الجمعة، 23 أكتوبر 2009

مذكرة لتنفيذ حكم قضائي نهائي

مذكرة لتنفيذ حكم قضائي نهائي

البحث القانوني

حجية الأحكام النهائية:

يقصد بحجية الأمر المقضي أن القرار القضائي (الحكم) إذ يطبق إرادة القانون في الحالة المعينة فإنه يحوز الاحترام، سواء أمام المحكمة التي أصدرته أو أمام المحاكم الأخرى، بحيث إذا رفع أحد الخصوم نفس الدعوى التي فصل فيها مرة أخرى تعين عدم قبولها، وإذا أثير ما قضى به أمام القضاء وجب التسليم به دون بحث مجدد.

فحجية الأمر المقضي تبدو في أثرين: أحدهما سلبي والآخر إيجابي، هما:

أ‌- الأثر السلبي – عدم جواز إعادة النظر في الدعوى: فلا يجوز رفع نفس الدعوى مرة أخرى بعد الفصل فيها، ولو قدمت في الخصومة الجديدة أدلة واقعية أو أسانيد قانونية لم يسبق إثارتها في الخصومة الأولى. وعدم جواز إعادة النظر في الدعوى يقيد القاضي الذي تطرح عليه الدعوى من جديد، كما يقيد الخصوم فيها. ويستوي أن يكون الخصم قد كسب الدعوى أم خسرها.

ب‌- الأثر الإيجابي – احترام ما قضي به: وهذا الأثر يسري أيضاً في مواجهة الخصوم والقاضي. فللخصم الذي أكد القضاء حقه أن يتمتع بحقه وبمزاياه، وإذا رفع دعوى استناداً إليه، فعلى القاضي احترام التأكيد الذي قضي به. ولهذا إذا قضي بعزل وكيل، ورفع الموكل دعوى لمطالبته بالمستندات التي تحت يده، فيجب على المحكمة التي تنظر الدعوى أن تسلم بما قضى به من عزل الوكيل فلا تناقشه من جديد. (المصدر: "الوسيط في شرح قانون القضاء المدني" – للدكتور/ فتحي والي – الطبعة الثانية 1981 القاهرة – بند 87 – صـ 161).

السند التنفيذي:

تنص المادة 280 مرافعات على أنه: "لا يجوز التنفيذ الجبري إلا بسند تنفيذي اقتضاء لحق محقق الوجود ومعين المقدار وحال الأداء. والسندات التنفيذية هي: الأحكام والمحررات الموثقة ومحاضر الصلح التي تصدق عليها المحاكم أو مجالس الصلح والأوراق الأخرى التي يعطيها القانون هذه الصفة. ولا يجوز التنفيذ في غير الأحوال المستثناة بنص القانون إلا بموجب صورة من السند التنفيذي عليها صيغة التنفيذ التالية: "على الجهة التي يناط بها التنفيذ أن تبادر إليه متى طلب منها وعلى السلطات المختصة أن تعين على إجرائه ولو باستعمال القوة متى طلب إليها ذلك".

والأحكام (النهائية الحائزة لقوة وحجية الأمر المقضي به)، كسند تنفيذي، تصدر بعد تحقيق كامل وتتضمن تأكيداً قضائياً لوجود حق "الدائن"، فالحكم هو: "عنوان الحقيقة".

والأحكام الحائزة لقوة الشيء المحكوم فيه تقبل التنفيذ ولا يمنع من تنفيذها قابليتها للطعن فيها بالتماس إعادة النظر أو النقض ولا الطعن فيها بأحد هذين الطريقين بالفعل، والأحكام الحائزة لقوة الشيء المحكوم به هي الأحكام التي لا تقبل الطعن فيها بالاستئناف سواء أكانت صادرة من محاكم الدرجة الثانية أم من محاكم الدرجة الأولى وذلك في حالة صدورها في حدود نصابها الانتهائي أو في حالة سقوط الحق في استئنافها بانقضاء الميعاد أو في حالة سقوط الخصومة في الاستئناف (بعد رفعه، أو بطلان صحيفته، أو اعتباره كأن لم يكن، أو بشطبه). (المصدر: "التعليق على قانون المرافعات" – للمستشار/ عز الدين الدناصوري وحامد عكاز – الجزء الثاني – الطبعة الثامنة 1996 القاهرة – شرح المادة 280 – صـ 592 وما بعدها).

ويكون للحكم قوة لتنفيذ ما أمر به في منطوقه. فإذا حدث ولم يعين المنطوق ما ينصب عليه التنفيذ، فيكون إجراء التنفيذ على أساس ما يبين من الحكم بالرجوع إلى ما تنازع فيه الطرفان أمام المحكمة وما جاء في أسباب الحكم، أي أن يكون الأساس هو: "تفهم مقتضى الحكم وتقصي مراميه" وتطبيقاً لهذا حكم بأنه عند تنفيذ الحكم بتسليم عقار فإنه يمكن الرجوع إلى أسباب الحكم لمعرفة أوصاف العقار الذي يراد تسلمه.

ومن المُتفق عليه فقهً وقضاءً أن الأحكام التي تنفذ تنفيذاً جبرياً هي فقط أحكام "الإلزام"، وذلك دون الأحكام "المُقررة" أو "المُنشئة"، وعله هذا أن حكم "الإلزام" هو وحده الذي يقبل مضمونه التنفيذ الجبري. (المصدر: "التنفيذ الجبري" – للدكتور/ فتحي والي – طبعة 1986 القاهرة – بند 19 وما بعده – صـ 37 وما بعدها).

محل التنفيذ:

محل التنفيذ في التنفيذ المباشر هو نفس محل حق الدائن الموضوعي الذي لم يف به المدين، وبعبارة أخرى هو نفس الشيء الذي كان يجب على المدين الوفاء به بمقتضى علاقة المديونية. فإذا كان على المدين أن يسلم حيواناً معيناً للدائن، ولم يقم بواجبه، حصل الدائن جبراً عنه على نفس هذا الحيوان.

أما محل التنفيذ بنزع الملكية فهو غير الشيء الواجب. فإذا كان على المدين أن يفي بمبلغ مائة جنيه للدائن، كان للدائن الحق في الحصول على مائة جنيه من المدين بضمان ذمته المالية. فإذا لم يف المدين، كان أي مال من أمواله محلاً للتنفيذ. وبهذا يمتد محل التنفيذ خارج الشيء الواجب، فبينما الشيء الواجب هو مائة جنيه، يصبح محل التنفيذ أي مال من أموال المدين، ومعنى هذا أن محل التنفيذ لا يحدده محل الحق الموضوعي. (المصدر: د. فتحي والي – المرجع السابق – بند 92 – صـ 177).

مُقدمات التنفيذ:

قبل إجراء التنفيذ الجبري، يوجب القانون القيام ببعض الأعمال الإجرائية التي لا تعتبر جزءاً من خصومة التنفيذ، من قبيل: إعلان السند التنفيذي قبل إجراء التنفيذ بميعاد معين:

حيث تنص المادة 281 مرافعات على أنه: "يجب أن يسبق التنفيذ إعلان السند التنفيذي لشخص المدين أو في موطنه الأصلي وإلا كان باطلاً. ويجب أن يشتمل هذا الإعلان على تكليف المدين الوفاء وبيان المطلوب وتعيين موطن مختار لطالب التنفيذ في البلدة التي بها مقر محكمة التنفيذ المختصة ... ولا يجوز إجراء التنفيذ إلا بعد مضي يوم على الأقل من إعلان السند التنفيذي".

فيجب على الدائن قبل اتخاذ إجراءات التنفيذ الجبري أن يعلن المدين بالسند التنفيذي وأن يشتمل الإعلان على تكليفه بالوفاء وإنذاره بأنه إذا لم يف فإن الحق سيستوفي جبراً عنه. وفائدة هذا الإعلان هو إخبار المدين بحق الدائن في التنفيذ الجبري ومداه، وتمكينه من مراقبة استعمال الدائن له. فيستطيع أن يعترض على التنفيذ إذا كان لديه وجه للاعتراض، أو أن يقوم بالوفاء اختياراً فيتجنب تحمل إجراءات التنفيذ الجبري. أما التكليف بالوفاء مع الإنذار، فإنه يرمي إلى تأكيد امتناع المدين عن الوفاء باعتباره اعتداء على حق الدائن يبرر الحماية القانونية بطريق التنفيذ الجبري. (المصدر: د. فتحي والي – المرجع السابق – بند 115 – صـ 231).

وتكليف المدين بالوفاء بالمطلوب، وتحذيره بأنه إذا لم يقم بالوفاء أجرى التنفيذ جبراً عنه، وتعيين موطن مختار لطالب التنفيذ في البلدة التي بها مقر محكمة التنفيذ المختصة، وقبض المحضر للدين. (المرجع السابق – نفس الموضع وما بعده).

مُنازعة التنفيذ الوقتية، وأثر رفع الإشكال الأول:

بينما لا يؤدي رفع "مُنازعة التنفيذ الموضوعية" – كقاعدة عامة – إلى وقف التنفيذ إلا ما استثناه القانون بنص خاص، فإن مُجرد رفع "مُنازعة التنفيذ الوقتية"( 1 ) يؤدي إلى وقف التنفيذ. ويستوي أن تقدم المُنازعة أمام المحضر عند التنفيذ أو أن ترفع مباشرة إلى قاضي التنفيذ. ويكون الأمر كذلك ولو رفعت المنازعة إلى محكمة غير مختصة.( 2 ) (المصدر: د. فتحي والي – المرجع السابق – بند 388 – صـ 689 وما بعدها).

فرق القانون بين الإشكال الأول والإشكال الثاني. فوفقاً للمادة 312/4 لا يترتب على تقديم أي إشكال آخر وقف التنفيذ ما لم يحكم قاضي التنفيذ بالوقف. ومعنى هذا أن الإشكال الثاني (أو الآخر) – على خلاف الإشكال الأول – لا يترتب على تقديمه وقف التنفيذ( 3 ). ذلك أن المشرع قد افترض في رافعه سوء النية والرغبة في عرقلة التنفيذ. ولهذا فإن الإشكال الثاني لا يوقف التنفيذ إلا إذا حكم القاضي بوقفه بعد نظر الإشكال. (المصدر: د. فتحي والي – المرجع السابق – بند 389 – صـ 691).

جريمة الامتناع عن تنفيذ حكم القضاء:

تكون الأحكام الصادرة ضد الجهات الحكومية واجبة التنفيذ إذا توافرت فيها شروط الصلاحية للتنفيذ، وهي بالنسبة إلى الأحكام الصادرة في المواد المدنية: أن تكون نهائية أو مشمولة بالنفاذ المُعجل – كما يُشترط أن تكون مذيلة بالصيغة التنفيذية ومعلنة إلى الجهات الحكومية – ولا يوجد إشكال في تنفيذها لم يُفصل فيه بعد.

ولكن قد يتأخر تنفيذ الأحكام بمبرر قانوني: مثل عدم توافر الاعتمادات المالية إلى أن تتوافر هذه الاعتمادات في ميزانية السنة المالية التالية.

بل قد تمتنع جهة الإدارة عمداً عن تنفيذ الأحكام ويكون امتناعها له مبرر قانوني، وذلك إذا كان يترتب على تنفيذها جبراً حدوث قلاقل أو اضطرابات أو فتن تمس الأمن والنظام.

كما قد يكون الامتناع عن التنفيذ بدون مبرر قانوني وتعنتاً من الموظف المختص بالتنفيذ والذي يعد تدخله ضرورة حتمية لإجراء التنفيذ لأن الأحكام الصادرة ضد الجهات الحكومية لا يجوز تنفيذها بالطريق الجبري لأنه لا يجوز الحجز على أموال الدولة العامة والخاصة على السواء.

وهذا التعنت من الموظف المختص بالتنفيذ يعتبر جريمة خطيرة لأنه كما تقرر محكمة القضاء الإداري: "ينطوي على مخالفة لقوة الشيء المقضي به، وهي مخالفة قانونية لمبدأ أساسي، وأصل من الأصول القانونية تمليه الطمأنينة العامة وتقضي به ضرورة استقرار الحقوق والروابط الاجتماعية استقراراً ثابتاً، ولذلك تعتبر المخالفة القانونية في هذه الحالة خطيرة وجسيمة، لما تنطوي عليه من خروج سافر على القوانين فهي عمل غير مشروع ومعاقب عليه بالمادة 123 من قانون العقوبات". (الطعن رقم 88 لسنة 3 قضائية – جلسة 29/6/1950).

وقد عالج المشرع جريمة تعطيل تنفيذ الأحكام والأوامر والامتناع عن تنفيذها في المادة 123 من قانون العقوبات التي تنص على أن: "يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي استعمل وظيفته في وقف تنفيذ الأوامر الصادر من الحكومة أو أحكام القوانين واللوائح أو تأخير تحصيل الأموال والرسوم أو وقف تنفيذ حكم أو أمر صادر من المحكمة أو من أية جهة مختصة. كذلك يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي امتنع عمداً عن تنفيذ حكم أو أمر مما ذكر بعد مضي ثمانية أيام من إنذاره على يد محضر إذا كان تنفيذ الحكم أو الأمر داخلاً في اختصاص الموظف".

كما أن الدستور رأي أن في تعطيل تنفيذ الأحكام أو الامتناع عن تنفيذها مساس بمبدأ سيادة القانون، فنص عليها في صلب الدستور وأباح للمتضرر رفع دعوى الجنحة المباشرة ضد الموظف المختص المسئول وذلك استثناء من نص المادة 63 من قانون الإجراءات الجنائية التي تحظر رفع الدعوى الجنائية ضد الموظف العام لجريمة وقعت منه أثناء أو بسبب وظيفته إلا بإذن من النائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة، فنصت المادة 72 من الدستور الدائم لسنة 1971 على أنه: "تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين جريمة يعاقب عليها القانون. وللمحكوم له في هذه الحالة حق رفع الدعوى الجنائية مباشرة إلى المحكمة المختصة". (المصدر: بحث بعنوان "جريمة الامتناع عن تنفيذ الأحكام عمداً" – للمستشار/ ذكريا مصيلحي عبد اللطيف – منشور بمجلة "إدارة قضايا الحكومة" – العدد 3 – السنة الحادية والعشرون – يوليو/سبتمبر 1977 – صـ 5 وما بعدها).

وحيث أنه لا يوجد سبب قانوني جد بعد صدور الحكم يجيز لهيئة الأوقاف المصرية الاستشكال في تنفيذ الحكم، كما أن إقامة الإشكال بدون سند قانوني صحيح مصيره الرفض، فضلاً عن أن هيئة قضايا الدولة قد رأت عدم الطعن على الحكم الاستئنافي بطريق النقض، كما أن الصادر لصالحه الحكم قد أعلن هيئة الأوقاف بالصيغة التنفيذية لذلك الحكم، وخشية من إقامة جنحة مباشرة بتهمة عدم تنفيذ الأحكام ضد السيد المهندس/ رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية، لذلك..

ثالثاً- الرأي:

ولكل ما تقدم، أرى – لدى الموافقة – أن يتم تنفيذ الحكم رقم .......... لسنة .......... إيجارات كلي شمال القاهرة، والمؤيد استئنافياً بالاستئناف رقم .......... لسنة ........ قضائية "استئناف عالي القاهرة – مأمورية شمال"، والقاضي في منطوقه: بفسخ عقد الإيجار المؤرخين في 1/5/1990 والمبرم بين السيد/ .......... وهيئة الأوقاف المصرية، واعتبارهما عديمي الأثر. مع إلزام هيئة الأوقاف المصرية برد ما تسلمته من قيمة ايجارية عملاً لعقدي الإيجار المؤرخين في 1/5/1990 من السيد/ .................؛ وذلك بالشروط التالية:

1- تنفيذ الحكم طبقاً لمنطوقه.

2- التأكد من عدم سابقة الصرف أو التنفيذ.

3- التحقق من عدم وجود مانع من موانع الصرف أو التنفيذ.

4- التحقق من عدم وجود أية استحقاقات للخزانة العامة (كالضرائب والرسوم).

5- أخذ المُخالصة اللازمة على الصورة التنفيذية وسحبها من المحكوم لصالحه وحفظها لدى الهيئة ضمن مُستندات الصرف.

هذا، والله أعلى وأعلم،،،



( 1 ) ويُشترط في مُنازعة التنفيذ الوقتية: 1- أن يكون المطلوب إجراء وقتياً.. 2- شرط الاستعجال.. 3- أن تكون المنازعة من اختصاص جهة المحاكم.. 4- وجوب رفعها قبل تمام التنفيذ.

( 2 ) نقض مدني في 8 يناير 1979 في الطعن رقم 597 لسنة 44 قضائية. ويظل الأثر الواقف ولو حكم بعدم الاختصاص والإحالة. إذ هذا الحكم ينقل الدعوى بحالتها إلى المحكمة المحال إليها. ويعتبر صحيحاً أمامها ما تم من إجراءات قبل الإحالة بما في ذلك صحيفة الإِشكال وأثرها الواقف للتنفيذ. د. فتحي والي – المرجع السابق – بند 388 – صـ 689 – هامش 2 بذات الصفحة.

( 3 ) ويُلاحظ أن الإشكال لا يعتبر إشكالاً ثانياً إلا إذا سبقه إشكال أول. ولا تعتبر منازعة التنفيذ الموضوعية – ولو ترتب على رفعها وقف التنفيذ، كدعوى الاسترداد – إشكالاً، ولهذا فإنه إذا رفع إشكال بعد دعوى الاسترداد، فإن هذا الإشكال لا يعتبر لمجرد سبقه بدعوى استرداد إشكالاً ثانياً بل هو إشكال أول. د. فتحي والي – المرجع السابق – بند 389 – صـ 691 – هامش 1 بذات الصفحة.

لا تنتهي جميع الأحكار في عام 2009

لا تنتهي جميع الأحكار في عام 2009

الوقائع

لوقف الحرمين الشريفين بدمياط أرض محكرة مساحتها 45.35م2 (خمسة وأربعون متراً مربعاً وخمسة وثلاثون سنتيمتر مربع) كائنة 10 تنظيم حارة الخنساء ببندر دمياط بدمياط، مقام عليها منزل باسم ورثة/ ……………. ، وقد صدر القرار رقم 10 لسنة 1989 بإنهاء هذا الحكر، ونشر عنه بالجريدة الرسمية في سبتمبر 1989 وبجريدة الجمهورية في 15/9/1989، وقد عرض موضوع استبدال حق الحكر على اللجنة القضائية لإنهاء الأحكار المشكلة بالقانون رقم 43 لسنة 1982 بشأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة، وتداول أمامها بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 29/9/2009 صدر قرار اللجنة والذي جرى منطوقه على النحو التالي:

"أولاً- بيع مسطح العقار البالغ 45.35م2 (خمسة وأربعون متراً مربعاً وخمسة وثلاثون سنتيمتر مربع) الملك رقم 10 تنظيم حارة الخنساء ببندر دمياط بدمياط، والتابع لحكر وقف/ الحرمين الشريفين، وذلك وفقاً لنص المادة التاسعة من القانون رقم 43 لسنة 1982 لإنهاء الأحكار، بالمزاد العلني.

ثانياً- إخطار ذوي الشأن وهيئة الأوقاف المصرية بالقرار لاتخاذ شئونها".

وقد رأت لجنة مراجعة قرارات اللجان القضائية لإنهاء الأحكار بمذكرتها المؤرخة في 13/10/2009 الطعن على ذلك القرار استناداً إلى أن العقار محل التداعي، ولئن قد صدر قرار بإنهاء حق الحكر المترتب عليه ونشر طبقاً للقانون، إلا أن الثابت أنه لم يتم عرضه على اللجنة القضائية إلا بجلسة 26/3/2009.

وحيث أنه لما كان القانون المدني قد نص في المادة 999 منه على حد أقصى لمدة الحكر وهي ستون عاماً تنتهي بالنسبة للأحكار التي يسري عليها أحكامه في عام 2008 تعود بعدها العين المحكرة خالصة لجهة الوقف دون أي تعويض من ثمن الأرض، وفقط تعويضه عن البناء أو الغراس المقام عليها بأقل قيمتيه مستحقة الإزالة أو البقاء (المادة 1010 من القانون المدني).

وحيث أنه لما كان السيد الأستاذ/ المستشار نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس إدارة الفتوى لوزارات الصحة والأوقاف والتضامن الاجتماعي وشئون الأزهر، قد انتهى في مذكرة سيادته المؤرخة 11/9/2008 في الملف رقم 41/29/37 إلى:

"أولاً- انتهاء الأحكار التي مر عليها ستون عاماً دون حاجة إلى اتخاذ أي من الإجراءات المنصوص عليها بالقانون رقم 43 لسنة 1982 مع مراعاة ما تقضي به المادة 1010 من القانون المدني من أحكام. ؟!!!!

ثانياً- استمرار اللجنة القضائية المشكلة وفقاً لأحكام المادة الخامسة من القانون رقم 43 لسنة 1982 في نظر المنازعات المتعلقة بتطبيق أحكام المادتين 999 و 1010 من القانون المدني، وذلك كله على النحو المبين بالأسباب".

وحيث أنه لما كانت اللجنة القانونية المنبثقة عن مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية قد أبدت رأياً أيضاً في هذا الشأن مفاده:

1- إنه بحلول عام 2008 تعتبر جميع الأحكار منتهية بقوة القانون، وكل ما للمحتكر أو واضع اليد من حقوق: هو إزالة البناء أو الغراس أو تقاضي الأقل من قيمتها مستحقة الإزالة أو البقاء.؟!!!!

2- صدور قرار وزاري بإنهاء هذه الأحكار ونشره في الوقائع المصرية وجريدتين يوميتين وإعلان المحتكر أو واضع اليد الظاهر به.

3- تظل اللجان القضائية قائمة بتشكيلاتها التي يصدرها الأستاذ الدكتور/ وزير الأوقاف لمباشرة الاختصاص في تحديد المحتكر أو واضع اليد الظاهر أو ثمن ما على الأرض من بناء أو غراس عند المنازعة في أيا منها وكذلك بما هو معروض عليها من أحكار قبل عام 2008 إذ أن هذه الولاية أنيطت بها بحكم القانون لا تغل سلطتها إلا بأداة تشريعية موازية.

وحيث أنه لما كان البين مما سبق أن اللجنة القضائية لإنهاء الأحكار تختص حالياً بتحديد من هو المحتكر أو المنتفع الظاهر أو ثمن ما على الأرض من بناء أو غراس عند المنازعة في أيا منها وكذلك الاختصاص بالأحكار التي كانت معروضة عليها قبل عام 2008

وحيث أن الثابت أن الحالة المعروضة لم تعرض على اللجنة القضائية لإنهاء الأحكار قبل عام 2008، وأن أول عرض لها كان في 26/3/2009، وبالتالي ما كان المفروض عرض هذا الملف على اللجنة القضائية أو إصدار قرار من اللجنة على النحو سالف الذكر، ومن ثم يكون قرار اللجنة قد جاء مخالفاً لأحكام القانون متعيناً الطعن عليه.

ولا ينال من ذلك أن القرار صدر بالبيع بالمزاد العلني، ذلك لأن من شأن تنفيذ هذا القرار هو أحقية المستحكر في الحصول على 25% من ثمن الأرض بالإضافة لثمن المباني طبقاً لما يسفر عنه المزاد العلني، بينما لو طبق القانون واعتبار حكر العقار محل البحث منتهياً بقوة القانون على النحو الوارد تفصيلاً آنفاً، لكان حق المستحكر سينحصر في الحصول على قيمة البناء مستحقة الهدم فقط أي قيمة الأنقاض فقط وعدم أحقيته في الحصول على نسبة 25% من ثمن الأرض.

ومن ثم، فقد انتهى رأي لجنة مراجعة قرارات اللجان القضائية لإنهاء الأحكار إلى الطعن على ذلك القرار للأسباب سالفة الذكر. وقد قامت إدارة القضايا بالفعل بتحرير صحيفة الطعن وإعداد حافظة المستندات تمهيداً لإرسالهما لمنطقة الأوقاف بدمياط لقيدها ومباشرتها للاختصاص. إلا أنه يعن لي مناقشة أسانيد اللجنة الموقرة فيما استندت إليه في رأيها المتقدم ذكره، على نحو ما سيلي:

البحث القانوني:

تنص المادة الثانية من مواد إصدار القانون المدني الجديد رقم 131 لسنة 1948 والصادر في تاريخ 29/7/1948، على أن: "... يُعمل به ابتداءً من 15 أكتوبر سنة 1949".

ومن وقت العمل بالقانون المدني الجديد، في 15/10/1949، لا يجوز ترتيب حق الحكر على أرض غير موقوفة. طبقاً لنص المادة 1012 من القانون المدني الجديد، والتي تنص على أنه: "من وقت العمل بهذا القانون لا يجوز ترتيب حق حكر على أرض غير موقوفة ...".

وتنص المادة 999 من القانون المدني الجديد على أنه: "لا يجوز التحكير لمدة تزيد على ستين سنة. فإذا عينت مدة أطول أو أغفل تعيين المدة، اعتبر الحكر معقوداً لمدة ستين سنة".

وتنص المادة 187 من الدستور المصري الدائم على أنه: "لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها ...".

ومن ثم فإن أحكام القانون المدني الجديد لا تسري إلا على عقود التحكير المبرمة في ظله، أي اعتباراً من 15/10/1949، ولا تسري على عقود التحكير المبرمة في ظل القانون المدني القديم الذي كان معمولاً به أمام المحاكم الوطنية والصادر في 28 أكتوبر سنة 1883.

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "الأصل المُقرر دستورياً هو عدم سريان أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها فلا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها، وإن السلطة التشريعية تتخذ قراراتها بالأغلبية المطلقة للحاضرين من أعضائها، وإنه استثناء من هاتين القاعدتين أجاز الدستور في غير المواد الجنائية - النص في القانون على رجعية الآثار التي يرتبها، على أن يكون ذلك بموافقة أغلبية أعضاء السلطة التشريعية في مجموعهم، وهي أغلبية خاصة فرضها الدستور كضمانة أساسية للحد من الآثار التي تحدثها الرجعية في محيط العلاقات القانونية وتوكيداً لخطورتها في الأعم الأغلب من الأحوال، باعتبار ما قد تؤول إليه من مساس بالحقوق و إخلال بالاستقرار". (نقض مدني في الطعن رقم 27 لسنة 8 قضائية).

ولذلك فقد جرى قضاء محكمة النقض على أنه: "المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأحتكار من وضع فقهاء الشريعة الإسلامية، وهو عندهم عقد لإيجار يعطى للمحتكر حق البقاء والقرار على الأرض المحكورة ما دام يدفع أجرة المثل، ونصوا على أنه لو خرب بناء المحتكر أو جف شجرة ولم يبق لهما أثر في أرض الوقف ومضت مدة الأحتكار عادت الأرض إلى جهة الوقف ولم يكن للمحتكر ولا لورثته حق البقاء وإعادة البناء، ونصوا أيضاً على أنه إذا لم يمكن الانتفاع بالعين المؤجرة بفسخ العقد وتسقط الأجرة عن المحتكر عن المدة الباقية - لما كان ذلك - وكان البين من الأعمال التحضيرية للقانون المدني الحالي أن النصف المادة 999 منه على توقيت الحكر وتحديد مدته إنما يسرى على الأحكار الجديدة التي تنشأ فى ظل العمل به اعتبارا من 15/10/1949 أما الأحكار السابقة على هذا التاريخ فلم ينص على كيفية انتهائها وتركها إلى أن يصدر فى شأنها تشريع خاص بعد أن تعارضت مصالح وحقوق المحكرين والمحتكرين تعارضاً استعصى على التوفيق، وبذلك تبقى هذه الأحكار خاضعة لقواعد الشريعة الإسلامية التي كانت تحكمها وقت إنشائها". (نقض مدني في الطعن رقم 645 لسنة 54 قضائية – جلسة 25/5/1988 مجموعة المكتب الفني – السنة 39 – صـ 977 – فقرة 2).

مع الأخذ في الاعتبار أن أغلب - إن لم يكن جميع - عقود الحكر التي أبرمتها الأوقاف، هي عقود سابقة على تاريخ العمل بالقانون المدني الجديد في أواخر عام 1949. ومن ثم يطبق عليها أحكام الشريعة الإسلامية التي كانت تحكمها وقت إنشائها ولا تسري عليها أحكام القانون المدني الصادر في عام 1948.

والقانون المدني الجديد قد حصر حالات إنهاء حق الحكر فيما يلي:

1- حلول الأجل المعين للحكر.

2- وفاة المستحكر قبل أن يبني أو يغرس.

3- زوال صفة الوقف عن الأرض المحكرة.

4- عدم استعمال حق الحكر لمدة 15 سنة، وإذا كان حق الحكر موقوفاً فينتهي بعدم استعماله مدة 33 سنة.

5- ويجوز فسخ عقد الحكر إذا لم يدفع المستحكر أجرة الحكر لمدة 3 سنوات متوالية.

(وذلك كله طبقاً لنص المواد 1008 و 1011 و 1009 من القانون المدني الجديد).

كما نظمت المادة 1010 من القانون المدني الجديد ما يترتب على إنهاء حق الحكر، بنصها على أنه عند إنهاء حق الحكر: "... يكون للمحكر أن يطلب إما إزالة البناء والغراس أو استبقاءهما مقابل دفع أقل قيمتيهما مستحقي الإزالة أو البقاء، هذا كله ما لم يوجد اتفاق يقضي بغيره".

ولكن قوانين إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة، الصادرة بعدة قوانين متعاقبة: أولها القانون رقم 649 لسنة 1953 (أي بعد أربع سنوات فقط من تاريخ سريان القانون المدني الجديد)، ثم القانون رقم 295 لسنة 1954، ثم القانون رقم 92 لسنة 1960، ثم القانون رقم 38 لسنة 1966، ثم أخيراً القانون الحالي رقم 43 لسنة 1982 الصادر في 24 يونيو سنة 1982. نظمت إنهاء حق الحكر بطريقة مختلفة عما تضمنه القانون المدني. حيث فرق القانون رقم 43 لسنة 1982 في شأن إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة بين طائفتين من الأحكار على نحو ما يلي:-

الطائفة الأولى: وقد نظمتها المادة الأولى من القانون المذكور بنصها على أن: "يُعتبر حق الحكر منتهياً دون تعويض في الأعيان الموقوفة الخالية من أي بناء أو غراس عند العمل بهذا القانون، وتعتبر الأرض ملكاً خالصاً لجهة الوقف ولا يعتد بأي بناء أو غراس تقام في الأرض الفضاء المحكرة بعد العمل بهذا القانون".

والطائفة الثانية: وقد نظمتها المادة الثانية من القانون المذكور بنصها على أن: "ينتهي حق الحكر على الأعيان الموقوفة المشغولة ببناء أو غراس بقرار يصدره وزير الأوقاف ويختص الوقف مالك الرقبة بثلاثة أرباع ثمن الأرض والمحتكر بباقي ثمنها وذلك بالإضافة إلى الأقل من ثمن البناء أو الغراس مستحقي الإزالة أو البقاء".

وقد نصت صراحة المادة الخامسة عشر من القانون المذكور على أن: "يلغى القانون رقم 92 لسنة 1960 بإعادة تنظيم الحكر على الأعيان الموقوفة، كما يلغى كل نص يخالف أحكام هذا القانون ...".

ولما كان من القواعد الأصولية والأساسية المسلم بها قانوناً أن: القانون الخاص يقيد العام، وأن القانون اللاحق يجب السابق. كما تنص المادة الثانية من القانون المدني الجديد على أنه: "لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء، أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم، أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرره قواعده ذلك التشريع".

هذا، ومن المُقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أنه: "من الأمور المسلمة أن النسخ الضمني للقاعدة القانونية لا يكون إلا حيث يصدر تشريع لاحق على ذات المستوى فى مجال المدارج التشريعية، وأن يكون التشريع اللاحق الذى توافر له الشروط المتقدم حاسماً فى إسقاطه للحكم السابق وذلك لتعارضه معه بصورة تجعل من غير الممكن التوفيق بينهما وإعمالهما معاً أما حيث يكون لكل من التشريعين مجال لإعماله يختلف عن الآخر فلا يكون هناك نسخ، وإذا أورد المشرع تنظيماً خاصاً بمسألة قانونية محددة وردت الإشارة إليها بصفة عامة فى قانون آخر فإنه يتعين إطراح الإشارة العامة وتطبيق التنظيم الخاص وذلك تطبيقاً لقاعدة أن الخاص يقيد العام". (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1283 لسنة 14 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 12/6/1971 مجموعة المكتب الفني – السنة 16 – صـ 323).

ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "إذا كان المقصود بإلغاء التشريع نسخه مع رفع حكم قانوني بحكم قانوني آخر متأخر عنه بما يترتب عليه بطلان العمل بالتشريع الأول وتجريده من قوته الملزمة، وكان المُقرر في قضاء هذه المحكمة أن يتم ذلك بتشريع لاحق ينص على الإلغاء صراحة أو يدل عليه ضمناً، بأن يشتمل على نص يتعارض مع التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده، وكان من الجائز أن يتم إلغاء التشريع إما عن طريق استبدال نصوص أخرى بنصوصه أو الاقتصار على إبطال مفعوله دون سن تشريع جديد، بمعنى أنه لا يلزم أن يشتمل النص الناسخ على بديل للحكم المنسوخ". (نقض مدني في الطعن رقم 17 لسنة 43 قضائية – جلسة 5/11/1975 مجموعة المكتب الفني – السنة 26 – صـ 1376).

ومن ثم يكون القانون رقم 43 لسنة 1982 بإنهاء الأحكار قد نسخ جميع القوانين السابقة عليه والتي نص صراحة على إلغائها، ويكون كذلك قد نسخ كل حكم يخالف القواعد التي قررها في القوانين السابقة عليه (ومن ضمنها القانون المدني الحالي)، حيث نظم قانون إنهاء الأحكار مسألة إنهاء الأحكار وحالاتها وطرقها بطريقة مختلفة عما نظمها به القانون المدني، وعليه يكون قانون إنهاء الأحكار هو الواجب التطبيق (قانوناً) باعتباره قانوناً خاصاً ولاحقاً، وليس أحكام القانون المدني باعتباره قانوناً عاماً وسابقاً قد نسخه وجبه قانون إنهاء الحكر كقانون خاص ولاحق عليه، طبقاً لنص المادة 15 من القانون رقم 43 لسنة 1982 والمادة 2 من القانون المدني الحالي.

ويؤيد هذا النظر (بأن قانون إنهاء الحكر يطبق على جميع الأحكار بصرف النظر عن مدة حق الحكر)، أن النص في المادة الأولى من قانون إنهاء الحكر رقم 43 لسنة 1982 قد نصت على أن: يُعتبر حق الحكر منتهياً دون تعويض (وبقوة هذا القانون) في الأعيان الموقوفة الخالية من أي بناء أو غراس عند العمل بهذا القانون، وتعتبر الأرض ملكاً خالصاً لجهة الوقف. وهذا النص يُطبق على جميع الأعيان الموقوفة الخالية من أي بناء أو غراس عند العمل بالقانون المذكور، بصرف النظر عن مدة حق الحكر المُقرر على تلك الأعيان أو وفاة المستحكر من عدمه أو استعمال حق الحكر من عدمه أو أي سبب آخر من أسباب إنهاء حق الحكر المنصوص عليها في القانون المدني. فالإنهاء في هذا النص من هذا القانون يرد على جميع الأحكار أياً ما كانت وأياً ما كانت مدتها وسواء كانت أقل أم أكثر من ستين عاماً وأياً ما كان القانون "العام" الخاضعة له سواء كانت الشريعة الإسلامية أم القانون المدني الحالي.

أما الأعيان الموقوفة المشغولة ببناء أو غراس (في جميع الأحكار) (وهو الوجه المقابل للحالة الأولى سالفة الذكر) فينتهي حق الحكر فيها بقرار يصدره وزير الأوقاف وفقاً للأوضاع والشروط التي نظمها قانون إنهاء الحكر رقم 43 لسنة 1982 بصرف النظر عن مدة حق الحكر المُقرر على تلك الأعيان أو وفاة المستحكر من عدمه أو استعمال حق الحكر من عدمه أو أي سبب آخر من أسباب إنهاء حق الحكر المنصوص عليها في القانون المدني. فالإنهاء في هذا النص من هذا القانون يرد على جميع الأحكار أياً ما كانت وأياً ما كانت مدتها وسواء كانت أقل أم أكثر من ستين عاماً وأياً ما كان القانون "العام" الخاضعة له سواء كانت الشريعة الإسلامية أم القانون المدني الحالي. لا سيما وأن المادة الأولى من القانون رقم 92 لسنة 1960 كانت تنص على أن: "ينتهي الحكر بقرار من وزير الأوقاف على أن يتم إنهاء جميع الأحكار في مدة لا تجاوز خمس سنوات من تاريخ العمل بالقانون". مما مفاده أن قانون الأحكار السابق كان يطبق على جميع الأحكار (كما هو الحال في جميع قوانين إنهاء الحكر باعتبارها قوانين خاصة ولاحقة على القانون المدني باعتباره الشريعة العامة)، ومن ثم فقوانين إنهاء الحكر هي الواجبة الاتباع عند إنهاء الحكر وليس نصوص القانون المدني التي تتعارض مع أحكام قوانين إنهاء الحكر.

حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن:

1- النص في المادة الأولى من القانون رقم 92 لسنة 1960 على أن ينتهي الحكر بقرار من وزير الأوقاف على أن يتم إنهاء جميع الأحكار في مدة لا تجاوز خمس سنوات من تاريخ العمل بالقانون مفاده أن المشرع استلزم لإنهاء الحكر من جانب المطعون ضدها الثانية صدور قرار بذلك من وزير الأوقاف وإتباعاً للإجراءات المنصوص عليها في ذلك القانون، فلا تثريب على الحكم المطعون فيه إذا هو رتب على عدم اتخاذ الإجراءات المشار إليها بقاء حق الحكر قائماً.

2- النص في المادة الأولى من القانون رقم 43 لسنة 1982 على أن يعتبر حق الحكر منتهياً دون تعويض في الأعيان الموقوفة الخالية من أي بناء أو غراس عند العمل بهذا القانون وتعتبر الأرض ملكاً خالصاً لجهة الوقف ولا يعتد بأي بناء أو غراس تقام في الأرض الفضاء المحكرة بعد العمل بهذا القانون، والنص في المادة الثانية من ذات القانون على أن ينتهي حق الحكر على الأعيان الموقوفة المشغولة ببناء أو غراس بقرار يصدره وزير الأوقاف، يدل على أن حق الحكر ينتهي بقوة القانون دون اتخاذ أي إجراء متى كانت أعيان الوقف المرتب عليها حق الحكر فضاء غير مشغولة ببناء أو غراس عند بدء العمل بالقانون أما تلك المقام عليها بناء أو بها غراس فلا ينتهي حق الحكر في شأنها إلا بقرار يصدره وزير الأوقاف. (نقض مدني في الطعن رقم 186 لسنة 53 قضائية – جلسة 13/11/1983 مجموعة المكتب الفني – السنة 34 – الجزء الثاني – القاعدة رقم 311 – صـ 1589).

مع مراعاة أن القوانين الخاصة لا تلغيها إلا قوانين خاصة مثلها، ولا تنسخ بقوانين عامة ما لم يكن التشريع العام الجديد (اللاحق على القوانين الخاصة) قد أشار بعبارة صريحة إلى الحالة التي كان يحكمها القانون الخاص وجاءت عباراته قاطعة في سريان حكمه في جميع الأحوال. (نقض مدني في الطعن رقم 839 لسنة 43 قضائية – جلسة 7/6/1978 مجموعة المكتب الفني – السنة 29 – صـ 1428) ولما كان إنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة وقفاً خيرياً ينظمها ويحكمها قانون إنهاء الحكر (رقم 43 لسنة 1982) وهو قانون خاص ولم يلغه قانون خاص مثله (ولا حتى قانون عام لاحق عليه)، ومن ثم فيكون قانون إنهاء الحكر هو القانون الواجب التطبيق في خصوص إنهاء الأحكار بما تضمنه من إجراءات وشروط وأوضاع لا سيما صدور قرار الإنهاء من وزير الأوقاف واختصاص اللجان القضائية للأحكار بكافة المنازعات المتعلقة به.

ومن ثم فيتعين إتباع الإجراءات المنصوص عليها في القانون رقم 43 لسنة 1982 بشأن إنهاء الأحكار، في جميع الموضوعات الخاصة بإنهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة وقفاً خيرياً، (وهو ذات الرأي الذي انتهت إليه الشئون القانونية بوزارة الأوقاف كما أفادت بذلك الإدارة العامة للأوقاف والمحاسبة بكتابها الرقيم 500 والمؤرخ في 17/4/2008 والموجهة لإدارة الأحكار بالإدارة العامة للملكية العقارية بديوان عام هيئة الأوقاف المصرية)، وذلك بصرف النظر عن المدة المنصوص عليها في عقد الحكر وبصرف النظر عما إذا كانت تلك المدة أطول أو أقل من ستين عاماً وبصرف النظر عما إذا كان عقد الحكر مبرم في ظل القانون المدني الحالي أو في ظل القانون المدني القديم. كما أنه لا يرجع إلى الأحكام الواردة في القانون المدني المنظمة لحق الحكر إلا فيما لا يتعارض منها مع أحكام قانون إنهاء الحكر رقم 43 لسنة 1982 (والقوانين السابقة عليه في حالة انطباقها). وفي خصوص طلب "فسخ" عقد الحكر فينظمها القانون المدني وحده، حيث لم تتناولها بالتنظيم قوانين إنهاء الأحكار المشار إليها آنفاً.

مدارج التشريع:

وإذ أناط المشرع باللجان القضائية وحدها دون غير النظر والفصل في المنازعات المتعلقة بإنهاء الأحكار، وهذا الاختصاص الذي أنيط بتلك اللجان بموجب "قانون" لا ينحسر عنها إلا بأداة تشريعية موازية، وهي "القانون"، ذلك أن مؤدى مبدأ المشروعية هو خضوع الكافة حكاماً ومحكومين للقانون، ويجب على الجميع الانصياع لحكم القانون وعدم الخروج عليه.

فالقاعدة في تدرج التشريعات هي أن: التشريع الدستوري هو الأعلى، ويليه التشريع العادي "القانون"، ثم يليه التشريع الفرعي "اللوائح".

ويترتب على تدرج التشريعات نتيجة هامة وهي أن التشريع الأدنى يجب ألا يخالف التشريع الأعلى منه، فاللوائح يجب ألا تخالف القانون ولا الدستور، والقانون – بدوره – يجب ألا يخالف الدستور، فإذا تعارض تشريعان من درجتين مختلفتين، وجب تغليب الأعلى.

وفي هذا الشأن جرى قضاء محكمة النقض على أنه: "من المُقرر أنه عند تعارض بين نصين أحدهما وارد في القانون والآخر في لائحة تنفيذية، فإن النص الأول يكون هو واجب التطبيق باعتباره أصلاً للائحة التي هي أداة تشريعية أدنى من القانون". (نقض مدني في الطعون أرقام 2 و 3 و 4 لسنة 35 قضائية "صحافة" – جلسة 31/5/1966).

وتتجلى إحدى نتائج التدرج في القواعد التشريعية في مجال "إلغاء التشريع"، والمقصود بإلغاء القاعدة القانونية هو رفع القوة الملزمة لها أو إنهاء العمل بها ابتداء من وقت الإلغاء. فالتشريع الدستوري لا يلغى إلا بتشريع دستوري، والتشريع العادي يلغيه تشريع عادي أو تشريع دستوري، والتشريع اللائحي يلغيه تشريع لائحي أو عادي أو دستوري. ولكن لا يجوز لقرار تنفيذي أن يلغي أو ينهي أو يعدل قاعدة قانونية واردة في نص قانون عادي، بأي حال من الأحوال.

حيث أنه من المقرر قانوناً أن إلغاء التشريع أو تعديله لا يكون إلا بتشريع مثله، أي يصدر عن مجلس الشعب طبقاً للإجراءات المُعتادة لسن القوانين، ولا يجوز إلغاء التشريع أو تعديله بلائحة تصدر بقرار وزاري من الوزير المُختص. حيث تنص المادة الثانية من القانون المدني على أنه: "لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء، أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم، أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع".

كما أن المادة 144 من الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية لعام 1971 تنص على أنه: "يُصدر رئيس الجمهورية اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، بما ليس فيه تعديل أو تعطيل لها أو إعفاء من تنفيذها، وله أن يفوض غيره في إصدارها. ويجوز أن يعين القانون من يُصدر القرارات اللازمة لتنفيذه".

فاللائحة التنفيذية إذن تفصل حيث أجمل القانون، وتفسر حيث عمم القانون، وتضع الإجراءات حيث لم يضع القانون إلا القواعد الموضوعية، واللائحة بصفة عامة تسهل على السلطات العامة مهمة تنفيذ القوانين في الدولة. واللائحة إذ تفعل ذلك كله لا يمتد نطاقها – وفقاً للدستور ذاته – إلى حيث تتعارض مع القانون الصادرة هي لتنفيذه، ولا تصل إلى حد تعديل مضمون القانون، ولا يجوز للائحة أن تعفي أحداً من أحكام فرضها القانون، لأن اللائحة في هذه الأحوال جميعها لا تؤدي إلى تنفيذ القانون بل على العكس تؤدي إلى عدم تنفيذه أو تنفيذه على نحو غير النحو الذي قصد إليه المُشرع. ولا يجوز للائحة عن طريق تفسير بعض الأحكام المُجملة في القانون أن تعمد إلى تحوير مضمونه وإضافة أحكام موضوعية جديدة، ذلك أن إضافة أحكام موضوعية جديدة إلى القانون لا يكون إلا بقانون مثله، فإذا عمدت السلطة التنفيذية وهي تضع اللائحة إلى مثل ذلك فإنها تكون قد تعدت النطاق المرسوم لها وتجاوزت اختصاصها واعتدت على اختصاص سلطة التشريع. (المصدر: "النظام الدستوري في جمهورية مصر العربية" – للدكتور/ يحي الجمل – طبعة 1974 القاهرة – صـ 210 و 211).

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "لا يجوز لسلطة أدنى في مدارج التشريع أن تلغي أو تعدل قاعدة تنظيمية وضعتها سلطة أعلى أو أن تضيف إليها أحكاماً جديدة". (نقض مدني في الطعن رقم 476 لسنة 26 قضائية – جلسة 31/5/1962 مجموعة المكتب الفني – السنة 13 – صـ 734).

وقد جرى قضاء محكمة النقض على أن: "الأصل أن اللائحة لا تعدل تشريعاً إذ هي في مرتبة أدنى منه". (نقض مدني في الطعن رقم 25 لسنة 27 قضائية – جلسة 29/11/1962 مجموعة المكتب الفني – السنة 13 – صـ 1078).

ومن المقرر في قضاء النقض: "إنه وإن كانت المحاكم لا تملك إلغاء أو تعديل القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية إلا أن القرارات التي تصدرها السلطة التنفيذية بتفويض من السلطة التشريعية وإن كان لها فى موضوعها قوة القانون، إلا أنها تعتبر قرارات إدارية لا تبلغ مرتبة القوانين فى حجية التشريع، فيكون القضاء الإداري بما له من ولاية الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية أن يحكم بإلغائها إذا جاوزت الموضوعات المحددة بقانون التفويض أو الأسس التي يقوم عليها، ولا تحوز هذه القرارات حجية التشريع إلا إذا أقرها المجلس النيابي شأنها فى ذلك شأن أي قانون آخر". (نقض مدني في الطعن رقم 26 لسنة 41 قضائية – جلسة 21/12/1972 مجموعة المكتب الفني – السنة 23 – صـ 11919).

ومن ثم، فإن "مذكرة" السيد الأستاذ/ المستشار نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس إدارة الفتوى لوزارات الصحة والأوقاف والتضامن الاجتماعي وشئون الأزهر، المؤرخة 11/9/2008 في الملف رقم 41/29/37 والمنتهية إلى: "أولاً- انتهاء الأحكار التي مر عليها ستون عاماً دون حاجة إلى اتخاذ أي من الإجراءات المنصوص عليها بالقانون رقم 43 لسنة 1982 مع مراعاة ما تقضي به المادة 1010 من القانون المدني من أحكام. ثانياً- استمرار اللجنة القضائية المشكلة وفقاً لأحكام المادة الخامسة من القانون رقم 43 لسنة 1982 في نظر المنازعات المتعلقة بتطبيق أحكام المادتين 999 و 1010 من القانون المدني، وذلك كله على النحو المبين بالأسباب".. هذه المذكرة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تلغي قانون أصدره المجلس النيابي ولا يجوز لها أن تعدله أو تنهي العمل به أو تغير من أحكام وحالاته وشروطه، إذ لا يجوز ذلك إلا بسن تشريع آخر يصدر عن ذات المجلس النيابي وليس مجرد مذكرة حررها أحد نواب مجلس الدولة، والتي كانت أساساً وسنداً للجنة مراجعة قرارات اللجان القضائية لإنهاء الأحكار بديوان عام هيئة الأوقاف المصرية.

ثالثاً- الرأي:

* لكل ما تقدم، نرى – لدى الموافقة – توصية لجنة .................. بإعادة مرة أخرى على ضوء ما ورد بهذه المذكرة، وفي حالة ما إذا عدلت رأيها فتوصي بمراعاة ذلك مستقبلاً في الملفات المشابهة.

هذا، والله أعلى وأعلم،،،

الثلاثاء، 20 أكتوبر 2009

مغالبة لا مصالحة - مقال فهمي هويدي

مغالبة لا مصالحة

مقال لفهمي هويدي

مغالبة فلسطينية وليست مصالحة. أهم "إنجاز" لها أنها تنعى إلينا المقاومة وتجرم أهلها، وتسوق الجميع سوقا إلى طريق الندامة.

(1)

كان ذلك أول انطباع خرجت به حين قرأت نص الوثيقة المقترحة للمصالحة وتحقيق الوفاق الوطني الفلسطيني. وهي الوثيقة التي سارع قادة فتح إلى التوقيع عليها، لأسباب يطول شرحها بينها محاولة التغطية على فضيحة طلب تأجيل تقرير غولدستون الذي أدان جرائم إسرائيل في غزة. ثم اعتبروا أي نقد للوثيقة دعوة لاستمرار الخصام. ومن قادة الحركة -صائب عريقات وجبريل الرجوب تحديدا- من أعلن على شاشات التلفزيون أن التحفظ على الوثيقة يعد انحيازا إلى الأجندة الأميركية والإسرائيلية. هكذا مرة واحدة!

أدري أن المصالحة أصبحت أهم عناوين الساحة الفلسطينية، لذلك فإن ضبط العنوان وتحريره من الأهمية بمكان، حتى لا يساء استخدامه، ويتحول إلى وسيلة للابتزاز والترهيب. إذ نحن بصدد مصطلح فضفاض، مسكون في ظاهره بالرغبة في التسامح والتلاقي والوفاق. وهي معان جذابة يتعين الحفاوة بها ويتعذر الاعتراض عليها، وهي في ذلك لا تختلف عن مصطلحات ودعوات يتعذر ردها، مثل الحوار والشرعية والإصلاح.. إلخ.

لقد تعلمنا من تجارب عدة أن المصطلحات الفضفاضة سلاح ذو حدين، يسمح لمن يريد أن يتلاعب بها. فيحتمي بجاذبية المصطلح ويتبنى مواقف على النقيض من مقصوده الإيجابي. بسبب من ذلك فإن الحذر في التعامل مع المصطلح يغدو واجبا إلى حين التعرف على مضمونه الحقيقي. فنقف على الأساس الذي تقوم عليه المصالحة، وما إذا كانت تشكل حلولا مرضية للطرفين أم محاولة للي ذراع أحدهما ليصبح الإذعان والخضوع بديلين عن التراضي والتوافق.

الفضفاض في هذه المرة ليس المصطلح وحده، وإنما كانت تلك سمة أغلب بنود الوثيقة أيضا، التي من الواضح أن جهدا كبيرا بذل في صياغتها، بما يسمح لكل طرف أن يفهمها على النحو الذي يروق له. آية ذلك مثلا أنها تضمنت نصا في الجزء الخاص بمنظمة التحرير يقضى بأنه إلى أن يتم انتخاب المجلس الوطني الجديد، بعد ثمانية أشهر، فإن اللجنة المكلفة بتطوير المنظمة (التي يرأسها السيد محمود عباس) ستقوم باستكمال تشكيلها وعقد أول اجتماع لها، ومن مهامها المنصوص عليها "معالجة القضايا المصيرية في الشأن السياسي والوطني واتخاذ القرارات بشأنها بالتوافق". وهو نص بالغ الغرابة، لأنه إذا أعطيت اللجنة المؤقتة حق صلاحية التقرير في قضايا المصير خلال تلك الفترة القصيرة، فما الحاجة إذن إلى وضع برنامج للعمل الوطني وما الهدف من المصالحة إذن؟

(2)

أول ما يلاحظه قارئ الوثيقة أنها تعاملت بغموض مع عناوين مثل الاحتلال والمقاومة والحصار والتحرير. وكأنها تجنبت التذكير بواقع الاحتلال الذي هو أصل المشكلة، والمقاومة التي هي السبيل الذي لا بديل عنه لمواجهة الاحتلال والحصار الذي هو قضية الساعة، والتحرير الذي هو الهدف الذي يرنو إليه الجميع، وحين تخلو وثيقة الوفاق الوطني من موقف واضح إزاء هذه العناصر الأربعة فإننا نصبح بإزاء نص محير، يحتاج المرء إلى بذل جهد كبير كي يحسن الظن به، وتتحول الحيرة إلى دهشة حين يلاحظ المرء أن معدي الوثيقة لم يفتهم أن يوجهوا الشكر مرتين في المقدمة إلى السيد الرئيس حسنى مبارك لرعاية الحوار، في حين أنهم هوَّنوا من شأن الاحتلال والمقاومة والحصار والتحرير، وإن ذكرت الكلمة الأخيرة فقط حين تمت الإشارة إلى منظمة التحرير، التي تحولت إلى مجرد اسم لا مدلول سياسيا له، تماما مثل ميدان التحرير أو مقهى التحرير في قلب القاهرة.

إلى جانب هذه الملاحظة الشكلية، هناك ملاحظات أخرى منها ما يلي:

* أن الوثيقة تضمنت ستة أجزاء كان أكثرها وضوحا وحسما الجزء المتعلق بالانتخابات التي يفترض أن تجرى في أواخر يونيو/حزيران المقبل، في حين احتل موضوع الأمن الجزء الأكبر منها (خمس صفحات ونصف من بين ثلاث عشرة صفحة ونصف).

* واضح أن التركيز على الانتخابات لم يرد به التعبير عن إرادة الشعب الفلسطيني، بقدر ما أنه أريد به إقصاء حركة حماس بنفس الطريقة التي جاءت بها، بمعنى إخراجها بالانتخابات مثلما جاءت إلى السلطة بالانتخابات. ولذلك فإن السياق يتحدث عن انتخابات تشرف عليها لجنة برئاسة السيد محمود عباس لطبخ العملية بالأسلوب المتعارف عليه عربيا. لأن الكلام كله مبني على أن نتيجة الانتخابات محسومة سلفا، وأن فوز حماس ليس واردا. وإنما المطلوب حكومة جديدة تلبي مطالب الرباعية الدولية (الاعتراف بإسرائيل ومنع المقاومة والالتزام بالاتفاقات التي أبرمتها السلطة)، ولا تكرر "أخطاء" الماضي. في حين يخضع الناخب الفلسطيني لعملية ترهيب شديدة، تحذره من أن يصوت لحماس لأن سيف الحصار مسلط عليه.

* إن ثمة تركيزا شديدا لسلطة السيد أبو مازن، رغم أن ولايته الشرعية والدستورية منتهية منذ شهر يناير/كانون الثاني الماضي. فهو بإقرار الوثيقة يظل الرئيس والمرجعية فيما يخص تطوير منظمة التحرير، ولجنة الانتخابات، واللجنة الأمنية العليا التي تتبعها أجهزة الأمن، والمخابرات العامة، وهو الذي يصدر مرسوم لجنة تنفيذ الوفاق الوطني، الأمر الذي يعني أن الطرف المخاصم الذي هزم في انتخابات 2006 تسلم مقاليد كل شيء، في حين أن الذي فاز بأغلبية المقاعد في تلك الانتخابات تم إقصاؤه تماما من دائرة القرار قبل إجراء الانتخابات الجديدة.

* إن الوثيقة في الجزء الخاص بالمصالحات الوطنية دعت إلى "نشر ثقافة التسامح والمحبة والمصالحة والشراكة السياسية والعيش المشترك". وهي قيم من المهم جدا التذكير بها في سياق المصالحة بين طرفين متخاصمين. ولكن حين يكون البلد يرزح تحت الاحتلال، فإن المرء لا بد أن يستغرب غياب قيمة المقاومة وشحذ همة الطرفين لاستعادة الحقوق المسلوبة وتحرير الأرض.

* في الوقت الذي ثبتت مرجعية السيد محمود عباس في مختلف المفاصل المهمة، فإن مرجعية الميثاق الوطني الفلسطيني لم يشر إليها بكلمة، ولم تذكر من بعيد أو قريب.

* على الرغم من أن الوثيقة تحدثت عن عودة ثلاثة آلاف من عناصر فتح المنخرطين في الأجهزة الأمنية إلى العمل في قطاع غزة، فإنها لم تشر إلى موقف ومصير أكثر من 11 ألف عنصر تضمهم القوة التنفيذية التي صانت الأمن في القطاع طوال السنتين الماضيتين. في الوقت ذاته فليست هناك أية إشارة إلى موقف الأجهزة الأمنية في الضفة التي يشرف على تشكيلها الجنرال دايتون. وهو ما يعني أن يد حركة حماس ستكون مغلولة في مجال الأمن، باستثناء وضعها المؤقت في غزة.

* ثمة حديث طيب عن وضع المعتقلين والمؤسسات الاجتماعية في الضفة التي حظرتها السلطة واستولت على مقارها ومواردها، إذ يقضي البند الخاص بهذا الشق بإطلاق سراح المعتقلين في الضفة والقطاع وإعادة المقار المصادرة بمجرد توقيع الاتفاق، تمهيدا لإغلاق الملف نهائيا بعد ذلك. وهي خطوة يمكن أن تتم فعلا، لكننا نعرف جيدا أن قرارات الاعتقال والمصادرة يمكن الرجوع عنها في أي وقت، وسجل أجهزة القمع في الضفة يؤيد بقوة هذا الاحتمال.

(3)

موقف الورقة من المقاومة مراوغ وفاضح، فهي تنص ضمن تفاصيل كثيرة على ثلاثة أمور هي:

(1) احترام الأجهزة الأمنية لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة والدفاع عن الوطن والمواطن.

(2) حظر إقامة أي تشكيلات عسكرية خارج إطار الهيكل المقرر للأجهزة الأمنية.

(3) تجريم وتحريم استخدام السلاح لأسباب خارج المهمات الوظيفية. وهو كلام يعني أن حق المقاومة محترم ومعترف به، ولكن منظمات المقاومة محظورة، وسلاحها محرم ومجرم، وهي صياغة محيرة بدورها، لأنها تعترف بالحق ثم تصادره وتجرمه!

هذا الموقف الملتبس إزاء فكرة المقاومة له أصل في مشروع اتفاق القاهرة الذي رفضت حركتا حماس والجهاد الإسلامي التوقيع عليه في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي. إذ نص في إحدى فقراته على أن المقاومة في إطار التوافق الوطني حق مشروع للشعب الفلسطيني ما دام الاحتلال قائما. ونص في فقرة أخرى على أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية وحدها المخولة بمهمة الدفاع عن الوطن والمواطنين، أي أن المشروع قيّد المقاومة بقيدين غريبين أولهما أن تتم بالتوافق، بمعنى أن تبلغ جميع الفصائل الموقعة على الاتفاق مسبقا بأية عملية فدائية للتوافق حولها، وأن تكون الأجهزة الأمنية (التي تنسق مع إسرائيل) وحدها المنوط بها القيام بواجب المقاومة!

هكذا فإنه خلال الفترة من عام 2005 إلى عام 2009 تحولت المقاومة من حق إلى نشاط محظور وأي سلاح يستخدم لأجلها غدا محرما ومجرما. وأصبح مطلوبا من المنظمات التي تكتسب شرعيتها من التزامها بالمقاومة أن توقع على ذلك الحظر. وحين تمتنع فإنها تلاحق بالتشهير والاتهام، حتى تغدو خيانتها لمبادئها عربون المصالحة المنشودة!

(4)

في الوثيقة نص مقلق يجعل من مهام المخابرات العامة الفلسطينية "التعاون المشترك مع أجهزة الدول الصديقة المشابهة لمكافحة أية أعمال تهدد السلم والأمن المشترك"، والقلق نابع من أن هذا الكلام قد يبرر التعاون الأمني مع الاحتلال، الذي يعد صفحة سوداء ينبغي أن تطوى لا أن تبرر، خصوصا أن ذلك التعاون الموجه ضد المقاومة بالدرجة الأولى أصبح إحدى المهام المعترف بها من جانب حكومة رام الله، نبهنا إلى ذلك رئيس الموساد السابق أفرايم هليفي في مقالة نشرتها له صحيفة يديعوت أحرونوت (بتاريخ 25/5/2009) ذكر فيها أن إسرائيل تقوم بإجراء فحص أمني لجميع المنتسبين للأجهزة الأمنية الفلسطينية، التي يشرف على تدريبها الجنرال الأميركي كيت دايتون.

وقال: "إننا" بحاجة إلى سنتين على الأقل لإنشاء عشرة ألوية من قوات السلطة التي يعدها الجنرال دايتون، لتكون نموذجا للفلسطيني الجديد الذي تريده إسرائيل، ويصمم خصيصا للحفاظ على أمنها والتصدي لنشطاء حركة حماس. ثم أضاف أن إسرائيل تبذل جهدا كبيرا لتعزيز حكم رئيس السلطة الفلسطينية بتركيز خاص على الأجهزة الأمنية، التي هي الذراع التي تحمي نظامه. واللافت للنظر أن الجنرال هليفي حذر من الانسياق وراء رغبة أبو مازن في القضاء على حماس، قائلا إنه في هذه الحالة سيظل الرجل معتمدا على قوتين صناعيتين هما إسرائيل والولايات المتحدة، الأمر الذي قد يترتب عليه احتمال فوز حماس في أية انتخابات قادمة، ومن شأن ذلك أن يشكل تحديا خطيرا ومضاعفا أمام إسرائيل والولايات المتحدة.

وخلص من مقالته إلى ضرورة إجراء حوار حقيقي مع حماس، بدلا من صرف الجهد وتبديده في محاولة القضاء عليها، والجري وراء سراب تشكيل الفلسطيني الجديد، لكن من الواضح أن أبو مازن له رأي آخر، تبنته الوثيقة واعتبرته منطلقا للمصالحة ولذلك كانت فتح أول من رحب بها ووقع عليها.

تحليل إخباري من قناة الجزيرة:

ضغوط أمريكية غيرت الورقة المصرية

كشفت مصادر فلسطينية مقربة من دوائر صنع القرار في رام الله أن مصر عدلت مسودة ورقة المصالحة الفلسطينية أكثر من مرة بعد تهديدات أميركية بعرقلة جهودها إذا استجابت لمطالب حركة المقاومة الإسلامية
(حماس) بعدم تضمين الورقة شروط اللجنة الرباعية، في وقت نفت فيه القاهرة هذه الأنباء وأكدت أنها لا تخضع لضغوط من أي جهة.

وذكرت المصادر الفلسطينية للجزيرة نت أن القاهرة غيرت الوثيقة الأخيرة التي سلمتها لحماس منتصف الشهر الماضي، بعدما قدم المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل رسالة احتجاج من الخارجية الأميركية على الورقة المصرية.

وقالت المصادر إن القاهرة استجابت للطلب الأميركي واعتبرت –دون الرجوع لحماس والفصائل الأخرى- الورقة السابقة والمكونة من ثماني صفحات ملغاة، وأعدت ورقة تقارب 25 صفحة بها نقاط جديدة لم تطرح أو طرحت وتم رفضها من حماس وآخرين.

وبينت المصادر أن ميتشل أبلغ مدير المخابرات المصرية الوزير عمر سليمان أن الإدارة الأميركية ستعرقل أي جهد لا يدفع حماس للاعتراف والالتزام بشروط الرباعية وواشنطن، وذلك في لقاء جمعهما بالقاهرة في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.

ونقلت المصادر عن ميتشل قوله لسليمان ولوزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط إن على القاهرة عدم مسايرة حماس وإنها بذلك تعطل الجهود الأميركية المبذولة من قبل الرئيس باراك أوباما لاستئناف المفاوضات.

وطلب ميتشل من القاهرة -بحسب المصادر ذاتها- أن تقدم على مزيد من الإجراءات التي من شأنها إجبار حماس على التخلي عن المقاومة المسلحة والانضمام لتحالف فلسطيني من أجل التسوية مع إسرائيل.

وقالت المصادر إن ميتشل استمع في رام الله من الرئيس الفلسطيني محمود عباس تحريضاً على القاهرة، معتبراً أن الورقة التي قدمتها مصر لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) كلها شروط حماس ومجحفة ومذلة لحركته والسلطة الفلسطينية.

نفي مصري

وتعليقا على هذه الأنباء، نفت مصر وجود أي ضغوط أميركية عليها لتغيير ورقة المصالحة المعروضة على حركتي فتح وحماس.

وقال سفير مصر السابق بإسرائيل محمد بسيوني في تصريح خاص للجزيرة نت إن بلاده لا تقبل الضغوط أو المساومة من أي جهة كانت لأن هدفها هو تحقيق المصالحة الفلسطينية، وليست لديها أي مصلحة خاصة في ذلك.

واعتبر بسيوني أن القول بأن واشنطن اشترطت على القاهرة أن تقبل الحكومة التي سينجزها الاتفاق بشروط الرباعية الدولية، ينطوي على مغالطة جسيمة.

وأوضح أن الحكومة التي ستخرج عن هذا الاتفاق ستكون حكومة وفاق وطني مؤقتة ينتهي عملها في يونيو / حزيران 2010 مع حلول موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وستكون حكومة تكنوقراط وليست فصائلية وأن مهمتها رفع الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية ما يعني أنها ستكون مضطرة للتعاطي مع شروط الرباعية الدولية.

واعتبر بسيوني أنه ليس في هذا أي إلزام لحركة حماس أو غيرها في قبول شروط الرباعية الدولية لأن هذه الفصائل غير ممثلة أصلآ في هذه الحكومة، منبها إلى وجود لقاءات إقليمية وجهود عربية لتذليل عقبات الحوار والمصالحة ومن أبرزها زيارة العاهل السعودي الأخيرة إلي سوريا.

موقف حماس

من جهتها رفضت حماس التعليق على الأنباء المتعلقة بوجود ضغوط أميركية على مصر بشأن جهود المصالحة الفلسطينية، وجددت على لسان الناطق باسمها في غزة مشير المصري موافقتها على البنود التي تم الاتفاق عليها في حوارات القاهرة والتحفظ على أي بنود جديدة لم يتم الاتفاق عليها في تلك الحوارات.

وأكد المصري في اتصال مع الجزيرة نت أن حماس جاهزة للمصالحة الفلسطينية وفقا لما تم الاتفاق عليه في حوارات القاهرة، وهي مستعدة للتوقيع على أي ورقة بهذا الشأن وتنفيذها فورا.

وبدوره أكد القيادي في حماس أسامة حمدان أن هناك اتصالات تجري حاليا مع السلطات المصرية لترتيب آلية تسليم تحفظات الحركة على البنود غير المتفق عليها الواردة في وثيقة المصالحة المصرية.