الخميس، 22 مارس 2018

تفسير سورة الذاريات



تفسير سورة: "الذاريات"
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيم
 }وَالذّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاَتِ وِقْراً * فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً * فَالْمُقَسّمَاتِ أَمْراً * إِنّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنّ الدّينَ لَوَاقِعٌ {

 قوله تعالى:
{وَالذّارِيَاتِ ذَرْواً} الرياح
جمع: ريح. وهو الهواء المتحرك في الطبقات المحيطة بالأرض.
{الذّارِيَاتِ} الرياح تطير بالتراب وتفرقه بددا.
{ذَرْواً} تفريقاً وتبديدا.
تذروه الرياح، بمعنى: تطير به وتبدده. ومنه قوله تعالى: (فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ) [سورة الكهف – الآية 45].
فيُقال: ذَرَتِ الرّيحُ الترابَ تَذْرُوه ذَرْواً، وتَذْرِيهِ ذَرْياً.

{فَالْحَامِلاَتِ وِقْراً} السحاب - تحمل الماء، كما تحمل ذوات الأربع الوقر (وهو الحمل الثقيل).
{وِقْراً} حملاً ثقيلا.

{فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً} السفن
{يُسْراً} سهلا.

{فَالْمُقَسّمَاتِ أَمْراً} الملائكة  
-       قيل: تأتي بأمر مختلف: جبريل بالغلظة, وميكائيل صاحب الرحمة, وملك الموت يأتي بالموت.
-       وقيل: تأتي بأمر مختلف: من الخِصب والجَدْب والمطر والموت والحوادث.

«وَالذّارِيَاتِ» وما بعده "أقسام", وإذا أقسم الرب بشيء أثبت له شرفاً. وقيل: المعنى ورب الذارياتِ, والجواب:
{إِنّمَا تُوعَدُونَ} أي الذي توعدونه من الخير والشر، والثواب والعقاب
{لَصَادِقٌ} لا كذب فيه، ومعنى «لَصَادِقٌ» لصدق، وقع الاسم موقع المصدر.
{وَإِنّ الدّينَ لَوَاقِعٌ} يعني: الجزاء نازل بكم.

وقيل:
إن الذاريات النساء الولودات لأن في ذرايتهنّ ذرو الخلق لأنهنّ يذرين الأولاد فصرن ذاريات وأقسم بهنّ لما في ترائبهنّ من خيرة عباده الصالحين.
وخص النساء بذلك دون الرجال وإن كان كل واحد منهما ذارياً لأمرين:
أحدهما: لأنهن أوعية دون الرجال, فلاجتماع الذّروين فيهنّ خصصن بالذكر.
الثاني: أن الذّرو فيهنّ أطول زماناً, وهنّ بالمباشرة أقرب عهداً.

{فَالْحَامِلاَتِ وِقْراً}
-       قيل: السحابّ
-       وقيل: الحاملات من النساء، إذا ثقلن بالحمل.
والوِقر بكسر الواو ثقل الحمل على ظهر أو في بطن, يقال: جاء يحمل وِقره وقد أوقر بعيرَه.
وأكثر ما يستعمل "الوِقر" في حمل البغل والحمار, و "الوَسْق" في حمل البعير.
وهذه امرأة مُوقَرة بفتح القاف إذا حملت حملاً ثقيلاً.
وأوقرت النخلة كثر حَمْلُها يقال: نخلة مُوقِرة وموقِر ومُوقَرة.
والجمع مواقِر.
فأما الوَقْر بالفتح فهو ثقل الأذن, وقد وقرت أذنه تَوْقر وَقْراً أي صَمّت. ومنه قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا) [سورة الإسراء – الآية 46].

{فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً}
-       قيل: "السفن" تجري بالرياح يسراً إلى حيث سيرت.
-       وقيل: "السحاب"، وفي جريها يسراً على هذا القول وجهان:
أحدهما: إلى حيث يسيرها الله تعالى من البلاد والبقاع.
الثاني: هو سهولة تسييرها. وذلك معروف عند العرب, كما قال الأعشى:
كأنّ مِشْيَتَها مِنْ بيتِ جارتها مَشْيُ السّحَابَةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ

ثم ابتدأ قسماً آخر فقال:
{وَالسّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مّخْتَلِفٍ}... 

قوله تعالى:
{ وَالسّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مّخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ * قُتِلَ الْخَرّاصُونَ * الّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ * يَسْأَلُونَ أَيّانَ يَوْمُ الدّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى النّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـَذَا الّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ }

قوله تعالى:
{وَالسّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ}
-       قيل: المراد بالسماء هاهنا (السّحُب) التي تظل الأرض.
-       وقيل: السماء المرفوعة.
-       وقيل: هي السماء السابعة.
وفي «الْحُبُكِ» أقوال سبعة:
-       الأول: ذات الخَلق الحسن المستوي.
ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب فأجاد نسجه يقال منه حَبَك الثوبَ يَحبِكُه (بالكسر) حَبْكاً، أي أجاد نسجه.
فكل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد احتبكته.
-       والثاني: ذات الزينة.
-       الثالث: ذات النجوم.
-       الرابع: ذات الطرائق.
يقال لما تراه في الماء والرمل إذا أصابته الريح حُبُك.
فالحُبُك تَكسّر كل شيء كالرمل إذا مرت به الريح الساكنة, والماء القائم إذا مرت به الريح.
-       الخامس: ذات الشدة - {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً}.
والمحبوك: "الشديد الخَلْق" من الفرس وغيره.
وفي الحديث: أن عائشة رضي الله عنها كانت تحتبك تحت الدّرْع في الصلاة، أي تشدّ الإزار وتحكمه.
-       السادس: ذات الصفّاقة.
ومنه ثوب صفِيق ووجه صفيق بين الصفاقة.
-       السابع: أن المراد بالطرق المَجرّة التي في السماء سميت بذلك لأنها كأثر المَجَرّ، و«الْحُبُك» جمع حِباك.
والحبَاك والحَبِيكة "الطريقة" في الرّمل ونحوه. وجمع الحِبَاك حُبُك.

قوله تعالى:
{إِنّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مّخْتَلِفٍ} هذا جواب القسم الذي هو «والسّمَاءِ»، أي إنكم يا أهل مكة «فِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ»:
-       في محمد والقرآن، فمن مصدّق ومكذّب.
-       وقيل: نزلت في المقتسمين.
-       وقيل: اختلافهم قولهم ساحر، بل شاعر، بل افتراه، بل هو مجنون، بل هو كاهن، بل هو أساطير الأوّلين.
-       وقيل: اختلافهم أن: منهم من نفى الحشر، ومنهم من شك فيه.
-       وقيل: المراد عبدة الأوثان والأصنام يقرون بأن الله خالقهم ويعبدون غيره.

قوله تعالى:
{يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ}
-       أي يصرف عن الإيمان بمحمد والقرآن من صُرِف عن الحسن وغيره.
-       وقيل: المعنى يُصرَف عن الإيمان من أراده بقولهم هو سحر وكهانة وأساطير الأوّلين.
-       وقيل: المعنى يُصرَف عن ذلك الاختلاف مَن عصمه الله.
أفَكَه يَاْفِكُه أفْكاً أي: قلبه وصرفه عن الشيء. ومنه قوله تعالى: (أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا) [سورة الأحقاف – الآية 22].
ومعنى «يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ اُفِكَ» يُؤفَن عنه من اُفِن, والأفْنَ: فساد العقل.
وقرئ: «يُؤْفَنُ عَنْهُ مَنْ اُفِنَ» أي يحرمه من حرم (من أفَن الضّرْعَ إذا أنكهه حَلْباً).
وقيل: يُخدَع عنه من خُدِع.
وقيل: يُدفَع عنه من دُفِع.
والمعنى واحد، وكله راجع إلى معنى "الصرف".
قوله تعالى:
{قُتِلَ الْخَرّاصُونَ} في التفسير: لُعِن الكذّابون.
-       وقيل: أي قُتِل المرتابون، يعني الكهنة.
-       وقيل: هم الذين يقولون لسنا نبعث.
ومعنى «قُتِلَ» أي هؤلاء ممن يجب أن يدعى عليهم بالقتل على أيدي المؤمنين.
معنى «قُتِلَ» لُعِن
ومعنى: «الْخَرّاصُونَ» الكذابون الذين يتخرّصون بما لا يعلمون فيقولون: إن محمداً مجنون كذّاب ساحر شاعر وهذا دعاء عليهم لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك.
-       وقيل: علّمنا الدعاء عليهم أي قولوا: {قُتِلَ الْخَرّاصُونَ}
والْخَرّاصُونَ هو جمع خارص، والْخَرْص الكذب، والْخَرّاص الكذّاب. ويدخل في الْخَرْص قول المنجمين وكل من يدّعي الحَدْس والتخمين. وقال ابن عباس: هم المقتسمون الذين اقتسموا أعقاب مكة, واقتسموا القول في نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ليصرفوا الناس عن الإيمان به.

قوله تعالى:
{الّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} الغمرة ما ستر الشيء وغطّاه. ومنه نهر غَمْر أي يغْمُر من دخله, ومن غَمَرات الموت.
ومعنى: «سَاهُونَ» أي لاهون غافلون عن أمر الاَخرة.

قوله تعالى:
{يَسْأَلُونَ أَيّانَ يَوْمُ الدّينِ} أي متى يوم الحساب؟ يقولون ذلك استهزاءً وشَكّا في القيامة.
{يَوْمَ هُمْ عَلَى النّارِ يُفْتَنُونَ} أي يُحرَقون
وهو من قولهم: فتنت الذهب أي أحرقته لتختبره وأصل الفتنة الاختبار.
وقيل: {يُفْتَنُونَ} يُعذّبون.

قوله تعالى:
{ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ} أي يقال لهم ذوقوا عذابكم.
-       وقيل: حريقكم.
{الّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} في الدنيا.
وقال: «هَذَا» ولم يقل «هذه» لأن الفتنة هنا بمعنى العذاب.

 قوله تعالى:
{ إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبّهُمْ إِنّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ {

قوله تعالى:
{إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ} لما ذكر مآل الكفار، ذكر مآل المؤمنين، أي هم في بساتين فيها عيون جارية على نهاية ما يتنزه به.
{آخِذِينَ} نصب على الحال.
{مَآ آتَاهُمْ رَبّهُمْ} أي ما أعطاهم من الثواب وأنواع الكرامات.
-       وقيل: «آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبّهُمْ» أي عاملين بالفرائض.
{إِنّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ} أي قبل دخولهم الجنة، في الدنيا
{مُحْسِنِينَ} بالفرائض.
-       وقيل المعنى: كانوا قبل أن يفرض عليهم الفرائض محسنين في أعمالهم 
.
 قوله تعالى:
{ كَانُواْ قَلِيلاً مّن اللّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِيَ أَمْوَالِهِمْ حَقّ لّلسّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ {

قوله تعالى:
{كَانُواْ قَلِيلاً مّن اللّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}
معنى «يَهْجَعُونَ»: ينامون، والهجوع النوم ليلاً, والتّهْجاع النومة الخفيفة.
{وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} مدح ثان، أي يستغفرون من ذنوبهم.
و(السّحَر) وقت يرجى فيه إجابة الدعاء.
-       وقيل: أي يصلّون وقت السّحَر، فسمّوا الصلاة استغفاراً.
-       وقيل: مدّوا الصلاة من أوّل الليل إلى السحر ثم استغفروا في السحر.
-       وقيل: هي في الأنصار، يعني أنهم كانوا يغدون من قُباء فيصلون في مسجد النبيّ صلى الله عليه وسلم.
-       وقيل: كانوا يَنْضَحون لِنَاسٍ من الأنصار بالدلاء على الثمار ثم يهجعون قليلاً, ثم يصلّون آخر الليل.
-       وقيل: صلاة الفجر.

قوله تعالى:
{وَفِيَ أَمْوَالِهِمْ حَقّ لّلسّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ} مدح ثالث.
-       قيل: الحق هنا "الزكاة المفروضة".
-       وقيل: إنه "حقّ سوى الزكاة" يصل به رَحِماً, أو يَقري به ضيفاً, أو يحمل به كَلاّ, أو يغني محروماً. وقاله ابن عباس لأن السورة "مكية"، بينما فرضت الزكاة "بالمدينة".
-       فالحق المعلوم هو "الزكاة" التي بيّن الشرع قدرها وجنسها ووقتها, فأما غيرها فليس بمعلوم لأنه غير مقدّر ولا مجنّس ولا موقّت.

قوله تعالى:
{لّلسّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ}
«السائل»: الذي يسأل الناس لفاقته.
«وَالْمَحْرُومِ»: الذي حُرم المالَ. واختلف في تعيينه:
-       فقيل: المحروم المُحارَف الذي ليس له في الإسلام سهم.
-       وقيل: المحرم المُحارَف الذي لا يتيسر له مكسبه. (يقال: رجل مُحارَف بفتح الراء أي محدود محروم, وهو خلاف قولك مُبارَك. وقد حورف كسبُ فلان إذا شُدّد عليه في معاشه كأنه مِيلَ برزقه عنه).
-       وقيل: المحروم المتعفف الذي لا يسأل الناس شيئاً ولا يُعلِم بحاجته.
-       وقيل: المحروم الذي يجيء بعد الغنيمة وليس له فيها سهم.
-       وقيل: المحروم الذي لا يبقى له مال.
-       وقيل: هو الذي أصيب ثمره أو زرعه أو نسل ماشيته.
-       وقيل: المحروم الذي أصابته الجائحة ثم قرأ {إِنّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } نظيره في قصة أصحاب الجنة حيث قالوا: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}
-       وقيل: إنه الذي يطلب الدنيا وتُدبِر عنه.
-       وقيل: المحروم المملوك.
-       وقيل: إنه الكلب. روي أن عمر بن عبد العزيز كان في طريق مكة, فجاء كلب فانتزع عمر رحمه الله كتف شاة فرمى بها إليه وقال: يقولون إنه المحروم.
-       وقيل: إنه من وجبت نفقته بالفقر من ذوي الأنساب لأنه قد حُرِم كسب نفسه حتى وجبت نفقته في مال غيره.
-       وقيل: أنه الذي يحرم الرزق, وهذا قول حسن لأنه يعم جميع الأقوال.

 قوله تعالى:
{ وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لّلْمُوقِنِينَ * وَفِيَ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ * وَفِي السّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبّ السّمَآءِ وَالأرْضِ إِنّهُ لَحَقّ مّثْلَ مَآ أَنّكُمْ تَنطِقُونَ {

قوله تعالى:
{وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لّلْمُوقِنِينَ} لما ذكر أمر الفريقين بيّن أن في الأرض علامات تدل على قدرته على البعث والنشور، فمنها عود النبات بعد أن صار هشيماً, ومنها أنه قدّر الأقوات فيها قِواماً للحيوانات, ومنها سيرهم في البلدان التي يشاهدون فيها آثار الهلاك النازل بالأمم المكذّبة.
و«الموقنون» هم: العارفون المحقّقون وحدانية ربهم, وصدق نبوّة نبيهم خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بتلك الآيات وتدبرها.

 قوله تعالى:
{وَفِيَ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ}
-       قيل: التقدير وفي الأرض وفي أنفسكم آيات للموقنين.
-       وقيل: المعنى من سار في الأرض رأى آياتٍ وعبراً, ومن تفكر في نفسه علم أنه خُلق ليعبد الله.
-       وقيل: المراد سبيل الخلاء والبول. يأكل ويشرب من مكان واحد ويخرج من مكانين، ولو شرب لبناً محضاً لخرج منه الماء ومنه الغائط فتلك الآية في النفس.
-       وقيل: المعنى أنه خلقكم من تراب, وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة {ثُمّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ}.
-       وقيل: «وَفِي أنْفُسِكُمْ» أي في حياتكم وموتكم, وفيما يدخل ويخرج من طعامكم.
-       وقيل: وفي الهَرَم بعد الشباب, والضعف بعد القوّة, والشيب بعد السواد.
-       وقيل: المعنى وفي خلق أنفسكم من نطفة وعلقة ومضغة ولحم وعظم إلى نفخ الروح, وفي اختلاف الألسنة والألوان والصّوَر. إلى غير ذلك من الآيات الباطنة والظاهرة, وحسبك بالقلوب وما ركز فيها من العقول, وما خصّت به من أنواع المعاني والفنون, وبالألسن والنطق ومخارج الحروف والأبصار والأطراف وسائر الجوارح, وتأتّيها لما خُلِقت له, وما سَوّى في الأعضاء من المفاصل للانعطاف والتثني, وأنه إذا جسا شيء منها جاء العجز, وإذا استرخى أناخ الذل {فَتَبَارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}.

{أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} يعني: بصر القلب، ليعرفوا كمال قدرته.
-       وقيل: إنه نُجْح العاجز, وحرمان الحازم.

قوله تعالى:
{وَفِي السّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}
-       قيل: الرزق هنا ما ينزل من السماء من مطر وثلج، ينبت به الزرع ويحيا به الخلق.
-       وقيل: كل عين قائمة فإنها من الثلج.
وقال أهل المعاني:
-       «وَفِي السّمَاءِ رِزْقُكُمْ» معناه: وفي المطر رزقكم، سمى المطر سماء لأنه من السماء ينزل.
-       وقيل: يعني وعلى ربّ السماء رزقكم، نظيره: {وَمَا مِن دَآبّةٍ فِي الأرْضِ إِلاّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا}.
-       وقيل: «وَفِي السّمَاءِ رِزْقُكُمْ» أي عند الله في السماء رزقكم.
-       وقيل: المعنى وفي السماء تقدير رزقكم, وما فيه لكم مكتوب في أم الكتاب.

{وَمَا تُوعَدُونَ}
-       قيل: يعني من خير وشر.
-       وقال غيره: من خير خاصة.
-       وقيل: الشر خاصة.
-       وقيل: الجنة.
-       وقيل: {وَمَا تُوعَدُونَ} من الجنة والنار.
-       وقيل: {وَمَا تُوعَدُونَ} من أمر الساعة.  

قوله تعالى:
{فَوَرَبّ السّمَآءِ وَالأرْضِ إِنّهُ لَحَقّ} أكّد ما أخبرهم به من البعث وما خلق في السماء من الرزق, وأقسم عليه بأنه لحقّ ثم أكده بقوله:
{مّثْلَ مَآ أَنّكُمْ تَنطِقُونَ} وخصّ النطق من بين سائر الحواسّ لأن ما سواه من الحواسّ يدخله التشبيه, كالذي يُرى في المرآة, واستحالة الذوق عند غلبة الصفراء ونحوها, والدويّ والطنين في الأذن, والنطق سالم من ذلك, ولا يُعتَرض بالصّدَى لأنه لا يكون إلا بعد حصول الكلام من الناطق غير مَشُوب بما يشكل به.
وقال بعض الحكماء: كما أن كل إنسان ينطق بنفسه ولا يمكنه أن ينطق بلسان غيره, فكذلك كل إنسان يأكل رزقه ولا يمكنه أن يأكل رزق غيره.

 قوله تعالى:
{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مّنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَىَ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلَيمٍ }

قوله تعالى:
{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} ذكر قصة إبراهيم عليه السلام ليبين بها أنه أهلك المكذب بآياته كما فعل بقوم لوط.
«هَلْ أتَاكَ» أي ألم يأتك.
وقيل: «هَلْ» بمعنى «قد»، كقوله تعالى: {هَلْ أَتَىَ عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مّنَ الدّهْرِ}.
«الْمُكْرَمِينَ» أي عند الله، دليله قوله تعالى: {بَلْ عِبَادٌ مّكْرَمُونَ} يريد: جبريل وميكائيل وإسرافيل ـ وقيل ـ ورفائيل عليه الصلاة والسلام.
-       وقيل: كان جبريل ومعه تسعة.
-       وقيل: كانوا ثلاثة جبريل وميكائيل ومعهما ملَك آخر.
-       وقيل: سماهم مكرمين لأنهم غير مذعورين.
-       وقيل: سماهم مكرمين لخدمة إبراهيم إياهم بنفسه.

قوله تعالى:
{إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً}
{قَالَ سَلاَمٌ} أي عليكم سلام. ويجوز بمعنى أمري سلام أو ردّي لكم سلام.
{قَوْمٌ مّنكَرُونَ} أي أنتم قوم منكرون، أي غرباء لا نعرفكم.
-       وقيل: لأنه رآهم على غير صورة البشر, وعلى غير صورة الملائكة الذين كان يعرفهم فنكرهم, فقال: {قَوْمٌ مّنكَرُونَ}.
-       وقيل: أنكرهم لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان.
-       وقيل: أنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض.
-       وقيل: خافهم يقال: أنكرته إذا خفته.

قوله تعالى:
{فَرَاغَ إِلَىَ أَهْلِهِ}: أي عدل (ومال وحاد خلسة) إلى أهله.
-       ويقال: أراغ وارتاغ بمعنى طلب, وماذا تُرِيغ أي تريد وتطلب, وأراغ إلى كذا أي: مال إليه سرّا وحاد.

{فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} أي جاء ضيفه بعجل قد شواه لهم، كان في «هود»: {فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ}.
-       ويقال: إن إبراهيم انطلق إلى منزله كالمستخفي من ضيفه, لئلا يظهروا على ما يريد أن يتخذ لهم من الطعام.

{فَقَرّبَهُ إِلَيْهِمْ} يعني العجل.
{قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ}  كان عامّة مالِ إبراهيم البقر, واختاره لهم سميناً زيادة في إكرامهم.
-       وقيل: العِجل في بعض اللغات الشاة.
-       وفي الصحاح: العِجل ولد البقرة والعِجّوْل مثله والجمع العَجاجيل والأنثى عِجْلة.

قوله تعالى:
{فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} أي أحَسّ منهم في نفسه خوفاً.
-       وقيل: أضمر لما لم يتَحرّموا بطعامه. ومن أخلاق الناس: أن من تَحرّم بطعام إنسان أمنه.
-       وقيل: قالت الملائكة لا نأكل إلا بالثمن. قال كلوا وأدّوا ثمنه. قالوا: وما ثمنه؟ قال: تسمّون الله إذا أكلتم وتحمدونه إذا فرغتم. فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: لهذا اتخذك الله خليلاً.
ولما رأوا ما بإبراهيم من الخوف

{قَالُواْ لاَ تَخَفْ} وأعلموه أنهم ملائكة الله ورسله.
{وَبَشّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلَيمٍ} أي بولد يولد له من سارة زوجته.
-       وقيل: لما أخبروه أنهم ملائكة لم يصدّقهم, فدعوا الله فأحيا العجل الذي قرّبه إليهم.
وروى: أن جبريل مسح العجل بجناحه, فقام يدرج حتى لحق بأمه وأم العجل في الدار.
ومعنى «عَلِيمٍ» أي يكون بعد بلوغه من أولي العلم بالله وبدينه.
والجمهور على أن المبشّر به هو إسحاق.

قوله تعالى:
{ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرّةٍ فَصَكّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبّكِ إِنّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ {

قوله تعالى:
{فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرّةٍ} أي في صيحة وضجة. ومنه أخذ صرير الباب وهو صوته.
-       وقيل: إنها الرّنة والتأوّه.
ولم يكن هذا الإقبال من مكان إلى مكان. وإنما هو كقولك "أقبل" يشتمني أي "أخذ" في شتمي.
-       وقيل: أقبلت في صَرّة أي في جماعة من النساء تسمع كلام الملائكة.
-       وقيل: الصّرة (الضجّة والصيحة), والصّرة (الجماعة), والصّرة (الشدّة من كرب وغيره).

{فَصَكّتْ وَجْهَهَا{ فلما سمعت "سارة" البشارة صَكّت وجهها، أي ضربت يدها على وجهها، على عادة النّسوان عند التعجب.
-       وقيل: صَكّت وجهها لطمته. وأصل الصّك: الضرب، صكّه أي ضربه.

{وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} أي أتلد عجوز عقيم؟ أي وقالت: أنا عجوز عقيم فكيف ألد؟ كما قالت: {يَوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ}.

{قَالُواْ كَذَلِكِ} أي كما قلنا لك وأخبرناكِ
{قَالَ رَبّكِ} فلا تَشكّي فيه, وكان بين البشارة والولادة سنة, وكانت سارة لم تلد قبل ذلك فولدت وهي بنت تسع وتسعين سنة, وإبراهيم يومئذ ابن مائة سنة.
{إِنّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} حكيم فيما يفعله عليم بمصالح خلقه.

قوله تعالى:
{ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوَاْ إِنّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىَ قَوْمٍ مّجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن طِينٍ * مّسَوّمَةً عِندَ رَبّكَ لِلْمُسْرِفِينَ * فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ الْمُسْلِمِينَ * وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً لّلّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الألِيمَ }

شرح الكلمات:
قوله تعالى:
{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيّهَا الْمُرْسَلُونَ}
ما زال السياق في قصة إبراهيم مع ضيفه من الملائكة. إذ إنه لاحظ - بعد أن عرف وتيقن أنهم ملائكة (بإحياء العجل، والبشارة) - أن مهمتهم التي نزلوا من أجلها للأرض لم تكن مقصورة على بشارته فقط، بل هي أعظم؛ لذا فقد سألهم قائلا:

{فَمَا خَطْبُكُمْ} أي ما شأنكم وقصتكم، وفيما جئتم {أَيّهَا الْمُرْسَلُونَ}
{قَالُوَاْ إِنّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىَ قَوْمٍ مّجْرِمِينَ} أي إلى قوم "كافرين"، مشركين بالله، وقد اشتهروا بفعل أكبر الجرائم وهي إتيان الفاحشة. يعنون: "قوم لوط".
{لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن طِينٍ} أي لنرجمهم بها.
{مّسَوّمَةً} أي مُعَلّمةً.
-       قيل: كانت مخططة بسواد وبياض.
-       وقيل: بسواد وحُمرة.
-       وقيل: «مُسَوّمةً» أي معروفة بأنها حجارة العذاب.
-       وقيل: على كل حجر اسم من يهلك به.
-       وقيل: عليها أمثال الخواتيم.
فجعلت الحجارة تتبع مسافريهم وشُذّاذهم فلم يفلت منهم مخبر.
{عِندَ رَبّكَ} أي عند الله وقد أعدّها لرجم من قضى برجمه.
{لِلْمُسْرِفِينَ} أي المبالغين في الكفر والعصيان ومجاوزة الحد، "كإتيان الذكران".
{فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي لما أردنا إهلاك قوم لوط أخرجنا من كان في قومه من المؤمنين لئلا يهلك المؤمنون, وذلك قوله تعالى: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ}.
{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ الْمُسْلِمِينَ} يعني لوطاً وبنتيه، وفيه إضمار أي فما وجدنا فيها غير أهل بيت. وقد يقال بيت شريف يراد به الأهل.
وقوله: «فِيهَا» كناية عن القرية ولم يتقدّم لها ذكر لأن المعنى مفهوم.
وأيضاً فقوله تعالى: {إِنّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىَ قَوْمٍ مّجْرِمِينَ} يدل على القرية لأن القوم إنما يسكنون قرية. وهي قرية "سدوم".
-       وقيل: الضمير فيها "للجماعة".
والمؤمنون والمسلمون هاهنا سواء فجنّس اللفظ لئلا يتكرر, كما قال: {إِنّمَآ أَشْكُو بَثّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ}. وقيل: الإيمان تصديق القلب, والإسلام الانقياد بالظاهر, فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً. فسماهم في الآية الأولى مؤمنين لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم.
قوله تعالى:
{وَتَرَكْنَا فِيهَآ آيَةً} أي عبرة وعلامة لأهل ذلك الزمان ومن بعدهم، نظيره: {وَلَقَد تّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيّنَةً لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
-       ثم قيل: الآية المتروكة نفس (القرية الخِربة). وقيل: (الحجارة المنضودة) التي رُجِموا بها هي الآية.
{لّلّذِينَ يَخَافُونَ} لأنهم المنتفعون. فهم المؤمنون الذي يخافون عذاب الآخرة حتى لا يفعلوا فعل قوم لوط من الكفر وإيتان الفاحشة.

معنى الآيات:
ما زال السياق في قصة إبراهيم مع ضيفه من الملائكة إنه لاحظ بعد أن عرف أنهم سادات الملائكة أن مهمتهم لم تكن مقصورة على بشارته فقط بل هي أعظم فلذا سألهم قائلا: فما خطبكم أيها المرسلون؟ فأجابوه قائلين: إنا أرسلنا اي أرسلنا ربُّنا عز وجل إلى قوم مجرمين أي على أنفسهم بالكفر، وفعل الفاحشة، والعِلَّة من إرسالنا إليهم هي لنرسل عليهم حجارة من طين مطبوخ بالنار، وتلك الحجارة مسومة أي معلمة عند ربك للمسرفين أي قد كتب على كل حجر اسم من يرمى به، وذلك في السماء قبل أن تنزل إلى الأرض، وقوله تعالى: { فأخرجنا } أي من تلك القرية وهي سدوم من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين وهو بيت لوط عليه السلام وما به سوى لوط وابنتيه ومن الجائز أن يكون معهم بعض المؤمنين إذ قيل كانوا ثلاثة عشر نسمة وقوله تعالى: { وتركنا فيها آية } أي علامة على إهلاكهم وهي ماء أسود منتن كالبحيرة وتعرف الآن بالبحر الميت. وقوله { للذين يخافون العذاب الأليم } وهم المؤمنون الذي يخافون عذاب الآخرة حتى لا يفعلوا فعل قوم لوط من الكفر وإيتان الفاحشة.

من هداية الآيات:
1-   جواز تشكل الملائكة بصورة رجال من البشر.
2-   التنديد بالإِجرام وفاعليه.
3-   جواز الإِهلاك بالعذاب الخاص الذى لم يعرف له نظير.
4-   تقرير حقيقة علمية وهي أن كل مؤمن صادق الإِيمان مُسلم، وليس كل مسلم مؤمناً حتى يحسن إسلامه بانبنائه على أركان الإِيمان الستة.

قوله تعالى:
{ وَفِي مُوسَىَ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىَ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مّبِينٍ * فَتَوَلّىَ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ وَهُوَ مُلِيمٌ {

شرح الكلمات:
قوله تعالى:
{وَفِي مُوسَىَ} أي وتركنا أيضاً في قصة موسى آية.
-       وقيل: هو معطوف على قوله: {وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ} «وَفِي مُوسَى».
{إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىَ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مّبِينٍ} أي بحجة بيّنة، وهي العصا.
-       وقيل: أي بالمعجزات من العصا وغيرها.
قوله تعالى:
{فَتَوَلّىَ بِرُكْنِهِ} أي فرعون أعرض عن الإيمان
«بِرُكْنِهِ» أي بجموعه وأجناده. ومنه قوله: {أَوْ آوِيَ إِلَىَ رُكْنٍ شَدِيدٍ} يعني المنعة والعشيرة.
-       وقيل: بقوته.
-       وقيل: بنفسه.
-       وقيل: بجانبه. كقوله تعالى: {أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} .
ورُكْن الشيء جانبه الأقوى, وهو يأوي إلى ركن شديد أي عزة ومنعة. والركن جانب البدن. وهذا عبارة عن المبالغة في الإعراض عن الشيء.
{وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} أي لا يخلوا أمرك فيما جئتني به، من أن تكون ساحراً أو مجنوناً.
و «أو» هنا بمعنى «الواو», لأنهم قالوها جميعاً. وقد توضع «أو» بمعنى الواو كقوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} وقد توضع  الواو بمعنى «أو», كقوله تعالى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النّسَآءِ مَثْنَىَ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ}.
{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ} لكفرهم وتوليهم عن الإيمان.
{فَنَبَذْنَاهُمْ} أي طرحناهم
{فِي الْيَمّ وَهُوَ مُلِيمٌ} يعني فرعون, لأنه أتى ما يلام عليه.

معنى الآيات:
قوله تعالى: { وفى موسى } الآية إنه تعالى لما ذكر إهلاك قوم لوط وجعل في ذلك آية دالةً على قدرته وعلامةً تدل العاقل على نقمة تعالى ممن كفر به وعصاه ذكر هنا في هذه الآية التسع من هذا السياق أربع آيات أخرى، يهتدى بها أهل الإِيمان الذين يخافون يوم الحساب فقال عز من قائل: وفي موسى بن عمران نبي بنى إسرائيل إذ أرسلناه إلى فرعون ملك القبط بمصر { بسطان مبين } أب بحجة قوية ظاهرة قوة السلطان وظهوره وهى العصا فلم يستجب لدعوة الحق فتولى بركنه أي بجنده الذي يركن إليه ويعتمد عليه، وقال في موسى رسول الله إليه: هو ساحر أو مجنون فانتقمنا منه بعد الإِصرار على الكفر والظلم فنبذناهم أي طرحناهم في اليم البحر فهلكوا بالغرق. في هذا الصنيع الذي صنعناه بفرعون لما كذب آيةٌ من أظهر الآيات.

من هداية الآيات:
1-   تقرير كل من التوحيد والنبوة والبعث لما في الآيات من دلائل على ذلك.
2-   قوة الله تعالى فوق كل قوة إذ كل قوة في الأرض هو الذي خلقها ووهبها.
3-   اتهام المبطلين لأهل الحق دفعاً للحق وعدم قبول له يكاد يكون سنة بشرية في كل زمان ومكان.
4-   من عوامل الهلاك العتو عن أمر الله أي عدم الإِذعان لقبوله، والفسق عن طاعته وطاعة رسله.

قوله تعالى:
{ وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاّ جَعَلَتْهُ كَالرّمِيمِ {

شرح الكلمات:
قوله تعالى:
{وَفِي عَادٍ} أي وتركنا في عاد آية لمن تأمل.
{إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرّيحَ الْعَقِيمَ} وهي التي لا تُلْقح سحاباً ولا شجراً, ولا رحمة فيها ولا بركة ولا منفعة، ومنه امرأة عقيم لا تحمل ولا تلد.
-       وقيل: هي الجنوب. فعن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الريح العقِيم الجَنُوب».  
-       وقيل: هي الدبور كما في الصحيح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «نُصِرت بالصّبَا، وأهلِكت عاد بالدّبُور».
-       وقيل: هي النكباء.
-       وقيل: مسكنها الأرض الرابعة وما فتح على عاد منها إلا كقدر منخر الثور.
-       وقيل: أنها الصّبا. فالله أعلم.

قوله تعالى:
{مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاّ جَعَلَتْهُ كَالرّمِيمِ} أي ما تترك من نفس أو مال هبت عليه إلا تركته كالشيء الهشيم، يقال للنبت إذا يبس وتفتت: رميم وهشيم.
-       وقيل: كالشيء الهالك البالي.
-       وقيل: إنه الذي دِيس من يابس النبات.
-       وقيل: كالتراب المدقوق.
-       وقيل: الرّمِيم الرّماد.
-       وقيل: ما رمته الماشية من الكلأ بمرمتها. ويقال للشفة المِرَمّة والمِقَمّة بالكسر, والْمَرَمّة بالفتح لغة فيه.
-       وأصل الكلمة من رَمّ العظمُ إذا بلي، تقول: رَمّ العظم يَرِمّ بالكسر رِمّة فهو رميم. والرّمة بالكسر العظام البالية والجمع رِمم ورِمام.

معنى الآيات:
وقوله تعالى: { وفي عاد } حيث أرسلنا إليه أخاهم هوداً فدعاه الى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه فكذبوه { إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } التي لا تحمل مطرباً ولا تلقح شجراً ما تذر من شيء أتت عليه أي مرت به من أنفس أو أموال الا جعلته كالرميم البالي المتفتت في هذه الإهلاك آية من أعظم الآيات الدالة على قدرة الله الموجبة لربوبيته وعبادته والمستلزمة لقدرته تعالى على البعث الجزاء يوم القيامة.
وفي هذه الإهلاك آية من أعظم الآيات الدالة على قدرة الله الموجبة لربوبيته وعبادته والمستلزمة لقدرته تعالى على البعث الجزاء يوم القيامة.

من هداية الآيات:
1-   تقرير كل من التوحيد والنبوة والبعث لما في الآيات من دلائل على ذلك.
2-   قوة الله تعالى فوق كل قوة إذ كل قوة في الأرض هو الذي خلقها ووهبها.
3-   اتهام المبطلين لأهل الحق دفعاً للحق وعدم قبول له يكاد يكون سنة بشرية في كل زمان ومكان.
4-   من عوامل الهلاك العتو عن أمر الله أي عدم الإِذعان لقبوله، والفسق عن طاعته وطاعة رسله.

قوله تعالى:
{ وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتّعُواْ حَتّىَ حِينٍ * فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ * فَمَا اسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ {

شرح الكلمات:
قوله تعالى:
{وَفِي ثَمُودَ} وفيهم أيضاً عبرة وآية، إذ أرسلنا إليهم أخاهم صالحاً، فدعاهم إلى عبادة الله وحده وترك الشرك، فكذبوه وطالبوه بآية تدل على صدقه، فأعطاهم الله الناقة آية، فعقروها استخفافاً منهم وتكذيباً.
{إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتّعُواْ حَتّىَ حِينٍ} أي قيل لهم عيشوا متمتعين بالدنيا إلى انقضاء الأجل الذي حدد لهلاكهم. فبدل أن يؤمنوا ويسلموا فيعبدوا الله ويوحدوه عتوا عن أمر ربهم وترفعوا متكبرين فأخذتهم صاعقة العذاب وهم ينظرون بأعينهم الموت يتخطفهم.
{حَتّىَ حِينٍ} أي إلى وقت الهلاك وهو ثلاثة أيام كما في هود: {تَمَتّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ}.
-       وقيل: معنى «تَمَتّعُوا» أي أسلموا وتمتعوا إلى وقت فراغ آجالكم.
{فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ} أي خالفوا أمر الله فعقروا الناقة
{فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ} أي الموت.
-       وقيل: هي كل عذاب مهلك.
-       وقيل: كلّ صاعقة في القرآن فهو العذاب.
-       وقرئ: «الصّعْقَةَ» يقال صَعِق الرجلُ صَعْقة وتَصْعاقاً أي غُشِي عليه. وصَعَقتهم السماء أي ألقت عليهم الصاعقة. والصاعقة أيضاً صيحة العذاب.
{وَهُمْ يَنظُرُونَ} إليها نهاراً.
{فَمَا اسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ} قيل: معناه من نهوض.
-       وقيل: ما أطاقوا أن يستقلوا بعذاب الله وأن يتحملوه ويقوموا به ويدفعوه عن أنفسهم، تقول: لا أقوم لهذا الأمر أي لا أطيقه.
-       وقيل: أي ذهبت أجسامهم وبقيت أرواحهم في العذاب.
{وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ} أي ممتنعين من العذاب حين أهلكوا, أي ما كان لهم ناصر.

معنى الآيات:
وقوله تعالى { وفي ثمود } إذ أرسلنا إليهم أخاهم صالحاً فدعاهم إلى عبادة الله وحده وترك الشرك فكذبوه وطالبوه بآية تدل على صدقه فأعطاهم الله الناقة آية فعقروها استخفافاً منهم وتكذيباً { إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين } أي إلى انقضاء الأجل الذي حدد لهلاكهم. فبدل أن يؤمنوا ويسلموا فيعبدوا الله ويوحدوه عتوا عن أمر ربهم وترفعوا متكبرين { فأخذتهم الصاعقة } صاعقة العذاب وهم ينظرون بأعينهم الموت يتخطفهم { فما استطاعوا من قيام } من مجالسهم وهم جاثمون على الركب { وما كانوا منتصرين } في إهلاك ثمود أصحاب الحجر آية للذين يخافون العذاب الأليم فلا يفعلون فعلهم حتى لا يهلكوا هلاكهم.
ففي إهلاك ثمود "أصحاب الحجر" آية للذين يخافون العذاب الأليم، فلا يفعلون فعلهم حتى لا يهلكوا هلاكهم.

من هداية الآيات:
1-   تقرير كل من التوحيد والنبوة والبعث لما في الآيات من دلائل على ذلك.
2-   قوة الله تعالى فوق كل قوة إذ كل قوة في الأرض هو الذي خلقها ووهبها.
3-   اتهام المبطلين لأهل الحق دفعاً للحق وعدم قبول له يكاد يكون سنة بشرية في كل زمان ومكان.
4-   من عوامل الهلاك العتو عن أمر الله أي عدم الإِذعان لقبوله، والفسق عن طاعته وطاعة رسله.

قوله تعالى:
{ وَقَوْمَ نُوحٍ مّن قَبْلُ إِنّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ {

شرح الكلمات:
قوله تعالى:
{وَقَوْمَ نُوحٍ مّن قَبْلُ} أي وفي قوم نوح آية أيضاً.
-       وقيل: المعنى وأهلكنا قوم نوح.
-       وقيل: أي فأخذتهم الصاعقة وأخذت قوم نوح.  
-       وقيل: «نَبَذْنَاهُمْ في الْيَمّ» ونبذنا قوم نوح.
-       وقيل: بمعنى "اذكر".

معنى الآيات:
وقوله تعالى { وقوم نوح من قبل إنهم كانا قوماً فاسقين } أي وفي إرسالنا نوحاً إلى قومه وتكذيبهم إياه وإصرارهم على الشرك والكفر والتكذيب ثم إهلاكنا لهم بالطوفان وانجائنا المؤمنين آية من أعظم الآيات الدالة على وجود الله تعالى وربوبيته وألوهيته للعالمين، والمستلزمة لقدرته على البعث والجزاء الذي يصر الملاحدة على أنكاره ليواصلوا فسقهم وفجورهم بلا تأنيب ضمير ولا حياء ولا خوف أو وجل.
ففي إرسالنا نوحاً إلى قومه وتكذيبهم إياه وإصرارهم على الشرك والكفر والتكذيب، ثم إهلاكنا لهم بالطوفان، وانجائنا المؤمنين، في ذلك آية من أعظم الآيات الدالة على وجود الله تعالى وربوبيته وألوهيته للعالمين، والمستلزمة لقدرته على البعث والجزاء الذي يصر الملاحدة على أنكاره ليواصلوا فسقهم وفجورهم بلا تأنيب ضمير ولا حياء ولا خوف أو وجل.

من هداية الآيات:
1-   تقرير كل من التوحيد والنبوة والبعث لما في الآيات من دلائل على ذلك.
2-   قوة الله تعالى فوق كل قوة إذ كل قوة في الأرض هو الذي خلقها ووهبها.
3-   اتهام المبطلين لأهل الحق دفعاً للحق وعدم قبول له يكاد يكون سنة بشرية في كل زمان ومكان.
4-   من عوامل الهلاك العتو عن أمر الله أي عدم الإِذعان لقبوله، والفسق عن طاعته وطاعة رسله.

قوله تعالى:
{ وَالسّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنّا لَمُوسِعُونَ * وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ * وَمِن كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ {

شرح الكلمات:
قوله تعالى:
{وَالسّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}
لما بيّن هذه الآيات السابقة (وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لّلْمُوقِنِينَ – وفي موسى – وفي عاد – وفي ثمود – وقوم نوح)؛
فقال تعالى هنا منبهاً على خلق العالم العلوي والسفلي‏:‏ وفي السماء آيات وعِبر تدل على أن الصانع قادر على الكمال, فعطف أمر السماء على قصة قوم نوح لأنهما آيتان.
{وَالسّمَآءَ بَنَيْنَاهَا} أي وبنينا السماء بقوة ظاهرة في رفع السماء وإحكام البناء.
ومعنى {بِأيْدٍ} أي بقوة وقدرة.
{وَإِنّا لَمُوسِعُونَ} أي: لقادرون (على البناء والتوسعة).
-       وقيل: أي وإنا لذو سَعة, وبخلقها وخلق غيرها لا يضيق علينا شيء نريده.
-       وقيل: أي وإنا لموسعون الرزق على خلقنا.
-       وقيل: وإنا لمطيقون.
-       وقيل: وإنا لموسعون الرزق بالمطر.
-       وقيل: أغنيناكم. نظيره {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ}.
-       وقيل: ذو سعة على خلقنا. والمعنى متقارب.
-       وقيل: جعلنا بينهما وبين الأرض سعة.
-       وقيل: أوسعَ الرجلُ أي صار ذا سَعة وغِنىً, ومنه قوله تعالى: {وَالسّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنّا لَمُوسِعُونَ} أي أغنياء قادرون. فشمل جميع الأقوال.
{وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا} أي بسطناها كالفراش على وجه الماء ومددناها.
{فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} أي فنعم الماهدون نحن لهم. والمعنى في "الجمع": التعظيم، فقد أثنى الله تعالى على نفسه بفعله الخيريّ الحسن الكبير.
يقال مَهدت الفراشَ مَهْداً: بَسَطته ووطّأته؛ وتمهيد الأمور: تسويتها وإصلاحها؛ والطريق الممهد: المُهيأ المُستوي.
وفي الذكر الحكيم: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى) [سورة طه - الآية 53]. وهنا قال تعالى: (وَمِن كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ).
{وَمِن كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} أي صنفين ونوعين مختلفين.
-       وقيل: أي ذكراً وأنثى وحلواً وحامضاً ونحو ذلك.
-       وقيل: يعني الذكر والأنثى, والسماء والأرض, والشمس والقمر, والليل والنهار, والنور والظلام, والسهل والجبل, والجنّ والإنس, والخير والشر, والبكرة والعشيّ, وكالأشياء المختلفة الألوان من الطّعوم والأراييح والأصوات. أي جعلنا هذا كهذا دلالة على قدرتنا, ومن قدر على هذا فليقدر على الإعادة.
-       وقيل: {وَمِن كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} لتعلموا أن خالق الأزواج فرد, فلا يقدّر في صفته حركة ولا سكون, ولا ضياء ولا ظلام, ولا قعود ولا قيام, ولا ابتداء ولا انتهاء إذ هو عز وجل وتر {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
{لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ} أي تذكرون أن خالق الأزواج كلها هو إله فرد فلا يعبد معه غيره.

معنى الآيات:
فما زال السياق الكريم في عرض مظاهر القدرة الإِلهية الموجبة له تعالى الربوبية لكل شيء والألوهية على كل عباده. فقال تعالى: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون} فهذا أكبر مظهر من مظاهر القدرة الإِلهية إنه بناء السماء وإحكام ذلك البناء وارتفاعه وما تعلق به من كواكب ونجوم وشمس وقمر تمَّ هذا الخلق بقوة الله التي لا توازيها قوة.
وقوله {وإنا لموسعون} أي لقادرون على توسعته أكثر مما هو عليه، وذلك لسعة قدرتنا.
ومظهر ثانٍ هو في قوله: {والأرض فرشناها فنعم الماهدون} والأرض فرشها بساطاً ومهدها مهاداً فنعم الماهدون نحن نعم الماهد الله تعالى لها إذ غيره لا يقدر على ذلك ولا يتأتى له.
وثالث مظاهر القدرة في قوله: {ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون} فهذا لفظ عام يعم سائر المخلوقات وأنها كلها أزواج وليس فيها فرد قط. والذوات كالصفات فالسماء يقابلها الأرض، والحر يقابله البرد، والذكر يقابله الأنثى، والبر يقابله البحر، والخير يقابله الشر، والمعروف يقابله المنكر، فهي أزواج بمعنى أصناف كما أن سائر الحيوانات هي أزواج من ذكر وأنثى. وقوله {لعلكم تذكرون} أي خلقنا من كل شيء زوجين رجاء أن تذكروا فتعلموا أن خالق هذه الأزواج هو الله الفرد الصمد الواحد الأحد لا إله غيره ولا رب سواه فتعبدوه وحده ولا تشركوا به سواه من سائر خلقه.

من هداية الآيات:
1-   تقرير التوحيد والبعث بمظاهر القدرة الإِلهية التي لا يعجزها شيء ومظاهر العلم والحكمة المتجلية في كل شيء.
2-   ظاهرة الزوجية في الكون في الذرة انبهر لها العقل الإِنساني وهي مما سبق إليه القرآن الكريم وقرره في غير موضع منه: سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسه ومما لا يعلمون. فدل هذا قطعاً أن القرآن وحي الله وأن من أوحى به إليه وهو محمد بن عبد الله لن يكون إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 قوله تعالى:
{ فَفِرّوَاْ إِلَى اللّهِ إِنّي لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مّبِينٌ * وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ اللّهِ إِلَـَهاً آخَرَ إِنّي لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مّبِينٌ {

شرح الكلمات:
قوله تعالى:
{فَفِرّوَاْ إِلَى اللّهِ إِنّي لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مّبِينٌ} لما تقدّم ما جرى من تكذيب أممهم لأنبيائهم وإهلاكهم لذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهم يا محمد أي قل لقومك: {فَفِرّوَاْ إِلَى اللّهِ إِنّي لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مّبِينٌ} أي فِرّوا من معاصيه إلى طاعته.
-       وقيل: فِروا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم. فِرّوا منه إليه واعملوا بطاعته.
-       وقيل: {فَفِرّوَاْ إِلَى اللّهِ} اخرجوا إلى مكة.
-       وقيل: احترزوا من كل شيء دون اللّهِ فمن فرّ إلى غيره لم يمتنع منه.
-       وقيل: فِروا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن.
-       وقيل: الشيطان داعٍ إلى الباطل ففروا إلى الله يمنعكم منه.
-       وقيل: ففِرّوا من الجهل إلى العلم, ومن الكفر إلى الشكر.
-       وقيل: فِرّوا من أنفسكم إلى ربكم.
-       وقيل: فِروا إلى ما سبق لكم من الله ولا تعتمدوا على حركاتكم.
-       وقيل: فِرّوا مما سوى الله إلى الله.

{إِنّي لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مّبِينٌ} أي إني وأنا رسول الله إليكم منه تعالى نذير مبين بيَّن النذارة، أي أخوفكم عذابه وانذركم عقابه على الكفر والمعصية.
{وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ اللّهِ إِلَـَهاً آخَرَ} أُمِرَ محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس: لا تعبدوا مع الله إلهاً (أي معبوداً آخر) إذ لا معبود بحق إلا الله، وهو النذير.
{إِنّي لَكُمْ مّنْهُ} أي من الله
{نَذِيرٌ} أي إني لكم منه تعالى نذير بيَّن النذارةـ أُخوفكم عذابه إن عبدتم معه غيره.

معنى الآيات:
وقوله تعالى (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين) أي بعد أن تبين لكم أيها الناس أنه لا إله غير الله ففروا إليه تعالى إي بالإِيمان به وبطاعته وبفعل فرائضه وترك نواهيه اهربوا إلى الله يا عباد الله بالإِسلام إليه والانقياد لطاعته إني لكم منه تعالى نذير من عقاب شديد، ونذارتي بينة لا شك فيها وأنصح لكم أن لا تجعلوا مع الله إلهاً آخر أي معبوداً غيره تعالى تعبدونه إن الشرك به يحبط أعمالكم ويحرم عليكم الجنة فلا تدخلوها أبداً واعلموا أني لكم منه عز جل نذير مبين.

من هداية الآيات:
1-   التحذير من الشرك، فإنه ذنب عظيم لا يغفر إلا بالتوبة الصحيحة النصوح.

 قوله تعالى:
{ كَذَلِكَ مَآ أَتَى الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مّن رّسُولٍ إِلاّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ  *أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * فَتَوَلّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ * وَذَكّرْ فَإِنّ الذّكْرَىَ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ {

شرح الكلمات:
قوله تعالى:
{كَذَلِكَ مَآ أَتَى الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مّن رّسُولٍ} هذا تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم أي: كما كذّبك قومك وقالوا ساحر أو مجنون, كذّب من قبلهم وقالوا مثل قولهم.

قوله تعالى:
{أَتَوَاصَوْاْ بِهِ} أي أوصى أولهم آخرهم بالتكذيب. وتواطأوا عليه والألف للتوبيخ والتعجب.
{بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} أي لم يوصِ بعضهم بعضاً بل جَمعهم الطغيان, وهو مجاوزة الحدّ في الكفر.
{فَتَوَلّ عَنْهُمْ} أي أعرض عنهم واصفح عنهم
{فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ} عند الله لأنك أديت ما عليك من تبليغ الرسالة فأبرأت ذمتك.
ثم نسخ هذا بقوله تعالى:
{وَذَكّرْ فَإِنّ الذّكْرَىَ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}. وقيل: نسخ بآية السيف.
فقد أمر بالإقبال عليهم بالموعظة.
-       وقيل: {فَتَوَلّ عَنْهُمْ} فأعرض عنهم {فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ} أي ليس يلومك ربك على تقصير كان منك {وَذَكّرْ} أي بالعِظة فإن العِظة {تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.   
{وَذَكّرْ} بالقرآن – أي عظ بالقرآن يا رسولنا.
{فَإِنّ الذّكْرَىَ} به – بمعنى التذكير به.
{تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} أي من علم الله أنه يؤمن. وخصّ المؤمنين لأنهم المنتفعون بها.

معنى الآيات:
فبعد عرض تلك الأدلة المقررة للتوحيد والبعث بالرسالة المحمدية، والمشركون ما زالوا في إصرارهم على الكفر والتكذيب، قال تعالى مُسلياً رسوله مخففاً عنه ما يجده من إعراضٍ وتكذيب: {كذلك} أي الأمر والشأن كذلك، وهو أنه ما أتى الذين من قبلهم، أي من قبل قومك من رسول إلا قالوا فيه هو ساحر أو مجنون كما قال قومك لك اليوم. ثم قال تعالى: {أتواصوا به} أي بهذا القول كل أمة توصى التي بعدها بأن تقول لرسولها: ساحر أو مجنون. بل هم قوم طاغون أي لم يتواصوا به وإنما جمعهم على هذا القول الطغيان الذي هو وصف عام لهم، فإن الطاغي من شأنه أن ينكر ويكذب ويتهم بأشنع أنواع التهم، والحامل له على ذلك طغيانه. وما دام الأمر هكذا فتول عنهم يا رسولنا، أي أعرض عنهم ولا تلتفت إلى أقوالهم وأعمالهم فما أنت بملوم في هذا، لأنك قد بلغت رسالتك وأديت أمانتك، ولا يمنعك هذا التولي عنهم أن تذكر أي عِظْ بالقرآن، بل وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين الذي علم الله تعالى أنهم يؤمنون ممن هم غير مؤمنين الآن كما تنفع المؤمنين حالياً بزيادة إيمانهم وصبرهم على طاعة الله ربهم.

من هداية الآيات:
1-   بيان سنة بشرية وهي التكذيب والاتهام بالباطل وقلب الحقائق لكل من جاءهم يدعوهم إلى خلاف مألوقهم وما أعتدوه من باطلٍ وشرٍ فيدفعون بالقول فإذا أعياهم ذلك دفعوا بالفعل وهى الحرب والقتال.
2-   بيان أن طغيان النفس يتولد عنه كل شر والعياذ بالله.
3-   مشروعية التذكير، وانه ينتفع به مَنْ أراد الله إيمانه ممن لم يؤمن، ويزداد به إيمان المؤمنين الحاليين.

قوله تعالى:
{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ * مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنّ اللّهَ هُوَ الرّزّاقُ ذُو الْقُوّةِ الْمَتِينُ * فَإِنّ لِلّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ * فَوَيْلٌ لّلّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الّذِي يُوعَدُونَ }

شرح الكلمات:
قوله تعالى:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} قيل: إن هذا خاص فيمن سبق في علم الله أنه يعبده, فجاء بلفظ العموم ومعناه الخصوص.
والمعنى: وما خلقت أهل السعادة من الجنّ والإنس إلا ليوحدون.
-       وقيل: والآية دخلها التخصيص على القطع لأن المجانين والصبيان ما أمروا بالعبادة حتى يقال أراد منهم العبادة, وقد قال الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنّمَ كَثِيراً مّنَ الْجِنّ وَالإِنْسِ} ومن خُلق لجهنم لا يكون ممن خلق للعبادة, فالآية محمولة على المؤمنين منهم وهو كقوله تعالى: {قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنّا} وإنما قال فريق منهم.
-       وفي قراءة عبد الله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالاِنَس مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اِلاّ لِيَعْبُدُونِ}
-       وقيل: أي وما خلقت الجنّ والإنس إلا لآمرهم بالعبادة. ويدل عليه قوله تعالى: {وَمَآ أُمِرُوَاْ إِلاّ لِيَعْبُدُوَاْ إِلَـَهاً وَاحِداً}. فإن قيل: كيف كفروا وقد خلقهم للإقرار بربوبيته والتذلل لأمره ومشيئته؟ قيل: قد تذللوا لقضائه عليهم لأن قضاءه جارٍ عليهم لا يقدرون على الامتناع منه, وإنما خالفهم من كفر في العمل بما أمره به, فأما التذلل لقضائه فإنه غير ممتنع منه. وقيل:
{إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} أي إلا ليقروا لي بالعبادة طوعاً أو كرهاً. فالكره ما يُرَى فيهم من أثر الصنعة.
-       وقيل: إلا ليعرفوني. وهذا قول حسن لأنه لو لم يخلقهم لما عرف وجوده وتوحيده. ودليل هذا التأويل قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنّ اللّهُ} {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنّ خَلَقَهُنّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} وما أشبه هذا من الآيات.
-       وقيل: إلا لآمرهم وأنهاهم. هو ما جُبِلوا عليه من الشّقوة والسعادة فخلق السعداء من الجنّ والإنس للعبادة, وخلق الأشقياء منهم للمعصية.
-       وقيل: إلا ليوحدون, فأما المؤمن فيوحده في الشدّة والرخاء, وأما الكافر فيوحده في الشدّة والبلاء دون النعمة والرخاء يدل عليه قوله تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مّوْجٌ كَالظّلَلِ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ} الآية.
-       وقيل: إلا ليعبدون ويطيعون فأثيب العابد وأعاقب الجاحد.
-       وقيل: المعنى إلا لأستعبدهم.
-       والمعنى متقارب تقول: عبد بيّن العبودة والعبودية, وأصل العبودية الخضوع والذل. والتعبيد التذليل يقال: طريق معبد. والتعبيد الاستعباد وهو أن يتخذه عبداً. وكذلك الاعتباد. والعبادة: الطاعة, والتّعبد التّنسك. فمعنى «لِيَعْبُدُونِ» ليذِلّوا ويخضعوا ويعبدوا.  

{مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ} «مِنْ» صلة أي رزقاً بل أنا الرزّاق والمعطي.
-       وقيل: أي ما أريد أن يرزقوا أنفسهم ولا أن يطعموها.
-       وقيل: المعنى ما أريد أن يرزقوا عبادي ولا أن يطعموهم.
{إِنّ اللّهَ هُوَ الرّزّاقُ} وقرأ ابن مُحيصِن وغيره «الرّازِقُ».
{ذُو الْقُوّةِ الْمَتِينُ} أي الشديد القوي، الذي لا يعجزه شيء.

قوله تعالى:
{فَإِنّ لِلّذِينَ ظَلَمُواْ} أي كفروا من أهل مكة
{ذَنُوباً مّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} أي نصيباً من العذاب مثل نصيب الكفار من الأمم السالفة.
-       وقيل: يقال يوم ذَنُوب أي طويل الشر لا ينقضي. وأصل الذّنُوب في اللغة الدّلو العظيمة, وكانوا يستقون الماء فيقسمون ذلك على الأنصباء فقيل للذّنُوب نصيب.
-       وقيل: والذّنُوب الفرس الطويل الذّنب,
والذّنُوب النصيب, والذّنُوب الدّلو الملآى ماء.
{فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ} أي فلا يستعجلون نزول العذاب بهم لأنهم قالوا: يا محمد {فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقِينَ} فنزل بهم يوم بدر ما حقق به وعده وعجّل بهم انتقامه, ثم لهم في الاَخرة العذاب الدائم, والخزي القائم, الذي لا انقطاع له ولا نفاد, ولا غاية ولا آباد.

معنى الآيات:
قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإِنس إلا ليعبدون} أي لم يخلقهما للهو ولا للعب ولا لشيء وإنهما خلقهما ليعبدوه بالإِذعان والتسليم لأمر ونهيه.
وقوله تعالى {ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون} أي إن شأني معهم ليس كشأن السادة مالكي العبيد الذين يتعبدونهم بالقيام بحاجاتهم. هذا يجمع الماء وهذا يُعِدَ الطعام بل خلقتهم ليعبدوني أي يوحدوني في عبادتي، إذ عبادتهم لي مع عبادة غيري لا أقبلها منهم ولا أثيبهم عليها بل أعذبهم على الطاعة حيث عبدوا من لا يستحق أن يعبد من سائر المخلوقات.
وقوله تعالى: {إن الله هو الرازق ذو القوة المتين} قرر به غناه عن خلقه، وأعلم أنه ليس في حاجة الى أحدٍ وذلك لغناه المطلق، وقدرته التي لا يعجزها في الأرض ولا في السماء شيء.
وقوله }فإن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم{ أي إذا عرفت حال من تقدم من قوم عاد وثمود وغيرهم فإن لهؤلاء المشركين ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم أي نصيباً من العذاب، وعبر بالذنوب التي هي الدلو الملآى بالماء عن العذاب لأن العذاب يصب عليهم كما يصب الماء من الدلو ولأن الدلاء تأتى واحداً بعد واحد فكذلك. الهلاك يتم لأمة بعد أمة حتى يسقوا كلهم مرّ العذاب، وقوله {ولا يستعجلون} أي ما هناك حاجة بهم الى استعجال العذاب فإنه آت في إبّانه ووقته المحدد له لا محالة.
وقوله تعالى {فويل للذين كفروا} أي بالله ولقائه والنبي وما جاء به ويل لهم من يومهم الذي يوعدون أي العذاب الشديد له من يومهم الذي أوعدهم الله تعالى به وهو يوم القيامة والويل وادٍ في جهنم يسي بصديد أهل النار والعياذ بالله.

من هداية الآيات:
1-   بيان علة خلق الإِنس والجن وهي عبادة الله وحده.
2-   بيان غنى الله تعالى عن خلقه، وعدم احتياجه اليهم بحال من الأحوال.
3-   توعد الرب تبارك وتعالى الكافرين وأن نصيبهم من العذاب نازل بهم لا محالة.


تم تفسير سورة «والذاريات» والحمد لله.