الأربعاء، 15 يوليو 2009

استئناف حكم في دعوى إيجارات

"وأعلنتهم بصحيفة الاستئناف الآتية"

بموجب هذه الصحيفة يستأنف الطالب بصفته الحكم الصادر في الدعوى رقم 438 لسنة 2007 إيجارات كلي جنوب القاهرة، الصادر من الدائرة 15 إيجارات بمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية، بجلسة يوم الأحد الموافق 31/5/2009، والقاضي في منطوقه: "برفض الدعوى، وألزمت المدعي بصفته بالمصاريف، ومبلغ خمسة وسبعون جنيهاً أتعاب المحاماة".

ولما كان هذا الحكم، قد جاء مجحفاً بحقوق الطالب بصفته، لذا فهو يطعن عليه بطريق الاستئناف، بموجب هذه الصحيفة.

"الموضوع"

أقام الطالب بصفته الدعوى المبتدأة رقم 438 لسنة 2007 إيجارات كلي جنوب القاهرة بموجب صحيفة موقعة من محام، أودعت قلم كتاب المحكمة الابتدائية، وأعلنت قانوناً طلب في ختامها الحكم له: "بفسخ عقد الإيجار المؤرخ في 26/9/1963 والساري اعتبارا من 1/10/1963 عن دكان التداعي الكائن بالعقار رقم 12 شارع العدوي سابقاً وحالياً 502 شارع بور سعيد – قسم باب الشعرية – بالقاهرة، مع إخلاء عين التداعي من الأشياء والأشخاص وتسليمها للطالب بصفته بالحالة الحسنة التي كانت عليها عند التعاقد، مع إلزام المعلن إليهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، بحكم مشمول بالنفاذ المعجل بلا كفالة".

وقال الطالب بصفته شرحاً لدعواه المستأنف حكمها أن مورث المعلن إليهم من الأول حتى الرابع كان يستأجر عين التداعي من وزارة الأوقاف، التي حلت محلها هيئة الأوقاف المصرية في خصوص إدارة واستثمار والتصرف في أعيان وأموال الأوقاف في مصر (طبقاً لقانون إنشاء هيئة الأوقاف المصرية رقم 80 لسنة 1971).

وإذ قام المستأجر الأصلي (مورث المعلن إليهم من الأول حتى الرابع) بالتنازل عن العين المؤجرة إلى المعلن إليه الخامس بدون أخذ موافقة كتابية من الأوقاف المؤجرة بل وحتى بدون علمها، وذلك بالمخالفة لبنود عقد الإيجار مكملة بأحكام قوانين إيجار الأماكن، مما حدا بالطالب بصفته إلى إقامة دعواه المستأنف حكمها بغية القضاء له بطلباته سالفة الذكر.

وتداولت الدعوى المستأنف حكمها بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة يوم الأحد الموافق 31/5/2009 قضت محكمة أول درجة: "برفض الدعوى وألزمت المدعي بصفته بالمصاريف وخمسة وسبعون جنيهاً أتعاب المحاماة".

وقد أسست محكمة أول درجة قضائها سالف الذكر على سند من أن الطالب بصفته لم يقدم أصل عقد الإيجار سند الدعوى المستأنف حكمها.

ولما كان هذا القضاء لم يلق قبولاً لدى الطالب بصفته، لكونه قد جاء مجحفاً بحقوقه، فضلاً عما شابه من مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي تأويله ومخالفته للثابت بالأوراق ومعيباً بالقصور في التسبيب، لذا فالطالب بصفته يطعن على ذلك الحكم لتلك الأسباب وللأسباب التالية:

"أسباب الاستئناف"

الأثر الناقل للاستئناف:

في مستهل دفاعنا، نتمسك بجميع الطلبات وأوجه الدفاع المبداه منا أمام محكمة أول درجة، سواء ما ورد منها في صحيفة افتتاح الدعوى أو مذكرات دفاعنا أو حوافظ مستنداتنا، أو الثابت منها بمحاضر الجلسات، ونعتبرها جزءاً لا يتجزأ من أسباب هذا الاستئناف الماثل:

حيث تنص المادة 232 من قانون المرافعات على الأثر الناقل للاستئناف بقولها أن: "الاستئناف ينقل الدعوى بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف بالنسبة لما رفع عنه الاستئناف فقط".

وعليه، يترتب على رفع الاستئناف طرح النزاع المرفوع بشأنه الاستئناف إلى محكمة الدرجة الثانية لتفصل فيه من جديد، ويكون لمحكمة الدرجة الثانية كل ما كان لمحكمة الدرجة الأولى من سلطة في هذا الصدد فهي تبحث وقائع الدعوى وتقوم باتخاذ ما تراه من إجراءات الإثبات وتعيد تقدير الوقائع من واقع ما قدم إليها من مستندات وما قدم لمحكمة أول درجة منها، ومن واقع دفاع الخصوم ثم هي أخيراً تطبق القاعدة القانونية التي تراها صحيحة على وقائع الدعوى، فالاستئناف ينقل الدعوى إلى محكمة الدرجة الثانية بما سبق أن أبداه المستأنف أمام أول درجة من دفوع وأوجه دفاع وتعتبر هذه وتلك مطروحة أمام المحكمة الاستئنافية للفصل فيها بمجرد رفع الاستئناف؛ ويعتبر كل ما كان مطروحاً على محكمة أول درجة مطروحاً على محكمة الدرجة الثانية.

وفى هذا الشأن قضت محكمة النقض بأنه: "على محكمة الاستئناف أن تنظر الاستئناف على أساس ما يقدم إليها من أدلة ودفوع وأوجه دفاع جديدة وما كان قد قُـدِمَ من ذلك إلى محكمة الدرجة الأولى ومن ثم يتعين على المحكمة الاستئنافية أن تفصل في كافة الأوجه التي يكون المستأنف قد تمسك بها أمام محكمة أول درجة سواء في ذلك الأوجه التي أغفلت هذه المحكمة الفصل فيها أو تلك التي قضت فيها لغير مصلحته". (نقض 26/1/1967 المكتب الفني السنة 18 صـ 256. ونقض 2/3/1971 المكتب الفني السنة 22 صـ 239).

كما تنص المادة 233 من قانون المرافعات على أنه: "يجب على المحكمة أن تنظر الاستئناف على أساس ما يقدم لها من أدلة ودفوع وأوجه دفاع جديدة وما كان قد قُـدِمَ من ذلك إلى محكمة الدرجة الأولى".

فمن المقرر في قضاء النقض أن: "وظيفة محكمة الاستئناف. عدم اقتصارها على مراقبة سلامة التطبيق القانوني. التزامها بمواجهة النزاع بكل ما أشتمل عليه من أدلة ودفوع ودفاع بقضاء يواجه عناصره الواقعية والقانونية. حجب محكمة الاستئناف نفسها عن تمحيص وتقدير أدلة الدعوى اكتفاء بتقدير محكمة أول درجة لها رغم أن الطاعن قد تعرض لها في طعنه. مخالفة للثابت بالأوراق وقصور". (الطعن رقم 1836 لسنة 57 قضائية - جلسة 18/7/1989).

لما كان ما تقدم، فالطالب بصفته يتمسك بجميع الأدلة والدفوع والدفاع والطلبات المبداه منه أمام محكمة أول درجة ويعتبرها جزءاً لا يتجزأ من أسباب هذا الطعن الماثل، بالإضافة إلى الدفوع وأوجه الدفاع الجديدة التالية:

مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وفي تأويله:

لما كان من المسلم به قانوناً أن دخول المستأجر بالعين المؤجرة كحصة عينية في شركة ما يكونها مع الغير، يعد بمثابة تنازلاً منه عن العين المؤجرة إلى تلك الشركة التي لها شخصية قانونية اعتبارية مستقلة عن شخصية الشركاء فيها

حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "الشركة – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – عقد يلتزم بمُقتضاه شخصان أو أكثر بأن يُساهم كل منهم في مشروع مالي بتقديم حصة من مال أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خُسارة مما مؤداه أن محل هذا العقد هو تكوين رأس مال يشترك فيه مجموع حصص الشركاء وذلك بقصد استغلاله للحصول على ربح يوزع بينهم ولا رابطة بين قيام الشركة وبين ما قد يكون من مُباشرة الشركاء بعد قيام الشركة لنشاطهم المُشترك في عين يستأجرها أحدهم لانتفاء التلازم بين نشأة الشركة وبين وجود مثل تلك العين أو تحقق ذلك النشاط فيها ما لم يكن حق الإجارة من ضمن مقومات الشركة إذا ما قدمه الشريك المُستأجر كحصة له فيها وأنه وإن كان الأصل أن قيام مُستأجر العين بإشراك آخر معه في النشاط المالي الذي يُباشره فيها عن طريق تكوين شركة بينهما لا يعدو أن يكون مُتابعة من جانب المُستأجر للانتفاع بالعين ولا ينطوي بذاته على معنى تخليه عنها إلى شريكه في المشروع إلا أنه إذا ما تخلى عن حقوقه المتولدة عن عقد الإيجار إلى الغير فإن هذا الأخير يُعد مُستأجراً من الباطن أو مُتنازلاً له عن الإيجار". (نقض مدني في الطعن رقم 1486 لسنة 52 قضائية، جلسة 22/2/1989. مُشار إليه في مرجع: "مجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في تطبيق قوانين الإيجار خلال خمسة وستين عاماً" – للمُستشار/ محمد خيري أبو الليل - - الجزء الأول – طبعة 1997 القاهرة – القاعدة رقم 1099 – صـ 1218 ، 1219).

كما تواتر قضاء النقض على أن: "الشركة – وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض – عقد يلتزم بمُقتضاه شخصان أو أكثر بأن يُساهم كل منهم في مشروع مالي أو عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خُسارة، مما مؤداه أن محل هذا العقد هو تكوين رأس مال يشترك فيه مجموع حصص الشركاء وذلك بقصد استغلاله للحصول على ربح يوزع بينهم، وإنه ولئن كان لا رابطة بين قيام الشركة وبين ما قد يكون من مُباشرة الشركاء بعد قيام الشركة لنشاطهم المُشترك في عين يستأجرها أحدهم لانتفاء التلازم بين نشأة الشركة وبين وجود مثل تلك العين أو تحقق ذلك النشاط فيها إلا أن حق الإجارة يدخل ضمن مقومات الشركة إذا ما قدمه الشريك المُستأجر كحصة له فيها، وتخلى عن حقوقه المتولدة عن عقد الإيجار فتُصبح الشركة مُتنازلاً لها عن الإيجار من جانب المُستأجر، لأنه من المُقرر أن للشركة وجود مُستقل عن الشركاء فتخرج حصة الشريك في الشركة عن ملكه وتصبح مملوكة للشركة، ولا يكون له بعد ذلك إلا مُجرد حصة في نسبة مُعينة من الأرباح أو نصيب في رأس مال الشركة عند التصفية، لما كان ذلك وكان الثابت من عقد الشركة المُقدم ضمن مُستندات الطاعن أنه نص في تمهيد العقد الذي يُعتبر طبقاً للبند الأول جزءاً منه، على أن مورث المطعون ضدهم من الثانية حتى الأخيرة يمتلك مكتباً للتجارة بالشقة محل النزاع وعقد الإيجار الصادر من الشركة المطعون ضدها الأولى ونص في البند الثاني منه على أن رأس مال الشركة مُناصفة بين الشريكين ويدخل ضمن رأس مال المُورث قيمة المكتب سالف الذكر، وإذ كان مفاد هذه النصوص أن مورث المطعون ضدهم من الثانية حتى الأخيرة قد تنازل عن إجارة الشقة محل النزاع إلى الشركة وأنه قدمها ضمن حصته فيها وأصبحت ضمن مقوماتها وأن ذلك يسري في حق ورثته". (نقض مدني في الطعن رقم 1194 لسنة 53 قضائية، جلسة 3/3/1993. مُشار إليه في المرجع السابق – نفس الموضع – القاعدة رقم 1118 – صـ 1231).

ومن المُقرر أيضاً أن: "مؤدى نص المادة 52 من القانون المدني على أن تعتبر "الشركة" شخصاً اعتبارياً، أنها تكتسب هذه الشخصية بمجرد تكوينها مستقلة عن أشخاص الشركاء فيها، مما مقتضاه أن تكون لها ذمة مالية مستقلة عن ذممهم، وتعتبر أموالها ضماناً عاماً لدائنيها وحدهم، كما تخرج حصة الشريك في الشركة عن ملكه لتصبح مملوكة للشركة ولا يكون للشريك بعد ذلك إلا مجرد حق في نسبة معينة من الأرباح أو نصيب في رأس المال عند تصفية الشركة". (نقض مدني في الطعن رقم 1706 لسنة 52 قضائية – جلسة 15/5/1986).

لما كان ما تقدم، وكان الثابت بالأوراق أن المستأجر الأصلي (مورث المعلن إليهم من الأول حتى الرابع) قد كون شركة تضامن مع المعلن إليه الخامس بتاريخ 17/7/1988 والذي نص تمهيد عقد الشركة على أن: "الطرف الأول (المستأجر الأصلي) يمتلك المحل الكائن أسفل العقار رقم 12 بشارع العدوي التابع لوقف/ السادة البكرية الخيري بما فيه من منقولات وأدوات ... والمستأجر من الأوقاف ...".

كما نص البند الثاني من عقد تلك الشركة على أن: "قوم هذا المحل بمبلغ أربعة آلاف جنيه شاملة كافة ما قد يوجد به من محتويات وبضائع وجدك، وقد قام الطرف الثاني (شريك المستأجر الأصلي) بدفع مبلغ أربعة آلاف جنيه أيضاً لاستغلالها في غرض الشركة، ومن ثم يكون رأس مال الشركة هو مبلغ ثمانية آلاف جنيه وأن نصيب كل منهم في هذه الشركة هو مبلغ أربعة آلاف جنيه".

ومفاد ما تقدم أن المستأجر الأصلي قد دخل بالعين المؤجرة (عين التداعي) كحصة عينية في الشركة التي كونها مع المعلن إليه الخامس، وهو بهذه المثابة يكون قد تنازل عن العين المؤجرة لتلك الشركة – على النحو السالف شرحه وبيانه قانوناً – وذلك بالمخالفة لعقد الإيجار مكملاً بأحكام قوانين إيجار الأماكن في هذا الشأن.

حيث ينص البند الخامس والعشرون من عقد إيجار عين التداعي سند الدعوى المستأنف حكمها على أنه: "لا يجوز للمستأجر أن يتنازل لأحد عن حقوقه في هذا الاستئجار، ولا أن يؤجر المحل المؤجر كله أو بعضه من باطنه، ولا يجوز الاحتجاج على الوزارة بقبولها الاستئجار من الباطن أو التنازل للغير إلا بعقد كتابي خاص صادر منها بذلك يبين فيه شروط قبولها التأجير من الباطن أو التنازل عنه للغير ...".

كما نصت الفقرة الثانية من البند الأربعون من عقد إيجار عين التداعي سند الدعوى المستأنف حكمها (وهي الخاصة بالشروط الإضافية) على أنه: "ليس للمستأجر الحق في التنازل عن الشقة المؤجرة أو تأجيرها كلها أو جزء منها من الباطن أو إشراك غيره في السكن بمقابل أو بغير مقابل، وإذا خالف ذلك فيعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بلا حاجة إلى تنبيه أو إنذار ويكون وضع يده مغتصباً ومن حق الوزارة طرده بحكم من قاضي الأمور المستعجلة".

وحيث تنص الفقرة "ج" من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المُؤجر والمُستأجر على أنه: "لا يجوز للمُؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المُدة المُتفق عليها في العقد إلا لأحد الأسباب الآتية: أ- ... ب- ... ج- إذا ثبت أن المُستأجر قد تنازل عن المكان المُؤجر، أو أجره من الباطن بغير إذن كتابي صريح من المالك للمُستأجر الأصلي، أو تركه للغير بقصد الاستغناء عنه نهائياً وذلك دون إخلال بالحالات التي يُجيز فيها القانون للمُستأجر تأجير المكان مفروشاً أو التنازل عنه أو تأجيره من الباطن أو تركه لذوي القربى وفقاً لأحكام المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977".

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "العقد شريعة المُتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يُقرها القانون، مما مُؤداه التزام المُستأجر باحترام الشروط الواردة في عقد الإيجار والذي يحظر عليه التنازل عن الإيجار، وإلا حق عليه الجزاء المُقرر لمُخالفة ذلك في العقد أو في القانون، وكان من الأصول التي تقوم عليها القوانين الاستثنائية الصادرة في شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقات بين المُؤجرين والمُستأجرين، حظر تأجير الأماكن المُؤجرة من الباطن والتنازل عن الإيجار وترك المكان المُؤجر للغير بأي وجه من الوجوه بغير إذن كتابي صريح من المالك، وتقرير الحق للمُؤجر - في حالة إخلال المُستأجر بذلك - في طلب إخلاء المكان المُؤجر". (نقض جلسة 12/5/1979 مجموعة المكتب الفني – السنة 30 – صـ 332. المصدر: "مجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في تطبيق قوانين الإيجار خلال خمسة وستين عاماً" – للمُستشار/ محمد خيري أبو الليل – الجزء الأول – طبعة 1997 القاهرة – القاعدة رقم 553 – صـ 841 و 842).

نشوء حق المًُؤجر في الإخلاء بمُجرد وقوع المُخالفة ولو أزيلت بعد ذلك، ولا تملك المحكمة سلطة تقديرية في إيقاع الفسخ:

فمن المُقرر في قضاء النقض أن: "التشريع الاستثنائي، بعد أن سلب المُؤجر حقه في طلب إخلاء المكان المُؤجر بعد انتهاء مُدة الإيجار الاتفاقية مُقرراً مبدأ امتداد عقود الإيجار تلقائياً، أجاز له طلب الإخلاء لأسباب حددها من بينها تأجير المُستأجر للمكان من باطنه أو تنازله عنه أو تركه للغير بأي وجه من الوجوه دون إذن كتابي صريح من المالك، مما يضحى معه الأصل في ظل هذا القانون الآمر هو انفراد المُستأجر ومن يتبعه بحكم العقد بالحق في الانتفاع بالمكان المُؤجر وعدم جواز تخليه عنه للغير كلياً كان ذلك أو جزئياً، مُستمراً أو مُؤقتاً، بمُقابل أو بدونه، واعتبار هذا التخلي بجميع صوره خروجاً من المُستأجر على نص عقد الإيجار مُكملاً بحكم القانون يُجيز للمُؤجر طلب إخلاء المكان. وينشأ حق المُؤجر في الإخلاء بمُجرد وقوع المُخالفة ولا ينقضي بإزالتها فيبقى له هذا الحق ولو أسترد المُستأجر الأصلي العين المُؤجرة بعد ذلك، ومتى ثبت قيام المُستأجر بتأجير العين المُؤجرة له من الباطن – دون إذن كتابي صريح من المالك – تعين على المحكمة أن تقضي بفسخ الإيجار وإخلاء المكان دون أن يكون لها سلطة تقديرية في ذلك لأن حق المُؤجر في الإخلاء ينشأ بمُجرد وقوع المُخالفة، فالحكم بالفسخ هنا مُقرر تقع نتيجته بمُجرد قيام سببه، وذلك سواء نص عليه في عقد الإيجار أو لم ينص وسواء طلب المُؤجر إعمال نص القانون أو العقد إذ يستند الإخلاء في هذه الحالة إلى إرادة المُشرع وليس إلى اتفاق الطرفين وذلك لتعلق التشريع بالنظام العام". (نقض مدني في الطعن رقم 272 لسنة 48 قضائية – جلسة 28/11/1984 مجموعة المكتب الفني – السنة 35 – صـ 1943. ونقض جلسة 11/1/1978 مجموعة المكتب الفني – السنة 29 – صـ 159 المصدر: "مجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في تطبيق قوانين الإيجار خلال خمسة وستين عاماً" – للمُستشار/ محمد خيري أبو الليل – الجزء الأول – طبعة 1997 القاهرة – القاعدة رقم 563 – صـ 846 و 847).

إثبات الإيجار من الباطن والتنازل عن الإيجار وترك العين:

ومن المُقرر في بين فقه قوانين إيجار الأماكن أنه: "يجوز للمُؤجر إثبات الإيجار من الباطن والتنازل عن الإيجار وترك العين المُؤجرة بكافة طرق الإثبات القانونية – بما فيها البينة والقرائن – فلئن كانت الإجارة الأصلية صادرة منه، إلا أنه يُعتبر من الغير بالنسبة لعقد الإيجار من الباطن والتنازل عن الإيجار. الأمر الذي يُشكل مانعاً من الحصول على دليل كتابي يُثبت الإيجار من الباطن أو التنازل عن الإيجار". (المرجع: "موسوعة الفقه والقضاء والتشريع في إيجار وبيع الأماكن الخالية" – للمُستشار/ محمد عزمي البكري – الجزء الثاني - - الفقرة رقم 160 – صـ 536).

إثبات وجود غير المُستأجر بالعين وقوعه على عاتق المُؤجر، وإثبات أن وجوده يستند إلى سبب مُبرر تقع على عاتق المُستأجر:

حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "المُقرر في قواعد الإثبات أن البينة على من يدعي خلاف الأصل، والأصل هو خلوص المكان المُؤجر لمُستأجره ومن يتبعه، وخلوه من غير هؤلاء، ومن ثم فإنه يكفي المُؤجر – إثباتاً للواقعة التي يقوم عليها طلبه بإخلاء المكان المُؤجر وفقاً لنص المادة 18/ج من القانون رقم 136 لسنة 1981 أن يُقيم الدليل على وجود غير المُستأجر ومن يتبعه في العين المُؤجرة، فينتقل بذلك عبء إثبات العكس إلى عاتق المُستأجر بوصفه مُدعياً خلاف الأصل ليثبت أن وجود ذلك الغير يستند إلى سبب قانوني يبرر ذلك فإن أثبت ذلك درء عن نفسه جزاء الإخلاء". (نقض مدني في الطعن رقم 276 لسنة 52 قضائية – جلسة 22/3/1989. المصدر: "مجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في تطبيق قوانين الإيجار خلال خمسة وستين عاماً" – للمُستشار/ محمد خيري أبو الليل – الجزء الأول – طبعة 1997 القاهرة – القاعدة رقم 611 – صـ 876).

وهدياً بما تقدم، ولكان كان الثابت بالأوراق أن المستأجر الأصلي (مورث المعلن إليهم من الأول حتى الرابع) قد تنازل عن العين المؤجرة إلى المعلن إليه الخامس بالمخالفة لبنود عقد الإيجار مكملاً بأحكام قوانين إيجار الأماكن، ومن ثم كان يتعين القضاء بقبول الدعوى المستأنف حكمها وإجابة الطالب بصفته إلى طلباته فيها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وفي تأويله، بما يستوجب إلغاؤه..

لا سيما وأن الحكم المطعون فيه قد أسس قضائه برفض دعوى الطالب بصفته استناداًَ فقط إلى أنه لم يقدم أصل عقد إيجار عين التداعي سند الدعوى المستأنف حكمها، بينما الثابت بالأوراق أن الطالب بصفته كان قد قدم صورة ضوئية من هذا العقد، كما قدم صورة رسمية طبق الأصل منه، ولم يجحدها المعلن إليهم من الأول حتى الرابع، وهم ورثة المستأجر الأصلي المبرم عقد الإيجار معه، ولا شأن للمعلن إليه الخامس بالتوقيع على هذا العقد، ومن ثم فلا يقبل منه جحده..

حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "المادة 394/1 من القانون المدني إذ تقضى باعتبار الورقة العرفية صادرة ممن وقعها ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من إمضاء أو ختم أو بصمة، فإنها تكون قد جعلت الورقة العرفية حجة بما دون فيها على من نسب إليه توقيعه عليها إلا إذا أنكر ذات الإمضاء أو الختم الموقع به وكان إنكاره صريحاً، فإن هو أقتصر على إنكار المدون في الورقة كله أو بعضه، فإنه لا يكون قد أنكر الورقة العرفية بالمعنى المقصود في هذه المادة ولا تتبع في هذا الإنكار إجراءات تحقيق الخطوط المقررة في قانون المرافعات وإنما تبقى للورقة قوتها الكاملة في الإثبات حتى تتخذ بشأنها إجراءات الإدعاء بالتزوير". (نقض مدني في الطعن رقم 111 لسنة 33 قضائية – جلسة 4/4/1967 مجموعة المكتب الفني – السنة 18 – صـ 760).

لا سيما وأن الطالب بصفته قد قدم صورة رسمية منه طبق الأصل مختومة بشعار الدولة، وبالتالي فما كان يجوز جحد تلك الصور بل كان على من ينكرها أن يتخذ إجراءات الطعن بالتزوير بشأنها..

حيث تنص المادة 10 من قانون الإثبات على أن: "المحررات الرسمية هي التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو تلقاه من ذوي الشأن، وذلك طبقاً للأوضاع القانونية وفي حدود سلطته واختصاصه".

كما تنص المادة 11 من ذات القانون على أن: "المحررات الرسمية حجة على الناس كافة بما دون فيها من أمور قام بها محررها في حدود مهمته أو وقعت من ذوي الشأن في حضوره ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانوناً".

وعلى ذلك قضت محكمة النقض بأن: "رسمية الورقة تتحقق متى كان محررها موظفاً عمومياً مختصاً بمقتضى وظيفته بتحريرها". (نقض 17/12/1951 مجموعة القواعد القانونية لمحكمة النقض الجنائية في 25 سنة - الجزء الأول – صـ 347 قاعدة رقم 100).

كما تواتر قضاء النقض على أن: "محضر الجلسة يعتبر ورقة رسمية وفق نص المادة 10 من قانون الإثبات وما أثبت فيه حجة على الكافة فلا يجوز للطاعنة أن تنكر ما جاء به إلا بالطعن عليه بالتزوير طبقاً لنص المادة 11 من ذات القانون". (نقض مدني في الطعن رقم 15 لسنة 43 قضائية - جلسة 20/4/1977 مجموعة المكتب الفني – السنة 28 – صـ 1000).

وكذلك قضت محكمة النقض بأن: "النص في المادة 11 من قانون الإثبات يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المحررات الرسمية لا يمكن الطعن فيها إلا بالتزوير وتكون حجة على الناس كافة بما ورد فيها من أمور قام بها محررها". (نقض مدني في الطعن رقم 1431 لسنة 54 قضائية – جلسة 19/2/1991 مجموعة المكتب الفني – السنة 42 – صـ 518).

وفضلاً عما سبق، فإنه من المُقرر قانوناً أن صورة المحرر الرسمي التي تصدر عن الموظف المختص بإعطائها والذي يشهد توقيعه عليها بأنها مطابقة للأصل المحفوظ لديه، تعتبر صورة رسمية. (بمفهوم المخالفة لحكم النقض المدني الصادر في الطعن رقم 308 لسنة 51 قضائية – جلسة 5/12/1985 مجموعة المكتب الفني – السنة 36 – صـ 1087 – فقرة 2). وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، إذ أعتبر توقيع الموظف المختص على أن صورة العقد مطابقة للأصل المحفوظ لديه، اعتبرها الحكم المستأنف "اصطناع دليل من الطالب بصفته لنفسه"، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وفي تأويله بما يستوجب إلغاؤه.

وعلى كلً، وسداً لباب الذرائع، يتشرف الطالب بصفته بتقديم أصل عقد إيجار عين التداعي سند الدعوى المستأنف حكمها لعدالة محكمة الاستئناف الموقرة.

ولما كان هذا الاستئناف قد أقيم في الميعاد القانوني ومستوفياً لكافة أوضاعه القانونية ومن ثم فهو مقبول شكلاً.

لكل ما تقدم، ولما سيبديه الطالب بصفته من أسباب أخرى وأوجه دفاع ودفوع، مع حفظ حقه في إبداء كافة الدفوع الشكلية منها والموضوعية، عند نظر الاستئناف الماثل بالجلسات، في مرافعاته الشفوية ومذكراته المكتوبة.

ولما تراه عدالة المحكمة من أسباب أصوب وأرشد، تلتمس هيئة الأوقاف المصرية القضاء لها في الاستئناف الماثل بما يلي:

بعد تصحيح الخطأ المادي الوارد في صحيفة افتتاح الدعوى المستأنف حكمها، حيث ذكر فيها أن عقد إيجار عين التداعي سند الدعوى المستأنف حكمها محرر في 1/10/1963، بينما ذلك هو تاريخ سريان العقد الذي حرر في 26/9/1963 واعتبر سارياً اعتباراً من 1/10/1963، لذا لزم التنويه والتصحيح.

"بنــاء عليــه"

أنا المحضر سالف الذكر قد أنتقل في التاريخ أعلاه إلى حيث مقر وتواجد المُعلن إليه وأعلنته وسلمته صورة من هذه الصحيفة وكلفته بالحضور أمام محكمة استئناف عالي القاهرة الكائن مقرها بدار القضاء العالي بوسط مدينة القاهرة – بشارع 26 يوليو – من ميدان الإسعاف، وذلك أمام الدائرة ( ............ ) مدني، التي ستعقد جلساتها علناً بسرايا المحكمة في تمام الساعة التاسعة وما بعدها من صباح يوم ……………………… الموافـــق …....../…......./2009لسماعه الحكم بما يلي:

"أولاً- بقبول هذا الاستئناف شكلاً.

ثانياً- وفي الموضوع: بإلغاء الحكم المُستأنف، والقضاء مُجدداً: "بفسخ عقد الإيجار المؤرخ في 26/9/1963 والساري اعتبارا من 1/10/1963 عن دكان التداعي الكائن بالعقار رقم 12 شارع العدوي سابقاً وحالياً 502 شارع بور سعيد – قسم باب الشعرية – بالقاهرة، مع إخلاء عين التداعي من الأشياء والأشخاص وتسليمها للطالب بصفته بالحالة الحسنة التي كانت عليها عند التعاقد، مع إلزام المعلن إليهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي".

مع حفظ كافة حقوق الأوقاف الأخرى أياً كانــت،،،

ولأجـل العلـم ….....................................................

أحكام محكمة النقض المصرية - الدائرة المدنية - في شأن عقد " الوعد بالبيع "

أحكام محكمة النقض المصرية - الدائرة المدنية - في شأن : عقد " الوعد بالبيع "

** إنه إن جاز أن يحسب على من وعد بالبيع تحت خيار المشترى تصرفه قبل وقوع الخيار في جزء من العين التي وعد ببيعها، وأن يضمن مسئولية هذا التصرف الرضائي باعتباره إخلالاً بالاتفاق، فإنه لا يجوز بحال أن يحسب عليه نزع ملكية بعض العين للمنفعة العامة، لأن نزع ملكية المبيع يجرى عليه حكم هلاكه، وهذا يكون حتماً على المالك، وبحكم اللزوم العقلي لا يضمن عنه الواعد بالبيع .

الطعن رقم 0051 لسنة 07 قضائية - جلسة 13-01-1938 - مجموعة عمر 2ع صفحة رقم 240 - فقرة رقم : 2

** إذا أستخلص الحكم من أوراق الدعوى معنى العدول عن التعاقد وكان ما أستخلصه من ذلك سائغاً فلا معقب عليه. ومن ذلك استخلاص عدول الموعود بالبيع عن الشراء من طلبه من الواعد أن يؤجره أطياناً تشمل العين المتعاقد بينهما على بيعها .

الطعن رقم 0090 لسنة 15 قضائية - جلسة 06-06-1946 - مجموعة عمر 5ع صفحة رقم 188

** متى كان المطعون عليه قد تعهد بأن يبيع عقارا للطاعن إذ قبل هذا الأخير ذلك وقام بدفع الثمن في خلال مدة معينة، فإن الحكم لا يكون قد أخطأ إذ كيف هذا الاتفاق بأنه وعد بالبيع من جانب المطعون عليه يسقط من تلقاء نفسه بلا إنذار ولا تنبيه إذا انقضى الأجل دون أن يظهر الطاعن رغبته في الشراء ذلك أن الطاعن لم يلتزم بشيء بل كان له الخيار إن شاء قبل إيجاب المطعون عليه ودفع الثمن خلال الأجل المتفق عليه، وإن شاء تحلل من الاتفاق دون أية مسئولية عليه.

الطعن رقم 0202 لسنة 21 قضائية - جلسة 06-05-1954 - مكتب فني – السنة 05 صفحة رقم 834

** يشترط لانعقاد الوعد بالبيع سواء في القانون المدني القديم أوفي القانون القائم اتفاق الواعد والموعود على جميع المسائل الجوهرية للبيع الموعود به فضلا عن المدة التي يجب فيها على الموعود إظهار رغبته في الشراء وذلك حتى يكون السبيل مهيأ لإبرام العقد النهائي بمجرد ظهور رغبة الموعود دون حاجة إلى اتفاق على شئ آخر والمقصود بالمسائل الجوهرية أركان البيع وشروطه الأساسية التي يرى العاقدان الاتفاق عليها والتي ما كان يتم البيع بدونها - فإذا كان الطرفان قد أفصحا في البند الرابع من عقد البيع المبرم بينهما الذي أعتبره الحكم المطعون فيه متضمنا وعدا من جانب الحكومة ببيع خمسمائة فدان ثانية للمطعون عليه عن وجود شروط أخرى - إلى جانب الشروط الواردة في العقد - لم يعينها الطرفان وإنما تركا لوزارة المالية وضعها عند إبرام بيع هذه الصفقة، وكان حرص الحكومة على الإشارة في العقد إلى تلك الشروط يدل على أنها تعتبرها من الشروط الجوهرية للبيع والتي بدونها لا تقبل إبرامه، فإن إظهار المطعون عليه رغبته في الشراء لا يؤدى بذاته إلى انعقاد بيع تلك الصفقة بل لا بد لذلك من تعيين الشروط التي أتفق الطرفان على ترك أمر وضعها لوزارة المالية ومن قبول المطعون عليه لها بعد إطلاعه عليها، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ أعتبر الاتفاق الوارد في البند الرابع من العقد وعداً ببيع الخمسمائة فدان الثانية وذلك مع خلوه من بيان بعض شروط البيع الجوهرية، وإذ أنتهي الحكم إلى اعتبار بيع هذه الصفقة قد تم صحيحا بإظهار المطعون عليه رغبته يكون قد أخطأ في القانون وخرج بقضائه عما أتفق عليه المتعاقدان.

الطعن رقم 0053 لسنة 29 قضائية - جلسة 23-01-1964 - مكتب فني – السنة 15 صفحة رقم 115

** إذا كان الثابت في الدعوى أن ... وعد بشراء قطعة الأرض الواردة بالاتفاق المؤرخ ... وبالسعر المحدد به، كما وعدت الشركة المطعون عليها بأن تبيعه هذه القطعة بذات السعر، فإن هذا الوعد المتبادل بالبيع من جانب الشركة والشراء من جانب ... هو بيع تام ملزم للطرفين، تترتب عليه كل الآثار التي تترتب على البيع، ولا يؤثر عليه إرجاء التحديد النهائي لمساحة المبيع. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أعتبر الاتفاق المؤرخ ... عقد بيع كامل الأركان، ورتب على تنازل المشترى عن حقوقه في هذا العقد إلى الطاعنين، وقبولهما الحلول فيه، ثم قبول الشركة المطعون عليها انتقال حقوق والتزامات المشترى الأول إليهما اعتبارهما مشترين فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه .

الطعن رقم 0417 لسنة 36 قضائية - جلسة 25-05-1972 - مكتب فني – السنة 23 صفحة رقم 1010

** مؤدى نص المادة 95 ، 101/1 من القانون المدني أنه متى أتفق الواعد والموعود على جميع المسائل الجوهرية للبيع الموعود به وعلى المدة التي يجب فيها على الموعود إظهار رغبته في الشراء، ينعقد العقد بمجرد إعلان هذه الرغبة خلال مدة الوعد، ولا يؤثر في صحة انعقاده ونفاذه قيام الخلف بين الطرفين حول تنفيذ أي منهما لالتزاماته المترتبة عليه لأنهما في النهاية يخضعان فيما اختلفا فيه لأحكام القانون الواردة في هذا الخصوص، لما كان ذلك، وكان المقصود بالمسائل الجوهرية وأركان البيع وشروطه الأساسية التي يرى المتعاقدان الاتفاق عليها والتي ما كان يتم البيع بدونها، وكان الطرفان - على ما يبين من عقد 1973/9/14 - لم يفصحا عن وجود شروط أخرى أرادا تعيينها لانعقاد الوعد بالبيع عدا أركانه الأساسية وهي المبيع والثمن، ولم يشترطا أن العقد لا يتم عند عدم الاتفاق على المسائل التفصيلية مثل ميعاد الوفاء بالثمن، فإن هذا الوعد الصادر من المطعون ضدهما قد أنقلب إلى عقد بيع تام يرتب كافة آثاره القانونية بمجرد رغبة الطاعن في الشراء بإنذار المعلن لهما في 1976/9/9 وإذ لم يلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.

الطعن رقم 0970 لسنة 49 قضائية - جلسة 27-02-1980 - مكتب فني – السنة 31 صفحة رقم 618

** الوعد بالبيع الملزم لجانب واحد هو- وعلى ما يبين من نص المادة 101 من القانون المدني - عقد بمقتضاه يتعهد صاحب الشيء بأن يبيعه لآخر إذا ما رغب في شرائه بما مؤداه أن الوعد بالبيع ينطوي على التزامات من جانب واحد وأن تنفيذ الواعد بالتزامه هذا منوط بإبداء الموعود له رغبته في الشراء.

الطعن رقم 1845 لسنة 49 قضائية - جلسة 12-04-1983 - مكتب فني – السنة 34 صفحة رقم 948 - فقرة رقم : 3

** النص في المادة 101 من القانون المدني يدل وعلى ما هو مقرر في قضاء النقض على أنه يشترط لانعقاد الوعد بالبيع اتفاق الواعد والموعود له على جميع المسائل الجوهرية للبيع الموعود به حتى يكون السبيل مهيأ لإبرام العقد في المدة المتفق على إبرامه فيها، مما مؤداه أن الوعد بالبيع الملزم لجانب واحد هو عقد لابد فيه من إيجاب الواعد وقبول من الموعود له، ومن ثم فهولا يعتبر بهذه المثابة مجرد إيجاب الواعد بل هو أكثر من ذلك لاقترانه بقبول من جانب الموعود له، كما أنه لا يعتبر في نفس الوقت بيعاً نهائياً بل يبقى دون ذلك لأن كلاً من الإيجاب والقبول فيه لم ينصب على البيع ذاته بل على مجرد الوعد به، كما أن الالتزام فيه قاصر على جانب الواعد وهو التزام بعمل وينصب على إبرام عقد البيع الموعود به.

الطعن رقم 0363 لسنة 51 قضائية - جلسة 12-06-1984 - مكتب فني – السنة 35 صفحة رقم 1627 - فقرة رقم : 3

** مؤدى نص المادتين 95 ، 101 من القانون المدني أنه متى أتفق الواعد والموعود على جميع المسائل الجوهرية للبيع الموعود به وعلى المدة التي يجب فيها على الموعود إظهار رغبته في الشراء ينعقد العقد بمجرد إعلان هذه الرغبة خلال مدة الوعد .

الطعن رقم 0715 لسنة 55 قضائية - جلسة 24-01-1990 - مكتب فني – السنة 41 صفحة رقم 243 - فقرة رقم : 2

هذا، والله أعلى وأعلم،،،

آداب الزفاف - الجزء الثاني والأخير

36 - قيام العروس على خدمة الرجال:

ولا بأس من أن تقوم على خدمة المدعوين العروس نفسها إذا كانت متسترة [أي السترة الشرعية] وأمنت الفتنة، لحديث سهل بن سعد قال: لما عرس [أي دخل بزوجته] أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاما، ولا قدمه إليهم، إلا امرأته أم أسيد، بلت (وفي رواية: أنقعت) تمرات في تور [إناء] من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته، تتحفه بذلك، [فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس ]".

والسترة المشروعة يشترط فيها ثمانية أشياء:

1 - استيعاب جميع البدن إلا الوجه والكفين.

2 - أن لا يكون زينة في نفسه.

3 - أن يكون صفيقا لا يشف.

4 - وأن لا يصف شيئا من جسمها لضيقه.

5 - ولا يكون مطيبا.

6 - ولا يشبه لباس الرجال.

7 - ولا لباس الكافرات.

8 - ولا يكون لباس شهرة.

37 - الغناء والضرب بالدف:

ويجوز له أن يسمح للنساء في العرس بإعلان النكاح بالضرب على الدف فقط، وبالغناء المباح الذي ليس فيه وصف الجمال وذكر الفجور، وفي ذلك أحاديث:

الأول: عن الربيع بنت معوذ قالت: "جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بني علي، فجلس على فراشي مجلسك مني، (الخطاب للراوي عنها)، فجعلت جويرات لنا يضربن بالدف، ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال: دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين. [فلا يعلم ما في الغيب إلا الله]

الثاني: عن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة ما كان معكم لهو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو".

وفي رواية بلفظ: "فقال: فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت: ماذا تقول؟ قال: تقول: أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم لولا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم لولا الحنطة السمراء ما سمنت عذاريكم .

38 - الامتناع من مخالفة الشرع:

ويجب عليه أن يمتنع من كل ما فيه مخالفة للشرع ، وخاصة ما اعتاده الناس في مثل هذه المناسبة ، حتى ظن كثير منهم - بسبب سكوت العلماء - أن لا بأس فيها ، وأنا أنبه هنا على أمور هامة منها :

1 - تعليق الصور:

الأول: تعليق الصور على الجدران، سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة، لها ظل، أو لا ظل لها، يدوية أو فوتوغرافية، فإن ذلك كله لا يجوز ، ويجب على المستطيع نزعها إن لم يستطع تمزيقها.

2 - ستر الجدران بالسجاد:

الأمر الثاني مما ينبغي اجتنابه: ستر الجدار بالسجاد ونحوه، ولو من غير الحرير، لأنه سرف وزينة غير مشروعة.

3 - نتف الحواجب وغيرها

الثالث: ما تفعله بعض النسوة من نتفهن حواجبهن حتى تكون كالقوس أو الهلال، يفعلن ذلك تجملا بزعمهن وهذا مما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعن فاعله بقوله: "لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والواصلات، والنامصات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله".

4 - تدميم الأظفار وإطالتها:

الرابع: هذه العادة القبيحة الأخرى التي تسربت من فاجرات أوربا إلى كثير من المسلمات، وهي تدميمهن لأظفارهن بالصمغ الأحمر المعروف اليوم بـ (مينيكور) وإطالتهن لبعضها - وقد يفعلها بعض الشباب أيضا - فإن هذا مع ما فيه من تغير لخلق الله المستلزم لعن فاعله كما علمت آنفا، ومن التشبه بالكافرات المنهي عنه في أحاديث كثيرة التي منها قوله صلى الله عليه وسلم: " ومن تشبه بقوم فهو منهم". فإنه أيضا مخالف للفطرة فطرة الله التي فطر الناس عليها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "وقت لنا (وفي رواية: وقت لنا رسول الله) في قص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، أن لا تترك أكثر من أربعين ليلة".

5 - حلق اللحى:

الخامس: ومثلها في القبح - إن لم تكن أقبح منها عند ذوي الفطر السليمة - ما ابتلي به أكثر الرجال من التزين بحلق اللحية بحكم تقليدهم للأوربيين الكفار، حتى صار من العار عندهم أن يدخل العروس على عروسه وهو غير حليق وفي ذلك عدة مخالفات :

أ - تغيير خلق الله ، قال تعالى في حق الشيطان: لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا، ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله، ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا.

فهذا نص صريح في أن تغيير خلق الله دون إذن منه تعالى، إطاعة لأمر الشيطان، وعصيان للرحمن جل جلاله، فلا جرم أن لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرات خلق الله للحسن كما سبق قريبا، ولا شك في دخول اللحية في اللعن المذكور بجامع الاشتراك في العلة كما لا يخفى، وإنما قلت: (دون إذن من الله تعالى)، لكي لا يتوهم، أنه يدخل في التغيير المذكور مثل حلق العانة ونحوها مما أذن فيه الشارع، بل استحبه، أو أوجبه.

ب - مخالفة أمره صلى الله عليه وسلم وهو قوله: "أنهكوا الشوارب، وأعفوا اللحى". ومن المعلوم أن الأمر يفيد الوجوب إلا لقرينة والقرينة هنا مؤكدة للوجوب ، وهو:

ج - التشبه بالكفار، قال صلى الله عليه وسلم: "جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس".

د - التشبه بالنساء، فقد: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال".

ولا يخفى أن في حلق الرجل لحيته - التي ميزه الله بها على المرأة - أكبر تشبه بها، فلعل فيما أوردنا من الأدلة ما يقنع المبتلين بهذه المخالفة، عافانا الله وإياهم من كل ما لا يحبه ولا يرضاه.

6 - خاتم الخطبة:

السادس: لبس بعض الرجال خاتم الذهب الذي يسمونه بـ (خاتم الخطبة)، فهذا مع ما فيه من تقليد الكفار أيضا - لأن هذه العادة سرت إليهم من النصارى.

وفيه مخالفة صريحة لنصوص صحيحة تحرم خاتم الذهب على الرجال والنساء.

39 - تحريم خاتم الذهب ونحوه على النساء:

واعلم أن النساء يشتركن مع الرجال في تحريم خاتم الذهب عليهن، ومثله السوار والطوق من الذهب لأحاديث خاصة وردت فيهن، فيدخلن لذلك في بعض النصوص المطلقة التي لم تقيد بالرجال، وإليك الآن ما صح من الأحاديث المشار إليها:

الأول: "من أحب أن يحلق حبيبه بحلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب، ومن أحب أن يطوق حبيبه طوقا من نار فليطوقه طوقا من ذهب، ومن أحب أن يسور حبيبه سوارا من نار فليطوقه طوقا (وفي رواية: فليسوره سوارا) من ذهب، ولكن عليكم بالفضة، فالعبوا بها".

الثاني: عن ثوبان رضي الله عنه قال: جاءت بنت هبيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ [من ذهب] [أي خواتيم كبار]، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يضرب يدها [بعصية معه يقول لها: أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم من نار؟]، فأتت فاطمة تشكو إليها، قال ثوبان: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة وأنا معه وقد أخذت من عنقها سلسلة من ذهب، فقالت: هذا أهدى لي أبو حسن (تعني زوجها عليا رضي الله عنه) - وفي يدها السلسلة - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا فاطمة أيسرك أن يقول الناس: فاطمة بنت محمد في يدها سلسلة من نار؟ [ثم عذمها عذما شديدا]، فخرج ولم يقعد، فعمدت فاطمة إلى السلسلة فباعتها فاشترت بها نسمة، فأعتقتها، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار".

الثالث: عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في يد عائشة قلبين ملويين من ذهب، فقال: ألقيهما عنك، واجعلي قلبين من فضة، وصفريها بزعفران".

الرابع: عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "جعلت شعائر من ذهب في رقبتها، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فأعرض عنها، فقلت: ألا تنظر إلى زينتها، فقال: عن زينتك أعرض، [قالت: فقطعتها، فأقبل علي بوجهه]. قال: زعموا أنه قال: ما ضر إحداكن لو جعلت خرصا من ورق [فضة]، ثم جعلته بزعفران".

40 - شبهات حول تحريم الذهب المحلق، وجوابها:

واعلم أن كثيرا من علماء أعرضوا عن العمل بهذه الأحاديث لشبهات قامت لديهم ظنوها أدلة، ولا يزال كثيرون منهم يتمسكون بها على أنها حجج تسوغ لهم ترك هذه الأحاديث، ولذلك رأيت أنه لا بد من حكاية تلك الشبهات والرد عليها، كي لا يغتر بها من لا علم عنده بطرق الجمع بين الأحاديث، فيقع في مخالفة الأحاديث الصحيحة المحكمة، بدون حجة أو بينة، فأقول:

دعوى الإجماع على إباحة الذهب مطلقا للنساء، وردها:

1 - ادعى بعضهم الإجماع على إباحة الذهب مطلقا للنساء، وهذا مردود من وجوه:

الإجماع الصحيح:

الأول: أنه لا يمكن إثبات صحة الإجماع في هذه المسألة، وإن نقله البيهقي في سننه وغيره، مثل الحافظ ابن حجر في الفتح، ولكن هذا كأنه أشار لعدم ثبوته حين قال: في بحث خاتم الذهب: "فقد نقل الإجماع على إباحته للنساء، ويأتي قريبا ما يبطل هذا الإجماع، وذلك لأنه لا يستطيع أحد أن يدعي أنه إجماع معلوم من الدين بالضرورة، وغير هذا الإجماع مما لا يمكن تصوره، فضلا عن وقوعه، ولهذا قال الإمام أحمد رضي الله عنه: من ادعى الإجماع فهو كاذب، وما يدريه؟ لعل الناس اختلفوا. رواه ابنه عبد الله في مسائله.

استحالة وجود إجماع صحيح على خلاف حديث صحيح دون وجود ناسخ صحيح:

الثاني: لو كان يمكن إثبات الإجماع في الجملة، لكان ادعاؤه في خصوص هذه المسألة غير صحيح، لأنه مناقض للسنة الصحيحة، وهذا مما لا يمكن تصوره أيضا لأنه يلزم منه اجتماع الأمة على ضلال، وهذا مستحيل لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على ضلالة"، ومثل هذا الإجماع لا وجود له إلا في الذهن والخيال، ولا أصل له في الوجود والواقع، قال أبو محمد بن حزم رحمه الله تعالى في أصول الأحكام: "وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ويكون الإجماع على خلافه، قال: وذلك دليل على أنه منسوخ. وهذا عندنا خطأ فاحش متيقن لوجهين برهانيين ضروريين: أحدهما: أن ورود حديث صحيح يكون الإجماع على خلافه معدوم لم يكن قط، ولا هو في العالم، فمن ادعى أنه موجود فليذكره لنا، ولا سبيل له - والله - إلى وجوده أبدا. والثاني: أن الله تعالى قد قال: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون، فمضمون عند كل من يؤمن بالله واليوم الآخر أن ما تكفل الله عز وجل بحفظه فهو غير ضائع أبدا، لا يشك في ذلك مسلم، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم كله وحي بقوله تعالى: وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، والوحي ذكر بإجماع الأمة كلها والذكر محفوظ بالنص، فكلامه عليه السلام محفوظ بحفظ الله تعالى عز وجل ضرورة، منقول كله إلينا لا بد من ذلك، فلو كان هذا الحديث الذي ادعى هذا القائل أنه مجمع على تركه، وأنه منسوخ كما ذكر، لكان ناسخه الذي اتفقوا عليه قد ضاع ولم يحفظ، وهذا تكذيب لله عز وجل في أنه حافظ للذكر كله، ولو كان ذلك لسقط كثير مما بلغ عليه السلام عن ربه، قد أبطل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله في حجة الوداع: اللهم هل بلغت؟ قال: "ولسنا ننكر أن يكون حديث صحيح، وآية صحيحة التلاوة منسوخين إما بحديث آخر صحيح، وإما بآية متلوة، ويكون الاتفاق على النسخ المذكور قد ثبت، بل هو موجود عندنا إلا أننا نقول: لا بد أن يكون الناسخ لهما موجودا أيضا عندنا، منقولا إلينا، محفوظا عندنا، مبلغا نحونا بلفظه، قائم النص لدينا، لا بد من ذلك، وإنما الذي منعنا منه فهو أن يكون المنسوخ محفوظا منقولا مبلغا إلينا، ويكون الناسخ له قد سقط ولم ينقل إلينا لفظه، فهذا باطل عندنا، لا سبيل إلى وجوده في العالم أبد الأبد، لأنه معدوم البتة، قد دخل - بأنه غير كائن - في باب المحال، والممتنع عندنا، وبالله تعالى التوفيق".

تقديم السنة على الإجماع الذي ليس معه كتاب أو سنة:

وقال العلامة المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: "ولم يزل أئمة الإسلام على تقديم الكتاب على السنة، والسنة على الإجماع، وجعل الإجماع في المرتبة الثالثة. قال الشافعي: الحجة كتاب الله وسنة رسوله واتفاق الأئمة، وقال في كتاب اختلافه مع مالك: "والعلم طبقات: الأولى الكتاب والسنة الثابتة، ثم الإجماع فيما ليس كتابا ولا سنة".

وقال ابن القيم أيضا في صدد بيان أصول فتاوى الإمام أحمد: "ولم يكن (يعني الإمام أحمد) يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول صاحب، ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعا ويقدمونه على الحديث الصحيح وقد كذب أحمد من ادعى هذا الإجماع، ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت، وكذلك الشافعي ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطلت النصوص، وساغ لكل من لم يعلم مخالفا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص".

قلت: وهذا ما فعله البعض هنا، فقدموا ما زعموه إجماعا على النصوص المتقدمة، مع أنه لا إجماع في ذلك، وبيانه في الوجه التالي:

الثالث: أنه قد ثبت ما ينقض بالإجماع المزعوم، وهو ما روى عبد الرزاق في المصنف، وابن صاعد في حديثه وهو بخط الحافظ ابن عساكر، وابن حزم، بسند صحيح عن محمد بن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول لابنته: "لا تلبسي الذهب إني أخشى عليك اللهب".

وروى ابن عساكر من طريقين آخرين أن ابنة لأبي هريرة قالت له: إن الجواري يعيرنني، يقلن: إن أباك لا يحليك الذهب فقال: قولي لهن: إني أبي لا يحليني الذهب يخشى علي من اللهب.

ورواه عبد الرزاق نحوه وعلقه البغوي في شرح السنة، وحكى الخلاف في هذه المسألة، فإنه بعد أن ذكر إباحة خاتم الذهب للنساء وتحليهن به عند الأكثرين قال: "وكره ذلك قوم".

ثم ساق حديث أسماء بنت يزيد وما حكاه البغوي رحمه الله من الكراهة عن أولئك الذين أشار إليهم من العلماء، فهي الكراهة التحريمية، لأنه المعروف في اصطلاح السلف تبعا للأسلوب القرآني في عديد من الآيات الكريمة كقوله تعالى: وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان.

وبين أيدينا مثال آخر قريب المنال، وهو ما تقدم في بحث (خاتم الخطبة) أن الإمام أحمد، والإمام إسحاق بن راهويه كرها خاتم الذهب للرجال، فهذه الكراهة للتحريم أيضا، لتصريح الأحاديث المتقدمة هناك به، وكذلك الأمر في تحريم خاتم الذهب على النساء لأن الأدلة صريحة أيضا، فمن أطلق كراهته عليهن، فإنما يعني الكراهة الشرعية، وهي التحريم، فتأمل منصفا.

وذكر ابن عبد الحكم في سيرة عمر بن عبد العزيز أن ابنة عمر بعثت إليه بلؤلؤة وقالت له: إن رأيت أن تبعث لي بأخت لها حتى أجعلها في أذني ، فأرسل إليها ثم قال لها: إن استطعت أن تجعلي هاتين الجمرتين في أذنيك بعثت لك بأخت لها.

ومن الظاهر أن اللؤلؤة كانت محلاة بالذهب، لأنها لا تقوم بنفسها، ولا تحلى عادة إلا بها، ويؤيد ذلك لفظة: الجمرتين، فإنها مستوحاة من بعض أحاديث التحريم المتقدمة كحديث بنت هبيرة، فثبت بطلان دعوى الإجماع في هذه المسألة.

دعوى نسخ الأحاديث المتقدمة، وإبطالها:

2 - وادعى آخرون نسخ هذه الأحاديث المحرمة بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: "أحل الذهب والحرير لإناث أمتي"، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه، وقد ذكرها الزيعلي في نصب الراية، ثم حققته في تخريج كتاب الحلال والحرام للأستاذ القرضاوي، وهو ادعاء باطل، لأن للنسخ شروطا كثيرة معروفة عند العلماء منها أن يكون الخطاب الناسخ متراخيا عن المنسوخ، ومنها أن لا يمكن الجمع بينهما، وهذان الشرطان منفيان هنا، أما الأول فلأنه لا يعلم تأخر هذا الحديث المبيح عن أحاديث التحريم، وأما الثاني فلأن الجمع ممكن بسهولة بين الحديث المذكور وما في معناه، وبين الأحاديث المتقدمة، ذلك لأن الحديث مطلق، وتلك مقيدة بالذهب الذي هو طوق أو سوار أو حلقة، فهذا هو المحرم عليهن، وما سوى ذلك من الذهب المقطع فهو المباح لهن، وهو المراد بحديث حل الذهب لهن، فهو مطلق مقيد بالأحاديث المشار إليها، فلا تعارض وبالتالي فلا نسخ.

ولذلك لم نر أحدا ممن ألف في الناسخ والمنسوخ أورد الأحاديث المذكورة فيما هو منسوخ، كالحافظ أبي الفرج ابن الجوزي في رسالة إخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ في الحديث، والحافظ أبي بكر الحازمي في كتابه الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، وغيرهما، بل قد أشار ابن الجوزي رحمه الله في مقدمة رسالته المشارة إليها إلى رد دعوى نسخ هذه الأحاديث، فقال: "أفردت في هذا الكتاب قدر ما صح نسخه أو احتمل، وأعرضت عما لا وجه لنسخه ولا احتمال، فمن سمع بخبر يدعى عليه النسخ وليس في هذا الكتاب، فليعلم وهاء تلك الدعوى، وقد تدبرته فإذا فيه أحد وعشرون حديثا".

بل قال المحقق ابن القيم في الأعلام: "إن النسخ الواقع في الأحاديث الذي أجمعت عليه الأمة لا يبلغ عشرة أحاديث البتة، ولا شطرها".

قلت: ثم ساقها، وليس فيها شيء من هذه الأحاديث السابقة، فثبت ضعف ادعاء احتمال نسخها، فكيف الجزم بنسخها؟

وقال العلامة صدر الدين علي بن علاء الحنفي بعد أن حكى كلام ابن الجوزي الآنف الذكر: "وهذا هو الذي يشهد العقل بصدقه إذا سلم من الهوى، وقد ادعى كثير من الفقهاء في كثير من السنة أنها منسوخة، وذلك إما لعجزه عن الجمع بينها وبين ما يظن أنه يعارضها، وإما لعدم علمه ببطلان ذلك المعارض، وإما لتصحيح مذهبه ودفع ما يرد عليه من جهة مخالفة، ولكن نجد غيره قد بين الصواب في ذلك، لأن هذا الدين محفوظ ، ولا تجتمع هذه الأمة على ضلالة".

ولقد صدق رحمه الله في كل ما ذكره، فأنت ترى أن هذه الأحاديث المحرمة لا تتعارض مطلقا مع حديث حل الذهب للنساء، لأنه عام، وتلك خاصة، والخاص مقدم على العام كما هو مقرر في علم الأصول.

قلت: ومما يدلك على ضعف دعوى النسخ هذه أن بعض متعصبة الحنفية لم ينظر إليها بعين الرضا، مع أنه حكاها عن الجمهور الذين يقلدهم في هذه المسألة، واحتج على ذلك بقوله - وقد وفق فيه - : "إن النسخ لا يلجأ إلى القول به ما دام التوفيق بين الأحاديث ممكنا، بحيث لا يرد شيء من الأدلة"، وهذا حق لا ريب فيه، وهو من المقرر في علم الأصول.

وهناك من يقول إنه لا شك في أن الصحابة في ابتداء الإسلام كانوا في أمس الحاجة للمال ... ولقد قسم الأنصار أموالهم مناصفة بينهم وبين المهاجرين، فكان التختم بالذهب في تلك الفترة بطرا وترفا، فلما مضت الأيام، وفتحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتوحات صار الناس في رخاء العيش فأباح النبي صلى الله عليه وسلم لبس الذهب لزوال المانع.

قلت: وجوابي عليه من وجوه:

الأول: أنه لم يذكر نصا تاريخيا يؤيد تأخر المبيح عن الحاظر، يرجح به نظر الجمهور، وإنما هو مجرد الدعوى أن الإباحة كانت بعد رخاء العيش، فأين الدليل عليها؟

الثاني: هذه الدعوى لو صحت، لزم منها أن يكون تحريم الذهب على الرجال قد شرع في الوقت الذي حرم على النساء، إن لم يكن تقدم عليه، وكل عاقل يفهم من قوله: "في ابتداء الإسلام"، أنه يعني في مكة، أو في أول الهجرة على أبعد تقدير، وإذا كان كذلك، فنحن نقطع ببطلان هذه الدعوى لأن تحريم الذهب على الرجال إنما كان في أواخر الأمر، كما نص على ذلك الحافظ الذهبي في تلخيص المستدرك، ومما يشهد له ما أخرجه البخاري في اللباس وأحمد في المسند عن المسور بن مخرمة: "أن أباه مخرمة قال له: يا بني إنه بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قدمت عليه أقبية، فهو يقسمها، فاذهب بنا إليه، فذهبنا إليه ... فخرج وعليه قباء من الديباج مزرر بالذهب، فقال: يا مخرمة هذا خبأته لك، فأعطاه إياه".

وإنما أسلم مخرمة عام الفتح، وذلك بعد ثمان سنين ونصف من الهجرة، فهذا نص على أن الذهب كان مباحا إلى ما قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بسنة ونصف تقريبا، ولولا ذلك لم يلبس صلى الله عليه وسلم القباء المزرر بالذهب، ولا وزعه على أصحابه كما هو ظاهر.

الثالث: أنه لو صح قوله: "فأباح النبي صلى الله عليه وسلم لبس الذهب لزوال المانع"، لزم منه إباحة الذهب للرجال أيضا لزوال المانع أيضا وهذا باطل لا يقوله عالم، وما لزم منه باطل فهو باطل.

فإن قال: هذا غير لازم، لأن علة تحريم الذهب على الرجال، غير علة تحريمه على النساء.

قلنا: ما هيه؟ ولا سبيل له إلى إثباتها أبدا، إلا بمثل هذه الدعوى التي أثبت بها أختها وليست هي إلا مجرد رأي.

وما يلجئ بعض الناس إلى مثل هذه المضايق والآراء، إلا محاولتهم التخلص من معارضة النص الشرعي لمخالفته لمذهبهم، وتقليدهم، وعاداتهم، فيقعون فيما هو أعظم منه ولو أنهم استسلموا لحكم الله ورسوله - كما هو المفروض في المسلم - لكان خيرا لهم، ولم يقعوا في مثل ذلك.

وخلاصة البحث: أن القول بنسخ الأحاديث المحرمة للذهب على النساء مما لا دليل عليه، بل هو مخالف لعلم الأصول، والواجب الجمع بينها وبين الأحاديث المبيحة للذهب عليهن، وذلك بحمل المطلق على المقيد، أو العام على الخاص، وينتج منه أن الذهب كله حلال على النساء، إلا المحلق منه، كما يحرم عليهن استعمال أواني الذهب والفضة اتفاقا، فلا نسخ عندنا خلافا لما فهمه البعض، كما ينبئك به كلامه السابق في المعارضة المزعومة. والله الهادي، لا رب سواه.

رد الأحاديث المتقدمة بأحاديث مبيحة، والجواب عنها:

3 - وقد يرد بعضهم هذه الأحاديث بأحاديث أخرى، فيها إباحة المحلق من الذهب على النساء، والجواب أن هذا كان قبل التحريم حتما، وبيانه:

أن من المعلوم بداهة أن النهي عن الشيء مما يحتمل التحليل والتحريم لا يكون إلا بعد أن يكون مسبوقا بالإباحة، فالتمسك بها حينئذ فيه مخالفة صريحة لمنطوق الأحاديث المحرمة، ومما يقرب هذا إلى المنصفين إن شاء الله تعالى أن هناك أحاديث يستفاد منها إباحة الذهب على الرجال أيضا، ومع ذلك فلم يأخذ بها أحد من العلماء، لمجيء النصوص المحرمة، وقد سبق ذكر بعضها، بل ذهبوا إلى أنها كانت قبل التحريم، وكذلك نقول نحن في الأحاديث المبيحة للذهب المحلق للنساء، ولا فرق أنها كانت قبل التحريم، ومن فرق بين هذه وتلك، فهو متناقض أو متلاعب.

تقييد الأحاديث المتقدمة بمن لم يؤد الزكاة، ورده:

4 - وأجاب بعضهم بأن الوعيد الوارد في الأحاديث المتقدمة إنما هو في حق من لا يؤدي زكاة تلك الحلي دون من أداها، واستدل عليه بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان (أي سواران) غليظتان من ذهب، فقال لها: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال : أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ قال: فخلعتهما، فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: هما لله عز ولرسوله.

والجواب: إن هذا استدلال ضعيف جدا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر في هذه القصة لبس السوارين، وإنما أنكر عدم إخراج زكاتهما، بخلاف الأحاديث المتقدمة، فإنه أنكر اللبس، ولم يتعرض لإيجاب الزكاة عليها، والظاهر أن هذه القصة كانت في وقت الإباحة، فكأنه صلى الله عليه وسلم تدرج لتحريمها، فأوجب الزكاة عليها أولا، ثم حرمها، كما هو صريح الأحاديث السابقة، ولا سيما الحديث الأول من رواية أبي هريرة مرفوعا: "من أحب أن يحلق حبيبه بحلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب ...إلخ"، فإنه لا يدل دلالة قاطعة أن التحريم لنفس التحليق وما قرن معه، لا لعدم إخراج زكاتها.

والحق أن هذه القصة أفادت وجوب الزكاة على الحلي، ومثلها قصة عائشة الآتية في زكاة خواتيم الفضة، فهذه وتلك لا تدل على تحريم الاستعمال، بل على وجوب زكاة المستعمل فالتحريم وعكسه يؤخذ من أدلة أخرى، فأخذنا تحريم الذهب المحلق عليهن الأحاديث المتقدمة، وأخذنا إباحة الفضة من حديث أبي هريرة المتقدم، ومن حديث عائشة المشار إليها وغيرها.

وجملة القول أن هذا الحديث لا حجة فيه على ما ذكره المنذري، لأنه لم ينص فيه على تحريم السوار، إنما كان لأنه لم يؤد زكاته حتى يمكن أن يقال: إنه مفصل، وتلك الأحاديث مجملة، فيحمل المجمل على المفصل، وإنما هي واقعة عين أفادت وجوب زكاة الحلي، فلا يعارض ما أفادته الأحاديث السابقة من التحريم.

تقييد آخر للأحاديث، والجواب عنه:

5 - وأجاب هذا البعض أيضا بجواب آخر فقال: إن الوعيد المذكور إنما هو في حق من تزينت به وأظهرته، واستدل بما رواه النسائي وأبو داود عن ربعي بن حراش عن امرأته عن أخت لحذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر النساء أما لكن في الفضة ما تحلين به؟ أما إنه ليس منكن امرأة تتحلى ذهبا تظهره إلا عذبت به".

والجواب من وجهين:

الأول: رد الحديث من أصله لعدم ثبوته، فإن في سنده امرأة ربعي وهي مجهولة كما قال ابن حزم ولذلك ضعفته في المشكاة.

ثانيا: لو كانت العلة هي الإظهار لكان لا فرق في ذلك بين الذهب والفضة لاشتراكهما في العلة، مع أن الحديث صريح في التفريق بينهما، ولا قائل بحرمة خاتم الفضة على المرأة مع ظهوره، فثبت بطلان التمسك بعلة الإظهار.

وهذا كله يقال على افتراض صحة الحديث، وإلا فقد عرفت ضعفه، فسقط الاستدلال به أصلا.

رد الأحاديث بفعل عائشة، والجواب عنه:

6 - ومن أعجب ما ردت به هذه الأحاديث الصحيحة قول بعض متعصبة الحنفية: "إن عائشة رضي الله عنها كانت تلبس الخواتيم من الذهب، كما رآها ابن أختها القاسم بن محمد وحدث بذلك، وهذا الخبر عن عائشة رواه البخاري في صحيحه".

وأقول : إطلاق عزو هذا الأثر للبخاري فيه نظر، لأن المعروف عند العلماء أن العزو إلى البخاري مطلقا معناه أنه في صحيحه مسند، وليس كذلك أمر هذا الأثر، فإنه إنما ذكره معلقا بدون إسناد وذكر الحافظ في الفتح أنه وصله ابن سعد في الطبقات. وسكت عن سنده، وهو عندي حسن، فقال ابن سعد: أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو قال: سألت القاسم بن محمد قلت: إن ناسا يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأحمرين: المعصفر والذهب، فقال: كذبوا والله، لقد رأيت عائشة تلبس المعصفرات، وتلبس خواتم الذهب.

لكن رواه غير عبد العزيز بلفظ: كانت تلبس الأحمرين: المذهب والمعصفر. أخرجه ابن سعد أيضا: وأخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبى أويس عن سلميان بن بلال عن عمرو به، وهذا الإسناد أصح، لأن سليمان هذا أحفظ من عبد العزيز. فإن ثبت ذكر الخاتم في هذا الأثر عن عائشة فالجواب ما سيأتي، وإلا فلا حجة فيه مطلقا، لأن الرواية الأخرى - وهي الأصح - لا ذكر للخاتم فيها، فهو على هذا مثل حديثها الآخر من طريق القاسم أيضا أن عائشة كانت تحلي بنات أختها الذهب ثم لا تزكيه. رواه أحمد في مسائل عبد الله، وسنده صحيح ، فهذا محمول على الذهب المقطع، وهو جائز لهن اتفاقا.

ثم قال ذاك المذكور: "لا يتصور أن تلبس عائشة رضي الله عنها الذهب الملحق، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم معها وفي بيتها، ثم لا ينهاها عنه".

قلت: هذه مغالطة ظاهرة - لعلها غير مقصودة - إذ ليس في الأثر المتقدم أن عائشة لبسته على علم منه صلى الله عليه وسلم، بل فيه أن القاسم بن محمد رآها تلبسه، فمعنى ذلك أن لبسها إياه إنما كان بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، لأن القاسم لم يدركه صلى الله عليه وسلم.

ثم قال عطفا على ما سبق: "أو ينهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يبلغها؟ فهذا مستحيل قطعا".

قلت : لا استحالة في ذلك إلا نظرا، وهذا ليس يهمنا، لأن الواقع خلافه، فكم من سنن فعلية، وأقوال نبوية خفيت على كبار الصحابة رضي الله عنهم.

وعلى كل حال فقد ظهر لكل من له قلب أن ما كان يظنه مما لا يتصور أو أنه مستحيل قطعا قد أثبتناه بالأسانيد الصحيحة، ولازم ذلك أن لا يتلفت المسلم إلى أي قول يخالف ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم، مهما كان شأن قائله فضلا وعلما وصلاحا لانتفاء العصمة، وهذا من الأسباب التي تشجعنا على الاستمرار في خطتنا من التمسك بالكتاب والسنة، وعدم الاعتداد بما سواهما، كما صنعنا في هذه المسألة التي أسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين للعمل بها، وبكل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم.

ترك الأحاديث لعدم العلم بها بمن عمل بها، وجوابه:

6 - هذا، ولعل فيمن ينصر السنة ويعمل بها ويدعو إليها من يتوقف عن العمل بهذه الأحاديث بعذر أنه لا يعلم أحدا من السلف قال بها، فليعلم هؤلاء الأحبة أن هذا العذر قد يكون مقبولا في بعض المسائل التي يكون طريق تقريرها إنما هو الاستنباط والاجتهاد فحسب، لأن النفس حينئذ لا تطمئن لها خشية أن يكون الاستنباط خطأ، ولا سيما إذا كان المستنبط من هؤلاء المتأخرين الذين يقررون أمورا لم يقل بها أحد من المسلمين بدعوى أن المصلحة تقتضي تشريعها، دون أن ينظروا إلى موافقتها لنصوص الشرع أولا، مثل إباحة بعضهم للربا الذي سماه بـ (الربا الاستهلاكي) واليانصيب الخيري - زعموا - ونحوهما أما ومسألتنا ليست من هذا القبيل، فإن فيها نصوصا صريحة محكمة لم يأت ما ينسخها - كما سبق بيانه - فلا يجوز ترك العمل بها للعذر المذكور، ولا سيما أننا قد ذكرنا من قال بها مثل أبي هريرة رضي الله عنه ، وولي الله الدهلوي وغيرهما كما تقدم، ولا بد أن يكون هناك غير هؤلاء ممن عمل بهذه الأحاديث لم نعرفهم لأن الله تعالى لم يتعهد لنا بحفظ أسماء كل من عمل بنص ما من كتاب أو سنة، وإنما تعهد بحفظهما فقط كما قال: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون، فوجب العمل بالنص سوءا علمنا من قال به أو لم نعلم، ما دام لم يثبت نسخه كما هو الشأن في مسألتنا هذه.

وأختم هذا البحث بكلمة طيبة للعلامة المحقق ابن القيم رحمه الله تعالى لها مساس كبير بما نحن فيه، قال : في إعلام الموقعين: "وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائنا من كان، ويهجرون فاعل ذلك، وينكرون على من يضرب له الأمثال، ولا يسوغون غير الانقياد له صلى الله عليه وسلم، والتسليم والتلقي بالسمع والطاعة، ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس، أو يوافق قول فلان وفلان، بل كانوا عاملين بقوله تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، وبقوله تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما، وبقوله تعالى: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون، وأمثالها، فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا وكذا، يقول: من قال هذا؟ دفعا في صدر الحديث، ويجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به، ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل، وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الجهل، وأقبح من ذلك عذره في جهله، إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة، وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع، وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث، فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة. والله المستعان.

40 - وجوب إحسان عشرة الزوجة:

ويجب عليه أن يحسن عشرتها، ويسايرها فيما أحل الله لها - لا فيما حرم، ولا سيما إذا كانت حديثة السن، وفي ذلك أحاديث:

الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: "... واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا. إلا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكروهن، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن".

والفاحشة المبينة هي الظاهرة، "وكل خصلة قبيحة، فهي فاحشة من الأقوال والأفعال". والمراد: النشوز وشكاسة الخلق، وإيذاء الزوج وأهله باللسان واليد، لا الزنا، إذ لا يناسب قوله (ضربا غير مبرح)، وهذا هو الملائم لقوله تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن) الآية، فالحديث على هذا كالتفسير لها، فإن المراد بالضرب فيها هو الضرب المتوسط لا الشديد.

الثالث : قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك (أي لا يبغض) مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر".

الرابع: قوله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخيارهم خيارهم لنسائهم".

الخامس: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد، في يوم عيد، فقال لي: يا حميراء [تصغير الحمراء – يريد البياض] أتحبين أن تنظري إليهم؟ فقلت: نعم. فأقامني وراءه، فطأطأ لي منكبيه لأنظر إليهم، فوضعت ذقني على عاتقه، وأسندت وجهي إلى خده، فنظرت من فوق منكبيه (وفي رواية: من بين أذنه وعاتقه) وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة، فجعل يقول: يا عائشة ما شبعت فأقول: لا، لأنظر منزلتي عنده، حتى شبعت. قالت : ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيبا. وفي رواية: حتى إذا مللت، قال: حسبك؟ قلت: نعم، قال: فاذهبي، وفي أخرى: قلت: لا تعجل، فقام لي، ثم قال: حسبك؟ قلت: لا تعجل، ولقد رأيته يرواح بين قدميه، قالت: ما بي حب النظر إليهم، ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي، ومكاني منه وأنا جارية، فاقدروا قدر الجارية [العربة] الحديثة السن، الحريصة على اللهو، قالت: فطلع عمر، فتفرق الناس عنها والصبيان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت شياطين الإنس والجن فروا من عمر، قالت عائشة : قال صلى الله عليه وسلم يومئذ: لتعلم يهود أن في ديننا فسحة".

السادس: عنها أيضا قالت: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سهوتها ستر، فهبت ريح، فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب، فقال: ما هذا عائشة؟ قالت: بناتي، ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع، فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس، قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان، قال: فرس له جناحان؟ قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه".

السابع: عنها أيضا: "أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره، وهي جارية قالت: لم أحمل اللحم، ولم أبدن، فقال لأصحابه: تقدموا، فتقدموا، ثم قال: تعالي أسابقك، فسابقته، فسبقته على رجلي، فلما كان بعد، خرجت معه في سفر، فقال لأصحابه: تقدموا، ثم قال: تعالي أسابقك، ونسيت الذي كان، وقد حملت اللحم، وبدنت، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على هذه الحال؟ فقال: لتفعلن، فسابقته، فسبقني، فجعل يضحك، وقال: هذه بتلك السبقة".

الثامن: عنها أيضا قالت: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤتى بالإناء، فأشرب منه وأنا حائض، ثم يأخذه فيضع فاه على موضع في، وإن كنت لآخذ العرق فآكل منه، ثم يأخذه فيضع فاه على موضع في".

التاسع: عن جابر بن عبد الله ، وجابر بن عمير، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل شيء ليس فيه ذكر الله، فهو لغو وسهو ولعب، إلا أربع خصال: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشيه بين الغرضين، وتعليم الرجل السباحة".

41 - وصايا إلى الزوجين:

وختاما أوصي الزوجين:

أولا: أن يتطاوعا ويتناصحا بطاعة الله تبارك وتعالى، واتباع أحكامه الثابتة في الكتاب والسنة، ولا يقدما عليها تقليدا أو عادة غلبت على الناس، أو مذهبا فقد قال عز وجل: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا. الأحزاب - 36.

ثانيا: أن يلتزم كل واحد منهما القيام بما فرض الله عليه من الواجبات والحقوق تجاه الآخر، فلا تطلب الزوجة - مثلا - أن تساوي الرجل في جميع حقوقه، ولا يستغل الرجل ما فضله الله تعالى به عليها من السيادة والرياسة فيظلمها، ويضربها بدون حق، فقد قال الله عز وجل: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم. البقرة - 228، وقال: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا. النساء - 34.

فإذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها مما أباحه الله له منها، فلا سبيل له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها ولا هجرانها، وقوله: (إن الله كان عليا كبيرا)، تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليهن، وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن.

وقد قال معاوية بن حيدة رضي الله عنه: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه، ولا تضرب، ولا تهجر إلا في البيت، كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض إلا بما حل عليهن".

وقال صلى الله عليه وسلم: "المسقطون يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن - وكلتا يديه يمين - الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا".

فإذا هما عرفا ذلك وعملا به، أحياهما الله تبارك وتعالى حياة طيبة، وعاشا - ما عاشا معا - في هناء وسعادة، فقد قال عز وجل: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون. النحل - 97.

ثالثا: وعلى المرأة بصورة خاصة أن تطيع زوجها فيما يأمرها به في حدود استطاعتها، فإن هذا مما فضل الله به الرجال على النساء كما في الآيتين السابقتين: الرجال قوامون على النساء، وللرجال عليهن درجة، وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة مؤكدة لهذا المعنى، ومبينة بوضوح ما للمرأة، وما عليها إذا هي أطاعت زوجها أو عصته، فلا بد من إيراد بعضها، لعل فيها تذكيرا لنساء زماننا، فقد قال تعالى: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.

الحديث الأول: "لا يحل لأمرأة أن تصوم (وفي رواية: لا تصم المرأة) وزوجها شاهد إلا بإذنه (غير رمضان)، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه".

وزوجها شاهد أي: حاضر مقيم في البلد، وهذا النهي للتحريم.

قلت: وهو قول الجمهور، ثم قال النووي: "وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام، وحقه فيه واجب على الفور، فلا يفوته بتطوع، ولا بواجب على التراخي".

قلت: فإذا وجب على المرأة أن تطيع زوجها في قضاء شهوته منها، فبالأولى أن يجب عليها إطاعته فيما هو أهم من ذلك مما فيه تربية أولادها، وصلاح أسرتهما، ونحو ذلك من الحقوق والواجبات، وقال الحافظ في "الفتح": "وفي الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير، لأن حقه واجب، والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع".

الثاني: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح، (وفي رواية: أو حتى ترجع، وفي أخرى: حتى يرضى عنها".

والدعوة إلى الفراش كناية عن الجماع، ويقويه قوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش"، أي: لمن يطأ في الفراش، والكناية عن الأشياء التي يستحيى منها كثيرة في القرآن والسنة.

الثالث: "والذي نفسي محمد بيده، لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه من [نفسها]".

والقتب: رحل صغير على قدر السنام، ومعناه الحث لهن على مطاوعة أزواجهن، وأنه لا يسعهن الامتناع في هذه الحال، فكيف في غيرها؟

الخامس: عن حصين بن محصن قال: حدثتني عمتي قالت: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الحاجة، فقال : أي هذه أذات بعل؟ قلت: نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه [أي لا أقصر في طاعته وخدمته] إلا ما عجزت عنه، قال: [فانظري] أين أنت منه؟ فإنما هو جنتك ونارك".

السادس: "إذا صلت المرأة خمسها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت".

42 - وجوب خدمة المرأة لزوجها:

قلت: وبعض الأحاديث المذكورة آنفا ظاهرة الدلالة على وجوب طاعة الزوجة لزوجها وخدمتها إياه في حدود استطاعتها، ومما لا شك فيها أن من أول ما يدخل في ذلك الخدمة في منزله، وما يتعلق به من تربية أولاده ونحو ذلك، وقد اختلف العلماء في هذا، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: "وتنازع العلماء، هل عليها أن تخدمه في مثل فراش المنزل، ومناولة الطعام والشراب، والخبز والطحن والطعام لممالكيه وبهائمه، مثل علف دابته ونحو ذلك؟ فمنهم من قال: لا تجب الخدمة. وهذا القول ضعيف، كضعف قول من قال: لا تجب عليه العشرة والوطء فإن هذا ليس معاشرة له بالمعروف، بل الصاحب في السفر الذي هو نظير الإنسان وصاحبه في المسكن إن لم يعاونه على مصلحته لم يكن قد عاشره بالمعروف.

وقيل - وهو الصواب -: وجوب الخدمة، فإن الزوج سيدها في كتاب الله، وهي عانية عنده بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى العاني والعبد الخدمة، ولأن ذلك هو المعروف.

ثم من هؤلاء من قال: تجب الخدمة اليسيرة، ومنهم من قال: تجب الخدمة بالمعروف. وهذا هو الصواب، فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة.

قلت: وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى أنه يجب على المرأة خدمة البيت، وهو قول مالك وأصبغ كما في الفتح، وأبي بكر بن أبي شيبة، وكذا الجوزجاني من الحنابلة كما في الاختيارات، وطائفة من السلف والخلف، كما في الزاد، ولم نجد لمن قال بعدم الوجوب دليلا صالحا.

وقول بعضهم: "إن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام، مردود بأن الاستمتاع حاصل للمرأة أيضا بزوجها، فهما متساويان في هذه الناحية، ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أوجب على الزوج شيئا آخر لزوجته، ألا وهو نفقتها وكسوتها ومسكنها، فالعدل يقتضي أن يجب عليها مقابل ذلك شيء آخر أيضا لزوجها، وما هو إلا خدمتها إياه، ولا سيما أنه القوام عليها بنص القرآن الكريم كما سبق، وإذا لم تقم هي بالخدمة فسيضطر هو إلى خدمتها في بيتها، وهذا يجعلها هي القوامة عليه، وهو عكس للآية القرآنية كما لا يخفى، فثبت أنه لا بد لها من خدمته، وهذا هو المراد.

وأيضا فإن قيام الرجل بالخدمة يؤدي إلى أمرين متباينين تمام التباين أن ينشغل الرجل بالخدمة عن السعي وراء الرزق وغير ذلك من المصالح، وتبقى المرأة في بيتها عطلا عن أي عمل يجب عليها القيام به، ولا يخفى فساد هذا في الشريعة التي سوت بين الزوجين في الحقوق، بل وفضلت الرجل عليها درجة، ولهذا لم يزل الرسول صلى الله عليه وسلم شكوى ابنته فاطمة عليها السلام حينما: "أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى، وبلغها أنه جاءه رقيق، فلم تصادفه، فذكرت لعائشة، فلما جاء، أخبرته عائشة، قال علي رضي الله عنه: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: على مكانكما، فجاء، فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما، أو أويتما إلى فراشكما، فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم. قال علي: فما تركتها بعد، قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين".

فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لعلي: لا خدمة عليها، وإنما هي عليك، وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابي في الحكم أحدا.

هذا وليس فيما سبق من وجوب خدمة المرأة لزوجها ما ينافي استحباب مشاركة الرجل لها في ذلك، إذا وجد الفراغ والوقت، بل هذا من حسن المعاشرة بين الزوجين، ولذلك قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: "كان صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله، يعني خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة".

من طريق أخرى عنها بلفظ: "كان بشراً من البشر يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه".

وهذا آخر ما وفقنا الله تبارك وتعالى لذكره من آداب الزفاف في هذه الرسالة . وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

هذا، والله أعلى وأعلم،،،