه: "دعوة للتعاقد" عن طريق التقدم بالعطاء.([5])

ويهدف "الإعلان" إلى تحقيق مبادئ العلانية والمساواة وحرية المنافسة، بما يحقق المصلحة العامة للمرفق العام، بإتاحة اختيار أفضل المتعاقدين مع الجهة الإدارية من ناحيتي السعر والكفاءة الفنية. ولهذا يترتب على عدم صحة الإعلان، أو عدم إجرائه أصلاً، أو مخالفة المواعيد، بطلان المُناقصة أو المُزايدة.

وقد أفتت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بأن: "نص المادة 15 من اللائحة (التنفيذية لقانون المناقصات والمزايدات القديم، والمُقابلة لنص المادة 12 من قانون المناقصات والمزايدات الحالي) أوجب الإعلان عن المُناقصات العامة قبل إجرائها، بوقت مناسب، في الصحف اليومية، لحكمة مفادها ضمان اتصال علم الكافة بها حتى يتقدم لها أكبر عدد ممكن من المتناقصين ضماناً للوصول إلى أنسب العروض وأكثرها تحقيقاً للصالح العام بحسب الغاية التي تستهدفها الإدارة من إبرام العقد، وقد ورد النص بصيغة الوجوب، بمعنى أن الإعلان عن المناقصة العامة قبل إجرائها بوقت مناسب في الصحف اليومية يُعد إجراءاً جوهرياً يتعين مُراعاته في جميع الأحوال وإلا تعين إعادة طرحها من جديد مع الإعلان عنها في الصحف اليومية دون التذرع في مثل هذا الصدد بنفاد البند المخصص للنشر، حيث يتعين على جهة الإدارة مُسبقاً – وفي مثل هذه الأحوال – أن تتخذ الإجراءات اللازمة لتعزيز هذا البند بما يسمح بالإعلان عن جميع المناقصات العامة التي تزمع طرحها في الصحف اليومية، طالما أنها تعلم مقدماً بما سوف تجريه من مناقصات عامة، وإلا انتفت الحكمة التي تغياها النص من الإعلان وأصبح مثل هذا النص عديم الجدوى".([6])

2- الإيجاب:

الإيجاب هو تقدم الشخص "بالعطاء" إلى جهة الإدارة، ويطلب فيه أن يتم التعاقد على أساس هذا العطاء.

ويبدأ ميعاد تقديم العطاء من تاريخ الإعلان عن المناقصة. ويبقى العطاء المقدم نافذاً وسارياً من تاريخ تصديره بمعرفة مقدمه بغض النظر عن تاريخ استلام جهة الإدارة له. ويظل العطاء سارياً حتى نهاية المدة المعينة به؛ إلا إذا أراد مقدمه الرجوع فيه وقبل الموعد المحدد لفتح المظاريف، فيجوز له ذلك إلا أنه يخسر التأمين المؤقت الذي دفعه عند تقديم عطائه، ويصبح هذا التأمين المؤقت حقاً خالصاً لجهة الإدارة دون حاجة لتنبيه أو لإنذار أو للالتجاء إلى القضاء أو لإثبات جهة الإدارة وقوع ضرر لها من جراء عدول مقدم العطاء عنه.

فالقاعدة هي أن مقدم العطاء يلتزم بعطائه، من وقت تصديره، إلى نهاية المدة المحددة في شروط العطاء، وذلك تطبيقاً للقاعدة العامة في مجال القانون الخاص (المادة 93 من القانون المدني) والتي لم ير المشرع موجباً للخروج عليها في مجال عقود الإدارة، إلا أنه يرد على هذه القاعدة استثناءان:

1- الاستثناء الأول- هو جواز تعديل العطاء، بشرطين:

أ‌. أولهما: أن يكون موضوع التعديل هو خفض أسعار العطاء.

ب‌. وثانيهما: أن يصل التعديل إلى جهة الإدارة قبل الموعد المُحدد لفتح المظاريف.

2- والاستثناء الثاني- هو جواز العدول عن العطاء بسحبه، ويُشترط فيه كذلك أن يتم قبل الموعد المحدد لفتح المظاريف، وفي هذه الحالة يوقع على مقدم العطاء جزاء يتمثل في مصادرة التأمين المودع عن عطائه.([7])

أما عند انقضاء المدة المحددة في العطاء، فيجوز لمقدم العطاء سحبه مع استرداد التأمين المؤقت، ففي هذه الحالة يصبح العطاء لاغياً وغير نافذ المفعول.

وفي حالة ما إذا وضع مقدم العطاء اشتراطات خاصة، فيتعين عليه أن يثبتها في كتاب مرافق لعطائه وأن يشير إلى هذا الكتاب في العطاء نفسه. أما إذا أراد أن يجري تعديلاً في عطائه بعد أن أرسله بالفعل لجهة الإدارة، فعليه أن يرسل التعديل كتابةً إلى جهة الإدارة شريطة أن يصلها قبل الموعد المحدد لفتح المظاريف. أما بعد فتح المظاريف بالفعل، فلا يعتد بأي مزاعم لمقدم العطاء بشأن حصول خطأ في عطائه، لكون سكوته حتى فتح العطاء المقدم منه يعتبر بمثابة موافقة منه على ما ورد فيه.

3- القبول:

ويصدر القبول من جهة الإدارة باعتماد السلطة المختصة لقرار إرساء المُناقصة وإبرام العقد، ولا يترتب على هذا القبول أثره إلا من تاريخ علم ذوي الشأن به.

وثمة قيود تحد من حرية جهة الإدارة في إبرام العقد، نذكر منها ما يلي:

1- الإذن المالي:

حيث لا تتمكن جهة الإدارة من إبرام التعاقد، إلا إذا توافر لديها الاعتماد المالي اللازم للوفاء بالالتزامات التعاقدية. ولكن لا يترتب على مخالفة هذا القيد بطلان العقد، وإن ترتب على تلك المخالفة تقرير المسئولية الإدارية.

2- الإذن بالتعاقد:

يأخذ "الإذن بالتعاقد" عدة أشكال، فمنها ما يصدر بقانون، مثل عقود القرض العام. ومنها ما يصدر بقرار جمهوري، أو قرار وزاري. ومنها ما يصدر بقرار من المجالس الإدارية، مثل عقود الهيئات اللامركزية (إقليمية أو مصلحية) حيث لا بد قبل أن تبرم تلك الهيئات لعقودها، أن يصدر قرار من مجلس إدارة الهيئة بالموافقة على التعاقد قبل توقيع السلطة المختصة للعقود، بل وقد يلزم أحياناً التصديق على العقد من قِبل سلطة الوصاية.

3- الاستشارات السابقة:

الاستشارة السابقة يقصد بها التزام جهة الإدارة بالرجوع إلى جهة معينة لاستطلاع رأيها قبل إبرام العقد، وذلك بغية تفادي أية أخطار سواء اقتصادية أو فنية أو قانونية. ومثال ذلك اشتراط قيام جهة الإدارة بأخذ رأي لمجلس الدولة قبل إبرامها العقود التي تزيد قيمتها على نصاب معين([8])، أو وجوب استشارة وزارة الدفاع قبل شراء الأسلحة والذخائر.

والاستشارة السابقة نوعان: استشارات ملزمة، واستشارات غير ملزمة. وقد يوجب القانون على جهة الإدارة اللجوء إلى الاستشارة السابقة ولكنه لا يلزمها بالأخذ بالرأي الذي انتهت إليه. ويختلف الجزاء المترتب على عدم لجوء جهة الإدارة إلى الاستشارة السابقة باختلاف نوع هذه الاستشارة، وبصفة عامة لا يترتب بطلان التعاقد إلا في حالة مخالفة الجهة الإدارية لالتزامها باللجوء إلى الاستشارة السابقة "الملزمة" حتى ولو كان مخولاً لجهة الإدارة عدم التقيد بالرأي الاستشاري.

هذا، والله أعلى وأعلم،،،

أشرف رشوان

المحامي بالنقض

Ashraf.rashwan@gmail.com



([1]) من حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 1 لسنة 12 قضائية "تنازع" – بجلسة 5/1/1991 مجموعة أحكام المحكمة الدستورية العليا – الجزء الرابع – صـ 536.

([2]) نقض مدني في الطعن رقم 1258 لسنة 58 قضائية – جلسة 26/6/1990. ونقض مدني في الطعن رقم 3953 لسنة 60 قضائية – جلسة 16/6/1991. ونقض مدني في الطعن رقم 59 لسنة 55 قضائية – جلسة 12/4/1992.

([3]) الصادرة بقرار وزير المالية رقم 1367 لسنة 1998، والمنشورة بالوقائع المصرية في العدد 201 "تابع" بتاريخ 6/9/1998.

([4]) المنشور بالجريدة الرسمية في العدد 19 "مكرر" بتاريخ 8/5/1998.

([5]) ولا يختلف الوضع هنا عنه في القانون الخاص، حيث أن المشروع التمهيدي للقانون المدني كان ينص في المادة 134 منه على أن: "النشر، والإعلان، وبيان الأسعار الجاري التعامل بها، وكل بيان آخر مُتعلق بعروض أو طلبات مُوجهة للجمهور أو للأفراد، لا تعتبر عند الشك إيجاباً، وإنما يكون دعوة إلى التفاوض". وقد حذف هذا النص في لجنة المُراجعة لعدم الحاجة إليه، إذ يسهل على القضاء تطبيق هذا الحكم دون النص عليه. (مجموعة الأعمال التحضيرية – جـ 2 – صـ 41 في الهامش). والتفاوض هو دعوة للتعاقد وللاتفاق على شروط هذا التعاقد.

([6]) فتوى رقم 512 بتاريخ 17/7/1985 – ملف رقم 67/141.

([7]) فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة رقم 318 بتاريخ 18/3/1965.

([8]) وقد أفتت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة بأنه حتى وإن أصبح إبرام العقد أمراً واقعاً، بدون أخذ رأي مجلس الدولة قبل إبرامه، فإن لمجلس الدولة مراجعته من الناحية القانونية (بعد إبرامه) لإبداء ما عساه أن يوجد فيه من ملاحظات، والجهة الإدارية وشأنها بعد ذلك في تدارك ذلك إن أمكن مع الطرف الآخر في العقد. (الفتوى رقم 1075 بتاريخ 17/12/1960.

الاثنين، 11 مايو 2009

الإقامة شرط الاستفادة من الامتداد القانوني لعقد إيجار المسكن

تنص الفقرة الأولى من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 في شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر على أن: "لا ينتهي عقد إيجار المسكن بوفاة المستأجر أو تركه العين، إذا بقي فيها زوجة أو أولاده أو أي من والديه الذين يقيمون معه حتى الوفاة أو الترك".

ومفاد ذلك أن شرط الاستفادة من الامتداد القانوني لعقد الإيجار هو "الإقامة" وليس "الإرث"، فمن المُقرر في قضاء محكمة النقض أن: "النص في الفقرة الأولى من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 يدل على أن المشرع عدد حالات استمرار إيجار المسكن الخاضع لتشريعات إيجار الأماكن بعد وفاة المستأجر الأصلي أو تركه العين حصراً، جاعلاً القاعدة فيمن يستمر العقد لصالحه من ذويه الذين أوردهم تحديدا ـ هي "الإقامة" مع المستأجر الأصلي ولم يجعل ركيزة هذه القاعدة علاقة "الإرث" بين المستأجر الأصلي وورثته". (نقض مدني في الطعن رقم 2511 لسنة 65 قضائية – جلسة 7/2/1996 مجموعة المكتب الفني – السنة 47 – صـ 313 – فقرة 1).

فيشترط إقامة طالب الاستفادة من الامتداد القانوني مع المستأجر الأصلي في العين المؤجرة قبل وفاته، حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "مفاد نص الفقرة الأولى من المادة 29 من القانون 49 لسنه 1977- وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض- أنه يكفى لكي يتمتع أي من هؤلاء بميزة الامتداد القانوني لعقد الإيجار أن تثبت له إقامة مع المستأجر بالعين المؤجرة، أيا كانت مدتها وأيا كانت بدايتها بشرط أن تستمر حتى تاريخ الوفاة أو الترك". (نقض مدني في الطعن رقم 3025 لسنة 59 قضائية – جلسة 27/3/1994 مجموعة المكتب الفني – السنة 45 – صـ 561 – فقرة 6).

وقد تواتر قضاء النقض على أن: "امتداد عقد الإيجار بعد وفاة المستأجر أو تركه العين لصالح زوجته أو والديه. م 29/1 من ق 49 لسنة 1977. مناطه إقامتهم معه إقامة مستقرة حتى الوفاة أو الترك". (ذات الطعن السابق).

وكذلك قضت محكمة النقض بأنه: "إذ كان مؤدى نص المادة 29/1 من القانون رقم 49 لسنة 1977 أن المشرع رغبة منه في حماية شاغلي الأماكن المؤجرة ولحل أزمة الإسكان استحدث في المادة المذكورة حكماً يقضى باستمرار عقد الإيجار وامتداده في حالة وفاة المستأجر أو تركه العين المؤجرة لصالح زوجه أو أولاده أو أي من والديه أو أقاربه حتى الدرجة الثالثة بشرط أن تثبت إقامتهم معه بها مدة حددها بالنسبة لهؤلاء الأقارب بسنة سابقة على الوفاة أو الترك أو مدة شغله للمسكن أيهما أقل، وينبني على ذلك أنه إذا لم تقم بالمستفيد من أقارب المستأجر المقيم معه بالعين المؤجرة وقت الوفاة أو الترك ضرورة ملحة وحاجة دافعة إلى استعمالها لسكناه، فلا تتحقق الغاية المستهدفة بهذا النص الاستثنائي ويحيد عن الغرض الذى وضع حكم الامتداد القانوني لعقد إيجار المسكن من أجله فلا مجاله لتطبيقه لانتفاء علته والاعتبارات التي أملته". (نقض مدني في الطعن رقم 2905 لسنة 61 قضائية – جلسة 21/11/1993 مجموعة المكتب الفني – السنة 44 – صـ 236 – فقرة 3).

وأيضاً قضت محكمة النقض بأن: "النص في الفقرة الأولى من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنه 1977 - يدل على أن المشرع تقديرا منه لقوة الرابطة التي تجمع بين المستأجر وبين زوجه وأولاده والتي قد تقوم عليها التزامات قانونية وواجبات أدبية بإعالتهم ورعايتهم خص هذه الطائفة من الأقارب وهم أقارب الدرجة الأولى نسبا بميزة لامتداد عقد الإيجار إليهم متى توافرت أقامتهم بالعين وقت وفاة المستأجر أو تركه لها ... وباعتبار أن الامتداد القانوني لعقد الإيجار هو استثناء من الأصل في أن هذا العقد بطبيعته من العقود الرضائية الموقوتة وأن الضرورة التي فرضت على المشرع تقرير الاستثناء إنما تقدر بقدرها فلا ينبغي التوسع في تطبيق هذا الاستثناء". (نقض مدني في الطعن رقم 1315 لسنة 61 قضائية – جلسة 22/1/1992 مجموعة المكتب الفني – السنة 43 – صـ 215 – فقرة 1).

وتقدير توافر شرط الإقامة من عدمه من إطلاقات محكمة الموضوع دون رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض، حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "مؤدى نص الفقرة الأولى من المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 - في شأن تأجير الأماكن - أن المشرع رغبة منه في حماية شاغلي المساكن المؤجرة ولحل أزمة الإسكان استحدث في المادة المذكورة حكماً يقضى باستمرار عقد الإيجار وامتداده في حالة وفاة المستأجر أو تركه العين المؤجرة لصالح زوجته أو أولاده أو أي من والديه المقيمين معه وقت الوفاة أو الترك ويكفى لكي يتمتع هؤلاء بميزة الامتداد القانوني لعقد الإيجار أن يثبت لهم إقامة مستقرة مع المستأجر الأصلي بالعين المؤجرة أياً كانت بدايتها بشرط أن يستمر حتى تاريخ الوفاة أو الترك، وإن انقطاع المستفيد عن الإقامة في العين المؤجرة لسبب عارض مهما استطالت مدته لا يحول دون قيامها. وإن الفصل في كون الإقامة مستقرة من عدمه من إطلاقات قاضى الموضوع دون معقب عليه في ذلك من محكمة النقض". (نقض مدني في الطعن رقم 211 لسنة 53 قضائية – جلسة 6/3/1991 مجموعة المكتب الفني – السنة 42 – صـ 655 – فقرة 3).

ويقصد بالإقامة التي تبيح وتتيح للمستفيد من الامتداد القانوني التمتع بهذه الميزة، أن تكون – كما عرفتها محكمة النقض: "الإقامة المُستقرة المعتادة وانصراف نية المقيم إلى أن يجعل من هذا المسكن مراحه ومغداه بحيث لا يعول على مأوى دائم وثابت سواه، فتخرج الإقامة العارضة والعابرة والموقوتة مهما استطالت وأياً كان مبعثها ودواعيها ... وكان الفصل في كون الإقامة مستقرة أم لا مطلق سلطة قاضي الموضوع دون معقب عليه متى أقام قضاءه على أسباب سائغة". (الطعن رقم 146 لسنة 43 قضائية – جلسة 28/12/1977).

ووقت الاعتداد بالإقامة هو وقت وفاة المستأجر الأصلي، فلا يعتد بالإقامة اللاحقة، فمن المُقرر في قضاء النقض أن: "الإقامة التي يترتب عليها امتداد عقد الإيجار لصالح المستفيدين من حكم المادة 29/1 ق 49 لسنة 1977. بعد وفاة المستأجر أو تركه العين. المقصود بها. الإقامة المستقرة حتى الوفاة أو الترك دون الإقامة اللاحقة". (نقض مدني في الطعن رقم 3246 لسنة 60 قضائية – جلسة 30/11/1994).

بل وقضت محكمة النقض بأنه: "إذا توفى المستأجر الأصلي في أثناء تمتعه بالامتداد القانوني لعقد الإيجار ولم يكن أحد مقيماً معه في العين المؤجرة قبل وفاته، ثم أقام فيها بعد وفاته أحد من أقاربه، فإن أقامته هذه تعتبر شغلاً للعين بدون سند، وبالتالي غصباً، فيجوز لمالك العين ولو لم يكن هو المؤجر للمستأجر الأصلي الذي توفى أن يطلب طرد الشاغل الجديد باعتباره غاصباً وذلك استنادا إلى ملكيته فقط ودون حاجة إلى الاستناد إلى عقد الإيجار". (نقض مدني في الطعن رقم 1077 لسنة 49 قضائية - جلسة 1/11/1984).

لما كان ذلك، وكان المستأجر الأصلي لعين التداعي قد توفي، وكان وريثه لا تنطبق في حقه شروط الامتداد القانوني لعقد إيجار عين التداعي حيث لم تثبت إقامته في العين المؤجرة معه قبل وفاته، ومن ثم يحق للمؤجر المطالبة بإنهاء عقد الإيجار لوفاة المستأجر الأصلي وعدم وجود من يستفيد من الامتداد القانوني، مع إخلائه منها، وإلزامه بتسليمها للمؤجر خالية من الأشياء والأشخاص بالحالة التي كانت عليها عند التعاقد، مع إلزام المعلن إليهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المُحاماة، بحكم مشمول بالنفاذ المعجل بلا كفالة.

أشرف رشوان

المحامي بالنقض

ashraf.rashwan@gmail.com

السبت، 9 مايو 2009

نفاذ عقود الإيجار القديمة في حق المالك الجديد للعقار

تنص المادة 146 من القانون المدني على أنه: "إذا أنشأ العقد التزامات وحقوقاً شخصية تتصل بشيء انتقل بعد ذلك إلى خلف خاص، فإن هذه الالتزامات والحقوق تنتقل إلى هذا الخلف في الوقت الذي ينتقل فيه الشيء، إذا كانت من مستلزماته وكان الخلف الخاص يعلم بها وقت انتقال الشيء إليه".

ويبين من هذا النص أنه يُشترط لانصراف أثر العقد إلى الخلف الخاص توافر الشروط الآتية:

الشرط الأول: أن يوجد عقد منشئ لالتزامات وحقوق شخصية تتصل بالشيء الذي انتقل بعد ذلك إلى الخلف الخاص. وأن تكون هذه الالتزامات والحقوق الشخصية من مستلزمات هذا الشيء.

الشرط الثاني: أن يكون تصرف السلف سابقاً على انتقال الشيء إلى الخلف الخاص.

الشرط الثالث: أن يعلم الخلف الخاص بالحقوق والالتزامات المُترتبة على تصرف السلف وقت تلقيه ملكية الشيء محل التعاقد.

هذا، وتنص الفقرة الأولى من المادة 604 من القانون المدني على أنه: "إذا انتقلت ملكية العين المُؤجرة اختياراً أو جبراً إلى شخص آخر، فلا يكون الإيجار نافذاً في حق هذا الشخص إذا لم يكن له تاريخ ثابت( 1 ) سابق على التصرف الذي نقل الملكية". فقد جاء هذا النص تطبيقاً إلى حد كبير للمادة 146 سالفة الذكر..

حيث أنه بالنسبة للشرط الأول: اعتبر المُشرع الحقوق والالتزامات الناشئة عن عقد الإيجار مُكملة لملكية العين المُؤجرة من ناحية، ومُحددة لها من ناحية أخرى بحيث تدخل في مقومات هذه العين وتنتقل معها إلى من تلقي ملكيتها.

وبالنسبة للشرط الثاني: فقد نصت عليه المادة 604 صراحة إذا اشترطت لنفاذ الإيجار في حق الخلف الخاص أن يكون له تاريخ ثابت سابق على التصرف الذي نقل الملكية.

أما بالنسبة للشرط الثالث: فقد تغاضى عنه المُشرع، فلم يستلزم لنفاذ الإيجار في حق من انتقلت إليه الملكية أن يكون الأخير على علم به وقت انتقال الملكية إليه. ويُعتبر حكم المادة 604 فيما يتعلق بذلك خروجاً على القاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 146. ومعنى ذلك أن الإيجار ينصرف إلى الخلف بحكم القانون.

وحكم المادة 604 مدني لا يسري على البيع فقط، سواء كان بيعاً اختيارياً أو جبرياً، وإنما يسري على كل عقد ناقل للملكية كالمُقايضة والهبة والوصية والشفعة ...الخ.

ويترتب على نفاذ الإيجار في حق مُتلقي ملكية العين، كالمُشتري والموهوب له والموصى له، انصراف آثار الإيجار إليه منذ تاريخ العقد إن كان وارداً على منقول ومن تاريخ تسجيله إذا كان وارداً على عقار. ولو كانت مدة الإيجار لا تبدأ إلا بعد صدور التصرف أو كان المُستأجر لم يضع يده على العين المُؤجرة. فيثبت للخلف حقوق المؤجر ويلتزم بالتزاماته، وذلك بحكم القانون نفسه وبتمام التصرف غير متوقفة على علم المُستأجر.

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "خلافة المُشتري للبائع على الحقوق والواجبات المتولدة من عقد الإيجار تحدث بحكم القانون نفسه وبتمام البيع، غير متوقفة على علم المُستأجر، فلا يجري على هذه الخلافة حكم حوالة الديون ولا حكم الحلول محل الدائن بالوفاء له". (نقض مدني في الطعن رقم 92 لسنة 3 قضائية – جلسة 22/11/1934 – مجموعة عمر – جـ 1 – صـ 496 وما بعدها).

إلا أن المادة 30 من القانون رقم 49 لسنة 1977 بشأن إيجار وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر تنص على أنه: "استثناءً من حكم المادة 604 من القانون المدني تسري عقود الإيجار القائمة على المالك الجديد للعقار ولو لم يكن لسند الإيجار تاريخ ثابت بوجه رسمي سابق على تاريخ انتقال الملكية".

فقد أوردت هذه المادة استثناءً على القواعد العامة المُتقدم ذكرها، مُقتضاه أن عقود الإيجار القائمة وقت العمل بالقانون 49 لسنة 1977 تسري في حق المالك الجديد الذي تنتقل إليه ملكية العين، أياً كان سبب هذه الملكية، كالبيع أو الهبة أو المُقايضة أو الشركة أو الشفعة أو غير ذلك من أسباب نقل الملكية، ولو لم يكن لعقد الإيجار تاريخ ثابت (بأحد الطرف سالفة الذكر في الهامش رقم 1) سابق على تاريخ انتقال الملكية.

ولا يُشترط علم المالك الجديد بعقود الإيجار قبل انتقال الملكية إليه.

وقد ورد هذا الاستثناء كذلك في القانون رقم 121 لسنة 1947 بالمادة 12 وبالقانون رقم 52 لسنة 1969 بالمادة 22.

ويسري هذا الاستثناء على وجود العلاقة الإيجارية، ومدتها، والامتداد القانوني الذي يترتب عليها، وباتخاذها أساساً لحساب الأجرة القانونية، وعلى سائر الشروط الواردة بالعقد. حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "النص في المادة الثانية والعشرين من القانون رقم 52 لسنة 1969 في شأن إيجار الأماكن التي تقابل المادة الثانية عشر من القانون رقم 121 لسنة 1947 (المُقابلة للمادة 30 من القانون 49 لسنة 1977) على أنه "استثناء من حكم المادة 604 من القانون المدني تسري عقود الإيجار القائمة على المالك الجديد للعقار ولو لم يكن لسند الإيجار تاريخ ثابت بوجه رسمي على تاريخ انتقال الملكية" يدل على أن الأجرة المحددة بعقد الإيجار الخاضع لقانون إيجار الأماكن الصادرة من المالك السابق حجة على المالك الجديد دون اشتراط أن يكون له تاريخ ثابت سابق على التصرف الناقل للملكية، وترتيباً على ذلك فإن اتفاق المالك السابق والمستأجر أثناء الامتداد القانوني للعقد على أجرة تقل عن الأجرة القانونية حجة على المالك الجديد ولو لم يكن لهذا الاتفاق تاريخ ثابت سابق على التصرف الناقل للملكية ما لم يثبت المالك الجديد صورية هذا الاتفاق". (نقض مدني في الطعن رقم 221 لسنة 47 قضائية – جلسة 5/5/1982).

وفيما عدا الأحكام الواردة بقانون إيجار الأماكن، فإن العلاقة بين المالك الجديد والمستأجر تخضع لأحكام القانون العام، فلا يجوز للمستأجر أن يتمسك بما عجله من الأجرة قِبل من انتقلت إليه الملكية إذا أثبت هذا أن المُستأجر وقت الدفع كان يعلم بانتقال الملكية أو كان من المفروض حتماً أن يعلم بها، فإذا عجز من انتقلت إليه الملكية عن الإثبات فلا يكون له إلا الرجوع على المؤجر (المالك القديم – طبقاً لنص المادة 606 من القانون المدني).

وينبني على ما تقدم، أن قيام المالك الجديد بتحرير عقد إيجار باسمه مع المستأجر لا يعني قيام علاقة إيجارية جديدة بل يعتبر استمراراً للعلاقة الايجارية ذاتها. حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "النص في المادة 22 من القانون رقم 52 لسنة 1969 – الذي تخضع له واقعة النزاع – على أنه "استثناء من حكم المادة 604 من القانون المدني تسري عقود الإيجار القائمة على المالك الجديد ولو لم يكن لسند الإيجار تاريخ ثابت بوجه رسمي سابق على تاريخ انتقال الملكية"، يدل على أن عقد الإيجار يظل سارياً في حق المالك الجديد بذات شروطه دون حاجة لتحرير عقد إيجار جديد وأن قيام المالك الجديد بتحرير عقد إيجار باسمه مع المستأجر لا يعني قيام علاقة إيجارية جديدة، بل يعتبر استمراراً للعلاقة الإيجارية ذاتها". (نقض مدني في الطعن رقم 388 لسنة 49 قضائية – جلسة 10/5/1984).

وبديهي فإنه يُشترط لسريان الإيجار في حق المالك الجديد أن يكون الإيجار عقداً جدياً لا عقداً صورياً، صحيحاً وليس باطلاً، وعلى المالك الجديد يقع عبء إثبات صورية العقد أو عدم صحته.

وحتى ولو كان عقد الإيجار جدياً وصحيحاً، فإنه يجوز للمالك الجديد أن يثبت أن تاريخه العرفي غير صحيح، وأن الإيجار صادر من المالك القديم بعد صدور التصرف الناقل للملكية، فلا يسري الإيجار في حقه.

ولا يكفي قيام علاقة بين المالك القديم والمستأجر لإثبات الصورية أو التواطؤ على تقديم التاريخ، فإذا كان المستأجر هو أبن للمالكة القديمة فهذه القرابة لا تمنع من أن يكون عقد الإيجار جدياً، وأن يكون تاريخه العرفي صحيحاً، ومن ثم يسري في حق المالك الجديد.

وهذا الاستثناء لا يسري في حق المالك الجديد إلا بالنسبة لما كان قائماً من المباني فعلاً وقت انتقال الملكية إليه.

(المصدر: "موسوعة الفقه والقضاء والتشريع في إيجار وبيع الأماكن الخالية" – للمُستشار/ محمد عزمي البكري – الجزء الثاني – الطبعة الرابعة عشر 2001 القاهرة – البنود من 52 : 54 – صـ 242 : 250).

هذا، والله أعلى وأعلم،،،

أشرف رشوان

المحامي بالنقض


( 1 ) ويُعتبر التاريخ ثابتاً طبقاً للمادة 15 من قانون الإثبات:

1- من اليوم أن يُقيد بالسجل المُعد لذلك.

2- من يوم أن يثبت مضمونه في ورقة أخرى ثابتة التاريخ.

3- من يوم أن يؤشر عليه موظف عام مختص.

4- من يوم وفاة أحد ممن لهم على المُحرر أثر مُعترف من خط أو إمضاء أو بصمة أو من يوم أن يُصبح مستحيلاً على أحد من هؤلاء أن يكتب أو يبصم لعلة في جسمه.

5- من يوم وقوع أي حادث آخر يكون قاطعاً في أن الورقة قد صدرت قبل وقوعه.