السبت، 4 يوليو 2009

صحيفة طعن بالنقض - في دعوى إلزام بتحرير عقد استبدال (بيع أعيان وقف)

محكمة النقض

القلم المدني

صحيفة طعن بطريق النقض

مُقدمة : في يوم الموافق /1/2004م

إلـــي : محكمة النقض "الدائرة المدنية"

مــــن : الأستاذ/ المحامي بالنقض، بصفته وكيلاً عن السيد الأستاذ/ رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية بصفته، بموجب توكيل وتفويض مودعين (رقم التوكيل: 5013 ب لسنة 2003 – توثيق الأهرام النموذجي)، وموطنه القانوني: مركز إدارة الهيئة الرئيسي الكائن برقم 109 شارع التحرير بالدقي - ميدان الدقي - تابع قسم الدقي - محافظة الجيزة. ومحله المختار: إدارة قضايا الهيئة الكائنة برقم 7 "أ" شارع يوسف نجيب - بالعتبة - تابع قسم الموسكي - محافظة القاهرة.

(صفته: طاعن)

ضـــــد

السيد/ الشربيني إبراهيم العشري. ويُقيم في: عزبة منية سندوب – مركز المنصورة – مُحافظة الدقهلية.

(صفته: مطعون ضده)

* وذلك طعناً بالنقض على الحكم الصادر في الاستئناف رقم 2250 لسنة 54 قضائية، من محكمة استئناف عالي المنصورة - الدائرة 5 مدني، بجلسة يوم الثلاثاء الموافق 4/11/2003، والذي قضى في منطوقه بما يلي:

"في الموضوع برفض الاستئناف، وتأييد الحكم المُستأنف، وألزمت المُستأنفين بصفتهما المصاريف ومبلغ مائة جنيه أتعاب مُحاماة".

* وكان الحكم المُستأنف (الحكم الابتدائي) قد صدر من محكمة المنصورة الابتدائية - الدائرة 8 مدني، في الدعوى رقم 571 لسنة 2002 مدني كلي المنصورة، بجلسة يوم الخميس الموافق 18/4/2002، والذي جرى منطوقه على النحو التالي:

"في الدعوى الأصلية: بإلزام المُدعى عليهما بصفتهما بتحرير عقد بيع للمُدعي عن قطعة الأرض المُبينة الحدود والمعالم بعريضة الدعوى وتقرير الخبير بذات الشروط المُقررة بمعرفة مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية وألزمت المُدعى عليهما المصاريف. وفي الدعوى الفرعية: برفضها وألزمت المُدعي بصفته المصاريف وعشرة جنيهات أتعاب مُحاماة".

وقائع النزاع

( وهي جزء لا يتجزأ من أسباب الطعن بالنقض )

1 - تتلخص الوقائع في أن المطعون ضده كان قد أقام الدعوى رقم 968 لسنة 1999 مدني مركز المنصورة، ضد الطاعنين بصفتهما، بطلب إلزامهما بتحرير عقد بيع له عن قطعة الأرض وضع يده والمُقام عليها مباني بمعرفته والبالغ مساحتها تسعون متراً والكائنة بعزبة فاطمة هانم بزمام منية سندوب بمركز المنصورة مُحافظة الدقهلية والموضحة الحدود والمعالم بالصحيفة نظير ثمن إجمالي قدره أربعة آلاف وخمسمائة جنيه على أن يدفع أربعمائة وخمسون جنيهاً مُقدماً وقت التعاقد والباقي يقسطه على عشرين قسطاً سنوياً متساوياً قيمة القسط الواحد 50ر202جم (مائتان واثنان جنيه ونصف الجنيه) مع إلزام المُدعى عليهما بالمصاريف والأتعاب والنفاذ. وذلك على سند من القول بأن هيئة الأوقاف المصرية تمتلك قطعة أرض فضاء كائنة بعزبة فاطمة هانم بزمام منية سندوب بمركز المنصورة تبلغ مساحتها 90 متراً ويضع المُدعي يده على تلك الأرض منذ أكثر من ثلاثين عاماً وأقام عليها سور وبعض المباني ولما كان وزير الأوقاف قد أصدر تعليماته لمُديريات الأوقاف بالمُحافظات ومن بعده مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية بموجب محضر اجتماعه رقم 113 بجلسة 20/5/1993 بالمُوافقة على الإبدال بالمُمارسة لشاغلي الأرض المُقام عليها مباني بأرض العِزب واعتماد السعر الأساسي للإبدال بمبلغ خمسين جنيهاً للمتر المُربع من الأرض بشريطه دفع 10% من إجمالي الثمن وقت التعاقد وباقي الثمن يقسط على عشرين قسطاً سنوياً متساوياً وأن المُدعي تقدم بالطلب رقم 327 في عام 1995 كما تقدم بطلب آخر للشراء برقم 140 في 6/4/1996 إلا أن هيئة الأوقاف المصرية لم تُحرر له عقد بيع عن القطعة موضوع الدعوى الأمر الذي حدا به إلى إقامة الدعوى ابتغاء القضاء له بطلباته.

وأثناء تداول الدعوى بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها أمام محكمة مركز المنصورة الجزئية وجه المُدعى عليه الأول بصفته (رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية) دعوى فرعية ضد المُدعي في الدعوى الأصلية بطلب طرد المُدعى عليه فرعياً من أرض التداعي وتسليمها بما عليها من مبان إلى المُدعي فرعياً بصفته باعتبارها مُستحقة الإزالة مع إلزام المُدعى عليه فرعياً بالمصروفات والأتعاب والنفاذ. وذلك على سند من القول بأن المُدعى عليه فرعياً يضع يده على أرض التداعي المملوكة لجهة الوقف الخيري دون سند من القانون وبالتالي فهو غاصب لها الأمر الذي حدا بالمُدعى عليه الأول بصفته في الدعوى الأصلية إلى توجيه هذه الدعوى الفرعية للقضاء له بطلباته.

وبجلسة 24/8/2000 قضت محكمة مركز المنصورة الجزئية وقبل الفصل في موضوع الدعوى الأصلية والدعوى الفرعية بندب مكتب خبراء وزارة العدل بالدقهلية لتنفيذ ما ورد بمنطوق هذا الحكم التمهيدي، ونحيل إليه منعاً من التكرار، ونفاذاً له أودع الخبير المُختص (السيد/ مُسعد محمد أبو المعاطي) تقريره والذي انتهي فيه إلى أن أرض التداعي مساحتها 90 متر مربع، وأن هذه الأرض ملك هيئة الأوقاف المصرية، وأن المُدعي في الدعوى الأصلية هو واضع اليد عليها منذ عام 1962 وحتى الآن دون سند قانوني، وأن هيئة الأوقاف المصرية لم تقم بتحرير عقد بيع أرض التداعي للمُدعي في الدعوى الأصلية حتى الآن.

وبجلسة 27/12/2001 قضت محكمة مركز المنصورة الجزئية بعدم اختصاصها قيمياً بنظر الدعوى وأحالتها بحالتها إلى محكمة المنصورة الابتدائية لنظرها بجلسة 28/2/2002 وقيدت الدعوى بجدول محكمة المنصورة الابتدائية تحت رقم 571 لسنة 2002 مدني كلي المنصورة، وبجلسة 28/2/2002 قررت محكمة المنصورة الابتدائية حجز الدعوى للحكم لجلسة 18/4/2002 وبتلك الجلسة الأخيرة أصدرت المحكمة حكمها المُتقدم ذكره بقبول الدعوى الأصلية (وإلزام هيئة الأوقاف المصرية بتحرير عقد بيع للمُدعي عن عين التداعي) ورفض الدعوى الفرعية (بطرد المُدعى عليه فرعياً من عين التداعي وتسليمها للهيئة بما عليها من مبان بحسب قيمتها مُستحقة الإزالة).

هذا، وقد أستند حكم محكمة المنصورة الابتدائية في قضائه سالف الذكر على أن المُدعي (في الدعوى الأصلية) يُقيم في عِزبة منية سندوب في أملاك وقف/ فاطمة هانم، وكان مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية قد وافق في اجتماعه رقم 113 بجلسة 20/5/1993 والمُعتمد من السيد وزير الأوقاف بالمُوافقة على الإبدال بالمُمارسة لشاغلي الأراضي المُقام عليها مبان بأرض العِزب، وكان المُدعي (في الدعوى الأصلية) من ضمن شاغلي أرض العِزب في عِزبة فاطمة هانم ومن ثم يكون ممن ينطبق عليهم القرار الصادر في هذا الاجتماع ويكون طلبه بإلزام المُدعى عليهما بصفتهما (في الدعوى الأصلية) بتحرير عقد بيع له عن عين التداعي قد جاء على سند صحيح من القانون ويتعين إلزام المُدعى عليهما بصفتهما بتحرير عقد اسبتدال للمُدعي عن المساحة محل التداعي والمُبينة بعريضة الدعوى، وعن طلب تحديد القيمة عن هذا العقد فإن المحكمة تقضي بتطبيق الشروط المُقررة لعقد الاستبدال والمُقررة بمحضر الاجتماع رقم 113 في 20/5/1993.

2 – ولما لم يلق هذا الحكم الابتدائي سالف الذكر قبولاً لدى هيئة الأوقاف المصرية فقد طعنت عليه بالاستئناف رقم 2250 لسنة 54 قضائية "استئناف عالي المنصورة" بطلب قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم الابتدائي المُستأنف ومن ثم القضاء مُجدداً برفض الدعوى الأصلية وفي الدعوى الفرعية بقبولها وطرد المُستأنف ضده من عين التداعي وتسليمها لهيئة الأوقاف المصرية بما عليها من مباني بحسب قيمتها مُستحقة الإزالة، مع إلزام المُستأنف ضده في جميع الأحوال بالمصروفات والأتعاب عن درجتي التقاضي. وذلك على أسباب حاصلها أن المُستأنف ضده يضع يده على عين التداعي دون إذن أو تصريح أو حتى علم هيئة الأوقاف ومن ثم يُعتبر وضع يده عليها وضع يد غاصب يتعين رفعها وطرده منها كما أن شروط قرار مجلس إدارة الهيئة رقم 113 الصادر بجلسة 20/5/1993 لا تنطبق على المُستأنف ضده لكونه ليس مُستأجراً لتلك الأرض ولا يؤدي عنها مُقابل انتفاع للهيئة ولا تربطه بالهيئة أية علاقة قانونية من أي نوع.

وتداول الاستئناف المذكور بالجلسات على النحو الثابت بمحاضره، وبجلسة 9/10/2002 قدمت هيئة الأوقاف المصرية مُذكرة بدفاعها لمحكمة الاستئناف تمسكت فيها بدفوعها السابقة وأضافت دفعاً آخر: ببطلان الحكم المُستأنف لعدم إدخال النيابة العامة في الدعوى أمام محكمة أول درجة طبقاً للقوانين المعمول بها في هذا الشأن، كما طلبت الهيئة احتياطياً إعادة الدعوى للخبراء لإعادة بحث المأمورية على ضوء اعتراضات الهيئة المُبداه بتلك المُذكرة.

وبجلسة 8/1/2003 قضت محكمة الاستئناف بقبول الاستئناف شكلاً، وقبل الفصل في الموضوع بإعادة المأمورية إلى مكتب الخبراء لإعادة بحثها في ضوء ما ورد بمُذكرة دفاع الهيئة المُستأنفة والمُقدمة بجلسة 9/10/2002 ... إلى آخر ما ورد بمنطوق هذا الحكم.

وقدم الخبير الاستئنافي المُنتدب في الاستئناف (السيد/ مُسعد محمد أبو المعاطي – وهو ذات الخبير الذي باشر المأمورية أول مرة أمام محكمة أول درجة) تقريره الاستئنافي المُؤرخ في 27/7/2003 الذي انتهى فيه إلى أن أرض التداعي في وضع يد المُستأنف ضده منذ مُدة تزيد على خمسة وعشرين عاماً وحتى الآن، ولم يُقدم المُستأنف ضده أي سند لوضع يده على تلك المساحة، وأن أرض التداعي تقع ضمن مباني عزبة فاطمة هانم بزمام منية سندوب، وتنطبق على تلك المساحة الشروط الواردة بالقرار رقم 113 لسنة 1993 (سند المُستأنف ضده في طلباته في صحيفة افتتاح الدعوى أمام محكمة أول درجة)، وقرر الخبير كذلك أن الدفع ببطلان الحكم المُستأنف لعدم إدخال النيابة العامة في الدعوى أمام محكمة أول درجة هو شق قانوني يتم بحثه بمعرفة عدالة المحكمة المُختصة بذلك.

وبجلسة 4/10/2003 قررت محكمة الاستئناف حجز الاستئناف للحكم لجلسة 4/11/2003 مع التصريح بمُذكرات في ثلاثة أيام لمن يشاء مع التصريح بالإطلاع، وقدمت هيئة الأوقاف مذكرة بدفاعها في تلك الفترة صممت فيها على الدفع ببطلان الحكم الابتدائي لعدم إدخال النيابة العامة في الدعوى أمام محكمة أول درجة.

وبجلسة 4/11/2003 قضت محكمة الاستئناف برفض الاستئناف وتأييد الحكم المُستأنف واستندت في قضائها هذا إلى تقرير الخبير الاستئنافي المُؤرخ في 27/7/2003 والذي انتهى فيه إلى أن وضع يد المُستأنف ضده على عين التداعي تزيد على خمسة وعشرين عاماً وتنطبق عليه الشروط الواردة بالقرار رقم 113 لسنة 1993 وكذلك إلى تقرير ذات الخبير المودع بملف أول درجة وإلى ذات أسانيد حكم محكمة أول درجة.

ولما كان هذا القضاء (من محكمة الاستئناف المُؤيد لحكم أول درجة) ، قد جاء مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله، وبالقصور في التسبيب والخطأ في الإسناد ومُخالفة الثابت بالأوراق والتناقض، لذلك، فإن الطاعنين بصفتهما يطعنان على الحكم الاستئنافي المطعون فيه لهذه الأسباب.

أوجـه الطعـن

السبب الأول: الخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله، من عدة وجوه، نذكر منها

الوجه الأول:-

* تنص المادة 3 مُرافعات على أنه: "لا تقبل أي دعوى كما لا يقبل أي طلب أو دفع استناداً لأحكام هذا القانون أو أي قانون آخر لا يكون لصاحبه فيها مصلحة شخصية ومُباشرة وقائمة يُقرها القانون"..

ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "الصفة في الدعوى – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – شرط لازم وضروري لقبولها والاستمرار في موضوعها، فإذا انعدمت فإنها تكون غير مقبولة ويمتنع على المحاكم الاستمرار في نظرها والتصدي لها وفحص موضوعها وإصدار حكم فيها بالقبول أو الرفض، بما لازمة أن تُرفع الدعوى ممن وعلى من له صفة فيها". (الطعن رقم 6832 لسنة 63 قضائية – جلسة 8/3/1995 . المرجع: "الموسوعة القضائية في المُرافعات المدنية والتجارية في ضوء الفقه والقضاء" - للمُستشار/ مجدي مُصطفى هرجه – ص 1268).

* لما كان ذلك، وكان من المُقرر قانوناً (فقهاً وقضاءاً) أن استخلاص الصفة في الدعوى هو مما تستقل به محكمة الموضوع متى أقامت قضائها على أسباب سائغة تكفي لحمله، وكان من المُقرر في قضاء النقض أن: "استخلاص توافر الصفة في الدعوى هو من قبيل فهم الواقع فيها، وهو ما يستقل به قاضي الموضوع، وبحسبه أن يبين الحقيقة التي أقتنع بها وأن يقيم قضاءه على أسباب سائغة تكفي لحمله". (الطعن رقم 1069 لسنة 56 قضائية – جلسة 25/6/1987)..

كما قضي بأن: "شرط قبول الدعوى أمام القضاء قيام نزاع بين أطرافها على الحق موضوع الدعوى حتى تعود على المدعي منفعة من اختصام المدعى عليه للحكم عليه بطلباته، فتكون له مصلحة شخصية ومباشرة مما وصفته المادة الثالثة من قانون المرافعات بأنه المصلحة القائمة التي يقرها القانون". (الطعن رقم 921 لسنة 51 قضائية – جلسة 22/1/1985)..

وكذلك تواترت أحكام محكمة النقض على أن: "المصلحة في الدعوى تعني أن يكون رافع الدعوى هو صاحب الحق أو المركز القانوني محل النزاع أو نائبه، وكذلك المدعى عليه بأن يكون هو صاحب المركز القانوني المعتدي على الحق المدعي به، فيجب أن ترفع الدعوى من ذي صفة على ذي صفة، ويحدد الصفة في الدعوى القانون الموضوعي الذي يحكم الحق أو المركز القانوني موضوع الدعوى، إذ يجب التطابق بين صاحب الحق ورافع الدعوى كما يجب التطابق بين المعتدي على الحق وبين المدعى عليه. ولا تتوافر الصفة في حالة التعدد الإجباري إلا باختصام جميع أفراد الطرف المتعدد سواء في جانب الطرف المدعي فيكون التعدد إيجابياً أو في جانب الطرف المُدعى عليه فيكون التعدد سلبياً، وفي هذه الحالة تكون الصفة في الدعوى سواء إيجابية أو سلبية لعدة أشخاص معاً وليست لشخص واحد، فإذا رفعت الدعوى دون اختصام من يجب اختصامه كانت غير مقبولة لرفعها من أو على غير ذي كامل صفة". (الطعن رقم 176 لسنة 38 قضائية – جلسة 29/11/1973 مجموعة المكتب الفني – السنة 24 – العدد الثالث "من أكتوبر إلى نوفمبر سنة 1973" – الحكم رقم 206 – صـ 1189 : 1193).

* لما كان ما تقدم، وكانت المادة 115/1 مُرافعات تنص على أن: "الدفع بعدم قبول الدعوى يجوز إبداؤه في أية حالة تكون عليها الدعوى".. ولابد من إثبات الصفة في الحكم وإلا كان مشوباً بعيب جوهري موجب لبطلانه (المادتان 3 ، 178 مرافعات)..

وكان من المقرر في قضاء النقض أن: "المادة 115/1 مرافعات تنص على أن الدفع بعدم قبول الدعوى يجوز إبداؤه في أية حالة كانت عليها الدعوى، والمقصود بهذا الدفع هو الدفع بعدم القبول الموضوعي فلا ينطبق حكم هذه المادة على الدفع [الشكلي] الذي يتخذ اسم عدم القبول [أي الدفع بعدم القبول الإجرائي] لأن العبرة هي بحقيقة الدفع ومرماه وليس التسمية التي تطلق عليه". ( الطعن رقم 1863 لسنة 50 قضائية - جلسة 15/5/1984 . المرجع: "التعليق على قانون المرافعات" - للمستشار/ عز الدين الدناصوري - الطبعة الثامنة 1996 القاهرة - التعليق على المادة 115 مرافعات - ص 650 وما بعدها).

حيث أن الدفع بعدم القبول الموضوعي يجوز إبداؤه في أية حالة كانت عليها الدعوى لكفالة حق الدفاع وتمكيناً للخصوم من إثارة كل ما يتعلق بوجود الحق في الدعوى في أية حالة كانت عليها الخصومة، ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف. وهذا الدفع يتعلق بالنظام العام وعلى القاضي أثارته من تلقاء نفسه مادامت أوراق القضية تدل عليه. (المرجع: "الوسيط في شرح قانون القضاء المدني" - للدكتور فتحي والى - الطبعة الثالثة 1981 القاهرة - بند 282 - ص 559 وما بعدها).

* لما كان ما تقدم، وكانت المادة الأولى من القرار الجمهوري بقانون رقم 80 لسنة 1971 بشأن إنشاء هيئة الأوقاف المصرية تنص على أن: "تنشأ هيئة عامة تسمى هيئة الأوقاف المصرية تكون لها الشخصية الاعتبارية".

كما تنص المادة التاسعة من القرار الجمهوري بقانون رقم 1141 لسنة 1972 بشأن تنظيم العمل بهيئة الأوقاف المصرية على أن: "يختص رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية بتمثيل هيئة الأوقاف المصرية أمام القضاء وفى صلاتها بالغير".

ومفاد ذلك أن الممثل القانوني الوحيد لهيئة الأوقاف المصرية أمام القضاء وفي صلاتها بالغير هو السيد/ رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية دون سواه (الطاعن الأول بصفته)، وليس للسيد/ مدير عام منطقة أوقاف الدقهلية بصفته (الطاعن الثاني بصفته – والذي أطلق عليه خطأً اسم: "مُدير هيئة الأوقاف المصرية بالدقهلية") أية صفة في تمثيل الهيئة أمام القضاء أو في صلاتها بالغير، حيث أن منطقة أوقاف الدقهلية رئاسة الطاعن الثاني بصفته ما هي إلا إدارة من إدارات الهيكل التنظيمي لهيئة الأوقاف المصرية التي يمثلها كلها أمام القضاء وفي صلاتها بالغير رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية فقط. ولما كان هذا الدفع مُتعلق بالنظام العام وعلى المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ما دامت أوراق الدعوى تدل عليه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر ولم يقض بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للطاعن الثاني بصفته فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وفي تأويله مُتعيناً نقضه.

الوجه الثاني:-

* هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن المادة 88 من قانون المرافعات تنص على أنه: "فيما عدا الدعاوى المستعجلة يجب على النيابة العامة أن تتدخل في الحالات الآتية وإلا كان الحكم باطلاً.

1- ...

2- ...

3- كل حالة أخرى ينص القانون على وجوب تدخلها فيها".

لما كان ذلك، وكانت الفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون رقم 1 لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية تنص على أنه: "وعلى النيابة العامة أن تتدخل في دعاوى الأحوال الشخصية والوقف التي تختص بها المحاكم الابتدائية أو محاكم الاستئناف وإلا كان الحكم باطلاً".

ويتضح من هذا أن حالات التدخل الإجباري للنيابة العامة نصت عليها المادة 88 من قانون المرافعات، ومن أمثلة الحالات المقصودة بالفقرة الثالثة من المادة 88 مُرافعات ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون رقم 1 لسنة 2000 سالفة الذكر، من وجوب تدخل النيابة في كل قضية تتعلق بالوقف (مما تختص به المحاكم الابتدائية والمحاكم الاستئنافية) وإلا كان الحكم باطلاً.

ففي الحالات التي يكون فيها تدخل النيابة إجبارياً لا يجوز صدور الحكم قبل سماع رأي النيابة، فإذا رُفِعَت دعوى مدنية إلا أنه أُثيرت أثناء نظرها مسألة أولية مما يوجب القانون فيها تدخل النيابة وفصلت المحكمة في المسألة الأولية وبنت قضاءها في الدعوى المدنية على أساس فصلها في المسألة الأولية دون تدخل النيابة فإن الحكم يكون باطلاً وهو بطلان متعلق بالنظام العام. (المرجع: "التعليق على قانون المرافعات" – للمستشار/ عز الدين الدناصوري وحامد عكاز - الجزء الأول - الطبعة الثامنة 1996 القاهرة – صـ 511 و 512).

لما كان ذلك، وكانت المادة 13 من القانون رقم 48 لسنة 1946 بشأن أحكام الوقف تنص على أنه: "فيما عدا حق الواقف الذي شرطه لنفسه، يكون الاستبدال في الوقف من اختصاص المحاكم الشرعية، ولها ذلك متى رأت المصلحة فيه".

ولما كانت المحاكم الشرعية قد ألغيت وحلت محلها المحاكم المدنية (بدوائر الأحوال الشخصية)، وكانت المادة الفقرة الأولى من المادة العاشرة من القانون رقم 1 لسنة 2000 (بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية) تنص على أنه: "تختص المحكمة الابتدائية بنظر دعاوى الأحوال الشخصية التي لا تدخل في اختصاص المحكمة الجزئية، ودعاوى الوقف، وشروطه، والاستحقاق فيه، والتصرفات الواردة عليه".

وعليه، فكلما كان النزاع متعلقاً بأصل الوقف أو إنشائه أو شخص المستحق فيه أو التصرفات الواردة عليه مما كانت تختص به المحاكم الشرعية وأصبح الاختصاص بنظره للمحاكم الابتدائية أو الاستئنافية (بدوائر الأحوال الشخصية في كل منهما)، فان تدخل النيابة يكون واجباً عند نظر هذا النزاع وإلا كان الحكم الصادر فيه باطلاً، ويستوي في ذلك أن تكون الدعوى أصلاً من دعاوى الوقف أو أن تكون قد رفعت باعتبارها دعوى مدنية وأُثيرت فيها مسألة مُتعلقة بالوقف.

حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض: "وجوب تدخل النيابة العامة في الدعاوى المتعلقة بإنشاء الوقف أو بصحته أو بالاستحقاق فيه أو بتغيير شروطه أو بالولاية عليه أو بحصوله في مرض الموت سواء كانت الدعوى أصلاً من دعاوى الوقف أو رفعت باعتبارها دعوى مدنية وأُثيرت فيها مسألة تتعلق بالوقف. عدم تدخل النيابة في هذه الدعاوى لإبداء الرأي يترتب عليه بطلان الحكم. تعلق هذا البطلان بالنظام العام". (الطعن رقم 432 لسنة 35 قضائية - جلسة 23/12/1969 قاعدة رقم 24 ص 1312).

وحيث أنه من المُقرر في قضاء النقض كذلك أن: "الاستبدال من صميم أصل الوقف، لأنه يترتب على الاستبدال إخراج إحدى الأعيان الموقوفة وإحلال غيرها محلها، فهو ماس بمحل عقد الوقف نفسه، وما يمس محل العقد يمس أصله، لأن أصل الوقف هو ذات عقد الوقف، وهو ما كان يمتنع على المحاكم المدنية الفصل فيه قبل إلغاء المحاكم الشرعية، فإنه إذا ما أُثيرت في النزاع مسألة تتعلق باستبدال تلك الأعيان، وهو ما يمس بالوقف بالمعنى المقصود في الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 628 لسنة 1955 (المُقابلة للفقرة الثانية من المادة السادسة من القانون رقم 1 لسنة 2000)، ومن ثم يكون تدخل النيابة العامة وجوبياً عند طرح النزاع أمام المحكمة وإلا كان الحكم الصادر فيها باطلاً". (الطعن رقم 417 لسنة 44 قضائية - جلسة 26/4/1979).

وكذلك من المُقرر في قضاء النقض أنه: "إذا كان البطلان المترتب على عدم تدخل النيابة العامة في الدعاوى المتعلقة بالوقف بطلاناً متعلقاً بالنظام العام فإن لمحكمة النقض أن تقضى به من تلقاء نفسها على الرغم من عدم تمسك الطاعن به بل ومن معارضته في الأخذ به وذلك عملاً بحق المحكمة المقرر بالفقرة الأخيرة من المادة 429 من قانون المرافعات قبل تعديله بالقانون رقم 401 لسنة 1955". (الطعن رقم 353 لسنة 34 قضائية - جلسة 11/4/1968 السنة 19 ص 755. والطعن رقم 359 لسنة 44 قضائية - جلسة 30/11/1977. والطعن رقم 353 لسنة 34 قضائية - جلسة 11/4/1968).

* لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه مُتعلق بتحرير عقد استبدال عن أعيان موقوفة وقفاً خيرياً، ولم تُدخل النيابة العامة في الدعوى التي صدر فيها هذا الحكم مما يوصمه بالبطلان المُطلق لمخالفته قاعدة قانونية آمرة متعلقة بالنظام العام. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله بما يتعين نقضه.

الوجه الثالث:-

هذا من ناحية، ومن ناحية ثالثة فإن لعقد البيع أركاناً له وشروطاً لصحته: فكما تعلمنا من عدلكم فإنه يُشترط في إبرام عقد البيع – كما في سائر العقود – توافر أركان مُعينة تعتبر شروطاً لانعقاده، وتوافر شروط أخرى تعتبر شروطاً لصحته. فأركان البيع أو شروط انعقاده هي ثلاثة الشروط الواجب توافرها في كل عقد أي الرضا والمحل والسبب ويُضاف إليها شرط رابع هو عدم النص المانع. وشروط صحته هي أيضاً شروط صحة العقد بوجه عام، أي أهلية العاقدين وسلامة الرضا من العيوب التي تشوبه.

فأول وأهم ركن في العقد هو ركن الرضا: حيث يُشترط في عقد البيع، كما في سائر العقود، اقتران أرادتين مُتطابقتين، أي وجود إيجاب مُعين وقبول مُطابق له، واقتران الأخير بالأول أي وصوله إلى علم المُوجب.

وتسري على تبادل الإيجاب والقبول الأحكام العامة التي نص عليها المُشرع في المواد 90 وما بعدها من التقنين المدني الحالي.

فمتى يُنتج الإيجاب أثره: الإيجاب لا ينتج أثره إلا إذا وصل إلى علم المُتعاقد الآخر الذي يوجه إليه الإيجاب (المادة 91 مدني)، وهذا هو الإيجاب واجب التسلم (recepticeأما إذا لم يكن من شأن الإيجاب أن يوجه إلى شخص مُعين بالذات، كالوعد بجائزة، فإنه لا يكون واجب التسلم (non recepticeوينتج أثره من تاريخ صدوره. (المرجع: "الوسيط في شرح القانون المدني" - للدكتور عبد الرازق أحمد السنهوري - الجزء الأول: "مصادر الالتزام" - المُجلد الأول: "العقد" - الطبعة الثالثة 1981 القاهرة - بند 81 – صـ 226 وما بعدها وهوامشها).

وإذا عُيِنَ في الإيجاب ميعاداً لقبوله: وإذا عُين في الإيجاب ميعاداً لقبوله، سواء صدر هذا الإيجاب في مجلس العقد أو في غيره، التزم المُوجب بالبقاء على إيجابه إلى أن ينقضي هذا الميعاد (المادة 93 مدني)، فإذا انقضى الميعاد قبل أن يصدر القبول، فلا يُصبح الإيجاب غير لازم فحسب بل يسقط سقوطاً تاماً ويصير غير صالح لاقتران القبول به. (المرجع: "الوافي في شرح القانون المدني" – للدكتور/ سليمان مرقس – الجزء الثالث: "في العقود المُسماة" – المُجلد الأول: "عقد البيع" – الطبعة الخامسة 1990 القاهرة – بند 30 و 31 و 31 مُكرر – صـ 57 : 61).

سقوط الإيجاب: جاء في المُذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني الحالي في شأن سقوط الإيجاب ما يلي: "يظل المُوجب مُرتبطاً بإيجابه في خلال الميعاد المُحدد للقبول متى حدد له ميعاد، سواء في ذلك أن يصدر الإيجاب لغائب أو لحاضر، فإذا انقضى الميعاد ولم يصل القبول، فلا يُصبح الإيجاب غير لازم فحسب – بعد أن فقد ما توافر له من الإلزام – بل هو يسقط سقوطاً تاماً. وهذا هو التفسير المعقول لنية المُوجب، فهو يقصد ألا يبقى إيجابه قائماً إلا في خلال المُدة المُحددة ما دام قد لجأ إلى التحديد. وقد يُتصور بقاء الإيجاب قائماً بعد انقضاء الميعاد ولو أنه يُصبح غير لازم، ولكن مثل هذا النظر يصعُب تمشيه مع ما يغلب في حقيقة نية المُوجب. ويُراعى أن القول بسقوط الإيجاب عند انقضاء الميعاد يستتبع اعتبار القبول المُتأخر بمثابة إيجاب جديد. وهذا هو الرأي الذي أخذ به المشروع في نص لاحق. وغني عن البيان أن الإيجاب الملزم يتميز في كيانه عن الوعد بالتعاقد، فالأول إرادة مُنفردة والثاني اتفاق أرادتين". (مجموعة الأعمال التحضيرية 2 صـ 36. مُشار إليه في مرجع: "الوسيط في شرح القانون المدني" - للدكتور عبد الرازق أحمد السنهوري - الجزء الأول: "مصادر الالتزام" - المُجلد الأول: "العقد" - الطبعة الثالثة 1981 القاهرة - بند 105 – صـ 286 و 269 وهوامشها).

"والمُتأمل في المسألة لا يسعهُ إلا أن يُماشي محكمة النقض الفرنسية في رأيها من أن الأمر يرجع قبل كل شيء إلى إرادة المُوجب، فهو الذي أنشأ العقد ابتداء بإيجابه ورسم حدوده، وليس القبول إلا مُوافقة تامة للإيجاب. فالمُوجب إذن هو الذي يُبين متى يريد أن يتم العقد وأين يتم. فإذا غمُضَت إرادة المُوجب (الصريحة أو الضمنية) ولم يُمكن الاهتداء إليها بوضوح فهنا يُلجأ إلى الافتراض (الإرادة المُفترضة)، وأمن فرض في تفسير إرادة المُوجب أن يُفرض ما هو في صالحه. ذلك أن المُوجب هو الذي يبتدئ التعاقد، فهو الذي يُحدد مضمونه ويُعين شروطه فمن الطبيعي والحال هذه أن يتولى هو تحديد زمان العقد ومكانه. ومن العدل، إذا لم يفعل، أن تكون الإرادة المفروضة (المُفترضة) مُطابقة لمصلحته عند عدم الاتفاق على ما يُخالف ذلك". (المرجع: "نظرية العقد" – للدكتور عبد الرازق أحمد السنهوري – فقرة 304 و 305).

مُطابقة القبول للإيجاب: إذا كان المُوجب له لا يتحتم عليه قبول الإيجاب الموجهة إليه، إلا أنه إذا أختار أن يقبله وجب أن يكون قبوله مُطابقاً للإيجاب مُطابقة تامة، وأن يكون مُتفقاً مع المُوجب في جميع المسائل التي تناولها الإيجاب. وقد كان المشروع التمهيدي للقانون المدني الحالي يشتمل على نص في هذا المعني رؤى حذفه اكتفاء بتطبيق المبادئ العامة فكانت المادة 137 من هذا المشروع تنص على أنه: "لا يتم العقد ما لم يتفق الطرفان على كل المسائل التي تفاوضا فيها بشأن هذا العقد. أما الاتفاق على بعض هذه المسائل فلا يكفي لالتزام الطرفين، حتى لو أثبت هذا الاتفاق في ورقة مكتوبة". (مجموعة الأعمال التحضيرية 2 صـ 46).

فالقبول إذن يجب أن يكون مُطابقاً للإيجاب. أما إذا كان غير مُطابق له، بل أختلف عنه زيادة أو نقصاً أو تعديلاً، فإن العقد لا يتم، ويُعتبر مثل هذا القبول رفضاً يتضمن إيجاباً جديداً (نقض مدني في 9 نوفمبر 1965 مجموعة أحكام النقض السنة 16 رقم 155 صـ 986). فإذا طلب البائع ثمناً للمبيع ألفاً تُدفع فوراً، وقبِل المُشتري أن يدفع الألف على أن يزيد البائع في المبيع، أو قبِل أن يدفع في المبيع وحده ثمانمائة، أو قبِل أن يدفع فيه وحده ألفاً ولكن بالتقسيط، لم يتم البيع، وأعتبر هذا القبول إيجاباً جديداً من المُشتري. وهذا الحكم هو الذي تنص عليه المادة 96 من القانون المدني الحالي إذ تقضي بما يأتي: "إذا أقترن القبول بما يزيد في الإيجاب أو يُقيد منه أو يُعدل فيه، أعتبر رفضاً يتضمن إيجاباً جديداً". (ونقض مدني في 11 ديسمبر سنة 1958 مجموعة أحكام النقض السنة 9 رقم 96 صـ 741. مُشار إليهم في: "الوسيط في شرح القانون المدني" - للدكتور عبد الرازق أحمد السنهوري - الجزء الأول: "مصادر الالتزام" - المُجلد الأول: "العقد" - الطبعة الثالثة 1981 القاهرة - بند 111 – صـ 277 : 280 وهوامشها).

الإعلان الموجهة إلى الجمهور: كان المشروع التمهيدي للقانون المدني ينص في المادة 134 منه على أن: "النشر والإعلان وبيان الأسعار الجاري التعامل بها وكل بيان آخر متعلق بعروض أو طلبات موجهة للجمهور أو للأفراد، لا تعتبر عند الشك إيجاباً، وإنما يكون دعوة إلي التفاوض". وقد حذف هذا النص في لجنة المراجعة لعدم الحاجة إليه إذ يسهل على القضاء تطبيق هذا الحكم دون النص عليه.. (مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 41 في الهامش).

علماً بأن: القانون لا يرتب على المفاوضات أثراً قانونياً، فكل متفاوض حر في قطع المفاوضة في الوقت الذي يريد. ولا مسئولية على من عدل، بل هو لا يكلف بإثبات أنه عدل لسبب جدي، وليست المفاوضات إلا عملاً مادياً لا يلزم أحداً. (المرجع: "الوسيط في شرح القانون المدني" - للدكتور عبد الرازق أحمد السنهوري - الجزء الأول: "مصادر الالتزام" - المُجلد الأول: "العقد" - الطبعة الثالثة 1981 القاهرة - بند 100 – صـ 261 وما بعدها وهوامشها).

ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "الإعلان الموجه للجمهور أو للأفراد لا يعدو أن يكون دعوة إلي التفاوض، وأن المفاوضات ليست إلا عملاً مادياً ولا يترتب عليها بذاتها أي أثر قانوني، فكل متفاوض حر في قطع المفاوضة في الوقت الذي يريد دون أن يتعرض لأية مسئولية أو يُطَالب ببيان المبرر لعدوله". (الطعن رقم 862 لسنة 52 قضائية - جلسة 19/1/1986. منشور في: "مجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في خمس سنوات 1980- 1985" - للمستشار/ محمود نبيل النباوي - المُجلد الثاني: "في المواد المدنية والإثبات" - طبعة نادي القضاة 1989 القاهرة - ص 861).

التطبيق: وبتطبيق كل تلك القواعد القانونية المُتقدم ذكرها على وقائع الطعن الماثل، يتضح جلياً أن "قرار مجلس الإدارة" رقم 113 لسنة 1993 بشأن وضع قواعد وتنظيم حالات وكيفية إدارة عملية التيسير على بعض شاغلي الأراضي المملوكة لجهات الوقف الخيري، هو مُجرد قرار إداري داخلي موجهة إلى العاملين بالهيئة ليسيروا على ضوئه وليلتزموا بأحكامه، وليس إعلاناً موجهة إلى الجمهور.

وحتى إذا افترضنا أن "قرار مجلس الإدارة" هو إعلان موجهة إلى الجمهور فإن مثل هذا الإعلان ليس إيجاباً ولكنه مُجرد دعوة للتفاوض وليتقدم كل شخص معني به بـ: "إيجاب" لكي تبحثه الهيئة – كل حالة على حدة – ومن ثم تقبله أو لا تقبله حسبما تراه أصلح لأموال وحقوق جهة الوقف الخيري الذي هو على مِلك الله تعالى.

وحتى إذا افترضنا أن "قرار مجلس الإدارة" هو إيجاباً موجهة إلى الجمهور، فإن هذا الإيجاب ينتج أثره من تاريخ صدوره. ولما كان هذا الإيجاب المُفترض قد حدد مدة ستة أشهر للتصالح مع واضعي اليد (بشرط التقدم بطلب منهم بذلك مع سداد الثمن في تلك المُدة تحديداً). وكان من المُقرر قانوناً (وعلى نحو ما سلف ذكره) أن الإيجاب (المُفترض في حالتنا) يسقط ولا يلتزم به المُوجب إذا مضت مُدة طويلة على إصداره دون صدور قبول له ممن وجه إليه الإيجاب. ويُقدر القاضي في كل حالة المُدة التي يسقط بها الإيجاب إلا إذا كانت هذه المُدة قد حُدِدَت في الإعلان ذاته فإن الإيجاب يسقط بانقضائها.

لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن "قرار مجلس الإدارة" قد نص في أول شرط له من الشروط الواردة في القرار على: "إعطاء مُهلة ستة أشهر للتصالح وللتقدم بطلبات الاستبدال وسداد الثمن"، لذا فإنه يلزم أن يتم إعلان القبول (بهذا الإيجاب) من راغبي الاستبدال إلى المُوجب خلال المُدة المُحددة لذلك (وهي ستة أشهر) لإعلامه بموافقتهم على التصالح مع التقدم بطلبات الاستبدال وسداد الثمن في تلك المُدة المُحددة في الإيجاب (المُفترض). ولما كان الثابت بالأوراق أن "قرار مجلس الإدارة" صادر في تاريخ 20/5/1993 فإن المُدة والمُهلة المُحددة فيه تنتهي في 20/11/1993 (على أكثر تقدير)، ولما كان الثابت بالأوراق كذلك أن المطعون ضده لم يتقدم بطلب استبدال عين التداعي استناداً لقرار مجلس الإدارة (سالف الذكر) إلا في غضون عام 1995 (بإقرار المُدعي – إقرار قضائي أمام القضاء – في صحيفة افتتاح دعواه أمام محكمة أول درجة بأنه تقدم بطلبه الأول الرقيم 327 في عام 1995 وتقدم بطلب ثاني برقم 140 في 6/4/1996) أي بعد مُرور ما يقرب من عامين كاملين (بالنسبة للطلب الأول وثلاثة أعوام بالنسبة للطلب الثاني) على صدور قرار مجلس الإدارة المنوه عنه. بما يعني سقوط الإيجاب (وهو إيجاب مُفترض علي أي حال) سقوطاً تاماً ويصير غير صالح لاقتران القبول به.

وحتى على سبيل الفرض الجدلي أن قبول المطعون ضده قد تم إعلانه للموجب خلال الميعاد المنصوص عليه (وهو ستة أشهر من تاريخ صدوره) فحتى في هذا الفرض الجدلي لا ينعقد العقد لكون هذا الإيجاب المُفترض قد أشترط أن يتم سداد الثمن في ذات المُهلة المُحددة (سالفة الذكر) وهو ما لم يقم به المطعون ضده مُطلقاً في أي وقت من الأوقات.

ومن ثم فإن دعوى المطعون ضده بإلزام الطاعن بصفته بتحرير عقد استبدال له استناداً لقرار مجلس الإدارة (المنوه عنه) تكون قائمة على غير سند صحيح من القانون خليقة بالرفض، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأيد حكم محكمة أول درجة فيما قضت به من إلزام الطاعن بصفته بتحرير عقد استبدال للمطعون ضده، ورفض دعوى الطاعن الفرعية بطرد المطعون ضده من عين التداعي، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وفي تأويله بما يستوجب نقضه.

الوجه الرابع:-

* هذا من ناحية، ومن ناحية رابعة، فإن الثابت بالأوراق أن قرار مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية رقم 113 لسنة 1993 سند المطعون ضده في طلب إلزام هيئة الأوقاف المصرية بتحرير عقد بيع له عن عين التداعي، هذا القرار المذكور قد نص على الآتي:-

· المُوافقة على القواعد الموضوعة للتيسير على شاغلي مباني عِزب الأوقاف بكفر الشيخ والغربية والدقهلية والبحيرة والإسكندرية لاستبدال هذه العِزب وتحصيل المُستحقات المُتأخرة وتحصيل الثمن وفقاً لما ورد تفصيلاً بالمُذكرة المعروضة، وهي كالتالي:

1- إعطاء مُهلة ستة أشهر [يُوقف فيها الحجز والتبديد والإزالة الإدارية للتعديات] للتصالح والتقدم للاستبدال وسداد المطلوب.

2- يكون ثمن بيع المتر المُربع في العِزب العادية الواقعة على طُرق تُرابية بواقع 30 جنيه للمتر المُربع، و 40 جنيه للمتر المُربع للمنازل ذات الموقع المُتميز في العِزب.

3- يكون ثمن المتر المُربع في العِزب المُتميزة الواقعة على طُرق مرصوفة بواقع 40 جنيه للمتر المُربع، و 50 جنيه للمتر المُربع للمنازل ذات المواقع المُتميزة في العِزبة.

4- يُحصل مقدم الثمن بواقع 10% ، كما يُحصل 10% من الإيجارات المُتأخرة ، ويُقسط باقي القيمة والإيجار على 30 سنة وبدون فوائد.

5- ... الخ".

* والبين من مُجرد قراءة هذا القرار أنه قد أشترط شروطاً لتطبيق أحكامه، منها:-

أولاً- اشتراطه أن يكون شاغل العين مُرتبط بعلاقة إيجارية مع الأوقاف: وهذا الشرط مُستفاد من عبارة: "وتحصيل المُستحقات المُتأخرة" المذكورة في ديباجة القرار سالف الذكر، وكذلك من منطوق الشرط الرابع منه والذي ينص على: "... كما يُحصل 10% من الإيجارات المُتأخرة، ... وتقسط باقي القيمة والإيجار ..."، فهذا القرار بهذه الصياغة يفترض صراحةً (أو حتى ضمناً) أن شاغل العين مُرتبط بعلاقة إيجارية مع الأوقاف، وفي حالة وجود مُتأخرات عليه لم يُسددها من الأجرة المُستحقة عليه فيتم تحصيل تلك المُتأخرات المُستحقة على المُستأجر كشرط أولي لتطبيق أحكام هذا القرار عليه. أما إذا كان شاغل العين لا تربطه ثمة رابطة قانونية أو تعاقدية مع الأوقاف (كما هو حال المطعون ضده) فلا مجال إذن لتطبيق القرار سالف الذكر لتخلف شروطه التي نص عليها وافترض وجودها فيمن يُطبق عليه.

ثانياً- اشتراطه أن يُقدم الشاغل طلبه بالاستبدال وسداد المطلوب خلال ستة أشهر: وهذا الشرط مُستفاد من منطوق الشرط الأول الذي ينص على: "إعطاء مُهلة ستة أشهر ... للتصالح والتقدم للاستبدال وسداد المطلوب". وإذ لم يتقدم المطعون ضده بطلب استبدال عين التداعي وسداد المطلوب خلال مدة الستة أشهر المنصوص عليها في القرار سالف الذكر بل تقدم بطلب مُجرد (دون سداد المطلوب) وبعد عامين على الأقل من صدور القرار المذكور، فإنه – والحال كذلك – لا يكون مُستفيداً من هذا القرار ولا تنطبق عليه أحكامه.. وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، وأيد حكم محكمة أول درجة بزعم انطباق القرار سالف الذكر على المطعون ضده، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله مما يستوجب نقضه.

* كل هذا مع الأخذ في الاعتبار، أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "شغل المكان بطريق الغصب مهما استطالت مُدته، لا يُكسب الحق في البقاء فيه، ذلك أن مُجرد انقضاء فترة من الزمن على حيازة الغاصب لا تُلزم المالك بتأجير ذلك المكان لمن شغله". (الطعن رقم 2041 لسنة 51 قضائية – جلسة 14/5/1987. مُشار إليه في: "مجموعة قواعد محكمة النقض خلال ثلاثة وستين عاماً" – للمُستشار/ محمد خيري أبو الليل – الجزء الثالث – طبعة 1995 القاهرة – القاعدة رقم 236 – صـ 113 و 114). ذلك أن مُجرد انقضاء فترة من الزمن على حيازة الغاصب لا تُلزم المالك بتأجير ذلك المكان لمن شغله، فما بالنا بإلزام المالك ببيع ذلك المكان لمن شغله؟!!!

السبب الثاني: مُخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب والخطأ في الإسناد والتناقض

* الثابت بالأوراق، وبتقرير الخبير رقم 7 لسنة 2001 المُودع من إدارة خبراء جنوب الدقلهية (من الخبير/ مُسعد محمد أبو المعاطي، الخبير الأول الزراعي) في الدعوى رقم 968 لسنة 1999 مدني مركز المنصورة (بالصفحة الرابعة منه)، تحت عنوان: "فحص مُستندات المُدعي المُرفقة ملف الدعوى"، وجود: "حافظة مُستندات مودعة ملف الدعوى تحت رقم 2 دوسيه، انطوت على صورة ضوئية من مُذكرة للعرض على السيد الأستاذ/ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للأوقاف (يقصد سيادته: هيئة الأوقاف المصرية)، وهذه المُذكرة مُحررة من مكتب وكيل الوزارة لشئون الملكية العقارية والزراعية، حيث تم (فيها) تحديد ثمن المتر المُربع في العِزب العادية الواقعة على طُرق تُرابية بواقع 30 جنيه للمتر المُربع، و 40 جنيه للمتر المُربع للمنازل ذات الموقع المُتميز في العِزب، وكذلك تم (فيها) تقدير ثمن المتر المُربع في العِزب الواقعة على الطُرق المرصوفة، كما تم (فيها) تحديد ثمن المتر المُربع في منطقة العِزب. إلا أن عزبة فاطمة هانم – زمام منية سندوب – مركز المنصورة الواقع ضمنها أرض النزاع الحالي لم ترد ضمن هذه المُذكرة". (وإلى هنا انتهى حديث الخبير المُنتدب في الدعوى)

وحيث عُرِضت هذه المُذكرة (سالفة الذكر) على مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية الذي وافق عليها وأصدر (بناء عليها) قراره رقم 113 لسنة 1993 (سند المطعون ضده في طلب إلزام هيئة الأوقاف بتحرير عقد بيع له)، والثابت بالأوراق، وبتقرير الخبير رقم 11 لسنة 2003 المُودع من إدارة خبراء جنوب الدقلهية (من ذات الخبير/ مُسعد محمد أبو المعاطي، رئيس القسم) في الدعوى رقم 2250 لسنة 54 قضائية "استئناف عالي المنصورة" (بالصفحتين رقمي 5 و 6 منه)، تحت عنوان: "فحص مُستندات هيئة الأوقاف المُرفقة بمحاضرنا"، وجود: "صورة ضوئية من القرار رقم 113 لسنة 1993 الصادر من هيئة الأوقاف المصرية بتاريخ 20/5/1993 في شأن المُذكرة الخاصة بقواعد التصرف في عِزب كفر الشيخ والغربية والدقلهية والبحيرة والإسكندرية (سالفة الذكر)، حيث تضمن هذا القرار الآتي:-

· المُوافقة على القواعد الموضوعة للتيسير على شاغلي مباني عِزب الأوقاف بكفر الشيخ والغربية والدقهلية والبحيرة والإسكندرية لاستبدال هذه العِزب وتحصيل المُستحقات المُتأخرة وتحصيل الثمن وفقاً لما ورد تفصيلاً بالمُذكرة المعروضة، وهي كالتالي:

1- إعطاء مُهلة ستة أشهر [يُوقف فيها الحجز والتبديد والإزالة الإدارية للتعديات] للتصالح والتقدم للاستبدال وسداد المطلوب.

2- يكون ثمن بيع المتر المُربع في العِزب العادية الواقعة على طُرق تُرابية بواقع 30 جنيه للمتر المُربع، و 40 جنيه للمتر المُربع للمنازل ذات الموقع المُتميز في العِزب.

3- يكون ثمن المتر المُربع في العِزب المُتميزة الواقعة على طُرق مرصوفة بواقع 40 جنيه للمتر المُربع، و 50 جنيه للمتر المُربع للمنازل ذات المواقع المُتميزة في العِزبة.

4- يُحصل مقدم الثمن بواقع 10% ، كما يُحصل 10% من الإيجارات المُتأخرة ، ويُقسط باقي القيمة والإيجار على 30 سنة وبدون فوائد.

5- عدم إضافة أنصاف الشوارع.

6- يُضاف 10 جنيه ثمناً للمتر من المباني الخفيفة، ومبلغ 15 جنيه ثمناً للمتر من المباني الثقيلة.

7- تحصيل 3% رسوم إدارية ولمُراجعة العقد + 1% لصندوق العاملين.

8- ... الخ".

* لما كان ما تقدم، وكانت القواعد التي وافق ونص عليها القرار رقم 113 لسنة 1993 الصادر من هيئة الأوقاف المصرية خاصة فقط بالمناطق التي وردت على سبيل الحصر في المُذكرة التي تم عرضها على مجلس إدارة الهيئة، والتي خلت منها (وبإقرار الخبير المُنتدب نفسه) المنطقة التي تقع فيها عين التداعي، حيث أقر الخبير وقرر بأن: "... إلا أن عزبة فاطمة هانم – زمام منية سندوب – مركز المنصورة الواقع ضمنها أرض النزاع الحالي لم ترد ضمن هذه المُذكرة".

وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا الثابت بالأوراق، وأيد حكم محكمة أول درجة الذي خالف هو أيضاً الثابت بهذه الأوراق، وقرر على خلافها بأنه: "وحيث أنه، ولما كان الثابت من الأوراق؟!!! أن المُدعي يُقيم في عِزبة منية سندوب في وقف فاطمة هانم وكان مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية قد وافق في اجتماعه رقم 113 بجلسة 20/5/1993 والمُعتمد من السيد وزير الأوقاف بالمُوافقة على الإبدال بالمُمارسة لشاغلي الأراضي المُقام عليها مبان بأرض العِزب وكان المُدعي من ضمن شاغلي أرض العِزب في عِزبة فاطمة هانم ومن ثم فيكون ممن ينطبق عليهم القرار الصادر عن هذا الاجتماع ويكون طلبه بإلزامهم بتحرير عقد البيع على سند صحيح من القانون ويتعين إلزام المُدعى عليهما بتحرير عقد استبدال للمُدعي عن المساحة محل التداعي والمُبينة بعريضة الدعوى، وعن طلب تحديد القيمة عن هذا العقد فإن المحكمة تقضي بتطبيق الشروط المُقررة لعقد الاستبدال والمُقررة بمحضر الاجتماع رقم 113 في 20/5/1993"؟!!! فإنه يكون – والحال كذلك – قد خالف الثابت بالأوراق، والثابت بتقرير الخبير الذي كان تحت نظر محكمة أول درجة، مع العلم بأن القرار رقم 113 لسنة 1993 الذي أشار إليه وأستند إليه حكم محكمة أول درجة لم يكن مُقدماً أمامها ولم تكن بنوده معلومة لديها؟!!! حيث لم يتم تقديمه إلا أمام الخبير في مرحلة ثاني درجة؟!!!

* لما كان ما تقدم، وكان من المُقرر في قضاء النقض أن: "استخلاص الحكم من أوراق الدعوى واقعة لا تنتجها هذه الأوراق يشوبه بالقصور وبالخطأ في الإسناد. لما كان ذلك، وكان الواقع في الدعوى أن المطعون ضده قد أقامها بطلب تثبيت ملكيته لأرض النزاع على سند من اكتسابه لها بوضع اليد المُدة الطويلة امتدادا لوضع يد سلفه وكان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه بتثبيت ملكية المطعون ضده على ما استخلص من تقرير الخبير المُنتدب في الدعوى من ثبوت هذه الحيازة له على الرغم مما أثبته التقرير من أن أرض النزاع غير موضوع اليد عليها من أحد من طرفي الخصومة، فإنه يكون مشوباً بالقصور في التسبيب فضلاً عن الخطأ في الإسناد". (الطعن رقم 875 لسنة 52 قضائية – جلسة 7/1/1986. مُشار إليه في: "مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض في خمس سنوات (80 – 1985)" – للمُستشار/ محمود نبيل البناوي – المُجلد الثاني: "في المواد المدنية والإثبات" – طبعة 1989 القاهرة – القاعدة رقم 92 – صـ 544).

وكذلك من المُقرر في قضاء النقض أن: "إذا بنى الحكم قضاءه على واقعة استخلصها من مصدر لا وجود له أو موجود ولكنه مُناقض لما أثبته فإنه يكون مُتعيناً نقضه". (الطعن رقم 925 لسنة 51 قضائية – جلسة 26/3/1985. مُشار إليه في: "مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض في خمس سنوات (80 – 1985)" – للمُستشار/ محمود نبيل البناوي – المُجلد الثاني: "في المواد المدنية والإثبات" – طبعة 1989 القاهرة – القاعدة رقم 110 – صـ 550).

* هذا، فضلاً عن أن مسألة انطباق شروط قرار مجلس الإدارة المذكور أو عدم انطباقه على وقائع النزاع هي مسألة قانونية ما كان يجوز لمحكمة الموضوع أن تترك القول الفصل فيها للخبير المُنتدب في الدعوى، حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "ندب خبير في الدعوى هو مجرد وسيلة إثبات يُقصد بها التحقق من واقع معين يحتاج للكشف عنه معلومات فنية خاصة لا شأن له بالفصل في نزاع قانوني أو الموازنة بين الآراء الفقهية لاختيار أحدها فهذا من صميم واجب القاضي لا يجوز له التخلي عنه لغيره". (الطعن رقم 1396 لسنة 52 قضائية - جلسة 12/5/1983).

* وأياً كان الأمر، فإن: "سلطة محكمة الموضوع في الأخذ بالنتيجة التي انتهى إليها تقرير الخبير محمولة على الأسباب التي بُنِيَ عليها. شرطه. أن تكون تلك الأسباب مُؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها الخبير". (الطعن رقم 481 لسنة 51 قضائية – جلسة 6/12/1984. مُشار إليه في: "مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض في خمس سنوات (80 – 1985)" – للمُستشار/ محمود نبيل البناوي – المُجلد الثاني: "في المواد المدنية والإثبات" – طبعة 1989 القاهرة – القاعدة رقم 63 – صـ 535).

* لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه، والمُؤيد لحكم محكمة أول درجة، قد استخلص انطباق شروط قرار مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية رقم 113 لسنة 1993 على المطعون ضده بالمُخالفة للثابت بهذا القرار وبالمُخالفة للثابت بالأوراق (على النحو السالف بيانه)، كما أن تلك المسألة مسألة قانونية بحتة لا يجوز لمحكمة الموضوع أن تتنازل عنها للخبير، وحتى إذا هي فعلت ذلك فإن الأخذ بتقرير الخبير محمولاً على أسبابه رهين بأن تكون تلك الأسباب مُؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها، وكل ذلك غير متوافر في حالة النزاع الماثل، إذ أن تقرير الخبير الأول أثبت أن العِزبة التي بها عين النزاع لم ترد في المُذكرة التي رفعت لمجلس الإدارة وإذ صدر القرار رقم 113 لسنة 1993 سالف الذكر بناء على تلك المذكرة ورغم ذلك زعم تقرير الخبير الثاني (وهو ذاته الخبير الذي أودع التقرير الأول) أن شروط ذلك القرار منطبقة على المطعون ضده رغم أن أرض النزاع لم ترد في نطاق هذا القرار سالف الذكر ورغم أن شروط هذا القرار غير منطبقة أصلاً على المطعون ضده، وإذ بنى الحكم المطعون فيه قضائه على أساس هذين التقريرين فإنه يكون مُتناقضاً مع بعضه فضلاً عن كونه معيباً بمُخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب والخطأ في الإسناد مُتعيناً – والحال كذلك – نقضه.

السبب الثالث: القصور في التسبيب

* لما كان من المُسلم به قانوناً أن تسبيب الحكم يجب أن يكون تسبيباً حقيقياً وكاملاً بحيث يُقنع المُطلع على الحكم بعدالته وليس مجرد استيفاء شكل الحكم. لذلك فإن الحكم الخالي من الأسباب (ويعتبر بمثابة الخلو من الأسباب أن تكون الأسباب متناقضة تتهاتر فيما بينها فتسقط فيصبح الحكم بغير أسباب)، أو الذي يورد أسباب عامة مجملة تصلح لكل طلب، أو الذي يورد أسباب مبهمة بحيث تعجز محكمة النقض عن إجراء وبسط رقابتها على تطبيقه للقانون، كان الحكم في كل تلك الحالات باطلاً، حيث أن القصور في أسباب الحكم الواقعية يؤدى إلى بطلانه، كما إذا أغفلت محكمة الموضوع وقائع هامة أو مسختها أو أغفلت الرد على دفاع جوهري أو مستند هام لم يختلف الخصوم على دلالته وحجيته أو استخلصت غير ما تستشفه الأدلة دون أن تُعِمل منطقاً سليماً أو خالفت الثابت في الأوراق.

لما كان ذلك، وكان إصدار الأحكام يقتضي – كذلك – التثبت من كل مفردات الدعوى، والإطلاع عليها بدقة، ودراستها دراسة وافية، فإذا قامت محكمة الموضوع باستعراض الوقائع، والأدلة والقرائن التي تمسك بها الخصم تأييداً لدفاعه، ثم يأتي ردها عليها منطوياً على عدم استظهارها حقيقة الأوراق أو عدم دراستها إياها، فإن قضاء النقض مستقر في مثل هذه الحالات وأمثالها على أن مثل هذا الحكم في هذه الحالة "لا يكون مُسبباً التسبيب الذي يتطلبه القانون، ويكون باطلاً متعيناً نقضه". (الطعن رقم 29 لسنة 12 قضائية - جلسة 10/12/1942 ، مجموعة النصف قرن رقم 549 صـ 2354).

ولما كان من المُقرر في قضاء النقض أن: "كل طلب أو وجه دفاع يُدلىَ به لدى محكمة الموضوع، ويُطلب إليها بطريق الجزم أن تفصل فيه ويكون الفصل فيه مما يجوز أن يترتب عليه تغيير وجه الرأي في الدعوى يجب على محكمة الموضوع أن تمحصه وتجيب عليه في أسباب حكمها بأسباب خاصة". (الطعون أرقام 824 و 1034 لسنة 45 قضائية - جلسة 23/12/1981. والطعن رقم 633 لسنة 45 قضائية - جلسة 9/2/1980).

* ولما كان من شروط الطلب الجوهري الذي تلتزم محكمة الموضوع بالرد عليه، شرطان أساسيان:-

أولهما- الطلب الجازم الصريح: فلابد أن يطلب الخصم من المحكمة، بطريق الجزم، الذي يُقرع سمعها، وينبه وجدانها، أن تفصل فيما قدم من طلب. ويجب أن يحدث هذا الطلب بطريقة صريحة لا لبس فيها ولا غموض، مع الإصرار عليه في الطلبات الختامية، مباشرة أو بطريق الإشارة إلى سبق إبدائه مع التصميم عليه، يستوي بعد ذلك أن يتعلق الأمر بطلب أصلى أو بطلب احتياطي.

وثانيهما- إبداء هذا الطلب قبل قفل باب المرافعة: ذلك أن أقفال باب المرافعة، يعنى في عبارة وجيزة، وجوب وضع حد فاصل بين ما يجوز للمحكمة أن تسمعه وتراه وبين ما لا يجوز لها أن تسمعه وتراه، أنها لا يجب أن تسمع غير صوت الأوراق الشرعية التي قدمت لها في إطار العلنية المتوافرة حتى قفل باب المرافعة، ولا يجب عليها أن ترى سوى هذه الأوراق.

* ومن المقرر في قضاء النقض أن: "إغفال الحكم ذكر وجه دفاع أبداه الخصم، لا يترتب عليه بطلان الحكم إلا إذا كان هذا الدفاع جوهرياً ومؤثراً في النتيجة، بمعنى أن لو كانت المحكمة قد بحثته لما انتهت إلى هذه النتيجة، إذ يعتبر عدم بحث مثل هذا الدفاع قصوراً في أسباب الحكم الواقعية مما يترتب عليه البطلان طبقاً للفقرة الثالثة من المادة 178 من قانون المرافعات". (الطعن رقم 1353 لسنة 51 قضائية جلسة 12/2/1984. مُشار إليه في: "مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض في خمس سنوات 80 : 1985" للمستشار/ محمود نبيل البناوي الجزء الأول - المجلد الثاني قاعدة رقم 123 صـ 554).

وأن: "كل طلب أو وجه دفاع يُدلى به لدى محكمة الموضوع، ويطلب إليها بطريق الجزم أن تفصل فيه، ويكون الفصل فيه مما يجوز أن يترتب عليه تغيير وجه الرأي في الدعوى يجب على محكمة الموضوع أن تجيب عليه بأسباب خاصة وإلا اعتبر حكمها خالياً من الأسباب". (الطعن رقم 1927 لسنة 50 قضائية جلسة 16/12/1984. مُشار إليه في: "مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض في خمس سنوات 80 : 1985" للمستشار/ محمود نبيل البناوي الجزء الأول المجلد الثاني قاعدة رقم 51 صـ 531 وأنظر كذلك ص 534).

وأن: "إغفال الحكم بحث دفاع جوهري أبداه الخصم يترتب عليه وعلى وما جرى به قضاء هذه المحكمة بطلان الحكم". (الطعن رقم 586 لسنة 51 قضائية جلسة 22/5/1985. مُشار إليه في: "مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض في خمس سنوات 80 : 1985" للمستشار/ محمود نبيل البناوي الجزء الأول المجلد الثاني قاعدة رقم 66 صـ 536).

* لما كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق، أن الطاعن بصفته قد تقدم بمُذكرة دفاع لمحكمة الاستئناف بجلسة 9/10/2002 تمسك فيها (على سبيل الجزم واليقين على نحو يُقرع سمع محكمة الموضوع) ببطلان الحكم الابتدائي لعدم إدخال النيابة العامة في الدعوى تطبيقاً للأسانيد القانونية الواردة بتلك المُذكرة (وللأسانيد السالف ذكرها في: "الوجه الثاني" من السبب الأول من أسباب هذا الطعن الماثل)، ثم أعاد الطاعن بصفته التمسك بهذا الدفع الجوهري مرة ثانية بمُذكرة دفاعه المُقدمة لمحكمة الاستئناف أثناء فترة حجز الدعوى للحكم بناء على تصريح المحكمة بتقديم مُذكرات خلال الأجل المُحدد للخصوم، إلا أن محكمة الاستئناف قد تجاهلت هذا الدفع تماماً ولم تقسطه حقه إيراداً له (في الوقائع) أو رداً عليه (في الحيثيات أو المنطوق) رغم كونه دفاع جوهري يتغير به وجه الرأي في الدعوى، أي يترتب على ثبوت صحته تغير وجه الرأي في الدعوى، فكان لِزاماً على محكمة الاستئناف أن تعرض لهذا الدفاع بما يدل على أنها كانت على بينه من أمره مُحيطة بحقيقة مبناه وأن تُقسطه حقه إيراداً له ورداً عليه، وإذ تنكب الحكم المطعون فيه هذا الطريق فإنه يكون - والحال كذلك - باطلاً وفقاً لنص المادة 178 مرافعات، فضلاً عن قصوره في التسبيب مُتعيناً نقضه.

الوقف الخيري ليس من أملاك الدولة الخاصة:

1- جهة وقف/ "فاطمة هانم إسماعيل" الخيري (التابع لها أرض التداعي) لها شخصية قانونية اعتبارية خاصة، طبقاً لنص الفقرة الثالثة من المادة 52 من القانون المدني.

2- السيد/ "وزير الأوقاف" هو مُجرد ناظر قانوني على جميع جهات الوقف الخيري في الجمهورية، طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم 247 لسنة 1953 بشأن النظر على الأوقاف الخيرية.

3- "هيئة الأوقاف المصرية" هي مُجرد نائب قانوني عن وزير الأوقاف (بصفته الناظر على الأوقاف) في شأن إدارة واستثمار والتصرف في أموال وأعيان الأوقاف الخيرية وذلك على أسس اقتصادية بقصد تنمية أموال الأوقاف الخيرية باعتبارها أموالاً خاصة، طبقاً لنص المادة الخامسة من القانون رقم 80 لسنة 1971 بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية.

4- هذا، وقد عرف جمهور الفقهاء (الشرعيين والقانونيين) الوقف بأنه: "حبس العين عن مِلك الناس، وخروجها من مِلك صاحبها إلى مِلك الله تعالى والتصدق بريعها في جهة من جهات البر". ويُفيد هذا التعريف معنى قطع حق الواقف في ملكية العين الموقوفة، وتلك الملكية لا تؤول إلى المُنتفعين بالوقف أو للناظر عليه أو للجهة الموقوف عليها، وإنما تصير هذه الملكية (مُباشرةً) إلى الله عز وجل. وطبقاً لذلك، فإن من يقف أرضاً مُعينة على الفقراء يكون قد أخرج هذه الأرض من مِلكه، وانتقلت إلى ملك الله تعالى، ولم يجز له أن يتصرف فيها بأي تصرف ينقل ملكيتها، ولزوم هذا التبرع حتى لا يجوز له الرجوع في وقفه، وفي هذا يختلف الوقف عن الوصية، حيث يجوز للموصي الرجوع عن الوصية مُدة حياته. (المرجع: "أحكام الوقف في الفقه والقانون" – للدكتور/ محمد سراج – طبعة 1993 القاهرة – صـ 32 و 33).

وهذا ما أستقر عليه قضاء النقض من أن: "الوقف يُخرج الأعيان الموقوفة عن ملكية الناس ويجعلها على حكم ملك الله". (الطعن رقم 774 لسنة 51 قضائية – جلسة 4/4/1985 مُشار إليه في: "مُنازعات الأوقاف والاحكار في ضوء الفقه والقضاء والتشريع" – للدكتور/ عبد الحميد الشواربي والمستشار/ أُسامة عثمان – طبعة 1995 الإسكندرية – بند 9 – صـ 116 و 117).

5- ومفاد ما تقدم، أن لجهة الوقف شخصية اعتبارية خاصة، ويتنظر على الأوقاف وزير الأوقاف، وتدير أموال وأعيان الأوقاف "هيئة الأوقاف المصرية" نيابة عن وزير الأوقاف بصفته الناظر عليها، وأن ملكية أموال وأعيان الأوقاف الخيرية ترجع مُباشرة إلى الله تعالى. ومن ثم فإن الأعيان والأراضي التابعة لجهات الوقف الخيري لا تعد بمثابة أموال خاصة مملوكة للدولة وبالتالي لا ينطبق عليها قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1102 لسنة 1995 والخاص بالتصرف في الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة لواضعي اليد عليها قبل العمل بأحكام القانون رقم 31 لسنة 1984 بالطرق المُباشرة وبثمن المثل في تاريخ وضع اليد. ولما كانت عين التداعي تابعة لجهة وقف خيري، فهي تعد بهذه المثابة في حكم مِلك الله تعالى، ولا يجوز تطبيق قرار رئيس مجلس الوزراء (سالف الذكر عليها) ولا يجوز التصرف فيها لواضع اليد عليها تطبيقاً لهذا القرار المذكور والذي أستند إليه أيضاً المطعون ضده في طلب إلزام هيئة الأوقاف المصرية بتحرير عقد بيع له عن قطعة الأرض محل التداعي.

الشق المُستعجل بطلب وقف التنفيذ:

* تنص الفقرة الثانية من المادة 251 من قانون المُرافعات على أنه: "... يجوز لمحكمة النقض أن تأمر بوقف تنفيذ الحكم مُؤقتاً إذا طُلِبَ ذلك في صحيفة الطعن وكان يُخشى من التنفيذ وقوع ضرر جسيم يتعذر تداركه ...".

ومن المُقرر أن دور محكمة النقض عند النظر في طلب وقف التنفيذ يقتصر على بحث الضرر الذي يترتب على تنفيذ الحكم وما إذا كان جسيماً ويتعذر تداركه، وهو قضاء وقتي لا يحوز أي حجية. ويُشترط لإجابة طلب وقف التنفيذ جسامة الضرر الذي يترتب على التنفيذ، وليس لجسامة الضرر معيار خاص ومرده إلى تقدير محكمة النقض، أما تعذر تدارك الضرر فلا يُقصد بذلك استحالة إعادة الحال إلى ما كانت عليه وإنما يكفي أن تكون صعبة ومُرهقة بأن تقتضي وقتاً طويلاً أو مصاريف باهظة كالحال في تنفيذ حكم بهدم منزل أو إخلاء محل تجاري أو التنفيذ بمبلغ نقدي لصالح شخص مُعدم أو مُعسر، وهو يخضع في تقديره لمحكمة النقض وتملك المحكمة وقف التنفيذ بالنسبة إلى شق من الحكم المطعون فيه دون شق آخر أو بالنسبة إلى بعض خصوم الطعن دون البعض الآخر. (المرجع: "التعليق على قانون المُرافعات" – للمُستشار/ عز الدين الدناصوري وحامد عكاز – الجزء الثاني – الطبعة الثامنة 1996 القاهرة – شرح المادة 251 – صـ 443 وما بعدها).

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "إذا كان الطاعن قد بنى طلبه وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه على أن المطعون عليهم معدمون لا جدوى من الرجوع عليهم إذا ما نُفِذَ الحكم ثم نُقِضَ، مُستدلاً بذلك بعجزهم عن دفع باقي الرسوم المُستحقة عليهم لقلم الكُتاب، وكان المطعون ضدهم لم يثبتوا ملاءتهم، فتلك ظروف فيها ما يبرر وقف تنفيذ الحكم". (نقض 29/1/1951 مجموعة القواعد القانونية – الجزء الثاني – صـ 1180 قاعدة 755. مُشار إليه في: "التعليق على قانون المُرافعات" – للمُستشار/ عز الدين الدناصوري – المرجع السابق – الحكم رقم 2 – صـ 445).

لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه مُرجح نقضه لما انطوى عليه من بطلان وخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله (في أكثر من وجه) وقصور في التسبيب ومُخالفة الثابت بالأوراق والخطأ في الإسناد والتناقض، وكان يترتب على تنفيذه (بتحرير عقد بيع للمطعون ضده عن أرض التداعي) نتائج يتعذر تداركها بخروج عين التداعي من مِلك الوقف الخيري الذي هو على مِلك الله تعالى، كما قد يقوم المطعون ضده بالتصرف فيها للغير أو بتحميلها بأية حقوق عينية أخرى أو ما شابه ذلك، لذا فإن الطاعنين بصفتهما يلتمسان من عدالة المحكمة الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه مؤقتاً حتى يُفصل في الطعن الماثل بالنقض حِفاظاً على أموال وحقوق أعيان الوقف الخيري الذي هو على مِلك الله تعالى.

* ولما كان هذا الطعن قد أقيم في الميعاد مُستوفياً أوضاعه القانونية، ومن ثم فهو مقبول شكلاً. ولما كان موضوع الدعوى صالحاً للفصل فيه، لذا تلتمس هيئة الأوقاف المصرية من عدالة المحكمة "الحكم في موضوع الطعن الماثل" (تطبيقاً لنص الفقرة الرابعة من المادة 269 من قانون المُرافعات) بما يلي:

الطلبات

* لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة المحكمة من أسباب أصوب وأرشد، يلتمس الطاعنان بصفتهما من عدالة المحكمة:

أولاً- تحديد جلسة عاجلة لنظر طلب وقف التنفيذ مُؤقتاً، والحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه مُؤقتاً لحين الفصل في موضوع الطعن الماثل.

ثانياً- 1 - قبول الطعن شكلاً.

2 - وفي الموضوع: بنقض الحكم المطعون فيه - الصادر في الاستئناف رقم 2250 لسنة 54 قضائية "استئناف عالي المنصورة" – والقضاء مُجدداً بـ..

أ‌- بصفة أصلية: بإلغاء الحكم المُستأنف (الابتدائي رقم 571 لسنة 2000 مدني كلي المنصورة)، لبُطلانه.

ب‌- وبصفة احتياطية: بإلغاء الحكم المُستأنف (الابتدائي رقم 571 لسنة 2000 مدني كلي المنصورة)، والقضاء مُجدداً بـ:..

أولاً- بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للطاعن الثاني بصفته.

وثانياً- برفض الدعوى.

* وفي جميع الأحوال: إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المُحاماة عن جميع درجات التقاضي.

مع حفظ كافة حقوق الأوقاف الخيرية الأخرى أياً كانت،،،

أشرف رشوان

المحامي بالنقض

ashraf.rashwan@gmail.com

صحيفة طعن بالنقض - في دعوى طرد للغصب

محكمة النقض

القلم المدني

صحيفة طعن بطريق النقض

مُقدمة : في يوم الموافق /3/2007م

إلـــي : محكمة النقض "الدائرة المدنية"

مــــن : الأستاذ/ المحامي بالنقض، بصفته وكيلاً عن السيد الأستاذ/ رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية بصفته، بموجب توكيل مودع رقم 5596 أ لسنة 2006 توثيق الأهرام النموذجي؛ وموطنه القانوني: "مركز إدارة الهيئة الرئيسي" الكائن: برقم 109 شارع التحرير بالدقي - ميدان الدقي - تابع قسم الدقي - محافظة الجيزة. ومحله المختار: "إدارة قضايا الهيئة" الكائنة برقم 7 "أ" شارع يوسف نجيب - بالعتبة - تابع قسم الموسكي - محافظة القاهرة.

(صفته: طاعن)

ضـــــد

السيد/ سامي عبد الله علي شلبي. المُقيم بناحية البقلية – مركز المنصورة – المنصورة.

(صفتهم: مطعون ضدهم)

* وذلك طعناً بالنقض على الحكم الصادر في الاستئناف رقم 2975 لسنة 58 قضائية، من محكمة استئناف عالي المنصورة - الدائرة 10 مساكن - بجلسة 31/1/2007م، والذي قضى في منطوقه بما يلي: فلهذه الأسباب حكمت المحكمة

"بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف، وألزمت المستأنف بصفته بالمصروفات ومائة جنيه أتعاب المحاماة".

* وكان الحكم المُستأنف (الحكم الابتدائي) قد صدر من محكمة المنصورة الابتدائية - الدائرة 10 مساكن، في الدعوى رقم 3832 لسنة 2002 مساكن المنصورة، بجلسة يوم الاثنين الموافق 29/5/2006، والذي جرى منطوقه على النحو التالي: فلهذه الأسباب حكمت المحكمة

"برفض الدعوى، وألزمت المدعي بصفته بالمصروفات وخمسة وسبعون جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة".

وقائع النزاع

(وهي جزء لا يتجزأ من أسباب الطعن بالنقض)

تتلخص الوقائع في أن الطاعن بصفته كان قد أقام الدعوى رقم 3832 لسنة 2002 مساكن المنصورة، ضد المطعون ضده، بموجب صحيفة موقعة من محام، أودعت قلم كتاب محكمة أول درجة بتاريخ 17/6/2002، وأعلنت قانوناً للمدعى عليه، طالب في ختامها الحكم له: "بفسخ عقد الإيجار المحرر بين الطاعن بصفته وبين المطعون ضده عن قطعة الأرض المملوكة لهيئة الأوقاف المصرية والمبينة بصدر الصحيفة، وطرد المطعون ضده منها، وتسليمها للطاعن بصفته بالحالة التي كانت عليها وقت التعاقد، مع استحقاق الطاعن بصفته للمباني المقامة عليها بمعرفة المطعون ضده مستحقة الإزالة مع إلزام المطعون ضده بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة بحكم مشمول بالنفاذ المعجل بلا كفالة".

وذلك على سند من القول بأن المطعون ضده يستأجر من هيئة الأوقاف المصرية قطعة أرض فضاء مساحتها 113.30 متر بوقف فاطمة هانم إسماعيل بناحية البقلية مركز المنصورة مبينة الحدود بصدر صحيفة افتتاح الدعوى، وإذ قام المطعون ضده بالبناء على تلك الأرض الفضاء بغير إذن كتابي صريح من جهة الوقف المالكة، الأمر الذي حدا به إلى إقامة الدعوى ابتغاء القضاء له بطلباته سالفة الذكر.

وتداولت الدعوى بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 21/4/2003 قضت محكمة أول درجة بانتداب خبير في الدعوى تكون مأموريته: "... الانتقال لعين للعين محل التداعي ومعاينتها وبيان العلاقة بين المدعي بصفته والمدعى عليه وبيان ما إذا كان المدعى عليه قد خالف شروط التعاقد وبيان ما إذا كان هناك بناء والقائم به وتاريخ بنائه وتقدير قيمته وقيمة الأرض المقام عليها هذا البناء وبيان ما إذا كان يمكن إزالته وقيمة ذلك وبيان تاريخ علم المدعي بصفته بإقامة هذا البناء إن وجد وتحقيق دفاع طرفي الدعوى".

وأثناء تداول الدعوى أمام الخبراء طلب الحاضر عن الطاعن بصفته إعادة الدعوى لمحكمة أول درجة لتصحيح شكل الدعوى وتعديل الطلبات الختامية فيها.

ومن ثم أعيد الدعوى لمحكمة أول درجة، وقدم الحاضر عن الطاعن بصفته صحيفة تصحيح شكل الدعوى وتعديل طلباته الختامية إلى طلب: "طرد المطعون ضده من عين التداعي للغصب، واستحقاق الطاعن بصفته للمباني المقامة عليها بمعرفة المطعون ضده مستحقة الإزالة، مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".

وذلك على سند من القول أن جهة وقف/ فاطمة هانم إسماعيل تمتلك قطعة أرض فضاء مساحتها 129.63 متر كائنة بناحية البقلية مركز المنصورة والمبينة الحدود والمعالم بصحيفة تصحيح شكل الدعوى وتعديل الطلبات، وأنه طبقاً لقانون إنشاء هيئة الأوقاف المصرية (رقم 80 لسنة 1971) تسلمت هيئة الأوقاف أرض التداعي من المحليات، وحيث أن المطعون ضده كان قد وضع يده بدون سند قانوني على أرض التداعي كما قام بالبناء عليها بدون موافقة جهة الوقف بما يعد غصباً لها وحرمان جهة الوقف الخيري (الذي هو على مِلك الله تعالى) من الانتفاع بتلك الأرض، مما حدا به إلى تعديل طلباته على النحو المتقدم ذكره. وقد أعلنت صحيفة تصحيح شكل الدعوى وتعديل الطلبات إعلاناً قانونياً صحيحاً للمطعون ضده.

وبجلسة 10/5/2004 قضت محكمة أول درجة وقبل الفصل في الموضوع، بإعادة ندب مكتب خبراء وزارة العدل بالدقهلية لتنفيذ ما جاء بمنطوق الحكم التمهيدي الصادر بجلسة 21/4/2003.

ونفاذاً لذلك القضاء، باشر الخبير المنتدب المأمورية المنوطة به، وأودع تقريره الرقيم 549 لسنة 2004 خبراء جنوب الدقهلية، والذي انتهى فيه إلى نتيجة نهائية مفادها أن العلاقة بين هيئة الأوقاف المصرية والمدعى عليه هي علاقة إيجارية يدفع المدعى عليه عنها مقابل انتفاع بموجب إيصالات سداد لهيئة الأوقاف طبقاً لما هو ثابت بصحيفة المستأجر المقدمة من هيئة الأوقاف وذلك منذ السبعينات، وهو تاريخ استلام الهيئة للأوقاف في سنة 1973، إلا أن هذه الصحيفة قد جاءت خالية من ثمة شروط تعاقد لبيان ما إذا كان المدعى عليه قد خالفها من عدمه.. وأنه ثبت بمعاينة الإدارة الهندسية برئاسة مركز ومدينة المنصورة والوحدة المحلية بكوم الديربي المعتمدة في 16/12/1998 أن العقار كان عبارة عن دور أرضي مباني قديمة من الطوب اللبن والمونة السمراء والسقف عروق خشبية، ويوجد ترخيم شديد في العقار وشروخ نافذة بالحوائط ورطوبة ...الخ، مما أستوجب إزالته، وقام المدعى عليه بهدم هذه المباني وإعادة بنائها في عام 1998.. وأنه لا يوجد بالمستندات ما يفيد وجود اتفاق على نوع المباني عند التعاقد، وتاريخ المباني الحديثة هو عام 1998 طبقاً للثابت بمحضر إثبات الحالة المتقدم ذكره.

ومن ثم تداولت الدعوى بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 29/5/2006 قضت محكمة أول درجة برفض الدعوى، وألزمت المدعي بصفته بالمصروفات ومبلغ خمسة وسبعون جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة.

هذا، وقد أستند قضاء محكمة أول درجة في قضائه سالف الذكر إلى تقرير الخبير مبنياً على أسبابه، وإلى أنه لا يوجد اتفاق بين طرفي النزاع على نوع المباني (عند التعاقد) ولا يوجد ثمة شروط (عند التعاقد) لبيان ما إذا كان المدعى عليه قد خالفها من عدمه،.

ولما لم يلق هذا الحكم سالف الذكر قبولاً لدى الطاعن بصفته فقد طعن عليه بالاستئناف رقم 2975 لسنة 58 قضائية "استئناف عالي المنصورة، بطلب قبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المُستأنف والقضاء مُجدداً له بطلباته في صحيفة تعديل الطلبات بالدعوى المستأنف حكمها، مع إلزام المُستأنف ضده بالمصروفات والأتعاب عن درجتي التقاضي.

وتداول الاستئناف المذكور بالجلسات على النحو الثابت بمحاضره، وبجلسة 31/1/2007 قضت محكمة استئناف عالي المنصورة بقبول الاستئناف شكلاً. وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف، وألزمت المستأنف بصفته بالمصروفات، ومائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة".

ولما كان هذا القضاء (من محكمة الاستئناف)، قد جاء مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله، وبالقصور في التسبيب والخطأ في الإسناد ومُخالفة الثابت بالأوراق والتناقض، لذلك، فإن الطاعن بصفته يطعن على الحكم الاستئنافي المطعون فيه لهذه الأسباب.

أوجـه الطعـن

السبب الأول: الخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله

* لما كان الثابت بالأوراق، أنه بعد إنشاء هيئة الأوقاف المصرية بموجب القانون رقم 80 لسنة 1971 قامت بإستلام أرض التداعي من "المحليات" التي كانت تدير أعيان الوقف الخيري قبل إنشاء هيئة الأوقاف المصرية، وأن استلام أرض التداعي من المحليات تم في تاريخ 8/2/1973، وكان الثابت بالأوراق كذلك أن الأوقاف استلمت أرض التداعي بما عليها من شاغلين ومبان وأنها قامت بتحصيل ريع أو مقابل انتفاع من هؤلاء الشاغلين (باعتباره تعويضاً عن حرمانها من الانتفاع بأرض التداعي)، بل قام المطعون ضده الأول نفسه بتقديم صورة من صحيفة جريدة الوفد الصادرة في تاريخ 23/2/1999 ثابت فيه تصريح السيد الدكتور وزير الأوقاف بموافقته على التصالح مع واضعي اليد على أراضي الأوقاف وتخيير المواطنين بين شراء الأراضي أو استئجارها ودفع قيمتها لهيئة الأوقاف المصرية. ومفاد ذلك أن واضعي اليد لا هم ملاك ولا هم مستأجرين وإنما هم مجرد واضعي يد بدون سند. ولا يغير من ذلك قيام الهيئة بتحصيل ريع منهم أو مقابل انتفاعهم بأرض التداعي بمثابة تعويض عن حرمانها من الانتفاع بالأرض المملوكة لها، وكذلك لا يغير من الأمر شيء قيام الهيئة بتسديد تلك المبالغ في سجلات "المستأجرين" حيث أنها هي السجلات المتوافرة لديها فلا يوجد بالهيئة الحكومية سجلات "للغاصبين". ويؤيد تلك الحقائق القواعد القانونية التالية:

إثبات الغصب:

لما كان الأصل - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض – هو: "خلوص المكان لمالكه، فيكفي المُدعي إثباتاً لواقعة الغصب التي يُقيم عليها دعواه أن يُقيم الدليل على وجود المُدعى عليه في العين محل النزاع المملوكة له، لينتقل بذلك عبء إثبات العكس على عاتق المُدعى عليه بوصفه مُدعين خلاف الأصل وليثبت أن وجوده بالعين يستند إلى سبب قانوني يبرر ذلك". (نقض مدني في الطعن رقم 133 لسنة 55 قضائية - جلسة 14/12/1989. والطعن رقم 1933 لسنة 49 قضائية - جلسة 14/2/1985).

ومن ثم فيكفي هيئة الأوقاف المصرية (الطاعن بصفته) إثبات وجود المطعون ضده الأول في عين التداعي المملوكة لجهة الوقف الخيري. لينتقل عبء الإثبات على عاتق المطعون ضده الأول ليثبت أن وجوده بعين التداعي إنما يستند إلى سبب قانوني يبرره.

شغل المكان بطريق الغصب مهما استطالت مدته. لا يلزم المالك بتأجيره لمن شغله:

فمن المُقرر في قضاء النقض أن: "شغل المكان بطريق الغصب مهما استطالت مدته لا يكسب الحق في البقاء فيه، ذلك أن مجرد انقضاء فترة من الزمن على حيازة الغاصب لا تلزم المالك بتأجير ذلك المكان لمن شغله". (نقض مدني في الطعن رقم 2041 لسنة 51 قضائية – جلسة 14/5/1987).

وعلى ذلك فشغل المطعون ضده الأول لعين التداعي، لفترة زمنية مهما طالت، لا يكسبه حقاً ولا يلزم جهة الوقف المالكة بتأجير تلك العين له.

مقابل الانتفاع ليس "أجرة"، وإنما "تعويض":

ومن المُقرر في قضاء محكمة النقض أنه: "من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الريع بمثابة تعويض لصاحب العقار المغتصب مقابل ما حرم من ثمار، وتقدير هذا التعويض متى قامت أسبابه ولم يكن في القانون نص يلزم بإتباع معايير معينة في خصوصه هو من سلطة قاضي الموضوع ولا تثريب عليه إن هو استرشد في تقديره بالقيمة الإيجارية، ذلك أنه وإن كانت القيمة الإيجارية المتخذة أساساً لربط الضريبة العقارية ليست حجة قاطعة في بيان الأجرة الحقيقية إلا أنه يحوز اتخاذها قرينة بسيطة لتقدير الريع". (نقض مدني في الطعن رقم 1704 لسنة 51 قضائية - جلسة 31/1/1985. مُشار إليه في موسوعة قضاء النقض في المواد المدنية في ستين عاماً - للمستشار/ عبد المنعم دسوقي - الجزء الأول - المجلد الثاني - القاعدة رقم 5194 – صـ 1977).

ومن ثم فتحصيل هيئة الأوقاف المصرية لريع عين التداعي أو مقابل انتفاع المطعون ضده الأول بعين التداعي إنما هو تعويض عن حرمان جهة الوقف من الانتفاع بعين التداعي وليس "أجرة" ولا باعتباره "مستأجراً".

المطالبة بمقابل الانتفاع - أو زيادته - ليست تعاقداً ولا تكسب المطعون ضده حقاً:

لما كان ما تقدم، وكان من المُقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن: "التعدي على مال خاص مملوك للدولة، وقيام الحكومة بربط الأرض المُغتصبة بالإيجار، واقتضاء هذا المُقابل من المُتعدي، لا ينطوي على معنى الإقرار بالتعدي أو تصحيح الوضع القائم على الغصب بما يجعله عملاً مشروعاً أو إنشاء علاقة تأجير عقدية، وأن تقاضيها مُقابل الانتفاع لا يسقط حقها الأصيل في التخلص من هذا الاعتداء". (الطعنين رقمي 1667 لسنة 7 قضائية "إدارية عليا" و 1547 لسنة 8 قضائية "إدارية عليا" بجلسة 15/6/1963 - مجموعة العشر سنوات – صـ 223).

وكذلك من المُقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أنه: "وبتطبيق ما تقدم على الحالة الراهنة، وإذا لم يقدم المطعون ضدهم سنداً لملكيتهم للأرض محل القرار المطعون فيه، وما ساقوه في هذا الشأن بوضع اليد لمدة سبعين عاماً لا يصلح سنداً لذلك – فإن أملاك الدولة أياً ما كانت الجهة الإدارية لا تتملك بالتقادم، وإذا كان اكتمال المدة قبل العمل بالقانون المدني فإنه كان يتعين على المطعون ضدهم إثبات وضع اليد بضوابطه وشروطه وهو ما لم يحدث، ومن ثم يتعين طرح الأدلة بتملكهم للأرض محل النزاع كذلك فإن قيامهم بسداد رسوم انتفاع أو إثبات أسمائهم في الضرائب العقارية لا يكفي سنداً لوضع اليد بطريق قانوني ذلك أن مقابل الانتفاع لكفالة حصول الدولة على ريع من استغلال أملاكها ولا يكفي سنداً لوضع اليد بطريق قانوني". (الطعن رقم 686 لسنة 47 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 28/8/2002).

كما أنه من المُقرر في قضاء محكمة النقض أن: "استناد واضع اليد إلى كونه مُستأجراً لعين النزاع غير كاف لنفي غصبه لها. وجوب التحقق من قيام عقد الإيجار بأركانه وأطرافه لاعتبار وضع اليد بسبب قانوني. فلا يكفي مجرد القول بأن واضع اليد مستأجر لعين النزاع لنفي أنه غاصب لها دون التثبت من قيام عقد الإيجار بإرادة طرفيه وتاريخه وتعيين العين المؤجرة وأجرتها القانونية ومدة العقد حتى يكون وضع اليد بسبب قانوني صحيح". (نقض مدني في الطعن رقم 7794 لسنة 66 قضائية – جلسة 9/6/2003).

وكذلك من المُقرر في قضاء النقض أن: "تمسك الطاعن بأن مُطالبته ابتداءً للمطعون ضده بأجرة عين النزاع لاعتقاده خطأً أنه مستأجر لها وفور علمه أنه يضع اليد عليها بلا سند عدل طلبه إلى طرده للغصب. دفاع جوهري. إغفال الحكم المطعون فيه هذا الدفاع وقضائه برفض دعوى الطرد تأسيساً على أن المُطالبة بالأجرة قرينة على انتفاء الغصب. قصور. فإذ كان الثابت بالأوراق أن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع أنه عند إقامته الدعوى ومُطالبته للمطعون ضده بأجرة شقة النزاع كان يعتقد بطريق الغلط أنه مستأجر لها، ثم علم الطاعن ممن باعت له العقار الذي يشمل الشقة أن المطعون ضده ليس من بين مستأجري هذا العقار بل يضع يده على الشقة بلا سند، فعدل الطاعن طلباته إلى طرده منها للغصب، ودلل على ذلك بما أورده تقرير الخبير من أن عقد إيجار شقة النزاع الذي يستند له المطعون ضده صادر من غير المالك، فأغفل الحكم المطعون فيه هذا الدفاع رغم جوهريته وانتهى إلى مجرد القول بأن مطالبة الطاعن بأجرة شقة النزاع قرينة على أن المطعون ضده ليس بغاصب لها، دون التثبت من قيام عقد الإيجار بأركانه وأطرافه واستمراره، ودون الرد على دفاع الطاعن بأن هذه المطالبة وليدة الغلط مما يعيبه بالقصور في التسبيب". (نقض مدني في الطعن رقم 7794 لسنة 66 قضائية – جلسة 9/6/2003).

ومفاد ذلك، أن القول (من المطعون ضده الأول، أو من الخبير، أو من الحكم المطعون فيه) بأن مطالبة الطاعن بصفته للمطعون ضده الأول بريع أو مقابل الانتفاع بأرض التداعي بأجر قرينة على أن المطعون ضده الأول ليس بغاصب لها، دون التثبت من قيام عقد الإيجار بأركانه وأطرافه واستمراره، يعيب الحكم المطعون فيه بالقصور في التسبيب.

التقدم بطلب شراء وتسجيل الاسم في الضرائب العقارية وسداد رسم مقابل الانتفاع وإقامة دعوى أمام القضاء المدني – لا يعد سنداً لوضع اليد:

من المُقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أنه: "ومن حيث أن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه يتعين لمباشرة جهة الإدارة سلطتها في إزالة التعدي على أملاكها بالطريق الإداري أن يتحقق مناط مشروعية هذه السلطة وهو ثبوت وقوع اعتداء ظاهر على ملك الدولة أو محاولة غصبه ولا يتأتى ذلك إلا إذا تجرد وضع اليد من أي سند قانوني يبرر وضع يده – أما إذا استند واضع اليد حسب الظاهر من الأوراق والمستندات التي تفيد وجود حق له على هذه الأملاك فإنه تنتفي حالة التعدي على تلك الأموال ولا يجوز بالتالي للجهة الإدارية إزالته بالطريق الإداري ولا يكفي لقيام هذا السند القانوني لوضع اليد قيامه بسداد مقابل الانتفاع أو تقديمه طلباً لشراء الأرض محل التعدي – إذ أن هذا أو ذاك لا ينشئ لواضع اليد مركزاً قانونياً حيال العقار ولا ينفي عنه صفة التعدي طالما لم تتم الموافقة على الشراء، ولا يغل يد الجهة الإدارية عن إزالة التعدي ، وبالتالي فإن القرار المطعون فيه يكون قائماً على أسبابه المبررة له قانوناً". (الطعن رقم 4030 لسنة 43 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 19/6/2002. المصدر: المرجع السابق – صـ 121 و 122).

ومفاد ذلك أنه لا يكفي لقيام هذا السند القانوني لوضع يد المطعون ضده الأول على أرض التداعي، قيامه بسداد مقابل الانتفاع، أو تقديمه طلباً لشراء الأرض محل التعدي – إذ أن هذا أو ذاك لا ينشئ لواضع اليد مركزاً قانونياً حيال العقار ولا ينفي عنه صفة التعدي طالما لم تتم الموافقة على طلب الشراء، ومن ثم يظل للطاعن بصفته الحق في طلب طرده من عين التداعي.

وإذا كان وجود عقد إيجار ينفي الغصب – إلا أن ذلك مرهون بالالتزام بالمركز القانوني الذي يخوله ذلك العقد – البناء على الأرض محل عقد الإيجار – رغم استئجارها كان كأرض فضاء – ودون موافقة الجهة المالكة والمؤجرة – يُعد تعدياً:

فمن المُقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أنه: "ومن حيث أن لهذه المحكمة قضاء سابق أنه يتعين تحديد مفهوم التعدي على الأموال المشار إليها في نطاق سلطة إزالته إدارياً المقررة بنص المادة 970 مدني - فإذا كان لواضع اليد سند من القانون لوضع يده على هذه الأموال المشار إليها بالمادة المذكورة - فإنه يتعين عليه التزام أحكام هذا السند وما يخوله إياه من حقوق، وعليه التزام مركزه القانوني المستمد من هذا السند دون أن يتجاوز حدود ذلك إلى ارتكاب فعل يتجاوز هذا النطاق، ويُعد من قبيل التعدي - خاصة إذا كان هذا السند القانوني المقرر لوضع اليد لم يتناول حكماً لمعالجة هذا التعدي والجزاء المترتب عليه. ولما كان البائع للمطعون ضده إنما يستند في وضع يده على أرض هيئة الأوقاف ومن ضمنها المساحة محل النزاع إلى وجود علاقة ايجارية بينه وبين هيئة الأوقاف تبرر وضع يده - فإن وضع اليد استناداً إلى تلك العلاقة إنما يقتصر فقط على إيجار أرض فضاء تتيح للمستأجر استغلالها دون البناء عليها بغير اتفاق مع الهيئة أو تصريح منها - فالبناء على أرض ليست مملوكة له وبغير تصريح وموافقة المالك يغير من طبيعة العلاقة الإيجارية ويخرج عن أحكام السند القانوني وهو التأجير إلى وضع قانوني آخر فيه دوام واستقرار - على نحو لا يمكن الجهة الإدارية مالكة الأرض من استرجاع أرضها وإنهاء العلاقة الإيجارية وحتى لو تم استرجاعها فإنها تتحمل تكاليف المباني والمنشآت لتسامحها في إقامتها إن هي تسامحت في ذلك – خاصة إن لم يتضمن عقد الإيجار حكماً يعالج هذه المسألة وهو الأمر الغالب لتغايره مع طبيعة العلاقة الإيجارية - وهي نتيجة لا يتصور أن تكون من أهداف المشرع في سبيل المحافظة على أموال هيئة الأوقاف - فضلاً عن أن الأمر في هذه الحالة يعني كونه تشجيع المتعدي بالبناء وتجاوز حدود العلاقة مع الجهة المالكة بتملك الأرض رغماً عن الجهة مالكة الأرض". (الطعن رقم 4069 لسنة 45 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 5/6/2002. المصدر: "قرارات الإزالة والإخلاء" – للمستشار/ سمير يوسف البهي – طبعة 2003 القاهرة – صـ 44 : 46).

ومفاد ذلك أنه إذا كان المطعون ضده يزعم أنه يستند في وضع يده على أرض هيئة الأوقاف وجود علاقة ايجارية بينه وبين هيئة الأوقاف تبرر وضع يده - فإن وضع اليد استناداً إلى تلك العلاقة إنما يقتصر فقط على إيجار أرض فضاء تتيح للمستأجر (وهو ليس مستأجراً بأي حال) استغلالها دون البناء عليها بغير اتفاق مع الهيئة أو تصريح منها - فالبناء على أرض ليست مملوكة له وبغير تصريح وموافقة المالك يغير من طبيعة العلاقة الإيجارية ويخرج عن أحكام السند القانوني وهو التأجير إلى وضع قانوني آخر فيه دوام واستقرار - على نحو لا يمكن الجهة الإدارية مالكة الأرض من استرجاع أرضها وإنهاء العلاقة الإيجارية وحتى لو تم استرجاعها فإنها تتحمل تكاليف المباني والمنشآت لتسامحها في إقامتها إن هي تسامحت في ذلك – خاصة إن لم يتضمن عقد الإيجار حكماً يعالج هذه المسألة وهو الأمر الغالب لتغايره مع طبيعة العلاقة الإيجارية – وهي نتيجة لا يتصور أن تكون من أهداف المشرع في سبيل المحافظة على أموال هيئة الأوقاف، فضلاً عن أن الأمر في هذه الحالة يعني كونه تشجيع المتعدي بالبناء وتجاوز حدود العلاقة مع الجهة المالكة بتملك الأرض رغماً عن الجهة مالكة الأرض.

طول أمد الغصب لا يكسب المطعون ضده حقاً:

ولما كان عقد الإيجار عقد شخصي، وليس حقاً عيني والحقوق المتولدة عنه حقوق شخصية وليست حقوق عينية فلا يجوز للمدعي في الدعوى الأصلية الاحتجاج بأنه قد كسب الحق في استئجار عين التداعي بالتقادم الطويل المكسب. لكون التقادم الطويل المكسب للحقوق ينصب فقط على الحقوق العينية وليس على الحقوق الشخصية مثل عقد الإيجار.

وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر المتقدم في جميع القواعد القانونية السالف بيانها، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وفي تأويله فضلاً عما شابه من قصور في التسبيب مما يتعين معه – والحال كذلك – نقضه.

السبب الثاني: القصور في التسبيب

لما كانت من المُقرر قانوناً وعلى ما تواتر عليه قضاء محكمة النقض أن مهمة الخبير تقتصر على تحقيق الواقع في الدعوى وإبداء الرأي في المسائل الفنية التي يصعب على القاضي استقصاء كنهها بنفسه، دون المسائل القانونية التي يتعين على الحكم أن يقول كلمته فيها. (نقض مدني في الطعن رقم 59 لسنة 41 قضائية - جلسة 23/12/1975 مجموعة المكتب الفني – السنة 26 – صـ 1653).

كما قضت محكمة النقض بأنه: "يجوز للقاضي أن يستعين بالخبراء في المسائل التي يستلزم الفصل فيها استيعاب النقاط الفنية التي لا تشملها معارفه، والوقائع المادية التي يشق عليه الوصول إليها، دون المسائل القانونية التي يفترض فيه العلم بها". (نقض 24/3/1976 السنة 27 صـ 752).

وكذلك قضت محكمة النقض بأن: "ندب خبير في الدعوى هو مجرد وسيلة إثبات يقصد بها التحقق من واقع معين يحتاج للكشف عنه معلومات فنية خاصة لا شأن له بالفصل في نزاع قانوني أو الموازنة بين الآراء الفقهية لاختيار أحدها فهذا من صميم واجب القاضي لا يجوز له التخلي عنه لغيره". (الطعن رقم 1396 لسنة 52 قضائية - جلسة 12/5/1983).

وأيضاً قضت محكمة النقض بأنه: "لقاضي الموضوع أن يستعين بالخبراء في المسائل التي يستلزم الفصل فيها استيعاب النقاط الفنية التي لا تشملها معارفه والوقائع المادية التي يشق عليه الوصول إليها، دون المسائل القانونية التي يفترض فيه العلم بها". (الطعن رقم 243 لسنة 51 قضائية - جلسة 28/2/1985. والطعن رقم 2418 لسنة 52 قضائية - جلسة 6/5/1986).

لما كان ما تقدم، وكان من المُقرر قانوناً فقهً وقضاءاً أن وصف الرابطة بين الخصوم، وإسباغ التكييف القانوني عليها هي مسألة قانونية بحتة فلا يجوز للخبير أن يتطرق إليها ولا للمحكمة أن تنزل عنها لأنها في ولايتها وحدها ولا يجوز لها أن تستند إلى ما أورده الخبير في هذا الصدد ولا غِناء عن أن تقول هي كلمتها في شأنها فإن استندت إلى تقرير الخبير في هذا الشأن كان حكمها مشوباً بالقصور في التسبيب. (المرجع: "التعليق على قانون الإثبات" – للمُستشار/ عز الدين الدناصوري والأستاذ/ حامد عكاز – الطبعة العاشرة 2002 – المادة 135 – صـ 1229).

لما كان ذلك، وكانت أهم مهمة في المأمورية التي أناطتها محكمة أول درجة بالخبير المنتدب في الدعوى هي: "... بيان العلاقة بين المدعي بصفته والمدعى عليه".

ولما كان بيان طبيعة العلاقة أو وصف الرابطة بين الخصوم هي مسألة قانونية بحتة لا يجوز للخبير أن يتطرق إليها ولا يجوز للمحكمة أن تنزل عنها لأنها في ولايتها وحدها. فإذا ما انتهى الخبير إلى أن: "العلاقة بين هيئة الأوقاف المصرية والمدعى عليه هي علاقة إيجارية يدفع المدعى عليه عنها مقابل انتفاع بموجب إيصالات سداد لهيئة الأوقاف طبقاً لما هو ثابت بصحيفة المستأجر المقدمة من هيئة الأوقاف وذلك منذ السبعينات، وهو تاريخ استلام الهيئة للأوقاف في سنة 1973، إلا أن هذه الصحيفة قد جاءت خالية من ثمة شروط تعاقد لبيان ما إذا كان المدعى عليه قد خالفها من عدمه". وإذ عول حكم محكمة أول درجة المؤيد بالحكم المستأنف المطعون فيه على ذلك التقرير المقدم من الخبراء وأقام قضائه على أساس تقرير الخبراء مبنياً على أسبابه. ودون أن يقول الحكم كلمته هو في وصف وتكييف وبيان تلك العلاقة وإنما أخذ ما قاله الخبير محمولاً ومبنياً على أسبابه بدون أسباب من الحكم ذاته فإنه يكون والحال كذلك مشوباً بالقصور في التسبيب متعيناً نقضه.

ولما كان هذا الطعن قد أقيم في الميعاد مُستوفياً أوضاعه القانونية، ومن ثم فهو مقبول شكلاً.

الطلبات

* لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة المحكمة من أسباب أصوب وأرشد، يلتمس الطاعن بصفته من عدالة المحكمة:

أولاً- قبول الطعن شكلاً.

ثانياً- وفي الموضوع: بنقض الحكم المطعون فيه - الصادر في الاستئناف رقم 2975 لسنة 58 قضائية "استئناف عالي المنصورة – والقضاء مُجدداً بـ..

1- بصفة أصلية: بإعادة الدعوى لمحكمة استئناف عالي المنصورة للفصل فيها بدائرة أخرى غير الدائرة التي أصدرت الحكم المطعون فيه.

2- وبصفة احتياطية: بإلغاء الحكم المُستأنف، والقضاء مُجدداً بإلغاء الحكم الابتدائي رقم 3832 لسنة 2002 مدني كلي مساكن المنصورة الصادر بجلسة 29/5/2006، والقضاء مجدداً للطاعن بصفته بطلباته في صحيفة تعديل الطلبات في الدعوى المذكورة.

وفي جميع الأحوال: إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المُحاماة عن جميع درجات التقاضي.

مع حفظ كافة حقوق الأوقاف الخيرية الأخرى أياً كانت،،،

أشرف رشوان

المحامي بالنقض

ashraf.rashwan@gmail.com

التخطيط و وضع ضوابط للجدك

التخطيط و محاولة وضع ضوابط لتنظيم عمليات بيع الجدك

* لا شك أن رجل المطافئ يقوم بعمل لا يُستهان به، وهو عادة يكون مستقراً في موقعه على أهبة الاستعداد فإذا ما تلقى بلاغاً بنشوب حريق هب مسرعاً لإطفائه. وهذا العمل على عظمته ما هو إلا رد فعل لحدث مفاجئ أو أزمة طارئة، ولو أن رجل المطافئ هذا وهو مستقراً في موقعه أهتم بمهمة توعيه الجمهور وتعليمه كيفية تلافي وقع الحرائق وكيفية التعامل معها حين تقع لمنع الكثير من حوادث نشوب الحرائق ولسهل على نفسه مهمة إطفائها في حالة نشوبها، ولكان عمله هذا متكاملاً بدءً بـ "الفعل" أساساً ولم يكتف فقط بـ "رد الفعل".

وذات المنطق ينطبق على الإدارة الناجحة، فالمدير الناجح ليس هو الذي يكتفي برد الفعل، أو الذي ينتظر المشاكل حتى تقع وتنتشر وتصير ظاهرة مقلقة ثم يقوم بمحاولة علاجها، ولكن المدير الناجح هو الذي "يخطط" للعملية الإدارية ككل قبل تنفيذها، ويتوقع الفرص التي يمكن أن تتاح لمؤسسته ويعمل على الاستعداد للاستفادة منها، كما يتوقع المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها المؤسسة ويعمل على الاستعداد لمواجهتها واحتواء آثارها. فهو لم يكتف برد الفعل وإنما بادر إلى الفعل، فتم إعرابه على أنه "فاعل" وليس "مفعول به".

فـالتخطيط هو أولى وظائف المدير، أياً كان موقعه، وهو يمثل التفكير المسبق قبل التصرف أو اتخاذ القرار، وهو يمثل مرحلة "التفكير" و "المُفاضلة" بين أساليب وطرق العمل المختلفة لاختيار أفضلها وأكثرها تلائماً مع الإمكانيات المتاحة من ناحية، وطبيعة الأهداف المطلوب تحقيقها من ناحية أخرى، ويعتمد التخطيط بصفة أساسية على "التنبؤ" بالمُستقبل والاختيار من البدائل المتاحة على ضوء التحليل المستمر للبيئة الداخلية للمنظمة (مثل: الموارد المتاحة – ونقاط القوة – ونقاط الضعف) وكذا البيئة الخارجية من حيث الفرص والتهديدات التي تواجهه مؤسسته.

فالتخطيط إذن يُعد من أهم أنشطة الإدارة، فهو نشاط يتضمن الاختيار من مجموعة كبرى من البدائل تتوقف عليها عملية صنع قرارات الإدارة. بل يُصبح التخطيط هو جوهر تلك العملية، فهو النشاط الذي يسبق الأنشطة الأخرى، وهو النشاط الذي يتوقف عليه كل نشاط آخر. وبهذا المعنى الهام يمكن أن نعتبر كل مرحلة في العمل الإداري ناتج مباشر للتخطيط.

وكما قيل بحق: فإن "الفشل في التخطيط" يعني في الغالب "التخطيط للفشل". فعدم جودة التخطيط، أو عدم وجود تخطيط من الأصل، يمثل في الحقيقة أنسب خطة لتحقيق "الفشل". فالإدارة العشوائية والارتجال في اتخاذ القرارات والاكتفاء بإطفاء الحرائق أو مواجهة المشاكل بعد وقوعها وتفشيها لن يساعد على تطوير أية مؤسسة إن لم يؤد إلى تخلفها وتعثرها، حتى وإن لم يظهر هذا التخلف والتعثر سريعاً.

لذا، فمن الأهمية بمكان وجود "إدارة للتخطيط" بهيئة الأوقاف المصرية لتتولى معاونة الأنشطة الفرعية بكافة الإدارات في الهيئة (مثل: الملكية عقارية – الاستبدال – الاحكار – الاستثمار – الجدك – الأملاك – شئون العاملين – الشئون القانونية – الشئون المالية ...الخ) في إعداد الخطط والبرامج الخاصة لكافة تلك الإدارات التنظيمية بالهيئة. وسواء أكانت إدارة التخطيط تلك، إدارة مستقلة (ويحبذ أن تكون كذلك) أو حتى فرع من إدارة (الوثائق والمعلومات) بالهيئة، حيث أن عملية التخطيط تعتمد أساساً على جمع المعلومات والبيانات وتسجليها وتحليلها ومن ثم تحديد البدائل المتاحة وتقييم تلك البدائل جميعها واختيار البديل الأمثل منها ثم تقديم اقتراحاتها وتوصياتها إلى السلطة المختصة لاتخاذ القرار. فإدارة التخطيط بهذا الشكل تساهم في عملية "صنع القرار" ولكنها ليست هي التي "تتخذ القرار".

ووجود مثل هذه الإدارة "إدارة التخطيط" سيكون بديلاً فعالاً عن العديد من اللجان المنشأة لمواجهة المشاكل المثارة في الهيئة (سواء الخاصة بأماكن أو بمناطق بعينها، أو الخاصة بموضوعات بعينها)، أو على الأقل سيكون مسانداً ومساعداً لها في سرعة إنجاز أعمالها بكفاءة وفعالية كما أنها ستكفل التنسيق بين عمل تلك اللجان بما يساعد على خلق روح "التعاون" بينها وليس روح "التنافس" لكونهم سيتعاملون مع المشاكل ككل وليس بشكل فرادى، والأهم من ذلك كله أنها ستتكفل بوضع قاعدة بيانات شاملة للهيئة في مختلف المجالات (لكون المعلومات هي أساس التخطيط) وستعمل على ضوء تحليل تلك المعلومات على التنبؤ بالمشاكل المتوقعة في المُستقبل قبل حدوثها بالفعل وإما تتفادى وقوعها أو على الأقل – عن طريق "إدارة الأزمات" – ستتخذ الاستعدادات اللازمة لمواجهتها واحتواء آثارها في أسرع وقت ممكن وبأقل تكلفة ممكنة وبأقل خسائر ممكنة، وبالتالي ستعمل على نقل كافة إدارات الهيئة (خاصة في الأملاك والجدك) من مرحلة "الارتجال" و "العشوائية" و "رد الفعل" إلى مرحلة "التخطيط" و "الفعل".

كما أن وجود إدارة للتخطيط تتولى تحديد الأهداف ووضع الخطط لتحقيق تلك الأهداف ورسم السياسات التي تسير عليها إدارات الهيئة نحو الأهداف المحددة، سيضمن إلى حد كبير استقرار سياسات الهيئة، بل وأيضا تطوير سياسات الهيئة لكون كل قائد جديد سيبدأ من حيث انتهى سابقيه، أما في حالة غياب مثل تلك الإدارة وهذه السياسات فإن كل إدارة تنظيمية في الهيئة ستكون مرتبطة بشخص مديرها وحده وبسياسته وأسلوبه، وبالتالي تتغير تلك السياسات بتغير شخص المدير، وفي هذه الحالة لن يحدث تطور يذكر للإدارة المعنية (وللهيئة ككل) حيث أن كل مدير سيبدأ من جديد بأسلوبه هو وسياسته الخاصة.

وعلى أسوء الفروض – إذا كان هناك ما يحول دون إنشاء تلك الإدارة (إدارة التخطيط) – أو يحول دون قيامها بعملها – أو إلى أن تقوم تلك الإدارة بعملها – يمكن للهيئة طلب المعونة والمساندة سواء من إدارة التخطيط بالجهاز المركزي للمحاسبات، وإن أمكن من وزارة التخطيط، وكذلك إذا كانت هناك إدارات مشابهة في وزارة الأوقاف فيمكن الاستعانة بها، أو حتى الاستعانة بأحد الخبراء المختصين في هذا المجال من القطاع الخاص (ويفضل أن يتم ترشيحه من قِبل الجهاز المركزي للمحاسبات أو وزارة التخطيط أو وزارة الأوقاف).

وفي حالة تشكيل مثل تلك الإدارة فيجب مراعاة أن نجاح عملها إنما يتوقف على توافر كوادر بشرية متخصصة ذات مستوى عالي من المهارة والكفاءة التخطيطية وخاصة من توافر أخصائيون في بحوث العمليات وكذا المتخصصون في مجال تكنولوجيا المعلومات وذلك لإمكانية القيام بجمع وتسجيل وتحليل البيانات والمعلومات اللازمة لوضع الخطة بما يُمكن من تقييم أداء إدارات الهيئة واتخاذ القرارات المناسبة. وتلك الإدارة بهذه المستويات ستتطلب بالتأكيد وقت وجهد ومصاريف ونفقات ليست قليلة قبل أن تظهر بواكير نتائج أعمالها، مما يعني أنه يجب أن نضع في الاعتبار أن الأمور ستزداد سوءً قبل أن تبدأ في التحسن، ولكن هذا الدواء على مرارته ضروري لشفاء وانتشال إدارات الهيئة من وضعها الحالي الذي نشبت في ظله العديد المشاكل الخطيرة وفي فترات زمنية متقاربة، وأن بقاء الحال على ما هو عليه والاكتفاء بسياسة إطفاء الحرائق ينذر بوقوع حرائق لا يمكن السيطرة عليها (بعضها الآن تحت الرماد) وعندئذ سيتم إعلان فشل هيئة الأوقاف كما تم إعلان فشل الإصلاح الزراعي والمحليات ومن قبلهما وزارة الأوقاف في إدارة أعيان وأموال الوقف، وعندئذ ستكون النهاية الغير سعيدة.

مع الأخذ في الاعتبار أن نجاح هيئة الأوقاف في إدارة الوقف وذيوع هذا النجاح سيؤثر بشكل إيجابي في عودة ثقة الجمهور في نظام الوقف بما يعزز من إمكانية زيادة الأعيان والأموال التي يتم وقفها على جهات البر. أما إذا حدث العكس (لا قدر الله) فسيكون له أثره السلبي وتأكيد السمعة السيئة لفشل "إدارة" الوقف في المحافظة عليه وبالتالي إحجام الجمهور عن وقف أعيان جديدة خشيةً عليها من الضياع.

* هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإنه إذا كانت المهمة المباشرة المُحددة لنا حالياً هي وضع ضوابط للجدك، فنشير أولاً إلى أن غياب وندرة المعلومات الخاصة بهذا الموضوع تمثل عقبة كأداء في سبيل اقتراح التوصية المناسبة في هذا الشأن، ومحاولتنا القيام بتلك المهمة دون توافر قاعدة بيانات وافية تجعلنا نبدو كمن "يقفز في الظلام". فكان من الأفضل لو توافرت لدينا معلومات وبيانات وإحصائيات شاملة عن كافة جوانب الموضوع من قبيل: حجم المحال التجارية في كل المنطقة، وحجم إيرادها الشهري، ونسب تحصيله، وحجم بيوع الجدك فيها، ومقدار أثمانها الإجمالي، ونسب تحصيلها؛ لتقدير وتحديد الحجم الفعلي للمشكلة، ودراسة عدة حالات بذاتها سواء الناجح منها مما تم إنجازه وتحصيل كافة مستحقات الهيئة فيه وعدده ونسبته من حجم بيوع الجدك الإجمالية، وكذلك المتعثرة منها مما لم يتم إنجازه ولم يتم تحصيل كافة مستحقات الهيئة فيها وعددها ونسبتها من حجم بيوع الجدك الإجمالية، للوقوف على القواسم المشتركة في كل منهما، والعمل على تشجيع القواسم المشتركة في الحالات الناجحة، والعمل على تلافي القواسم المشتركة في الحالات المتعثرة. وأيضاً مراعاة الظروف الخاصة بكل منطقة من مناطق الهيئة على حدة من حيث حجم ونوعية الإنجازات أو المشكلات التي تعانيها وحجم ومقدار كفاءة العاملين بكل منطقة ...الخ، وتحديد ما إذا كانت القواعد والضوابط المقترحة تصلح لكافة المناطق على حد سواء من عدمه ...الخ. ولكن في ظل غياب وندرة تلك المعلومات (وانعدام الأمل في الحصول عليها – من جانب جميع المناطق – في وقت مناسب) فلا مناص أمامنا (من القفز في الظلام) والتقدم باقتراح توصيات "عامة مُجردة" وفي حدود "المعرفة والخبرة الشخصية، والوقت القليل المتاح".

* ونبدأ أولاً بإبداء بعض الملاحظات العامة على ملف الفتوى وما حواه:

- بالإطلاع على المذكرة المقدمة إلي السيد الأستاذ المهندس/ رئيس مجلس الإدارة من السيد الأستاذ/ وكيل الوزارة للشئون الاقتصادية والخاصة بمعوقات تحصيل قيمة الجدك طبقاً للمادة 20 من القانون 136 لسنة 1988 (والتي انتهت الفتوى محل البحث إلى الموافقة عليها وعلى توصياتها) والتي ورد بالفقرة الأولى بالصفحة الأولى منها عبارة: "نظراً لفقدان الهيئة لسلاحها في قرارات الإزالة" فهل المقصود بها صدور الحكم بعدم دستوريتها ـ فإذا كان المقصود ذلك، فإنه فنود أن نوضح أن الهيئة لم تفقد هذا السلاح بعد لعدم صدور أية أحكام بعدم دستورية النص القانوني الذي يبيح للهيئة إصدار قرارات الإزالة، ولكن صدر فقط حكم بعدم دستورية النص القانوني الذي يبيح للهيئة توقيع الحجز الإداري وهي في سبيل تحصيل مستحقاتها المالية لدى الغير.

- جاء بالفقرة الثانية من الصفحة الأولى عبارة: "كثرة تقدم الصادر بشأنهم قرارات لجنة الجدك بتظلمات من تقديرات" ونقول إذا صح ذلك ويقيناً هو صحيح فإن ذلك يعد "ظاهرة" و"ظاهرة غير صحية" يجب البحث عن أسبابها وحلها إذا كنا نبغي صالح الهيئة والوقف وهذا لا يتأتى إلا إذا عبرت التقديرات عن حقيقة الأثمان الفعلية للأعيان والعقارات بعيداً عن المغالاة وأيضاً عن البخس بها وذلك يتأتى بوضع ضوابط محددة وثابتة للأسعار وعدم تركها للهوى (أو الأهواء كأن يتم تقدير سعر عالي في حالة قيام الهيئة بالبيع، وتقدير سعر بخس لذات العقار في حالة قيام الهيئة بالشراء؟!!)، ويقيناً لو تمكنت الهيئة من وضع ضوابط ثابتة للتقدير، وسلمنا أمرها لمتخصصين (أكفاء ونزهاء) يعلمون الأسعار وحركة السوق، فمن المحتمل أن تتحسن الأوضاع بما ينعكس على تقديرات مُرضية للمواطن وللهيئة على السواء، مما يعود على الهيئة بالخير وزيادة لإيراداتها، كما يعزز الثقة بين المواطن والهيئة ويجعل كلا الطرفين حريصاً على حسن علاقته بالأخر بدلاً من سعي كل منهما للتغلب على الأخر.

- بعد الإطلاع على النقاط الواردة بالمذكرة والفتوى (محل البحث) تبين أنها انصبت بالأساس على "المناطق" في حين أنه (وكما تكشف للجنة 18 من المشكلة من السيد الأستاذ/ رئيس مجلس الإدارة) وجود حالات كثيرة جداً بـ "لجنة الجدك العليا" لم يبت فيها أو بت فيها ولم تعدها اللجنة إلي المناطق للتصرف. لذا يلزم لعلاج هذه الظاهرة تنظيم العمل بتلك اللجنة وإنشاء سجلات تفصيلية لها وعمل حصر لحالات الجدك الموجودة بها، وما تم إنهائه فيها يتم حفظه، وما لم يتم إنهائه يعد كشف به لعرضه واتخاذ اللازم بشأنها.

- ليس في صالح الهيئة (بل هو ضياع لأموالها وتأخير استثمارها) إحالة حالات الجدك للقضايا ذلك أن أغلب حالات الجدك يتعذر التوصل إلي المستأجر الأصلي حيث إن عقود الإيجار أغليها منذ الأربعينات والخمسينات فغالباً ما يكون المستأجر الأصلي قد توفي أو ترك المكان إلي أماكن غير معلومة هو أو ورثته. كما قد لا يكون بالدفتر خانة عقد إيجار وبالتالي لا يمكن إقامة دعوى ضد المستأجر والشاغل (لا سيما في الحالات التي تقوم الهيئة فيها باستلام أعيان جديدة للوقف ولا يتم تحرير عقود إيجار ولا إقرار وضع يد، وإنما يُكتفى بذكر اسم واضع اليد في محضر الاستلام فقط) – وعدم وجود عقد إيجار يشل يد إدارة القضايا عن إقامة دعوى بفسخ العقد لأنها لا تستطيع تقديم مثل ذلك العقد حتى لو علمت اسم ومحل إقامة المستأجر الأصلي – ومن ثم يتعين عدم اللجوء للقضاء إلا للضرورة القصوى وهذه سياسة أي منشأة اقتصادية تسعى إلى الربح وزيادة مواردها وأهمها "البنوك".

- إن حساب الريع طبقاً للبند الثاني والسادس من المذكرة سالفة الذكر سيؤدي إلي ارتفاع قيمة الجدك إلي أثمان بعيدة كل البعد عن أسعار السوق مما سيوقف حركة تداول المحلات في السوق، وإذا أقيمت قضية فأقل متوسط زمني لانتهاء القضية خمس سنوات ابتدائي واستئنافي وتنفيذ، وبعد خمس سنوات تحصل الهيئة على الحكم وتنفذه وتستلم المحل أو الشقة لتعرضهما في مزاد علني فلا يصل السعر إلي الثمن الذي كان مقدر منذ خمس سنوات، وفي هذا إهدار جسيم لمال الوقف.

- بالنسبة لقرارات الإزالة لحالات الجدك فالواقع أن جميع الشاغلين يستندون إلي تنازلات من المستأجر الأصلي وعقود بيع جدك ومن ثم فطعنهم على قرارات الإزالة التي تصدرها الهيئة يصادف قبولاً لدى محكمة القضاء الإداري (لعدم قانونية أو مشروعية إصدار قرار إزالة في مثل تلك الحالات) ومن ثم تصدر قضائها بوقف تنفيذ قرارات الإزالة وبإلغاء تلك القرارات، ومن ثم تعود إلي نقطة الصفر مرة أخرى (أو إلى المربع رقم واحد من جديد).

- كيف يمكن تفعيل أدوار لجنة الجدك (المحلية والعليا) ومحصلي ومعاوني المناطق؟.. يقيناً لن يكون ذلك إلا بالثواب قبل العقاب، والثواب لكي يؤتي ثماره يجب ربطه بالإنتاج أي بالحالات التي يتم الموافقة عليها والبدء في تحصيل مقدماتها وذلك بالنسبة لجميع أعضاء لجنة الجدك (المحلية والعليا) وكافة محصلي ومعاوني المناطق المعنيين، حتى يسعى الجميع إلي تحقيق الهدف العام بحماس وحرص شخصي. مع مراعاة العدالة في توزيع المكافآت فلا يجب أن يكون المحصل أو المعاون هو أول من يحاسب ويعاقب وآخر (وأقل) من يثاب ويكافأ.

ثانياً- بعض الأفكار والمقترحات:

- لجنة الجدك العليا يجب أن يغلب على تشكيلها العنصر الفني المشهود له بالكفاءة والنزاهة والشجاعة والأمانة وهو لا يكون إلا عن طريق لجنة من السادة وكلاء الوزارة بالهيئة أو أقدم مديري عموم مع مدير شئون العاملين (لكي يقدم للجنة ملف خدمة المرشح لهذه اللجنة) وتكون العضوية في تلك اللجنة لمدة محددة وبشروط يجب توافرها وعند تخلف أحد هذه الشروط يُستبعد من اللجنة ويتم ترشيح غيره وهكذا.

وعلى أن تضم اللجنة عنصر أمني متخصص (لديه خلفية اقتصادية علمية أو عملية) يُكلف بعمل تحريات دورية عن أسعار السوق في المناطق التي يكلف بها من قِبل اللجنة (لجنة الجدك) وتكون هذه الأسعار إرشادية للجنة تستعين بها في التقدير حتى لا تكون أسعار الجدك مغالى فيها لدرجة تجعل المواطنين يهربون من التعامل مع الهيئة.

- يتعين على لجنة الجدك سواء المحلية أو العليا أن تدير عملها بعقلية "القطاع الخاص" وليس بعقلية "موظف الحكومة الروتيني"، فيجب أن تؤمن اللجنة وجميع العاملين بالجدك بالمناطق أن الهيئة في حاجة إلي التعامل مع المواطن لأنه مصدر دخل لها يجب الحفاظ عليه وتتعامل معه بأسلوب القطاع الخاص "وهو عميل لديها" ومن ثم محاولة الوصول معه إلي أفضل حل ممكن.

- ربط المكافأة بالنسبة للجميع بالتحصيل الفعلي من خلال المناطق ومتابعة لجنة الجدك العليا للتحصيل فلا يعقل عمل مكافأة لمجرد وضع قيمة جدك قد يرفض أو قد يوافق عليه المواطن ليهرب من سيف قرار إزالة مسلط عليه أو يقوم بسداد مقدم الجدك فقط ويدخل في قضايا مع الهيئة فتحصل اللجنة والمنطقة على مكافأة نظير تقديرهم لمبلغ مليون جنيه جدك مثلاً في حين أنه لم يتم تحصيل أي مبالغ منه، أو تم تحصيل المقدم فقط ثم التوقف للجوء المتعاقد مع الهيئة إلى المحاكم، لذلك يتعين ربط المكافأة بالتحصيل بالنسبة لكل أعضاء لجنة الجدك المحلية والعليا حتى يسعى الجميع لتحصيل المبالغ المستحقة للهيئة مقابل جدك.

- بالنسبة للتظلمات فإنه وطبقاً للوضع الحالي لا جدوى منها لأن التظلم مقدم إلي لجنة الجدك بعد التقدير، ومن ثم فهي لن تتراجع في تقديرها. وإنما ما جرى عليه العمل لتفعيل التظلم وجعل له جدوى هو أن يكون التظلم لجهة أعلى، وهي إما لجنة "للتظلمات" برئاسة مدير عام الهيئة أو رئيس مجلس الإدارة، ويكون دور اللجنة هو طلب أخر حالات مثل بالمنطقة التي يوجد بها موضوع الجدك المتظلم منه ومعرفة سعر آخر متر جدك تم بيعه بالمنطقة والفصل في تظلم الجدك طبقاً لذلك.

- بالنسبة لقرارات الإزالة الواردة بالمذكرة فهي قرارات إن وجدت فهي باطلة وتقضي محكمة القضاء الإداري فيها بوقف تنفيذها وإلغائها ذلك لأن أغلب حالات الجدك تستند إلي مستندات مثل بيع الجدك أو التنازل من المستأجر الأصلي ومن ثم لا يجب استصدار قرار إزالة لها ولكن الرجوع للقضاء العادي لفسخ عقد الإيجار وهو ما يستغرق سنوات عديدة، لذا يتعين عدم اللجوء إليه إلا في الحالات القصوى المستعصية.

- ويجب ألا يكون عضواً في لجنة (مثل لجنة الجدك) من يتعامل مع المواطن بمفهوم أنه ـ لص جاء ليسرق فيجب أن أسرقه ـ ويجب على الموظف المختص أن يعلم أن المواطن هو مصدر دخل للهيئة يجب الحفاظ عليه.

- أما بالنسبة لضمان سداد الأقساط سواء جدك أو خلافه نرى أن نتبع الأسلوب المُتبع في البنوك، لضمان تحصيل حقوق الهيئة، ومنها ما يلي:

1- تقديم ضمانات سواء شخصية (كفيل ملئ)، أو عينية (رهن حيازي أو رسمي لعقار أو منقول ذا قيمة).

2- أو تحرير شيك بنكي لصالح الهيئة بقيمة جميع الأقساط. وعند حلول القسط الأول والقيام بسداده يرد له الشيك على أن يقوم بتحرير شيك آخر بقيمة إجمالي المبلغ المتبقي وهكذا كلما حل قسط. وأن يتم عمل صحة توقيع على كل شيك من البنك المسحوب عليه الشيك. وأن يتم عمل استعلام عن محل إقامة المواطن الفعلي عن طريق الأمن حتى يسهل إعلانه بجنحة الشيك في حالة تقاعسه عن السداد.

- بالنسبة للضوابط الواردة بمذكرة الفتوى محل البحث، فتأتي وتلي ما سبق، وعلى أن يُستطلع رأي المناطق فيها لاتخاذ إجراءاتهم، خاصة أن هناك مواد ترسل للمناطق بعد مرور أكثر من شهر من تاريخ الاعتماد أم بسبب الموظف بالديوان العام أو البوستة. فيجب مراعاة تاريخ وصول المادة إلي موظف المنطقة.

- ليس هناك شك في أن سبب مشاكل الجدك التي تثير صداع كل مسئول عن هذه الهيئة هو تقديرات الجدك المتضاربة أحياناً والمغالى فيها غالباً. ونرى وضع سعر أساسي لكل حالة جدك، ويصدر هذا السعر وفقاً لآخر قيمة جدك لمحل أو شقة في ذات المبنى أو في عقار آخر شريطة أن تكون هذه القيمة قد تم الموافقة عليها من المواطن وتم تحصيلها أو مازال يقسط قيمة الجدك، ويتم التمارس على هذا السعر.

وإذا كانت توجد ميزة للعين محل تقدير اللجنة تفوق الحالة التي اتخذ من قيمتها سعر أساس كأن تكون على ناصية أو على شارع رئيسي أو واجهة المحل كبيرة فمن الممكن زيادة نسبة "تمييز" (ولتكن 10% أو20% مثلاً) تضاف إلي السعر الأول لتكوين السعر الأساسي الذي يتم التمارس عليه.

- وفي حالة ما إذا تعذر التوصل إلى اتفاق مع طالب شراء الجدك، وكان المُستأجر الأصلي ما زال موجوداً ومعلوم موطنه للهيئة، وطالب شراء الجدك مصر على سعر ما لا يريد الزيادة عليه، فيتم مخاطبة المستأجر الأصلي ليقوم بإعلان الهيئة بإنذار رسمي على يد محضر بعزمه على بيع المحل بالجدك إلى طالب الشراء وبالسعر الذي توقف عنده طالب الشراء، ومن ثم تقوم الهيئة خلال مدة 30 يوماً بعرض قيمة 50% من الثمن المعروض لاسترداد منفعة العين. ولن يصاب المستأجر الأصلي بأي ضرر (في حالة جدية السعر المعروض من طالب الشراء) لأنه في جميع الأحوال سيحصل على 50% فقط من قيمة هذا السعر، كما لن تصاب الهيئة بضرر من جراء ذلك لأنه إذا كان هذا السعر منخفضاً جداً بالنسبة لها فهي تستطيع سداد نسبة الـ 50% واسترداد منفعة العين.

* هذا اجتهاد متواضع، وبعض الأفكار التي يمكن أن تساعد في تحسين وضع تقدير وتحصيل الجدك في الهيئة. ولكننا ما زلنا نرى أن قيام "إدارة تخطيط" مشكلة بأسلوب علمي بعملها معتمدة على قاعدة بيانات وافية من شأنه أن يضع سياسات وبرامج أفضل وأصلح وأرشد وأصوب وأطول عمراً، وأسلم من محاولات "القفز في الظلام"، فهناك مثل غربي يقول: "أحسب مقاساتك مرتين، لتقطع أخشابك مرة واحدة".

هذا، والله أعلى وأعلم،،،

أشرف رشوان

المحامي بالنقض

ashraf.rashwan@gmail.com