الثلاثاء، 30 يونيو 2009

المبادئ العامة في " بيع الجدك "

تنص المادة 594 من القانون المدني على أن: "

أ- منع المستأجر من أن يؤجر من الباطن يقتضي منعه من التنازل عن الإيجار وكذلك العكس.

ب- ومع ذلك إذا كان الأمر خاصاً بإيجار عقار أنشئ به مصنع أو متجر واقتضت الضرورة أن يبيع المستأجر هذا المصنع أو المتجر، جاز للمحكمة بالرغم من وجود الشرط المانع أن تقضى بإبقاء الإيجار إذا قدم المشترى ضماناً كافياً ولم يلحق المؤجر من ذلك ضرر محقق".

وتنص المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 "الخاص بإيجار الأماكن وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر" على أنه: "

أ- يحق للمالك عند قيام المستأجر في الحالات آلتي يجوز له فيها بيع المتجر أو المصنع أو التنازل عن حق الانتفاع بالوحدة السكنية أو المؤجرة لغير أغراض السكنى الحصول على 50% من ثمن البيع أو مقابل التنازل بحسب الأحوال، بعد خصم قيمة المنقولات آلتي بالعين.

ب- وعلى المستأجر قبل إبرام الاتفاق إعلان المالك على يد محضر بالثمن المعروض ويكون للمالك الحق في الشراء إذا أبدى رغبته في ذلك وأودع الثمن مخصوماً منه نسبة الـ 50% المشار إليها خزانة المحكمة الجزئية الواقع في دائرتها العقار إيداعا مشروطاً بالتنازل عن عقد الإيجار وتسليم العين وذلك خلال شهر من تاريخ الإعلان.

ج- وبانقضاء ذلك الأجل يجوز للمستأجر أن يبيع لغير المالك مع التزام المشترى بأن يؤدى للمالك مباشرة نسبة الـ 50% المشار إليها".

شروط بيع الجدك:

وعليه يتضح أنه من المستقر عليه أن شروط صحة عقد بيع الجدك سبعة شروط هي:

[ 1 ] وقوع البيع على متجر أو مصنع (المادة 594/2 مدني).

[ 2 ] توافر حالة الضرورة الملجئة للتصرف (المادة 594/2 مدني).

[ 3 ] تقديم التأمينات الكافية لحماية حقوق مالك العقار (المادة 594/2 مدني).

[ 4 ] انتفاء الضرر في حق المؤجر (المادة 594/2 مدني).

[ 5 ] ضرورة أخطار المالك بثمن المبيع (المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981).

[ 6 ] مزاولة نفس النشاط السابق (وعدم تغيير النشاط شرط تطلبته محكمة النقض).

[ 7 ] ملكية المستأجر للجدك (وهذا شرط قضائي اشترطته محكمة النقض، وهو يتكون من شقين..

الأول: أن يكون المتصرف مستأجرا للعين وليس مالكاً لها؛

والثاني: أن يكون مستأجر العين مالكاً للجدك).

وهذه الشروط السبع - المُتقدم ذِكرُها - يجب أن تتوافر كلها معاً جميعاً حتى يمكن القول بصحة ونفاذ عقد الجدك فلا يغنى توافر بعضها دون البعض الآخر، بل يجب أن تجتمع كلها معاً، وهو ما لم يتحقق في دعوانا الماثلة حيث تم إبرام عقد بيع الجدك بالمخالفة لمعظم هذه الشروط ونعطى بعض الأمثلة على ذلك:

الشرط الأول - وجوب وقوع البيع على متجر أو مصنع:

وهذا الشرط نصت عليه صراحةً المادة 594/2 من القانون المدني، ولما كان الثابت أن عين التداعي مستغلة كمخزن، مما يعنى عدم انطباق هذا الشرط حيث أن قضاء النقض قد استقر على أن: "المكان الذي يخزن فيه التاجر بضائعه لا يعتبر محلاً تجارياً، لافتقاده للعنصر المعنوي الرئيسي في المحل التجاري وهو عنصر الاتصال بالعملاء والسمعة التجارية، وبالتالي فلا يجوز بيع تلك المخازن بالجدك" (الطعن رقم 453 لسنة 48 قضائية - جلسة 23/3/1983 - السنة 34 - القاعدة رقم 154 - ص 727).

الشرط الثاني - وجوب توافر حالة الضرورة الملجئة للتصرف:

وهذا الشرط نصت عليه صراحةً المادة 594/2 من القانون المدني، ولما كانت أوراق الدعوى قد خلت تماماً مما يفيد بتوافر حالة الضرورة الملجئة للبيع، كما لم يقم المدعى عليه بإثبات شئ من ذلك. مما مفاده عدم تحقق هذا الشرط على الوجه المتطلب قانوناً.

الشرط الثالث - وجوب تقديم التأمينات الكافية لحماية حقوق المؤجر:

وهذا الشرط نصت عليه صراحةً المادة 594/2 من القانون المدني، ومادام المدعى لم يقم بتقديم أية تأمينات على الإطلاق سواء أكانت كافية أو غير كافية لحماية حقوق المؤجر "الهيئة" فان هذا الشرط يكون غير متحقق بدوره. ومن المقرر في قضاء النقض أنه: "... ومن ضمن هذه الشرائط أن يقدم المشترى تأميناً كافياً للمؤجر للوفاء بالتزاماته كمستأجر سيخلف المستأجر الأصلي في الانتفاع بالعين المؤجرة، ويستوي أن تكون هذه التأمينات شخصية أو عينية، ويتعين في هذا الضمان أن يكون إضافيا لا يدخل في حسابه البضائع الموجودة بالمتجر أو المصنوعات التي ينتجها المصنع لأنها معده للبيع ولا يستطيع المؤجر حبسها أو استعمال حق امتياز المؤجر عليها، وتقدير كفاية الضمان أو عدم كفايته أمر متروك لقاضى الموضوع دون معقب عليه طالما كان استخلاصه سائغاً" (نقض مدني في 30 مايو سنة 1979 - مجموعة أحكام النقض - السنة 30 - رقم 272 - ص 473).

الشرط الرابع - وجوب مزاولة نفس النشاط السابق:

وعدم تغيير النشاط شرط تطلبته محكمة النقض حيث أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن: "الحكمة من الاستثناء الوارد بالمادة 594/2 مدني هي رغبة المشرع في الحفاظ على الرواج المالي والتجاري في البلاد بتسهيل بيع المتجر عندما يضطر صاحبه إلى بيعه وتمكين مشتريه من الاستمرار في استغلاله، وكان مناط استلزام توافر العنصر المعنوي الخاص بالاتصال بالعملاء وجوب أن يكون الشراء بقصد ممارسة النشاط ذاته الذي كان يزاوله بائع المتجر" (الطعن رقم 578 لسنة 47 قضائية - جلسة 15/3/1982).

الشرط الخامس - ضرورة أخطار المالك بثمن المبيع:

وهذا الشرط نصت عليه صراحةً المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 حيث أوجب المشرع على المستأجر قبل أن يبرم اتفاقه مع الغير أن يعلن المالك بعزمه على بيع المتجر أو المصنع أو التنازل عن عقد الإيجار لقاء ثمن محدد يذكره في الإنذار الموجه إلى المالك..

فإذا ابرم عقد بيع الجدك دون أن يتم الإنذار سالف الذكر فإن أحد شروط صحة بيع الجدك يكون قد انتفى ويقع البيع غير نافذ في مواجهة المالك ولا يؤدى إلى انتقال الحق في الإجارة للمشترى أو حلوله محل البائع في عقد الإيجار، ولا يجوز للمحكمة أن تجيز بيع الجدك ما لم يكن مرفقاً بالمستندات أصل الإنذار الموجه إلى المالك ومضى مدة شهر من تاريخ إعلان المالك بالإنذار دون أن يبدى موافقته على البيع أو رغبته في أخذ العين بالثمن المعروض.

شمول حكم المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 لجميع حالات بيع المتجر أو المصنع، سواء كان البيع اختيارياً أو إجباريا:

فقد أفتت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة ( بجلستها المنعقدة في 2 مايو سنة 1990 ) بأن: "يسري حكم المادة 20 من القانون 136 لسنة 1981 على البيوع الجبرية التي تجريها مصلحة الضرائب لمصانع ومتاجر مدينها المستأجر". وقد ضمنت فتواها أنه: "... إن المشرع قد رسم في المادة 20 المشار إليها إجراءات معينة لحصول المالك على حقه المقرر له، والتي تتمثل في وجوب إعلان المستأجر له على يد محضر بالثمن المعروض عليه والانتظار للأجل المحدد قانوناً حتى يمكن الاختيار بين الشراء أو الاكتفاء بالحصول على النسبة المقررة له، ذلك أن هذه الإجراءات ليس من شأنها التأثير على أصل الحق المقرر للمالك في إستئداء نصف ثمن البيع أو نصف مقابل التنازل، إنما تتعلق بكيفية إستئداء هذا الحق، فضلاً عن أن هذه الإجراءات ليست مقررة لذاتها إنما لغرض معين يتمثل في تمكين مالك العقار من استرداد منفعة العين المؤجرة، وهو أمر يمكن تحققه حتى في حالة البيع بالمزاد العلني، وذلك بأن يتم أخطار المالك بزمان ومكان هذا البيع والأمر في النهاية مرجعه إرادة المالك وحده فيمكنه إذا ما رغب في استرداد منفعة العين المؤجرة الاشتراك في المزاد وإلا أقتصر حقه على نسبة الـ 50% المقررة له قانوناً، هذا فضلاً عن أن القول بقصر حكم المادة 20 المشار إليها على حالات البيع الاختياري التي تتم بإرادة المستأجر دون حالات البيع الجبري أمر من شأنه أن يفتح باب التحايل على أحكام القانون بغرض إغماط حق المالك كما أنه يجعل المستأجر المماطل الذي يتقاعس عن سداد ديونه في وضع أفضل من غيره، وهو أمر لا يمكن التسليم أو القول به". (ملف الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع رقم 7/2/141 - مشار إليها في : "إيجار وبيع المحل التجاري" للمستشار/ السيد خلف محمد - الطبعة الثالثة 1996 القاهرة - ص 206 : 209).

كما تواترت أحكام محكمة النقض على أن: "حق المالك المقرر بنص المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 في الحالات التي يجوز فيها للمستأجر بيع العين المؤجرة بالجدك أو التنازل عن حق الانتفاع بها لم يقصره المشرع على البيوع الاختيارية، وإنما يشمل البيوع الجبرية، أي سواء تم البيع بإرادة المستأجر واختياره أو رغماً عنه، ذلك أنه إذا كان لدائني هذا المستأجر التنفيذ على أمواله وممتلكاته جبراً عنه، وبالمزاد العلني استيفاء لدينهم فإنه ليس لهم أن يستوفوا من حصيلة البيع أكثر مما لمدينهم من حقوق، ولا ينال من ذلك أن المشرع قد رسم إجراءات معينه لحصول المالك على الحق المخول له بالمادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 على النحو سالف البيان، إذ أنه هذه الإجراءات ليس من شأنها التأثير على أصل الحق المقرر له في إستئداء نصف ثمن البيع أو مقابل التنازل، إنما هي تتعلق بكيفية إستئداء هذا الحق، وهو أمر يمكن تحققه حتى في حالة البيع بالمزاد العلني، وذلك بأن يتم إخطاره بمكان وزمان هذا البيع حتى يمكنه الاشتراك في المزاد، واسترداد منفعة العين المؤجرة إذا ما رغب في ذلك، وإلا اقتصر حقه على الحصول على النسبة المقررة له قانوناً، هذا إلي أن القول بقصر حكم المادة 20 المشار إليها على حالات البيع الاختياري التي تتم بإرادة المستأجرين دون البيع الجبري من شأنه أن يفتح باب التحايل على أحكام القانون باستهداف إغماط حق المالك، كما أنه يجعل المستأجر المماطل الذي يتقاعس عن سداد ديونه في وضع أفضل من غيره وهو أمر لا يمكن التسليم به أو القول بجوازه". (الطعن رقم 2717 لسنة 61 قضائية - جلسة 20/5/1992. والطعن رقم 669 لسنة 60 قضائية - جلسة 9/6/1994. والطعن رقم 53 لسنة 60 قضائية - جلسة 30/3/1995. والطعن رقم 4335 لسنة 62 قضائية - جلسة 29/3/1993. مشار إليهم في : "مجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في تطبيق قوانين الإيجار خلال خمسة وستين عاماً" للمستشار/ محمد خيري أبو الليل - الجزء الأول - طبعة 1997 القاهرة - القاعدة رقم 1314 و 1315 - ص 1405 : 1408).

ومن المُقرر قانوناً أنه يجب على المُستأجر أن يخطر المالك بثمن البيع وانتظار مدة ثلاثين يوماً ليبدي رأيه سواء في استرداد منفعة العين المؤجرة أو قبض قيمة الـ 50% من ثمن البيع وتحرير عقد إيجار جديد للمشتري. وفي حالة البيع الجبري للمتجر أو المصنع (بالمزاد العلني) يجب إعلان المالك بالثمن الذي رسا به المزاد، فلا يجري الميعاد المسقط لحق المالك في اختيار الشراء إلا من تاريخ إعلانه بالثمن الذي رسا به المزاد ولا يغني عن ذلك علم المالك بجلسة المزاد.

حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "النص في المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 مفاده أن المشرع أعطى لمالك العقار بهذا النص في حالة بيع المتجر الحق في أن يطالب المشتري مباشرة بنسبة من الثمن مقدارها نصف قيمة حق الإجارة كما أعطاه أولوية في استرداد المتجر المبيع إذا أبدى رغبته في ذلك وأودع الثمن الذي تم به البيع مخصوماً منه النسبة سالفة الذكر خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إعلان المُستأجر له على يد محضر بالثمن المعروض عليه من المشتري والذي ارتضاه المُستأجر أو الثمن الذي رسا به المزاد في حالة البيع جبراً عنه لتكون هذه المدة مهلة خالصة لمالك العقار رسم المشرع حدودها يتدبر فيها أمر الصفقة ويتخذ إجراءات الشراء مما لازمه أن يتم إجراء المزاد والاستقرار على سعر البيع قبل إعلان المالك بالثمن الذي رسا به المزاد فعلاً، فلا يجري الميعاد المسقط لحق المالك في اختيار الشراء إلا من تاريخ إعلانه على يد محضر بالثمن الذي رسا به المزاد ولا يغني عن الإعلان علم المالك بجلسة المزاد وإن كان ينشأ حق المالك في شراء المبيع من تاريخ رسو المزاد". (الطعن رقم 117 لسنة 64 قضائية – جلسة 27/2/1996).

إغفال شرط من شروط بيع الجدك خطأ في تطبيق القانون:

وكما سبق لنا القول، فأنه يجب أن تتوافر شروط صحة عقد بيع الجدك "السبعة" كلها معاً جميعاً حتى يمكن القول بصحة ونفاذ عقد الجدك فلا يغنى توافر بعضها دون البعض الآخر، بل يجب أن تجتمع كلها معاً. وان تخلف ولو شرط واحد منها فلا يصح عقد بيع الجدك، ولا يصح إغفال أحد شروط بيع الجدك، وان إغفال آي شرط من شروط بيع الجدك يعد بمثابة خطأ في تطبيق القانون.

فمن المقرر في قضاء النقض أنه: "إذا أغفلت محكمة الموضوع شرطاً من شروط صحة الجدك فقد أخطأت في تطبيق القانون. ذلك أن تطبيق المحكمة للنص على الوقائع المطروحة رغم عدم كفايتها يعنى مخالفتها له وإساءة تطبيقه، وعلى محكمة النقض تصحيح هذا الخطأ واعتبار التصرف مجرد تنازل عن العقد لا يسرى في مواجهة المؤجر. ولا مجال للتمسك باستثناء المادة 594/2 مدني، فلما كان البين من الحكم المطعون فيه أن المشترى لم يمارس ذات النشاط بل غيره، ومن ثم فإن قيام المستأجر ببيع المحل لا يعنى انطباق المادة 594/2 مدني واعتباره بيع بالجدك لانتفاء أحد شروطه وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وأقام قضاءه بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعن استناداً إلى توافر شروط المادة 594/2 مدني فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون" (الطعن رقم 644 لسنة 50 قضائية - جلسة 18/4/1981 - السنة 32 - رقم 215 - ص 1155).

خامساً - عدم توافر شروط بيع الجدك يجعل التصرف بمثابة تنازلاً عن عقد الإيجار:

من المستقر عليه، انه في حالة بيع الجدك الذي يتم بالمخالفة لشروط بيع الجدك -السابق بيانها- فإن هذا العقد وهذا البيع يعتبر تنازلاً عن عقد الإيجار بدون أذن كتابي صريح من المالك المؤجر "في تاريخ هذا التنازل أو سابق عليه" وهو بهذه المثابة يعد تصرفاً مخالفاً لأحكام عقد الإيجار مكملاً بأحكام القانون.. وبهذا التنازل يتحقق الشرط الفاسخ الصريح المنصوص عليه في عقد الإيجار، وعليه يكون من حق المؤجر طلب فسخ عقد الإيجار الخلاء العين المؤجرة من البائع والمشترى وتسلمها خالية من الأشياء والأشخاص.

وفى هذا الشأن قضت محكمة النقض بأن: "إذا انتفى أحد شروط بيع الجدك أمتنع تطبيق استثناء المادة 594/2 مدني، ويخضع التصرف للقواعد العامة لقانون إيجار الأماكن، فيعتبر التصرف تنازلاً عن عقد الإيجار بدون موافقة المؤجر، الأمر المبرر لفسخ العقد الخلاء المستأجر أو المشترى أو المتنازل إليه من العين وتسليمها للمؤجر" (الطعون أرقام: 1272 لسنة 48 قضائية - جلسة 27/6/1979 السنة 30 - رقم 334 - ع1 - ص 785. والطعن رقم 1421 لسنة 49 قضائية - جلسة 27/11/1985 السنة 36 - ص 1049. ونقض جلسة 23/6/1976 - مجموعة أحكام النقض - السنة 27 - رقم 267 - ص 1405).

كما أنه من المقرر في قضاء النقض أن: "بيع المستأجر للمحل التجاري أو الصناعي الذي أنشأه بالعين المؤجرة ينطوي على تنازله عن حقه في إجارة العين، وينفذ البيع بما يتضمنه من تنازل عن الحق في الإيجار -في حق المؤجر- متى توافر في البيع سائر شروطه آلتي تضمنتها المادة 594/2 من القانون المدني، فإذا لم يتوافر للبيع شروطه المنصوص عليها في المادة سالفة الذكر كان للمؤجر الحق في طلب الإخلاء لحصول التنازل في حالة لا يجيزها القانون وفقاً لما تنص عليه المادة 31 فقرة ب من القانون رقم 49 لسنة 1977 والمادة 18 فقرة جـ من القانون رقم 136 لسنة 1981" (الطعون أرقام: 1039 لسنة 45 قضائية - جلسة 10/1/1986. والطعن رقم 2004 لسنة 52 قضائية - جلسة 26/5/1988).

سادساً - إثبات توافر شروط بيع الجدك:

كما أن قضاء محكمة النقض قد تواتر على أن: "المكلف أصلاً بإثبات توافر شروط بيع الجدك كاستثناء يرد على الحظر العام بعدم جواز التنازل عن الإيجار بغير إذن كتابي صريح من المؤجر، هو المتمسك بقيام هذا البيع، آي المستأجر" (الطعن رقم 1261 لسنة 73 قضائية - جلسة 1986).

وحتى إذا أثبت المستأجر توافر شروط بيع الجدك، فالترخيص بالجدك أمر جوازي لقاضى الموضوع. له الإجازة إذا توافرت الشروط، وله الرفض إذا اختلت. كما أنه لا يُلزم قانوناً إذا توافرت الشروط أن يقضى جبراً بإجازة الجدك فهذا ما لا يُحَس من روح النص (نص المادة 594/2 مدني) الذي بدأ في سرد سلطة المحكمة بكلمة "جاز".

استخلاص انعقاد بيع الجدك مسألة موضوع:

"لا يشترط لانعقاد عقد بيع المتجر وإثباته أن يكتب أو أن يشهر لأنه عقد رضائي يتم بإرادة طرفيه. ولمحكمة الموضوع سلطة تقدير أدلة الدعوى من أقوال الشهود أن البيع قد تم ولو لم يكن هناك محرر كتابي" (نقض جلسة 9/1/1980 - مجموعة أحكام النقض - السنة 31 - رقم 24 - ص 109).

"ولمحكمة الموضوع الاكتفاء بصورة ضوئية من العقد دون حاجة إلى تقديم أصل عقد البيع، فعقد بيع الجدك ينعقد أصلاً شفوياً دون حاجة إلى إجراءات شكلية. بل يمكن الأخذ بقيامه من مجرد إقرار الطرفين بوجوده" (نقض جلسة 1/6/1977 - مجموعة أحكام النقض - السنة 28 - رقم 233 - ص 1346).

ضرورة تقديم عقد بيع الجدك خطأ في تطبيق القانون:

"تطلب محكمة الموضوع تقديم عقد البيع للحكم بصحة الجدك خطأ في تطبيق القانون، إذ أن عقد البيع يمكن إثباته بكافة الطرق" (نقض جلسة 12/4/1984 - مجموعة أحكام النقض - السنة 35 - ص 1016).

عدم جواز العدول عن إنذار الجدك ، والالتزام بالتسليم:

من المُقرر في قضاء النقض أن: "النص في المادة 89 من القانون المدني على أن (يتم التعاقد بمُجرد أن يتبادل طرفاه التعبير عن إرادتين مُتقابلتين مع مُراعاة ما يُقرره القانون فوق ذلك من أوضاع مُعينة لانعقاد العقد) ، والنص في المادة 93 من ذات القانون على أنه (إذا عُيِنَ ميعاد للقبول التزم المُوجب بالبقاء على إيجابه) ، ولما كان الإيجاب هو "العرض" الذي يُعبر به الشخص الصادر منه على وجه جازم عن إرادته في إبرام عقد مُعين بحيث إذا ما اقترن به قبول مُطابق له انعقد ، وإذا عُيِنَ ميعاد للقبول فإن الإيجاب مُلزم للمُوجب طوال المُدة المُحددة ما لم يكن إيجابه قد سقط برفض الطرف الآخر له قبل انقضاء هذه المُدة ، ولا يُعتد بعدول المُوجب بل ينعقد العقد بالرغم من هذا العدول متى تم القبول ، وإن أوجب المُشرع في المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 على المُستأجر أن يلتزم مُدة شهر على إيجابه من تاريخ إعلانه المالك فإن هذه المُدة حددها الشارع ميعاداً للإيجاب مُنتجاً لآثاره من وقت علم من وُجِهَ إليه به وليس له أن يعدُل عنه بعد ذلك، ولما كان إعلان المُستأجر للمالك برغبته في البيع هو رضاء بات بالبيع وإذا أبدى المالك رغبته في الشراء مُودعاً قيمة ما يخص المُستأجر من ثمن البيع خلال الميعاد القانوني فإن ذلك يُعد منه رضاء بات بالشراء ، وإذا توافق الإيجاب والقبول خلال الميعاد فينعقد بذلك العقد ، لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي المُؤيد بالحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وكان عدول الطاعن (المُستأجر) عن البيع قبل انقضاء مُهلة الشهر الممنوحة للمالك لا ينال من انعقاد العقد بالقبول الصادر منه ، ومن ثم يكون إغفال الحكم الرد على دلالة الإنذار بالعدول هو إغفال لدفاع غير جوهري لا يتغير به وجه الرأي في الدعوى فإن النعي عليه بالوجهين يكون على غير أساس". (الطعن رقم 3392 لسنة 58 قضائية – جلسة 1/6/1994. والطعن رقم 579 لسنة 59 قضائية – جلسة 24/6/1993. والطعن رقم 2183 لسنة 60 قضائية – جلسة 20/10/1993. مٌشار إليهم في مرجع: "مجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في تطبيق قوانين الإيجار" – للمُستشار/ محمد خيري أبو الليل - الجزء الأول – طبعة 1997 القاهرة – القاعدة رقم 1309 – 1397).

التنازل (بمُقابل أو دون مُقابل) للمُستفيد من الامتداد القانوني لعقد الإيجار، جائز، ولو بدون رضاء المُؤجر، وبدون أن يحق للمُؤجر المُطالبة بتطبيق أحكام نص المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981:

من المُقرر في قضاء النقض أنه: "… وإذ كان البين من نصوص القانون رقم 136 لسنة 1981 ، بما في ذلك نص المادة 20 ، أنها لم تلغ أو تعدل - صراحة أو ضمناً - أحكام الامتداد القانوني الواردة بالمادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977، وإنما أراد بها المشرع أن يستحدث حلاً عادلاً يستهدف به تحقيق التوازن بين حق المؤجر والمستأجر في الانتفاع بالعين المؤجرة في الحالات التي يجوز فيها للمستأجر بناء على نص في القانون أو تصريح مسبق من المالك التنازل عن حق الإجارة سواء كان تصرف المستأجر مجرد تنازل عن الإيجار أو بيعاً بالجدك، ومن ثم يقتصر تطبيق النص المذكور على الحالات التي يكون فيها تصرف المستأجر الأصلي في حق الإجارة هو المُنشئ لحق المُتنازل إليه على العين المؤجرة، ولا يتسع لحالات تنازل المستأجر عن العين لمن أجاز لهم القانون البقاء فيها، والانتفاع بالامتداد القانوني لعقد الإيجار بعد ترك المستأجر للعين المؤجرة، ولا يغير من ذلك أن يكون ترك المستأجر للشريك بمقابل أو بغير مقابل، ذلك أن امتداد العقد في هذه الحالة ليس مرده تصرف المستأجر في حق الإجارة، وإنما مصدره قوانين إيجار الأماكن المتعلقة بالنظام العام التي تقضي بامتداد عقد الإيجار للشريك دون توقف على رضاء المؤجر، بل ألزمته بتحرير عقد جديد له، تطبيقاً لأحكام الامتداد القانوني، ومن ثم فلا محل لتطبيق أحكام المادة 20 من القانون رقم 136 لسنة 1981 على واقعة النزاع". (الطعن رقم 2046 لسنة 58 قضائية - جلسة 10/6/1996. المصدر: "مجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في تطبيق قوانين الإيجار خلال خمسة وستين عاماً" – للمُستشار/ محمد خيري أبو الليل – الجزء الأول – طبعة 1997 القاهرة – القاعدة رقم 1313/مُكرر – صـ 1402 و 1403).

هذا والله أعلى وأعلم،،،

أشرف رشوان

المحامي بالنقض

ashraf.rashwan@gmail.com

الثلاثاء، 23 يونيو 2009

أسانيد فسخ و إنهاء عقد إيجار أرض زراعية


مذكرة في شأن فسخ عقد إيجار أرض زراعية وإنهائه

الموضوع
بموجب عقد إيجار أطيان زراعية مؤرخ في 1/11/2001 تستأجر المُدعى عليها من المدعي بصفته ما هو: قطعة أرض زراعية مساحتها 9س 11ط --ف كائنة بناحية ميت الليث هاشم مركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، والتابعة لجهة وقف/ الخديوي إسماعيل الخيري، نظير أجرة قدرها 462.70جم (أربعمائة واثنان وستون جنيهاً وسبعون قرشاً) سنوياً، ولمدة سنة واحدة تبدأ من 1/11/2001 وتنتهي في 31/10/2002 ويجدد تلقائياً لمدد مماثلة ما لم يخطر أحد الطرفين الطرف الآخر بعدم رغبته في التجديد أو الاستمرار في العقد قبل نهاية السنة الزراعية بثلاثين يوماً على الأقل (طبقاً للبند الثالث من عقد الإيجار).
وقد أقرت المستأجرة (المُدعى عليها) في البند السادس من عقد إيجار أطيان التداعي بأنها تستأجر مساحة الأطيان موضوع هذا العقد لاستعمالها في الزراعة دون غيرها، وتتعهد بالمحافظة على خصوبتها واستغلالها، وأن تبذل في ذلك العناية اللازمة طبقاً للأصول والأعراف الزراعية، ولا يجوز لها أن تتركها كلها أو بعضها دون زراعة، ولا يجوز لها أن تغرس فيها أشجاراً، ولا أن تقيم فيها مبان من أي نوع بدون تصريح كتابي صريح من الطرف الأول (المؤجر/المدعي بصفته) ودون الاعتداد بأي موافقات أخرى تصدر من أحد تابعيه، ولا يجوز للطرف الثاني (المستأجرة/المدعى عليها) أن تحدث في مساحة الأطيان المؤجرة أي عمل يترتب عليه نقص قيمتها كلياً أو جزئياً كضرب الطوب أو حفر أو ما شابه ذلك ... وتلتزم الطرف الثاني (المستأجرة/المدعي عليها) بأن تتعهد مساحة الأطيان موضوع هذا العقد بالصيانة لتبقى على الحالة التي سلمت بها وأن يقوم بجميع الأعمال الضرورية والتأجيرية من تطهير الترع والمساقي ...الخ".
كما نص البند الحادي عشر من عقد إيجار أطيان التداعي على أنه: "من المتفق عليه صراحة بين الطرفين أنه في حالة مخالفة أي بند من بنود العقد، يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بدون حاجة إلى أي تنبيه أو إنذار أو إعذار أو حكم قضائي أو أي إجراء آخر، وتلتزم الطرف الثاني (المستأجرة/المدعى عليها) بإخلاء مساحة الأطيان موضوع العقد ومشتملاتها فوراً وتسليمها للطرف الأول (المؤجر/المدعي بصفته) أو من ينوب عنه قانوناً، بالحالة التي كانت عليها عند بداية التعاقد. وفي نهاية مدة العقد أو إنهاؤه لأي سبب من الأسباب تلتزم الطرف الثاني (المستأجرة/المدعى عليها) فوراً بتسليم مساحة الأطيان موضوع هذا العقد ومشتملاتها للطرف الأول (المؤجر/المدعي بصفته) أو من ينوب عنه قانوناً بالحالة التي كانت عليها عند بداية العقد بدون أي تنبيه أو إنذار أو إعذار أو حكم قضائي أو أي إجراء آخر. وفي جميع الحالات إذا امتنع الطرف الثاني (المستأجرة/المدعى عليها) عن التسليم، تعتبر متعدية، وتصبح يدها على مساحة الأطيان موضوع هذا العقد يد غاصب، وشاغلاً لها بدون أي سند ويحق للطرف الأول (المؤجر/المدعي بصفته) إزالة هذا التعدي إدارياً ... فضلاً عن أحقية الطرف الأول (المؤجر/المدعي بصفته) في اعتبار مبلغ التأمين حقاً خالصاً له، مع التزام الطرف الثاني (المستأجرة/المدعى عليها) بسداد غرامة متفق عليها تعادل عشرة جنيهات للفدان أو كسوره عن كل يوم يتأخر فيه الطرف الثاني (المستأجرة/المدعى عليها) عن تسليم مساحة الأطيان موضوع هذا العقد للطرف الأول (المؤجر/المدعي بصفته) وذلك بدون تنبيه أو إنذار أو إعذار أو حكم قضائي أو أي إجراء آخر خلاف القيمة الايجارية المستحقة والثابتة بهذا العقد".
وإذ خالفت المدعى عليه بنود عقد الإيجار سند الطلب الماثل بأن قام بتبوير الأطيان الزراعية المؤجرة لها من المدعي بصفته ومن ثم البناء عليها. وعليه قامت الهيئة المدعية بإنذار المدعى عليها رسمياً على يد محضر تنبه عليها فيه بإزالة تلك المُخالفة وبإعادة الحال إلى ما كانت عليه، إلا أن المدعى عليها لم تحرك ساكناً مما حدا بالهيئة المدعية إلى تقديم الطلب الماثل بغية التوصية لها بطلباتها فيه تمهيداً لإقامة دعوى قضائية ضد المدعى عليها في الطلب الماثل، استناداً إلى الأسانيد القانونية التالية:

الدفاع
العقد شريعة المتعاقدين:
لما كان ما تقدم، وكانت الفقرة الأولى من المادة 147 من القانون المدني تنص على أن: "العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين ...".
ومن ثم يُطبق القاضي العقد كما لو كان يُطبق قانوناً، لأن العقد يقوم مقام القانون في تنظيم العلاقة التعاقدية فيما بين المُتعاقدين. بل هو ينسخ القانون فيما يخرج منه عن دائرة النظام العام والآداب، حيث أن الأحكام القانونية التي تخرج عن هذه الدائرة ليست إلا أحكاماً تكميلية أو تفسيرية لإرادة المُتعاقدين، فإذا تولى المُتعاقدان بإرادتهما تنظيم العلاقة فيما بينهما في العقد، كان العقد هو القانون الذي يسري عليهما، وتوارى البديل أمام الأصيل. وهذا هو المعنى الذي قصدت إليه الفقرة الأولى من المادة 147 حين قالت: "العقد شريعة المُتعاقدين". وعليه فلا يجوز نقض العقد ولا تعديله من جهة القاضي، حيث لا يجوز له أن ينقض عقداً صحيحاً أو يُعدله بدعوى أن النقض أو التعديل تقتضيه العدالة، فالعدالة تُكمل إرادة المُتعاقدين ولكن لا تنسخها، ولا يجوز نقض العقد ولا تعديله من جهة أي من المُتعاقدين، فإن العقد وليد إرادتين، وما تعقده إرادتان لا تحله إرادة واحدة. (المرجع: "الوسيط في شرح القانون المدني" – للأستاذ الدكتور/ عبد الرازق أحمد السنهوري – الجزء الأول: مصادر الالتزامات – المُجلد الأول: العقد – الطبعة الثالثة 1981 القاهرة – بند 409 : 412 – ص 842 : 847 وهوامشها).
هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "الأصل القانوني العام حسبما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 147 من القانون المدني من أن العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، مؤداه – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أنه لا يجوز لأحد طرفي التعاقد أن يستقل بمفرده بنقضه أو تعديله كما يمتنع ذلك أيضاً على القاضي". (نقض مدني في الطعن رقم 1402 لسنة 1952 – جلسة 5/11/1986).
ومن المُقرر في قضاء النقض كذلك أن: "العقد قانون المتعاقدين، والخطأ في تطبيق نصوصه خطأ في تطبيق القانون العام يخضع لرقابة محكمة النقض". (نقض مدني في الطعن رقم 55 لسنة 7 قضائية – جلسة 16/12/1937).
وهدياً بما تقدم، فإن المدعى عليها تلتزم بجميع بنود العقد سند الطلب الماثل، وعليها تطبيقه بما يستوجبه حسن النية طبقاً لما نصت عليه المادة 148 من القانون المدني.

إخلال المدعى عليها (المستأجرة) بالتزاماتها التعاقدية:
لما كان ما تقدم، وكانت المادة 579 من القانون المدني تنص على أنه: "يلتزم المستأجر بأن يستعمل العين المؤجرة على النحو المتفق عليه ...".
وكانت المادة المادة 580 مدني تنص على أنه: "لا يجوز للمُستأجر أن يُحدث بالعين المؤجرة تغييراً بدون إذن المؤجر ...".
كما تنص المادة 613 مدني على أنه: "يجب أن يكون استغلال المستأجر للأرض الزراعية موافقاً لمقتضيات الاستغلال المألوف، وعلى المستأجر بوجه خاص أن يعمل على أن تبقى الأرض صالحة للإنتاج. ولا يجوز له دون رضاء المؤجر أن يدخل على الطريقة المتبعة في استغلالها أي تغيير جوهري يمتد أثره إلى ما بعد انقضاء الإيجار".
هذا، ويتحقق الإضرار بالمؤجر، الذي يبيح له إخلاء المستأجر للتغيير في العين المؤجرة، بالإخلال بإحدى مصالحه التي يحميها القانون، مادية كانت أو أدبية، حالاً هذا الإخلال أو مُستقبلاً. كما يقوم هذا الإضرار كذلك بتهديد أي من هذه المصالح تهديداً جدياً، إذ في هذا تعريض لها لخطر المساس بها مما يعتبر بذاته إخلالاً بحق صاحب المصلحة في الاطمئنان إلى فرصته في الانتفاع الكامل بها بغير انتقاص، وهو ما يشكل إضراراً واقعاً به. (نقض مدني في الطعن رقم 1808 لسنة 50 قضائية – جلسة 3/6/1987 – السنة 38 – جـ 2 – صـ 759. ونقض مدني في الطعن رقم 633 لسنة 46 قضائية – جلسة 17/5/1980 – السنة 31 – جـ 2 – صـ 1393).
وطبقاً للقواعد العامة، إذا أخل المستأجر بالتزامه بعدم التغيير في كيان العين المؤجرة، جاز للمؤجر في هذه الحالة، المطالبة بفسخ عقد الإيجار مع التعويض. وللقاضي في شأنه سلطة تقديرية ما لم يكن هناك "شرط فاسخ صريح" منصوص عليه في عقد الإيجار في حالة مخالفة المستأجر لالتزامه بعدم إجراء تعديلات في كيان العين المؤجرة – كما هو الحال في حالة طلبنا الماثل – فإن هذا الشرط، عند تحققه، يسلب القاضي كل سلطة تقديرية له في صدد الفسخ ولا يبقى له سوى التحقق من وقوع المخالفة التي بنى عليها هذا الشرط. كما أن إزالة المخالفة بعد تحقق الشرط لا تعيد للعقد وجوده. (نقض مدني في الطعن رقم 1178 لسنة 55 قضائية – جلسة 18/3/1990. ونقض مدني في الطعن رقم 619 لسنة 57 قضائية – جلسة 6/5/1992).
لما كان ما تقدم، وكان عقد الإيجار سند الدعوى الماثلة قد تضمن حظراً على المستأجرة (المدعى عليها) بالبناء على الأرض الزراعية المؤجرة له، حيث نص البند الخامس منه على إقرار من المستأجرة (المُدعى عليها) بأنها إنما تستأجرها لاستعمالها في غرض الزراعة دون غيرها وتتعهد بالمُحافظة على خصوبتها واستغلالها، وأن تبذل في ذلك العناية اللازمة طبقاً للأصول والأعراف الزراعية ولا يجوز لها أن تتركها كلها أو بعضها دون زراعة، ولا يجوز لها أن تغرس فيها أشجاراً ولا أن تُقيم فيها مبان من أي نوع بدون تصريح كتابي صريح من (الطرف الأول/المؤجر/المدعي بصفته) ولا أن تحدث فيها أي عمل يترتب عليه نقص في كميتها ...".
إلا أن المستأجرة، رغم كل ذلك، قام بتبوير والبناء على الأرض المؤجرة له كأطيان زراعية وتعهدت بالحفاظ على خصوبتها وبعدم البناء عليها، وبالمخالفة لشروط وبنود عقد الإيجار سند الطلب الماثل، وبذلك يتحقق الشرط الفاسخ الصريح المنصوص عليه في البند الحادي عشر من ذلك العقد.
هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فلما كان من المُستقر عليه قانوناً أن: "النص في المادة 558 مدني على أن الإيجار عقد يلتزم المُؤجر بمُقتضاه أن يُمكن المُستأجر من الانتفاع بشيء مُعين مُدة مُعينة لقاء أجر معلوم، مفاده أن الأُجرة التي يلتزم بها المُستأجر مُقابل انتفاعه بالمُؤجر مُدة مُعينة هي ركن جوهري في عقد الإيجار لا قيام له بدونها". (نقض مدني في الطعن رقم 1722 لسنة 58 قضائية – جلسة 18/4/1993. ونقض مدني في الطعن رقم 4935 لسنة 61 قضائية – جلسة 12/7/1995).
ولما كانت المادة 586/1 مدني تنص على أنه: "يجب على المُستأجر أن يقوم بوفاء الأجرة في المواعيد المُتفق عليها ...".
وحيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "الأُجرة تُستحق متى كان المُؤجر قد قام من جانبه بتنفيذ عقد الإيجار، ويُعتبر أن العقد قد تم تنفيذه بالتخلية بين المُستأجر والعين المُؤجرة بحيث يتمكن من وضع يده عليها والانتفاع بها في المُدة المُتفق عليها". (نقض مدني في الطعن رقم 16 لسنة 20 قضائية – جلسة 2/3/1953).
كما أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "المُستأجر هو المُكلف بتقديم الدليل على سداده كامل الأُجرة المُستحقة في ذمته، ولا يسوغ قلب عبء الإثبات". (نقض مدني في 28 فبراير 1979 مجموعة أحكام النقض س30 رقم 123 صـ 656).
لما كان ما تقدم، وكانت المعروض ضدها قد تسلمت بالفعل الأطيان المُؤجرة لها في في تاريخ سريان هذا العقد ومن ثم فهي ملزمة قانوناً بسداد الأُجرة المُتفق عليها في عقد الإيجار، وإذ هي قد امتنعت دون مسوغ قانوني عن الوفاء بهذا الالتزام حيث توقفت عن سداد أُجرة العين المُؤجرة بدون مسوغ قانوني، فإنها والحال كذلك تكون مُخلة بالتزامها التعاقدي المنصوص عليه في عقد الإيجار سالف الذكر، حتى بلغت قيمة المتأخرات المنوه عنها مبلغاً وقدره 330.81جم حتى 31/10/2006 مع ما يُستجد من أجرة حتى تاريخ السداد الفعلي رضاءاً أو قضاءاً.

تحقق الشرط الفاسخ الصريح المنصوص عليه في عقد الإيجار:
لما كان ما تقدم، وكان القانون المدني ينص في مادته رقم 158 على أنه: "يجوز الاتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه، وهذا الاتفاق لا يعفي من الإعذار، إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء منه".
ولما كان من المستقر عليه قانوناً أن: "الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم أو إنذار؛ هو أقصى ما يصل إليه اشتراط الفسخ من قوة. وفي هذه الحالة يكون العقد مفسوخاً بمُجرد حلول ميعاد التنفيذ وعدم قيام المدين به دون حاجة إلى إعذار المدين، ولا إلى حكم بالفسخ إلا ليقرر إعمال الشرط الفاسخ الصريح، ويكون إذن مُقرراً للفسخ لا مُنشئاً له. (المرجع: "الوسيط في شرح القانون المدني" – للدكتور/ عبد الرزاق أحمد السنهوري – الجزء الأول "نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام" – المجلد الأول "العقد" – الطبعة الثالثة 1981 القاهرة – بند 485 – ص 991 : 996 وهوامشها).
ومن المُقرر أنه إذا أتفق المُتعاقدان في عقد الإيجار على أن العقد يُصبح مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى الحكم القضائي إذا تأخر المُستأجر في الوفاء بالأُجرة أو أحد أقساطها فهذا الاتفاق يقع صحيحاً (المادة 158) ويسلب القاضي سلطته التقديرية في الفسخ وتنحصر سلطته في التحقق من حصول التأخير في الوفاء بالأجرة أو أحد أقساطها ويكون حكم القاضي بالفسخ مُقرراً للفسخ وليس مُنشئاً له وأن الفسخ يقع بمُجرد التأخير في الوفاء. (المصدر: "موسوعة الفقه والقضاء في أحكام عقد الإيجار في التقنين المدني الجديد" للمُستشار/ محمد عزمي البكري – الطبعة الأولى 1994 القاهرة – صـ 690).
وبتطبيق كل تلك القواعد القانونية على وقائع الدعوى الماثلة نجد أن المدعى عليها (المستأجرة) قد خالفت الحظر المفروض عليها بموجب عقد الإيجار سند الطلب الماثل بأن قامت بالبناء على الأرض الزراعية المؤجرة لها من المدعي بصفته، وبتلك المخالفة يتحقق الشرط الفاسخ الصريح المنصوص عليه في البند الحادي عشر من ذلك العقد، وبذلك يحق للمدعي بصفته اعتبار عقد الإيجار مفسوخاً من تلقاء نفسه بدون حاجة إلى صدور حكم بذلك وفي حالة صدور حكم من القضاء بذلك فيكون هذا الحكم مقرر وليس منشئاً، كما أنه ليس للقضاء سلطة تقديرية في إنهاء العقد في حالة الاتفاق على الشرط الفاسخ الصريح على نحو ما سلف بيانه.

الأثر المترتب على الفسخ:
تنص المادة 160 من القانون المدني على أنه: "إذا فُسِخَ العقد أُعيدَ المُتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فإذا استحال ذلك جاز الحكم بالتعويض".
ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "النص في المادة 160 من القانون المدني يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أنه يترتب على فسخ عقد البيع انحلال العقد بأثر رجعى منذ نشوئه". (نقض مدني في الطعن رقم 1458 لسنة 49 قضائية – جلسة 8/3/1983 مجموعة المكتب الفني – السنة 34 – صـ 652).
وكذلك من المُقرر في قضاء النقض أنه: "يترتب على الإنفساخ ما يترتب على الفسخ من عودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد". (نقض مدني في الطعن رقم 182 لسنة 34 قضائية – جلسة 26/12/1968 مجموعة المكتب الفني – السنة 19 – صـ 1565).
وأيضاً من المُقرر في قضاء النقض أنه: "في حالة القضاء بالفسخ تترتب الآثار التي نصت عليها المادة 160 من القانون المدني وهى أن يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد فيرد كل منهما ما تسلمه بمقتضى العقد بعد أن تم فسخه". (نقض مدني في الطعن رقم 193 لسنة 34 قضائية – جلسة 15/8/1967 مجموعة المكتب الفني – السنة 18 – صـ 1500).
ولما كان الإخلاء من مقتضيات الفسخ، حيث أنه من المُقرر في قضاء محكمة النقض أن: "الدعوى التى يقيمها المؤجر بفسخ عقد الإيجار - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هى دعوى بإخلاء العين المؤجرة ويعتبر طلب الإخلاء مندمجاً فى طلب الفسخ وأثر حتمى للقضاء به". (نقض مدني في الطعن رقم 190 لسنة 56 قضائية – جلسة 25/7/1990 مجموعة المكتب الفني – السنة 41 – صـ 478).
لما كان ما تقدم، وكان الإخلاء من مقتضيات الحكم بالفسخ، وكان التسليم من مقتضيات الإخلاء، ومن ثم يتعين مع القضاء بالفسخ والإخلاء إلزام المُعلن إليها بتسليم أطيان التداعي إلى المدعي بصفته.

المطالبة بغرامات التأخير:
لما كان ما تقدم، وكان من المُقرر في قضاء محكمة النقض المصرية أن: "الغرامات التي ينص عليها في العقود الإدارية – على ما جرى به قضاء محكمة النقض – تختلف في طبيعتها عن الشرط الجزائي في العقود المدنية، لأنها جزاء قصد به ضمان وفاء المتعاقد مع الإدارة بالتزامه بحسن سير المرفق بانتظام واطراد، وفي سبيل تحقيق هذه الغاية يحق للإدارة أن توقع الغرامة المنصوص عليها في العقد بمجرد وقوع المخالفة التي تقررت الغرامة جزاء لها، كما أن للإدارة أن تستنزل قيمة هذه الغرامة مما يكون مستحقاً في ذمتها للمتعاقد دون أن يتوقف ذلك على ثبوت وقوع ضرر للإدارة من جراء إخلال المتعاقد معها بالتزامه، ولا يجوز للطرف الآخر أن ينازع في استحقاقها للغرامة بحجة انتفاء الضرر أو المبالغة في تقدير الغرامة إلا إذا أثبت أن الضرر راجع إلى قوة قاهرة أو إلى فعل الإدارة المتعاقد معها". (نقض مدني في الطعن رقم 471 لسنة 30 قضائية – جلسة 26/10/1965 مجموعة المكتب الفني – السنة 16 – صـ 922).
فالغرامات المنصوص عليها في العقود الإدارية تختلف عن الشرط الجزائي في أن القانون جعل من وقوع المخالفة التي تقررت الغرامة جزاء لها، قرينة قانونية لا تقبل إثبات العكس على حدوث ضرر للجهة الإدارية، وأن هذا الضرر المفترض لا يقل عن قيمة الغرامة المقررة، وبالتالي لا يجوز للمتعاقد مع الإدارة أن ينازع في هذه القرينة القانونية، فلا هو يستطيع أن يزعم عدم استحقاق الغرامة بحجة انتفاء الضرر، ولا هو يستطيع المجادلة بأن الضرر الواقع أقل من قيمة الغرامة وأن تلك الغرامة قد تمت المبالغة في تقدير قيمتها. كما أن للإدارة في حالة ما إذا كان الضرر الذي أصابها أكبر من قيمة الغرامة المقررة، ولم تستطع الحصول على مستحقاتها بالطرق الإدارية، أن تلجأ للقضاء للمطالبة باستكمال قيمة التعويض المستحق لها عما أصابها من أضرار بسبب المخالفة التي ارتكبها المتعاقد معها.
وللجهة الإدارية في حالة وقوع المخالفة التي تقررت الغرامة جزاء لها، أن توقع الغرامة بمجرد وقوع المخالفة وبدون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو اتخاذ أي إجراء آخر؛ فالإدارة توقع الجزاء بنفسها مباشرة دون اللجوء إلى القضاء. (المادة 23 من القانون رقم 89 لسنة 1998 بشأن المُناقصات والمزايدات المصري، وكذلك المادة 83 من اللائحة التنفيذية لقانون المناقصات والمزايدات الصادرة بقرار وزير المالية رقم 1367 لسنة 1998).
وقد قضت المحكمة الإدارية العليا بأنه: "ومن حيث أنه بالنسبة لغرامة التأخير فإنه طبقاً لما أستقر عليه قضاء هذه المحكمة فإن غرامات التأخير في العقود الإدارية تختلف عن الشرط الجزائي في العقود المدنية، وذلك أن الشرط الجزائي في العقود المدنية هو تعويض متفق عليه مُقدماً يستحق في حالة إخلال أحد المتعاقدين بالتزامه فيشترط فيه ما يشترط لاستحقاق التعويض بوجه عام من وجوب حصول ضرر للمتعاقد الآخر وإعذار للطرف المقصر وصدور حكم به وللقضاء أن يحققه إن ثبت أنه لا يتناسب والضرر الذي لحق بالمتعاقد، بينما الحكمة في الغرامات التي ينص عليها في العقود الإدارية هي ضمان تنفيذ هذه العقود في المواعيد المتفق عليها حرصاً على حسن سير المرافق العامة بانتظام واضطراد، وقد نصت لائحة المناقصات والمزايدات على حق الإدارة في توقيعها بمجرد حصول التأخير ولو لم يترتب عليه ضرر ودون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو اتخاذ أية إجراءات قضائية أخرى، ومن ثم فالجهة الإدارية توقعها بنفسها دون حاجة إلى حكم بها إذا أخل المتعاقد بالتزامه قبلها ولا يقبل منه إثبات عدم حصول ضرر لها من تأخيره في تنفيذ التزامه فاقتضاء الغرامة منوط بتقديرها باعتبارها القوامة على حسن سير المرافق العامة". (الطعن رقم 1130 لسنة 33 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 20/4/1993. والطعن رقم 61 لسنة 2 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 21/9/1960. والطعن رقم 94 لسنة 9 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 11/12/1965).
وبتطبيق ذلك على وقائع الدعوى الماثلة، ولما كان عقد الإيجار سند الدعوى الماثلة قد نص في البند الحادي عشر من عقد إيجار أطيان التداعي على أنه: "... وفي جميع الحالات، إذا امتنع (الطرف الثاني/المستأجر/المدعى عليه) عن التسليم، يعتبر متعدياً، وتصبح يده على مساحة الأطيان موضوع هذا العقد يد غاصب، وشاغلاً لها بدون أي سند، ويحق (للطرف الأول/المؤجر/المدعي بصفته) إزالة هذا التعدي إدراياً ... فضلاً عن أحقية (الطرف الأول/المؤجر/المدعي بصفته) في اعتبار مبلغ التأمين حقاً خالصاً له، مع التزام (الطرف الثاني/المستأجر/المدعى عليه) بسداد غرامة متفق عليها تعادل (عشرة جنيهات للفدان الواحد – وتعد كسور الفدان فداناً) عن كل يوم يتأخر فيه (الطرف الثاني/المستأجر/المدعى عليه) عن تسليم مساحة الأطيان موضوع هذا العقد (للطرف الأول/المؤجر/المدعي بصفته) وذلك بدون تنبيه أو إعذار أو حكم قضائي أو أي إجراء آخر خلاف القيمة الايجارية المستحقة والثابتة بهذا العقد ... وفي جميع الأحوال، يلتزم (الطرف الثاني/المستأجر/المدعى عليه) بالتعويضات ومقابل الانتفاع نتيجة أي مخالفة لشروط العقد ...". ولما كانت الحكمة من النص على تلك الغرامة هي ضمان تنفيذ العقد سند الدعوى الماثة في المواعيد المتفق عليها ومن ثم فيحق للإدارة توقيعها بمجرد حصول التأخير ولو لم يترتب عليه ضرر ودون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو اتخاذ أية إجراءات قضائية أخرى، وعليه تكون الدعوى الماثلة قد جاءت على سند صحيح من القانون خليقة بالقبول وإجابة الهيئة إلى طلباتها الختامية التالية..

تملك المباني بالالتصاق:
لما كان ما تقدم، وكانت المادة 924 من القانون المدني تنصُ على أنه: "إذا أقام شخص بمواد من عنده مُنشآت على أرض يعلم أنها مملوكة لغيره دون رضاء صاحب الأرض، كان لهذا أن ... يطلب استبقاء المُنشآت مُقابل دفع قيمتها مُستحقة الإزالة أو دفع مبلغ يساوي ما زاد في ثمن الأرض بسبب هذه المُنشآت".
ومُؤدى هذا النص أنه إذا أقام شخص بمواد من عنده مُنشآت على أرض مملوكة للغير فإن هذه المُنشآت تُصبح بحكم الالتصاق ملكاً لصاحب الأرض، فإذا تملك صاحب الأرض هذه المُنشآت وجب عليه أن يدفع لمن أقامها تعويضاً.. ويُفرق القانون، فيما يتعلق بالتعويض الذي يجب على صاحب الأرض أن يدفعه، بين حالتين: حالة من يُقيم المُنشآت بسوء نية وحالة من يُقيمها بحُسن نية؛ ويُعتبر من أقام المُنشآت سيئ النية إذا أقامها وهو يعلم أن الأرض مملوكة لغيره ودون رضا صاحب الأرض،ويُعتبر حسن النية إذا كان يعتقد أنه مالك للأرض أو أن له الحق في إقامة المُنشآت. والعبرة في تقدير ما إذا كان من أقام المُنشآت سيئ النية أو حسن النية هي بوقت إقامة المُنشآت بحيث لا يهم أن تتغير النية بعد ذلك فلو أن حائزاً لأرض بحُسن نية وبسبب صحيح أقام عليها مُنشآت ثم تبين له بعد تمام الإنشاء أن سنده صادر من غير مالك فإنه يُعتبر مع ذلك حسن النية لأنه كان كذلك وقت إقامة المُنشآت.
فالقانون يُعامل من قام بإنشاء مبنى بمواد من عنده على أرض يعلم أنها مملوكة لغيره ودون رضا صاحب الأرض بأنه سيئ النية وهنا يُجيز لصاحب الأرض في هذه الحالة أن يطلب استبقاء المُنشآت، فإذا طلب ذلك، فإنه يتملك المُنشآت بالالتصاق ولكن مع أنه يلزم بأن يدفع لحساب من أقام المُنشآت قيمة المُنشآت مُستحقة الإزالة (أي قيمتها أنقاضاً) أو قيمة ما زاد في ثمن الأرض بسبب هذه المُنشآت (أيهما أقل).
هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "مفاد نص المادتين 924 و 925 من القانون المدني أنه إذا كان صاحب الأدوات هو الباني في أرض غيره فيجب التفريق بين ما إذا كان سيئ النية أو حسن النية، فإذا كان سيئ النية أي يعلم أن الأرض ليست مملوكة له وبنى دون رضاء صاحب الأرض كان لهذا أن يطلب الإزالة على نفقة الباني وإعادة الشيء إلى أصله مع التعويض إن كان له محل وذلك في ميعاد سنة من اليوم الذي يعلم فيه بإقامة المُنشآت. فإذا مضت سنة أو إذا لم تُجر الإزالة تملك صاحب الأرض المُنشآت بالالتصاق ودفع أقل القيمتين: قيمة البناء مُستحِقاً الإزالة (أي كأنقاض) أو ما زاد في ثمن الأرض بسبب البناء. أما إذا كان حسن النية بأن كان يعتقد أن الأرض مملوكة له فلا يجوز لصاحب الأرض طلب الإزالة". (نقض مدني في الطعن رقم 374 لسنة 34 قضائية - جلسة 11/6/1968 السنة 19 صـ 1155).
كما أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "مالك الشيء الأصلي هو الذي يملك الشيء التابع، فملكية الأرض يستتبعها ملكية ما يُقام على هذه الأرض من مبان بحكم الالتصاق، وبالتالي فإن ملكية البناء تطبيقاً لقواعد الالتصاق لا تؤول إلا لمن يملك الأرض المُقام عليها، وهذا الأمر هو ما أفصحت عنه المواد 923 ، 924 ، 925 من القانون المدني من النص بلفظ صريح على أن ما يقوم من بناء يكون لصاحب الأرض حتى لو تم ذلك برضائه وموافقته أو كان ترخيص البناء باسم من أقامه، وأن حُسن نية الباني في أرض لا يملكها ليس له من أثر في تملك البناء أو الأرض التي أُقيم عليها، وإنما ينحصر أثره في منع صاحب الأرض من طلب الإزالة تطبيقاً للمادة 924 من القانون المدني". (نقض مدني في الطعن رقم 2066 لسنة 53 قضائية – جلسة 20/5/1987).
لما كان ما تقدم، وكان المدعي بصفته هو المالك والمؤجر لأطيان التداعي، فإنه يكون قد تملك البناء الذي أقامته المُدعى عليها بمواد من عندها على تلك الأطيان، وذلك بحُكم الالتصاق تطبيقاً لنص المادة 924 من القانون المدني وأحكام محكمة النقض سالفة الذكر.

في خصوص طلب إنهاء عقد الإيجار:
وفضلاً عما تقدم، فإنه لما كانت المادة 563/1 من القانون المدني تنص على أنه: "إذا عُقِدَ الإيجار دون اتفاق على مُدة أو عُقِدَ لمُدة غير مُعينة أو تعذر إثبات المُدة المُدعاة، أعتُبِرَ الإيجار مُنعقداً للفترة المُعينة لدفع الأجرة وينتهي بانقضاء هذه الفترة بناء على طلب أحد المُتعاقدين إذا هو نبه على المُتعاقد الآخر بالإخلاء في المواعيد الآتي بيانها: أ- في الأراضي الزراعية والأراضي البور إذا كانت المُدة المعينة لدفع الأجرة ستة أشهر أو أكثر، يكون التنبيه قبل انتهائها بثلاثة أشهر، فإذا كانت المُدة أقل من ذلك، وجب التنبيه قبل نصفها الأخير كل هذا مع مراعاة حق المُستأجر في المحصول وفقاً للعرف".
فإذا عُقِدَ الإيجار دون اتفاق على مُدة مُعينة أو عُقِدَ لمُدة غير مُعينة أو تعذر إثبات المُدة المُدعاة، اعتُبِرَ الإيجار مُنعقداً للفترة المُعينة لدفع الأُجرة، واعتُبِرَت هذه الفترة قابلة للامتداد لفترات أخرى مُتعاقبة إلى أن يُنبه أحد المُتعاقدين على الآخر في ميعاد مُعين قبل انقضاء هذه الفترة.
ومعنى ذلك عملاً أن الإيجار المعقود دون اتفاق على مُدته أو المعقود لمدة غير مُعينة تكون مُدته لا حد لها ولكنها مُقسمة إلى فترات، مُدة كل منها هي المُدة المُحددة لدفع الأجرة، ويجوز إنهاؤه عند انقضاء أي فترة من هذه الفترات بتنبيه يوجهه أحد العاقدين بذلك إلى الآخر في ميعاد معين، دون حاجة به إلى إبداء الأسباب التي تحمله على طلب إنهاء العقد.
ويُعتبر التنبيه عملاً قانونياً لأنه إرادة تتجه إلى إنهاء عقد الإيجار، وهو عمل قانوني يصدر من جانب واحد لأنه تكفي فيه إرادة واحدة أي لا يحتاج فيه إلى قبول الطرف الآخر. فهو يتم بمُجرد إعلان أحد الطرفين إلى الآخر رغبته في إنهاء الإيجار وبلوغه إلى علم الطرف الآخر سواء قبل ذلك الطرف إنهاء العقد أو لم يقبله. ويترتب عليه بمُجرد تمامه أي بمُجرد إعلانه إلى الطرف الآخر إنهاء العقد دون توقف على إرادة من وجه إليه التنبيه. (المرجع: "الوافي في شرح القانون المدني" – للدكتور/ سليمان مرقس – الجزء الثالث: "في العقود المُسماة" – المُجلد الثاني: "عقد الإيجار" – الطبعة الرابعة 1993 القاهرة - بند 262 ، 263 – صـ 682 : 685).
هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "النص في المادتين 558 ، 563 من القانون المدني يدل على أن المشرع أستلزم توقيت الإيجار واعتبر المدة ركناً فيه وأنه كلما تعذر معرفة الوقت الذي جعله المتعاقدان ميقاتا ينتهي إليه العقد بأن لم تحدد له مدة ينتهي بانتهائها أو عقد لمدة غير معينة بحيث لا يمكن معرفة التاريخ الذي ينتهي إليه على وجه التحديد أو ربط انتهاء بأمر مستقبل غير محقق الوقوع أو استحال معرفة التاريخ الذي قصده المتعاقدان أن يستمر إليه ففي هذه الحالات لا يمكن معرفة مدة العقد، وحلا لما يمكن أن ينشأ عن ذلك من منازعات تدخل المشرع بالنص على اعتبار العقد منعقدا لفترة المحددة لدفع الأجرة ولم يقف المشرع عند حد تعيين المدة على هذا النحو بل رخص لكل من طرفيه ـ المؤجر والمستأجر ـ الحق في إنهاء العقد إذا نبه أحدهما على الآخر بالإخلاء في الميعاد القانوني المبين في المادة 563 سالفة البيان". (نقض مدني في الطعن رقم 1653 لسنة 57 قضائية – جلسة 25/2/1993 مجموعة المكتب الفني – السنة 44 – صـ 750).
ومن المُقرر في قضاء النقض كذلك أن: "التنبيه بالإخلاء هو تصرف قانوني صادر من جانب واحد يتضمن رغبة صاحبه استنادا إلى إرادته في انتهاء الإيجار ويتحقق أثره بمجرد أن يعلن عن هذه الإرادة في انتهاء العقد إلى المتعاقد الآخر فتنحل تبعاً لذلك الرابطة العقدية التي كانت قائمة بينهما بعد فترة معينة، وكانت مواعيد التنبيه بالإخلاء كما أوردتها المادة 563 من القانون المدني ليست من النظام العام فيجوز الاتفاق على خلافها في عقد الإيجار، وكان تحديد هذه المدة مقرراً لمصلحة الطرف الموجه إليه التنبيه حتى لا يفاجأ بما لم يكن في حسبانه قبل أن يتهيأ لمواجهة ما يترتب على ذلك من وضع جديد فإن عدم التزام المؤجر بالمهلة المتفق عليها في العقد للتنبيه بالإخلاء يترتب عليه ألا ينتج هذا التنبيه أثره ويتجدد العقد". (نقض مدني في الطعن رقم 735 لسنة 54 قضائية، جلسة 29/1/1989 – مجموعة المكتب الفني – السنة 40 – صـ 329 - الفقرة رقم 2).
لما كان ذلك، وكان المُستأجر مُلزم بأن يرد العين المُؤجرة إلى المُؤجر عند انتهاء مُدة الإيجار بالحالة التي تسلمها عليها طبقاً للمادة 591/1 والتي تنص على أنه: "على المُستأجر أن يرد العين المُؤجرة بالحالة التي تسلمها عليها ...".
وبتطبيق كل القواعد القانونية سالفة الذكر على واقعات النزاع الراهن يتضح جلياً أن عقد إيجار عين التداعي هو عقد إيجار أرض زراعية يخضع لأحكام القانون المدني وحده دون غيره، وقد أنذر المدعي بصفته المدعى عليه بعدم رغبته في تجديد العقد ورغبته في إنهائه لذا فإن بقاء المدعى عليه في عين التداعي من بعد يكون بغير سند من القانون وبالتالي غصباً لتلك العين.
لا سيما أن عقد الإيجار سند الدعوى الماثلة بعد أن حدد مدة العقد نص على أن يجدد تلقائياً لمدة مماثلة ما لم يخطر أحد الطرفين الطرف الآخر بعدم رغبته في التجديد أو الاستمرار في العقد قبل نهاية السنة الزراعية بثلاثين يوماً على الأقل.

الطلبات
لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة اللجنة من أسباب أصوب وأرشد، تلتمس هيئة الأوقاف المصرية التوصية لها في الطلب الماثل بما يلي:

بصفة أصلية:
- بفسخ عقد إيجار أطيان التداعي الساري اعتباراً من 1/11/2001 المبرم بين المدعي بصفته كمؤجر والمدعى عليها كمستأجرة والمتضمن تأجير مساحة 9س 11ط --ف كائنة بناحية ميت الليث هاشم مركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، والتابعة لجهة وقف/ الخديوي إسماعيل الخيري والمبينة الحدود والمعالم بصدر هذا الطلب وبعقد الإيجار.
- مع إلزام المدعى عليها بإخلاء أطيان التداعي.
- مع إلزام المُدعى عليها بتسليم أطيان التداعي إلى المدعي بصفته.
- مع إلزام المدعى عليها بسداد مبلغ 330.81جم قيمة الإيجار المتأخر عليه حتى 31/10/2006 مع ما يُستجد من أجرة حتى تاريخ السداد الفعلي رضاءاً أو قضاءاً.
- مع إلزام المدعى عليها بسداد مبلغ عشرة جنيهات عن كل يوم تأخير عن الإخلاء والتسليم من تاريخ إنذاره بالإنهاء وحتى تمام الإخلاء والتسليم للطالب بصفته طبقاً لبنود العقد.
- مع إثبات تملك المدعي بصفته للمباني التي أقامتها المُدعى عليها على أطيان التداعي بالالتصاق حسب قيمتها مُستحقة الإزالة (أي كأنقاض فقط) طبقاً لنص المادة 924 من القانون المدني.

وبصفة احتياطية:
- بإنهاء عقد إيجار أطيان التداعي الساري اعتباراً من 1/11/2001 المبرم بين المدعي بصفته كمؤجر والمدعى عليها كمستأجرة والمتضمن تأجير مساحة 9س 11ط --ف كائنة بناحية ميت الليث هاشم مركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، والتابعة لجهة وقف/ الخديوي إسماعيل الخيري والمبينة الحدود والمعالم بصدر هذا الطلب وبعقد الإيجار.
- مع إلزام المدعى عليها بإخلاء أطيان التداعي.
- مع إلزام المُدعى عليها بتسليم أطيان التداعي إلى المدعي بصفته.
- مع إلزام المدعى عليها بسداد مبلغ 330.81جم قيمة الإيجار المتأخر عليه حتى 31/10/2006 مع ما يُستجد من أجرة حتى تاريخ السداد الفعلي رضاءاً أو قضاءاً.
- مع إلزام المدعى عليها بسداد مبلغ عشرة جنيهات عن كل يوم تأخير عن الإخلاء والتسليم من تاريخ إنذاره بالإنهاء وحتى تمام الإخلاء والتسليم للطالب بصفته طبقاً لبنود العقد.
- مع إثبات تملك المدعي بصفته للمباني التي أقامتها المُدعى عليها على أطيان التداعي بالالتصاق حسب قيمتها مُستحقة الإزالة (أي كأنقاض فقط) طبقاً لنص المادة 924 من القانون المدني.

مع حفظ كافة حقوق الأوقاف الأخرى أياً كانت،،،

هذا، والله أعلى وأعلم،،،
أشرف رشوان
المحامي بالنقض
ashraf.rashwan@gmail.com


الخميس، 18 يونيو 2009

مذكرة دفاع في جنحة مباشرة مقامة ضد موظفي الهيئة

هيئة الأوقاف المصرية
منطقة أوقاف سوهاج
الشئون القانونية
محكمة سوهاج الجزئية
دائرة الجنح
مذكرة
بدفاع/ رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية (بصفته مسئول عن الحقوق المدنية)
ضد
السيدة/ رجاء فهمي عبد القادر طايع. (مدعية بالحق المدني)
في الجنحة رقم .................................... لسنة 2007 جنح سوهاج (قسم أول)، والمحدد لنظرها جلسة يوم السبت الموافق 14/7/2007م للمرافعة.
أولاً- الوقائع
تخلص وقائع الدعوى الماثلة في أن المدعية بالحق المدني قد قام بتحريك الدعوى الجنائية بطريق الإدعاء المباشر ضد المتهمين، بموجب صحيفة موقعة من محام، أودعت قلم كتاب المحكمة، وأعلنت قانوناً، طلب في ختامها الحكم بمعاقبة المتهمين وفقاً لنص المادة 123 عقوبات لأنهما بتاريخ 26/3/2007 بدائرة قسم أول سوهاج امتنعا عن تنفيذ الأمر الصادر من مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية والمقيد تحت رقم 196 لسنة 2005 في تاريخ 23/1/2005، بأن رفضا تحرير عقود تمليك عدد خمس وحدات بالبرج رقم 4 بحي الكوثر والتابع لهيئة الأوقاف المصرية بسوهاج رغم إنذارهما واختصاصهما بذلك، مع إلزامهما بدفع مبلغ 2001جم (ألفا وواحد جنيه) على سبيل التعويض المؤقت للطالبة وتحميلهما المصروفات والأتعاب.
وقالت المدعية بالحق المدني شرحاً لدعواها الماثلة أن مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية كان قد أصدر قراره الرقيم 196 لسنة 2005 بتاريخ 3/1/2005 والذي نص على: "الموافقة على ما جاء بالمذكرة المعروضة على المجلس من الإدارة العامة للإسكان والتشييد بشأن طلب جمعية مستثمري سوهاج بتخصيص البرج رقم 4 بحي الكوثر بسوهاج بمقدم ثمن 15% على أن يسدد الباقي بريع 7% لمدة 20 عاماً".
وحيث أنه نفاذاً لذلك "الأمر الصادر من الحكومة" تقدمت المدعية بالحق المدني بطلب إلى جمعية المستثمرين بحي الكوثر بصفتها صاحبة مصنع يوباكو بحي الكوثر بسوهاج للتعاقد على عدد خمس وحدات بالبرج رقم 4 الخاص بأعضاء جمعية المستثمرين، وقامت بسداد نسبة 15% التي اشترطتها الهيئة حسب المستندات التي تم الدفع على أساسها، وحيث أنها طالبت مدير عام منطقة أوقاف سوهاج بتحرير العقود الخاصة بهذه الوحدات بعد سداد المبالغ المطلوبة إلا أنه أمتنع دون وجه حق – على حد زعمها – مما حدا بها إلى التقدم بشكوى إلى قسم شرطة أول سوهاج ضد المتهمين وقيدت الشكوى تحت رقم 1416 لسنة 2007 إداري قسم أول سوهاج. وحيث أن المدعية بالحق المدني قد أنذرت المتهمين بتحرير العقود في مدة أقصاها ثمانية أيام إلا أنهما لم يحركا ساكناً – على حد زعمها – مما حدا بها إلى إقامة الدعوى الماثلة بغية القضاء لها بطلباتها سالفة الذكر، تأسيساً على أن المقصود بالأوامر الصادرة من الحكومة التي يقصدها نص المادة 123 من قانون العقوبات هي القرارات الإدارية. ومن ثم تم تحديد جلسة اليوم لنظر الدعوى.
ثانياً- الدفاع
أولاً- نطلب قبول تدخل رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية بصفته المسئول عن الحقوق المدنية في الدعوى الجنائية القائمـة:
حيث تنص المادة 254 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: "للمسئول عن الحقوق المدنية أن يدخل من تلقاء نفسه في الدعوى الجنائية في أية حالة كانت عليها".
ومؤدى هذا النص أنه يجوز للمسئول المدني أن يدخل في الدعوى الجنائية لو لم تكن ثمة دعوى مدنية قائمة. وعلة ذلك أن الحكم الذي يصدر في الدعوى الجنائية سوف ينصرف أثره إليه حتماً عند مطالبته بالتعويض في دعوى مدنية تُقام ضده فيما بعد، فأجاز له القانون دخوله للدفاع عن المُتهم وعن نفسه بطريق غير مُباشر. (نقض 6 مارس سنة 1956 مجموعة أحكام النقض س 7 رقم 88 صـ 288). وللمسئول مدنياً أن يتدخل في الدعوى الجنائية، في أية حالة كانت عليها، ولو لأول مرة أمام محكمة النقض. (المرجع: "شرح قانون الإجراءات الجنائية" - للدكتور العميد/ محمود نجيب حُسني - الطبعة الثانية 1987 القاهرة - بند 293 صـ 269 و 270 وهوامشهما).
ونظراً لأن المسئول عن الحقوق المدنية يُضار من الحكم على المُتهم بالإدانة حتى ولو لم يكن هناك ادعاء مدني من قِبل المضرور، فقد أباح له القانون أن يتدخل في الدعوى الجنائية، وقد نصت على ذلك المادة 254 من قانون الإجراءات الجنائية، حيث أن للمسئول عن الحقوق المدنية مصلحة مُحققة في هذا التدخل، ذلك أنه لو صدر حكم بالإدانة فإن هذا الحكم تكون له حجيته من حيث ثبوت الخطأ المدني وما يتبعه من تعويضات إذا ما رفع المضرور دعواه أمام المحكمة المدنية، هذا فضلاً عن أن تدخله قد يحول دون تواطؤ المُتهم مع المُدعي المدني للحكم للأخير بالتعويض. (المرجع: "الإجراءات الجنائية في التشريع المصري" - للدكتور/ مأمون سلامة – صـ 327. و"مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري" - للدكتور/ رءوف عبيد - ط 10 - سنة 1974 – صـ 208. ونقض جنائي في الطعن رقم 69 لسنة 26 قضائية - جلسة 2/4/1956 – السنة 7 – صـ 459 مجموعة الخمسين عاماً).
ولما كانت مزاعم المُدعية بالحق المدني تقوم على زعم امتناع المتهمين وهما من موظفي هيئة الأوقاف، فإنه يحق - والحال كذلك - للمسئول عن الحقوق المدنية أن يتدخل في الدعوى الجنائية القائمة درءاً للمسئولية بنفي الجريمة عن المُتهمين.
انتفاء أركان جريمة الامتناع عن تنفيذ أمر صادر من الحكومة:
حيث تنص المادة 123 من قانون العقوبات على أن: "
يُعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي استعمل سلطة وظيفته في وقف تنفيذ الأوامر الصادرة من الحكومة أو أحكام القوانين واللوائح وتأخير تحصيل الأموال والرسوم أو وقف تنفيذ حكم أو أمر صادر من المحكمة أو من أية جهة مختصة.
كذلك يعاقب بالحبس والعزل كل موظف عمومي امتنع عمداً عن تنفيذ حكم أو أمر مما ذكر بعد مضي ثمانية أيام من إنذاره على يد محضر إذا كان تنفيذ الحكم أو الأمر داخلا في اختصاص الموظف".
فتعالج هذه المادة موضوع عرقلة تنفيذ ما يجب تنفيذه من الأوامر والأحكام وما إلى ذلك، فتعاقب بفقرتيها على جريمتين متميزتين مختلفتين إذ تعاقب بالفقرة الأولى الجاني الذي يستغل سلطة وظيفته العمومية في "وقف تنفيذ" شيء من تلك الأمور، أو تأخير أدائه حال كونه ليس منوطا به هو تنفيذ ما ذكر؛ بينما تعاقب الفقرة الثانية الموظف العمومي المنوط به التنفيذ أو المساهمة فيه إذا "امتنع" عمداً عن القيام بهذا الواجب.
أركان الجريمة الامتناع عن تنفيذ حكم أو أمر:
يشترط للعقاب على جريمة الامتناع عن تنفيذ حكم أو أمر المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 123 عقوبات، توافر الأركان الآتية:
أن يكون قد صدر حكم أو أمر من الحكومة: فإذا كان حكماً أو أمراً قضائياً، وجب أن يكون نهائياً أو مشمولا بالنفاذ المعجل، وألا يكون قد أوقف نفاذه أو تنفيذه. (نقض جنائي في الطعن رقم 12206 لسنة 60 قضائية - جلسة 6/6/1999).
امتناع موظف عام عن التنفيذ: والموظف العام هو من عين في عمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الحكومة المركزية أو السلطات الإدارية بأسلوب الاستغلال المباشر، كموظفي الحكومة والمحافظات والمحليات والهيئات العامة وعمال المرافق العامة التي تدار عن طريق الإدارة المباشرة كهيئة السكك الحديدية.
وجوب إعلان السند التنفيذي للموظف: بالنسبة للأحكام وأوامر الأداء على عرائض يجب طبقا لنص المادة 281 من قانون المرافعات أن يكون الحكم أو الأمر قد تم إعلانه للموظف المختص مع تكليفه بالتنفيذ، فلا يقوم الركن المادي في الجريمة بغير هذا الإعلان. ويشترط أن يتم إعلان السند التنفيذي لشخص الموظف أو في موطنه الأصلي، ومن ثم لا يجوز إعلانه بالسند التنفيذي في مقر عمله إلا إذا تم مع شخصه.
وجوب إنذار الموظف: بعد إعلان السند التنفيذي للموظف المناط به التنفيذ بيوم على الأقل، على طالب التنفيذ إنذار الموظف المختص المطلوب إليه التنفيذ بوجوب تنفيذ الحكم لتحديد مبدأ مهلة الثمانية أيام. ويشترط أن يكون الإنذار على يد محضر لشخصه أو في موطنه فلا يصلح الخطاب الموصى عليه أو الموصى عليه بعلم الوصول كإجراء لسريان مبدأ المهلة. فإذا انقضت مدة الثمانية أيام دون تنفيذ وقعت الجريمة مع ملاحظة أن ميعاد الثمانية أيام يبدأ من اليوم التالي لإعلان الإنذار، ويمتد هذا الميعاد بسبب العطلة الرسمية.
القصد الجنائي: يشترط لاكتمال أركان الجريمة أن يكون الموظف قد تعمد عدم تنفيذ الحكم رغم إمكانية تنفيذه، أما إذا استحال تنفيذه لمانع مادي أو قانوني فلا جريمة، كما أن التراخي في تنفيذ الحكم لا يكفي بمجرده على توافر القصد الجنائي.
الركن المادي لجريمة الامتناع عن تنفيذ حكم أو أمر:
الركن المادي لجريمة الامتناع عن تنفيذ الأحكام والأوامر يتكون من العناصر الآتية:
عنصر مفترض: في فاعل الجريمة هو صفة الموظف العمومي ذي الاختصاص المباشر بتنفيذ حكم أو أمر صادر من المحكمة أو من أية جهة أخرى مختصة قانوناً.
امتناع هذا المختص المباشر عن تنفيذ ذلك الحكم أو هذا الأمر.
شرط عقاب: توجيه صاحب المصلحة إنذاراً علي يد محضر إلى الموظف المختص مباشرة بالتنفيذ، ومضي ثمانية أيام على هذا الإنذار دون أن يقوم الموظف بالتنفيذ.
الأوامر التي قد يمتنع الموظف العام عن تنفيذها:
يهمنا في هذا المقام تحديد المقصود بـ "الأوامر الصادرة عن الحكومة" و "الأمر الصادر من أية جهة مختصة":
المقصود بـ "الأوامر الصادرة عن الحكومة" و "الأمر الصادر من أية جهة مختصة" هو: "القرارات الإدارية" بأنواعها المختلفة (اللائحية والفردية). والقرار الإداري وفقاً للتعريف القضائي له – وعلى ما استقر عليه قضاء محكمة القضاء الإداري والمحكمة الإدارية العليا – هو: "إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين ابتغاء مصلحة عامة". (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 674 لسنة 12 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 2/9/1967 مجموعة المكتب الفني – السنة 12 – صـ 1236).
فليس كل قرار يصدر من هيئة إدارية عامة يعد قراراً إدارياً. حيث أنه من المُقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أنه: "ليس كل قرار يصدر عن هيئة إدارية عامة يُعد قراراً إدارياً مما يختص القضاء الإداري بطلب إلغائه أو وقف تنفيذه، إذ لابد لتحقق وصف القرار الإداري أن يكون كذلك بحكم موضوعه، فإذا دار القرار حول مسألة من مسائل القانون الخاص أو تعلق بإدارة مال شخص معنوي خاص أو أريد به تطهير الوقف الخيري المشمول بنظارة وزارة الأوقاف من حق من الحقوق العينية القائمة عليها كحق الحكر، لم يعتبر هذا القرار قراراً إدارياً". (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 1565 لسنة 10 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 22/6/1968 مجموعة المكتب الفني – السنة 13 – صـ 1083).
ويقوم هذا المبدأ القضائي على تغليب المعيار الموضوعي لتمييز القرار الإداري عن غيره، حيث لا يعتد بالهيئة الصادر عنها القرار، وإنما يهتم بمضمون القرار وموضوعه وفحواه. (المرجع: "شرح جرائم الامتناع عن تنفيذ الأحكام وغيرها من جرائم الامتناع" – للمستشار/ عبد الفتاح مراد – صـ 94).
فالقرار الإداري يتعين – فضلاً عن صدوره من جهة إدارية – أن يكون إدارياً بحسب موضوعه وفحواه، حيث تواترت أحكام المحكمة الإدارية العليا على أن: "القرار الإداري – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – هو إفصاح الإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح، وذلك بقصد إحداث مركز قانوني معين يكون ممكناً وجائزاً قانوناً ابتغاء مصلحة عامة، وغني عن البيان أن مجرد صدور قرار من جهة إدارية لا يخلع عليه في كل الأحوال وبحكم اللزوم وصف القرار الإداري بالمعنى المتقدم، وإنما يلزم حتى يتحقق له هذا الوصف أن يكون كذلك بحسب موضوعه وفحواه، فإذا ما دار القرار حول مسألة من مسائل القانون الخاص أو تعلق بإدارة شخص معنوي خاص خرج من عِداد القرارات الإدارية أياً كان مُصدره ومهما كان موقعه في مدارج السلم الإداري". (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 432 لسنة 23 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 27/1/1979 مجموعة 15 سنة عليا – صـ 75. وفي الطعن رقم 675 لسنة 28 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 9/12/1984 السنة 30).
وكذلك من المُقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن: "هيئة الأوقاف إنما تنوب قانوناً عن وزير الأوقاف بصفته ناظراً للوقف، وأن نشاط وزير الأوقاف ومن بعده هيئة الأوقاف في تصديه للقيام على شئون الأموال الموقوفة إنما هو نشاط ناظراً للوقف، ولما كان الوقف هو من أشخاص القانون الخاص، فمن ثم فإن النزاع المتصل بشأن من شئون النظارة على الوقف – ولو كان أحد أطرافه من أشخاص القانون العام – لا يُعتبر مُتعلقاً بقرار إداري، كما لا يمثل منازعة إدارية، ومن ثم يخرج الفصل فيه عن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري". (حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعنين رقمي 711 و 717 لسنة 28 قضائية "إدارية عليا" – بجلسة 14/6/1986. وحكمها في الطعن رقم 2360 لسنة 30 قضائية "إدارية عليا" – بجلسة 5/12/1987).
هذا، وقد قضت دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة (والمنصوص عليها في المادة 54 مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة) في حكم هام لها صادر في الطعن رقم 3096 لسنة 35 قضائية "إدارية عليا" – بجلسة 6/5/1999 بأن: "التصرفات التي تجريها هيئة الأوقاف، نيابة عن وزير الأوقاف بصفته ناظراً على الأوقاف الخيرية، في شأن إدارة هذه الأوقاف واستثمارها والتصرف فيها، تعد من التصرفات الصادرة من أحد أشخاص القانون الخاص، ومن ثم فلا اختصاص لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في المنازعات التي تتفرع عنها".
وقد كان النزاع المطروح على المحكمة عند إصدارها حكمها المتقدم ذكره يدور حول تصرف هيئة الأوقاف بالتمليك لوحدات عقار مملوك لها من أموال الأوقاف، وقد أسست دائرة توحيد المبادئ حكمها الهام المتقدم ذكره على ما يلي:
ومن حيث أن مقطع النزاع في الطعن الماثل يدور حول طبيعة التصرفات التي تجريها هيئة الأوقاف بصفتها ناظراً للوقف في الأموال الموقوفة، وما إذا كانت هذه التصرفات ذات طبيعة إدارية تسوغ لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري الاختصاص بنظر المنازعات التي تثور بشأنها، أم أنها تعد من قبيل التصرفات الصادرة من أحد أشخاص القانون الخاص، ومن ثم فلا اختصاص لمحاكم مجلس الدولة بنظر الأنزعة التي تتفرع عنها.
ومن حيث أن المادة 52/3 من القانون المدني تنص على أن: "الأشخاص الاعتبارية هي: ... الأوقاف ...".
وتنص المادة 1 من القانون رقم 272 لسنة 1959 بتنظيم وزارة الأوقاف على أن: "تتولى وزارة الأوقاف إدارة الأوقاف ...".
وتنص المادة 51 من هذا القانون على أن: "تتقاضى وزارة الأوقاف نظير إدارتها أعيان الوقف ... نسبة 10% من أصل إيراداتها، ويؤخذ علاوة على ذلك 5% من قيمة تكاليف الأعمال الفنية التي تنفذ في هذه الأعيان".
ولقد صدر بعد ذلك، القانون رقم 80 لسنة 1971 بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية، ونصت المادة 1 منه على أن: "تنشأ هيئة عامة تسمى "هيئة الأوقاف المصرية" تكون لها الشخصية الاعتبارية، وتتبع وزير الأوقاف، ويكون مقرها مدينة القاهرة، ويجوز إنشاء فروع لها في المحافظات بعد موافقة مجلس إدارة الهيئة".
كما نصت المادة 2 من ذات القانون على أن: "تختص الهيئة وحدها بإدارة واستثمار أموال الأوقاف ...".
وتنص المادة 5 منه على أن: "تتولى الهيئة، نيابة عن وزير الأوقاف بصفته ناظراً على الأوقاف الخيرية، إدارة هذه الأوقاف واستثمارها والتصرف فيها على أسس اقتصادية بقصد تنمية أموال الأوقاف باعتبارها أموالاً خاصة ...".
وتنص المادة 6 منه على أنه: "على الهيئة أن تؤدي إلى وزارة الأوقاف صافي ريع الأوقاف الخيرية لصرفه وفقاً لشروط الواقفين، وتتقاضى الهيئة نظير إدارة وصيانة الأوقاف الخيرية 15% من إجمالي الإيرادات المحصلة بالنسبة إلى هذه الأعيان ...".
ومن حيث أن المستفاد من النصوص المتقدمة، أن القانون المدني أدخل في المادة 52 منه (في البند 3) ضمن صور الأشخاص الاعتبارية "الأوقاف"، بعد أن عدد في البند 1 من ذات المادة الأشخاص الاعتبارية العامة كالدولة والمحافظات والمدن والقرى والإدارات والمصالح وغيرها من المنشآت العامة، ويستفاد من هذه المقابلة أن الوقف الخيري لا يعدو أن يكون شخصاً اعتبارياً خاصاً، وتعتبر أمواله أموالاً خاصة..
ولا يغير من طبيعتها أن تكون المادة 970 من القانون المدني قد أسبغت عليها نوع من الحماية والرعاية حفظاً لها من طمع الطامعين، فحظرت تملكها أو كسب أي حق عيني عليها بالتقادم، وأجازت في الوقت ذاته، إزالة ما يقع عليها من تعديات بالطريق الإداري، ذلك أن المشرع ساوى في شأن الحماية التي أسبغها بموجب نص المادة 970 المشار إليها بين أموال الأوقاف الخيرية وأموال الوحدات الاقتصادية التابعة للمؤسسات العامة أو الهيئات العامة وكذلك أموال شركات القطاع العام غير التابعة لأيهما، دون أن يدعي أحد بأن أموال هذه الجهات تعتبر أموالاً عامة تتماثل في طبيعتها وصفاتها مع المال العام المملوك للدولة أو لأحد الأشخاص الاعتبارية العامة المخصصة لأغراض النفع العام.
وحيث أصبح لهيئة الأوقاف وحدها الاختصاص بإدارة واستثمار والتصرف في أموال الأوقاف الخيرية، باعتبارها نائبة عن وزير الأوقاف الذي كان يتولى إدارة الأموال بوصفه ناظر وقف، والوقف من أشخاص القانون الخاص، فلا يعدو ناظره أو من ينوب عنه في هذا المنصب – ولو ثبتت له هذه النيابة بنص في القانون – في حكم من يشغل منصباً عاماً، لأن ولاية هذا المنصب، وإن كانت سند النظر، إلا أنها لا تصبح بذلك جزءاً من الولاية العامة للمنصب، إذ يظل ناظر الوقف على وضعه القانوني مجرد نائب عن شخص من أشخاص القانون الخاص، ولا يقوم ناظر الوقف هنا – و هو هيئة الأوقاف – إلا بأعمال تقع في نطاق القانون الخاص، فما يصدر عنها لا يصدر بوصفها سلطة عامة، وإنما باعتبارها نائبة عن الناظر على الوقف، وكل من الناظر أو نائبه إنما يمارس هذه الإدارة وأعمالها كأي ناظر من أشخاص القانون الخاص يقوم بالنظارة على وقف خيري، وليس من شأن هذه النظارة المتمثلة في تصريف شئون الوقف وتحصيل ريعه وإنفاق غلته في المصارف التي نص عليها كتاب الوقف أو استثمارها فيما يعود بالنفع على المستحقين أن تخلع على أموال الوقف صفة المال العام، ولا تجعل من القرارات والإجراءات التي تتخذها الهيئة في إدارة هذه الأموال واستثمارها أو التصرف فيها قرارات إدارية، كما أن ما يثور بشأنها من منازعات لا يدخل في عموم المنازعات الإدارية التي نص عليها البند الرابع عشر من المادة العاشرة من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة، ومن ثم فلا اختصاص لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في هذه الدعاوى والمنازعات.
ومن ثم، انتهت دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة إلى قضائها بأن: "التصرفات التي تجريها هيئة الأوقاف، نيابة عن وزير الأوقاف بصفته ناظراً على الأوقاف الخيرية، في شأن إدارة هذه الأوقاف واستثمارها والتصرف فيها، تعد من التصرفات الصادرة من أحد أشخاص القانون الخاص، ومن ثم فلا اختصاص لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالفصل في المنازعات التي تتفرع عنها". (الطعن سالف الذكر).
الخلاصة والتطبيق:
وبتطبيق كل تلك القواعد القانونية المتقدم ذكرها على وقائع الدعوى الماثلة، يتضح بجلاء أن المقصود بـ "الأوامر الصادرة عن الحكومة" و "الأمر الصادر من أية جهة مختصة"، والتي تعاقب المادة 123 عقوبات كل موظف عمومي استعمل سلطة وظيفته في وقف تنفيذها أو أمتنع عمداً عن تنفيذها بعد مضي ثمانية أيام من إنذاره على يد محضر إذا كان تنفيذها داخلاً في اختصاصه، يقصد بها "القرارات الإدارية" التي تفصح بها الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين ابتغاء مصلحة عامة.
ولما كانت هيئة الأوقاف وحدها صاحبة الاختصاص بإدارة واستثمار والتصرف في أموال الأوقاف الخيرية، باعتبارها نائبة عن وزير الأوقاف الذي كان يتولى إدارة الأموال بوصفه ناظر وقف، ولما كان الوقف هو شخص من أشخاص القانون الخاص، فلا يعدو ناظره أو من ينوب عنه في هذا المنصب، في حكم من يشغل منصباً عاماً، إذ يظل ناظر الوقف على وضعه القانوني مجرد نائب عن شخص من أشخاص القانون الخاص، ولا يقوم ناظر الوقف هنا – و هو هيئة الأوقاف – إلا بأعمال تقع في نطاق القانون الخاص، فما يصدر عنها لا يصدر بوصفها سلطة عامة، وإنما باعتبارها نائبة عن الناظر على الوقف، وكل من الناظر أو نائبه إنما يمارس هذه الإدارة وأعمالها كأي ناظر من أشخاص القانون الخاص، وليس من شأن هذه النظارة أن تخلع على أموال الوقف صفة المال العام، ولا تجعل من القرارات والإجراءات التي تتخذها الهيئة في إدارة هذه الأموال واستثمارها أو التصرف فيها قرارات إدارية، - كما سلف بيانه مؤيداً بأحكام المحاكم العليا – ومن ثم، فلا يتوافر، في حالة دعوانا الماثلة، الركن المادي المتطلب قانوناً لقيام جريمة الامتناع عن تنفيذ أمر صادر عن الحكومة، إذ لا يوجد قرار إداري بالمفهوم السالف شرحه حتى يمتنع المتهمان عن تنفيذه، حيث أن كل ما تتخذه هيئة الأوقاف من قرارات وإجراءات في شأن إدارة أموال الأوقاف واستثمارها والتصرف فيها تقوم به كشخص من أشخاص القانون الخاص وليس بوصفها سلطة عامة وتتغيا مصلحة خاصة وهي تنمية أموال الوقف باعتبارها أموالاً خاصة ولا تهدف إلى تحقيق مصلحة عامة، وغني عن البيان أن مجرد صدور قرار من جهة إدارية لا يخلع عليه في كل الأحوال وبحكم اللزوم وصف القرار الإداري بالمعنى المتقدم، وإنما يلزم حتى يتحقق له هذا الوصف أن يكون كذلك بحسب موضوعه وفحواه، فإذا ما دار القرار حول مسألة من مسائل القانون الخاص أو تعلق بإدارة شخص معنوي خاص خرج من عِداد القرارات الإدارية أياً كان مُصدره ومهما كان موقعه في مدارج السلم الإداري، ومن ثم يكون قرار مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية الصادر في اجتماعه رقم 166 بتاريخ 3/1/2005 بخصوص الموافقة على ما جاء بالمذكرة المعروضة على المجلس من الإدارة العامة للإسكان والتشييد بالهيئة بشأن طلب جمعية مستثمري سوهاج بتمليك البرج رقم 4 بحي الكوثر بسوهاج بمقدم ثمن 15% على أن يسدد الباقي بريع 7% على عشرين عاماً، هذا القرار لم يصدر من مجلس الإدارة بوصفة سلطة عامة ولا ابتغاء تحقيق مصلحة عامة ولا هو يدير مرفق عام، وإنما هو يدير مال خاص هو مال الوقف وبهدف تنمية هذا المال وبوصفة شخص من أشخاص القانون الخاص وبالتالي فهذا القرار ليس قراراً إدارياً ولا يصلح ولا يصح وصفة بأنه من "الأوامر الصادرة عن الحكومة" التي يؤثم نص المادة 123 عقوبات جريمة الامتناع عن تنفيذها، ومن ثم تنتفي أركان تلك الجريمة في حق المتهمين الماثلين ومن ثم تكون الدعوى الماثلة – والحال كذلك – قد جاءت على غير سند صحيح من القانون، مما يتعين معه القضاء ببراءة المتهمين لانتفاء أركان الجريمة، والقضاء برفض الدعوى المدنية، مع إلزام المدعية بالحق المدني بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
كل ذلك، مع حفظ حق المتهمين في الرجوع بالتعويضات المناسبة على المدعية بالحق المدني بسبب إساءة استعمالها لحق التقاضي وما أصابهما من أضرار مادية ومعنوية من جراء ذلك.
ثالثاً- الطلبات
لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة المحكمة من أسباب أصوب وأرشد، تلتمس هيئة الأوقاف المصرية من عدالة المحكمة الموقرة الحكم لها في الدعوى الماثلة بما يلي:
أولاً- بقبول تدخل هيئة الأوقاف المصرية كمسئولة عن الحقوق المدنية شكلاً في الدعوى.
ثانياً- وفي موضوع الموضوع والتدخل: "ببراءة المتهمين وبرفض الدعوى المدنية، مع إلزام المدعية بالحق المدني بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
مع حفظ كافة حقوق الأوقاف الأخرى أياً كانت،،،
تحريراً في: 1/7/2007م
عن هيئة الأوقاف المصرية
أ. .......................................................
المحامي
هذا، والله أعلى وأعلم،،،
أشرف رشوان
المحامي بالنقض
ashraf.rashwan@gmail.com

الثلاثاء، 26 مايو 2009

جناية استيراد نفايات خطرة

تنص المادة 29 من القانون رقم 4 لسنة 1994 بشأن البيئة على أنه:

"يُحظر تداول المواد والنفايات الخطرة بغير ترخيص من الجهة الإدارية المُختصة. وتبين اللائحة التنفيذية لهذا القانون إجراءات وشروط منح الترخيص والجهة المُختصة بإصداره.

ويصدر الوزراء – كل في نطاق اختصاصه – بالتنسيق مع وزير الصحة وجهاز شئون البيئة جدولاً بالمواد والنفايات الخطرة المُشار إليها في الفقرة الأولى من هذه المادة".

علماً بأن الفقرتين 18 و 19 من المادة الأولى من قانون البيئة تنصان على أنه:

"يُقصد في تطبيق أحكام هذا القانون بالألفاظ والعبارات الآتية المعاني المُبينة قرين كل منها:

18 - المواد الخطرة: المواد ذات الخواص الخطرة التي تضر بصحة الإنسان أو تؤثر تأثيراً ضاراً على البيئة، مثل: المواد المُعدية أو السامة أو القابلة للانفجار أو الاشتعال أو ذات الإشعاعات المؤينة.

19 - النفايات الخطرة: مُخلفات الأنشطة والعمليات المُختلفة أو رمادها المُحتفظة بخواص المواد الخطرة التي ليس لها استخدامات تالية أصلية أو بديلة مثل النفايات الإكلينيكية من الأنشطة العلاجية والنفايات الناتجة عن تصنيع أي من المُستحضرات الصيدلية والأدوية أو المُذيبات العضوية أو الأحبار والأصباغ والدهانات".

وحسبما أثبت تقرير الخبرة المودع بملف الدعوى أن مادة اللندين ليست نفايات خطرة وفقاً للتعريف الوارد للنفايات الخطرة بالفقرة 19 من المادة الأولى من القانون رقم 4 لسنة 1994 بشأن البيئة التي حددت النفايات الخطرة على سبيل الحصر هي: "مُخلفات الأنشطة والعمليات المُختلفة أو رمادها المُحتفظة بخواص المواد الخطرة التي ليس لها استخدامات تالية أصيلة أو بديلة مثل النفايات الإكلينيكية من الأنشطة العلاجية والنفايات الناتجة عن تصنيع أي من المستحضرات الصيدلية والأدوية أو المُذيبات العضوية أو الأحبار والأصباغ والدهانات". وعليه انتهى تقرير الخبرة المودع بملف الدعوى الماثلة (في البند الثاني من نتيجته النهائية – صـ 29) إلى نتيجة سليمة مُطابقة لحقيقة الواقع وصحيح القانون جاء فيها بالحرف الواحد أن: "... الرسالة محل الاتهام ليست من النفايات الخطرة، ولا ينطبق عليها الحظر الوارد بالمادة 32 من القانون رقم 4 لسنة 1994 بشأن البيئة".

المنطقة الحرة – هي – أرض أجنبية:

هذا، فضلاً عن أنه من المُقرر قانوناً أن البضائع التي تدخل "المنطقة الحرة" لا تخضع لأي قيد من حيث مدة بقائها فيها، كما لا تخضع الواردات إلى المناطق الحرة والصادرات منها لأي قيد من قيود الاستيراد والتصدير، فيما عدا القيود المُتعلقة بالرقابة على النقد. وفقاً لنص المادة 91 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963.

وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية لقانون الجمارك ما يلي: "... وتمشياً مع اعتبار المنطقة الحرة "أرضاً أجنبية" فقد نُصَ على تحصيل ضريبة الصادر وغيرها من الضرائب والرسوم على البضائع والمواد المحلية لدى دخولها المنطقة الحرة وذلك بعد استيفاء كافة الإجراءات الخاصة بالتصدير". (المصدر: "الجرائم الاقتصادية – جرائم الجمارك" – للمستشار/ منير محمد رزق – صـ 156).

وعليه، فلا تخضع البضائع العابرة (ترانزيت) للتقييد والمنع إلا إذا نُصَ على خلاف ذلك في القرارات الصادرة في هذا الصدد. (وفقاً لنص المادة 65 من قانون الجمارك المذكور).

حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أنه:

أ) إنه وإن كانت القوانين المصرية التي تحدثت عن البضاعة العابرة "ترانزيت" وقرارات مجلس الوزراء التي صدرت بشأنها لا تتضمن تعريفاً مُنضبطاً لها يتناول جميع صورها المعروفة في التجارة الدولية، بل يؤخذ من مُقارنة ما ورد عنها في شتى النصوص أن معناها كان يتسع حيناً ويضيق حيناً تبعاً لمقتضيات حاجة البلاد، إلا أنه مع ذلك يمكن أن يستخلص من صورها المختلفة وصف جامع مميز لها، هو أن بضاعة ترد من الخارج إلى الدولة في رحلة تبدأ وتنتهي خارج حدودها دون أن تتداول داخل بلادها ويحصل مرورها بأراضيها سواء بنقلها من سفينة إلي أخرى في نفس الميناء أو من ميناء إلى أخرى أو بإيداعها المخازن المعدة لذلك بالدائرة الجمركية حتى تصدر إلى الخارج، ومتى تحقق هذا الوصف في أية بضاعة صح اعتبارها عابرة ما لم يوجد نص خاص في قوانين الدولة يحول دون هذا الاعتبار، ومن ثم تعتبر بضاعة عابرة البضاعة التي ترد من الخارج ولو كانت أصلاً بضاعة واردة بقصد الاستهلاك داخل البلاد، ثم عنَّ لصاحبها تغيير اتجاهها بتصديرها إلى دولة أخرى أو اضطر إلى ذلك نتيجة لمنع دخولها البلاد على أي سبب كان.

ب) عبارة "والتي يصير تفريغها بقصد إعادة شحنها في نفس الميناء على سفينة أخرى لتصديرها إلى الخارج" الموصوفة بها الجلود برسم المرور "ترانزيت" غير المصحوبة بشهادة أو المصحوبة بشهادة غير قانونية في الرقم "2" من الحرف "ج" من البند العاشر من الجدول الملحق بالقانون رقم 76 لسنة 1943 بشأن الرسوم الصحية ورسوم الحجر الصحي هي عبارة عامة لا يقتصر مدلولها على الجلود التي ترد من مبدأ الأمر بوصف أنها بضاعة عابرة وإنما تشمل كذلك الجلود التي ترد أصلاً بوصف إنها بضاعة واردة بقصد الاستهلاك داخل البلاد ولكنها لا تدخلها لأي سبب كان فيعاد تصديرها إلى جهة أخرى ذلك أنها في الحالتين ينطبق عليها وصف البضاعة العابرة وفقاً لم سبق ذكره.

جـ) القول بأن البضاعة العابرة تعتبر بضاعة واردة إذا مضى على بقائها في الدائرة الجمركية أكثر من ستة شهور وأنه من باب أولى ينتفي اعتبار البضاعة الواردة بضاعة عابرة بعد مضى هذا الميعاد استنادا إلى أن المادة 24 من لائحة الجمارك حددت لنقل البضائع "الترانزيت" التي تجتاز البلاد المصرية من جمرك إلى آخر في ميعاد عشرة أيام على الأقل وستة شهور على الأكثر، وان المادة 25 نصت على أن هذه البضائع تعتبر "كأنها أدخلت برسم الاستهلاك" إذا انقضت ستة شهور دون أن يقدم فيها إلى جمرك الإرسال علم الخبر الخاص بها مؤشراً عليه من جمرك الخروج". هذا القول على غير أساس ذلك أنه يتضح من المادتين المذكورتين أن حكمهما لا ينطبق إلا على صورة واحدة من صور البضاعة العابرة هي الصورة التي تجتاز فيها البضاعة البلاد المصرية من جمرك إلى آخر أي من ميناء إلى أخرى لتصديرها منها إلى الخارج وهى غير الصورة التي ترد فيها إلى ميناء لتفرغ فيها ويعاد شحنها منها مباشرة إلى الخارج.

وإذن فمتى كان الواقع في الدعوى هو أن المطعون عليه وإن كان استورد الجلود المطالب برسوم الأرضية عنها من الخارج "كابوتزو بليبيا" على اعتبار أنها بضاعة واردة بقصد الاستهلاك في مصر إلا أنه أودعها مخازن شركة الشرق الأدنى بالدائرة الجمركية بجمرك الإسكندرية قام في النهاية بتصديرها إلى الخارج "بيروت" فإنها تكون بضاعة عابرة أي "جلود برسم المرور - ترانزيت" يجرى عليها حكم الفقرة "ج" من البند العاشر من الجدول الملحق بالقانون رقم 76 لسنة 1943، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في القانون إذ قرر أن الجلود المذكورة هي بضاعة واردة". (الطعن رقم 67 لسنة 18 قضائية – جلسة 14/6/1951 مجموعة المكتب الفني – السنة 2 – صـ 1000 – فقرة 1).

هذا، وقد جرى قضاء النقض – في تفسير المادة 121 من القانون رقم 66 لسنة 1963 بإصدار قانون الجمارك – على أن المُراد بالتهريب الجمركي هو إدخال البضاعة في إقليم الجمهورية أو إخراجها منه على خلاف القانون وهو لا يقع فعلاً أو حكماً إلا عند اجتياز البضاعة للدائرة الجمركية، وعلى ذلك فإن حيازة السلعة فيما وراء هذه الدائرة – من غير المُهرب لها فاعلاً كان أو شريكاً – لا يُعد في القانون تهريباً، كما لا يُعد إخفاء لأشياء مُتحصلة من جريمة في حكم المادة 44 مكرراً من قانون العقوبات، لأن البين من نص المادة المذكورة ومن مذكرتها التفسيرية وأصلها التشريعي أنها تفترض وقوع جريمة سابقة على مال تنتزع حيازته من صاحبه، فيكون المال المنتزع حصيلة للجريمة، ولا كذلك جريمة التهريب. ومن ثم فإن حيازة البضاعة مُجردة وراء الدائرة الجمركية لا تأثيم فيه ولا عقاب عليه". (الطعن رقم 1286 لسنة 37 قضائية – جلسة 30/10/1967 مجموعة المكتب الفني – السنة 18 – صـ 1044. المصدر: "الجرائم الاقتصادية – جرائم الجمارك" – للمستشار/ منير محمد رزق – صـ 121 و 122 وهامش 1 بصفحة 122).

لما كان ذلك، وكان تقرير الخبرة المودع بملف الدعوى الماثلة قد أثبت أنه: "وفقاً لما جاء بكتاب الرئيس التنفيذي لجهاز شئون البيئة .. وذلك في حالة استيراد هذه المادة بقصد تداولها داخل أراضي جمهورية مصر العربية – أما في حالة الرسالة محل الاتهام الماثل، ولما كانت هذه الرسالة قد وردت بنظام الترانزيت إعادة التصدير وتم تخزينها داخل المنطقة الحرة بالحاويات وتم وضع السيل الجمركي عليها وتخريمها بالسلك والرصاص الجمركي لحين إعادة التصدير، فإن واردات المنطقة الحرة لا تخضع لإجراءات الاستيراد المعمول بها داخل البلاد، وبالتالي لا تخضع للحظر الوارد بالمادة 29 من القانون رقم 4 لسنة 1994 ولا يتطلب ذلك الحصول على موافقة من الجهة الإدارية "وزارة الزراعة"، وذلك وفقاً لما قرره السيد الأستاذ/ رئيس الإدارة المركزية بالمنطقة الحرة بالسويس بتحقيقات النيابة العامة صـ 43 والموضحة تفصيلاً بالتقرير الماثل صـ 8 و 9". (راجع: تقرير الخبرة المودع بملف الدعوى الماثلة صـ 10).

ومن ثم، يتضح بجلاء عدم انطباق نص المادة 29 من قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 على وقائع الدعوى الماثلة، مما يتعين معه استبعاد تلك المادة الواردة بقرار الإحالة من التطبيق على الدعوى الماثلة.

وتنص الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 على أنه:

"يُحظر استيراد النفايات الخطرة، أو السماح بدخولها، أو مرورها في أراضي جمهورية مصر العربية".

الركن المادي: ويتبين من مطالعة هذا النص أن الركن المادي للجناية الواردة به هو سلوك إيجابي يتمثل في القيام باستيراد أو السماح بمرور أو دخول النفايات الخطرة بغير ترخيص من الجهة الإدارية المختصة.

الركن المعنوي: ويقوم الركن المعنوي للجناية الواردة في هذه المادة على انصراف إرادة الفاعل إلى استيراد أو القيام بالسماح بمرور أو دخول النفايات الخطرة بغير ترخيص. (المرجع: "شرح تشريعات البيئة" – للمستشار الدكتور/ عبد الفتاح مراد – صـ 291 و 292).

البضاعة ليست نفايات خطرة:

كما سلف القول فإنه طبقاً لنص الفقرة 19 من المادة الأولى من قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 والتي تنص على أنه: "يُقصد في تطبيق أحكام هذا القانون بالألفاظ والعبارات الآتية المعاني المُبينة قرين كل منها: ... النفايات الخطرة: مُخلفات الأنشطة والعمليات المُختلفة أو رمادها المُحتفظة بخواص المواد الخطرة التي ليس لها استخدامات تالية أصلية أو بديلة مثل النفايات الإكلينيكية من الأنشطة العلاجية والنفايات الناتجة عن تصنيع أي من المُستحضرات الصيدلية والأدوية أو المُذيبات العضوية أو الأحبار والأصباغ والدهانات".

وحسبما أثبت تقرير الخبرة المودع بملف الدعوى أن مادة اللندين ليست نفايات خطرة وفقاً للتعريف الوارد للنفايات الخطرة بالفقرة 19 من المادة الأولى من القانون رقم 4 لسنة 1994 بشأن البيئة التي حددت النفايات الخطرة على سبيل الحصر هي: "مُخلفات الأنشطة والعمليات المُختلفة أو رمادها المُحتفظة بخواص المواد الخطرة التي ليس لها استخدامات تالية أصيلة أو بديلة مثل النفايات الإكلينيكية من الأنشطة العلاجية والنفايات الناتجة عن تصنيع أي من المستحضرات الصيدلية والأدوية أو المُذيبات العضوية أو الأحبار والأصباغ والدهانات". وعليه انتهى تقرير الخبرة المودع بملف الدعوى الماثلة (في البند الثاني من نتيجته النهائية – صـ 29) إلى نتيجة سليمة مُطابقة لحقيقة الواقع وصحيح القانون جاء فيها بالحرف الواحد أن: "... الرسالة محل الاتهام ليست من النفايات الخطرة، ولا ينطبق عليها الحظر الوارد بالمادة 32 من القانون رقم 4 لسنة 1994 بشأن البيئة".

البضاعة محل الإتهام "ترانزيت" ولم تدخل أو تمر بأراضي الجمهورية:

ومن ناحية ثالثة، فإن تلك المواد لم تدخل أصلاً أراضي الجمهورية، حيث أنها بضاعة عابرة "ترانزيت" على النحو السالف بيانه. حيث أثبت تقرير الخبرة المودع بملف الدعوى الماثلة في أكثر من موضع (راجع على سبيل المثال النتيجة النهائية في البندين رقمي 2 و 3) والذي أثبت فيها أن: "... الرسالة محل الإتهام وردت بنظام ترانزيت واردات منطقة حرة بقصد إعادة تصديرها خارج البلاد". وأنها: "... وردت الرسالة بنظام ترانزيت واردات منطقة حرة تخزين مُؤقت لحين إعادة تصديرها خارج البلاد".

لما كان ذلك، وكانت المنطقة الحرة – على النحو السالف بيانه – هي "أرض أجنبية" والبضائع التي تدخل "المنطقة الحرة" لا تخضع لأي قيد من حيث مدة بقائها فيها، كما لا تخضع الواردات إلى المناطق الحرة والصادرات منها لأي قيد من قيود الاستيراد والتصدير، فيما عدا القيود المُتعلقة بالرقابة على النقد، وفقاً لنص المادة 91 من قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963. وأن كل بضاعة ترد من الخارج إلى الدولة في رحلة تبدأ وتنتهي خارج حدودها دون أن تتداول داخل بلادها ويحصل مرورها بأراضيها سواء بنقلها من سفينة إلي أخرى في نفس الميناء أو من ميناء إلى آخر أو بإيداعها المخازن المعدة لذلك بالدائرة الجمركية حتى تصدر إلى الخارج، ومتى تحقق هذا الوصف في أية بضاعة صح اعتبارها عابرة، ومن ثم يكون من الخطأ قانوناً اعتبارها "بضاعة واردة". (الطعن رقم 67 لسنة 18 قضائية – جلسة 14/6/1951 مجموعة المكتب الفني – السنة 2 – صـ 1000 – فقرة 1).

ويتضح من ذلك أن البضاعة الترانزيت الموجودة بالمنطقة الحرة – باعتبارها أرض أجنبية – فهي من ثم لم تدخل أو تمر بأراضي الجمهورية. وعليه تكون جميع اشتراطات تطبيق نص الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 غير متوافرة ولا متحققة في حالة دعوانا الماثلة، مما يتعين معه – والحال كذلك - استبعاد تلك المادة الواردة بقرار الإحالة من التطبيق على الدعوى الماثلة.

وتنص المادة 33 من قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 على أنه:

"على القائمين على إنتاج وتداول المواد الخطرة سواء كانت في حالتها الغازية أو السائلة أو الصلبة أن يتخذوا جميع الاحتياطيات بما يضمن عدم حدوث أي أضرار بالبيئة.

وعلى صاحب المُنشأة التي ينتج عن نشاطها مُخلفات خطرة طبقاً لأحكام هذا القانون الاحتفاظ بسجل هذه المخلفات وكيفية التخلص منها وكذلك الجهات المتعاقد معها لتسلم هذه المخلفات. وتبين اللائحة التنفيذية البيانات التي تسجل في هذا السجل ويختص جهاز شئون البيئة بمُتابعة السجل للتأكد من مُطابقة البيانات للواقع".

وهذا النص يخاطب القائمين على "إنتاج" أو "تداول" المواد الخطرة، والمُتهم الثاني لا هو مُنتج ولا هو مُتداول لتلك المواد، إنما هو متولي تخزينها فقط بمخازنه (بالمنطقة الحرة بالسويس) لمدة محدودة لحين إعادة تصديرها خارج البلاد، وهو بصفته تلك قد قام باتخاذ كافة الإجراءات واجبة الإتباع، طبقاً لما انتهى إليه تقرير الخبرة المودع بملف الدعوى الماثلة. (راجع البند الرابع من النتيجة النهائية – صـ 29).

ومن ثم يكون المُتهم الثاني من غير المُخاطبين بأحكام المادة 33 المذكورة عاليه، مما يتعين معه استبعاد تلك المادة الواردة بقرار الإحالة من التطبيق على الدعوى الماثلة.

وتنص المادة 88 من قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 على أنه:

"يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات وغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على أربعين ألف جنيه كل من خالف أحكام المواد 29 و 32 و 47 من هذا القانون كما يلزم كل من خالف أحكام المادة 32 بإعادة تصدير النفايات الخطرة محل الجريمة على نفقته الخاصة".

لما كانت تلك المادة تحدد العقوبات الموقعة على المُخالفين لأحكام المواد المذكورة بها، وكان المتهم الثاني – على النحو المُتقدم ذكره – غير خاضع ولا مُخاطب بجميع المواد الواردة في قرار الإحالة، حيث أن شروط تطبيقها عليه وعلى وقائع الدعوى الماثلة غير متوافرة ولا متحققة، ومن ثم فلا مجال للحديث عن عقوبات إذ لم توجد جرائم (في حقه) أصلاً.

وبالنسبة لقرار وزير التموين رقم 55 لسنة 1996:

بتاريخ 15/2/1996 أصدر وزير التجارة والتموين قراراً وزارياً رقم 55 لسنة 1996 يقضي بـ:

1- وقف استيراد السلع المُدرجة بالقائمة المُرفقة بهذا القرار سواء للاتجار أو الإنتاج أو الاستخدام الخاص أو الاستعمال الشخصي بقصد تداولها بمصر أو استخدامها كمبيدات للآفات الزراعية.

2- يُنشر هذا القرار في الوقائع المصرية، ويُعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره.

وقد تم نشر هذا القرار بالوقائع المصرية بالعدد 48 في تاريخ 29/2/1996 ومن ثم يُعمل به اعتباراً من أول مارس 1996.

وبمُطالعة هذا القرار يتبين الآتي:

1- أنه يقضي بـ "وقف" استيراد السلع وليس "حظر أو منع" استيرادها، ومُجرد الوقف لا يعني بالضرورة حظر التداول لكونه لم يُحدد الضرر أو وجه الخطورة فيها، وقد يكون الوقف بقصد ترشيد الاستيراد أو تشجيع الإنتاج المحلي لتلك المادة أو لغير ذلك من الأسباب.

2- وأن هذا الوقف للسلع مشروط بـ "قصد تداولها بمصر"، وكما سلف القول فإن تلك البضاعة محل الإتهام ما هي إلا بضاعة ترانزيت واردات منطقة حرة بقصد إعادة تصديرها خارج البلاد، فهي إذن ليست بقصد تداولها داخل الجمهورية؛ آخذاً في الاعتبار ما سلف بيانه من أن المنطقة الحرة هي بمثابة أرض أجنبية وأن البضائع الموجودة بها لا تأخذ حكم "الواردات".

3- فضلاً عن أن هذا القرار لم يصدر تنفيذاً لحكم قانون البيئة رقم 4 لسنة 1996 بل صدر تنفيذاً للقانون رقم 118 لسنة 1975 في شأن الاستيراد والتصدير وبناءاً على القرار الوزاري رقم 275 لسنة 1991 بإصدار لائحة القواعد المنفذة لأحكام القانون رقم 118 لسنة 1975 المشار إليه، وكلاهما (القانون واللائحة) صدرا في تاريخ سابق (بسنوات) على تاريخ صدور قانون البيئة رقم 4 لسنة 1996.

ومن ثم لا يكون هذا القرار قد صدر تنفيذاً لقانون البيئة بل لقانون آخر مختلف هو قانون الاستيراد والتصدير. في حين أن الفقرة الثانية من المادة 29 من قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 تنص على أن: "يصدر الوزراء – كل في نطاق اختصاصه – بالتنسيق مع وزير الصحة وجهاز شئون البيئة جدولاً بالمواد والنفايات الخطرة المُشار إليها في الفقرة الأولى من هذه المادة". علماً بأن الوزير المختص في حالتنا الماثلة هو "وزير الزراعة" وليس "وزير التجارة والتموين". وعليه يكون شرط إعمال قانون البيئة على وقائع الدعوى الماثلة غير متوافر لعدم صدور قرار من الوزير المختص يبين المواد الضارة المحظور استيرادها.

هذا، والله أعلى وأعلم،،،

أشرف رشوان

المحامي بالنقض

ashraf.rashwan@gmail.com