الأحد، 25 أكتوبر 2009

صحيفة دعوى عدم اعتداد بمحاضر تسليم

"وأعلنته بالآتي"

تخلص وقائع موضوع الدعوى الماثلة في أن المعلن إليه (المدعو/ ....................) كان قد أقام الدعوى رقم 1166 لسنة 1997 مستعجل القاهرة ضد السيد/ .......................... وآخرين (بلغ عددهم الإجمالي 55 خصماً – ليس من بينهم هيئة الأوقاف المصرية على الإطلاق)، وذلك بموجب صحيفة موقعة من محام، أودعت قلم كتاب محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بتاريخ 2/4/1997، وتم إعلانها قانوناً للمدعى عليهم (وليس من بينهم هيئة الأوقاف المصرية مطلقاً)، طلب في ختامها الحكم له: "بصفة مستعجلة: بتعيينه حارساً بلا أجر على الوقف المبين بصحيفة الدعوى بدلاً من الحارس السابق – لوفاته – وذلك لأداء المهمة الواردة بالحكم الصادر في الدعوى رقم 9808 لسنة 1955 مستعجل القاهرة مع جعل المصروفات على عاتق الحراسة وشمول الحكم بالنفاذ المعجل بلا كفالة".

وقال المعلن إليه شرحاً لدعوى الحراسة التي أقامها – والمتقدم ذكرها – أنه والمدعى عليهم في دعوى الحراسة (على حد زعمه) من المستحقين في وقف/ أحمد جوربجي والذي كانت وزارة الأوقاف معينة عليه حارسة بمقتضى الحكم الصادر في الدعوى رقم 9808 لسنة 1955 مستعجل القاهرة، وإذ طلبت وزارة الأوقاف إعفائها من الحراسة، وقضي في الدعوى رقم 2945 لسنة 1958 مستعجل جزئي القاهرة بتعيين السيد/ .......................... بدلاً منها، والذي تم استبداله استئنافياً بتعيين السيد/ ............................ الذي استمر في مباشرة أعمال الحراسة اعتباراً من عام 1958 وحتى وافته المنية في 26/12/1984، وظلت الحراسة شاغرة من بعده منذ عام 1984 وحتى أقام المدعي بالحق المدني دعوى الحراسة سالفة الذكر في 2/4/1997 (أي ما يقرب من 13 عام) لتعيين نفسه بدلاً من الحارس المتوفى.

وأثناء تداول دعوى الحراسة – المتقدم ذكرها – بالجلسات، تقدم المدعي فيها (المعلن إليه) بطلب إضافي، بموجب صحيفة، موقعة من محام، أودعت قلم كتاب المحكمة، طلب فيها: "استلام باقي أعيان الوقف، وتوزيعه على المستحقين".

وتداولت دعوى الحراسة، بعد الإعلان بالطلب المضاف، بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة يوم الاثنين الموافق 30/3/1998 قضت الدائرة السابعة بمحكمة القاهرة للأمور المستعجلة، في مادة مستعجلة: "بتعيين المدعي حارساً قضائياً بلا أجر بدلاً من الحارس المتوفى (المرحوم/ ........................)، وذلك لأداء المأمورية الواردة بالحكم الصادر في الدعوى رقم 9808 لسنة 1955 مستعجل جزئي القاهرة، وأضافت المصروفات وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة على عاتق الحراسة، ورفضت ما عدا ذلك من طلبات".

أي أن محكمة القاهرة للأمور المستعجلة عند نظر دعوى الحراسة والطلب المضاف من المدعي بالحق المدني بتسليمه أعيان الوقف، قضت برفض هذا الطلب المضاف بالتسليم، وأسست قضائه على سند من القول بأنه: "وحيث أنه فيما يختص بطلب المدعي استلامه باقي أعيان الوقف، وتوزيعه على المستحقين، فهو طلب موضوعي يخرج عن الاختصاص النوعي لهذه المحكمة لما يتضمن من فصل في أصل الحق، كما وأن من شأن الفصل فيه المساس بحجية الحكم الصادر بفرض الحراسة القضائية والذي استند في فرضها إلى المنازعة حول ملكية أعيان الوقف والتي خلت الأوراق مما يفيد حسمها بعد". ومن ثم قضت المحكمة برفض الطلب المضاف من المدعي باستلامه باقي أعيان الوقف.

إلا أن المعلن إليه استغل هذا الحكم، بالتواطؤ مع العديد من ضعاف النفوس في أقلام المحضرين، وقام باستلام العديد من العقارات وأكثرها عقارات لا تتبع جهة الوقف الذي تم تعيينه حارساً عليها بل تتبع أوقفات أخرى، فعلى سبيل المثال قام المعلن إليه بتقديم أوراق تنفيذ حكم الحراسة سالف الذكر إلى قلم المحضرين بمحكمة بولاق أبو العلا وقيدت برقم 5055 في تاريخ 23/4/1998 وبالفعل قام بالتنفيذ واستلام العقارات التالية:

وما زال المعلن إليه يسعى للتنفيذ على عقارات أخرى، مما حدا بهيئة الأوقاف المصرية إلى تنبيه الشاغلين لتلك العقارات بعدم التعامل مع غير هيئة الأوقاف بشأن تلك العقارات، لكون حكم الحراسة لم يتضمن تسليم تلك العقارات للحارس فضلاً عن أن الكثير جداً من تلك العقارات تتبع أوقفات أخرى غير الوقف الذي عين المعلن إليه حارساً عليه. ويتضح من ذلك:

- أن حكم الحراسة سالف الذكر لم يصدر ضد أو حتى في مواجهة هيئة الأوقاف المصرية .

- أن حكم الحراسة سالف الذكر رفض طلب المدعي تسليمه باقي أعيان الوقف.

- أن حكم الحراسة، وفقاً لمنطوقه، هو حكم تقريري لا يصلح كسند تنفيذي، إذ أن أحكام الإلزام فقط هي التي تصلح كسندات تنفيذية.

- إن السند التنفيذي، بفرض أن هناك سند تنفيذي، لم يعلن للمتهم لكون الهيئة غير مختصمة ولا ممثلة في حكم الحراسة بأية صفة، كما أن الحكم لم يلزمها بثمة التزام.

- إن حكم الحراسة رفض طلب الحارس تسليمه باقي أعيان الوقف، ومع ذلك قام الحارس بالتواطؤ مع العديد من ضعاف النفوس في أقلام المحضرين، باستلام العديد من العقارات بل وأكثر تلك العقارات التي قام باستلامها – بدون سند من القانون – ليست تابعة لجهة الوقف الذي تم تعيينه حارساً عليه.

- ولما كان التنفيذ على تلك العقارات يضر بمصلحة الوقف الخيري وبحقوق هيئة الأوقاف المصرية، لذا فهي تستشكل فيه لتلك الأسباب وللأسباب التالية:

نسبية أثر الأحكام:

لما كانت هيئة الأوقاف المصري لم تكن مُختصمة أو ممثلة بأي طريقة في دعوى الحراسة رقم 1166 لسنة 1997 مستعجل القاهرة، والتي يراد تنفيذه ضد هيئة الأوقاف المصرية وعلى أعيان مملوكة وتابعة لجهة الوقف الخيري الذي تديره هيئة الأوقاف المصرية.

لما كان ذلك، وكانت المادة 101 من قانون الإثبات تنص على أن: "الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية، ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلاً وسبباً".

ولما كان من المُسلم به قانوناً، أن نِطاق "حجية الأمر المقضي يقتصر على أطراف المركز القانوني محل الدعوى إذا كانوا أطرافاً في الخصومة. حيث أن لحجية الأمر المقضي نطاق شخصي، فهي تقوم فقط بين أطراف المركز الموضوعي الذي تحميه الدعوى على النحو الذي عُرضت به في الخصومة. ولا يكفى أن تكون الدعوى متعلقة بمركز قانوني لشخص حتى يكون للقضاء الصادر فيها حجية في مواجهته، بل يجب أيضاً أن يكون هذا الشخص طرفاً في الخصومة التي صدر فيها هذا القضاء (نقض مدني 12 إبريل 1962 - مجموعة النقض 13 - 441 - 66). ذلك أن الحجية إنما تكون أثر للقضاء الفاصل في الدعوى في نطاق الخصومة التي صدر فيها. وعادةً أطراف الدعوى هم أنفسهم أطراف المركز القانوني محل التقرير، فإن اختلفوا فان الحُجية تكون فقط في مواجهة أطراف الدعوى دون أطراف المركز القانوني. فإذا رفع شخص دعوى استحقاق في مواجهة المغتصب، وقُضِىَ بقبول الدعوى فان القضاء يقرر للمدعى حق الملكية. وهو حق يوجد في مواجهة الكافة ولكن الحُجية لا تكون في مواجهة الكافة وإنما فقط في مواجهة طرفي الدعوى. وعلة هذا أن الحماية القضائية إنما تُمنح نتيجة للدعوى ويتحدد نطاقها بحدود هذه الدعوى التي قُضِىَ فيها. (المرجع: "الوسيط في قانون القضاء المدني" - للدكتور/ فتحي والى - الطبعة الثانية 1981 القاهرة - بند 98 – صـ 179 و 180).

وفيما عدا طرفي الدعوى وخلفائهما، لا حجية للعمل القضائي. فالحجية لا تسرى في مواجهة الغير. فليس لغير أطراف الدعوى التي قُضِىَ فيها. التمسك بهذا القضاء كما أنه لا يجوز التمسك به ضده. فإن حدث التمسك بالقضاء إضراراً بأحد من الغير كان لهذا الأخير الدفع بنسبية الأحكام، أي الدفع بأن حجية القضاء لا تسرى في مواجهته لأنه من الغير. ولا تكون للحكم حجية بالنسبة للغير ولو كانت المسألة المقضي فيها مسألة كلية شاملة أو مسألة أصلية أساسية، فالحكم بالنسبة لهذه المسألة لا حجية له إلا بين الخصوم أنفسهم (نقض مدني 22 مايو 1973 - مجموعة النقض 24 - 807 - 141). كما أن الحكم لا تكون له حجية في مواجهة الغير، ولو كان صادراً في موضوع غير قابل للتجزئة (نقض مدني 5 يناير 1980 في الطعن رقم 713 لسنة 45 قضائية. وراجع: للدكتور فتحي والى - المرجع السابق - نفس الموضع - و صـ 182 وهوامشها).

وحيث أستقر قضاء محكمة النقض على أن: "حجية الأحكام مناطها. المادة 101 إثبات. اقتصارها على أطراف الخصومة حقيقة أو حكماً. عدم جواز الاحتجاج بحجية حكم سابق على من كان خارجاً عن الخصومة التي صدر فيها. حقه في التمسك بعدم الاعتداد به ضده". (نقض مدني في الطعن رقم 2093 لسنة 54 قضائية – جلسة 30/7/1992).

لما كان ذلك، وهدياً على ما تقدم، وكان الثابت من مطالعة الأوراق وعريضة الدعوى 1166 لسنة 1997 مستعجل القاهرة والحكم الصادر فيها أن هيئة لأوقاف لم تكن مختصمة ولا ممثلة ولا مدخلة ولا طرفاً في هذه الدعوى ومن ثم فإن الحكم الصادر فيها تقتصر حجيته على أطرافه فقط ولا يجوز الاحتجاج به في مواجهة هيئة الأوقاف بحسبان أنها كانت خارج الخصومة ويكون من حق هيئة الأوقاف المصرية التمسك بعدم الاعتداد بالحكم الصادر في الدعوى سالفة الذكر في مواجهتها.

عدم توافر شروط السند التنفيذي في الحكم المراد تنفيذه ضد الهيئة:

تنص المادة 280 مرافعات على أنه: "لا يجوز التنفيذ الجبري إلا بسند تنفيذي اقتضاء لحق محقق الوجود ومعين المقدار وحال الأداء. والسندات التنفيذية هي: الأحكام والمحررات الموثقة ومحاضر الصلح التي تصدق عليها المحاكم أو مجالس الصلح والأوراق الأخرى التي يعطيها القانون هذه الصفة. ولا يجوز التنفيذ في غير الأحوال المستثناة بنص القانون إلا بموجب صورة من السند التنفيذي عليها صيغة التنفيذ التالية: "على الجهة التي يناط بها التنفيذ أن تبادر إليه متى طلب منها وعلى السلطات المختصة أن تعين على إجرائه ولو باستعمال القوة متى طلب إليها ذلك".

فيُشترط في الحق المنفذ به ثلاثة شروط: أولها- أن يكون محقق الوجود،إذ ليس من المقبول أن ينفذ على أموال المدين من أجل حق متنازع في وجوده، ومثله الدين الاحتمالي والحق المعلق على شرط لم يتحقق ولذلك لا يجوز التنفيذ بحكم بتقديم حساب. والشرط الثاني- أن يكون الحق معين المقدار، وعملاً بهذا الشرط لا يجوز التنفيذ بالمصاريف القضائية إذا لم تكن معينة في الحكم وقبل تعيين مقدارها بالطريقة التي نص عليها القانون. والشرط الثالث- أن يكون الحق حال الأداء لأن الحق الذي لم يحل أجله لا تجوز المطالبة به، والأصل أن يثبت تحقق الشروط الثلاثة المتقدمة بمقتضى السند التنفيذي المراد التنفيذ بموجبه وإلا امتنع التنفيذ. (المرجع: "التعليق على قانون المرافعات" – للمستشار/ عز الدين الدناصوري – الجزء الثاني – المادة 280 – صـ 592 وما بعدها).

ومن المُقرر في قضاء النقض إنه: "يجب أن يكون الحق الموضوعي المراد اقتضاؤه بالتنفيذ الجبري محقق الوجود ومعين المقدار وحال الأداء، وأن يكون السند التنفيذي دالاً بذاته على توافر هذه الشرائط". (نقض مدني في الطعن رقم 257 لسنة 36 قضائية – جلسة 19/1/1971 مجموعة المكتب الفني – السنة 22 – صـ 52. وفي النقض المدني جلسة 12/6/1973 السنة 24 صـ 906. وفي الطعن رقم 2032 لسنة 51 قضائية – جلسة 25/11/1988).

ولما كان حكم الحراسة رقم 1166 لسنة 1997 مستعجل القاهرة قد جاء خلواً من ذكر أو بيان أعيان الوقف التي تخضع لحراسة المعلن إليه، فإنه يكون مُجهلاً ولا يصلح بذاته لأن يكون سنداً تنفيذياً ينفذ به المعلن إليه على ما يشاء من أعيان الأوقاف الخيرية. وطالما لا تتوافر في ذلك الحكم الشرائط المتطلبة قانوناً في السند التنفيذي فإن أي تنفيذ بمقتضاه يكون باطلاً ولا يعتد به.

عدم جواز التنفيذ على مال غير مملوك للمدين:

لما كان من المُشترط قانوناً في المُنفذ ضده أن يكون مسئولاً شخصياً عن الدين سواء كان مديناً أم كفيلاً شخصياً. (المرجع: "التنفيذ الجبري" - للدكتور/ فتحي والي - طبعة 1986 القاهرة - بند 84 - صـ 163).

وعلى أية حال، فإنه يجب أن تستبين صفة المُنفذ ضده من نفس السند التنفيذي، بأن يكون السند مُلزماً له بأداء مُعين. وتطبيقاً لهذا حُكِمَ بأنه لا يجوز استخدام محضر جلسة مُثبت للصلح للتنفيذ في مواجهة من ليس طرفاً فيه (استئناف مُختلط 13 مارس 1907). وإذا كان هناك تضامن بين مدينين وصدر حكم ضد أحد المدينين، فإنه لا يجوز تنفيذ هذا الحكم ضد المدين المُتضامن الذي لم يصدر ضده "إذ لم يتضمن أي إلزام في مواجهته" (استئناف مُختلط 28 ديسمبر 1904). وإذا حُكِمَ على شخص فلا يجوز التنفيذ ضد ضامنه حتى يصدر ضده حكم (استئناف مصر 8 ديسمبر 1937 - المُحاماة 18 - 881 - 405). ولا يجوز لدائن الشريك أن يحجز في مواجهة الشركة على أموالها ولو كانت شركة تضامن (نقض مدني 8 ديسمبر 1975 - مجموعة النقض 26 - 1580 – 297؛ د. فتحي والي - المرجع السابق - نفس الموضع – وصـ 164 ، 165 وهوامشهما).

لكل ما تقدم، فقد اشترط القانون في محل التنفيذ أن يكون "حقاً للمدين":

من المسلم به أن التنفيذ يرد على ما يكون للمدين (أو للكفيل الشخصي) من حقوق مالية تُكوِن الجانب الإيجابي من ذمته المالية. ولما كان أهم ما يرد عليه التنفيذ هو حق الملكية، فإنه يُعبر عن هذا الشرط عادة بـ : "وجوب أن يكون الشيء مملوكاً للمدين".

وعلة هذا الشرط هو أن المدين إنما يضمن التزاماته بأمواله هو وليس بأموال الغير، فضلاً عن أن التنفيذ على مال الغير يمثل اعتداءً على حقه.

وتطبيقاً لهذا الشرط لا يجوز لدائن الشريك أن يُنفذ على أموال الشركة أثناء قيامها (الأمور المُستعجلة الجزئية بالقاهرة 15 إبريل 1952 - المُحاماة 33 - 538 - 252) ولو كانت الشركة شركة تضامن، أو كان الشريك هو الذي قدم المال للشركة كحصة في رأسمالها (نقض مدني 8 ديسمبر 1975 - مجموعة النقض 26 - 1580 - 297). ولا يجوز لدائني مُشترْ لعقار بعقد غير مُسجل التنفيذ على بناء أقامه مدينهم على العقار إذ البناء يدخل في ملكية البائع بالالتصاق ولا يكون مملوكاً للمشتري إلا بالتسجيل (نقض مدني 24 يناير 1979 في الطعن رقم 80 لسنة 45 قضائية). كما لا يجوز للدائن أن يُنفذ على مال كان مملوكاً على الشيوع لمدينه ولكنه وقع بعد القسمة في نصيب غيره من الشركاء، أو على عقار كان مملوكاً للمدين ولكنه تصرف فيه بعقد مُسجل قبل التنفيذ عليه (نقض مدني 19 إبريل 1956 - مجموعة النقض 7 - 533 - 73)، كما إنه ليس لدائن المُستحق في الوقف أن يحجز تنفيذياً على المحصولات الناتجة عن أرض الوقف إذ أن للوقف شخصية مُستقلة عن المُستحق في الوقف (نقض مدني 26 إبريل 1934 - مجموعة عمر 1 - 370 - 175)، كما أنه لا يجوز التنفيذ على الأوقاف الخيرية فهذه مهما كانت علاقة المدين بها لا تعتبر مملوكة له إذ هي في حُكم ملك الله (د. فتحي والي - المرجع السابق - بند 95 – صـ 179 ، 180 - وهوامشهما).

وبتطبيق كل ما تقدم على واقعات الدعوى الماثلة، ولما كان المحل المراد التنفيذ عليه مملوك للأوقاف الخيرية وليس مملوكاً للمدينين في السند التنفيذي (حكم الحراسة)، فإن تنفيذ هذا الحكم ضد الأوقاف الخيرية وضد هيئة الأوقاف المصرية يكون قد جاء على غير سند من حقيقة الواقع أو صحيح القانون، لذلك فهيئة الأوقاف تُطالب - من عدالة القضاء - الحكم لها بعدم الاعتداد بذلك الحكم في مواجهتها وببطلان وعدم الاعتداد بإجراءات التنفيذ تلك التي تمت واعتبارها كأن لم يكن والقضاء بوقف التنفيذ ما يشرع المعلن إليه في تنفيذه على أعيان أخرى.

حكم الحراسة ليس سنداً تنفيذياً:

لما كان من المسلم به إن أحكام الإلزام هي فقط التي تصلح كسندات تنفيذية. أما الأحكام التقريرية والأحكام المنشئة فلا تصلح لذلك وتكون غير قابلة للتنفيذ.

والحكم التقريري:

هذا الحكم الذي يقضي بوجود أو عدم وجود مركز قانوني دون إلزام المحكوم عليه بأداء معين أو بإحداث أي تغيير في هذا المركز، كالحكم ببراءة الذمة أو ببطلان عقد أو تزوير ورقة.

والحكم المنشئ:

هو الذي يقرر إنشاء أو تعديل أو إنهاء مركز قانوني موضوعي كالحكم بإشهار إفلاس تاجر أو بتعديل الالتزام التعاقدي بسبب الاستغلال أو الظروف الطارئة، والحكم بالتطليق والحكم بإبطال عقد أو فسخه.

أما حكم الإلزام:

فهو الذي يقضي بالتزام المحكوم عليه بأداء جزائي ومثاله الحكم بإخلاء عقار أو بدفع مبلغ معين من النقود.

وعلى ذلك فإن الحكم الصادر بصحة التوقيع لا يعتبر حكماً بالإلزام وبالتالي لا يجوز تنفيذه جبراً. وكذلك فإن الحكم الصادر بفسخ عقد إيجار أو بطلانه أو إبطاله لا يعد حكماً بالإلزام فلا يصلح سنداً تنفيذياً لإخلاء العين المؤجرة اللهم إلا إذا تضمن النص على الالتزام بالإخلاء. وكذلك الحكم الصادر بصحة ونفاذ عقد بيع لا يعتبر سنداً تنفيذياً، ولكنه إذا قضى مع صحة ونفاذ عقد البيع بإلزام المدعي أو المدعى عليه بالمصاريف فإنه يعتبر سنداً تنفيذياً لاقتضاء المصاريف المحكوم بها. وكذلك يعتبر سنداً تنفيذياً الحكم الذي يقضي بإلزام أحد أطرافه بالتعويض عن الأضرار الناشئة عن الخصومة أو بتغريمه.

وعلى ذلك، فالقاعدة المستقرة التي لا جدال فيها ولا خلاف حولها أن الأحكام المعتبرة سندات تنفيذية هي التي تتضمن الإلزام بأداء شيء معين يتعين على المحكوم عليه الوفاء به عيناً أو نقداً طوعاً أو كرهاً. لأن هذه الأحكام هي التي تنشئ للمحكوم له حقاً في إجراء التنفيذ جبراً على المحكوم عليه. (المرجع: بحث بعنوان "جريمة الامتناع عن تنفيذ الأحكام عمداً" - للمستشار/ زكريا مصيلحي عبد اللطيف - منشور في مجلة إدارة قضايا الحكومة - العدد الثالث - السنة الحادية والعشرون - يوليو/سبتمبر 1977 - ص 18).

ولما كان من المتفق عليه فقهاً وقضاءاً أن الأحكام التي تنفذ تنفيذاً جبرياً هي فقط أحكام الإلزام، وذلك دون الأحكام المقررة أو المنشئة، وعلة هذا أن حكم الإلزام هو وحده الذي يقبل مضمونه التنفيذ الجبري. حيث أن الحكم المقرر لا يرمي إلا إلى تأكيد رابطة قانونية، وبصدوره تتحقق الحماية القانونية كاملة، كذلك الأمر بالنسبة للحكم المنشئ فهو يرمي إلى إنشاء رابطة قانونية جديدة فتتحقق بمجرد صدوره الحماية القانونية. أما بالنسبة لحكم الإلزام، فلكي يتحقق مضمونه أي لكي تتحقق الحماية القانونية التي يتضمنها، يجب أن يقوم المحكوم عليه بعمل أو أعمال لصالح المحكوم له، فإذا لم يقم بها فإن الدولة يجب أن تحل محله في القيام ببعض الأعمال لتحقيق الحماية القانونية، فحكم الإلزام على خلاف الحكم المنشئ أو الحكم المقرر لا يحقق بذاته الحماية القانونية، ولهذا فإن المحكوم له ينشأ له عن هذا الحكم حق جديد هو الحق في التنفيذ الجبري، يستطيع بموجبه أن يطلب من السلطة العامة القيام بأعمال معينة لتحقيق الحماية القانونية له. وهذا الحق في التنفيذ الجبري والأعمال التي يستعمل بأدائها لا حاجة إليها بالنسبة للحكم المقرر أو الحكم المنشئ. (المرجع: "التنفيذ الجبري" للدكتور/ فتحي والي طبعة 1986 القاهرة بند 22 ص 38 ، 39).

لما كان ما تقدم، وكان حكم الحراسة الذي يستند إليه المدعي بالحق المدني (رقم 1166 لسنة 1997 مستعجل القاهرة) لم يصدر ضد أو حتى في مواجهة هيئة الأوقاف المصرية، ولم يلزم هيئة الأوقاف المصرية بثمة التزام، وإنما هو حكم تقريري يضفي صفة "الحارس" على المدعي بالحق المدني (إن سلمنا جدلاً بصحة هذا الحكم). وهذا الحكم التقريري لا يقبل التنفيذ الجبري ولا يصلح سنداًَ للإدعاء المباشر في جنحة عدم تنفيذ الأحكام.

لا سيما وأن المُقرر في قضاء النقض أن: "الحارس القضائي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يستمد سلطته من الحكم الذي يقيمه وتثبت له صفته بمجرد صدور الحكم دون حاجة إلي إجراء آخر". (نقض مدني في الطعن رقم 653 لسنة 47 قضائية - جلسة 31/3/1981 مجموعة المكتب الفني – السنة 32 – صـ 1003).

كما إنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "الحراسة القضائية إجراء تحفظي، والحكم الصادر فيها ليس قضاء بإجراء يحتمل التنفيذ المادي في ذاته، وإنما هو تقرير بتوافر صفة قانونية للحارس، وإبراز هذه الصفة ووضعها موضع التنفيذ بالنسبة للعقار ليس إلا عملاً حُكمياً ليس له كيان مادي". (نقض مدني في الطعن رقم 1014 لسنة 51 قضائية - جلسة 8/5/1988. ونقض جلسة 30/10/1952 في الطعن رقم 215 لسنة 21 قضائية مجموعة الربع قرن جـ1 ص 520 قاعدة 25. ونقض جلسة 10/2/1955 في الطعن رقم 36 لسنة 22 قضائية مجموعة الربع قرن جـ1 ص 219 قاعدة 21)

ومن ثم فإن حكم الحراسة سالف الذكر، وهو حكم تقريري، لا يصلح كسند تنفيذي، وبالتالي تكون جميع إجراءات التنفيذ التي تم بمقتضاه مخالفة للقانون وباطلة ولا يعتد بها، لا سيما في حق هيئة الأوقاف المصرية التي لم تكن أصلاً خصماً في الدعوى التي صدر فيها هذا الحكم التقريري.

عدم إعلان السند التنفيذي، وجزاء ذلك:

من المُقرر قانوناً أنه يجب على الدائن (المُنفذ) قبل اتخاذ إجراءات التنفيذ الجبري أن يُعلِن المُنفذ ضده بالسند التنفيذي - الحُكم مُزيل بالصيغة التنفيذية، في حالة دعوانا الماثلة - وأن يشتمل الإعلان على تكليفه بالوفاء وإنذاره بأنه إذا لم يف فإن الحق سيُستوفى جبراً عنه. (د. فتحي والي - المرجع السابق - بند 115 – صـ 231).

ويَلزم إعلان السند التنفيذي والتكليف بالوفاء بالنسبة لكل تنفيذ جبري، أياً كان نوع التنفيذ الجبري، وأياً كان نوع السند التنفيذي؛ وإذا تعدد المُراد التنفيذ ضدهم، فيجب القيام بإعلان كل منهم، حتى ولو كان السند التنفيذي ضدهم واحد. فإذا لم يُعلن أحدهم كان التنفيذ في مواجهته باطلاً رغم إعلان السند إلي غيره من المدينين بموجبه، هذا ولو كان هناك تضامن بين المدينين. (د. فتحي والي - المرجع السابق - بند 117 – صـ 235).

ويترتب على عدم إعلان السند التنفيذي قبل إجراء التنفيذ بُطلان هذا التنفيذ، وقد نصت المادة 281/1 مُرافعات صراحة على هذا البُطلان. والبُطلان المُقرر جزاءً لتخلف الإعلان أو تعييبه هو بُطلان مُقرر لمصلحة المُنفذ ضده الذي لم يُعلن أو أُعلِنَ إعلاناً باطلاً، فله أن ينزل عنه، كما أنه ليس لغيره التمسك به (نقض مدني 19 نوفمبر 1959 - مجموعة النقض 10 - 688 - 150. د. فتحي والي - المرجع السابق - بند 120 - صـ 244 : 246 وأنظر كذلك: "التعليق على قانون المرافعات" - للمُستشار/ عز الدين الدناصوري - الجزء الثاني - الطبعة الثامنة 1996 القاهرة - المادة 281 - صـ 606).

لما كان ذلك، وكانت هيئة الأوقاف المصرية لم تُعلن بالسند التنفيذي الذي يتم التنفيذ بمُقتضاه فإن إجراءات هذا التنفيذ في مواجهتها تكون باطلة. وهو ما تتمسك به هيئة الأوقاف المصرية على سبيل الجزم واليقين.

لكل ما تقدم، ولما سيُبديه الطالب بصفته من أسباب أخرى وأوجه دفوع ودفاع بمُذكراته المكتُوبة ومُرافعاته الشفوية أثناء تداول الدعوى الماثلة بالجلسات أمام عدالة المحكمة الموقرة، ولما تراه عدالة المحكمة من أسباب أصوب وأرشد.

"وبناء عليـــه"

أنا المُحضر سالف الذكر قد انتقلت في التاريخ أعلاه إلى حيث مقر إقامة وتواجد المعلن إليهم وأعلنتهم وسلمت لكل واحد منهم صورة من هذه الصحيفة للعلم بما جاء فيها وما اشتملت عليه وكلفتهم بالحضور أمام محكمة بولاق أبو العلا الجزئية والكائن مقرها بمجمع المحاكم بشارع الجلاء بجوار مبنى جريدة الأهرام، وذلك أمام الدائرة ( ................. ) مدني/تنفيذ وذلك بجلستها التي ستعقد علناً بسرايا المحكمة في تمام الساعة التاسعة من صباح يوم .............................. الموافق ................/ ................/2008م لسماعه الحكم ضده: "

- بعدم الاعتداد بحكم الحراسة رقم 1166 لسنة 1997 مستعجل القاهرة في مواجهة هيئة الأوقاف المصرية،

- وببطلان وعدم الاعتداد بجميع إجراءات التنفيذ التي تمت في مواجهة هيئة الأوقاف المصرية وعلى أعيان وقف غير الوقف المعين المعلن إليه حارساً عليه، واعتبارها كأن لم تكن،

- وببطلان وعدم الاعتداد بمحاضر استلام أعيان الأوقاف الخيرية المبينة بصدر هذه الصحيفة، واعتبارها كأن لم تكن،

- مع ما يترتب على ذلك من آثار، أهمها إلزام المعلن إليه برد تلك الأعيان للطالب بصفته بالحالة التي تسلمها عليها، مع عدم نفاذ أية تصرفات يكون قد أبرمها بشأنها في مواجهة هيئة الأوقاف المصرية.

- مع إلزام المعلن إليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة بحكم مشمول بالنفاذ المعجل بلا كفالة، مع التصريح بالتنفيذ بمسودة الحكم الأصلية".

مع حفظ كافة حقوق الأوقاف الأخرى أياً كانت،،،

ولأجل العلم

دفاع الهيئة في جنحة مباشرة ضد بعض محامي إدارة القضايا

محكمة الجمالية الجزئية

دائرة الجنح

مذكرة

بدفاع/ السيد الأستاذ رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية بصفته (مدعى عليهم مدنياً)

ضد

السيد/ ……………………….. (متهم، ومدعي مدني)

في الجنحة رقم ................................................ لسنة ........................... جنح الجمالية، والمحدد لنظرها جلسة يوم الأحد الموافق 3/6/2007م للمرافعة.

الوقائع

أقام المدعي دعوى تعويض مدنية أمام عدالة المحكمة الموقرة – بدون أن تكون مرتبطة بجنحة منسوبة للمدعى عليهم – بموجب إعلان موجه منه للمعلن إليهم، وأعلنهم على مقر وظيفتهم وليس لأشخاصهم أو في موطنهم، طلب في ختامه الحكم له ببراءة المدعي من التهم التي نسبتها النيابة العامة له، مع إلزام المعلن إليهم متضامنين بأن يؤدوا له مبلغ وقدره 2001 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت جبراً للأضرار التي أصابته، مع إلزام المعلن إليهم بالمصروفات والرسوم ومقابل أتعاب المحاماة.

وذلك على سند من القول بأنه 12/7/2005 قام المعلن إليهم بتحرير المحضر رقم 6779 لسنة 2005 جنح الجمالية ضد المدعي لكونه من قام بالاعتداء على المعلن إليهم بالقذف والسب متهماً إياهم بالرشوة والسرقة واستعمال طرق ملتوية والابتزاز والنصب على التفصيل الوارد بالمحضر، وقد أحيل هذا المحضر للنيابة العامة التي رأت قيده جنحة ضد المدعي، وقد تحدد لنظره جلسة 18/3/2007 وبتلك الجلسة ادعى المدعي مدنياً ضد المعلن إليهم بمبلغ 2001 جنيه على سبيل التعويض المؤقت لما زعم إصابته من أضرار معنوية بسبب ذلك أثناء تأدية أعمالهم الوظيفية.

الدفاع

أولاً- نطلب قبول تدخل رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية بصفته المسئول عن الحقوق المدنية في الدعوى الجنائية القائمـة:

حيث تنص المادة 254 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: "للمسئول عن الحقوق المدنية أن يدخل من تلقاء نفسه في الدعوى الجنائية. في أية حالة كانت عليها".

ومؤدى هذا النص أنه يجوز للمسئول المدني أن يدخل في الدعوى الجنائية لو لم تكن ثمة دعوى مدنية قائمة. وعلة ذلك أن الحكم الذي يصدر في الدعوى الجنائية سوف ينصرف أثره إليه حتماً عند مطالبته بالتعويض في دعوى مدنية تُقام ضده فيما بعد، فأجاز له القانون دخوله للدفاع عن المُتهم وعن نفسه بطريق غير مُباشر. (نقض 6 مارس سنة 1956 مجموعة أحكام النقض س 7 رقم 88 ص 288). وللمسئول مدنياً أن يتدخل في الدعوى الجنائية، في أية حالة كانت عليها، ولو لأول مرة أمام محكمة النقض. (المرجع: "شرح قانون الإجراءات الجنائية" - للدكتور العميد/ محمود نجيب حُسني - الطبعة الثانية 1987 القاهرة - بند 293 صـ 269 و 270 وهوامشهما).

ونظراً لأن المسئول عن الحقوق المدنية يُضار من الحكم على المُتهم بالإدانة حتى ولو لم يكن هناك ادعاء مدني من قِبل المضرور، فقد أباح له القانون أن يتدخل في الدعوى الجنائية، وقد نصت على ذلك المادة 254 من قانون الإجراءات الجنائية، حيث أن للمسئول عن الحقوق المدنية مصلحة مُحققة في هذا التدخل، ذلك أنه لو صدر حكم بالإدانة فإن هذا الحكم تكون له حجيته من حيث ثبوت الخطأ المدني وما يتبعه من تعويضات إذا ما رفع المضرور دعواه أمام المحكمة المدنية، هذا فضلاً عن أن تدخله قد يحول دون تواطؤ المُتهم مع المُدعي المدني للحكم للأخير بالتعويض. (المرجع: "الإجراءات الجنائية في التشريع المصري" - للدكتور/ مأمون سلامة - ص 327.. و "مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري" - للدكتور/ رءوف عبيد - ط 10 - س 1974 – صـ 208. ونقض جنائي في الطعن رقم 69 لسنة 26 قضائية - جلسة 2/4/1956 س 7 ص 459 مجموعة الخمسين عاماً).

ولما كانت مزاعم المُدعي بالحق المدني تقوم على زعم وهم موظفون بهيئة الأوقاف المصرية، فإنه يحق - والحال كذلك - للمسئول عن الحقوق المدنية أن يتدخل في الدعوى الجنائية القائمة درءاً للمسئولية بنفي الجريمة عن المُتهمين.

ثانياً- ندفع بعدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية، لبطلان التكليف بالحضور، ولانعدام الأهلية الإجرائية اللازمة لصحة انعقاد الخصومة:

ونتناول في دفعنا هذا النِقاط الآتية:

1- بطلان التكليف بالحضور.

2- آثار بطلان التكليف بالحضور على الدعويين الجنائية والمدنية.

3- انعدام الأهلية الإجرائية اللازمة لصحة انعقاد الخصومة.

4- آثار انعدام الأهلية الإجرائية على الدعويين الجنائية والمدنية.

1- بطلان التكليف بالحضور:

تنص المادة 234 من قانون الإجراءات الجنائية على أن: "تُعلن ورقة التكليف بالحضور لشخص المُعلن إليه أو في محل إقامته بالطُرق المُقررة في قانون المُرافعات في المواد المدنية والتُجارية. وإذا لم يؤد البحث إلي معرفة محل إقامة المُتهم، يُسلم الإعلان للسلطة الإدارية التابع لها آخر محل كان يُقيم فيه في مصر، ويُعتبر المكان الذي وقعت فيه الجريمة آخر محل إقامة للمُتهم ما لم يثُبت خلاف ذلك".

وبالتالي يتعين الرجوع إلي قانون المرافعات الذي تنص المادة 10 منه على أن: "تُسلم الأوراق المطلوب إعلانها إلي الشخص نفسه أو في موطنه ويجوز تسليمها في المُوطن المُختار في الأحوال التي بينها القانون. وإذا لم يجد المُحضر الشخص المطلوب في موطنه كان عليه أن يُسلم الورقة إلي من يُقرر أنه وكيلُه أو أنه يعمل في خدمته أو أنه من الساكنين معه من الأزواج والأقارب والأصهار".

كما تنص المادة 11 من قانون المُرافعات على أنه: "إذا لم يجد المُحضر من يصح تسليم الورقة إليه طبقاً للمادة السابقة أو امتنع من وجده من المذكورين فيها عن التوقيع على الأصل بالاستلام أو عن استلام الصورة، وجب عليه أن يُسلمها في اليوم ذاته إلي مأمور القسم أو المركز أو العمدة أو شيخ البلد الذي يقع موطن المُعلن إليه في دائرته حسب الأحوال. وعلى المُحضر - خلال أربع وعشرين ساعة - أن يوجه إلي المُعلن إليه في موطنه الأصلي أو المُختار كتاباً مُسجلاً يخبره فيه أن الصورة سُلِمَت إلي جهة الإدارة. ويجب على المُحضر أن يُبين ذلك كله في حينه في أصل الإعلان وصورته. ويُعتبر الإعلان مُنتجاً لأثاره من وقت تسليم الصورة إلي من سُلِمَت إليه قانوناً".

كما تنص المادة 19 من قانون المُرافعات على أن: "يترتب البطلان على عدم مُراعاة المواعيد والإجراءات المنصوص عليها في المواد 6 و 7 و 8 و 9 و 10 و 11 و13".

ومؤدى نص المادة 10 من قانون المرافعات، وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض، يدل على أن: "الأصل في إعلان أوراق المُحضرين أن تُسلم الأوراق المُراد إعلانها للشخص نفسه أو في موطنه، فإذا لم يجد المُحضر الشخص المُراد إعلانه في موطنه جاز تسليم الأوراق إلي أحد أقاربه أو أصهاره بشرط أن يكون مُقيماً معه". (نقض مدني في الطعن رقم 56 لسنة 46 قضائية - جلسة 28/1/1980 س 31 الجزء الأول صـ 324. مجموعة الخمسين عاماً - الجزء الأول - المجلد الثاني - قاعدة رقم 76 - ص 1526).

ومن المُستقر عليه في قضاء النقض المدني والجنائي أن: "موطن الشخص كما عرفته المادة 40 من القانون المدني هو المكان الذي يُقيم فيه عادة، ومن ثم لا يُعتبر المكان الذي يُباشر فيه الموظف عمله موطناً له، وأذن فمتى كان الواقع هو أن المطعون عليه أعلن بتقرير الطعن في مكان وظيفته باعتباره مأموراً لإصلاحية الرجال مُخاطباً مع أحد الموظفين معه لغيابه مع أن الدعوى أُقيمت عليه بصفته الشخصية فإن هذا الإعلان يكون قد وقع باطلاً". (نقض مدني في الطعن رقم 186 لسنة 19 قضائية - جلسة 7/2/1952. مجموعة الخمسين عاماً - الجزء الأول - المُجلد الثاني - قاعدة رقم 28 - ص 1513. والطعن رقم 814 لسنة 53 قضائية - جلسة 21/12/1986)

وتطبيقاً لكل ما تقدم، فقد قضت محكمة النقض بوجوب إعلان المُتهم لشخصه أو في موطنه، وبأن مكان العمل ليس موطناً يجوز الإعلان فيه. (نقض جنائي في الطعن رقم 3887 لسنة 57 قضائية - جلسة 27/10/1988. مجلة القُضاة الفصلية - العدد الأول - لسنة 25 - المبدأ الأول – صـ 29).

ومفاد نص المادة 11 مرافعات أنه إذا لم يجد المُحضر من يصح تسليم الصورة إليه أو امتنع عن تسلمها أو التوقيع على الأصل، وجب على المُحضر أن يُسلم الصورة في اليوم ذاته إلي جهة الإدارة، ثم يقوم بإرسال كتاب مُسجل إلي المُعلن إليه في موطنه الأصلي يُخبره فيه بأن الصورة قد سُلِمَت إلي جهة الإدارة؛ وقد رتبت المادة 19 من قانون المُرافعات البطلان على عدم مُراعاة هذه الإجراءات. (نقض مدني في الطعن رقم 3953 لسنة 77 قضائية - جلسة 15/4/1986 مجموعة المكتب الفني - السنة 37 - قاعدة رقم 97 - ص 479 وما بعدها).

وحاصل القول، أن إعلان المُتهم يجب أن يكون لشخصه أو في موطنه طبقاً للقواعد المُقررة في قانون المُرافعات - والتي تُحيل إليها المادة 234 من قانون الإجراءات الجنائية - وأن مكان مُباشرة الموظف لعمله ليس موطناً له ولا يصح إعلانه عليه.

وبإنزال ما تقدم على واقعات الدعوى الماثلة يتبين أن المُدعى لم يقُم بإعلان المُتهمين إعلاناً قانونياً صحيحاً لأشخاصهم أو في موطنهم الأصلي الذين يُقيمون فيه. إذ أن الثابت بالأوراق أن التكليف بالوفاء قد تم إعلانه على مقر عمل المتهمين وليس لأشخاصهم أو في موطنهم القانوني. وبالتالي فإن هذا الإعلان يكون قد وقع باطلاً ولا تنعقد به الخصومة.

2- آثار بطلان التكليف بالحضور على الدعويين الجنائية والمدنية:

من المُقرر قانوناً أنه طبقاً لنص المادة 234 إجراءات تُعلن ورقة التكليف بالحضور لشخص المُعلن إليه أو في محل إقامته بالطُرق المُقررة في قانون المرافعات في المواد المدنية والتُجارية، وإذا لم تكن ورقة التكليف بالحضور صحيحة، أو لم تُعلن طبقاً للقانون، فلا يترتب عليها أثرها وهو اتصال المحكمة بالدعوى، ومثال ذلك عدم وصولها إلي الشخص المُعلن أصلاً، أو عند وقوع خطأ مادي فيها ترتب عليه عدم علمه بزمان الجلسة ومكانها وهو الهدف من الإعلان، فإذا لم يحضر المُتهم فلا يحق للمحكمة أن تتعرض للدعوى وإلا كان حكمها باطلاً. (المراجع: "مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري" - للدكتور/ رءوف عبيد - ط 10 - س 1974 – صـ 120. و "شرح قانون الإجراءات الجنائية" - للدكتور محمود محمود مصطفى - ط 10 – صـ 407 وما بعدها).

ولا يُستعاض عن التكليف بالحضور بأي إجراء آخر، فلا يجوز للمدعي المدني أن يوجه التُهمة في الجلسة ولو قبل المُتهم ذلك. (المرجع: "الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية" - للدكتور أحمد فتحي سرور - المُجلد الأول - طبعة 1981 القاهرة – صـ 711).

فإذا لم يحضر المُتهم، فعلى القاضي - من تلقاء نفسه - أن يتحقق من صحة التكليف بالحضور؛ فإن تبين له عدم صحته قضى ببطلانه، ولا يجوز له أن يحكم على المُتهم غيابياً، إذ الحكم الغيابي يفترض تكليفاً صحيحاً بالحضور. (المرجع: "شرح قانون الإجراءات الجنائية" - للدكتور العميد/ محمود نجيب حُسني - الطبعة الثانية 1987 القاهرة - بند 388 ص 352 و 353 وهوامشهمـا).

لما كان ما تقدم، وكان من المُستقر عليه فقهً وقضاءً أنه: "إذا تغيب المُتهم عن الجلسة، ولم يُرسل وكيلاً عنه، فعلى المحكمة أن تتحقق من استيفاء القواعد السابقة في التكليف بالحضور، فإذا لم تكُن قد رُعيِتَ تقضي ببطلانه، إذ يجب أن تكون ورقة التكليف بالحضور صحيحة حتى يترتب عليها أثرها القانوني وهو اتصال المحكمة بالدعوى، فإذا لم يحضر المُتهم وكان لم يُعلن أصلاً أو كان إعلانه باطلاً فلا يحق للمحكمة أن تتعرض للدعوى فإذا هي فعلت كان حُكمها باطلاً". (المرجع: "شرح قانون الإجراءات الجنائية" - للدكتور/ محمود محمود مصطفى - المرجع السابق – صـ 408).

كما قضت محكمة النقض بأنه: "من المُقرر أنه لا يجوز للمحكمة أن تحكم على المُتهم في غيبته إلا بعد إعلانه قانوناً بالجلسة التي تُحدد لنظر دعواه وإلا بطُلت إجراءات المُحاكمة، لأن الإعلان القانوني شرط لازم لصحة اتصال المحكمة بالدعوى".

أثر البُطلان بالنسبة للإجراء الباطل والإجراءات اللاحقة له: حددت هذه الآثار المادة 336 من قانون الإجراءات الجنائية في قولها:

"إذا تقرر بُطلان أي إجراء، فإنه يتناول جميع الآثار التي تترتب عليه مُباشرة، ولزم إعادته متى أمكن ذلك". القاعدة أن بُطلان الإجراء لا يتقرر بقوة القانون، وإنما يتعين أن يُقرره القضاء (وذلك أهم الفروق بين البُطلان والانعدام)، فإذا قرر القضاء بُطلان إجراء ما، فإن تحديد أثر البُطلان بالنسبة لهذا الإجراء لا يُثير صعوبة، فهو - في الأصل - إهدار القيمة القانونية لهذا الإجراء، فكأنه لم يُباشَر، ولا يترتب عليه أثر قانوني ما (نقض 20 إبريل سنة 1959 مجموعة أحكام النقض السنة 10 رقم 99 صـ 451). وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا كانت ورقة التكليف بالحضور باطلة فلا يترتب عليها أثرها المُعتاد، وهو "اتصال المحكمة بالدعوى"، ومن ثم لا يحق للمحكمة أن تتعرض للدعوى، فإن هي فعلت كان حُكمها باطلاً (نقض 14 أكتوبر سنة 1947 مجموعة القواعد القانونية جـ 7 رقم 395 صـ 376 ؛ المرجع: "شرح قانون الإجراءات الجنائية" - للدكتور العميد/ محمود نجيب حُسني - الطبعة الثانية 1987 القاهرة - بند 390 – صـ 354 و 355).

ومن ثم تكون الآثار التي تترتب على بطلان التكليف بالحضور في الدعوى الماثلة هو: "عدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية". حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن : "الدعوى الجنائية التي تُرفع مُباشرة من المُدعي بالحق المدني ودعواه المدنية التابعة لها المؤسسة على الضرر الذي يدعي أنه لَحِقه من الجريمة لا تنعقد الخصومة بينه وبين المُتهم - وهو المُدعى عليه فيها - إلا عن طريق تكليفه بالحضور أمام المحكمة تكليفاً صحيحاً، وما لم تنعقد هذه الخصومة بالطريق الذي رسمه القانون، فإن الدعويين الجنائية والمدنية لا تكونان مقبولتين من المُدعي بالحقوق المدنية". (نقض جنائي في الطعن رقم 1601 لسنة 34 قضائية - جلسة 11/11/1965 س 16 صـ 450.. ونقض جنائي في الطعن رقم 569 لسنة 53 قضائية - جلسة 14/6/1983 س 34 صـ 770).

وبإنزال كل ما تقدم على واقعات الدعوى الماثلة، وبعد أن انتهينا من قبل إلي بطلان التكليف بالحضور الحاصل للمُتهمين، وما ترتب عليه من عدم دخول الدعوى في حوزة المحكمة، الأمر الذي يتعين معه - والحال كذلك - القضاء بعدم قبول الدعوى.

3- انعدام الأهلية الإجرائية اللازمة لصحة انعقاد الخصومة:

من المُسلم به أنه يلزم لصحة انعقاد الخصومة أن تُرفع الدعوى الجنائية ضد شخص طبيعي على قيد الحياة، ويجب أن يكون المُتهم مُعيناً، ويجب أن يُختصم بشخصه لا بصفته.

ومن المُقرر كذلك، أن الدعوى العمومية دعوى شخصية، وهذا نتيجة حتمية لشخصية العقوبة، فلا تُرفع الدعوى العمومية إلا على من يُنسب إليه ارتكاب الجريمة أو المُشاركة فيها، وينبني على ذلك أن المُدعي عليه في الدعوى الجنائية يجب أن يكون شخصاً مُعيناً، وأن يكون هو الجاني.

ومن المبادئ المُستقرة في الفقه أنه: "لا تُرفع الدعوى إلا على شخص طبيعي، أما الشخص المعنوي.. - وهو ما فرض القانون وجوده بحكم الضرورة العملية تسهيلاً لتحقيق مصالح عامة أو خاصة - ..فمن الوجهة المدنية يصح أن يكون أهلاً لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، ولذا يمكن أن يُدعىَ عليه، وإن كانت تصرُفاته لا يأتيها بنفسه فليس له كيان ملموس وإنما يأتيها بواسطة من يُمثله، ولكن الشخص المعنوي لا يمكن أن يُسأل جنائياً لأن عناصر إسناد المسئولية الجنائية لا تتوافر إلا لدى شخص طبيعي، وبعبارة أخرى إن أوامر قانون العقوبات ونواهيه لا تُوجه إلا إلي شخص أهل لتحمل المسئولية الجنائية والشخص المعنوي ليس أهلاً لذلك". (المراجع: "شرح قانون الإجراءات الجنائية" - للدكتور/ محمود محمود مصطفى - الطبعة العاشرة – صـ 127. و "شرح قانون الإجراءات الجنائية" - للدكتور العميد/ محمود نجيب حُسني - الطبعة الثانية 1987 القاهرة - بند 295 – صـ 270 و 271 وهوامشهما. و "الوسيط في شرح القانون المدني" - للدكتور/ عبد الرزاق أحمد السنهوري - الجزء الأول - المُجلد الثاني - الطبعة الثالثة 1981 القاهرة - بند 541 – صـ 1121 : 1126 وهوامشها).

فالقاعدة في التشريع المصري هي عدم مسئولية الأشخاص المعنوية جنائياً، وأن الاستثناء هو مسئوليتها جنائياً، ولا محل للقول بأن هذه المسئولية مُقدرة في تشريعنا كقاعدة عامة أو على دم المُساواة مع مسئولية الشخص الطبيعي ما لم يوجد نص صريح يرسم نطاق هذه المسئولية ويُحدد مداها، وأن الشخص الاعتباري لا يُسأل جنائياً بل مدنياً فحسب، وبغير إخلال بالمسئولية الجنائية الشخصية التي تقع على من يثبُت أنه قارف فعلاً جنائياً من مُديريه أو من تابعيه". (المرجع: "مبادئ الإجراءات الجنائية" - للدكتور/ رءوف عبيد - الطبعة 10 – صـ 127).

ومن المبادئ المُستقرة في القضاء كذلك: "عدم مسئولية الشخص المعنوي جنائياً". (نقض 30 ديسمبر سنة 1968 مجموعة أحكام محكمة النقض س 19 رقم 226 صـ 1110؛ ونقض 12 مايو سنة 1969 س 20 رقم 138 صـ 680؛ ونقض 21 يونيو سنة 1954 س 5 رقم 260 صـ 804).

ومن المُقرر في قضاء النقض أيضاً أن: "الأصل أن الأشخاص الاعتبارية لا تُسأل جنائياً عما يقع من مُمثليها من جرائم أثناء قيامهم بأعمالها بل الذي يُسأل هو مُرتكب الجريمة شخصياً". (نقض جنائي في 16/5/1967 مجموعة المكتب الفني س 18 - الجزء الثاني - قاعدة رقم 131 – صـ 681).

ولما كان المُدعي بالحق المدني قد خالف هذا النظر، اختصم المُتهم الأول بصفته، أي أنه اختصم قانوناً هيئة الأوقاف المصرية ولم يختصم الممثل القانوني لها بشخصه وباسمه وبذاته ويعلنه لشخصه أو في موطنه وليس بصفته وفي مقر عمله؛ لذلك فإن الأهلية الإجرائية اللازمة لانعقاد الخصومة تكون مُنعدمة.

4- آثار انعدام الرابطة الإجرائية على الدعويين الجنائية والمدنية:

"يترتب على رفع الدعوى دون تحديد شخصية المُتهم بطلان إجراءات رفعها، ويتعين الحكم - في هذه الحالة - بعدم قبولها لاستحالة قيام الرابطة الإجرائية". (المرجع: "الإجراءات الجنائية في التشريع المصري" - للدكتور/ مأمون سلامة - المرجع السابق – صـ 213).

وعلى ذلك، "لا يجوز للمحكمة التصدي لموضوع الدعوى الجنائية طالما أن الأهلية الإجرائية أو الرابطة الإجرائية اللازمة لصحة انعقاد الخصومة لم تكتمل، فإن هي تصدت للفصل في موضوع الدعوى رغم عدم توافر الأهلية الإجرائية كان حكمها باطلاً أو مُنعدماً". (المرجع: "الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية" - للدكتور/ أحمد فتحي سرور - المرجع السابق – صـ 553).

وبإنزال ما تقدم على واقعات الدعوى الماثلة يتبين انعدام الأهلية الإجرائية اللازمة لصحة انعقاد الخصومة الأمر الذي تكون معه الدعوى لم تدخل في حوزة المحكمة، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى.

ثالثاً- ندفع بعدم قبول الدعوى:

الأصل أن النيابة العامة هي المختصة بتحريك الدعوى الجنائية، إذ أن هذا التحريك "عمل اتهام"، فتختص به النيابة باعتبارها "سلطة الاتهام". وقد عبرت عن هذه القاعدة الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية في نصها على أن: "تختص النيابة العامة دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ...".

ولكن النيابة العامة لا تنفرد بهذا الاختصاص، وإنما يشاركها فيه المدعي المدني والمحاكم في حالات التصدي وجرائم الجلسات. وقد أشار الشارع إلى هذه المشاركة للنيابة في اختصاصها، فقال، في نهاية الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية – أن الدعوى الجنائية "لا ترفع من غيرها (أي من غير النيابة العامة) إلا في الأحوال المُبينة في القانون".

كما تنص المادة 21 من قانون السلطة القضائية على أن: "تمارس النيابة العامة الاختصاصات المخولة لها قانوناً، ولها دون غيرها الحق في رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك".

هذا، وقد استبعد الشارع من نطاق الإدعاء المباشر "الجنايات"، و "الجرائم التي ترتكب خارج الإقليم المصري وتخضع مع ذلك للقانون المصري"، و "جرائم الأحداث"، و "الجرائم التي تختص بها المحاكم الخاصة – كالمحاكم العسكرية"، و "الجرائم التي تختص بها المحاكم الاستثنائية – كمحاكم أمن الدولة"، و "الجرائم التي يرتكبها الموظفون العامون". ففي جميع تلك الجرائم لا يجوز الإدعاء المباشر فيها، ويقتصر حق تحريك الدعوى الجنائية عنها على النيابة العامة وحدها دون غيرها.

حيث نصت الفقرة الأخيرة من المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: "... ومع ذلك فلا يجوز للمدعي بالحقوق المدنية أن يرفع الدعوى إلى المحكمة بتكليف خصمه مباشرة بالحضور أمامها، في الحالتين الآتيتين: أولاً- ... ثانياً- إذا كانت الدعوى موجهة ضد موظف أو مُستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، ما لم تكن من الجرائم المُشار إليها في المادة 123 من قانون العقوبات".

وعلة هذا الاستبعاد حماية الموظف العام، وهو يباشر اختصاصه الذي قرره له القانون من اتهام كيدي أو متسرع يبعث عليه حقد الفرد الذي أضر به عمل الموظف أو ضيع عليه منفعة، وتوفير الهدوء والطمأنينة للموظف وهو يباشر اختصاصه، ولذلك رأى المُشرع أن تختص النيابة وحدها بتقدير ملاءمة تحريك الدعوى.

وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لقانون الإجراءات الجنائية رقم 121 لسنة 1956 تعليلاً لهذا القيد: "أن اتهام موظف لجريمة وقعت منه أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها يثنيه عن أداء أعمال وظيفته على الوجه الأكمل، فيؤثر ذلك على حسن سير العمل وتصاب المصلحة العامة بأضرار بليغة، هذا إلى أن للموظفين شأناً خاصاً في قانون العقوبات، فهو يعني بفرض واجبات خاصة عليهم، ويقرر لهم تارة عقوبات أشد مما يقرره لأفراد الناس، وطوراً يخصهم بجرائم وعقوبات لا يشتركون فيها مع غيرهم، فيجب لقاء ذلك أن يضع القانون لهم حماية خاصة تقيهم كيد الأفراد لهم ونزعتهم الطبيعية للشكوى منهم".

هذا، ويفهم تعبير الموظف في المدلول الواسع الذي فهم به في المادتين 63 و 302 من قانون العقوبات، فيعتبر موظفاً عاماً "كل شخص يباشر طبقاً للقانون جزءاً من اختصاصات الدولة"، إذ أن هذا الفهم هو الذي يحقق علة الاستبعاد. (المرجع: "شرح قانون الإجراءات الجنائية" – للدكتور/ محمود نجيب حسني – الطبعة الثانية 1987 القاهرة – بند 185 – صـ 173 وما بعدها).

كما تنص الفقرة الثالثة من المادة 63 من قانون الإجراءات الجنائية (والمعدلة بالقانون رقم 37 لسنة 1972، والمنشور بالجريدة الرسمية – بالعدد 39 الصادر في 28/9/1972) على أنه: "فيما عدا الجرائم المُشار إليها في المادة 123 من قانون العقوبات (وهي المادة الخاصة بجريمة عدم تنفيذ الأحكام) لا يجوز لغير النائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة العامة رفع الدعوى الجنائية ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجناية أو جنحة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها".

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض: "... لما كان ذلك، وكان البين من الحكمين الابتدائي والمطعون فيه أنهما أسسا قضاءهما بعدم قبول الدعوى المدنية على أن الجرائم التي أسندها الطاعن إلى المطعون ضده – وهو موظف عام الأمر الذي لم يجادل فيه الطاعن – قد وقعت منه أثناء تأديته وظيفته وبسببها الأمر المنطبق على ما تقضي به المادتان 232 و 63 من قانون الإجراءات الجنائية من عدم جواز تحريك الدعوى بالطريق المباشر في الجرائم التي تقع من الموظفين العموميين أثناء تأديتهم وظائفهم أو بسببها، فيما عدا الجرائم المنصوص عليها في المادة 123 من قانون العقوبات، وعدم جواز تحريك الدعوى في تلك الحالات إلا من النائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة، وكانت الفقرة الثالثة من المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية – بعد تعديلها بالقانون رقم 37 لسنة 1972 – تنص على أنه: "ومع ذلك فلا يجوز للمدعي بالحقوق المدنية أن يرفع الدعوى إلى المحكمة بتكليف خصمه مباشرة بالحضور أمامها في الحالتين الآتيتين: ... "ثانياً- إذا كانت الدعوى موجهة ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، ما لم تكن من الجرائم المشار إليها في المادة 123 من قانون العقوبات"، كما تنص المادة 63 من قانون الإجراءات الجنائية – بعد تعديلها بالقانون رقم 37 لسنة 1972 المشار إليه – في فقرتها الثالثة على أنه: "وفيما عدا الجرائم المشار إليها في المادة 123 من قانون العقوبات لا يجوز لغير النائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة رفع الدعوى الجنائية ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجناية أو لجنحة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها"، وكان البين من هذين النصين أنه فيما عدا الجرائم المشار إليها في المادة 123 من قانون العقوبات، فإن المدعي بالحقوق المدنية لا يملك حق تحريك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر في الجنح والمخالفات التي يرتكبها الموظف العام ومن في حكمه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها إذ قصر الشارع حق تحريكها في هذه الحالات على النائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة العامة. لما كان ذلك، وكان من المُقرر أنه إذا كانت الدعوى قد أقيمت ممن لا يملك رفعها قانوناً وعلى خلاف ما تقضي به المادتان 232 و 63 إجراءات جنائية، فإن اتصال المحكمة في هذه الحالة بالدعوى يكون معدوماً قانوناً ولا يحق لها أن تتعرض لموضوعها بل يتعين عليها أن تقصر حكمها على القضاء بعدم قبول الدعوى إلى أن تتوفر لها الشروط التي فرضها الشارع لقبولها، وإذ كان الحكم الابتدائي المكمل والمؤيد بالحكم المطعون فيه التزم هذا النظر – على نحو ما تقدم بيانه – فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون. لما كان ذلك، وكان الطعن بطريق النقض، وفقاً للمادتين 30 و 31 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، لا يجوز إلا بعد أن يكون قد صدر في موضوع الدعوى حكم منه للخصومة أو مانعاً من السير في الدعوى، وكان الحكم المطعون فيه لم يفصل في موضوع الدعوى المدنية كما أنه لا يعد مانعاً من السير فيها، فإن طعن المدعي بالحقوق المدنية فيه بطريق النقض يكون غير جائز، فإنه يتعين الحكم بعدم جواز الطعن مع مصادرة الكفالة عملاً بالمادة 36 من القانون رقم 57 لسنة 1959 المشار إليه، وإلزام الطاعن المصروفات بالتطبيق لحكم المادة 320 من قانون الإجراءات الجنائية". (الطعن رقم 7322 لسنة 54 قضائية – جلسة 29/1/1985 مجموعة المكتب الفني – السنة 36 – القاعدة رقم 26 – صـ 182 : 185).

وقد تواتر قضاء النقض على أنه: "لما كان الثابت من مدونات الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه ومن المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن أن الطاعن يعمل ضابط شرطة بإدارة الدورية اللاسلكية بشرطة النجدة وأن الجريمة المنسوبة إليه وقعت منه أثناء تأديته وظيفته وأن الدعوى الجنائية قد رفعت ضده بناء على طلب وكيل النيابة الجزئية دون أن يأذن بذلك النائب العام أو المحامى العام أو رئيس النيابة وفقاً لما جرى عليه نص الفقرة الثالثة من المادة 63 من قانون الإجراءات الجنائية، فإن وجه النعي الذي أثاره الطاعن لأول مرة أمام هذه المحكمة بعدم جواز رفع الدعوى يكون مقبولاً ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى في موضوع الدعوى قد أخطأ في تطبيق القانون بما يتعين نقضه وتصحيحه بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعوى وذلك بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن". (الطعن رقم 4522 لسنة 57 قضائية – جلسة 22/2/1988 مجموعة المكتب الفني – السنة 39 – صـ 338 – فقرة 2).

كما قضت محكمة النفض بأنه: "من المقرر أن الدعوى الجنائية إذا كانت أقيمت على المتهم ممن لا يملك رفعها قانوناً وعلى خلاف ما تقضى به المادة 63 من قانون الإجراءات الجنائية، فإن اتصال المحكمة في هذه الحالة بالدعوى يكون معدوماً قانوناً ولا يجوز لها أن تتعرض لموضوعها، فإن هي فعلت كان حكمها وما بنى عليه من إجراءات معدوم الأثر، ولا تملك المحكمة الاستئنافية عند رفع الأمر إليها أن تتصدى لموضوع الدعوى باعتبار أن باب المحكمة موصد دونها وهو أمر من النظام العام لتعلقه بولاية المحكمة واتصاله بشرط أصيل لازم لتحريك الدعوى الجنائية ولصحة اتصال المحكمة بالواقعة، وبهذه المثابة يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض". (نقض 3241 لسنة 55 قضائية – جلسة 2/3/1986 مجموعة المكتب الفني – السنة 37 – صـ 326 – فقرة 1).

فالمُقرر في قضاء النقض أن: "قضاء محكمة أول درجة ببراءة المطعون ضدهما ورفض الدعوى المدنية في الدعوى المُباشرة عن إحدى الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم 49 لسنة 1977. خطأ. صحته: أن تقضي بعدم قبول الدعوى المُباشرة المُقامة من الطاعن لعدم جواز رفعها بهذا الطريق. استئناف الشق المدني في الميعاد القانوني. قضاء الحكم المطعون فيه بعدم قبول الاستئناف برغم ما جاء بمدوناته من أن الاستئناف مقبول شكلاً. خطأ في تطبيق القانون. صحته: أن تقضي بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المُستأنف فيما قضى به من رفض الدعوى المدنية و(القضاء مُجدداً) بعدم قبولها". (نقض جنائي في الطعن رقم 8070 لسنة 54 قضائية - جلسة 25/3/1985 مجموعة المكتب الفني السنة 36 رقم 76 ص 450).

وبتطبيق كل تلك القواعد القانونية المتقدم ذكرها على وقائع الدعوى الماثلة، نجد أن المدعي هو الذي حرك الدعوى ضد موظفين عامين بسبب وأثناء تأدية وظائفهم ولكن ليس بنسبة اتهام لهم بعدم تنفيذ أحكام وهي التهم المنصوص عليها في المادة 123 من قانون العقوبات، بل بتهم أخرى مزعومة لا علاقة لها ولا صلة بها بتهمة عدم تنفيذ الأحكام ومن ثم فلا يجوز الإدعاء المباشر فيها، وتكون الدعوى الجنائية قد أقيمت ممن لا يملك رفعها قانوناً وعلى خلاف ما تقضى به المادة 63 من قانون الإجراءات الجنائية، فإن اتصال المحكمة في هذه الحالة بالدعوى يكون معدوماً قانوناً ولا يجوز لها أن تتعرض لموضوعها، وتكون جميع الإجراءات في تلك الدعوى معدومة الأثر، ويكون الباب موصدا دونها أمام محكمة الموضوع في أول وثاني درجة، وهذا أمر متعلق بالنظام العام لتعلقه بولاية المحكمة واتصاله بشرط أصيل لازم لتحريك الدعوى الجنائية ولصحة اتصال المحكمة بالواقعة، وهو بهذه المثابة يجوز لكل ذي شأن التمسك به ويجوز لمحكمة الموضوع القضاء به من تلقاء نفسها ويجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض. ومن ثم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية (لعدم جواز رفعها بهذا الطريق) – والحال كذلك – قد جاء على سند من صحيح القانون خليق بالقبول والقضاء به، وهو ما تتمسك به هيئة الأوقاف المصرية على سبيل الجزم واليقين.

رابعاً- ندفع بعدم قبول الدعوى المدنية:

بالإضافة إلى ما تقدم، فإنه يتعين في الإدعاء المباشر، أن يُثبت المُدعي المدني ارتكاب فعل إجرامي يُسند إليه الضرر، أما إذا كان الفعل الذي ترتب عليه الضرر مُتجرداً من الصفة الجنائية فإن الاختصاص بنظر دعوى التعويض عنه ينعقد للقضاء المدني وحده. وأهم نتيجة تترتب على ذلك أنه إذا ثبت أن ما يربط بين المُدعي المدني والمدعى عليه هو علاقة مدنية بحتة لا تقوم بالإخلال بها جريمة قط، فلا اختصاص للقضاء الجنائي بالنظر في المُنازعات التي تتولد عن هذا الإخلال.

حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أنه: "أباح القانون بصفة استثنائية رفع دعاوى الحقوق المدنية إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى العمومية وكان الحق المُدعى به ناشئاً عن ضرر حصل للمُدعي عن الجريمة المرفوع عنها الدعوى العمومية. فإذا لم يكن الضرر مُتصلاً بالجريمة سقطت تلك الإباحة وسقط معها اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى". (نقض 26/3/1957 مجموعة أحكام محكمة النقض السنة 8 رقم 83 صـ 288. ونقض 3/12/1979 مجموعة أحكام محكمة النقض السنة 30 رقم 187 صـ 872. ونقض 17/11/1981 مجموعة أحكام محكمة النقض السنة 32 رقم 157 صـ 912. ونقض 5/12/1981 مجموعة أحكام محكمة النقض السنة 32 رقم 185 صـ 1049).

ولا عبرة بما يكون المُدعي قد حاوله من إسباغ الطابع الجنائي على المُنازعة بينه وبين المُدعى عليه، إذ يتعين على القضاء الجنائي الذي أُقيمت الدعوى أمامه أن يُحبط هذه المُحاولة، وأن يرد الأمر إلى نصابه، ويقضي بعدم قبول الدعوى لأنها من اختصاص القضاء المدني وحده. (المرجع: "شرح قانون الإجراءات الجنائية" – للدكتور/ محمود نجيب حُسني – الطبعة الثانية 1987 القاهرة – بند 307 – ص 278 وما بعدها وهامش 3 صـ 278).

فاختصاص القضاء الجنائي بالدعوى المدنية ذو طابع استثنائي، إذ الأصل أن يختص بها القضاء المدني، ولذلك حصره الشارع في نطاق محدود. وأهم شرط يرسم حدود هذا النطاق هو أن تكون ثمة دعوى جنائية مقبولة وقائمة أمام المحكمة الجنائية التي ترفع الدعوى المدنية أمامها، وناشئة عن ذات الفعل الإجرامي الذي نشأت الدعوى المدنية عنه. فالأصل العام أن القضاء الجنائي لا يختص بالدعوى المدنية استقلالاً، وإنما يختص بها إذا كانت تابعة للدعوى الجنائية ودائرة في فلكها بحيث يسعه أن يقضي فيهما معاً بحكم واحد لا تناقض بين أجزائه. والنتيجة الحتمية لذلك أنه إذا كانت الدعوى الجنائية غير مقبولة تعين على المحكمة أن تقضي بعدم اختصاصها بالدعوى المدنية.

حيث أنه من المُقرر قانوناً أنه: "إذا أعلن المُدعي المدني المُتهم والمسئول عن الحقوق المدنية أمام محكمة الجنح مباشرة، واقتصر على توجيه طلباته المدنية ضد المسئول المدني وحده، كانت الدعويان معاً غير مقبولتين: أما الدعوى الجنائية فلأنه لا يحركها إلا الدعوى المدنية ضد المُتهم وهي لم تُرفع عليه؛ وأما الدعوى المدنية ضد المسئول المدني فلأنها لا تُقبل إلا تبعاً للدعوى الجنائية ضد المُتهم وهي غير موجودة". (المرجع: "شرح قانون الإجراءات الجنائية" – للدكتور/ محمود نجيب حُسني – الطبعة الثانية 1987 القاهرة – بند 324 – صـ 298 ، 299 وهامش 3 صـ 298).

خامساً- موضوع طلب التعويض:

لما كان الإدعاء الفرعي الماثل ينحصر فقط في طلب التعويض، والتكييف القانوني له أن منشأة المسئولية التقصيرية، فيتعين على المدعي فيه إثبات عناصرها الثلاثة من خطأ وضرر وعلاقة سببية وهو لم يثبت شيئاً من ذلك.

فضلاً عن أن المادة الرابعة من القانون المدني تنص على أنه: "من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر".

كما تنص المادة الخامسة مدني على أنه: "يكون استعمال الحق غير مشروع في الأحوال الآتية: أ) إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير. ب) إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها. ج) إذا كانت المصالح التي يرمي إلي تحقيقها غير مشروعة".

والأساس القانوني لنظرية التعسف في استعمال الحق ليس هو إلا المسئولية التقصيرية، إذ التعسف في استعمال الحق خطأ يوجب التعويض في حالة توافر حالاته، والخطأ هنا لا بد أن يأخذ أحد ثلاثة أشكال أو صور هي: إما قصد الإضرار بالغير – وإما رجحان الضرر على المصلحة رجحاناً كبيراً – وإما عدم مشروعية المصالح التي يرمي صاحب الحق إلى تحقيقها.

فمن المُقرر في قضاء النقض أن: "يدل نص المادة الخامسة من القانون المدني على أن مناط التعسف في استعمال الحق الذي يجعله محظوراً باعتباره استعمالاً غير مشروع له هو تحقق إحدى الصور المحددة على سبيل الحصر في المادة الخامسة سالفة الذكر والتي تدور كلها حول قصد صاحب الحق من استعماله لحقه أو مدى أهمية أو مشروعية المصالح التي يهدف إلى تحقيقها وذلك دون نظر إلى مسلك خصمه إزاء هذا الحق". (نقض مدني في الطعن رقم 1244 لسنة 54 قضائية – جلسة 4/4/1985 مجموعة المكتب الفني – السنة 36 – صـ 545 – فقرة 2).

وعلى المُدعي المضرور أن يثبت جميع عناصر المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية، وفي حالة الخطأ الذي يأخذ صورة أو شكل قصد الإضرار بالغير ينبغي على المضرور أن يثبت أن صاحب الحق وهو يستعمل حقه قصد إلحاق الضرر به.

وجميع تلك الصور أو الأشكال الثلاثة للخطأ في نظرية التعسف في استعمال الحق غير متوافرة ولا متحققة في حالة دعوانا الماثلة، لكون اللجوء إلى القضاء حق دستوري كفله الدستور.

حيث تنص المادة 68 من الدستور على أن: "التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا. ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء". كما تنص المادة 69 من الدستور على أن: "حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول. ويكفل القانون لغير القادرين ماليا وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم".

كما أن ولوج طريق القضاء بغية الحصول على حق يعتقد المدعي أنه له مسألة لا تثريب عليه فيها لكون الإدعاء هنا بقصد الحصول على مصلحة مشروعة وليست بقصد الإضرار بالمدعى عليه وهذه المصلحة المشروعة ترجح الضرر الذي يلحق بالمدعى عليه رجحاناً كبيراً، كما أن المدعي في الدعوى الماثلة لم يثبت حالات توافر صور وأشكال الخطأ في مجال التعسف في استعمال الحق، أما اللجوء إلى الجهات القضائية (الذي يعيبه المدعي في الدعوى الماثلة على المدعى عليهم) فهو حق مكفول لها طبقاً للقواعد القانونية سالفة الذكر.

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أنه لا يجوز التعويض عن استعمال حق التقاضي أو تنفيذ أحكام القضاء، لأنه من المقرر في قضاء محكمة النقض أن حق الالتجاء إلي القضاء من الحقوق المكفولة للكافة فلا يكون من استعمله مسئولاً عما ينشأ من استعماله من ضرر للغير إلا إذا انحرف بهذا الحق عما وضع له واستعماله استعمالاً كيدياً ابتغاء مضارة الغير. وأن وصف محكمة الموضوع للأفعال المؤسس عليها طلب التعويض بأنها خطأ أو ليست كذلك هو من المسائل التي تخضع لرقابة محكمة النقض. (نقض مدني في الطعن رقم 209 لسنة 47 قضائية - جلسة 28/1/1981 مجموعة المكتب الفني – السنة 32 صـ 394).

كما قضت محكمة النقض أنه: "لما كانت المادتان الرابعة والخامسة من التقنين المدني قد نصتا على أن من يستعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر بالغير، وأن استعمال الحق لا يكون غير مشروع إلا إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير وهو ما لا يتحقق إلا بانتفاء كل مصلحة من استعمال الحق، وكان حقا التقاضي والدفاع من الحقوق المُباحة ولا يُسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً أو زوداً عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح إلى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم، فإن الحكم المطعون فيه وقد اقتصر في نسبة الخطأ إلى الطاعن إلى ما لا يكفي لإثبات انحرافه عن حقه المكفول في التقاضي والدفاع إلى الكيد والعنت واللدد في الخصومة، يكون فضلاً عما شابه من القصور قد أخطأ في تطبيق القانون". (نقض مدني في 28 مارس 1977 مجموعة أحكام النقض – السنة 28 – رقم 144 – صـ 128).

كما أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "الأصل حسبما تقضى به المادة 4 من القانون المدني من أن: "من استعمال حقه استعمالا مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر باعتبار أن مناط المسئولية عن تعويض الضرر هو وقوع خطأ وأنه لا خطأ في استعمال صاحب الحق في جلب المنفعة المشروعة التي ينتجها له هذا الحق، وكان خروج هذا الاستعمال عن دائرة المشروعية إنما هو استثناء من ذلك الأصل، وأوردت المادة 5 من ذلك القانون حالاته بقولها "يكون استعمال الحق غير مشروع في الأحوال الآتية ) إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير ) إذا كانت المصالح التي يرمى إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها (ج) إذا كانت المصالح التي يرمى إلى تحقيقها غير مشروعة" و ذلك درءاً لاتخاذ ظاهر القواعد القانونية ستاراً غير أخلاقي لإلحاق الضرر بالغير، وكان يبين من استقرار تلك الصور أنه يجمعه بينها ضابط مشترك هو نية الإضرار سواء على نحو إيجابي بتعمد السعي إلى مضارة الغير دون نفع يجنيه صاحب الحق من ذلك أو على نحو سلبي بالاستهانة المقصودة بما يصيب الغير ضرر فادح من استعمال صاحب الحق لحقه استعمالا هو الترف أقرب مما سواه مما يكاد يبلغ قصد الإضرار العمدي، وكان من المقرر أن معيار الموازنة بين مصلحة المبتغاة في هذه الصورة الخيرة وبين الضرر الواقع هو معيار مادي قوامه الموازنة المجردة بين النفع والضرر دون نظر إلى الظروف الشخصية للمنتفع أو المضرور يسراً أو عسراً، إذ لا تنبع فكرة إساءة استعمال الحق من دواعي الشفقة وإنما من اعتبارات العدالة القائمة على إقرار التوازن بين الحق والواجب". (نقض مدني في الطعن رقم 108 لسنة 45 قضائية – جلسة 26/1/1980 مجموعة المكتب الفني – السنة 31 – فقرة 3 – صـ 297).

ومن المُقرر في قضاء النقض كذلك أنه: "من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ما دام هذا الاستخلاص سائغاً ومستمداً من عناصر تؤدى إليه من وقائع الدعوى إلا أن تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه خطأ أو نفى هذا الوصف عنه من المسائل التي يخضع قضاء محكمة الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض وأن رقابة المحكمة الأخيرة تمتد إلى تقدير الوقائع فيما يستلزمه التحقق من صحة استخلاص الخطأ من تلك الوقائع والظروف التي كان لها أثر في تقدير الخطأ واستخلاصه". (نقض مدني في الطعن رقم 979 لسنة 47 قضائية – جلسة 27/3/1980 مجموعة المكتب الفني – السنة 31 – فقرة 3 – صـ 930).

لما كان ذلك، وكان المدعي في دعوانا الماثلة لم يثبت عناصر المسئولية التقصيرية ولم يثبت أي حالة من حالات التعسف في استعمال الحق في جانب موظفي هيئة الأوقاف المدعى عليهم، فإن دعواه الماثلة تكون قد جاءت على غير سند من القانون خليقة بالرفض وهو ما تطالب به هيئة الأوقاف المصرية على سبيل الجزم واليقين.

سادساً- نجحد كافة الصور الضوئية المقدمة من المدعى:

قدم المدعى صوراً ضوئية لمستنداته بحوافظ مستنداته المقدمة في الطلب الماثل، وهيئة الأوقاف المصرية تتمسك بجحد كافة الصور الضوئية المُقدمة من المدعى في الطلب الماثلة.

ولما كان من المقرر في قضاء النقض أنه: "لا حجية لصور الأوراق في الإثبات إلا بمقدار ما تهدى إلى الأصل إذا كان موجوداً فيرجع إليه كدليل في الإثبات. أما إذا كان الأصل غير موجود فلا سبيل للاحتجاج بالصورة إذا أنكرها الخصم ومن ثم لا تثريب على محكمة الموضوع بدرجتيها إن هي التفتت بالتالي عن صورة الورقة المقدمة من الطاعن ولا عليها إن هي لم تُجر تحقيقاً في هذا الشأن ولم ترد على ما أبداه من دفاع". (الطعون أرقام 407 لسنة 49 قضائية - جلسة 19/12/1982. والطعنان رقما 598 و 55 لسنة 50 قضائية - جلسة 28/2/1984. والطعن رقم 687 لسنة 43 قضائية - جلسة 24/1/1978 السنة 29 ص 279).

كما أنه من المُقرر في قضاء النقض كذلك أن: "القانون لم يشترط طريقاً مُعيناً يتعين على من يُنكر التوقيع على المُحرر العرفي إتباعه إذ يكفي إبداء الدفع بالإنكار صراحةً حتى تسقط عن المُحرر حجيته في الإثبات إعمالاً لنص المادة 14/1 من قانون الإثبات". (الطعن رقم 1314 لسنة 49 قضائية - جلسة 19/5/1980).

وأخيراً، فقد تواترت أحكام محكمة النقض على أن: "استناد الخصم إلى الصورة الشمسية للمستند. التفات الحكم عن الورقة. لا قصور".

وهدياً بما تقدم، ولما كان المُدعي قد جاءت مُستندات دعواه الماثلة خالية من أصولها وكانت هيئة الأوقاف المصرية قد جحدت تلك الصور الضوئية المُقدمة منها، الأمر الذي يُفقدها حُجيتها في الإثبات بما يكون معه المُدعي قد أخفق في إثبات دعواه في هذه الحالة. مما يتعين معه الالتفات عن تلك المُستندات المجحود صورها الضوئية والقضاء في الطلب الماثل برفضه، علماً بأن عدالة اللجنة الموقرة غير مُكلفة بتكليف الخصم بإثبات دعواه أو لفت نظره لمُقتضيات دفاعه فيها.

الطلبات

لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة المحكمة من أسباب أصوب وأرشد، تلتمس هيئة الأوقاف المصرية (المسئولة عن الحقوق المدنية) الحكم في الدعوى الماثلة بما يلي:

أولاً- بصفة أصلية:

1- بقبول تدخل هيئة الأوقاف المصرية، بصفتها المسئولة عن الحقوق المدنية، في الدعوى.

2- وبعدم قبول الدعوى، لبطلان التكليف بالحضور، وانعدام الأهلية الإجرائية اللازمة لصحة انعقاد الخصومة.

ثانياً- وبصفة احتياطية: بعدم قبول الدعوى لعدم جواز رفعها بهذا الطريق (الإدعاء المباشر لكونها موجهة ضد موظفين عامين).

ثالثاً- وعلى سبيل الاحتياط الكلي:

1- بعدم قبول الدعوى المدنية ضد المدعى عليهم (لعدم ارتباطها بجنحة موجهة ضدهم).

2- برفض الدعوى المدنية.

وفي جميع الأحوال: إلزام المُدعي بالمصاريف ومقابل أتعاب المُحاماة.

مع حفظ كافة حقوق الأوقاف الأخرى أياً كانت،،،