الاثنين، 26 مارس 2012

مذكرة دفاع في دعوى عدم اعتداد بحكم - عناصر حجية الأحكام



محكمة شمال القاهرة الابتدائية
الدائرة 5 مدني كلي

مـذكــرة

بدفاع/ هيئة الأوقاف المصرية                                      (مدعية)

ضــــــد

السيد/ عاطف ******* وآخرين                                  (مدعى عليهم)


في الدعوى رقم 10288 لسنة 2010 مدني كلي شمال القاهرة
والمحدد لنظرها جلسة يوم السبت الموافق 24/3/2012م للمرافعة.

أولاً- الوقائع
تخلص وقائع الدعوى الماثلة في أن الهيئة المدعية عقدت الخصومة فيها، بموجب صحيفة، موقعة من محام، أودعت قلم كتاب المحكمة بتاريخ 29/12/2010م وأعلنت قانوناً للمدعى عليهم، طلبت في ختامها الحكم لها: "بعدم الاعتداد بالحكم رقم 3168 لسنة 20089 مستعجل القاهرة – الصادر بجلسة 25/9/2008 – في مواجهة هيئة الأوقاف المصرية (المدعية)، مع ما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام المدعى عليهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
        وذكرت الهيئة المدعية شرحاً لدعواها إن مجلس الوكلاء بوزارة الأوقاف قد أصدر قراره بالمذكرة رقم 10 لسنة 1987 (تطبيقاً لنص المادة الثالثة من القانون رقم 272 لسنة 1959 والمعدل بالقانون رقم 80 لسنة 1971) بفرز وتقدير حصة الخيرات في وقف/ أغا أمين خيرياً.. في الحجة الأولى: بمساحة قدرها 21س 11ط 287ف .. وفي الحجة الثانية: بمساحة قدرها 23س 7ط 924ف، وتم إخطار إدارة الملكية العقارية بهيئة الأوقاف المصرية بهذا القرار وتكليفها باستلام وإدارة تلك المساحات الواقعة ضمن أعيان حصة الوقف الخيري. كما صدر لصالح السيد/ مدير عام منطقة أوقاف القاهرة (وهي إحدى مناطق هيئة الأوقاف المصرية) – في غضون عام 1985 – حكماً بتعيينه حارساً قضائياً على وقف/ خليل أغا أمين.
        وإذ فوجئت هيئة الأوقاف المصرية بالمدعى عليهم يستصدرون الحكم الرقيم 3168 لسنة 2008 مستعجل القاهرة – والصادر بجلسة 25/9/2008 – والقاضي بعزل السيد/ عزمي ******* المُعين حارساً على وقف التداعي بموجب الحكم رقم 3395 لسنة 2001 مستعجل القاهرة واستبداله بالسيد/ عاطف ******* كحارس بلا أجر.
        وإذ صدر ذلك الحكم في غيبة تامة من هيئة الأوقاف المصرية، حيث لم تكن مختصمة أو ممثلة في تلك الدعوى التي صدر فيها ذلك الحكم بأي صفة، وإذ يستغله المدعى عليهم في التنفيذ على عقارات وأعيان تتبع الحصة الخيرية المملوكة لجهة الوقف الخيري، رغم إنها لم تكن ممثلة في تلك الدعوى ولا يجوز تنفيذ الحكم الصادر فيها في مواجهة هيئة الأوقاف المصرية، مما حدا بالهيئة المدعية إلى إقامة الدعوى الماثلة بغية القضاء لها بطلباتها سالفة الذكر.
        وتداولت الدعوى بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 14/1/2012 قررت عدالة المحكمة الموقرة تأجيل نظر الدعوى لجلسة اليوم (24/3/2012) تأجيلاً إدارياً.

ثانياً- الدفاع
        في مستهل دفاعنا نتمسك بجميع أوجه الدفاع والدفوع المبداه منا بصحيفة افتتاح الدعوى وسائر مذكرات الدفاع المقدمة منا، ونعتبرهم جميعاً جزءً لا يتجزأ من دفاعنا الراهن، ونضيف إلى ما سبق ما يلي:

هيئة الأوقاف المصرية تتمسك وتستند في طلباتها في الدعوى الماثلة إلى: "نسبية أثر الأحكام":
        حيث تنص المادة 101 من قانون الإثبات على أن: "الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية، ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً".
لما كان ذلك، وكان من المسلم به قانوناً، إن نطاق "حجية الأمر المقضي يقتصر على أطراف المركز القانوني محل الدعوى إذا كانوا أطرافاً في الخصومة. حيث أن لحجية الأمر المقضي نطاق شخصي، فهي تقوم فقط بين أطراف المركز الموضوعي الذي تحميه الدعوى على النحو الذي عرضت به في الخصومة. ولا يكفى أن تكون الدعوى متعلقة بمركز قانوني لشخص حتى يكون للقضاء الصادر فيها حجية في مواجهته، بل يجب أيضاً أن يكون هذا الشخص طرفاً في الخصومة التي صدر فيها هذا القضاء (نقض مدني 12 إبريل 1962 - مجموعة النقض 13 - 441 - 66). ذلك أن الحجية إنما تكون أثر للقضاء الفاصل في الدعوى في نطاق الخصومة التي صدر فيها.
وعادةً أطراف الدعوى هم أنفسهم أطراف المركز القانوني محل التقرير، فإن اختلفوا - كما هو الحال في دعوانا الماثلة - فان الحجية تكون فقط في مواجهة أطراف الدعوى دون أطراف المركز القانوني. فإذا رفع شخص دعوى استحقاق في مواجهة المغتصب، وقُضِىَ بقبول الدعوى فان القضاء يقرر للمدعى حق الملكية. وهو حق يوجد في مواجهة الكافة ولكن الحجية لا تكون في مواجهة الكافة وإنما فقط في مواجهة طرفي الدعوى. وعلة هذا أن الحماية القضائية إنما تُمنح نتيجة للدعوى ويتحدد نطاقها بحدود هذه الدعوى التي قُضِىَ فيها. (لطفاً، المرجع: "الوسيط في قانون القضاء المدني" - للدكتور/ فتحي والى - الطبعة الثانية 1981 القاهرة - بند 98 - صـ 179 و 180 وهوامشها).
وفيما عدا طرفي الدعوى وخلفائهما، لا حجية للعمل القضائي. فالحجية لا تسرى في مواجهة الغير. فليس لغير أطراف الدعوى التي قُضِىَ فيها.. التمسك بهذا القضاء كما أنه لا يجوز التمسك به ضده. فإن حدث التمسك بالقضاء إضراراً بأحد من الغير كان لهذا الأخير الدفع بنسبية الأحكام، أي الدفع بأن حجية القضاء  لا تسرى في مواجهته لأنه من الغير. ولا تكون للحكم حجية بالنسبة للغير ولو كانت المسألة المقضي فيها مسألة كلية شاملة أو مسألة أصلية أساسية، فالحكم بالنسبة لهذه المسألة لا حجية له إلا بين الخصوم أنفسهم (نقض مدني 22 مايو 1973 - مجموعة النقض 24 - 807 - 141). كما أن الحكم لا تكون له حجية في مواجهة الغير، ولو كان صادراً في موضوع غير قابل للتجزئة (نقض مدني 5 يناير 1980 في الطعن رقم 713 لسنة 45 قضائي. المرجع: "الوسيط في قانون القضاء المدني" - للدكتور/ فتحي والى - المرجع السابق - نفس الموضع - و صـ 182 وهوامشها).
        ومن المقرر في قضاء محكمة النقض أن: "المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن الحكم لا يحوز حجية الأمر المقضي إلا إذا أتحد الموضوع والخصوم والسبب فى الدعوى التى صدر فيها والدعوى المطروحة". (نقض مدني في الطعن رقم 984 لسنة 58 قضائية – جلسة 28/2/1990 مجموعة المكتب الفني – السنة 41 – صـ 665 – فقرة 1).
        كما جرى قضاء محكمة النقض على أن: "المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن النص فى المادة 101 من قانون الإثبات يدل على أن مناط حجية الأحكام التى حازت قوة الأمر المقضي هو وحدة الموضوع والخصوم والسبب بحيث  إذا تخلف أحد هذه الشروط أنتفت تلك الحجية ". (نقض مدني في الطعن رقم 2090 لسنة 54 قضائية – جلسة 13/12/1990 مجموعة المكتب الفني – السنة 41 – صـ 868 – فقرة 5).
        وقد تواتر قضاء محكمة النقض على أنه: "يشترط للتمسك بحجية الأمر المقضي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إتحاد الموضوع والخصوم والسبب فى الدعوى التى سبق الفصل فيها والدعوى المطروحة، وإذ كان المطعون ضدهم الثمانية الأول قد تدخلوا فى الدعوى رقم 117 لسنة 75 مدني المنيا الابتدائية طالبين رفضها لملكيتهم للأرض محل النزاع وأحقيتهم دون الطاعنين فى اقتضاء ريعها وقد قبلت المحكمة تدخلهم ولم يكن المطعون ضدهم المذكورون خصوماً فى أي من الدعويين 981 لسنة 1968 مدني ديروط و 170 لسنة 1970 مدني سمالوط فإن شرط إتحاد الخصوم يكون قد تخلف ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب صحيح القانون  إذ لم يعتد بحجية الأحكام  الصادرة فى القضيتين سالفتي الذكر قِبل المطعون ضدهم الثمانية الأول وهم الخصوم الحقيقيون فى النزاع على استحقاق الريع، ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس". (نقض مدني في الطعن رقم 1196 لسنة 53 قضائية – جلسة 1/2/1990 مجموعة المكتب الفني – السنة 41 – صـ 410 – فقرة 5).
        وقد استقر قضاء محكمة النقض على أن: "مفاد ما نصت عليه المادة 101 من قانون الإثبات أن حجية الأحكام القضائية فى المسائل المدنية لا تقوم إلا بين من كان طرفاً فى الخصومة حقيقة أو حكماً  فلا يحتج بها على من كان خارجاً عنها ولم يكن ممثلاً تمثيلاً صحيحاً ". (نقض مدني في الطعن رقم 1902 لسنة 53 قضائية – جلسة 22/3/1989 مجموعة المكتب الفني – السنة 40 صـ 820 – فقرة 1).
        ومن المقرر في قضاء محكمة النقض أن: "المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن مناط حجية الحكم الصادر فى إحدى الدعاوى فى دعوى تالية أن يكون الحكم السابق صادراً بين ذات الخصوم فى الدعوى التالية مع إتحاد الموضوع والسبب فى الدعويين،  فلا تقوم للحكم تلك الحجية إذا كان الخصمان قد تغير أحدهما أو كلاهما فى أي من الدعويين ". (نقض مدني في الطعن رقم 642 لسنة 52 قضائية – جلسة 18/12/1988 مجموعة المكتب الفني – السنة 39 – صـ 1334 – فقرة 3. ونقض مدني في الطعن رقم 675 لسنة 53 قضائية – جلسة 4/6/1987 مجموعة المكتب الفني – السنة 38 – صـ 768 – فقرة 4). 
        كما جرى قضاء محكمة النقض على أن: "المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن الحكم الصادر فى نزاع سابق لا حجية له فى دعوى تالية إلا إذا كان الحكم السابق صادر فى ذات الموضوع أو فى مسألة كلية شاملة أو فى مسألة أساسية واحدة فى الدعويين،  فإذا ما تغير أحد الخصوم أو جميعهم فى الدعوى التالية فلا يجوز الاحتجاج بحجية الحكم السابق قِبلهم حتى ولو كان صادر فى موضوع غير قابل للتجزئة، إذ لا يستفيد الخصم منه أو يضار به إلا إذا تدخل أو أدخل فى الدعوى وأصبح بذلك طرفاً فى هذا الحكم ". (نقض مدني في الطعن رقم 1134 لسنة 51 قضائية – جلسة 16/11/1988 مجموعة المكتب الفني – السنة 39 – صـ 1165 – فقرة 4).
        كما تواتر قضاء محكمة النقض على أن: "مفاد نص الفقرة الأولى من المادة 101 من قانون الإثبات أن  الحكم لا تثبت له الحجية إلا بالنسبة لطرفي الخصومة التى فصل فيها إعمالاً لمبدأ نسبية الأحكام ". (نقض مدني في الطعن رقم 7 لسنة 50 قضائية – جلسة 28/10/1984 مجموعة المكتب الفني – السنة 35 – صـ 1767 – فقرة 1).
        كما أستقر قضاء محكمة النقض على أن: "حجية الأحكام مناطها. المادة 101 إثبات. اقتصارها على أطراف الخصومة حقيقة أو حكماً. عدم جواز الاحتجاج بحجية حكم سابق على من كان خارجاً عن الخصومة التي صدر فيها. حقه في التمسك بعدم الاعتداد به ضده". (نقض مدني في الطعن رقم 2093 لسنة 54 قضائية – جلسة 30/7/1992).
        وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، ولما كان الثابت بالأوراق أن هيئة الأوقاف المصرية (المدعية في الدعوى الماثلة) لم تكن طرفاً ولا خصماً ولا ممثلة – بأية صفة – في دعوى الحراسة الصادر فيها الحكم رقم 3168 لسنة 2008 مستعجل القاهرة – بجلسة 25/9/2008 – وبالتالي فهيئة الأوقاف المصرية لا تحاج بهذا الحكم ولا يجوز تنفيذه أو التمسك بها قِبلها، ويكون طلب الهيئة المدعية: "عدم الاعتداد بذلك الحكم (رقم 3168 لسنة 2008) في مواجهة هيئة الأوقاف المصرية يكون قد جاء موافقاً لحقيقة الواقع وصحيح القانون خليقاً بالقبول وإجابة الهيئة المدعية إلى طلباتها في الدعوى الماثلة وهي:

ثالثاً- الطلبات الختامية
لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة المحكمة من أسباب أصوب وأرشد، تلتمس هيئة الأوقاف المصرية الحكم لها في الدعوى الماثلة: "بعدم الاعتداد بالحكم رقم 3168 لسنة 2008 مستعجل القاهرة – الصادر بجلسة 25/9/2008 – في مواجهة هيئة الأوقاف المصرية (المدعية)، مع ما يترتب على ذلك من آثار. وكذلك عدم الاعتداد بأحكام الحراسة السابقة على ذلك الحكم ومنها الأحكام أرقام: 3395 لسنة 2001 مستعجل القاهرة و 520 و 582 و 610 و 616 و 624 لسنة 1998 مستأنف مستعجل القاهرة. مع إلزام المدعى عليهم بتقديم كشف حساب عن إدارتهم لوقف التداعي طوال فترة وضع يدهم عليه. مع إلزام المدعى عليهم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
مع حفظ كافة حقوق الأوقاف الأخرى، أياً ما كانت،،،


الأحد، 25 مارس 2012

هل محكمة القضاء الإداري (ممثلة للسلطة القضائية) تملك إلغاء قرار يصدره مجلسي الشعب والشورى (السلطة التشريعية) طبقاً لمبدأ الفصل بين السلطات ؟!!


هل محكمة القضاء الإداري (ممثلة للسلطة القضائية) تملك إلغاء قرار يصدره مجلسي الشعب والشورى (السلطة التشريعية) طبقاً لمبدأ الفصل بين السلطات ؟!! 


        هذه دعوة عامة لجميع القانونيين لمناقشة الموضوع التالي:
        ترددت مؤخراً أنباء عن قيام بعض أساتذة القانون الدستوري بالجامعات المصرية يؤازرهم حوالي مائة شخص من الشخصيات العامة، بإقامة دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بطلب وقف تنفيذ وإلغاء قرار مجلس الشعب ومجلس الشورى بتشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور المصري الجديد.
        وعند سماعي لهذه الأنباء انتابتني الدهشة، لأنني تعلمت على يد هؤلاء الأساتذة وأمثالهم، مبدأ "الفصل بين السلطات"، بمعنى إن السلطة التشريعية لها اختصاصها (وهو سن القوانين والدساتير)، والسلطة القضائية لها اختصاصها (وهو تطبيق القانون الذي تصدره السلطة التشريعية على وقائع القضايا المعروضة أمامها)، والسلطة التنفيذية لها اختصاصها (وهي تنفيذ الأحكام القضائية ومباشرة المهام الإدارية للدولة)، ولكل سلطة من تلك السلطات اختصاصها المخول لها دون تدخل من باقي السلطات في الدولة، فالسلطة القضائية لا تملك سن القوانين وإنما هي تطبقها فقط، كما إن السلطة القضائية لا تملك إلغاء قانون أصدرته السلطة التشريعية، وحتى المحكمة الدستورية العليا عندما تقضي بعدم دستورية نص ما في قانون فإنها لا تلغيه وإنما توقف العمل به وتلغي آثاره القانونية فقط ولكن النص يظل باقياً إلى أن يتدخل المشرع بتعديله أو إلغائه. كما تعلمنا من أساتذتنا هؤلاء – وهم من فقهاء القانون الدستوري والإداري – إن محكمة القضاء الإداري إنما توقف تنفيذ وتلغي القرارات الإدارية التي تصدرها الجهة الإدارية (السلطة التنفيذية) بالمخالفة لأحكام القانون، ولكنها لا تملك إلغاء قانون أو قرار يصدره مجلس الشعب (السلطة التشريعية). لذا اندهشت جداً عندما علمت بأن هؤلاء الأساتذة قد أقاموا دعوى أمام محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ وإلغاء قرار مجلس الشعب ومجلس الشورى بتأسيس الجمعية التأسيسية لوضع الدستور المصري. فهل محكمة القضاء الإداري تملك تلك السلطة، وهل هذا يتوافق مع مبدأ الفصل بين السلطات.
        مع ملاحظة أن تلك الأسئلة وهذه المناقشة، هي مسألة قانونية وليست سياسية، بمعنى هل توافق القانون أم لا ، بصرف النظر عن الموقف كل شخص من ذلك القرار سواء بالموافقة عليه أو رفضه.
        وللتذكير فقط نقول بأنه من المسلم به في فقه القانون الدستوري – لا سيما في النظم الديمقراطية – ضرورة وجود ثلاث سلطات أساسية في النظام السياسي، وهي السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية، وكل سلطة من تلك السلطات تتمتع بصلاحيات واختصاصات أصيلة ومحددة في القانون الأساسي "الدستور"، كما تتمتع كل سلطة من تلك السلطات باستقلال نسبي عن الأخريات في عملها وفي آليات اتخاذ القرارات وبما يسند إليها من صلاحيات، بما يعرف بمبدأ " الفصل بين السلطات – The principle of Separation of powers ". وهذا الفصل يقصد به في النظام الديمقراطي هو الفصل المتوازن في توزيع الصلاحيات والمسؤوليات مع قيام قدر من التعاون فيما بينها لتنفيذ وظائفها في توافق وانسجام ويحد من هيمنة أي منها على الشأن العام.
وإذا كانت تلك الفكرة هي جوهر مبدأ الفصل بين السلطات، فإن هذا المبدأ ليس معناه إقامة سياج مادي يفصل فصلاً تاماً بين سلطات الحكم، ويحول دون مباشرة كل منها لوظيفتها بحجة المساس بالأخرى، ومن ثم فإن مقتضى مبدأ الفصل بين السلطات أن يكون بين السلطات الثلاث تعاون، وأن يكون لكل منها رقابة على الأخرى في نطاق اختصاصها بحيث يكون نظام الحكم قائماً على أساس أن " السلطة تَحُدّ أو توقف السلطة -" Power should be a check to power ، وهو ما يعبر عنه بالفرنسية بـ" Le pouvoir arrête le pouvoir " ، فيؤدي ذلك إلى تحقيق حريات الأفراد، وضمان حقوقهم، واحترام القوانين، وحسن تطبيقها تطبيقاً عادلاً وسليماً، فهذا ما يتفق وحكمة الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات التي هي تحقيق التوازن والتعاون بين السلطات، وتوفير الحيدة لكل منها في مجال اختصاصها .
        هذا، ومن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن: "ما تضمنه الطلب الاحتياطي من دعوة المحكمة الدستورية العليا لتعديل النصين المطعون عليهما على الوجه المبين بصحيفة الدعوى، إنما يخرج بالضرورة عن اختصاص هذه المحكمة والتي تستمد ولايتها من المادة 175 من الدستور، ذلك أن الرقابة القضائية التي تباشرها هذه المحكمة على دستورية القوانين واللوائح للتحقق من توافقها أو مخالفتها لأحكام الدستور، لا تخولها التدخل فى مجال عمل السلطة التشريعية بتعديل قوانين أقرتها، وإلا كان ذلك افتئاتاً على ولايتها الدستورية". (حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 37 لسنة 7 قضائية "دستورية" – جلسة 7/3/1992 مجموعة المكتب الفني – السنة 5 – صـ 204 – صـ 6).
        كما تواتر قضاء المحكمة الدستورية العليا على: "إن الدستور قد حدد لكل سلطة عامة وظائفها الأصلية وما تباشره من أعمال أخرى لا تدخل فى نطاقها، بل تعد استثناء يرد على أصل انحصار نشاطها فى المجال الذى يتفق مع طبيعة وظائفها. إذ كان ذلك، وكان الدستور قد حصر هذه الأعمال الاستثنائية وبين بصورة تفصيلية قواعد ممارستها، ومن ثم تعين على كل سلطة فى مباشرتها لها أن تلتزم حدودها الضيقة وأن تردها إلى ضوابطها الدقيقة التي عينها الدستور، وإلا وقع عملها مخالفاً لأحكامه. وإن سن القوانين هو مما تختص به السلطة التشريعية تباشره وفقاً للدستور فى إطار وظيفتها الأصلية، ولئن كان الأصل أن تتولى السلطة التشريعية بنفسها مباشرة هذه الوظيفة التي أسندها الدستور لها، وأقامها عليها إلا أن الدساتير المصرية جميعها، كان عليها أن توازن ما يقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولى كل منهما لوظائفها فى المجال المحدد لها أصلا، بضرورة المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام فى ربوعها إزاء ما قد تواجهه - فيما بين أدوار انعقاد السلطة التشريعية أو حال غيابها - من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التي تواكبها، يستوي فى ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستنداً إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعي يكون لازماً لمواجهة التزاماتها الدولية الحالة، و لقد كان النهج الذى ألتزمته هذه الدساتير على اختلافها - وعلى ضوء موجبات هذه الموازنة - هو تخويلها السلطة التنفيذية الاختصاص باتخاذ التدابير العاجلة اللازمة لمواجهة أوضاع استثنائية سواء بالنظر إلى طبيعتها أو مداها. وتلك هي حالة الضرورة التي أعتبر الدستور قيامها من الشرائط التي تطلبها لمزاولة هذا الاختصاص الاستثنائي، ذلك أن الاختصاص المخول للسلطة التنفيذية فى هذا النطاق لا يعدو أن يكون استثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية فى المجال التشريعي". (حكم  المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 13 لسنة 11 قضائية "دستورية" – جلسة 18/4/1992 مجموعة المكتب الفني – السنة 5 – صـ 285 فقرة 6 و 7. وفي الطعن رقم 25 لسنة 8 قضائية "دستورية" جلسة 16/5/1992 مجموعة المكتب الفني – السنة 5 – صـ 324 – فقرة 4).
        هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه – فضلاً عن مبدأ الفصل بين السلطات – فإن للسلطة التشريعية مطلق تقدير ملائمة إصدار التشريع والباعث على  والباعث على إصداره. حيث إنه من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن: "مجالات التشريع الذى تمارسه سلطة التشريع إنما تمتد إلى جميع الموضوعات، كما أن ملائمات التشريع هي من أخص مظاهر السلطة التقديرية للمشرع العادي ما لم يقيده الدستور بحدود و ضوابط يتعين على التشريع التزامها وإلا عد مخالفاً للدستور، ومن ثم يكون من حق التشريع العادي أن يستقل بوضع القواعد القانونية التي يراها محققة للمصلحة العامة متى كان فى ذلك ملتزماً بأحكام الدستور وقواعده". (حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 93 لسنة 4 قضائية "دستورية" – جلسة 18/2/1984 مجموعة المكتب الفني – السنة 3 – صـ 29).
        كما جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن: "للمشرع سلطة تقديرية فى تنظيم الحقوق بلا معقب عليه فى تقديره ما دام أن الحكم التشريعي الذى قرره لتلك الحالات قد صدرت به قاعدة عامة مجردة لا تنطوي على التمييز بين من تساوت مراكزهم القانونية ولا تهدر نصاً فى الدستور". (حكم المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم 26 لسنة 1 قضائية "دستورية" – جلسة 1/1/1983 مجموعة المكتب الفني – السنة 2 – صـ 67 – فقرة 4).
        وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، ولما كانت الدعوى المنوه تتضمن اعتداء على اختصاصات السلطة التشريعية لا تملك السلطة القضائية القيام به لكون ذلك يمثل إخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطات ويعد تجاوزاً على مبدأ السلطة الكاملة للمشرع في تقدير ملائمة إصدار التشريع من عدمه.
        فما رأيكم – أيها القانونيين – دام فضلكم؟ وأكرر إن المناقشة المرجوة هي مناقشة "قانونية" وليست "سياسية".
        فأفيدونا أفادكم الله.

        ---

الخميس، 22 مارس 2012

عدم جواز الجمع بين البدلين "التعويض أو الثمن" و "الريع أو ثمار المبيع"



محكمة قنا الابتدائية
الدائرة "الرابعة" مدني حكومة

مذكرة

بدفاع/ هيئة الأوقاف المصرية                                    (مدعى عليها)

ضــــــــد

السيد/ عبد المنعم عمر محمد عبد الكريم وآخرين                       (مدعين)
السيدة/ تحية مصطفى أحمد يوسف                                      (متدخلة هجومياً)



في الدعوى رقم 8 لسنة 2009 مدني كلي حكومة قنا
والمحدد لنظرها جلسة يوم الخميس الموافق 22/3/2012م للمرافعة.

أولاً- الوقائع
نستأذن عدالة المحكمة الموقرة في الإحالة فيما يخص وقائع الدعوى الماثلة إلى ما جاء بمذكرات دفاعنا السابق تقديمها لعدالة المحكمة الموقرة وللخبرة الفنية، وللأحكام التمهيدية السابق صدورها من المحكمة الموقرة، وذلك منعاً من التكرار وحِفاظاً على ثمين وقت عدالة المحكمة.
ونوجز تلك الوقائع في أن المدعين عقدوا الخصومة فيها، بموجب صحيفة، أودعت قلم كتاب المحكمة، طلبوا في ختامها الحكم لهم: "بإلزام المدعى عليهم بصفاتهم بأن يؤدوا للمدعين مبلغاً وقدره 3000000جم (ثلاثة ملايين جنيه) كريع عن أعيان وقف التداعي وذلك عن الفترة من 1985 وحتى عام 2009".
على سند من أن المدعين سبق لهم أن أقاموا الدعوى رقم 1885 لسنة 1985 مدني كلي قنا ضد وزارة الأوقاف وهيئة الأوقاف المصرية وآخرين للمطالبة بإلزام المدعى عليهم بأن يسددوا للمدعين مبلغاً وقدره 180000جم كريع عن أعيان وقف التداعي (وقف/ سراج الدين عمر بن زين العابدين "الشهير بـ/ سيدي عمر". بموجب كتاب الوقف الصادر في مستهل ربيع الثاني 1204هـ، والذي أوقف بموجبه مساحة قدرها 4س 7ط 5ف بزمام بندر قنا بحوض العرمانية قبلي/16 – تعادل 12151م2 بمدينة قنا، وذلك على نفسه حال حياته وعلى أهله من بعده).
وقد طالبوا بريع ذلك الوقف – في الدعوى المنوه عنها – عن الفترة من عام 1928 وحتى عام 1985 مع تعويض قدره 2500000جم، مع طلب الحكم باستبدال الحارس المعين على وقف التداعي، وتسليم كل مدعي نصيبه في صافي غلة ذلك الوقف. 
وتداولت تلك الدعوى المذكورة بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، إلى أن أودع الخبير المنتدب فيها تقريره الذي أثبت فيه أن: "أعيان التداعي تمثل مسطحات: بعضها أرض فضاء؛. والبعض الآخر مساكن أهلي؛. والجزء الثالث من مسطح النزاع مقام عليه مدرسة الشهيد عبد المنعم رياض الثانوية وعمارة إسكان ضباط الشرطة وجراجي وزارة الزراعة ومجلس مدينة قنا".
وقد قدرت الخبرة الفنية – في الدعوى المذكورة – قيمة "التعويض المستحق للمدعين عن الأرض التي تم الاستيلاء عليها بإقامة مشروعات عامة: (كمشاريع عامة لا يمكن استردادها) وهي مدرسة الشهيد عبد المنعم رياض الثانوية العسكرية، وعمارة ضباط الشرطة والبالغ مساحتها 17367.75م2 بمبلغ وقدره 696797.50جم (فقط ستمائة وستة وتسعون ألف وسبعمائة وسبعة وتسعون جنيهاً ونصف الجنيه)، كما يقدر الريع المستحق للمدعين عن أعيان التداعي جميعها خلال فترة المطالبة بمبلغ 121400جم (فقط مائة وواحد وعشرون ألف وأربعمائة جنيه)".
وبجلسة 31/4/1994 صدر الحكم في تلك الدعوى (رقم 1885 لسنة 1985 مدني كلي قنا)، مثبتاً في حيثياته – بخصوص تكييف التعويض المقضي به في ذلك الحكم – بأن: "... أعيان التداعي قد خرجت عن ملكية المستحقين من المدعين بالاستيلاء عليها وتخصيصها للمنفعة العامة، بما مؤداه نزع ملكيتها واقتضاء المدعين ما يعادل ثمنها تعويضاً ...". (صـ 6 من الحكم).
ومن ثم قضى ذلك الحكم – في البند رابعاً منه – بإلزام المدعى عليهما الاثنين الأولين بصفتهما متضامنين بأن يؤدوا للمدعين مبلغ  696797.50جم (فقط ستمائة وستة وتسعون ألف وسبعمائة وسبعة وتسعون جنيهاً ونصف الجنيه)، تعويضاً يعادل ثمن أعيان التداعي، يقسم بينهم كل بما يعادل قيمة نصيبه وحصته المستحقة لها في أعيان الوقف".
وقد تأيد هذا الحكم بالحكم الاستئنافي رقم 242 لسنة 13 قضائية "استئناف قنا"، وقد تم تنفيذ هذا الحكم في تاريخ 22/12/1996، وثابت بمحضر تنفيذ الحكم (بسداد التعويض الذي يعادل ثمن أرض التداعي) أن: "... أصبحت أعيان التداعي ملك هيئة الأوقاف المصرية ولها الحق في مطالبة واضعي اليد بما تراه من ريع أو إيجار أو خلافه، وهذا محضر تنفيذ بذلك"، ووقع على ذلك المحضر وكيل المدعين القائم بتنفيذ الحكم لصالحهم (بموجب توكيلات رسمية). ورغم كل ذلك فقد أقام المدعون دعواهم الماثلة، بغية القضاء لهم بطلباتهم سالفة الذكر (وهي المطالبة بريع وقف التداعي).
وأثناء تداول الدعوى الماثلة بالجلسات تدخلت فيها "هجومياً" من تدعى السيدة/ تحية مصطفى أحمد يوسف، بموجب صحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة، طلبت في ختامها الحكم لها: "بإلزام المدعى عليهم – في صحيفة التدخل الهجومي – بأن يدفعوا للمتدخلة الهجومية مبلغاً وقدره 250000جم (فقط مائتان وخمسون ألف جنيه) كريع عن أطيان وقف التداعي، مع إلزام المدعى عليهم – في صحيفة التدخل – بصفاتهم بأن يسلموا أعيان وقف التداعي للخصمة المتدخلة هجومياً.
        وقالت الخصمة المتدخلة هجومياً شرحاً لطلب تدخلها إنها من ورثة الواقف في وقف التداعي وحدها من دون المدعين أصلياً في الدعوى الماثلة، وأنها سبق لها أن أقامت الدعوى رقم 959 لسنة 2005 مدني كلي قنا عن ذات وقف التداعي، وما زالت متداولة بالجلسات حتى تاريخه. مما حدا بها إلى التدخل هجومياً في الدعوى الماثلة بغية القضاء لها بطلباتها سالفة الذكر.

ثانياً- الدفاع
        في مستهل دفاعنا نتمسك بجميع أوجه الدفاع والدفوع المبداة منا بمذكرات دفاعنا السابق تقديمها لعدالة المحكمة الموقرة وللخبرة الفنية، ونعتبرها جميعاً جزءاً لا يتجزأ من دفاعنا الراهن. ونضيف إلى ما سبق ما يلي:

1- هيئة الأوقاف المصرية تدفع بعدم اختصاص عدالة محكمة قنا الابتدائية محلياً بنظر الدعوى الماثلة:
هيئة الأوقاف المصرية تتمسك بالدفع بعدم اختصاص محكمة قنا محلياً بنظر الدعوى الماثلة وإحالتها بحالتها إلى محكمة الجيزة الابتدائية المختصة محلياً بنظرها، وهذا الدفع يستند إلى نص المادة 49 من قانون المرافعات والتي تقضي بأن:
"يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المُدعى عليه، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. فإن لم يكن للمُدعى عليه موطن في الجمهورية يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها محل إقامته".
كما تنص الفقرة الأولى من المادة 52 من قانون المرافعات – بالنسبة لموطن الأشخاص الاعتبارية – على أنه:
"فى الدعاوى المتعلقة بالشركات أو الجمعيات القائمة أو التى فى دور التصفية أو المؤسسات الخاصة يكون الاختصاص للمحكمة التى يقع فى دائرتها مركز إدارتها سواء أكانت الدعوى على الشركة أو الجمعية أو المؤسسة أم من الشركة أو الجمعية أو المؤسسة على أحد الشركاء أو الأعضاء أو من شريك أو عضو على آخر".
هذا، ومن المقرر في قضاء محكمة النقض أن:
"مفاد نص المادة 52 من قانون المرافعات - اختصاص المحكمة التى يقع فى دائرتها مركز إدارة الشركة أو الجمعية أو المؤسسة الخاصة محلياً بنظر الدعاوى التى ترفع عليها مدنية كانت أم تجارية".
(نقض مدني في الطعن رقم 1421 لسنة 59 قضائية جلسة 14/5/1990 مجموعة المكتب الفني السنة 41 صـ 134 فقرة 1).
لما كان ذلك، وكان موطن هيئة الأوقاف المصرية (وهو قانوناً: مركز إدارتها الرئيسي الكائن بالعقار رقم 109 بشارع التحرير بميدان الدقي بمحافظة الجيزة) يتبع محكمة الجيزة الابتدائية، ومن ثم تكون عدالة محكمة قنا الابتدائية غير مختصة محلياً بنظر النزاع الماثل، ومن ثم يتعين – والحال كذلك – إحالة الدعوى الماثلة لمحكمة الجيزة الابتدائية لنظرها.

2-   هيئة الأوقاف المصرية تجحد كافة الصور الضوئية المقدمة من المدعين أصليا ومن الخصمة المتدخلة هجومياً في الدعوى الماثلة:
حيث قدم المدعون والخصمة المتدخلة هجومياً في الدعوى الماثلة صوراً ضوئية لمستنداتهم بحوافظ مستنداتهم لعدالة المحكمة الموقرة وللخبرة الفنية، وهيئة الأوقاف المصرية (المدعى عليها) تتمسك بجحد كافة الصور الضوئية المُقدمة من المدعين والخصمة المتدخلة هجومياً في الدعوى الماثلة.
لما كان ذلك، وكان من المقرر في قضاء النقض أنه:
"لا حجية لصور الأوراق في الإثبات إلا بمقدار ما تهدى إلى الأصل إذا كان موجوداً فيرجع إليه كدليل في الإثبات. أما إذا كان الأصل غير موجود فلا سبيل للاحتجاج بالصورة إذا أنكرها الخصم ومن ثم لا تثريب على محكمة الموضوع بدرجتيها إن هي التفتت بالتالي عن صورة الورقة المقدمة من الطاعن ولا عليها إن هي لم تُجر تحقيقاً في هذا الشأن ولم ترد على ما أبداه من دفاع".
(نقض مدني في الطعن رقم 407 لسنة 49 قضائية - جلسة 19/12/1982.
وفي الطعنين رقمي 598 و 55 لسنة 50 قضائية - جلسة 28/2/1984).
كما تواتر قضاء محكمة النقض على أنه:
"... وإذ كان الطاعنون لم يقدموا للتدليل على أن وفاة المرحوم/ ...... قد حدثت فى تاريخ سابق على قفل باب المرافعة فى الاستئناف سوى صورة عرفية من شهادة وفاة وإشهاد وراثة، بينما تمسك المطعون ضده الأول فى مذكرته بانتفاء أي حجية للصور العرفية، مما يتعين معه عدم التعويل عليها فى الإثبات، ويكون النعي بهذا السبب عارياً عن الدليل ومن ثم غير مقبول".
(نقض مدني في الطعن رقم 308 لسنة 51 قضائية – جلسة 5/12/1985 مجموعة المكتب الفني – السنة 36 – صـ 1087 – فقرة 2.
وفي الطعن رقم 1314 لسنة 49 قضائية - جلسة 19/5/1980).
وأخيراً، فقد تواترت أحكام محكمة النقض على أن:
"استناد الخصم إلى الصورة الشمسية للمستند. التفات الحكم عن الورقة. لا قصور".
(نقض مدني في الطعن رقم 1196 لسنة 53 قضائية جلسة 1/2/1990 مجموعة المكتب الفني السنة 41 صـ 410 فقرة 4.
وفي الطعن رقم 687 لسنة 43 قضائية - جلسة 24/1/1978 مجموعة المكتب الفني – السنة 29 – صـ 279).
وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، ولما كان المدعون في الدعوى الماثلة والخصمة المتدخلة هجومياً فيها قد جاءت مُستندات دعواهم الماثلة خالية من أصولها، وكانت هيئة الأوقاف المصرية (المدعى عليها) قد جحدت تلك الصور الضوئية المُقدمة منها، الأمر الذي يُفقدها حُجيتها في الإثبات، ومن ثم يتعين الالتفات عن تلك المستندات بالكلية وعدم العويل عليها. 

3- هيئة الأوقاف المصرية تدفع بعدم قبول الدعوى الماثلة – وطلب التدخل الهجومي فيها – لرفعهما بغير الطريق الذي رسمه القانون رقم 7 لسنة 2000 بشأن لجان التوفيق في المنازعات:
حيث تنص المادة 1 من القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق في المنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفاً فيها، على أن:
"ينشأ في كل وزارة أو محافظة أو هيئة عامة أو غيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة لجنة أو أكثر للتوفيق في المنازعات المدنية التجارية والإدارية التي تنشأ بين هذه الجهات وبين العاملين بها أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة ...".
كما تنص المادة 4 من ذات القانون على أن:
"عدا المنازعات التي تكون وزارة الدفاع والإنتاج الحربي أو أي من أجهزتها طرفاً فيها، وكذلك المنازعات المتعلقة بالحقوق العينية العقارية، أو تلك التي تفردها القوانين بأنظمة خاصة، أو توجب فضها أو تسويتها أو نظر التظلمات المتعلقة بها عن طريق لجان قضائية أو إدارية أو يتفق على فضها عن طريق هيئات تحكيم، تتولى اللجان المنصوص عليها في المادة الأولى من هذا القانون التوفيق بين أطراف المنازعات التي تخضع لأحكامه، ويكون اللجوء إلى هذه اللجان بغير رسوم".
كما تنص المادة 11 من ذات القانون على إنه:
"عدا المسائل التي يختص بها القضاء المستعجل ومنازعات التنفيذ والطلبات الخاصة بالأوامر على العرائض والطلبات الخاصة بأوامر الأداء وطلبات إلغاء القرارات الإدارية المقترنة بطلبات وقف التنفيذ. لا تقبل الدعاوى التي ترفع ابتداء إلى المحاكم بشأن المنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار التوصية أو الميعاد المقرر لعرضها دون قبول وفقاً لحكم المادة السابقة".
كما تنص المادة 14 من القانون سالف الذكر على أن:
"ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به اعتباراً من أول أكتوبر سنة 2000".
كما تنص المادة 115 من قانون المرافعات على أن:
"الدفع بعدم قبول الدعوى يجوز إبداؤه في أي حالة تكون عليها الدعوى".
ومن المقرر فقهاً أن:
"المشرع قد جعل اللجوء إلى لجان التوفيق وجوبياً في المنازعات الخاضعة لأحكام قانون لجان التوفيق، ومن ثم فلجوء صاحب الشأن إلى المحكمة مباشرة دون عرض النزاع على لجان التوفيق ودون مراعاة الإجراءات والمواعيد المنصوص عليها في القانون في شأن المنازعات الخاضعة لأحكامه يترتب عليه أن تكون الدعوى غير مقبولة لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون".
(لطفاً، المرجع: "قانون لجان التوفيق في بعض مُنازعات الدولة" – للمُستشار/ عبد الرحيم على محمد – الطبعة الثانية – صـ 13).
ومن المقرر فقهاً كذلك أن:
"صياغة نص المادة الحادية عشر سالفة البيان جاءت صريحة وواضحة في أن اللجوء إلى لجان التوفيق بالنسبة للمنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون قد أصبح وجوبياً حيث رتبت هذه المادة جزاء على مخالفة ذلك وهو عدم قبول الدعوى. ولا يقتصر الوجوب على مجرد تقديم الطلب، بل يجب الانتظار إلى حين فوات ميعاد الستين يوماً المقررة لإصدار توصية اللجنة خلالها في حالة عدم إصدار اللجنة لتوصيتها.
فلا يجوز لذوي الشأن اللجوء إلى المحاكم إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المختصة وفوات الميعاد المقرر لإصدار التوصية وفوات الميعاد المقرر لعرضها دون قبول وإلا كانت الدعوى غير مقبولة لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون".
(لطفاً، المرجع: "قانون لجان التوفيق في بعض مُنازعات الدولة" – للمُستشار/ عبد الرحيم على محمد – الطبعة الثانية – صـ 242 ، 243).
علماً بأن الإجراءات والمواعيد المنصوص عليها بالمادة الحادية عشر سالفة الذكر تتعلق بالنظام العام، وبالتالي فإن اللجوء إلى المحاكم المختصة مباشرة في منازعة خاضعة لأحكام هذا القانون دون مراعاة الإجراءات والمواعيد المذكورة يترتب عليه عدم قبول الدعوى وتقضي به المحكمة من تلقاء نفسها.
        فالمقرر في قضاء محكمة النقض أن:
"الدفع بعدم قبول الدعوى لعدم مراعاة الإجراءات والمواعيد المنصوص عليها يعتبر دائماً مطروح على محكمة الموضوع لتعلقه بالنظام العام ولو لم يدفع به أمامها فلا يسقط الحق في التمسك به ويتعين على المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها".
(نقض مدني في الطعن رقم 504 لسنة 61 قضائية – جلسة 1/3/1998.
مشار إليه في: "قانون لجان التوفيق في بعض مُنازعات الدولة" – للمُستشار/ عبد الرحيم على محمد – الطبعة الثانية – صـ 243).
لما كان ذلك، وكانت الدعوى الماثلة – وطلب التدخل الهجومي فيها – ليسا من المنازعات المستثناة من العرض على اللجان المنصوص عليها بالقانون رقم 7 لسنة 2000، وقد خلت أوراق الدعوى مما يؤشر على سلوك المدعون والخصمة المتدخلة هجومياً هذا الطريق الإجرائي، ومن ثم يكون قد تنكبوا الدرب السديد مما يجعل اتصال المحكمة بهذه الدعوى وطلب التدخل قد وقع على غير مراد الشارع، ويكون الدفع بعدم قبول التدخل قد صادف صحيح القانون لرفعه بغير الطريق الذي رسمه القانون رقم 7 لسنة 2000.

4-   هيئة الأوقاف المصرية تطلب رفض الدعوى الماثلة:
استناداً إلى ما هو مقرر قانوناً من عدم جواز الجمع "البدلين" ثمن الأرض وريعها، حيث قبض المدعون أصلياً ثمن أرض وقف التداعي – حسبما قدره الخبير المنتدب في الدعوى رقم 1885 لسنة 1985 مدني كلي حكومة قنا – والذي تم تنفيذه بالفعل وسداد مبلغ التعويض كثمن تلك الأرض، وفقاً لمنطوق الحكم المذكور.
حيث إنه بجلسة 31/4/1994 صدر الحكم في الدعوى رقم 1885 لسنة 1985 مدني كلي قنا، مُثبتاً في حيثياته أن: "... أعيان التداعي قد خرجت عن ملكية المستحقين من المدعين بالاستيلاء عليها وتخصيصها للمنفعة العامة، بما مؤداه نزع ملكيتها واقتضاء المدعين ما يعادل ثمنها تعويضاً ...". (صـ 6 من ذلك الحكم). ومن ثم قضى ذلك الحكم – في البند رابعاً منه – بإلزام وزارة الأوقاف وهيئة الأوقاف المصرية بأن يؤديا للمدعين مبلغاً وقدره: 696797.50جم (فقط ستمائة وستة وتسعون ألف وسبعمائة وسبعة وتسعون جنيهاً ونصف الجنيه)، تعويضاً يعادل ثمن أعيان التداعي، يقسم بينهم كل بما يعادل قيمة نصيبه وحصته المستحقة لها في أعيان الوقف".
وثابت بمحضر تنفيذ ذلك الحكم (بسداد التعويض الذي يعادل ثمن أرض التداعي) أنه: "... أصبحت أعيان التداعي ملك هيئة الأوقاف المصرية ولها الحق في مطالبة واضعي اليد بما تراه من ريع أو إيجار أو خلافه، وهذا محضر تنفيذ بذلك"، ووقع على ذلك المحضر وكيل المدعين القائم بتنفيذ الحكم لصالحهم (بموجب توكيلات رسمية).
ومن ثم، فبعد أن قبض المدعون ثمن أرض التداعي، فليس لهم قانوناً أن يطالبوا بريعها أو ثمارها، لأنه من المستقر عليه قانوناً عدم جواز الجمع بين "البدلين" الثمن والريع.
فمن المقرر في قضاء محكمة النقض أن:
"نص الفقرة الأولى من المادة 458 من القانون المدني صريح فى أن للبائع الفوائد القانونية عما يدفع من الثمن متى كان قد سلم المبيع للمشترى وكان هذا المبيع قابلاً لإنتاج ثمرات أو إيرادات أخرى. وتجب هذه الفوائد بغير حاجة إلى وجود اتفاق عليها ولا يعفى المشترى منها إلا إذ وجد اتفاق أو عرف يقضى بهذا الإعفاء، ولم تشترط المادة لاستحقاق الفوائد فى هذه الحالة إعذار المشترى كما لم يفرق بين ما إذا كان الثمن الذى لم يدفع حال الأداء أو مؤجلا.  وحكم هذه المادة يقوم على أساس من العدل الذى يأبى أن يجمع المشترى بين ثمرة البدلين - المبيع والثمن ".  
(نقض مدني في الطعن رقم 66 لسنة 34 قضائية – جلسة 18/5/1967 مجموعة المكتب الفني – السنة 18 – صـ 1068 – فقرة 1).
وقد تواتر قضاء محكمة النقض على أن:
"نص الفقرة الأولى من المادة 458 من القانون المدني – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – صريح في أن للبائع الفوائد القانونية عما لم يدفع من الثمن متى كان قد سلم المبيع للمشتري وكان هذا المبيع قابلاً لإنتاج ثمرات أو إيرادات أخرى، وتجب هذه الفوائد بغير حاجة إلى وجود اتفاق عليها ولا يعفى المشتري منها إلا إذا وجد اتفاق أو عرف يقضي بهذا الإعفاء، ولم تشترط المادة لاستحقاق الفوائد في هذه الحالة إعذار المشتري أو المطالبة بها قضائياً بل يكفي مجرد التمسك بها، كما أنها لم تفرق بين ما إذا كان الثمن الذي لم يدفع حال الأداء أو مؤجلاً بل أن المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي صرحت بأن المشتري يلتزم بالفوائد القانونية في هذه الحالة ولو لم يكن الثمن مستحقاً، وحكم هذه المادة يقوم على أساس من العدل الذي يأبى أن يجمع المشتري بين ثمرة البدلين – المبيع والثمن – ويعتبر استثناء من القاعدة المقررة في المادة 226 من القانون المدني والتي تقضي بأن الفوائد القانونية لا تستحق إلا عن دين حل أداؤه وتأخر المدين في الوفاء به ومن تاريخ المطالبة القضائية بها". 
(نقض مدني في الطعن رقم 92 لسنة 79 قضائية – جلسة 23/5/2010. منشور: بالكتاب الدوري "أحدث الأحكام المدنية والجنائية" - إصدار مركز الأبحاث والدراسات القانونية - بالعدد السادس عشر - أكتوبر 2011 - الحكم رقم 478 - صـ 12 وما بعدها).
وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، ولما كان الثابت بالأوراق أن المدعين قد تحصلوا على حكم بريع أعيان وقف التداعي حتى عام 1985 وبذات الحكم قُضِيَ لهم بثمن تلك الأعيان، وقاموا بتنفيذ ذلك الحكم وقبضوا ثمن أعيان وقف التداعي، ووقع ممثلهم في محضر تنفيذ ذلك الحكم بأن تلك الأعيان قد أصبحت مملوكة لهيئة الأوقاف المصرية (بعد قبضهم ثمنها منها)، ومن ثم تكون دعواهم الماثلة بالمطالبة بريع تلك الأعيان قد جاءت بالمخالفة لحقيقة الواقع وصحيح القانون خليقة بالرفض، وهو ما تتمسك به هيئة الأوقاف المصرية على سبيل الجزم واليقين.
        مع الأخذ بعين الاعتبار أن:
-   المدعين في الدعوى الماثلة لم يقدموا صورة رسمية من حجة وقف التداعي،
-   فضلاً عن وجود حصة "خيرات" في ذلك الوقف ولم يتم فرزها وتجنيبها حتى الآن، ومن ثم تكون دعوى المطالبة بريع كامل أعيان الوقف قد جاءت على غير سند صحيح من القانون فضلاً عن رفعها قبل الأوان (قسمة أعيان الوقف وفرز وتجنيب حصة الخيرات فيه).
-     إن الأعيان المطالب بها من قِبل المدعين في الدعوى الماثلة (وقدرها 4س 17ط 6ف) تزيد على أعيان وقف التداعي (وقدرها 20س 4ط 5ف – طبقاً للحكم رقم 1885 لسنة 1985)، وتلك الزيادات تدخل في حوض "داير الناحية" وليس في حوض "العرمانية" طبقاً لكشف تحديد المساحة رقم 677 لسنة 1984 مكتب مساحة قنا، وإن المدعين قبضوا ثمن المساحة الحقيقية تنفيذاً للحكم رقم 1885 لسنة 1985 وإن تقرير الخبرة قدر الريع عن تلك المساحة الزائدة والتي ليست من ضمن أعيان وقف التداعي أصلاً.

5- هيئة الأوقاف المصرية تدفع بعدم قبول طلب التدخل الهجومي لرفعه من غير ذي صفة وعلى غير ذي صفة بالنسبة لهيئة الأوقاف:
حيث إنه من المقرر في قضاء محكمة النقض أن دعوى الاستحقاق في الوقف لا تقبل إلا من ذي شأن له صلة بالوقف، والتعرض لموضوع الاستحقاق قبل تحقيق هذه الصلة والتحقق منها – خطأ. فقد تواتر قضاء محكمة النقض على أن:
"دعوى الاستحقاق في الوقف لا تقبل إلا من ذوي شأن له صلة بالوقف، هو ومن يدعي إنه تلقى الاستحقاق عنه، بحيث لا يكون لقاضي الدعوى أن يعرض لموضوع هذا الاستحقاق أو أن يمهد لقضائه فيه، قبل تحقيق هذه الصلة والتحقق منها".
(نقض مدني في الطعن رقم 11 لسنة 33 قضائية – جلسة 30/6/1965 مجموعة المكتب الفني – السنة 17 – صـ 858. ومشار إليه في: "موسوعة الأوقاف – أحكام القضاء في الوقف" – للمستشار/ أحمد أمين حسان والأستاذ/ فتحي عبد الهادي – طبعة 2002 منشأة المعارف الإسكندرية – المبدأ رقم 25 – صـ 213).
        وعليه، فطالما لم تثبت الخصمة المتدخلة هجومياً في الدعوى الماثلة صلتها بالوقف، هي ومن تدعي أنها تلقت الاستحقاق عنهم، وبالتالي فإن الدعوى الماثلة تكون مقامة من غير ذي صفة، ولا يقبل التعرض لموضوعها قبل تحقيق هذه الصلة والتحقق منها وإلا كان الحكم خاطيء. ومن ثم يكون الدفع المبدى من هيئة الأوقاف المصرية بعدم قبول الدعوى الماثلة لرفعها من غير ذي صفة قد صادف حقيقة الواقع وصحيح القانون خليقاً بالقبول والقضاء بمقتضاه.
* هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هيئة الأوقاف المصرية بصفتها نائبة قانونية عن وزير الأوقاف الناظر القانوني على الأوقاف في مصر، تدير أموال وأعيان الأوقاف لصالح وزارة الأوقاف، وتدفع الهيئة ما تحصله من ريع لوزارة الأوقاف، لتتولى وزارة الأوقاف – من بعد – محاسبة المستحقين في الأوقاف وتوزيع ذلك الريع طبقاً لقواعدها.
حيث تنص – على ذلك صراحة – المادة الخامسة من القانون رقم 80 لسنة 1971 بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية، والتي تقضي بأن:
"تتولى الهيئة نيابة عن وزير الأوقاف بصفته ناظراً على الأوقاف الخيرية إدارة هذه الأوقاف واستثمارها والتصرف فيها على أسس اقتصادية بقصد تنمية أموال الأوقاف باعتبارها أموالاً خاصة وتتولى وزارة الأوقاف تنفيذ شروط الواقـفـين والأحكام والقرارات النهائية الصادرة من اللجان والمحاكم بشأن القسمة أو الاستحقاق أو غيرها وكذلك محاسبة مستحقي الأوقاف الأهلية وفقاً لأحكام القانون رقم 44 لسنة 1962 المشار إليه وذلك من حصيلة ما تؤديه الهيئة إلى الوزارة".
كما تنص المادة السادسة من ذات القانون على أنه:
"على الهيئة أن تؤدى إلى وزارة الأوقاف صـافى ريـع الأوقـاف الخيرية لصرفه وفقاً لشروط الواقفين ...".
وهدياً بما تقدم، فإن طلب التدخل الهجومي بطلب محاسبة ناظر الوقف عن ريع الوقف والاستحقاق فيه، يجب أن توجه لوزير الأوقاف فقط دون غيره، فالوزير هو صاحب الصفة الوحيد في محاسبة المستحقين وصرف ريع الوقف وتسليمهم أعيان الأوقاف الأهلية، أما هيئة الأوقاف فهي جهة تحصيل الريع لدفعه لوزارة الأوقاف فقط لا غير، وعليه تكون الدعوى الماثلة مقامة على غير ذي صفة بالنسبة لهيئة الأوقاف المصرية.

6- هيئة الأوقاف المصرية – على سبيل الاحتياط الكلي – توجه دعوى ضمان فرعية ضد كل من: مجلس محلي مدينة قنا ووزارة التربية والتعليم:
حيث تنص المادة 121/1 مرافعات على أنه:
"إذا أمرت المحكمة بضم طلب الضمان إلى الدعوى الأصلية يكون الحكم الصادر على الضامن عند الاقتضاء حكماً للمدعي الأصلي ولو لم يكن قد وجه إليه طلبات".
        ومعنى الضمان في قانون المرافعات أوسع من معناه في القانون المدني، فهو في قانون المرافعات يشمل كل حالة يكون فيها للملتزم بالدين حق الرجوع على شخص آخر لمطالبته بكل أو بعض ما أداه للدائن.
        ويكون لطالب الضمان أن يرفع دعوى الضمان على الضامن إما بطلب أصلي أو بطلب عارض. وفي دعوى الضمان الفرعية يكلف فيها طالب الضمان ضامنه بالدخول في الخصومة القائمة بينه وبين الغير ليسمع الحكم بإلزامه بتعويض الضرر الذي يصيب مدعي الضمان من الحكم عليه في الدعوى الأصلية.
(لطفاً، المرجع: "التعليق على قانون المرافعات" – للمستشار/ عز الدين الدناصوري – الجزء الأول – الطبعة الثامنة 1996 القاهرة – صـ 119 وما بعدها).
ومن المُقرر في قضاء النقض أن:
"الضامن المدخل فى الدعوى للقضاء عليه بنسبة معينة من المبلغ الذى عساه أن يحكم به على المدعى عليه فى الدعوى الأصلية ـ طالب الضمان ـ يعد خصماً حقيقياً وذا شأن فى الدعوى ومن ثم يتعين على الخبير دعوته طبقاً لما تستوجبه المادة 236 من قانون المرافعات، ولا يغير من ذلك أن يكون الضامن قد تخلف عن الحضور أمام المحكمة الابتدائية. ولم يبد فى الاستئناف دفاعاً مستقلاً عن الدفاع الذى أبداه المدعى عليه فى الدعوى الأصلية بل اقتصر على الانضمام إلى الأخير إذ أن ذلك ليس من شأنه أن يبرر عدم دعوة الخبير له لأن انضمام الضامن للمدعى عليه مقتضاه أن يعتبر الدفاع المقدم من هذا المدعى عليه وكأنه مقدم من الضامن وأن يعتبر الأخير منازعاً للمدعى فى دعواه الأصلية على أساس ما ورد بهذا الدفاع".
(نقض مدني في الطعن رقم 225 لسنة 31 قضائية – جلسة 13/1/1966 مجموعة المكتب الفني – السنة 17 – صـ 133 – فقرة 3).
ومن المقرر في قضاء محكمة النقض أن:
"الاستئناف المرفوع من الضامن في الحكم الصادر ضده لصالح المدعي في الدعوى الأصلية لا يطرح على محكمة الاستئناف دعوى الضمان الفرعية وحدها، وإنما يطرح عليها الدعويين معاً، الأصلية والفرعية، بحيث يكون لها أن تحكم للمدعي الأصلي على الضامن أو على مدعي الضمان حسبما يتراءى لها من توافر أركان المسئوليتين. والارتباط الوثيق بين الدعويين الأصلية والفرعية يقتضي أن يتناول الاستئناف المرفوع من الضامن، بحث أصل الخصومة، ومدى مسئولية كل من المدين والضامن عن الضرر".
(نقض مدني جلسة 3/6/1971 مجموعة المكتب الفني – السنة 22 – صـ 724).
        وهدياً بما تقدم، ولما كانت أعيان الأوقاف قد سلمتها "وزارة الأوقاف" إلى المجالس المحلية، تنفيذاً وتطبيقاً للقانون رقم 44 لسنة 1962 الخاص بتسليم الأعيان التي تديرها وزارة الأوقاف إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي والمجالس المحلية.
        ولما كانت هيئة الأوقاف المصرية لم تبرز إلى حيز الوجود إلا بصدور قانون إنشائها رقم 80 لسنة 1971، ولم يتم تنظيم العمل بهيئة الأوقاف إلا بموجب القانون رقم 1141 لسنة 1972 الخاص بتنظيم العمل بالهيئة، وإذ نصت أحكام قانون إنشاء الهيئة على تسليم أعيان الأوقاف من المجالس المحلية إلى هيئة الأوقاف المصرية لإدارتها.
        إلا أن مجلس محلي مدينة قنا لم يقم مطلقاً بتسليم أعيان وقف التداعي، والتي استلمها من وزارة الأوقاف في عام 1966، إلى هيئة الأوقاف المصرية، بل وقصر وأهمل في إدارتها وتخلى عنها – وهو لا يملك قانوناً التصرف فيها – لبناء مساكن لضباط الشرطة عليها ولبناء مدرسة ثانوية عليها كذلك، وإذ صدر الحكم رقم 1885 لسنة 1985 مدني كلي حكومة قنا قاضياً بإلزام هيئة الأوقاف المصرية بدفع ثمن أعيان وقف التداعي إلى المدعين، كما أقام هؤلاء المدعون الدعوى الماثلة مطالبين بريع تلك الأعيان (التي قبضوا ثمنها، وتصرف فيها من قبل مجلس محلي مدينة قنا)، وعليه: يحق لهيئة الأوقاف المصرية توجيه دعوى ضمان فرعية ضد كل من: مجلس محلي مدينة قنا ووزارة التربية والتعليم، فالأول (مجلس مدينة قنا) تصرف في أعيان التداعي وتخلى عنها لبناء مساكن ضباط الشرطة عليها، والثاني: وزارة التربية والتعليم أقام مدرسة ثانوية على أرض وقف التداعي، وكلاهما لم يرد تلك الأعيان مطلقاً لهيئة الأوقاف المصرية التي دفعت ثمنها للمدعين المطالبين بريعها في الدعوى الماثلة، وتطلب هيئة الأوقاف المصرية في دعواها الفرعية بالضمان: إلزام كلا من مجلس محلي مدينة قنا ووزارة التربية والتعليم بما عساه أن يقضى به على هيئة الأوقاف المصرية في الدعوى الماثلة، وكذلك بإلزامهما بحصتها في قيمة ثمن أعيان وقف التداعي الذي دفعته هيئة الأوقاف المصرية إلى هؤلاء المدعين.
        * وفي حالة وجود أية أعيان أو مساحات أخرى خلاف الصادر بشأنها الحكم رقم 1885 لسنة 1985 في الدعوى الماثلة، فإنه يتم محاسبة واضع اليد عليها، وعلى فرض وجود أي أعيان أو مساحات منها في وضع يد الأوقاف فلا يتم محاسبة الأوقاف عليها إلا من تاريخ استلامها من المجلس المحلي لمدينة قنا، أما قبل ذلك التاريخ فالمسئول عن تلك الأعيان والمحاسبة عن ريعها هو مجلس محلي مدينة قنا الذي استلمها وزارة الأوقاف تنفيذاً للقانون رقم 44 لسنة 1966 سالف الذكر.

ثالثاً- الطلبات
لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة المحكمة من أسباب أصوب وأرشد، تلتمس هيئة الأوقاف المصرية الحكم لها في الدعوى الماثلة بما يلي:
1-  بصفة أصلية: بعدم اختصاص المحكمة محلياً بنظر الدعوى، وبإحالتها بحالتها لمحكمة الجيزة الابتدائية.
2-  وبصفة احتياطية: بعدم قبول الدعوى – والتدخل الهجومي فيها – لرفعهما بغير الطريق الذي رسمه القانون رقم 7 لسنة 2000 بشأن لجان التوفيق في بعض المنازعات.
3-   وعلى سبيل الاحتياط الكلي: (وعلى الترتيب التالي)..
أ‌.  بعدم قبول طلب التدخل الهجومي لرفعه من غير ذي صفة؛ وعلى غير ذي صفة بالنسبة لهيئة الأوقاف المصرية.
ب‌. برفض الدعوى وطلب التدخل الهجومي موضوعاً.
-   وفي جميع الأحوال: بإلزام المدعين والخصمة المتدخلة هجومياً بمصروفات الدعوى والتدخل، ومقابل أتعاب المحاماة. 
مع حفظ كافة حقوق الأوقاف الأخرى،،،