الأحد، 8 نوفمبر 2009

مذكرة دفاع في دعوى منع تعرض - دعوى حيازة - ضد هيئة الأوقاف المصرية


محكمة القاهرة للأمور المستعجلة

الدائرة "الثانية" مستعجل عابدين

مذكرة

بدفاع/ رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية بصفته   (مدعى عليه)
ضد
السادة/ ورثة: خليل عبد الله جوده          (مدعين)
في الدعوى رقم 3484 لسنة 2009 مستعجل عابدين، والمحدد لنظرها جلسة يوم الثلاثاء الموافق 10/11/2009م للمرافعة

أولاً- الوقائع

تخلص وقائع الدعوى الماثلة في أن المدعين عقدوا الخصومة فيها بموجب صحيفة موقعة من محام، أودعت قلم كتاب محكمة عابدين في تاريخ 7/10/2009م، طلبوا في ختامها الحكم لهم ضد الهيئة المدعى عليها بإلزامها بمنع تعرضها لمدعين في حيازتهم (للمحل الكائن بالعقار رقم 27 بشارع الشيخ ريحان بالقاهرة)، وذلك بحكم مشمول بالنفاذ المعجل (على الرغم من أنهم أقاموها أمام محكمة الأمور المستعجلة؟!) مع إلزامها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقال المدعون شرحاً لدعواهم أن مورثهم المرحوم/ خليل عبد الله جوده كان يستأجر عين التداعي من هيئة الأوقاف المصرية، بموجب عقد الإيجار المؤرخ 1/5/1974، وبتاريخ 29/5/1989 توفي المستأجر الأصلي، وزعم ورثته المدعين أنهم يستفيدون من ميزة الامتداد القانوني لعقد إيجار مورثهم، إلا أن هيئة الأوقاف المصرية، وهي هيئة عامة، أصدرت قراراً إدارياً برقم 307 لسنة 2009 القاضي بغلق المحل عين التداعي، مما حدا بهم إلى إقامة دعواهم الماثلة بغية القضاء لهم بطلباتهم سالفة الذكر؟!!

ثانياً- الدفاع

ندفع بعدم اختصاص عدالة المحكمة الموقرة "محلياً" بنظر الدعوى:
حيث تنص المادة 49 من قانون المرافعات على أن: "يكون الاختصاص (المحلي) للمحكمة التي يقع في دائرتها "موطن" المُدعى عليه، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. فإن لم يكن للمُدعى عليه موطن في الجمهورية يكون الاختصاص (المحلي) للمحكمة التي يقع في دائرتها "محل إقامته". وإذا تعدد المدعى عليهم كان الاختصاص (المحلي) للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن أحدهم".
ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "مفاد النص في المادة 194 و 55 و 49 من قانون المرافعات أن قاضى الأمور الوقتية المختص محلياً بإصدار الأمر هو قاضى الأمور الوقتية بالمحكمة المختصة محلياً بنظر الدعوى، وهي محكمة موطن المدعى عليه، وعند تعدد المدعى عليهم يكون الاختصاص لأية محكمة يقع في دائرتها موطن أحدهم، ويشترط لتطبيق هذه القاعدة أن يكون تعدد المدعى عليهم حقيقياً لا صورياً". (نقض مدني في الطعن رقم 1914 لسنة 50 قضائية – جلسة 12/3/1985 مجموعة المكتب الفني – السنة 36 – صـ 380 – فقرة 4).
لما كان ما تقدم، وكان موطن هيئة الأوقاف المصرية (المدعى عليه بصفته) كائن بالعقار رقم 109 بشارع التحرير بميدان الدقي بمحافظة الجيزة، وليس في نطاق محافظة القاهرة أو حي عابدين حتى تقام الدعوى ضده أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بعابدين.
ومن ثم يحق معه لهيئة الأوقاف المصرية – والحال كذلك – الدفع بعدم اختصاص عدالة المحكمة الموقرة "محلياً" بنظر الدعوى الماثلة وطلب إحالتها بحالتها لمحكمة جنوب الجيزة الابتدائية لنظرها للاختصاص، ويكون هذا الدفع قد جاء على سند صحيح من القانون خليقاً بالقبول والقضاء به، وهو ما تتمسك به هيئة الأوقاف المصرية (المدعى عليه بصفته) على سبيل الجزم واليقين.
ندفع بعدم اختصاص عدالة المحكمة الموقرة "نوعياً" بنظر الدعوى:
لما كان من المقرر قانوناً أن القضاء المستعجل يقصد به الفصل في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الوقت، فصلاً مؤقتاً لا يمس أصل الحق، وإنما يقتصر على الحكم باتخاذ إجراء وقتي ملزم للطرفين بقصد المحافظة على الأوضاع القائمة أو احترام الحقوق الظاهرة أو صيانة مصالح الطرفين المتنازعين.
ويشترط لاختصاص القاضي المستعجل تحقق الشروط الثلاثة الآتية:
الشرط الأول- توافر ركن الاستعجال أو الخطر:
ومعنى ذلك أن تكون المنازعة مما يخشى عليه من فوات الوقت. وقد عرف الاستعجال بأنه هو الخطر المحدق بالحقوق أو المصالح التي يراد المحافظة عليها. وهو يتوافر كلما وجدت حالة يترتب على فوات الوقت حصول ضرر منها يتعذر تداركه أو إصلاحه.
وللخشية من فوات الوقت مظهران:
المظهر الأول: الخشية من زوال المعالم – ومثال ذلك أن يقوم شخص بإغراق أرض جاره بالمياه بعد أن يكون قد أعدها للزراعة – ويرغب صاحب الأرض في إثبات هذه الحالة فوراً- وظاهر أن فوات الوقت يؤدي إلى جفاف المياه وزوال معالم الواقعة التي يريد صاحب الأرض الاستناد إليها في طلب التعويض مستقبلا.
والمظهر الثاني: هو الخشية من فوات المصلحة أو ضياع الحق - كما في حالة المستأجر الذي يترك العين المؤجرة بعد أن يخربها أو يتلفها - فهذه الحالة لا تزول معالمها بمرور الوقت – ولكن يترتب على البطء في إثباتها تفويت حق المؤجر في الانتفاع بالعين أو تأجيرها للغير.
ففي مثل هذه الأحوال يقتضي الأمر اتخاذ إجراء سريع لا يحتمل الإبطاء، ونتيجة لذلك توصف المنازعة بأنها مستعجلة.
وركن الاستعجال أو الخطر يجب أن يتوافر في جميع المنازعات المستعجلة وإلا كان القاضي المستعجل غير مختص بها، ووجب عرض النزاع في شأنها على القاضي الموضوعي إن كان لذلك محل.
ونلاحظ أخيراً في خصوص ركن الاستعجال ملاحظتين:
1-   لاستعجال ينشأ من طبيعة الحق المتنازع فيه أو من الظروف المحيطة به لا من إرادة الخصوم أو رغبتهم في الحصول على حكم سريع ولا من اتفاقهم على اختصاص القاضي المستعجل.
2-   أنه إذا زال الاستعجال أثناء نظر الدعوى فالراجح أن ذلك يزيل اختصاص القاضي المستعجل.
الشرط الثاني: أن يكون المطلوب في الدعوى المستعجلة هو إجراء وقتي أو تحفظي:
فإذا تضمنت الدعوى المستعجلة طلباً موضوعياً كالحكم بالمديونية أو الملكية أو الحيازة أو البطلان أو الفسخ كان القاضي المستعجل غير مختص بالدعوى (أو على الأقل بالطلب الموضوعي).
إلا أنه يجوز للقاضي المستعجل عندما يعرض عليه طلب موضوعي خارج عن حدود اختصاصه إذا ما قدر أنه ينطوي على طلب وقتي يدخل في اختصاصه أن يغير الطلبات المطروحة في الدعوى بما يتلاءم مع اختصاصه.
الشرط الثالث: ألا يكون من شأن الفصل في الدعوى المستعجلة المساس بأصل حق من الحقوق المدعاة من جانب أحد الطرفين:
وعدم المساس بالحق هو شرط لاختصاص القاضي المستعجل وقيد على سلطته في نفس الوقت.
فلو رفعت دعوى مستعجلة تتضمن مساساً بأصل الحق، فإن القاضي المستعجل يجب أن يحكم بعدم اختصاصه بها، ولو توافر ركن الخطر، ومثال ذلك أن ترفع إليه دعوى بطلب إثبات تزوير عقد – فمثل هذا الطلب موضوعي ويمس أصل الحق، فيجب على القاضي أن يحكم بعدم اختصاصه بالدعوى، وإنما يجوز له أن يحكم بالتحفظ على العقد المطعون عليه بالتزوير وذلك فإيداعه في خزينة المحكمة داخل مظروف مختوم، فمثل هذا الإجراء الوقتي يدخل في حدود اختصاصه.
مواطن عدم المساس بأصل الحق:
وعدم المساس بأصل الحق كشرط لاختصاص القضاء المستعجل يتمثل في جملة مواطن أو مواضع من الدعوى:
أولها- في الطلبات المعروضة على القاضي: إذ يجب ألا تكون طلبات موضوعية. والطلبات الموضوعية هي التي تتعلق بأصل الحق. ومثالها طلب الحكم بالمديونية أو الملكية أو البطلان أو الفسخ أو براءة الذمة أو سقوط الحق بالتقادم إلى غير ذلك من الطلبات المماثلة.
وثانيها- في بحث المستندات: إذ أن القاضي المستعجل يحكم بحسب الظاهر فلا يجوز له أن يتعمق في بحث المستندات أو أن يقطع في شأنها برأي حاسم أو أن يفسرها سواء كانت عقوداً أو أحكاماً، بل أنه يحكم بحسب ما يبدو له لأول وهلة أو لأول نظرة (أو على حد تعبير محكمة النقض أنه يتحسس المستندات، أي يبحثها بحثاً عرضيا). فإذا ما تعمق في بحثها أو تطرق إلى تفسيرها فإنه يكون قد جاوز اختصاصه.
وثالثها- في تسبيب الحكم: إذ يجب ألا يستند القاضي المستعجل في أسبابه إلى ثبوت الحق أو نفيه بل يجب أن يقتصر على الترجيح بين الاحتمالات دون أن يقطع برأي في أصل الحق، وإلا فإن حكمه يكون مبنياً‌ على أساس فاسد لتجاوزه حد اختصاصه.
ولهذا نجد أن أسباب الأحكام المستعجلة تتردد فيها غالباً عبارة "وحيث أنه يبدو ..." أو "وحيث أن الظاهر من الأوراق أو من الظروف ..." فلا يجوز أن يقول القاضي المستعجل: "وحيث أنه قد ثبت ..." - لأنه بذلك يكون قد اعتدى على ولاية القاضي الموضوعي ولم يبق شيئاً ليحكم فيه - مع أن القاعدة أن أصل الحق يبقى سليماً محفوظاً يتناضل فيه الخصمان أمام محكمة الموضوع ولا يتأثر بما ورد في الحكم المستعجل. ومن نتائج ذلك اعتبار حجية الحكم المستعجل مؤقتة ونسبية بمعنى أنها لا تؤثر على قضاء الموضوع.
والموضع الرابع- هو في منطوق الحكم: فلا يجوز للقاضي المستعجل أن ينتهي في قضائه إلى تقرير ثبوت الحق أو نفيه أو إلى إلزام أحد الخصمين بأداء حق إلى الآخر بل كل ما يستطيعه هو الحكم بإجراء مؤقت.
وتظل للإجراء الوقتي المحكوم به صفة الوقتية حتى ولو ترتب عليه ضرر دائم أو ضرر يتعذر تداركه كما في حالة الحكم بالطرد مثلا إذ ما شغلت العين التي طرد منها المستأجر، أو الحكم بالهدم إذا ما تم الهدم، ثم تبين بعد ذلك أمام قاضي الموضوع أن من صدر الحكم بالطرد أو الهدم لصالحه لم يكن محقاً في طلبه من الناحية الموضوعية، فإن تعذر إعادة الحال إلى ما كانت عليه لا ينفي أن الإجراء كان مع ذلك وقتياً، مقصوداً به تدارك الخطر العاجل الذي كان ماثلا أمام القاضي المستعجل، مع بقاء أصل الحق سليماً.
وتترتب على وجوب امتناع القاضي المستعجل عن المساس بأصل الحق نتيجة هامة، هي أنه لا يجوز له أن يحكم بإحالة الدعوى المستعجلة إلى التحقيق أي أن يسمع شهوداً كما لا يحوز له أن يقضي بتوجيه اليمين الحاسمة أو أن يحقق الادعاء بالتزوير، ولهذا فإن القاضي المستعجل لا يصدر أحكاماً تمهيدية بل ينتهي دائماً إلى القضاء بإجراء وقتي بموجب حكم يختتم به الدعوى دون أن تسبقه أحكام تمهيدية.
وإنما أجيز للقاضي المستعجل أن يقضي بالمعاينة أو يندب خبيراً إذا كان من شأنه هذا الإجراء التحقق من توافر ركن الاستعجال أي باعتبار ذلك وسيلة للتحقق من اختصاص القاضي، ومثال ذلك دعوى ترفع بطلب وقف أعمال الهدم أو البناء في عقار مجاور لأن ذلك يهدد عقار المدعى، فيجوز للقاضي أن يعاين أو أن يندب خبيراً للتثبت من أن هذه الأعمال تهدد عقار المدعى، فإذا تبين له ذلك كان مختصاً، وإلا فإن ركن الخطر ينتفي، وينتفي بذلك اختصاصه.
هذه هي الشروط اللازمة لاختصاص القاضي المستعجل، ويلاحظ أن أي شرط منها لا يغني عن الآخر بل لابد أن تتوفر جميعاً. فلو توافر الاستعجال والخطر، وتبين أن هناك مساساً بأصل الحق كان القاضي المستعجل غير مختص مهما بلغت درجة الخطورة. والعكس صحيح بمعنى أنه لو طلب من القاضي إجراء وقتي ولم يكن في ذلك أي مساس بأصل الحق ولكن انتفى الاستعجال فإنه يكون غير مختص.
ويجدر أخيراً أن نكرر الإشارة إلى أنه لا يكفي اتفاق الطرفين على  اختصاص القاضي المستعجل لأن اختصاصه من النظام العام فهو لا يتولد من إرادة الطرفين بل من طبيعة الخصومة أو المنازعة والإجراء المطلوب فيها.
هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: "نص المادة 45 من قانون المرافعات الواردة في الفصل الخاص بالاختصاص النوعي يدل على أن الشارع قد أفرد قاضى المسائل المستعجلة باختصاص نوعى محدد هو الأمر بإجراء وقتي إذا توافر شرطان: هما عدم المساس بالحق وأن يتعلق الإجراء المطلوب بأمر مستعجل يخشى عليه من فوات الوقت. وهذا الاختصاص متميز عن الاختصاص النوعي للمحاكم الجزئية والابتدائية التي تختص بالفصل في موضوع الأنزعة التي ترفع إليها. وإذا رفعت الدعوى لقاضى المسائل المستعجلة بطلب اتخاذ إجراء وقتي وتبين له أن الفصل فيه يقتضي المساس بالحق أو أن الاستعجال مع خشية فوات الوقت غير متوفر قضى بعدم اختصاصه بنظر الدعوى وبهذا القضاء تنتهي الخصومة أمامه ولا يبقى منها ما يجوز إحالته لمحكمة الموضوع طبقاً للمادة 110 من قانون المرافعات أولاً لأن هذا القضاء يتضمن رفضاً للدعوى لعدم توافر الشرطين اللازمين لقبولها وهما الاستعجال وعدم المساس بالحق وثانياً لأن المدعى طلب في الدعوى الأمر باتخاذ إجراء وقتي وهذا الطلب لا تختص به استقلالا محكمة الموضوع ولا تملك المحكمة تحويره من طلب وقتي إلى طلب موضوعي لأن المدعى هو الذي يحدد طلباته في الدعوى". (نقض مدني في الطعن رقم 295 لسنة 43 قضائية – جلسة 21/12/1977 مجموعة المكتب الفني – السنة 28 – صـ 1841).
كما تواتر قضاء النقض على أن: "قاضي الأمور المستعجلة يختص وفقاً للمادة 45 من قانون المرافعات بالحكم بصفة مؤقتة ومع عدم المساس بالحق في المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت، فأساس اختصاصه أن يكون المطلوب الأمر باتخاذ قرار عاجل، وألا يمس هذا القرار أصل الحق الذي يترك لذوي الشأن يتناضلون فيه أمام القضاء الموضوعي، فإذا تبين أن الإجراء المطلوب ليس عاجلاً أو يمس بأصل الحق حكم بعدم اختصاصه بنظر الطلب ويعتبر حكمه منهياً للنزاع المطروح عليه بحيث لا يبقى منه ما يصح إحالته لمحكمة الموضوع". (نقض مدني في الطعن رقم 1678 لسنة 52 قضائية جلسة 27/3/1989).  
   وهدياً بما تقدم، ولما كان من المقرر قانوناً أن دعوى منع التعرض هي دعوى موضوعية، ولا تكون أبداً مستعجلة، وأن المطلوب في الدعوى الماثلة ليس اتخاذ إجراء وقتي عاجل مبني على ظاهر الأوراق، ومن ثم تنتفي جميع شروط الدعوى المستعجلة، وعليه يتعين القضاء بعدم اختصاص عدالة المحكمة الموقرة نوعياً بنظر الدعوى الماثلة والذي هو بمثابة رفضاً للدعوى المستعجلة.
ندفع بعدم اختصاص عدالة المحكمة ولائياً بنظر الدعوى:
لما كان سلب حيازة المُدعين المزعومة لعين التداعي تستند إلى حسبما جاء بصحيفة دعواهم الماثلة قرار إداري صادر عن هيئة عامة، وهو بهذه المثابة - وعلى الفرض جدلاً أن تنفيذ هذا القرار يمثل سلباً لحيازة المدعى - فإنه لا يجوز لهم رفع دعوى الحيازة ضد الهيئة العامة وفقاً لما جرى به قضاء محكمة النقض والذي نورد منها ما يلي:
أ) "التعرض المستند إلى أمر إداري لا يصلح أساساً لرفع دعوى حيازة لمنعه. علة ذلك. الحكم في الدعوى يترتب عليه حتماً تعطيل هذا الأمر ووقف تنفيذه وهو ما يمتنع على المحاكم. مؤدى ذلك. وجوب الالتجاء إلى القضاء الإداري". (نقض مدني في 28 إبريل سنة 1991 في الطعن رقم 1240 لسنة 51 قضائية - مُشار إليه في: "التعليق على قانون المرافعات" - للمستشار عز الدين الدناصوري - الجزء الأول - الطبعة الثامنة 1996 القاهرة - ص 605).
ب) "نصت المادة 970 من القانون المدني المعدلة بالقانونين 147 لسنة 1957 و 39 لسنة 1959 على عدم جواز تملك الأموال الخاصة المملوكة للدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة وأموال الأوقاف الخيرية أو كسب أي حق عيني عليها بالتقادم، كما حظرت التعدي على هذه الأموال وخولت الجهات الإدارية صاحبة الشأن حق إزالة هذا التعدي إدارياً بحسب ما تقتضيه المصلحة العامة، فإذا كان المطعون ضدهم المدعين في دعوى منع التعرض لم يدعوا أنهم اكتسبوا ملكية الأرض محل النزاع بالتقادم قبل صدور القانون رقم 147 لسنة 1957 بل إنهم أقروا في صحيفة دعواهم بأن هذه الأرض مملوكة لمصلحة الأملاك فإنه يكون لجهة الإدارة أن تصدر بالاستناد إلى تلك المادة قراراً إدارياً بإزالة ما وقع على هذه الأرض المملوكة لها من تعد وأن تنفذ هذا القرار بالطريق الإداري فيكون الأمر الإداري الصادر بإزالة هذا التعدي صادراً بالاستناد إلى القانون ولا يشوبه في ظاهرة عيب يجرده من صفته الإدارية وينحدر به إلى العدم، ومن ثم فلا تختص المحاكم العادية بالفصل في طلب التعويض عن هذا القرار". (نقض مدني في الطعن رقم 314 لسنة 34 قضائية جلسة 7/3/1968 السنة 19 ص 538. مشار إليه في : مجموعة قواعد محكمة النقض خلال ثلاثة وستين عاماً للمستشار/ محمد خيري أبو الليل طبعة 1995 القاهرة - الجزء الثالث - القاعدة رقم 418 - صـ 277 ، 278).
جـ) "التعرض المستند إلى أمر إداري اقتضته مصلحة عامة لا يصلح أساساً لرفع دعوى حيازة لمنع التعرض وذلك لما يترتب حتماً على الحكم لمصلحة رافعها من تعطيل هذا الأمر ووقف تنفيذه وهو ما يمتنع على المحاكم بنص المادة 15 من قانون السلطة القضائية رقم 56 لسنة 1959". (نقض مدني جلس 1/12/1966 السنة 17 صـ 1763. مشار إليه في المرجع السابق قاعدة رقم 436 صـ 295).
ولما كان من المقرر في قضاء النقض أن: "القرار الإداري الذي لا تختص جهة القضاء العادي بإلغائه أو تأويله أو تعديله أو التعويض عن الأضرار المترتبة عليه هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - القرار الذي تفصح به الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين بقصد إحداث مركز قانوني معين متى كان ممكناً وجائزاً قانوناً وكان الباعث عليه مصلحة عامة". (نقض مدني في الطعن رقم 2062 لسنة 51 قضائية - جلسة 5/12/1982).
وقد نصت المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 في فقرتيها الخامسة والعاشرة على أن تختص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالطلبات التي يقدمها الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية وطلبات التعويض عنها سواء رفعت إليها بصفة أصلية أو تبعية.
ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "مؤدى البندين الخامس والعاشر من قانون مجلس الدولة أن الاختصاص بالفصل في المنازعات المتعلقة بالقرارات الإدارية إلغاءً وتعويضاً معقود كأصل عام لجهة القضاء الإداري. وكان القرار الإداري - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو القرار الذي تفصح به جهة الإدارة عن إرادتها الذاتية الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح في الشكل الذي يتطلبه القانون بقصد إحداث أثر قانوني معين متى كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة". (نقض مدني في الطعن رقم 1909 لسنة 56 قضائية - جلسة 30/1/1990. والطعن رقم 686 لسنة 52 قضائية - جلسة 30/10/1986).
لما كان ما تقدم، وكانت هيئة الأوقاف المصرية قد أصدرت قراراً إدارياً رقم 307 لسنة 2009 بإزالة التعدي الواقع على عين التداعي من الشاغل لها (المدعو/ عماد يونس عوض الله) بدون سند قانوني نافذ في حق هيئة الأوقاف المصرية المالكة والمؤجرة، وإذ كان المدعون (ورثة المستأجر الأصلي) يعترضون على تلك هذا القرار الإداري الصادر من هيئة عامة فكان لزاماً عليهم أن يسلكوا سبيل الطعن على هذا القرار الإداري أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة وليس كما فعلوا برفع دعوى مدنية أمام المحاكم العادية لانتفاء ولاية تلك المحاكم عن الفصل في المنازعات الإدارية كما أنه ليس لها سلطة إلغاء أو وقف تنفيذ أو تأويل أو تفسير القرارات الإدارية وفقاً لنص المادة 10 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 ؛ والمادة 17 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972.
لما كان ما تقدم، وكان نص المادة 109 مرافعات ينص على أن الدفع بعدم اختصاص المحكمة لانتفاء ولايتها تحكم به المحكمة من تلقاء نفسها ويجوز الدفع به في أية حالة كانت عليها الدعوى. لأن الاختصاص الولائي أو الوظيفي هو تحديد ولاية جهات القضاء المختلفة بنظر نزاع معين، وقواعد الاختصاص المتعلقة بالوظيفة أو الولاية من النظام العام. فيجوز الإدلاء بالدفع في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو بعد صدور حكم فرعى أو في شق من الموضوع حتى ولو أصبح هذا الحكم أو ذاك غير قابل للطعن فيه، ويجوز إبداء الدفع لأول مرة أمام المحكمة الاستئنافية أو أمام محكمة النقض. (المرجع: "التعليق على قانون المرافعات" للمستشار/ عز الدين الدناصوري – الجزء الأول - الطبعة الثامنة 1996 القاهرة - شرح المادة 109 - ص 571 وما بعدها).
لا سيما وأنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "مسألة الاختصاص الولائي تعتبر قائمة في الخصومة ومطروحة دائما على المحكمة إذ الحكم في موضوع الدعوى يشتمل حتما على قضاء ضمني في الاختصاص والطعن على الحكم الصادر في الموضوع ينسحب بالضرورة وبطريق اللزوم على القضاء في الاختصاص سواء أثار الخصوم مسألة الاختصاص أو لم يثيروها وسواء أبدتها النيابة العامة أو لم تبدها فواجب المحكمة يقتضيها أن تتصدى لها من تلقاء نفسها". (نقض مدني في الطعن رقم 1648 لسنة 56 قضائية – جلسة 11/4/1996 مجموعة المكتب الفني – السنة 47 – صـ 647 – فقرة 2).
وعليه يكون الدفع المبدي من هيئة الأوقاف المصرية بعدم اختصاص عدالة المحكمة الموقرة ولائياً بنظر الدعوى الماثلة وإحالتها بحالتها لمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة المختصة (طبقاً لنص المادة 110 مرافعات) قد صادف حقيقة الواقع وصحيح القانون جديراً بالقبول والقضاء به.
نجحد كافة الصور الضوئية المقدمة من المدعين:
قدم المُدعون صوراً ضوئية لمستنداتهم بحوافظ مستنداتهم المُقدمة في الدعوى الماثلة، وهيئة الأوقاف المصرية (المدعى عليها) تتمسك بجحد كافة الصور الضوئية المقدمة من المدعين في الدعوى الماثلة. وكذلك أية صور ضوئية أخرى سيُقدِمُها فيها.
لما كان ذلك، وكان من المقرر في قضاء النقض أنه: "لا حجية لصور الأوراق في الإثبات إلا بمقدار ما تهدى إلى الأصل إذا كان موجوداً فيرجع إليه كدليل في الإثبات. أما إذا كان الأصل غير موجود فلا سبيل للاحتجاج بالصورة إذا أنكرها الخصم ومن ثم لا تثريب على محكمة الموضوع بدرجتيها إن هي التفتت بالتالي عن صورة الورقة المقدمة من الطاعن ولا عليها إن هي لم تُجر تحقيقاً في هذا الشأن ولم ترد على ما أبداه من دفاع". (نقض مدني في الطعن رقم 407 لسنة 49 قضائية - جلسة 19/12/1982. وفي الطعنين رقما 598 و 55 لسنة 50 قضائية - جلسة 28/2/1984. والطعن رقم 687 لسنة 43 قضائية - جلسة 24/1/1978 السنة 29 صـ 279).
ومن المبادئ المستقرة التي قررتها محكمة النقض أن: "استناد الخصم إلى الصورة الشمسية للمستند. التفات الحكم عن الورقة. لا قصور".
وهدياً بما تقدم، ولما كان المُدعون قد جاءت مُستندات دعواهم الماثلة خالية من أصولها وكانت هيئة الأوقاف المصرية (المُدعى عليها) قد جحدت تلك الصور الضوئية المُقدمة منها، الأمر الذي يُفقدها حُجيتها في الإثبات بما يكون معه المُدعون قد أخفقوا في إثبات دعواهم في هذه الحالة. مما يتعين معه الالتفات عن تلك المُستندات المجحود صورها الضوئية والقضاء في الدعوى الماثلة برفضها لعجز المُدعين عن إثبات دعواهم، أو بالأقل رفض الدعوى بحالتها. علماً بأن عدالة المحكمة غير مُكلفة بتكليف الخصم بإثبات دعواه أو لفت نظره لمُقتضيات دفاعه.
نطلب رفض دعوى الحيازة:
لما كانت الدعوى الماثلة هي دعوى حيازة. وكانت دعاوى الحيازة لها عدة شروط لقبولها، وهذه الشروط تتعلق بالمُدعي في دعوى الحيازة (طالب الحيازة)، وبالمُدعي عليه فيها، وبالحق موضوع الحيازة، وبالاعتداء الذي ترفع الدعوى بسبب وقوعه، وبالمدة التي يجب أن ترفع خلالها دعوى الحيازة..
فبالنسبة للمُدعي في دعوى الحيازة (طالب الحيازة): فيشترط فيه أن يكون حائزاً للعقار، أي له سيطرة فعلية على العقار، وتلك السيطرة تكون بأن يستعمل الشخص العقار الذي يضع يده عليه فيما خصص له هذا العقار.
وبالنسبة لشروط الحيازة التي يحميها القانون: فقد نصت المادة 949 من القانون المدني على أنه: "لا تقوم الحيازة على عمل يأتيه شخص على أنه مجرد رخصة من المُباحات أو عمل يتحمله الغير على سبيل التسامح. وإذا اقترنت بإكراه أو حصلت خُفية أو كان فيها لبس فلا يكون لها أثر قبل من وقع عليه الإكراه أو أُخفيت عنه الحيازة أو التبس عليه أمرها، إلا من الوقت الذي تزول فيه هذه العيوب". وقد تضمن هذا النص شروط الحيازة التي يحميها القانون، وهذه الشروط هي:
-      أن تكون الحيازة سيطرة متعدية، أي ليست مجرد رخصة أو عمل من الأعمال المُباحة أو عملاً يُقبل على سبيل التسامح.
-                 أن تكون الحيازة هادئة.
-                  أن تكون الحيازة ظاهرة.
-                  ألا تكون الحيازة غامضة أو مشوبة بلبس.
-                 أن تكون الحيازة مستمرة.
-                 أن تستمر الحيازة بشروطها السابقة كلها لمدة سنة واحدة على الأقل.
وبالنسبة لميعاد رفع الدعوى: فيشترط أن ترفع دعوى الحيازة خلال سنة من تاريخ الاعتداء على الحيازة. فقد نصت المادة 957 من القانون المدني على أنه: "لا تنقضي الحيازة إذا حال دون مباشرة السيطرة الفعلية على الحق مانع وقتي. ولكن الحيازة تنقضي إذا استمر هذا المانع سنة كاملة، وكان ناشئاً من حيازة جديدة وقعت رغم إرادة الحائز أو دون علمه. وتحسب السنة ابتداء من الوقت الذي بدأت فيه الحيازة الجديدة. إذا بدأت علناً، أو من وقت علم الحائز الأول بها إذا بدأت خُفية". فإذا لم ترفع دعوى الحيازة خلال السنة التي يحددها القانون فإنها تسقط بفوات هذا الميعاد.
الإثبات في دعوى الحيازة: يقع عب إثبات الحيازة بشرائطها القانونية جميعها على مُدعيها، وذلك في جميع أنواع دعاوى الحيازة. وكل ما تثبته محكمة الموضوع بشأن صفة الحيازة واستمرارها وانقطاعها وتقديرها لما يتمسك به الخصوم في ذلك من الأوراق والأفعال هو تقدير موضوعي لا سبيل لمحكمة النقض إلى رقابته إذا هو قد أقام قضاءه في ذلك على ما يكفي لتبريره. والحيازة كواقعة مادية العبرة فيها بما يثبت قيامه فعلاً، فإذا كان الثابت في الواقع يخالف ما هو ثابت في الأوراق فيجب الأخذ بهذا الواقع وإطراح ما هو غير حاصل، وقد قضت محكمة النقض في هذا المعنى بأنه لا تثريب على المحكمة إذا هي أحالت دعوى منع التعرض إلى التحقيق وكلفت المدعي فيها إثبات وضع يده الذي ينكره عليه خصمه، ولو كان بيده محضر تسليم رسمي سابق. (حكم صادر في 15 من يونيه 1950 مجموعة أحكام محكمة النقض للمكتب الفني سنة أولى صـ 611).
لما كان ما تقدم، وكان المُدعون في الدعوى الماثلة، لم يقوموا بإثبات أي عنصر من عناصر دعوى الحيازة الماثلة، بشرائطها السالف ذكرها، مما يحق معه لهيئة الأوقاف المصرية المُطالبة والحال كذلك برفض الدعوى الماثلة (أو بالأقل رفضها بحالتها).
لا سيما وأنه من المقرر في قضاء النقض أن: "المدعى هو المكلف قانوناً بإثبات دعواه وتقديم الأدلة إلى تؤيد ما يدعيه فيها"، و"أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتكليف الخصم بتقديم الدليل على دفاعه أو لفت نظره إلى مقتضيات هذا الدفاع"، و"محكمة الموضوع غير ملزمة بتكليف الخصم الذي لم يقدم دليلاً على دفاعه بتقديم هذا الدليل أو لفت نظره إلي مقتضيات هذا الدفاع، وحسبها أن تقيم قضاءها وفقاً للمستندات والأدلة المطروحة عليها بما يكفي لحمله". (نقض مدني في الطعون أرقام : 229 لسنة 38 قضائية - جلسة 19/6/1973 السنة 24 صـ 940. وفي الطعن رقم 98 لسنة 53 - جلسة 7/12/1986. ونقض 6/1/1973 صـ 40. وفي الطعن رقم 1784 لسنة 51 قضائية - جلسة 15/4/1986. وفي الطعن رقم 291 لسنة 31 قضائية - جلسة 25/5/1966 ع1 صـ 1236. وفي الطعن رقم 407 لسنة 51 قضائية - جلسة 12/6/1984. وفي الطعن رقم 5469 لسنة 52 قضائية - جلسة 17/6/1986).
عدم جواز الاستناد إلى الحق الموضوعي في دعوى حيازة:
أما عن طلب المدعون منع تعرض الهيئة (المدعي عليها) لهم في حيازته لعين التداعي وذلك بعد أن استندوا إلى حقهم الموضوعي في شغلهم لها، يكون طلبهم هذا قد جاء مخالفاً لصحيح القانون، حيث أنه لا يجوز الجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الحق في نفس الوقت. 
لأنه من المسلم به قانوناً: أنه لا يجوز للمدعي في دعوى الحيازة أن يستند إلى ملكية عين التداعي، كما لا يجوز للمدعى عليه في دعوى الحيازة أن يدفع دعوى الحيازة بسبب يستند إلى ملكية عين التداعي، كما لا يجوز للقاضي أن يفصل في دعوى الحيازة استناداً إلى ملكية عين التداعي. إذ أن دعوى الحيازة تقوم فقط على واقعة الحيازة مجردة عن الملكية بل لا يجوز الجمع بين دعوى الحيازة والملكية معاً، حيث تنص المادة 44/3 مرافعات على أنه: "وكذلك لا يجوز الحكم في دعاوى الحيازة على أساس ثبوت الحق أو نفيه". وهذا المنع ينطبق على القاضي في مرحلتين من مراحل الدعوى: المرحلة الأولى "مرحلة إثبات الحيازة"، والمرحلة الثانية: "مرحلة الحكم في الحيازة".
ففي المرحلة الأولى "مرحلة إثبات الحيازة": لا يجوز لإثبات الحيازة التعرض للحق ذاته، بل يكون الإثبات قاصراً على واقعة الحيازة، وهي تثبت بجميع الطرق، ولا علاقة لإثباتها بإثبات الحق. فمثلاً في دعوى منع التعرض إذا قدم الحائز (المعتدى على حيازته)، لإثبات حيازته، مستندات تثبت ملكيته للعقار ليدلل بذلك على أنه هو الحائز الحقيقي للعقار، فإنه يمتنع على القاضي أن يقضي له بالحيازة لمجرد إثباته أنه صاحب الحق (حق الملكية)، بل عليه التحقق من توافر شروط الحيازة دون نظر للحق (حق الملكية).
وفي المرحلة الثانية "مرحلة الحكم في الحيازة": لا يجوز لقاضي الحيازة أن يجمع بين دعوى الحيازة ودعوى الحق في الحكم الذي يصدره فاصلاً في الحيازة، وعليه أن يتجنب إسناد حكمه في الحيازة إلى الحكم في الحق. فإذا بنى حكمه في الحيازة على نص من نصوص القانون المدني التي تنظم وسائل اكتساب الحقوق أو فقدها كان حكمه مخالفاً للقانون، وخاصة إذا ذكر ذلك النص في منطوقه، أو أسس الحكم في الحيازة عليه وحده. حيث أنه من المقرر في قضاء النقض أنه على المحكمة في دعاوى وضع اليد (الحيازة) أن تحصر أسباب حكمها فيما يتعلق بالحيازة المادية وتبحث شروطها القانونية، هل هي متوافرة للمدعي أم لا. أما إذا هي استقت أسباب حكمها من عقود الملكية وأقامتها عليها وحدها فإنها بذلك تكون قد جمعت بين دعوى الملكية (الحق) ودعوى وضع اليد (الحيازة) وخالفت بذلك نص القانون وتعين نقض حكمها. (حكم صادر في 24 مايو 1945 مجموعة القواعد القانونية جـ4 صـ 692 رقم 258).
لما كان ذلك، وكان المدعون في الدعوى الماثلة لم يستندوا في دعواهم إلا إلى أصل الحق لشغلهم لعين التداعي، رغم أن طلبهم الختامي هو منع التعرض (وهو من دعاوى الحيازة)، فإنهم يكونوا قد جمعوا بين أصل الحق والحيازة بالمخالفة للقانون، ومن ثم تكون دعواهم الماثلة قد جاءت على غير سند من صحيح القانون جديرة بعدم قبولها، وهو ما تطالب به هيئة الأوقاف المصرية على سبيل الجزم واليقين.
لا يجوز للمستأجر رفع دعاوى الحيازة ضد المالك المؤجر:
حيث أنه من المستقر عليه قانوناً أن المستأجر حائز عرضي إنما يحوز لحساب المالك المؤجر الحائز القانوني والأصيل، وأن مدة حيازة المستأجر تضاف إلى مدة حيازة المؤجر عند حساب مدة حيازة هذا الأخير للعين المؤجرة. وبالتالي فلا يجوز للحائز بالنيابة أن يرفع دعاوى الحيازة على الحائز الأصيل، وإن فعل فإن دعواه تكون غير مقبولة، للأسباب المتقدم ذكرها، وللأسباب الآتية:
أ‌.    لأن الدعوى التي يرفعها المستأجر على المالك تكون دعوى مستندة إلى حقوقه الشخصية قِبلَ المالك، ومصدر هذه الحقوق هو عقد الإيجار. وكلما كانت العلاقة بين شخصين يحكمها عقد ورفعت الدعوى بينهما استنادا إليه، فلا يمكن أن تكون هذه الدعوى من دعاوى الحيازة لأن دعاوى الحيازة لا تستند إلا إلى واقعة الحيازة فقط دون غيرها. كما أنه من المُقرر في قضاء النقض أنه: "لا تُقبل دعوى الحيازة إذا كان المدعي فيها مُرتبطاً مع المدعى عليه بعقد، وكان انتزاع الحيازة يدخل في نطاق هذا العقد، إذ الواجب في هذه الحالة أن يلجأ إلى دعوى العقد، لا إلى دعوى استرداد الحيازة، لإلزام المدعى عليه بمراعاة شروط العقد، ولو كان العقد باطلاً أو انتهت مدته". (نقض مدني في الطعن رقم 422 لسنة 52 قضائية - جلسة 23/4/1986. وفي الطعن رقم 711 لسنة 42 قضائية - جلسة 5/5/1976 السنة 27 صـ 1063).
ب‌.   ولأنه إذا رفعت دعوى الحيازة من المستأجر على المالك، فسيضطر القاضي عند نظر هذه الدعوى والفصل فيها إلي بحث العقد القائم بين المستأجر والمالك لأنه هو الذي يقدر ويقرر حقوق كل منهما قِبلَ الآخر والتزاماته في ذمة الآخر. وسلطة القاضي عند نظر دعوى الحيازة مُقيدة بعدم التعرض لأصل الحق، ورجوعه إلى العقد الذي يحكم العلاقة بين المستأجر والمالك يتعارض مع هذا المبدأ (مبدأ عدم التعرض لأصل الحق).
ت‌.   ولأنه إذا كان للمُستأجر (وهو الحائز العرضي) أن يرفع دعاوى الحيازة قِبَل الغير، فإنه ليس له أن يرفع تلك الدعاوى ضد المالك (الحائز الأصلي)، حيث أنه من المُقرر في قضاء أن: "الحيازة العرضية هي حيازة لحساب الأصيل وحده. ولئن كان للمُستأجر - وعلى ما جرى به نص المادة 958/2 من القانون المدني - أن يحمي حيازته العرضية باستردادها من الغير الذي يسلبه إياها، إلا أنه ليس له أن يلجأ إلى هذه الدعوى ضد الأصيل الذي يحوز لحسابه". (نقض مدني في الطعن رقم 489 لسنة 50 قضائية - جلسة 29/11/1984).. لذلك فلا تقبل دعوى الحيازة في هذه الأحوال. (المرجع: "شرح المرافعات المدنية والتجارية" - للدكتور عبد المنعم الشرقاوي - الجزء الأول - الطبعة الثانية 1956 القاهرة - بند 66/رابعاً – صـ 126 وما بعدها وهوامشها).
لما كان ما تقدم، فإن دعوى المدعين الماثلة التي أقاموها ضد هيئة الأوقاف المصرية (المالكة والمُؤجرة) تكون غير مقبولة. وعليه يحق لـهيئة الأوقاف المصرية طلب الحكم لها بعدم قبول الدعوى على سبيل الجزم واليقين، ولما كان هذا الطلب قد صادف صحيح القانون فإنه يكون متعيناً قبوله والقضاء به.
عدم جواز حيازة الوقف الخيري:
لما كان ما تقدم، وكان المدعي بصفته لم يقم بإثبات توافر شروط الحيازة المتطلبة قانوناً، وجاءت ادعاءاته في هذا الصدد مجرد أقوال مرسلة عارية عن كل دليل، علماً بأن المدعى هو المكلف قانوناً بإثبات دعواه.
وحتى على فرض قيام المدعي بإثبات دعواه وحيازته لعين التداعي الحيازة المتطلبة قانوناً والتي يحميها القانون، فإنه ولما كانت عين التداعي تتبع الأوقاف الخيرية لأنها وقف خيري، فلا يجوز بالتالي للمدعي طلب حماية وضع يده عليها، لأنه من المسلم به: "أن القانون لا يحمى الحيازة إلا باعتبارها مظهراً من مظاهر الملكية وقرينة عليها ويحمى الحائز بافتراض أنه المالك"، ولذلك فمن المستقر عليه  فقهاً وقضاءً أنه: "لا حماية للحيازة إذا لم تكن مؤدية للملكية، أي مُكسِبَة لها، والحيازة لا تُكسِب الحائز هذه الملكية إلا إذا توافرت لدية نية التملك، والقانون لا يعتد بنية التملك تلك إلا إذا تعلقت الحيازة بعقار يُمكن كسب ملكيته (أو كسب أي حق عيني آخر عليه) بالتقادم، أما في الأحوال التي لا يُمكن كسب ملكية العقار بالتقادم كما هو الحال بالنسبة إلى العقارات المملوكة ملكية عامة أو خاصة للدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة أو الأوقاف الخيرية فإن القانون لا يعتد بنية التملك هذه ولا يحمى حيازة حائزها مهما استطالت مدتها.
حيث أنه من المقرر في قضاء محكمة النقض أن: "الحيازة التي تبيح رفع دعاوى الحيازة ليست مجرد السيطرة المادية على العقار فحسب بل يجب أن يكون ذلك مقترناً بنية التملك ولازم هذا أن يكون العقار من العقارات التي يجوز تملكها بالتقادم فيخرج منها العقار الذي يُعد من الأموال العامة أو الخاصة للدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة أو الأوقاف الخيرية إذ هي أموال غير جائز تملكها أو كسب أي حق عيني عليها بالتقادم إعمالاً لنص المادة 970 من القانون المدني المعدلة بالقانون  رقم 147 لسنة 1957". (نقض مدني في الطعن رقم 452 لسنة 54 قضائية - جلسة 26/11/1987. وفي الطعن رقم 1623 لسنة 51 قضائية - جلسة 13/1/1985 س 36. والطعن رقم 607 لسنة 53 قضائية - جلسة 9/2/1984. وفي الطعن رقم 1080 لسنة 50 قضائية - جلسة 27/3/1984 س 35 صـ 846. وفي الطعن رقم 353 لسنة 54 قضائية - جلسة 25/6/1987)
وعليه تكون دعوى المدعي الماثلة قد جاءت على خلاف الحقيقة والقانون جديرة بالرفض وهو ما تطالب به هيئة الأوقاف المصرية على سبيل الجزم واليقين.
اختصاص هيئة الأوقاف المصرية بإصدار قرارات إزالة التعدي على أملاكها:
حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "المادة الأولى من القانون رقم 80 لسنة 1971 بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية - المشرع أنشأ هيئة الأوقاف المصرية بمقتضى هذا القانون وخولها وحدها الاختصاص بإدارة واستثمار أموال الأوقاف الخيرية والتصرف فيها - أساس ذلك - اعتبارها نائبا عن وزير الأوقاف بصفته ناظر وقف.  والمواد 37 و 37 مكررا "1"و"2" من القانون رقم 178 لسنه 1952 بشـأن الإصلاح الزراعي معدلا بالقانون رقم 52 لسنه 1966 - المادة 970 من القانون المدني معدلة بالقوانين أرقام 147 لسنه 1957 و 309 لسنه 1959 و 55 لسنه 1970 - المشرع وضع حد أقصى للملكية - يدخل في حساب هذه المساحة ما يكون الشخص وأسرته مالكين له أو واضعي اليد عليه بنيه التملك ولو لم تكن في حيازتهم الفعلية أو ما يكون الشخص أو أي من أفراد أسرته موكلا في إدارته أو استغلاله أو تأجيره من الأراضي المشار إليها - جزاء مخالفة هذه الأحكام - البطلان - وحق الجهة الإدارية المختصة في إزالة وضع اليد على المساحة الزائدة إداريا - إزالة التعدي على الأوقاف الخيرية - شروطها - توافر أسباب ودواعي استعمالها كوجود اعتداء ظاهر على تلك الأموال أو محاولة غصبها بدون مبرر قانوني - هيئة الأوقاف المصرية هي صاحبة الاختصاص في إزالة هذا التعدي - أساس ذلك - أنها الملكة والمسئولة عن إدارة هذه الأراضي ومن ثم مختصة بالمحافظة عليها – تطبيق". (نقض مدني في الطعن رقم 3927 لسنة 73 قضائية – جلسة 30/1/2001 مجموعة المكتب الفني – السنة 46 – صـ 693).
وهدياً بما تقدم، ولما كان ورثة المستأجر الأصلي قد تخلوا عن عين التداعي، ومكنوا شخص من الغير من وضع يده عليها بدون سند قانوني نافذ في حق هيئة الأوقاف المصرية المالكة والمؤجرة لها، ومن ثم فيكون من حق هيئة الأوقاف المصرية – بل ومن واجبها، الحال كذلك – أن تصدر قراراً بإزالة التعدي الواقع على عين التداعي المملوكة لها. حيث أن القانون قد خول الجهة الإدارية المعنية سلطة إزالة هذا التعدي إدارياً، دون حاجة إلى استصراخ القضاء من جانبها أو انتظار كلمته في دعاوى غيرها. وعليه، تكون الدعوى الماثلة والتي هي في جوهرها اعتراضاً على إصدار هيئة الأوقاف القرار المطعون فيه تكون قد جاءت على غير سند من القانون خليقة بالرفض.

ثالثاً- الطلبات

لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة المحكمة من أسباب أصوب وأرشد، تلتمس هيئة الأوقاف المصرية الحكم لها في الدعوى الماثلة بما يلي:
بصفة أصلية: بعدم اختصاص عدالة المحكمة الموقرة محلياً بنظر الدعوى، وإحالتها بحالتها لمحكمة جنوب الجيزة الابتدائية، للاختصاص.
وبصفة احتياطية: بعدم اختصاص عدالة المحكمة الموقرة نوعياً بنظر الدعوى.
وعلى سبيل الاحتياط الكلي: وعلى الترتيب التالي..
1-    بعدم اختصاص عدالة المحكمة الموقرة ولائياً بنظر الدعوى، وإحالتها لمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، للاختصاص.
2-            بعدم قبول الدعوى.
3-            برفض الدعوى.
4-            برفض الدعوى بحالتها.
   وفي جميع الأحوال: بإلزام المدعين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
مع حفظ كافة حقوق الأوقاف الأخرى أياً ما كانت،،،

السبت، 7 نوفمبر 2009

مقدار المبيع الواجب تسليمه - وحالات نقص المبيع أو زيادته


مقدار المبيع
حالات نقص المبيع أو زيادته
النصوص القانونية:
        تنص المادة 433 من القانون المدني على أنه: "
1-    إذا عين في العقد مقدرا المبيع، كان البائع مسئولاً عن نقص هذا القدر بحسب ما يقضي به العرف، ما لم يتفق على غير ذلك، على أنه لا يجوز للمشتري أن يطلب فسخ العقد لنقص في المبيع، إلا إذا أثبت أن هذا النقص من الجسامة بحيث أنه لو كان يعلمه لما أتم العقد.
2-    أما إذا تبين أن القدر الذي يشتمل عليه المبيع يزيد على ما ذكر في العقد، وكان الثمن مقدراً بحساب الوحدة، وجب على المشتري إذا كان  المبيع غير قابل للتبعيض، أن يكمل الثمن، إلا إذا كانت الزيادة جسيمة، فيجوز له أن يطلب فسخ العقد، وكل هذا ما لم يوجد اتفاق يخالفه".
وتنص المادة 434 من القانون المدني على أنه:
" إذا وجد في المبيع عجز أو زيادة، فإن حق المشتري في طلب إنقاص الثمن أو في طلب فسخ العقد، وحق البائع في تكملة الثمن، يسقط كل منهما بالتقادم، إذا انقضت سنة من وقت تسليم المبيع تسليماً فعلياً".

شرح الفقه:
        تقضي هذه النصوص بأن البائع يضمن للمشتري القدر الذي عينه للمبيع، حسب ما يقضي به العرف، وقد يقضي بالمجاوزة عن قدر مسموح به زيادة أو نقصاً. ومعنى الضمان أن المبيع إذا نقص عن القدر المعين، كان للمشتري أن يفسخ إذا كان النقص جسيماً ... أو أن ينقص الثمن بقدر ما أصابه من ضرر (وليس من الضروري أن يكون إنقاص الثمن بنسبة ما نقص من المبيع، فقد يكون الضرر أكثر أو أقل من ذلك. ولكن يتعين إثبات ذلك الضرر). ولا فرق في حالة نقص المبيع بين ما إذا كان المبيع يضره التبعيض أو لا يضره، وبين ما إذا كان الثمن محدداً بسعر الوحدة أو مقدراً جملة واحدة. أما إذا زاد المبيع، وكان الثمن مقدراً جملة واحدة، فالغالب أن المتعاقدين قصدوا أن يكون المبيع بهذا الثمن ولو زاد على المقدار المعين – وهذا يتفق مع ما هو مقرر من أن: "لوصف" لا يقابله شيء من الثمن – لذلك يبقى البيع ولا يطالب المشتري بزيادة الثمن، إلا إذا كان هناك اتفاق على غير ذلك؛ فإذا عين الثمن بسعر الوحدة، فلا تمييز بين ما يضره التبعيض وما لا يضره، بل يكمل المشتري الثمن في الحالتين بقدر زيادة المبيع، فإن كانت جسيمة، جاز له أن يطلب فسخ العقد. وغني عن البيان أن هذه الأحكام كلها ليست إلا تطبيقاً للقواعد العامة وتفسيراً لنية المتعاقدين، ولا تعتبر من النظام العام، فهي تطبق ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغيرها. (مجموعة الأعمال التحضيرية – جـ 4 – صـ 51 صـ 59).
        ولم ير المشروع (التمهيدي للقانون المدني) محلاً للكلام في أثر الفسخ، فهو خاضع للقواعد العامة، ولا للنص على أن وضع المشتري يده على المبيع مع علمه بالغلط الواقع فيه يسقط حقه في اختيار فسخ البيع إلا إذا حفظ حقوقه قبل وضع يده حفظاً صريحاً، فإن هذا الحكم ظاهر لا حاجة للنص عليه، بل إن حق المشتري في طلب إنقاص الثمن – لا الفسخ وحده – يسقط إذ دلت الظروف على أن المشتري قد تنازل عنه. (مجموعة الأعمال التحضيرية – جـ 4 – صـ 65).
        وتعرض هذه النصوص لفرض ما إذا كان المبيع شيئاً معيناً بالذات، وقد عين مقداره في عقد البيع، فأصبح البائع ضامناً للمشتري هذا المقدار المعين. مثل ذلك أن يكون المبيع أرض بناء معينة فذكر في العقد أن مساحتها ألف متر، أو أرضاً زراعية معينة فذكر أن مساحتها خمسون فداناً، أو شيئاً معيناً مما يعد أو يوزن أو يكال أو يقاس فبيع جزافاً وذكر أن مقداره عشرون عداً أو رطلاً أو أردباً أو ذراعاً. وفي هذه الأحوال  إذا كان المبيع يشتمل على المقدار المعين، لا أقل ولا أكثر، فالعقد ماض بما ورد فيه، ولا يرجع أحد المتبايعين على الآخر بشيء، لكن قد يقع أن يكون مقدار المبيع أقل من المقدار المعين في العقد، وقد يقع أن يكون أكثر، فتنشأ عن ذلك دعوى يرجع بها أحد المتبايعين على الآخر.
        حالة نقض المبيع: إذا وجد في المبيع نقص، وكان هناك اتفاق خاص بين المتبايعين في خصوص هذه الحالة، وجب إعمال الاتفاق، فإذا لم يوجد اتفاق، وجب العمل بالعرف الجاري في التعامل، وقد يكون النقص مما جرى العرف بالتسامح فيه وعندئذ لا يرجع المشتري على البائع بشيء من أجل هذا النقص، فإذا كان النقص محسوساً لا يتسامح فيه، كان للمشتري أن يرجع على البائع بتعويض بسبب هذا النقص. وقد يكون هذا التعويض إنقاصاً للثمن بنسبة ما نقص من مقدار المبيع، ولكن هذا لا يتحتم - فالتعويض يقدر بقدر الضرر – وقد يصيب المشتري ضرراً أكبر من ذلك أو أقل فيتقاضى تعويضاً بقدر ما أصابه من الضرر. فإذا كان النقص جسيماً بحيث لو كان يعلمه المشتري لما رضي أن يتعاقد، جاز له أن يطلب فسخ العقد. (المرجع: "الوسيط في شرح القانون المدني" – للدكتور/ عبد الرزاق أحمد السنهوري – الجزء الرابع – طبعة 2006 القاهرة – بند 298 – صـ 473).
        هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "تطبيق نص المادة 434 مدني في حالة الإدعاء بوجود عجز في المبيع، محله: أن يكون البيع قد انعقد على عين معينة، مفرزة، ذات مقاس، أو قدر معين، ولم يقم البائع بالتسليم على النحو الذي التزم به، بأن سلم المبيع أقل قدراً مما هو متفق عليه". (نقض مدني جلسة 1/2/1966 مجموعة أحكام النقض – السنة 17 – صـ 205 – رقم 27).
كما قضت محكمة النقض بأن: "النص في عقد البيع على أن مساحة الأرض المبيعة، المحددة في العقد، وما يقابلها من ثمن، تحت العجز والزيادة، والعبرة هي بحسب ما تظهره بيانات المساحة من عجز أو زيادة، وفيما بعد تتم المحاسبة وفقاً للسعر المتفق عليه وقت التعاقد. فتحديد القدر الزائد من الأطيان المبيعة، وتحديد ما إذا كانت المحاسبة ستتم وفقاً للسعر المتفق عليه وقت التعاقد أو للسعر السائد وقت رفع الدعوى، هي مسائل قانونية يفصل فيها قاضي الموضوع وليس خبير الدعوى". (نقض مدني في الطعن رقم 960 لسنة 60 قضائية – جلسة 21/11/1996).
حالة زيادة المبيع: وإذا وجد بالمبيع زيادة، وكان هناك اتفاق خاص بين المتبايعين في خصوص هذه الحالة، وجب العمل بهذا الاتفاق، فإذا لم يوجد اتفاق وجب العمل بالعرف، فإن لم يوجد عرف، وجب التمييز بين ما إذا كان الثمن مقدراً بحساب الوحدة(*) أو مقدراً جملة واحدة.
فإذا كان الثمن مقدراً بحساب الوحدة، وكان المبيع قابلاً للتبعيض، فالزيادة للبائع، وذلك أن الزيادة لم تدخل في المبيع، والمبيع لا يضره التبعيض.
وإذا كان الثمن مقدراً بحساب الوحدة، وكان المبيع غير قابل للتبعيض، فالنص صريح في أنه يجب على المشتري أن يكمل الثمن، إلا إذا كانت الزيادة جسيمة فيجوز له أن يطلب فسخ العقد. ذلك أن القدر في المبيع، وإن كان المبيع غير قابل للتبعيض، يعتبر أصلاً لا وصفاً، ما دام الثمن قد قدر بحساب الوحدة، والأصل مقابل بالثمن، فإذا زاد المبيع وجب على المشتري تكملة الثمن على هذا النحو، لكن قد تكون الزيادة جسيمة بحيث تكون تكملة الثمن المناسبة لهذه الزيادة من شأنها أن تجعل المشتري يزهد في المبيع ويود لو أنه لم يتعاقد، ففي هذه الحالة يجوز للمشتري أن يطلب فسخ البيع، فلا يعود ملزماً بتكملة الثمن.
وإذا كان المبيع مقدراً جملة واحدة، فسواء كان المبيع قابلاً للتبعيض أو غير قابل له، فالظاهر – بالرغم من سكوت النص – أن قدر المبيع في هذه الحالة يعتبر وصفاً لا أصلاً، والوصف لا يقابله شيء من الثمن. ومن ثم يكون للمشتري أن يأخذ المبيع بالثمن المتفق عليه، ولا يدفع شيئاً للبائع في مقابل الزيادة، ويؤيد ذلك ما جاء في المذكرة الايضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني من أنه: "إذا زاد المبيع، وكان الثمن مقدراً جملة واحدة، فالغالب أن المتعاقدين قصدوا أن يكون المبيع بهذا الثمن ولو زاد على القدر المعين – وهذا يتفق مع ما سبق ذكره من أن الوصف لا يقابله شيء من الثمن – ولذلك يبقى البيع، ولا يطالب المشتري بزيادة الثمن، إلا إذا كان هناك اتفاق على غير ذلك". (مجموعة الأعمال التحضيرية – جـ 4 – صـ 61). ويبرر هذا الحكم أن المبيع كان في يد البائع وكان في وسعه أن يعرف مقداره، فإذا قصر في ذلك، وباعه بثمن مقدر جملة واحدة، فليس له أن يحتج بتقصيره بل دل ذلك على أنه ارتضى هذا الثمن في كل المبيع . (المرجع: "الوسيط في شرح القانون المدني" – للدكتور/ عبد الرزاق أحمد السنهوري – الجزء الرابع – طبعة 2006 القاهرة – بند 299 – صـ 474 وما بعدها).
تقادم الدعاوى الناشئة عن نقص المبيع أو زيادته: ولئن كان ينشأ عن نقص أو زيادته دعاوى ثلاث هي: 1- دعوى إنقاص الثمن، وتكون للمشتري إذا كان هناك نقص في المبيع على النحو السالف ذكره. 2- دعوى فسخ البيع، وتكون أيضاً للمشتري إذا كان هناك نقص جسيم في المبيع، أو كانت هناك زيادة وكان المبيع لا يقبل التبعيض وكان الثمن قد قدر بحساب الوحدة. 3- دعوى تكملة الثمن، وهذه تكون للبائع إذا كانت هناك زيادة في المبيع، وكان لا يقبل التبعيض وقد قدر الثمن بحساب الوحدة.
        وقد جاء في المذكرة الايضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني في هذا الصدد أنه: "يتبين مما تقدم في المادة السابقة أن هناك حالات يطلب فيها المشتري إنقاص الثمن إذا نقص المبيع نقصاً غير جسيم، أو الفسخ إذا نقص المبيع أو زاد بقدر جسيم، وهناك حالات يطلب فيها البائع تكملة الثمن إذا زاد المبيع زيادة غير جسيمة أو زيادة جسيمة لم تحمل المشتري على طلب الفسخ. ففي هذه الحالات جميعاً تسقط الدعوى في الفسخ أو إنقاص الثمن أو في زيادته بالتقادم إذا انقضت سنة من وقت تسليم المبيع تسليماً حقيقياً. وهذا الحكم أصلح عيباً في التقنين الحالي (التقنين المدني القديم)، إذ جعل التقادم يسري لا من وقت العقد (المادة 296/370)، بل من وقت التسليم الحقيقي للمبيع، فلا يكفي التسليم الصوري، وظاهر أن التسليم الحقيقي وحده هو الذي يهيئ للمشتري وللبائع كشف حقيقة النقص والزيادة في المبيع". (مجموعة الأعمال التحضيرية – جـ 4 – صـ 65).  
        وقد راعى المشرع في هذه الدعاوى الثلاث وجوب استقرار التعامل، فيجعلها كلها تتقادم بمدة قصيرة هي سنة واحدة (المادة 434 مدني)، حتى لا يبقى البائع مهدداً مدة طويلة برجوع المشتري عليه بأنقاص الثمن أو بفسخ البيع، وحتى لا يبقى المشتري مهدداً مدة طويلة برجوع البائع عليه بتكملة الثمن.
        ويبدأ سريان التقادم من وقت تسليم المبيع تسليماً فعلياً، ففي هذا الوقت يستطيع المشتري أن يتبين ما إذا كان المبيع فيه نقص يوجب إنقاص الثمن أو فسخ البيع، أو زيادة توجب عليه تكملة الثمن فيبادر إلى طلب الفسخ حتى يتوقى دفع هذه التكملة. ومن ثم اشترط القانون بأن يكون التسليم تسليماً فعلياً، إذ التسليم الفعلي وحده دون التسليم الحكمي هو الذي يهيئ أسباب العلم بما تقدم. وانفسح المجال للبائع نفسه إلى وقت تسليمه المبيع للمشتري تسليماً فعلياً، فلا يسري تقادم دعواه بتكملة الثمن إلا من هذا الوقت، لأنه يتبين عادة في هذا الوقت ما إذا كان بالبيع زيادة تجعل له الحق في طلب تكملة الثمن(1).
        وغني عن البيان أن مدة السنة لا توقف بسبب عدم توافر الأهلية ولو لم يكن للدائن نائب يمثله قانوناً (وفقاً لنص المادة 382/2 مدني)(2). ولا يجوز الاتفاق على زيادة مدة السنة أو على إنقاصها، لأن المادة 388 مدني قد قضت بأنه لا يجوز الاتفاق على أن يتم التقادم في مدة تختلف عن المدة التي عينها القانون، ولكن يجوز أن يسقط حق المشتري في الرجوع على البائع بسبب عجز المقدار قبل انقضاء السنة، في حالة ما إذا وضع يده على المبيع وهو عالم بالعجز مما يفهم منه أنه نزولاً ضمنياً عن حقه. ويجوز إبداء الدفع بسقوط الدعوى بالتقادم لانقضاء سنة في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف. (المرجع في كل ما سبق: "الوسيط في شرح القانون المدني" – للدكتور/ عبد الرزاق أحمد السنهوري – الجزء الرابع – طبعة 2006 القاهرة – بند 300 – صـ 476 وما بعدها).
        هذا، ومن المُقرر في قضاء محكمة النقض أن: "نص المادتين 433 ، 434 من القانون المدنى يدل على أن مسئولية البائع عن العجز فى المبيع تكون عندما يتبين أن القدر الحقيقى الذى يشتمل عليه البيع ينقص عن القدر المتفق عليه فى العقد، وأن تقادم حق المشترى فى إنقاص الثمن أو فسخ العقد بسبب العجز فى المبيع بإنقضاء سنة من تسلمه تسلماً فعلياً إنما يكون فى حالة ما إذا كان مقدار المبيع قد عين فى العقد، أما إذا لم يتعين مقداره أو كان مبيناً به على وجه التقريب فإن دعوى المشترى لا تتقادم بسنة بل تتقادم بخمس عشرة سنة". (نقض مدني في الطعن رقم 863 لسنة 53 قضائية – جلسة 22/2/1990 مجموعة المكتب الفني – السنة 41 – صـ 564 – فقرة 4).
        كما قضت محكمة النقض بأن: "تطبيق المادة 433 من القانون المدني بشأن مسئولية المشتري عن تكملة الثمن إذا تبين أن القدر الذي يشتمل عليه المبيع يزيد على ما ذكر في العقد، والمادة 434 منه بشأن تقادم حق البائع في طلب تكملة الثمن بانقضاء سنة من وقت تسليم المبيع تسليماً فعلياُ، إنما يكون وفقاً لما صرحت به المادة 433 في صدرها في حالة ما إذا كان مقدار المبيع قد عين في العقد، أما إذا لم يتعين مقداره أو كان بيناً به على وجه التقريب فإن دعوى البائع لا تتقادم بسنة بل تتقادم بخمس عشرة سنة، ولما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أستبعد تطبيق التقادم الحولي على دعوى الشركة البائعة – بمطالبة الطاعنين – من ورثة المشتري بثمن الأرض ا لزائدة بعد أن خلص إلى أن مقدار المبيع لم يعين في العقد، واستدل على ذلك بالعبارة التي وردت في إقرار المورث من أن الأرض التي اشتراها من الشركة قدرها 15ف "تحت المساحة"، وبما جاء في البند الأول من عقد البيع من أن الحد الغربي للأرض المبيعة هو باقي ملك تلك الشركة، فإن هذا الذي أورده الحكم يتفق مع صحيح القانون ويقوم على أسباب سائغة تكفي لحمله". (نقض مدني جلسة 30/12/1975 مجموعة أحكام النقض – السنة 26 – صـ 1727).

التطبيق:
        لما كان ما تقدم، وكانت لائحة الاستبدال – والتي على أساسها تم الاستبدال – تنص على أن: "العبرة بكشف التحديد المساحي (النهائي الصادر من مصلحة الشهر العقاري المختصة)، وأنه إذا وجد عجز أو نقص في المساحة المبيعة حوسب المستبدل على أساس المساحة الفعلية (الواردة في كشف تحديد المساحة)".
        ولما كان العقد شريعة المتعاقدين طبقاً لنص المادة 147 من القانون المدني فلا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون، كما يجب تنفيذ بنود العقد بما يتفق مع حسن النية طبقاً لما نصت عليه المادة 148 من القانون المدني.
        لكل ما تقدم، أرى – لدى الموافقة – الموافقة على ما يلي:
1-   مُحاسبة المستبدلين على المساحات المسلمة لهم بالفعل طبقاً للوارد بكشف التحديد المساحي النهائي الصادر من مصلحة الشهر العقاري المختص. والموافقة على تسجيل تلك المساحات لهم في الشهر العقاري.
2-   الرجوع على الجهة الإدارية أو الوحدة المحلية المختصة بالتعويض عن نزع ملكية الشوارع الواقعة داخل تلك المساحات سالفة الذكر والتي يتم استبعادها من المساحات المبيعة للمستبدلين، مع مراعاة أحكام قانون نزع الملكية.
3-   تكليف الملكية العقارية والاستبدال بعدم طرح صفقات استبدال لأراضي إلا بعد التأكد من مساحاتها وعدم وجود شوارع (أو زوائد تنظيم أو تقريرها كمنافع عامة) في المساحات المطروحة للبيع، وفي حالة وجود شوارع (أو زوائد أو خطوط التنظيم أو تقريرها كنافع عامة) يتم استبعادها من صفقة الاستبدال وإما تحميل ثمن تلك المساحات المتخذة شوارع على المساحات الأخرى المطروحة للبيع وإما الرجوع بالتعويض على الجهة الإدارية أو الوحدة المحلية المختصة عن نزع ملكية تلك الشوارع للمنفعة العامة، أو كلاهما معاً.  
هذا والله أعلى وأعلم

(*) ويكون الثمن مقدراً بحساب الوحدة ولو ذكر في العقد إلى جانب سعر الوحدة مجموع الثمن، فالمجموع في هذه الحالة لا يعدو أن يكون عملية حسابية هي حاصل ضرب سعر الوحدة في مجموع الوحدات.
(1) وغني عن البيان أنه إذا سقطت دعوى البائع بتكملة الثمن بانقضاء سنة من وقت التسليم الفعلي، لم يعد هناك مقتض لدعوى المشتري بفسخ البيع لتفادى دفع تكملة الثمن، فإن هذه التكملة لن تطلب منه لسقوط دعواها بالتقادم، هذا إلى أن دعوى الفسخ في هذه الحالة تكون هي أيضاً قد سقطت بالتقادم مع سقوط دعوى تكملة الثمن.
(2) حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 382 من القانون المدني على أنه: "ولا يسرى التقادم الذي تزيد مدته على خمس سنوات فى حق من لا تتوافر فيه الأهلية أو فى حق الغائب أو فى حق المحكوم عليه بعقوبة جناية إذا لم يكن له نائب يمثله قانوناً". ومفاد هذه المادة أنه إذا كانت مدة التقادم تقل عن خمس سنوات فإنه يسري في حق من لا تتوافر فيه الأهلية ولو لم يكن له نائب يمثله قانوناً.