الجمعة، 2 ديسمبر 2016

تفسير سورة العلق - للقرطبي



سورة «العَلَق»

**  سورة «العَلَق» وهي مكية بالإجماع, وهي أوّل ما نزل من القرآن, في قول أبي موسى وعائشة رضي الله عنهما. وهي تسع عشرة آية.

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ
**  قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ}.
هذه السورة أوّل ما نزل من القرآن في قول معظم المفسرين. نزل بها جبريل على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو قائم على حِراء, فعلمه خمسَ آيات من هذه السورة. وقيل: إن أوّل ما نزل {يَأَيّهَا الْمُدّثّرُ}, قاله جابر بن عبد الله وقد تقدم. وقيل: فاتحة الكتاب أوّل ما نزل قاله أبو مَيْسَرة الهَمْدانيّ. وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: أوّل ما نزل من القرآن {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرّمَ رَبّكُمْ عَلَيْكُمْ} (الأنعام: 151) والصحيح الأوّل. قالت عائشة: أوّل ما بُدِئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة فجاءه الملك فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبّكَ الأكْرَمُ }. خرجه البخارِيّ.
وفي الصحيحين عنها قالت: أوّل ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوَحْي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مِثل فَلَق الصبح, ثم حُبّب إليه الخَلاء, فكان يخلو بغار حِراءٍ, يتحنث فيه اللياليَ ذواتِ العدد, (قبلَ أنْ يَرْجع إلى أهْلِهِ) ويتزوّد لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها حتى فجِئه الحقّ وهو في غار حِراء, فجاءه الملك, فقال: «اقرأ»: فقال: ما أنا بقارئ ـ قال ـ فأخذني فغطني, حتى بلغ مني الجهدُ ثم أرسلني», فقال: «اقرأ» فقلت: «ما أنا بقارئ». فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهدُ ثم أرسلني», فقال: «اقرأ» فقلت: «ما أنا بقارئ». فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد, ثم أرسلني» فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبّكَ الأكْرَمُ * الّذِى عَلّمَ بِالْقَلَمِ * عَلّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } الحديث بكماله. وقال أبو رجاء العُطارِدِيّ: وكان أبو موسى الأشعرِيّ يطوف علينا في هذا المسجد: مسجدِ البصرة, فيُقْعِدنا حِلَقاً, فيقرِئنا القرآن فكأني أنظر إليه بين ثوبين له أبيضين, وعنه أخذت هذه السورة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ }. وكانت أوّل سورة أنزلها الله على محمد صلى الله عليه وسلم. وروتْ عائشة رضي الله عنها أنها أوّل سورة أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم بعدها {نَ وَالْقَلَمِ} (القلم: 1), ثم بعدها {يَأَيّهَا الْمُدّثّرُ} (المدثر: 1) ثم بعدها «والضحى» ذكره الماوردِيّ. وعن الزّهرِيّ: أول ما نزل سورة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ} ـ إلى قوله ـ {مَا لَمْ يَعْلَمْ}, فحزِن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وجعل يعلو شواهِق الجبال, فأتاه جبريل فقال له: «إنك نبيّ الله» فرجع إلى خديجة وقال: «دَثّروني وصُبّوا عليّ ماء بارداً», فنزل {يَأَيّهَا الْمُدّثّرُ} (المدثر: 1).
ومعنى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ} أي اقرأ ما أنزل إليك من القرآن مفتتحاً باسم ربك, وهو أن تذكر التسمية في ابتداء كل سورة. فمحل الباء من «باسم ربك» النصب على الحال. وقيل: الباء بمعنى على, أي اقرأ على اسم ربك. يقال: فعل كذا باسم الله, وعلى اسم الله. وعلى هذا فالمقروء محذوف, أي اقرأ القرآن, وافتتحه باسم الله. وقال قوم: اسم ربك هو القرآن, فهو يقول: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ} أي اسمَ ربك, والباء زائدة كقوله تعالى: {تَنبُتُ بِالدّهْنِ} (المؤمنون: 20), وكما قال:
سُـودُ المَـحـاجِـر لا يَـقْـرَاْنَ بـالسّـوَرِ
أراد: لا يقرأن السور. وقيل: معنى «اقرأ باسم ربك» أي اذكر اسمه. أمره أن يبتدئ القراءة باسم الله.

**  قوله تعالى: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}.
قوله تعالى: {خَلَقَ الإِنسَانَ} يعني ابن آدم. {مِنْ عَلَقٍ} أي من دمٍ جمع عَلقة, والعلقة الدّم الجامد وإذا جرى فهو المسفوح. وقال: «مِنْ عَلَق» فذكره بلفظ الجمع لأنه أراد بالإنسان الجمع, وكلهمْ خُلِقوا من عَلَق بعد النطفة. والعَلَقة: قطعة من دمٍ رَطْب, سميت بذلك لأنها تعلَق لرطوبتها بما تَمُر عليه, فإذا جفت لم تكن عَلقة. قال الشاعر:
تركناه يَخِر على يديه يمج عليهما عَلَق الوَتِينِ
وخَصّ الإنسانَ بالذكر تشريفاً له. وقيل: أراد أن يبين قدرَ نعمته عليه, بأن خلقه من علقة مَهينة, حتى صار بشراً سَوِيّا, وعاقلاً مميزاً.

**  قوله تعالى: {اقْرَأْ وَرَبّكَ الأكْرَمُ}.
قوله تعالى: {اقْرَأْ} تأكيد, وتم الكلام, ثم استأنف فقال: {وَرَبّكَ الأكْرَمُ} أي الكريم. وقال الكلبيّ: يعني الحليم عن جهل العباد, فلم يُعَجّل بعقوبتهم. والأوّل أشبه بالمعنى, لأنه لما ذكر ما تقدّم من نعمه, دلّ بها على كرمه. وقيل: «إقرأ وربك» أي اقرأ يا محمد وربك يعينك ويفهمك, وإن كنت غير القارئ. و«الأكرم» بمعنى المتجاوز عن جهل العباد.

**  قوله تعالى: {الّذِى عَلّمَ بِالْقَلَمِ}.
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {الّذِى عَلّمَ بِالْقَلَمِ } يعني الخط والكتابة أي علم الإنسان الخط بالقلم. ورَوى سعيد عن قتادة قال: القلم نعمة من الله تعالى عظيمة, لولا ذلك لم يقم دِين, ولم يصلُح عيش. فدل على كمال كرمه سبحانه, بأنه عَلّم عباده ما لم يعلموا, ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم, ونَبّه على فضل علم الكتابة, لما فيه من المنافع العظيمة, التي لا يحيط بها إلا هو. وما دُوّنت العلوم, ولا قُيّدت الحِكم, ولا ضبطت أخبار الأوّلِين ومقالاتهم, ولا كتبُ الله المُنْزَلة إلا بالكتابة ولولا هي ما استقامت أمور الدين والدنيا. وسُمّي قلماً لأنه يُقْلَم أي يقطع, ومنه تقليم الظفر. وقال بعض الشعراء المُحْدَثِين يصف القلم:
فكأنه والحِبْرُ يخضِبُ رأسَهُ شيخٌ لوصل خرِيدةٍ يَتَصَنّعُ
لِمَ لا اُلاحظه بعين جَلالة وبه إلى الله الصحائفُ ترفعُ
وعن عبد الله بن عمر قال: يا رسول الله, أأكتب ما أسمع منك من الحديث؟ قال: «نعم فاكتب, فإن الله عَلّم بالقلم». وروى مجاهد عن ابن عمر قال: خلق الله عز وجل أربعة أشياء بيده, ثم قال لسائر الحيوان: كن فكان: القلم, والعَرْش, وجنة عَدْن, وآدم عليه السلام. وفي من علمه بالقلم ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه آدم عليه السلام لأنه أوّل من كتب, قاله كعب الأحبار. الثاني: أنه إدريس, وهو أول من كتب. قاله الضحاك. الثالث: أنه أدخل كل من كتب بالقلم لأنه ما عَلِم إلا بتعليم الله سبحانه, وجمع بذلك نعمته عليه في خَلْقه, وبين نعمته عليه في تعليمه استكمالاً للنعمة عليه.
الثانية: صح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هُريرة, قال: لما خلق الله الخلق كتب في كتابه ـ فهو عنده فوق العرش ـ: «إن رحمتي تغلِب غضبي». وثبت عنه عليه السلام أنه قال: «أوّلُ ما خلق الله: القلم, فقال له اكتب, فكتب ما يكون إلى يوم القيامة, فهو عنده في الذكر فوق عرشه». وفي الصحيح من حديث ابن مسعود: (أنه) سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة, بعث الله إليها ملكاً فصوّرها, وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها, ثم يقول, يا رب, أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب المَلَك ثم يقول: يا رب أجَلَه, فيقول ربك ما شاء, ويكتب الملك, ثم يقول يا رب رزقَه, ليقضي ربك ما شاء, ويكتب المَلَك, ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده, فلا يزيد على ما اُمر ولا ينقص, وقال تعالى: {وَإِنّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ } (الانفطار: 10 ـ 11)».
قال علماؤنا: فالأقلام في الأصل ثلاثة: القلم الأوّل: الذي خلقه الله بيده, وأمره أن يكتب. والقلم الثاني: أقلام الملائكة, جعلها الله بأيديهم يكتبون بها المقادير والكوائن والأعمال. والقلم الثالث: أقلام الناس, جعلها الله بأيديهم, يكتبون بها كلامهم, ويصلون بها مآربهم. وفي الكتابة فضائل جمة. والكتابة من جملة البيان, والبيان مما اختص به الاَدميّ.
الثالثة: قال علماؤنا: كانت العرب أقل الخلق معرفة بالكتاب, وأقل العرب معرفة به المصطفى صلى الله عليه وسلم صُرِف عن علمه, ليكون ذلك أثبت لمعجزته, وأقوى في حجته, وقد مضى هذا مبيناً في سورة «العنكبوت». وروى حَمّاد بن سَلَمة عن الزبير بن عبد السلام, عن أيوب بن عبد الله الفهري, عن عبد الله بن مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُسْكِنوا نساءكم الغُرف, ولا تعلموهن الكتابة». قال علماؤنا: وإنما حذرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك, لأن في إسكانهن الغُرَف تطلعاً إلى الرجل وليس في ذلك تحصين لهنّ ولا تستر. وذلك أنهنّ لا يملكن أنفسهنّ حتى يشرفن على الرجل فتَحدثَ الفتنة والبلاء فحذرهم أن يجعلوا لهن غُرَفاً ذريعة إلى الفتنة. وهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس للنساء خيرٌ لهنّ من ألا يراهنّ الرجال, ولا يرين الرجال». وذلك أنها خُلقت من الرجل, فنهْمتُها في الرجل, والرجل خلقت فيه الشهوة, وجُعلت سكناً له, فغير مأمون كل واحد منهما في صاحبه. وكذلك تعليم الكتابة ربما كانت سبباً للفتنة, وذلك إذا عُلّمَتِ الكتابة كتبت إلى من تَهوَى. والكتابة عين من العيون, بها يبصر الشاهد الغائب, والخط هو آثار يده. وفي ذلك تعبير عن الضمير بما لا ينطلق به اللسان, فهو أبلغ من اللسان. فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينقطع عنهنّ أسباب الفتنة تحصيناً لهنّ, وطهارة لقلوبهنّ.

**  قوله تعالى: {عَلّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.
قيل: «الإنسان» هنا آدم عليه السلام. علمه أسماء كل شيء حسب ما جاء به القرآن في قوله تعالى: {وَعَلّمَ آدَمَ الأسْمَآءَ كُلّهَا} (البقرة: 31). فلم يبق شيء إلا وعلّم سبحانه آدمَ اسمَه بكل لغة, وذكره آدم للملائكة كما عُلّمه. وبذلك ظهر فضله, وتبيّن قدره, وثبتت نبوّته, وقامت حجة الله على الملائكة وحجتُه, وامتثلت الملائكة الأمر لِمَا رأت من شرف الحال, ورأت من جلال القدرة, وسمعت من عظيم الأمر. ثم توارثت ذلك ذريته خلفاً بعد سلف, وتناقلوه قوماً عن قوم. وقد مضى هذا في سورة «البقرة» مستوفًى والحمد لله. وقيل: «الإنسان» هنا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم دليله قوله تعالى: {وَعَلّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} (النساء: 113). وعلى هذا فالمراد بـ«علّمك» المستقبل فإن هذا من أوائل ما نزل. وقيل: هو عام لقوله تعالى: {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً} (النحل: 78).

**  قوله تعالى: {كَلاّ إِنّ الإِنسَانَ لَيَطْغَىَ}.
قوله تعالى: {كَلاّ إِنّ الإِنسَانَ لَيَطْغَىَ} إلى آخر السورة. قيل: إنه نزل في أبي جهل. وقيل: نزلت السورة كلها في أبي جهل نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصلي في المسجد ويقرأ باسم الرب. وعلى هذا فليست السورة من أوائل ما نزل. ويجوز أن يكون خمس آيات من أوّلها أوّل ما نزلت, ثم نزلت البقية في شأن أبي جهل, وأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بضم ذلك إلى أوّل السورة لأن تأليف السور جرى بأمر من الله. ألا ترى أن قوله تعالى: {وَاتّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ} (البقرة: 281) آخرُ ما نزل, ثم هو مضموم إلى ما نزل قبله بزمان طويل. و «كَلاّ» بمعنى حَقّا إذ ليس قبله شيء. والإنسان هنا أبو جهل. والطغيان: مجاوزة الحد في العصيان.

**  قوله تعالى: {أَن رّآهُ اسْتَغْنَىَ}.
{أَن رّآهُ} أي لأن رأى نفسه استغنى أي صار ذا مال وثروة. وقال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه, قال: لما نزلت هذه الآية وسمع بها المشركون, أتاه أبو جهل فقال: يا محمد تزعم أنه من استغنى طغى فاجعل لنا جبال مكة ذهباً, لعلنا نأخذ منها, فنطغى فندع ديننا ونتبع دينك. قال فأتاه جبريل عليه السلام فقال: «يا محمد خيّرهم في ذلك فإن شاؤوا فعلنا بهم ما أرادوه: فإن لم يسلموا فعلنا بهم كما فعلنا بأصحاب المائدة». فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القوم لا يقبلون ذلك فكفّ عنهم إبقاء عليهم. وقيل: «أن رَآه اسْتغنَى» بالعشيرة والأنصار والأعوان. وحذف اللام من قوله «أن رآه» كما يقال: إنكم لَتَطْغَون إن رأيتم غِناكم. وقال الفراء: لم يقل رأى نفسه, كما قيل قتل نفسه لأن رأى من الأفعال التي تريد اسماً وخبراً, نحو الظن والحِسبان, فلا يقتصر فيه على مفعول واحد. والعرب تطرح النفس من هذا الجنس تقول: رأيتني وحسبتني, ومتى تراك خارجاً, ومتى تظنك خارجاً. وقرأ مجاهد وحميد وقنبل عن ابن كثير «أن رأهُ اسْتَغنَى» بقصر الهمزة. الباقون «رآه» بمدّها, وهو الاختيار.

**  قوله تعالى: {إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ}.
قوله تعالى: {إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ} أي مرجع من هذا وصفه، فنجازيه. والرجعى والمرجع والرجوع: مصادر; يقال: رجع إليه رجوعا ومرجعا ورجعى على وزن فعلى.

**  قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الّذِي يَنْهَىَ * عَبْداً إِذَا صَلّىَ}.
قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الّذِي يَنْهَىَ} وهو أبو جهل {عَبْداً} وهو محمد صلى الله عليه وسلم. فإن أبا جهل قال: إنْ رأيت محمداً يصلّي لأطأنّ على عنقه قاله أبو هُريرة. فأنزل الله هذه الآيات تعجباً منه. وقيل: في الكلام حذف والمعنى: أمِنَ هذا الناهي عن الصلاة من العقوبة.

**  قوله تعالى: { أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ}.
أي أرأيت يا أبا جهل إن كان محمد على هذه الصفة، أليس ناهيه عن التقوى والصلاة هالكا؟

**  قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ إِن كَذّبَ وَتَوَلّىَ * أَلَمْ يَعْلَم بِأَنّ اللّهَ يَرَىَ}.
يعني أبا جهل كذّب بكتاب الله عز وجل, وأعْرض عن الإيمان. وقال الفرّاء: المعنى {أَرَأَيْتَ الّذِي يَنْهَىَ * عَبْداً إِذَا صَلّىَ} وهو على الهدى, وآمر بالتقوى, والناهي مكذّب متولّ عن الذكر أي فما أعجب هذا! ثم يقول: وَيْلَه! ألم يعلم أبو جهل بأن الله يرى أي يراه ويعلم فعله فهو تقرير وتوبيخ. وقيل: كل واحد من «أرأيت» بدل من الأوّل. و{أَلَمْ يَعْلَم بِأَنّ اللّهَ يَرَىَ} الخبر.

** قوله تعالى: {كَلاّ لَئِن لّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ}.
قوله تعالى: {كَلاّ لَئِن لّمْ يَنتَهِ} أي أبو جهل عن أذاك يا محمد. {لَنَسْفَعاً} أي لنأخذن {بِالنّاصِيَةِ } فلنذلنه. وقيل: لنأخذن بناصيته يوم القيامة, وتُطْوَى مع قدميه, ويطرح في النار, كما قال تعالى: {فَيُؤْخَذُ بِالنّوَاصِي وَالأقْدَامِ} (الرحمن: 41). فالآية ـ وإن كانت في أبي جهل ـ فهي عِظة للناس, وتهديد لمن يمتنع أو يمنع غيره عن الطاعة. وأهل اللغة يقولون: سفَعْتَ بالشيء: إذا قبضت عليه وجذبته جذباً شديداً. ويقال: سَفَعَ بناصية فرسه. قال:
قَومٌ إذا كَثُر الصياح رأيتهمْ مِنْ بينِ مُلْجِم مُهْرِهِ أو سافِعِ
وقيل: هو مأخوذ من سَفَعتْه النار والشمس: إذا غيرت وجهه إلى حال تسويد كما قال:
أثافِيّ سُفعاً في مُعَرّسِ مِرْجَلٍ ونَوْيٌ كجِذم الحوض أثلَمَ خاشِع
والناصية: شعر مقدّم الرأس. وقد يعبر بها عن جملة الإنسان كما يقال: هذه ناصية مباركة إشارة إلى جميع الإنسان. وخص الناصية بالذكر على عادة العرب فيمن أرادوا إذلاله وإهانته أخذوا بناصيته. وقال المبرّد: السّفْع: الجذب بشدّة أي لَنَجُرّن بناصيته إلى النار. وقيل: السّفْع الضرب أي لنلطُمَنّ وجهه. وكله متقارب المعنى. أي يجمع عليه الضرب عند الأخذ ثم يجرّ إلى جهنم. ثم قال على البدل: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} أي ناصية أبي جهل كاذبة في قولها, خاطئةٍ في فعلها. والخاطئ معاقب مأخوذ. والمخطئ غير مأخوذ. ووصف الناصيةِ بالكاذبة الخاطئة, كوصفِ الوجوه بالنظر في قوله تعالى: {إِلَىَ رَبّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة: 23). وقيل: أي صاحبها كاذب خاطئ كما يقال: نهاره صائم, وليله قائم أي هو صائم في نهاره, ثم قائم في ليله.

**  قوله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُو الزّبَانِيَةَ}.
قوله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} أي أهل مجلسه وعشيرته, فليستنصر بهم. {سَنَدْعُو الزّبَانِيَةَ} أي الملائكة الغِلاظ الشداد ـ عن ابن عباس وغيره ـ واحدهم زِبْنِيّ قاله الكسائي. وقال الأخفش: زابن. أبو عبيدة: زِبْنِية. وقيل: زَبَانِيّ. وقيل: هو اسم للجمع كالأبابيل والعباديد. وقال قتادة: هم الشّرَط في كلام العرب. وهو مأخوذ من الزّبْن وهو الدفع ومنه المُزابنة في البيع. وقيل: إنما سموا الزبانية لأنهم يعملون بأرجلهم, كما يعملون بأيديهم حكاه أبو الليث السّمَرْقندِيّ ـ رحمه الله ـ قال: ورُوِي في الخبر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما قرأ هذه السورة, وبلغ إلى قوله تعالى: {لَنَسْفَعاً بِالنّاصِيَةِ} قال أبو جهل: أنا أدعو قومي حتى يمنعوا عني ربّك. فقال الله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُو الزّبَانِيَةَ }. فلما سمع ذِكر الزبانية رجع فزِعاً فقيل له: خَشِيت منه! قال لا! ولكن رأيت عنده فارساً يُهدّدني بالزّبانية, فما أدري ما الزبانية, ومال إليّ الفارس, فخشِيت منه أن يأكلني. وفي الأخبار أن الزبانية رؤوسهم في السماء وأرجلهم في الأرض, فهم يدفعون الكفار في جهنم. وقيل: إنهم أعظم الملائكة خَلْقاً, وأشدّهم بطشاً. والعرب تطلِق هذا الاسم على من اشتدّ بطشه. قال الشاعر:
مَطاعيمُ في القُصْوَى مطاعينَ في الوَغَى زَبانيةٌ غُلْب عِطامٌ حلُومُها
وعن عكرمة عن ابن عباس: {سَنَدْعُو الزّبَانِيَةَ } قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمداً يصلي لأطأنّ على عنقه. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لو فعل لأخذته الملائكة عِياناً». قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح غريب. وروَى عِكرمة عن ابن عباس قال: مر أبو جهل على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلّي عند المقام, فقال: ألم أنهك عن هذا يا محمد! فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو جهل: بأيّ شيء تهدّدني يا محمد! والله إني لأكثر أهل الوادي هذا نادياً فأنزل الله عز وجل: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُو الزّبَانِيَةَ}. قال ابن عباس: والله لو دعا نادِيَه لأخذته زبانية العذاب من ساعته. أخرجه الترمذي بمعناه, وقال: حسن غريب صحيح. والنادي في كلام العرب: المجلس الذي ينتدِي فيه القوم أي يجتمعون, والمراد أهل النادي كما قال جرِير:
لـهـم مَجـلِـسٌ صُـهْـبُ السّـبـالِ أذِلـةٌ
 وقال زهير:
وفـيهـمْ مَـقـامـاتٌ حِـسـان وُجُـوهـهـم
 وقال آخر:
واسْـتَـبّ بـعـدَك يـا كُـلَـيـبُ المـجـلِـسُ
 وقد ناديت الرجل أنادِيه إذا جالسته. قال زهير:
وجارُ البيتِ والرجلُ المنادِي
أمام الحي عَقْدُهما سَواءُ

**  قوله تعالى: {كَلاّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب}.
{كَلاّ} أي ليس الأمر على ما يظنه أبو جهل. {لاَ تُطِعْهُ} أي فيما دعاك إليه من ترك الصلاة. {وَاسْجُدْ} أي صل لِلّه {وَاقْتَرِب} أي تقرّب إلى الله جل ثناؤه بالطاعة والعبادة. وقيل: المعنى: إذا سجدت فاقترب من الله بالدعاء. روى عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه, وأحبه إليه, جَبْهَتُه في الأرض ساجداً لله».
قال علماؤنا: وإنما (كان) ذلك لأنها نهاية العبودية والذلة ولله غاية العِزة, وله العزة التي لا مقدار لها فكلما بَعُدْت من صفته, قربت مِن جنته, ودنوت من جواره في داره. وفي الحديث الصحيح: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أمّا الركوع فعظموا فيه الرب. وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء, فإنه قِمَن أن يُسْتجاب لكُم». ولقد أحسن من قال:
وإذا تذللتِ الرقاب تواضُعاً منا إليك فعِزّها في ذُلّها
وقال زيد بن أسلم: اسجد أنت يا محمد مصلياً, واقترب أنت يا أبا جهل من النار.
قوله تعالى: {وَاسْجُدْ} هذا من السجود. يحتمل أن يكون بمعنى السجود في الصلاة, ويحتمل أن يكون سجود التلاوة في هذه السورة. قال ابن العربيّ: «والظاهر أنه سجود الصلاة» لقوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الّذِي يَنْهَىَ * عَبْداً إِذَا صَلّىَ } ـ إلى قوله ـ {كَلاّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب} , لولا ما ثبت في الصحيح من رواية مسلم وغيره من الأئمة عن أبي هريرة أنه قال: سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في {إِذَا السّمَآءُ انشَقّتْ} (الإنشقاق: 1), وفي {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ} (العلق: 1) سجدتين, فكان هذا نصاً على أن المراد سجود التلاوة. وقد رَوى ابن وهب, عن حماد بن زيد, عن عاصم بن بَهْدلة, عن زِرّ بن حُبَيش, عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: عزائم السجود أربع: «ألم» و«حَم. تنزيل من الرحمن الرحيم» و«النجم» و«اقرأ باسم ربك». وقال ابن العربيّ: «وهذا إن صح يلزم عليه السجود الثاني من سورة «الحج», وإن كان مقترناً بالركوع لأنه يكون معناه اركعوا في موضع الركوع, واسجدوا في موضع السجود». وقد قال ابن نافع ومطَرّف: وكان مالك يسجد في خاصة نفسه بخاتمة هذه السورة من «اقرأ باسم ربك» وابن وهب يراها من العزائم.
 قلت: وقد روينا من حديث مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر قال: لما أنزل الله تعالى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمُعاذ: «اكتبها يا معاذ» فأخذ معاذ اللوح والقلم والنون ـ وهي الدواة ـ فكتبها معاذ فلما بلغ {كَلاّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب} سجد اللوح, وسجد القلم, وسجدت النون, وهم يقولون: اللهم ارفع به ذِكراً, اللهم احْطُطْ به وِزراً, اللهم اغفر به ذنباً. قال معاذ: سجدت, وأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسجد.
       تمت السورة. والحمد لله على ما فتح ومنح وأعطى. وله الحمد والمِنة.


السبت، 12 نوفمبر 2016

الأسانيد القانونية لرجوع الكفيل الضامن على المدين الأصلي – بـ دعوى الحلول



الأسانيد القانونية لرجوع الكفيل الضامن على المدين الأصلي – بدعوى الحلول

الطالب: الكفيل الضامن المتضامن
المعلن إليه الأول: المدين الأصلي
المعلن إليه الثاني: البنك الدائن

( الموضــــوع )
الطالب كفيل ضامن متضامن، مع المعلن إليه الأول، في دين الأول للمعلن إليه الثاني بصفته، بموجب العقد المحرر عنه الفاتورة رقم (..................)، وإذ قام المعلن إليه الثاني بصفته واستناداً لهذه الكفالة التضامنية باستقطاع  مبلغ وقدره ـ/....... د.ك (................ ديناراً كويتياً) من حساب الطالب (الكفيل المتضامن) لديه، وذلك ثابت من الشهادة الصادرة من المعلن إليه الثاني بصفته والمؤرخة في  ................. ونظراً لأن المدين الأصلي – المعلن إليه الأول ــ هو المُلزم بأداء الدين، وفي حالة قيام الكفيل بسداد هذا الدين عن المدين الأصلي إلى الدائن، فإنه يحق للكفيل الرجوع بما أداه على المدين الأصلي، طبقاً للقواعد العامة في "الحلول القانوني".
حيث تنص المادة 771 من القانون المدني (الكويتي) على أنه: "إذا وفى الكفيل كل الدين أو بعضه، حل محل الدائن في حقه طبقاً لقواعد الحلول القانوني".
وتنص الفقرة الأولى من المادة 394 من القانون المدني على أنه: "إذا قام بالوفاء شخص غير المدين، حل المُوفي محل الدائن الذي استوفى حقه في الأحوال الآتية: أ/ إذا كان المُوفي مُلزماً بالدين مع المدين، أو مُلزماً بوفائه عنه ...".
كما تنص المادة 396 من القانون المدني على أنه: "من حل قانوناً أو اتفاقاً محل الدائن، كان له حقه بما لهذا الحق من خصائص وما يلحقه من توابع وما يكفله من تأمينات وما يرد عليه من دفوع، ويكون هذا الحلول بالقدر الذي أداه من حل محل الدائن".
هذا، ومن المُقرر في قضاء محكمة التمييز أنه: "من المُقرر طبقاً لنص المادة 394/1 من القانون المدني أنه يجوز لمن قام بوفاء الدين، الحلول محل الدائن الذي استوفى حقه، متى كان المُوفي مُلزماً بالدين مع المدين، أو مُلزماً بالوفاء عنه. وفي حالة التأمين الإجباري من المسئولية المدنية الناشئة عن حوادث السيارات، فإن المُؤمن والغير المسئول عن الحادث يلتزمان بذات الدين، وإن اختلف مصدر التزام كل منهما، فمصدر التزام المُؤمن هو "عقد التأمين"، بينما مصدر التزام الغير المسئول عن إحداث الضرر هو "الفعل الضار"، وبذلك تتضامم ذمتهما بهذا الدين، بحيث يكون وفاء المُؤمن بتعويض المضرور وفاء في ذات الوقت بدين الغير المسئول عن الضرر، فيحل المُؤمن محل المضرور حلولاً قانونياً قِبل ذلك الغير، ويرجع عليه بما وفاه من تعويض. إذ أن المادة 394 المُشار إليها لم تشترط للحلول القانوني أن يكون المُوفي مُلزماً بالدين بمقتضى المصدر ذاته الذي التزم به المدين الآخر، أو أن تكون هناك رابطة بينهما، وإنما اشترطت فقط أن يكون المُوفي مُلزماً بالدين مع المدين، أو مُلزماً بالوفاء عنه".
[[ الطعن بالتمييز رقم 710 لسنة 2001 تجاري/2 – جلسة 27/10/2002م ]]
[[ والطعن بالتمييز رقم 336 لسنة 2003 تجاري/1 – جلسة 26/4/2004م ]]
كما جرى قضاء محكمة النقض على أنه: "للمتبوع - وهو في حكم الكفيل المتضامن - عند وفائه بالتعويض إلى الدائن المضرور أن يرجع على التابع بدعوى الحلول (المنصوص عليها في المادة 799 من القانون المدني) والتي ليست إلا تطبيقاً للقاعدة العامة في الحلول القانوني (المنصوص عليها في المادة 326 من القانون المذكور) والتي تقضى بأن: المُوفي يحل محل الدائن الذى استوفى حقه إذا كان المُوفي مُلزماً بوفاء الدين عن المدين".
[[ نقض مدني في الطعن رقم 3535 لسنة 58 قضائية – جلسة 5/1/1995م – مجموعة المكتب الفني – السنة 46 – صـ 82 – فقرة 3 ]]
وقد قضت محكمة النقض بأنه: "إذا كانت الحوالة نافذة في حق المدين، فإنه للمحال له أن يقاضيه في شأن الحقوق المحال بها دون حاجة إلى اختصام المحيل، لأن الحق المحال به ينتقل إلى المحال له مع الدعاوى التي تؤكده".
[[ نقض مدني في الطعن رقم 618 لسنة 45 قضائية – جلسة 7/4/1979م – مجموعة المكتب الفني – السنة 30 – صـ 40 – فقرة 3 ]]
[[ وقريب من هذا المعنى: الطعن بالتمييز رقم 640 و 666 لسنة 1997 تجاري/2 – جلسة 28/6/1998م ]]
        وهدياً بما تقدم، وبالبناء عليه، ولما كان الثابت بأوراق الدعـوى، أن الطالب قد سدد عن المعلن إليه الأول (المدين الأصلي) المبلغ سالف الذكر إلى الدائن (المعلن  إليه الثاني بصفته)، وبالتالي فإن الطالب يكون قد حل قانوناً محل الدائن، ويحق له الرجوع على المدين الأصلي بما أداه عنه، وقدره ـ/......... د.ك (................. ديناراً كويتياً)، ومن ثم تكون الدعوى الماثلة قد جاءت موافقة لحقيقة الواقع ومطابقة لصحيح القانون خليقة بالقبول وإجابة الطالب إلى طلباته فيها.
هذا، والغرض من اختصام المعلن إليه الثاني  بصفته ليقدم ما تحت يده من مستندات خاصة بموضوع الدعوى الماثلة.
لكل ما تقدم، ولما سيبديه الطالب من أسباب وأسانيد أخرى أثناء نظر الدعوى بالجلسات، في مرافعاته الشفوية ومذكراته المكتوبة، ولما تراه عدالة المحكمة من أسباب أصوب وأرشد. يلتمس الطالب الحكم بالطالبات التالية:
        إلزام المعلن إليه الأول بأن يؤدي للطالب مبلغاً وقدره ........ د.ك (............. ديناراً كويتياً)، مع المصروفات، ومقابل أتعاب المحاماة الفعلية، بحكم مشمول بالنفاذ المعجل بلا كفالة.
        مع حفظ كافة الحقوق الأخرى للطالب، أياً ما كانت،،،،
ولأجل العلم ......


القانون رقم 12 لسنة 2015 بإصدار قانون محكمة الأسرة (الكويتي)



قانون رقم 12 لسنة 2015
بإصدار قانون محكمة الأسرة

تنشأ بكل محافظة محكمة تسمى "محكمة الأسرة" يكون لها مقر مستقل تتألف من دوائر تابعة للمحكمة الكلية، ودوائر أخرى تابعة لمحكمة الاستئناف تختص دون غيرها بطعون الاستئناف التي يجيزها القانون عن الأحكام الصادرة من دوائر المحكمة الكلية المشار إليها. ويتولى الإشراف على عمل تلك الدوائر مستشار يندبه لذلك المجلس الأعلى للقضاء. ويصدر بتحديد مقار محاكم الأسرة قرار من وزير العدل بعد موافقة المجلس الأعلى للقضاء.
تشكل دوائر الأحوال الشخصية الكلية بمحكمة الأسرة من قاضي واحد، وتشكل دارة الاستئناف من ثلاثة مستشارين من محكمة الاستئناف. وللمجلس الأعلى للقضاء، بناء على طلب رئيس المحكمة الكلية، أن يعهد برئاسة كل أو بعض دوائر الأحوال الشخصية الكلية، بمحكمة الأسرة إلى مستشارين من محكمة الاستئناف لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، وذلك طبقاً للقواعد والضوابط التي يصدر بها قرار المجلس.
تختص محكمة الاسرة دون غيرها بالفصل في كافة منازعات الأحوال الشخصية المشار إليها في الفقرة الثانية من المادة (34 (من قانون المرافعات المدنية والتجارية، ويشمل اختصاصها كافة الكويتيين وغير الكويتيين أيا كانت ديانتهم أو مذاهبهم مع مراعاة قواعد الاختصاص الدولي الواردة بالمواد من ( 23 ) إلى ( 28 ) من ذلك القانون. وتكون الأحكام الصادرة من محكمة الأسرة انتهائية في مسائل الميراث والوصية والوقف والمهر إذا كانت قيمة الدعوى لا تتجاوز خمسة آلاف دينار.
تطبق محكمة الاسرة الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية التي تسري على المنازعات المطروحة عليها وفقاً للمادة (346) من قانون الأحوال الشخصية، وتتبع أمامها القواعد والاجراءات المقررة في القانون المرافق وتطبيق فيما لم يرد به نص خاص الإجراءات المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية والقانون المدني وقانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية وقانون تنظيم الخبرة. ويجوز لمحكمة الأسرة كلما رأت ضرورة لذلك الاستعانة برأي أي من الاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين المقيدين بالجدول المشار إليه في الفقرة الأخيرة من المادة (9) من هذا القانون.
تختص محكمة الأسرة التي يقع في دائرتها موطن المدعي أو المدعى عليه بنظر الدعاوى المرفوعة من الأولاد أو الزوجة أو الوالدين أو الحاضنة بحسب الأحوال في المواد الآتية:
أ )     النفقات والأجور وما في حكمها؛
ب ) الحضانة والرؤية والمسائل المتعلقة بهما؛
ج ) المهر والجهاز والهدايا وما في حكمها؛
د ) التطليق والخلع والإبراء والفرقة بين الزوجين بجميع أسبابها الشرعية؛
هـ ) استخراج جواز سفر المحضون وتجديده وتسليمه؛
و ) استخراج شهادة ميلاد المحضون وبطاقته المدنية وتسليمهما؛
ز ) تسجيل المحضون بالمدارس الحكومية أو بالمدارس الخاصة.
وفيما عدا ما تقدم تختص محكمة الأسرة التي يقع في دائرتها موطن المدعي عليه أو موطن أحد المدعى عليهم بنظر الدعاوي الناشئة عن تطبيق هذا القانون، فإذا لم يكن للمدعي عليه موطن في الكويت يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعي.
تكون محكمة الأسرة المختصة محلياً بنظر أول دعوى ترفع إليها من أحد الزوجين هي المختصة دون غيرها بنظر جميع دعاوي الأحوال الشخصية التي ترفع بعد ذلك من أيهما على الأخر، بما في ذلك دعاوي النفقات والأجور وما في حكمها سواء للزوجة أو الأولاد أو الأقارب، ودعاوي حضانة الصغير ورؤيته وضمه ومسكن حضانته. ويخصص بإدارة كتاب المحكمة المشار إليها لدى رفع أول دعوى ملف للأسرة تودع فيه أوراق هذه الدعوى وأوراق جميع دعاوي الأحوال الشخصية الأخرى التي ترفع بعد ذلك وتكون متعلقة بذات الأسرة. ويلحق بكل محكمة أسرة مكتب لإدارة التوثيقات الشرعية يصدر بتنظيمه قرار من وزير العدل.
تنشأ بمقر محكمة الأسرة في كل محافظة نيابة متخصصة لشئون الأسرة تتولى المهام الموكلة للنيابة العامة في قضايا الأحوال الشخصية وفقاً لأحكام المواد من (337) إلى (341) من قانو الأحوال الشخصية، وذلك إضافة إلى حق النائب العام في الطعن بالتمييز في الأحكام الاستئنافية الصادرة من محكمة الأسرة، في الأحوال المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة الثالثة عشرة من هذا القانون.
ينشأ بكل محافظة "مركز" يلحق بمحكمة الأسرة، يتولى تسوية المنازعات الأسرية وحماية أفراد الأسرة من العنف والإيذاء الذي يقع من أحدهم على أفرادها الآخرين ويصدر قرار من وزير العدل بتنظيم هذا المركز وتحديد مهامه والاجراءات التي تتبع أمامه. ويكون اللجوء إلى المركز بدون رسوم.
في غير دعاوي الأحوال الشخصية التي لا يجوز فيها الصلح، والدعاوي المستعجلة ومنازعات التنفيذ والأوامر الوقتية "يجوز" لصاحب الشأن قبل اللجوء إلى محكمة الأسرة أن يقدم طلباً لتسوية النزاع إلى مركز تسوية المنازعات الأسرية المختص إلا أنه بالنسبة لدعاوي الطلاق والتطليق التي يجوز فيها الصلح "لا يقبل رفعها ابتداءً" أمام محكمة الأسرة قبل البت في الطلب الذي يجب على المدعي تقديمه إلى "مركز تسوية المنازعات الأسرية" المختص. ويتولى المركز بعد ذلك سماع أقوال طرفي النزاع وتبصيرهم بجوانبه المختلفة وآثاره وعواقب التمادي فيه، ويبدي لهم النصح والإرشاد في محاولة لتسوية النزاع ودياً حفاظاً على كيان الأسرة. ويخطر أصحاب الشأن للحضور بأي طريق يحقق الغرض منه، ويكون حضور ذوي الشأن بأشخاصهم أو بمن ينوب عنهم بموجب وكالة رسمية. ويجوز للمركز عند إجراء التسوية الاستعانة برأي أي من علماء الدين أو من الاختصاصيين الاجتماعيين أو النفسيين المقيدين بجدول خاص يعد لذلك في المحكمة الكلية. ويصدر قرار من وزير العدل بوضع قواعد اختياره هؤلاء الاختصاصيين وإجراءات قيدهم في الجدول، وذلك بالتنسيق مع الجهات المختصة.
يجب أن تنتهي التسوية طبقا للمادة السابقة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تقديم الطلب ويتعين عدم تجاوز هذه المدة إلا باتفاق الطرفين وبحد اقصى لا تجاوز ستين يوماً، فإذا تم الصلاح في هذا الأجل ولم يكن فيه ما يخالف أصول الشريعة أو النظام العام أو الآداب العامة يتولى رئيس مركز تسوية المنازعات الأسرية أو من ينوب عنه في ذلك من العاملين بالمركز، إثباته في محضر يوقعه أطراف النزاع شخصياً أو بوكيل مفوض بالصلح بمحضر الجلسة التي تم فيها ويرفع الأمر لرئيس الدائرة المختصة ليذيله بالصيغة التنفيذية وينتهي به النزاع في حدود ما تم الصلح فيه. وإذا لم تسفر الجهود عن تسوية النزاع ودياً في جميع عناصره أو بعضها، وأصر الطالب على استكمال السير فيه يحرر رئيس المركز أو من ينوب عنه في ذلك من العالمين بالمركز محضراً بما تم يوقع من أطراف النزاع ثم يرسله إلى إدارة كتاب محكمة الأسرة المختصة في موعد غايته سبعة أيام من تاريخ طلب أصحاب الشأن وترفق به تقارير الخبراء إن وجدت، وذلك تمهيداً للسير في الاجراءات القضائية وفقاً للقانون. ولا تغنى مساعي التسوية الودية التي يجريها المركز عما تلتزم به محكمة الأسرة، عند نظر دعاوي التفريق للضرر من أتباع القواعد المنصوص عليها في المواد من ((127 إلى (132) من قانون الأحوال الشخصية.
يختص قاضي الأمور الوقتية بمحكمة الأسرة، وهو من يندب لذلك من بين قضاتها، بإصدار أمر على عريضة في المسائل التالية:
أ ) الأحقية في مؤخر الصداق؛
ب )   النفقة المؤقتة ونفقة العدة والمتعة؛
ج )   منازعات رؤية المحضون؛
د )    الإذن بسفر المحضون خارج البلاد وطلب منع سفره؛
هـ )   الإذن باستخراج جواز سفر للمحضون وتجديده وتسليمه؛
و ) الإذن باستخراج شهادة الميلاد والبطاقة المدنية للمحضون وتسليمها؛
ز )   تسجيل المحضون بالمدارس الحكومية أو بالمدارس الخاصة؛
ح )   تعيين المساعد القضائي طبقاً للمادة (107) من القانون المدني.
ط )   الإذن للولي أو الوصي بالتصرف في مال الصغير.
في حالة الضرورة - ومع مراعاة القيود بالمواد من (127) إلى (137) من القانون المدني -  يصدر الأمر طبقاً للإجراءات المنصوص عليها في المادة (163) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، ويتم التظلم منه وفقاً للمادة (146) من ذات القانون فيما عدا الأوامر الصادرة في المسائل المبينة بالفقرات من (هـ) إلى (ط) من هذه المادة فيكون التظلم منها أمام الدائرة المدنية المبينة بالمادة الرابعة عشرة من هذا القانون.
تخصص الجمعية العامة للمحكمة الكلية في مقر محكمة الأسرة قاضياً أو أكثر من قضاة الأمور المستعجلة للفصل بصفة مؤقتة ومع عدم المساس بالحق في الأمور الآتية:
أ ) المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت المتعلقة بالأحوال الشخصية التي تختص بها محكمة الأسرة؛
ب ) منازعات وإشكالات التنفيذ الوقتية الخاصة بالأحكام والأوامر الصادرة من محكمة الأسرة ودوائرها الاستئنافية.
تكون الأحكام الصادرة في مسائل الأحوال الشخصية من الدوائر الاستئنافية بمحكمة الأسرة غير قابلة للطعن فيها بطريق التمييز، واستثناء من ذلك يجوز للنائب العام الطعن بطريق التمييز في تلك الأحكام إذا كانت تتضمن مساساً بأحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بالنظام العام والمبينة بالمادة (338) من قانون الأحوال الشخصية. ولا يجوز تنفيذ الأحكام الصادرة بالفرقة بين الزوجين أو باعتبار المفقود ميتاً إلا بعد استنفاد طريق الطعن بالتمييز أو بفوات ميعاد الطعن دون حصوله، وتفصل محكمة التمييز على وجه السرعة في الطعون المرفوعة إليها عن تلك الأحكام.
تخصص الجمعية العامة للمحكمة الكلية دائرة مدنية تعقد جلساتها في مقر محكمة الاسرة وذلك للنظر فيما يلي:
أ ) التظلمات من الأوامر الصادرة من قاضي الأمور الوقتية بمحكمة الأسرة في المسائل المشار إليها في الفقرة الثانية من المادة (11) من هذا القانون؛
ب ) دعاوي قسمة المال الشائع المتعلقة بالسكن الخاص بالأسرة والمطالبة بمقابل الانتفاع وتكاليف بنائه أو ترميمه؛
ج ) منازعات التنفيذ الموضوعية المتعلقة بالأحكام والأوامر الصادرة من محكمة الأسرة.
ويكون الطعن بالاستئناف في الأحوال التي يجيزها القانون في الأحكام الصادرة من تلك الدائرة أمام دائرة مدنية استئنافية تخصصها الجمعية العامة لمحكمة الاستئناف وتعقد جلساتها بمقر محكمة الأسرة ويجوز الطعن على الأحكام الصادرة من هذه الدوائر الاستئنافية وفقاً للقواعد العامة للطعن على الأحكام المبينة بقانون المرافعات المدنية والتجارية.
تنشأ بمقر محكمة الأسرة في كل محافظة، إدارة خاصة لتنفيذ الأحكام والأوامر الصادرة طبقاً لهذا القانون، تكون تابعة للإدارة العامة للتنفيذ المنصوص عليها في المادة (189) من قانون المرافعات المدنية والتجارية ويندب لرئاسة هذه الإدارة أحد رجال القضاء ممن لا تقل درجته عن قاضي من الدرجة الأولى. ويباشر إجراءات التنفيذ وإعلانها من يندب من مأموري التنفيذ ومندوبي الإعلان، ويلحق بالإدارة عدد كاف من الموظفين، كما يندب لها عدد من رجال الشرطة للمعاونة في التنفيذ. ويصدر بتنظيم إدارة التنفيذ بمحكمة الأسرة قرار من وزير العدل بناء على اقتراح رئيس الإدارة العامة للتنفيذ.
ينشأ في كل محافظة مركز أو أكثر يخصص لتسليم المحضون ورؤيته، وتقوم وزارة العدل بإعداد هذه المراكز، وتجهيزها بما يلزم لتحقيق الغاية من الرؤية من تعاطف وتآلف أسري وصلة للأرحام، ويوفر للصغير وذويه الأمان والطمأنينة والسكينة، ويلحق بها عدد مناسب من المتخصصين في شئون الأسرة. ويصدر وزير العدل قراراً بتنظيم شئون المراكز المشار إليها ونظام العمل بها وذلك بناء على اقتراح رئيس المحكمة الكلية بالتنسيق مع وزير الشئون الاجتماعية والعمل.
ينشأ (صندوق تأمين الأسرة) يتبع وزارة العدل وتتكون موارده مما يلي:
أ ) مبلغ تخصصه الدولة في ميزانية وزارة العدل؛
ب ) التبرعات والهبات غير المشروطة.
وتخصص هذه الموارد لتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة من محكمة الأسرة بتقرير نفقة للزوجة أو المطلقة أو الأولاد أو الأقرباء، والتي يتعذر تنفيذها وفقاً للإجراءات المقررة لتنفيذ الأحكام، ويتم التنفيذ طبقاً للقواعد التي تحددها اللائحة التي تصدرها الوزارة بالتنسيق مع المجلس الأعلى للقضاء والتي تنظم إدارة الصندوق وكيفية الصرف منه والرجوع على المحكوم عليهم بما يتم صرفه مع الأعباء والتكاليف اللازمة.

..............................