‏إظهار الرسائل ذات التسميات أفراح الحياة وآلامها. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات أفراح الحياة وآلامها. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، 6 يوليو 2009

أفراح الحياة وآلامها

أفراح الحياة وآلامها

ما زلت أعتقد وأزداد اعتقاداً أن بُغض الحياة أسهل من حب الحياة، وأن الأدوات النفسية التي نلمس بها آلام الحياة أعم وأشمل وأقرب غوراً من أدوات النفس التي نلمس بها أفراح الحياة العليا ومحاسنها الكبرى، فالفرح (ويقصد به السرور) أعمق من الحزن، والألم أسهل من السرور لأن أدوات الألم مُيسرة حتى للطفل أو الجاهل، وأدوات الألم هي الحواس الجسدية، وهي كافية لإشعار صاحبها بجميع المُؤلمات والأوجاع التي يشتمل عليها عالم الحس المُتسع لجميع الأحياء، فكل حي يستطيع أن يشعر بشوكة الوردة، لأن الشعور بها لا يحتاج إلى أكثر من جلد وأعصاب، ولكن الجلد والأعصاب لا تكفي للشعور بجمال الوردة ونضرتها ومعاني الصباحة والحسن التي تتراءى بها للعيون والأذواق.

وكل إنسان يستطيع أن يجد في تمثال المرمر وسيلة إلى الألم، لأنه يحصل على الألم بصدمة في الرأس أو القدم، ولكنه لا يحصل على السرور الذي يوحي به التمثال إلا إذا أدرك محاسن الفنون وأمتلك حاسة "الذوق" وعرف صاحب التمثال وما عمله في حياته وما استحق به هذا التخليد بين قومه وقادري فضله وجهاده.

والطفل يبكي في اللحظة الأولى من حياته، ولكنه لا يعرف الابتسام قبل بضعة أشهر، لأنه في البكاء لا يحتاج إلى أكثر من صوت وهواء، ولكنه يحتاج قبل الابتسام أن يعرف وجه أمه وأبيه وأن يدرك العطف بينه وبين أمه وأبيه.

ولا يعنينا هنا أن تكون الأفراح في الحياة أكثر من الآلام أو تكون الآلام فيها أكثر من الأفراح. وإنما يعنينا أن أدوات الألم مُيسرة للأكثرين، وأن الأفراح التي تحتاج إلى فهم لا يدركها غير قليل. وصحيح أن النفس إذا ارتفعت شعرت بآلام لا تشعر بها النفوس الوضيعة وأدركت مواطن للشر لا تدركها الطبائع اللئيمة والضمائر العمياء، ولكن هذا لا يغير الحقيقة التي أسلفناها، وهي أن الألم لا يحتاج إلى أدوات نادرة بين الأحياء، وأن كثيراً من المخلوقات تستطيع أن تتألم وهي في المرتبة الدنيا من مراتب الحياة، ولكنها لا تستطيع أن تفرح إلا إذا توافرت لها صفات ليس أقلها الصحة واعتدال المزاج ورفعة الذوق واتساع المعرفة وعمق البديهة وسمو الخيال.

وإذا تركنا شعور الضرورة إلى شعور المشيئة والاختيار، تبين لنا أن الإنسان سريع إلى كشف النقائص والعيوب في الناس بطئ في كشف المحاسن والمزايا، بل مُغالط فيها بعد كشفها ومُكابر في الشهادة بها لأصحابها، لأنه يحب أن يستأثر بالمحاسن لنفسه أو يحب أن يبالغ في تعظيم مزاياه وتصغير مزايا غيره، فلا يحتاج إلى أكثر من الأنانية العمياء ليجهل فضائل الآخرين ومظاهر الكمال في المخلوقات، ولكنه يحتاج إلى النبل والإنصاف ورحابة الصدر ليعرف تلك الفضائل وينعم بعرفانها ويوفيها حقها من العطف والإعجاب. لهذا صح أن يقال أن أدوات الآلام أسهل وأعم من أدوات الأفراح، وأن كثير من الناس قادرون على الشعور بالألم في أعم حالاته، ولكنهم لا يقدرون على الشعور بجميع الأفراح ولا بجميع المرضيات.

ونحن في الشرق لا نزال قادرين على الحزن عاجزين عن الفرح، أو قادرين على التشاؤم عاجزين عن التفاؤل، بل أكثر أفراحنا ناشئة من قلة الفكر وقلة المُبالاة، والقليل منها ناشئ من فهم أسباب الكمال ومعارض الجمال في هذه الحياة. وقد مضى على الشرق أزمان لم نسمع فيها غير الشكاية والحزن في شعره ونثره، وغير الشكاية والحزن في مواعظه وخطبه، وغير الشكاية والحزن في جملة أحواله وأعماله، ولم تكن تلك الأزمان التي عمت فيها الشكاية والحزن أزمان القدرة والعمل بل أزمان الفقد والكسل، ولا مخرج له منها إلا برفع العصابة عن عينيه فيتعلم بعد جهل ويقتدر بعد قصور، وحتى يرفع عن ضميره عصابة الأثرة والجحود وينفذ إليه شعاع النور من عالم الحق والإنصاف.

منقول بتصريف كثير عن مقال بعنوان:

"أفراح الحياة وآلامها"- لعباس محمود العقاد.

وقال إيليا أبو ماضي:

يا أيها الشاكي وما به داء كيف تغـدوا إذا غـدوت عليــــلا

شر الجناة في الأرض هي نفساً تتمنى قبل الرحيل الرحيلا

والذي نفسهُ بغير جمالاً لا يرى في الوجودِ شيئاً جميــــلا

"الفرح" في القرآن:

* ومن آيات الله في خلقه: "أنه هو أضحك وأبكى" (الجزء 27 – سورة النجم – الآية 43. وقد قدم سبحانه وتعالى "الضحك" على "البكاء").

وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: "وأنه هو أضحك وأبكى" ذهبت الوسائط وبقيت الحقائق لله سبحانه وتعالى فلا فاعل إلا هو.

وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: لا والله ما قال رسول الله قط إن الميت يعذب ببكاء أحد، ولكنه قال: "إن الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذابا وإن الله لهو أضحك وأبكى وما تزر وازرة وزر أخرى".

وعنها قالت: مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم من أصحابه وهم يضحكون، فقال: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا" فنزل عليه جبريل فقال: يا محمد، إن الله يقول لك: "وأنه هو أضحك وأبكى". فرجع إليهم فقال: "ما خطوت أربعين خطوة حتى أتاني جبريل فقال ائت هؤلاء فقل لهم إن الله تعالى يقول: "هو أضحك وأبكى". أي قضى أسباب الضحك والبكاء.

وقال عطاء بن أبي مسلم: يعني أفرح وأحزن؛ لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء.

وقيل لعمر: هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون؟ قال: نعم، والإيمان والله أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي.

قال الحسن: أضحك الله أهل الجنة في الجنة، وأبكى أهل النار في النار. وقيل: أضحك من شاء في الدنيا بأن سره وأبكى من شاء بأن غمه. الضحاك: أضحك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر. وقيل : أضحك الأشجار بالنوار، وأبكى السحاب بالأمطار. وقال ذو النون: أضحك قلوب المؤمنين والعارفين بشمس معرفته، وأبكى قلوب الكافرين والعاصين بظلمة نكرته ومعصيته. وقال سهل بن عبد الله: أضحك الله المطيعين بالرحمة وأبكى العاصين بالسخط. وقال محمد بن علي الترمذي : أضحك المؤمن في الآخرة وأبكاه في الدنيا. وقال بسام بن عبد الله: أضحك الله أسنانهم وأبكى قلوبهم، وأنشد:

السن تضحك والأحشاء تحترق وإنما ضحكها زور ومختلق

يا رب باك بعين لا دموع لها ورب ضاحك سن ما به رمق

وقيل: إن الله تعالى خص الإنسان بالضحك والبكاء من بين سائر الحيوان، وليس في سائر الحيوان من يضحك ويبكي غير الإنسان. وقد قيل: إن القرد وحده يضحك ولا يبكي، وإن الإبل وحدها تبكي ولا تضحك. [تفسير القرطبي].

* وردت كلمة "فرح" ومُشتقاتها في القرآن الكريم 22 مرة، ووردت كلمة "حزن" ومُشتقاتها في القرآن الكريم 42 مرة، وورد فعل: "تحزن" ومُشتقاته في القرآن الكريم أربعة عشر مرة، وورد فعل: "تفرح" ومُشتقاته في القرآن الكريم أربع مرات في أربع آيات هي:-

1- في قوله تعالى "لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين" (الجزء 20 – سورة القصص – الآية 76)، وقال القرطبي في تفسيرها لا تبغ ولا تبطر ولا تأشر ولا تبخل إن الله لا يحب الباغين ولا البطرين ولا الآشرين ولا الباخلين.

2 - وفي قوله تعالى: "فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ" – الجزء 19 – سورة النمل – الآية 36 – وقال القرطبي في تفسير (أنتم بهديتكم تفرحون) لأنكم أهل مُفاخرة ومُكاثرة في الدنيا.

3 - وفي قوله تعالى: "ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ" – الجزء 24 – سورة غافر – الآية 75 – وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: "ذلكم" أي ذلكم العذاب "بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق" بالمعاصي يقال لهم ذلك توبيخا. أي إنما نالكم هذا العذاب بما كنتم تظهرون في الدنيا من السرور بالمعصية وكثرة المال والأتباع والصحة. وقيل إن فرحهم بها عندهم أنهم قالوا للرسل: نحن نعلم أنا لا نبعث ولا نعذب. وكذا قال مجاهد في قوله جل وعز: "فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم" [غافر: 83].

"وبما كنتم تمرحون" قال مجاهد وغيره: أي تبطرون وتأشرون. وقال الضحاك: الفرح السرور، والمرح العدوان. وروى خالد عن ثور عن معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبغض البذخين الفرحين ويحب كل قلب حزين ويبغض أهل بيت لحمين ويبغض كل حبر سمين) فأما أهل بيت لحمين: فالذين يأكلون لحوم الناس بالغيبة. وأما الحبر السمين: فالمتحبر بعلمه ولا يخبر بعلمه الناس؛ يعني المستكثر من علمه ولا ينتفع به الناس. ذكره الماوردي. وقد قيل في اللحمين: أنهم الذين يكثرون أكل اللحم؛ ومنه قول عمر: اتقوا هذه المجازر فإن لها ضراوة كضراوة الخمر؛ ذكره المهدوي. والأول قول سفيان الثوري.

4 - وفي قوله تعالى: "لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" – الجزء 27 – سورة الحديد – الآية 23 - وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: "لكيلا تأسوا على ما فاتكم" أي حتى لا تحزنوا على ما فاتكم من الرزق، وذلك أنهم إذا علموا أن الرزق قد فرغ منه لم يأسوا على ما فاتهم منه. وعن ابن مسعود أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجد أحدكم طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه) ثم قرأ "لكيلا تأسوا على ما فاتكم" إي كي لا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا فإنه لم يقدر لكم ولو قدر لكم لم يفتكم "ولا تفرحوا بما آتاكم" أي من الدنيا، قال ابن عباس. وقال سعيد بن جبير: من العافية والخصب.

وروى عكرمة عن ابن عباس: ليس من أحد إلا وهو يحزن ويفرح، ولكن المؤمن يجعل مصيبته صبرا، وغنيمته شكرا. والحزن والفرح المنهي عنهما هما اللذان يتعدى فيهما إلى ما لا يجوز.

قال الله تعالى: "والله لا يحب كل مختال فخور" أي متكبر بما أوتي من الدنيا، فخور به على الناس. وقراءة العامة "آتاكم" بمد الألف أي أعطاكم من الدنيا. قال جعفر بن محمد الصادق: يا ابن آدم ما لك تأسى على مفقود لا يرده عليك الفوت، أو تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت. وقيل لبرزجمهر: أيها الحكيم، مالك لا تحزن على ما فات، ولا تفرح بما هو آت؟ قال: لأن الفائت لا يتلافى بالعبرة (وجمعها عبرات أي دموع)، والآتي لا يُستدام بالحبرة (أي الحبور وهو السرور). وقال الفضيل بن عياض في هذا المعنى: الدنيا مبيد ومفيد، فما أباد فلا رجعة له، وما أفاد آذن بالرحيل. وقيل: المختال الذي ينظر إلى نفسه بعين الافتخار، والفخور الذي ينظر إلى الناس بعين الاحتقار، وكلاهما شرك خفي. [من تفسير القرطبي – ببعض التصريف اليسير].

هذا، والله أعلى وأعلم،،،