الأربعاء، 15 يوليو 2009

آداب الزفاف - الجزء الأول

آداب الزفاف في السنة المطهرة

تأليف العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني

مقدمة

حمداً لله، وصلاةً وسلاماً على نبيه وآله وصحبه ومن والاه، وعلى كل من اهتدى بهداه.

أما بعد: فقد كان الباعث على تأليف هذه الرسالة وإخراجها للناس لأول مرة، تحقيق رغبة أخينا في الله تبارك وتعالى الأستاذ عبد الرحمن الباني، فإنه - جزاه الله خيرا - اقترح تأليفها بمناسبة بنائه على زوجه، ففعلت، ثم قام هو بطبعها على نفقته، ووزعها مجانا في حفلة زفافه، مكان ما جرى الناس عليه من توزيع السكاكر والحلويات وغيرها، مما لا يبقى أثره ولا يدوم نفعه، فكان ذلك منه سنة حسنة، من حسناته الكثيرة - إن شاء الله - ما أحوج المسلمين إلى الاقتداء به فيها، والسير على منوالها.

ثم لما نفدت نسخ الطبعة الأولى، وكان من تمام الاستفادة منها، تعميم نشرها على الناس في مختلف الأقطار والأمصار، رأى كثيرون إعادة طبعها، وألحوا علي بالطلب، فاستجبت لذلك، وتفرغت له بعض الوقت، فأضفت إليها زيادات كثيرة، فاتني إيرادها في الطبعة الأولى بسبب السرعة التي تم بها تأليفها وإخراجها.

وقد رأيت أن أوسع الكلام في بعض المسائل الهامة التي أساء بعض الناس فهمها في هذا العصر أو قبله، فبينت - ما استطعت - خطأهم فيها، وبعدهم عن الصواب فيما قالوه حولها، وذلك بالحجة والبرهان، ليكون القارئ الكريم على بينة من أمره، وبصيرة من دينه، فلا يتأثر بشبهات الشاكين، وجدال المبطلين، وقلة السالكين، في زمن أصبح المتمسك فيه بالسنة غريباً في بني دينه المحاولين التمسك به، فكيف هو في المخالفين له، الصادين عنه؟

أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من عباده القليل الذين قال فيهم نبيه صلى الله عليه وسلم: إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ. فطوبى للغرباء.

وأقدم بين يدي الرسالة الكلمة الهامة التي كان العلامة الشيخ محب الدين الخطيب تفضل بكتابتها وطبعها في مقدمة الطبعة الأولى، لما فيها من فوائد ومواعظ، وهي في رأيي تمهيد قوي لنساء هذا العصر لكي يتيسر لهن العمل بما جاء في هذه الرسالة مما لم يألفنه، بل ولم يسمعن به من قبل، فاللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، إنك سميع مجيب.

مقدمة الطبعة الأولى

بقلم فضيلة الشيخ محب الدين الخطيب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، ولا رب لهم غيره، ولا يطاع في السر والعلن سواه، وصلى الله على معلم الناس الخير محمد هادي الإنسانية إلى سنة الحق، وعلى آله وصحبه وسلم.

وبعد فإن جماهير المسلمين لا يزالون في مثل عقول الأطفال يلهيهم ما يلهي الأطفال، ويصرفهم عن مناهج الخير وأهداف الحق كل ما يصرف الأطفال من ألاعيب وتوافه وأوهام، حتى يتحروا سنة الإسلام في الاعتدال، وهدايته في التحرر من كل ما استعبدوا له من الملاهي والسفاسف والزخارف والشهوات، وحينئذ يرجعون إلى ربهم، فيحفظ لهم عقولهم، ويبارك لهم في أوقاتهم وأعمالهم وجهودهم، ويدخر لهم ثروتهم وأسباب قوتهم، فيستعملونها فيما ينفعهم، ويكون به عزهم، ويعلو به سلطانهم.

وتحري سنة الإسلام في الاعتدال، والانتفاع بهدايته في التحرر من السفاسف التي صار المسلمون مستعبدين لها منذ أكثر من ألف سنة، يتوقف على أمرين:

أحدهما: إخلاص العلماء العاملين الذين يبينون للأمة سنن دينها في كل ناحية من النواحي التي تتناولها رسالة الإسلام.

والثاني: ازدياد عدد المسلمين الذين يوطنون أنفسهم في ترديد ذلك البيان العلمي بالعمل به، حتى يتلقاه عنهم بالقدوة من لا يتيسر لهم تلقيه بالدرس والتعلم.

وهذه الرسالة اللطيفة نموذج لناحية من النواحي التي تناولتها رسالة الإسلام بالسنن الصحيحة عن معلم الناس الخير صلى الله عليه وسلم، في حفلات الزفاف وآدابه وولائمه، وهي الناحية التي أسرف فيها المسلمون بالبعد عن سنن الإسلام، حتى أوغلوا لا في الجاهلية الأولى التي امتازت - في هذه الناحية - بفطرة العروبة وتحررها من بذخ المترفين، بل في الجاهلية الطارئة التي تشبهت فيها كل طبقة بالطبقة التي سبقتها إلى النار، حتى أصبحت أعباء الزواج وتكاليفه فوق طاقة الناس، فكادوا ينصرفون عنه - وهو في نفسه من سنة الإسلام - لأنهم انصرفوا فيه عن سنن الإسلام، فأوقعهم ذلك في شر أنواع الجاهلية.

وبعد أن تهيأت لهذه الرسالة المناسبة التي عينت موضوعها، تهيأ لها مؤلف من دعاة السنة الذين وقفوا حياتهم على العمل لإحيائها، وهو أخونا بالغيب الشيخ أبو عبد الرحمن محمد ناصر نوح نجاتي الألباني، فوضع بين أيدي المسلمين النصوص الصحيحة والحسنة من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آداب الزفاف، وحبذا لو كان قد اتسع له الوقت وواتته الأسباب، فاستقصى كل ما ورد من ذلك في الحياة الزوجية، وآداب البيت، وما ينبغي أن تكون عليه الأسرة الإسلامية. ولكن ظهور الهلال في ليلته الأولى، قد يشعر بما يليه من مطالع صفحات القمر حتى يكون بدرا كاملاً.

وكما تهيأ لهذه الرسالة موضوعها والمؤلف الذي يستوفيه، تهيأ لها كذلك المسلم الأول والمسلمة الأولى اللذان آليا أن يكونا قدوة للمسلمين في الاعتدال والتحرر من عبودية السفاسف والملاهي وتوافه العادات، عندما استخارا الله، فخار لهما أن يبنيا البيت المسلم الطاهر، والأسرة الإسلامية المتحررة من تقاليد الجاهلية الأجنبية عنا، والطارئة علينا. فأرجو الله عز وجل أن يأخذ بيد أخي المؤمن المجاهد الأستاذ السيد عبد الرحمن الباني في جميع مراحل حياته، حتى يحقق له آماله، ملتزماً سنة الإسلام في ذلك ما استطاع.

وأختم هذه الكلمة بأن أضرب لعروسه المسلمة الفاضلة مثلاً من تاريخ نساء العروبة والإسلام، ينبغي لكل مسلمة أن تجعله نصب عينيها، لتكون من الخالدات إن شاء الله.

إن فاطمة بنت أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان كان لأبيها - يوم تزوجت - السلطان الأعظم على الشام والعراق والحجاز واليمن وإيران والسند وقفقاسيا والقرم وما وراء النهر إلى نجارا وجنوة شرقا، وعلى مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى وإسبانيا غربا. ولم تكن فاطمة هذه بنت الخليفة الأعظم وحسب، بل كانت كذلك أخت أربعة من فحول خلفاء الإسلام، وهم: الوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك، وكانت فيما بين ذلك زوجة أعظم خليفة عرفه الإسلام بعد خلفاء الصدر الأول، وهو أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز.

وهذه السيدة التي كانت بنت خليفة، وزوجة خليفة، وأخت أربعة من الخلفاء، خرجت من بيت أبيها إلى بيت زوجها يوم زفت إليه وهي مثقلة بأثمن ما تملكه امرأة على وجه الأرض من الحلي والمجوهرات، ويقال: إن من هذه الحلي قرطي مارية اللذين اشتهرا في التاريخ، وتغنى بهما الشعراء، وكانا وحدهما يساويان كنزاً. ومن فضول القول أن أشير إلى أن عروس عمر بن عبد العزيز كانت في بيت أبيها تعيش في نعمة لا تعلوا عليها عيشة امرأة أخرى في الدنيا لذلك العهد، ولو أنها استمرت في بيت زوجها تعيش كما كانت تعيش قبل ذلك لتملأ كرشها في كل يوم وفي كل ساعة بأدسم المأكولات وأندرها وأغلاها، وتنعم نفسها بكل أنواع النعيم الذي عرفه البشر، لاستطاعت ذلك. إلا أني لا أذيع مجهولا بين الناس إن قلت: إن عيشة البذخ والترف قد تضرها في صحتها من حيث يتمتع بالعافية المعتدلون، وقد تكسبها هذه العيشة الحقد والحسد والكراهية من أهل الفاقة والمعدمين، زد على ذلك أن العيشة مهما اختلفت ألوانها تكون مع الاعتياد مألوفة ومملولة، والذين بلغوا من النعيم أقصاه يصطدمون بالفاقة عندما تطلب أنفسهم ما وراء ذلك، فلا يجدونه، بينما المعتدلون يعلمون أن في متناول أيديهم وراء الذي هم فيه، وأنهم يجدونه متى شاؤوا، غير أنهم اختاروا التحرر منه ومن سائر الكماليات، ليكونوا أرفع منها، وليكونوا غير مستعبدين لشهواتها، ولذلك اختار الخليفة الأعظم عمر بن عبد العزيز - في الوقت الذي كان فيه أعظم ملوك الأرض - أن تكون نفقة بيته بضعة دراهم في اليوم، ورضيت بذلك زوجة الخليفة التي كانت بنت خليفة وأخت أربعة من الخلفاء، فكانت مغتبطة بذلك لأنها تذوقت لذة القناعة، وتمتعت بحلاوة الاعتدال، فصارت هذه اللذة وهذه الحلاوة أطيب لها وأرضى لنفسها من كل ما كانت تعرفه قبل ذلك من صنوف البذخ وألوان الترف. بل اقترح عليها زوجها أن تترفع عن عقلية الطفولة فتخرج عن هذه الألاعيب والسفاسف التي كانت تبهرج بها أذنيها وعنقها وشعرها ومعصميها مما لا يسمن ولا يغني من جوع، ولو بيع لأشبع ثمنه بطون شعب برجاله ونسائه وأطفاله، فاستجابت له، واستراحت من أثقال الحلي والمجوهرات واللآلئ والدرر التي حملتها معها من بيت أبيها، فبعثت بذلك كله إلى بيت مال المسلمين. وتوفي عقب ذلك أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ولم يخلف لزوجته وأولاده شيئا، فجاءها أمين بيت المال، وقال لها: إن مجوهراتك يا سيدتي لا تزال كما هي، وإني اعتبرتها أمانة لك، وحفظتها لهذا اليوم، وقد جئت أستأذنك في إحضارها. فأجابته بأنها وهبتها لبيت مال المسلمين طاعة لأمير المؤمنين، ثم قالت: "وما كنت لأطيعه حياً وأعصيه ميتاً". وأبت أن تسترد من مالها الحلال الموروث ما يساوي الملايين الكثيرة، في الوقت الذي كانت محتاجة فيه إلى دريهمات، وبذلك كتب الله لها الخلود، وها نحن نتحدث عن شرف معدنها، ورفيع منزلتها بعد عصور وعصور، رحمها الله، وأعلى مقامهما في جنات النعيم.

إن أهنأ العيش هو العيش المعتدل في كل شيء، وكل عيش مهما خشن أو نعم، إذا اعتاده أهله ألفوه وارتاحوا إليه، والسعادة هي الرضا، والحر هو الذي يتحرر من كل ما يستطيع الاستغناء عنه، وذلك هو الغنى بالمعنى الإسلامي والمعنى الإنساني، جعلنا الله من أهله.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القائل في محكم كتابه: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) [الروم - 21]. والصلاة والسلام على نبيه محمد الذي ورد عنه فيما ثبت من حديثه: "تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة".

وبعد فإن لمن تزوج وأراد الدخول بأهله آداباً في الإسلام، قد ذهل عنها، أو جهلها أكثر الناس، حتى المتعبدين منهم، فأحببت أن أضع في بيانها هذه الرسالة المفيدة بمناسبة زفاف أحد الأحبة، إعانة له ولغيره من الأخوة المؤمنين، على القيام بما شرعه سيد المرسلين عن رب العالمين، وعقبتها بالتنبيه على بعض الأمور التي تهم كل متزوج، وقد ابتلي بها كثير من الزوجات. اسأل الله تعالى أن ينفع بها، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، إنه هو البر الرحيم.

وليعلم أن آداب الزفاف كثيرة، وإنما يعنيني منها في هذه العجالة ما ثبت منها في السنة المحمدية، مما لا مجال لإنكارها من حيث إسنادها، أو محاولة التشكيك فيها من جهة مبناها حتى يكون القائم بها على بصيرة من دينه، وثقة من أمره، وإني لأرجو أن يختم الله له بالسعادة، جزاء افتتاحه حياته الزوجة بمتابعة السنة، وأن يجعله من عباده الذين وصفهم بأن من قولهم: (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما). [الفرقان - 74]. والعاقبة للمتقين كما قال رب العالمين: (إن المتقين في ظلال وعيون. وفواكه مما يشتهون. كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون. إنا كذلك نجزي المحسنين) [المرسلات: 41 - 44].

وهاك تلك الآداب:

1 - ملاطفة الزوجة عند البناء بها:

يستحب له إذا دخل على زوجته أن يلاطفها، كأن يقدم إليها شيئا من الشراب ونحوه لحديث أسماء بنت يزيد بن السكن، قالت:

إني قينت [أي زينت] عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جئته فدعوته لجلوتها [أي للنظر إليها مجلوة مكشوفة] فجاء، فجلس إلى جنبها، فأتي بعس [أي قدح كبير] لبن، فشرب، ثم ناولها النبي صلى الله عليه وسلم فخفضت رأسها واستحيت، قالت أسماء: فانتهرتها، وقلت لها: خذي من يد النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: فأخذت، فشربت شيئاً، ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أعطي تربك [أي صديقتك]، قالت أسماء: فقلت: يا رسول الله بل خذه فاشرب منه ثم ناولنيه من يدك، فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه، قالت: فجلست، ثم وضعته على ركبتي، ثم طفقت أديره وأتبعه بشفتي لأصيب منه شرب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال لنسوة عندي: ناوليهن، فقلن: لا نشتهيه. فقال صلى الله عليه وسلم: لا تجمعن جوعاً وكذبا.

2 - وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها:

وينبغي أن يضع يده على مقدمة رأسها عند البناء بها أو قبل ذلك، وأن يسمي الله تبارك وتعالى، ويدعو بالبركة، ويقول ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم:

"إذا تزوج أحدكم امرأة، أو اشترى خادماً، فليأخذ بناصيتها [أي منبت الشعر ف مقدمة الرأس]، وليسم الله عز وجل، وليدع بالبركة، وليقل: اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه [أي خلقتها وطبعتها عليه]، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه. وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروه سنامه، وليقل مثل ذلك ]".

قلت: وفي الحديث دليل على أن الله خالق الخير والشر، خلافا لمن يقول - من المعتزلة وغيرهم - بأن الشر ليس من خلقه تبارك وتعالى، وليس في كون الله خالقا للشر ما ينافي كماله تعالى، بل هو من كماله تبارك وتعالى. وتفصيل ذلك في المطولات، ومن أحسنها كتاب "شفاء العليل في القضاء والقدر والتعليل"، لابن القيم، فليراجعه من شاء. وهل يشرع هذا الدعاء في شراء مثل السيارة؟ وجوابي: نعم، لما يرجى من خيرها، ويخشى من شرها.

3 - صلاة الزوجين معا:

ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معاً، لأنه منقول عن السلف. وفيه أثران:

الأول: عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: "تزوجت وأنا مملوك، فدعوت نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة، قال: وأقيمت الصلاة، قال: فذهب أبو ذر ليتقدم، فقالوا: إليك قال: أو كذلك؟ قالوا: نعم، قال: فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك، وعلموني فقالوا: إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين، ثم سل الله من خير ما دخل عليك، وتعوذ به من شره، ثم شأنك وشأن أهلك".

قلت: يشيرون بذلك إلى أن الزائر لا يؤم المزور في بيته إلا أن يأذن له، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه".

الثاني: عن شقيق قال: "جاء رجل يقال له: أبو حريز، فقال: إني تزوجت جارية شابة [بكراً]، وإني أخاف أن تفركني [أي تبغضني]، فقال عبد الله [يعني ابن مسعود] إن الإلف من الله، والفرك من الشيطان، يريد أن يكره إليكم ما أحل الله لكم فإذا أتتك فأمرها أن تصلي وراءك ركعتين.

زاد في رواية أخرى عن ابن مسعود: "وقل: اللهم بارك لي في أهلي، وبارك لهم في، اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير".

فعن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخلت المرأة على زوجها يقوم الرجل، فتقوم من خلفه فيصليان ركعتين، ويقول: اللهم بارك لي في أهلي، وبارك لأهلي في، اللهم ارزقهم مني، وارزقني منهم، اللهم اجمع بيننا ما جمعت في خير، وفرق بيننا إذا فرقت في خير".

وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: حدثت أن سلمان الفارسي تزوج امرأة، فلما دخل عليها وقف على بابها، فإذا هو بالبيت مستور، فقال: ما أدري أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة إلى (كندة) والله لا أدخله حتى تهتك أستاره. فلما هتكوها ... دخل ... ثم عمد إلى أهله، فوضع يده على رأسها ... فقال: هل أنت مطيعتي رحمك الله؟ قالت: قد جلست مجلس من يطاع، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: "إن تزوجت يوماً فليكن أول ما تلتقيان عليه من طاعة الله"، فقومي فلتصل ركعتين، فما سمعتني أدعو فأمني، فصليا ركعتين، وأمنت، فبات عندها، فلما أصبح، جاءه أصحابه، فانتحاه رجل من القوم، فقال: كيف وجدت أهلك؟ فأعرض عنه، ثم الثاني، ثم الثالث، فلما رأى ذلك صرف وجهه إلى القوم وقال: رحمكم الله ، فيما المسألة عما غيبت الجدران والحجب والأستار؟ بحسب امرئ أن يسأل عما ظهر، إن أخبر أو لم يخبر.

4 - ما يقول حين يجامعها:

وينبغي أن يقول حين يأتي أهله: "بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا".

قال صلى الله عليه وسلم: "فإن قضى الله بينما ولدا لم يضره الشيطان أبدا".

5 - كيف يأتيها:

ويجوز له أن يأتيها في قبلها من أي جهة شاء، من خلفها أو من أمامها، لقول الله تبارك وتعالى: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم)، أي: كيف شئتم مقبلة ومدبرة، وفي ذلك أحاديث أكتفي باثنين منها:

الأول عن جابر رضي الله عنه قال: "كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج".

الثاني: عن ابن عباس، قال: "كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن، مع هذا الحي من يهود، وهم أهل كتاب، وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف [أي على جانب]، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا، ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة، تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك، فأنكرته عليه، وقالت : إنما كنا نؤتى على حرف، فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني، حتى شرى [أي عظم وتفاقم] أمرها، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم). أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعني بذلك موضع الولد [أي الفرج].

6 - تحريم الدبر:

ويحرم عليه أن يأتيها في دبرها لمفهوم الآية السابقة: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم)، [والفرج هو موضع الحرث – أي الإنبات – أما الدبر فليس كذلك].

وعن سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر: إنا نشتري الجواري فنحمض لهن، قال: وما التحميض؟ قلت: نأتيهن في أدبارهن، قال: أف أو يفعل ذلك مسلم؟!

قلت: وهو نص صريح من ابن عمر في إنكاره أشد الإنكار إتيان النساء في الدبر، فما أورده السيوطي في "أسباب النزول" وغيره في غيره مما ينافي هذا النص خطأ عليه قطعاً فلا يلتفت إليه.

وفيه أحاديث أخرى:

الأول: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصار تزوجوا من نسائهم، وكان المهاجرون يجبون [أي ينكبون على الأرض]، وكانت الأنصار لا تجبي، فأراد رجل من المهاجرين امرأته على ذلك، فأبت عليه حتى تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فأتته، فاستحيت أن تسأله، فسألته أم سلمة، فنزلت: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) وقال: لا إلا في صمام واحد [أي مسلك واحد – والصمام ما تسد به الفرجة، فسمي الفرج به]".

الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت. قال: وما الذي أهلكك؟ قال: حولت رحلي الليلة [كنى برحله عن زوجته، أراد بها غشيانها في قبلها من جهة ظهرها، لأن المجماع يعلو المرأة ويركبها مما يلي وجهها، فحيث ركبها من جهة ظهرها كنا عنه بتحويل رحله]، فلم يرد عليه شيئا، فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم)، يقول: أقبل وأدبر، واتقل [دع وأهجر] الدبر والحيضة".

الثالث: عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه: "أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن، أو إتيان الرجل امرأته في دبرها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حلال. فلما ولى الرجل دعاه، أو أمر به فدعي، فقال: كيف قلت؟ في أي الخربتين، أو في الخرزتين، أو في أي الخصفتين [يعني في أي الثقبين – والألفاظ الثلاثة بمعنى واحد]؟ أمن دبرها في قبلها؟ فنعم، أم من دبرها في دبرها؟ فلا، فإن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن".

الرابع: "لا ينظر الله إلى رجل يأتي امرأته في دبرها".

الخامس: "ملعون من يأتي النساء في محاشهن [يعني: أدبارهن]".

السادس: "من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد".

وروى النسائي ، وابن بطة في "الإبانة" عن طاوس قال: "سئل ابن عباس عن الذي يأتي امرأته في دبرها؟ فقال: هذا يسألني عن الكفر؟

وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء": "قد تيقنا بطرق لا محيد عنها نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أدبار النساء وجزمنا بتحريمه، ولي في ذلك مصنف كبير".

قلت: فلا تغتر بعد هذا بقول الشيخ جمال الدين القاسمي في "تفسيره": "إنها ضعيفة" لأنها دعوى من غير مختص بهذا العلم أولاً، وخلاف ما يقتضيه البحث العلمي، وشهادة الأئمة.

7 - الوضوء بين الجماعين:

وإذا أتاها في المحل المشروع، ثم أراد أن يعود إليها توضأ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم أهله، ثم أراد أن يعود، فليتوضأ [بينهما وضوءاً]. وفي رواية: وضوءه للصلاة، فإنه أنشط في العود".

8 - الغسل أفضل:

لكن الغسل أفضل من الوضوء لحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه، يغتسل عند هذه وعند هذه، قال: فقلت له: يا رسول الله ألا تجعله غسلاً واحداً؟ قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر".

9 - اغتسال الزوجين معا:

ويجوز لهما أن يغتسلا معاً في مكان واحد، ولو رأى منه ورأت منه، وفيه أحاديث:

الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد [تختلف أيدينا فيه]، فيبادرني حتى أقول: دع لي، دع لي، قالت: وهما جنبان".

الثاني: عن معاوية بن حيدة قال: "قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك". قال: قلت: يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: إن استطعت أن لا يرينها أحد، فلا يرينها. قال: فقلت: يا رسول الله إذا كان أحدنا خالياً؟ قال: الله أحق أن يستحيى منه من الناس".

والحديث ترجم له النسائي بـ "نظر المرأة إلى عورة زوجها" ، وعلقه البخاري في صحيحه في "باب من اغتسل عرياناً وحده في الخلوة، ومن تستر فالستر افضل"، ثم ساق حديث أبي هريرة في اغتسال كل من موسى وأيوب عليهما السلام في الخلاء عريانين، فأشار في إلى أن قوله في الحديث: "الله أحق أن يستحيى منه" محمول على ما هو الأفضل والأكمل، وليس على ظاهره المفيد للوجوب، قال المناوي: "وقد حمله الشافعية على الندب، وممن وافقهم ابن جريج، فأول الخبر في "الآثار" على الندب، قال: لأن الله تعالى لا يغيب عنه شيء من خلقه عراة أو غير عراة".

10 - توضؤ الجنب قبل النوم:

ولا ينامان جنبين إلا إذا توضأ، وفيه أحاديث:

الأول: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن [يأكل أو] ينام وهو جنب غسل فرجه، وتوضأ وضوءه للصلاة".

الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن عمر قال: يا رسول الله أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ". وفي رواية: "توضأ واغسل ذكرك، ثم نم". وفي رواية: "نعم، ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء". وفي أخرى: "نعم، ويتوضأ إن شاء".

وهي تدل على عدم وجوب هذا الوضوء، وهو مذهب جمهور العلماء، وإذا كان كذلك فبالأولى أن لا يجب هذا على الوضوء على غير الجنب.

الثالث: عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثالثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر، والمتضمخ بالخلوق [أي المتلطخ بـ "الخلوق" "وهو طيب مركب من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، وإنما نهي عنه لأنه من طيب النساء] والجنب إلا أن يتوضأ".

11 - حكم هذا الوضوء:

وليس ذلك على الوجوب، وإنما للاستحباب المؤكد، لحديث عمر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب ؟ فقال: "نعم، ويتوضأ إن شاء".

ويؤيده حديث عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء" [حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل]. "فإن استيقظ من آخر الليل ، فإن كان له في أهله حاجة عاودهم ثم اغتسل".

وروى ابن أبي شيبة بسند حسن عن ابن عباس قال: "إذا جامع الرجل ثم أراد أن يعود فلا بأس أن يؤخر الغسل".

وعن سعيد بن المسيب قال: "إن شاء الجنب نام قبل أن يتوضأ".

وسنده صحيح، وهو مذهب الجمهور. وفي رواية عنها: "كان يبيت جنبا فيأتيه بلال، فيؤذنه بالصلاة، فيقوم فيغتسل، فأنظر إلى تحدر الماء من رأسه، ثم يخرج فأسمع صوته في صلاة الفجر، ثم يظل صائما. قال مطرف: فقلت لعامر: في رمضان؟ قال: نعم، سواء رمضان أو غيره".

12 - تيمم الجنب بدل الوضوء:

ويجوز لهما التيمم بدل الوضوء أحيانا لحديث عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ، أو تيمم".

13 - اغتساله قبل النوم أفضل:

واغتسالهما أفضل، لحديث عبد الله بن قيس قال: " سألت عائشة قلت: كيف كان صلى الله عليه وسلم يصنع في الجنابة؟ أكان يغتسل قبل أن ينام، أم ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، ربما اغتسل فنام، وربما توضأ فنام، قلت : الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة".

14 - تحريم إتيان الحائض:

ويحرم عليه أن يأتيها في حيضها [ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض، وهو معلوم من ضرورة الدين] لقوله تبارك وتعالى : ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين.

والأذى هو شيء تتأذى به المرأة. وفسره القرطبي وغيره برائحة دم الحيض. قال السيد رشيد رضا رحمه الله: "أخذه على ظاهره مقرر في الطب، فلا حاجة إلى العدول عنه"، ويعني به الضرر الجسماني، قال: "لأن غشيانهن سبب للأذى والضرر، وإذا سلم الرجل من هذا الأذى، فلا تكاد تسلم منه المرأة، لأن الغشيان يزعج أعضاء النسل فيها إلى ما ليست مستعدة له، ولا قادرة عليه لاشتغالها بوظيفة طبيعية أخرى، وهي إفراز الدم المعروف".

وفيه أحاديث:

الأول: من قوله صلى الله عليه وسلم: "من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد".

الثاني: عن أنس بن مالك قال: "إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها، ولم يشاربوها، ولم يجامعوها [أي لم يخالطوها] في البيت، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله تعالى ذكره ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جامعوهن في البيوت، واصنعوا كل شيء غير النكاح، فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل ألا يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالا يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا ننكحهن في المحيض؟ فتمعر [أي تغير] وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد [غضب] عليهما، فخرجا، فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث في آثارهما فسقاهما، فظننا أنه لم يجد عليهما".

15 - كفارة من جامع الحائض:

من غلبته نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها، فعليه أن يتصدق بنصف جنيه ذهب إنكليزي تقريبا أو ربعها، لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال: "يتصدق بدينار أو نصف دينار".

16 - ما يحل له من الحائض:

ويجوز له أن يتمتع بما دون الفرج من الحائض، وفيه أحاديث:

الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: "... اصنعوا كل شيء إلا النكاح [أي الجماع]".

الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر، ثم يضاجعها زوجها، وقالت مرة: يباشرها".

الثالث: عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا [ثم صنع ما أراد]".

17 - متى يجوز إتيانها إذا طهرت:

فإذا طهرت من حيضها، وانقطع الدم عنها، جاز له وطؤها بعد أن تغسل موضع الدم منها فقط، أو تتوضأ أو تغتسل، أي ذلك فعلت، جاز له إتيانها ( 2 ) ، لقوله تبارك وتعالى في الآية السابقة: (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين).

18 - جواز العزل:

ويجوز له أن يعزل عنها ماءه [والعزل هو النزع بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج]، وفيه أحاديث:

الأول: عن جابر رضي الله عنه قال: "كنا نعزل والقرآن ينزل". وفي رواية: "كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينهنا".

الثاني: عن أبي سعيد الخدري قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي وليدة [يعني جارية]، وأنا أعزل عنها، وأنا أريد ما يريد الرجل، وإن اليهود زعموا: [أن الموءودة الصغرى العزل)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [كذبت يهود، كذبت يهود]، لو أراد الله أن يخلقه لم تستطع أن تصرفه".

الثالث: عن جابر أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية هي خادمنا وسانيتنا [أي تسقي لنا النخل]، وأنا أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل [أي أجامعها وأكره حملها مني بولد]، فقال: "اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها"، فلبث الرجل، ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت فقال: "قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها".

19 - الأولى ترك العزل:

ولكن تركه أولى لأمور:

الأول: أن فيه إدخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت لذتها، فإن وافقت عليه ففيه ما يأتي، وهو:

الثاني: أنه يفوت بعض مقاصد النكاح، وهو تكثير نسل أمة نبينا صلى الله عليه وسلم، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ".

أي: أغالب بكم الأمم السابقة في الكثرة، وهو تعليل للأمر بتزوج الولود الودود، وإنما أتى بقيدين لأن الودود إذا لم تكن ولودا لا يرغب الرجل فيها، والولود غير الودود لا تحصل المقصود.

ولذلك وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالوأد الخفي حين سألوه عن العزل، فقال: "ذلك الوأد الخفي".

ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن الأولى تركه في حديث أبي سعيد الخدري أيضا، قال: "ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: ولم يفعل ذلك أحدكم؟ - ولم يقل: فلا يفعل ذلك أحدكم - فإنه ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها. وفي رواية: فقال: وإنكم لتفعلون، وإنكم لتفعلون، وإنكم لتفعلون؟

20 - ما ينويان بالنكاح:

وينبغي لهما أن ينويا بنكاحمها إعفاف نفسيهما، وإحصانهما من الوقوع فيما حرم الله عليهما، فإنه تكتب مباضعتهما صدقة لهما، لحديث أبي ذر رضي الله عنه: "أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة، [وبكل تكبير صدقة، وبكل تهليلة صدقة، وبكل تحميدة صدقة]، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليها فيها وزر؟ قالوا: بلى، قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له [فيها] أجر. [وذكر أشياء: صدقة، صدقة، ثم قال: ويجزئ من هذا كله ركعتا الضحى].

"وظاهر الحديث أن الوطء صدقة وإن لم ينو شيئا".

قلت: لعل هذا عند كل وقاع، وإلا فالذي أراه أنه لا بد من النية عند عقده عليها. والله أعلم.

21 - ما يفعل صبيحة بنائه:

ويستحب له صبيحة بنائه بأهله أن يأتي أقاربه الذين أتوه في داره، ويسلم عليهم، ويدعو لهم، وأن يقابلوه بالمثل لحديث أنس رضي الله عنه قال: "أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بنى بزينب، فأشبع المسلمين خبزاً ولحماً، ثم خرج إلى أمهات المؤمنين فسلم عليهن، ودعا لهن، وسلمن عليه ودعون له، فكان يفعل ذلك صبيحة بنائه".

22 - وجوب اتخاذ الحمام في الدار:

ويجب عليهما أن يتخذا حماماً في دارهما، ولا يسمح لها أن تدخل حمام السوق، فإن ذلك حرام، وفيه أحاديث:

الأول: عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر".

الثاني: عن أم الدرداء قالت: "خرجت من الحمام، فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من أين يا أم الدرداء؟ قالت: من الحمام، فقال: والذي نفسي بيده، ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها، إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن".

الثالث: عن أبي المليح قال: "دخل نسوة من أهل الشام على عائشة رضي الله عنها، فقالت: ممن أنتن؟ قلن: من أهل الشام، قالت: لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمام؟ قلن: نعم، قالت: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى".

23 - تحريم نشر أسرار الاستمتاع:

ويحرم على كل منهما أن ينشر الأسرار المتعلقة بالوقاع، وفيه حديثان:

الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها".

أي: يصل إليها بالمباشرة والمجامعة، ومنه قوله تعالى: (وقد أفضى بعضكم إلى بعض).

الثاني : عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرجال والنساء قعود، فقال: "لعل رجلا يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها ؟ فأرم القوم [أي: فسكتوا ولم يجيبوا]، فقلت: إي والله يا رسول الله إنهن ليفعلن، وإنهم ليفعلون. قال: "فلا تفعلوا، فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق، فغشيها والناس ينظرون".

24 - وجوب الوليمة:

ولا بد له من عمل وليمة بعد الدخول لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف بها، ولحديث بريدة ابن الحصيب، قال: "لما خطب علي فاطمة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه لا بد للعرس (وفي رواية للعروس) من وليمة".

25 - السنة في الوليمة:

وينبغي أن يلاحظ فيها أمورا:

الأول: أن تكون ثلاثة أيام عقب الدخول، لأنه هو المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس رضي الله عنه قال: "بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة، فأرسلني فدعوت رجالا على الطعام".

وعنه قال: "تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية، وجعل عتقها صداقها، وجعل الوليمة ثلاثة أيام".

الثاني: أن يدعو الصالحين إليها، فقراء كانوا أو أغنياء، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي".

الثالث: أن يولم بشاة أو أكثر إن وجد سعة. "أولم ولو بشاة".

26 - جواز الوليمة بغير لحم:

ويجوز أن تؤدى الوليمة بأي طعام تيسر، ولم لم يكن فيه لحم، لحديث أنس رضي الله عنه قال: "أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني عليه بصفية، فدعوت المسلمين إلى وليمته، وما كان فيها من خبز ولا لحم، وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع [بساط من الجلد المدبوغ] فبسطت، وجيء بالأنطاع فوضعت فيها، فألقي عليها التمر والأقط والسمن [فشبع الناس]".

27 - مشاركة الأغنياء بمالهم في الوليمة:

ويستحب أن يشارك ذوو الفضل والسعة في إعدادها لحديث أنس في قصة زواجه صلى الله عليه وسلم بصفية قال: "حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم، فأهدتها له من الليل، فأصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروسا فقال: من كان عنده شيء فليجئ به، (وفي رواية: من كان عنده فضل زاد فليأتنا به)، قال: وبسط نطعا، فجعل الرجل يجئ بالأقط، وجعل الرجل يجيء بالتمر، وجعل الرجل يجيء بالسمن، فحاسوا حيسا [فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس ويشربون من حياض إلى جنبهم من ماء السماء]، فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم".

28 - تحريم تخصيص الأغنياء بالدعوة:

ولا يجوز أن يخص بالدعوة الأغنياء دون الفقراء لقوله صلى الله عليه وسلم: "شر الطعام طعام الوليمة، يدعى لها الأغنياء، ويمنعها المساكين، ومن لم يجب الدعوة فقط عصى الله ورسوله".

29 - وجوب إجابة الدعوة:

ويجب على من دعي إليها أن يحضرها، وفيها حديثان:

الأول: "فكوا العاني [الأسير، أي اعتقوه من أيدي العدو بمال أو غيره]، وأجيبوا الداعي، وعودوا المريض".

الثاني: "إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها [عرسا كان أو نحوه]، ومن لم يجب الدعوة، فقد عصى الله ورسوله".

30 - الإجابة ولو كان صائماً:

وينبغي أن يجيب ولو كان صائماً، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليطعم، وإن كان صائما فليصل [يعني: الدعاء].

31 - الإفطار من أجل الداعي:

وله أن يفطر إذا كان متطوعا في صيامه، ولا سيما إذا ألح عليه الداعي، وفيه أحاديث:

الأول: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن شاء طعم، وإن شاء ترك".

الثاني: "الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر".

الثالث: حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: هل عندكم شيء؟ فقلت: لا. قال: فإني صائم. ثم مر بي بعد ذلك اليوم وقد أهدي إلي حيس، فخبأت له منه، وكان يحب الحيس، قالت: يا رسول الله إنه أهدي لنا حيس فخبأت لك منه. قال: أدنيه أما إني قد أصبحت وأنا صائم. فأكل منه، ثم قال: إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة، فإن شاء أمضاها، وإن شاء حبسها".

32 - لا يجب قضاء يوم النفل:

ولا يجب عليه قضاء ذلك اليوم، وفيه حديثان:

الأول: عن أبي سعيد الخدري قال: "صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً، فأتاني هو وأصحابه، فلما وضع الطعام قال رجل من القوم: إني صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعاكم أخوكم وتكلف لكم، ثم قال له: أفطر وصم مكانه يوما إن شئت".

الثاني : عن أبي جحيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين سلمان وبين أبي الدرداء، قال: فجاءه سلمان يزوره، فإذا أم الدرداء متبذلة [أي تاركة لثياب الزينة]، فقال: ما شأنك يا أم الدرداء؟ قالت: إن أخاك أبا الدرداء يقوم الليل ويصوم النهار، وليس له في شيء من الدنيا حاجة، فجاء أبو الدرداء فرحب به، وقرب إليه طعاما، فقال له سلمان: أطعم، قال: إني صائم، قال: أقسمت عليك لتفطرنه، ما أنا بآكل حتى تأكل، فأكل معه، ثم بات عنده، فلما كان من الليل أراد أبو الدرداء أن يقوم، فمنه سلمان وقال له: يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا، ولربك عليك حقا، [ولضيفك عليك حقا]، ولأهلك عليك حقا، صم، وأفطر، وصل، وائت أهلك، وأعط كل ذي حق حقه، فلما كان في وجه الصبح، قال: قم الآن إن شئت، قال : فقاما فتوضأ، ثم ركعا، ثم خرجا إلى الصلاة، فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أمره سلمان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا ، مثل ما قال سلمان". وفي رواية: صدق سلمان.

33 - ترك حضور الدعوة التي فيها معصية:

ولا يجوز حضور الدعوة إذا اشتملت على معصية، إلا أن يقصد إنكارها ومحاولة إزالتها، فإن أزيلت وإلا وجب الرجوع، وفيه أحاديث:

الأول: عن علي قال: "صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء فرأى في البيت تصاوير، فرجع [قال: فقلت: يا رسول الله ما أرجعك بأبي أنت وأمي؟ قال: إن في البيت سترا فيه تصاوير، وإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تصاوير".

الثاني: عن عائشة أنها اشترت نمرقة [أي: وسادة] فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب، فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكراهية، فقلت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله، ماذا أذنبت؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ما بال هذه النمرقة؟ فقلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن أصحاب هذه الصور (وفي رواية: إن الذين يعملون هذه التصاوير) يعذبون يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وإن البيت الذي فيه [مثل هذه] الصور لا تدخله الملائكة [قالت: فما دخل حتى أخرجتها]".

الثالث: قال: صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار عليها بالخمر".

وعلى ما ذكرنا جرى عليه عمل السلف الصالح رضي الله عنهم، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا، فأقتصر على ما يحضرني الآن منها:

أ- عن أسلم - مولى عمر - أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قدم الشام، فصنع له [طعاماً] رجل من النصارى، فقال لعمر: إني أحب أن تجيئني وتكرمني أنت وأصحابك - وهو رجل من عظماء الشام - فقال له عمر رضي الله عنه: "إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها".

واعلم أن في قول عمر دليلا واضحا على خطأ ما يفعله بعض المشايخ من الحضور في الكنائس الممتلئة بالصور والتماثيل استجابة منهم لرغبة بعض المسؤولين أو غيرهم.

ب- عن أبي مسعود - عقبة بن عمرو - أن رجلا صنع له طعاما، فدعاه، فقال: أفي البيت صورة؟ قال: نعم، فأبى أن يدخل حتى كسر الصورة ثم دخل.

ج- قال الإمام الأوزاعي: "ا ندخل وليمة فيها طبل ولا معزاف".

34 - ما يستحب لمن حضر الدعوة:

ويستحب لمن حضر الدعوة أمران :

الأول : أن يدعو لصاحبها بعد الفراغ بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم وهو أنواع:

أ - عن عبد الله بن بسر أن أباه صنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما، فدعاه، فأجابه، فلما فرغ من طعامه قال: "اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وبارك لهم فيما رزقتهم".

ب - عن المقداد بن الأسود قال: قدمت أنا وصاحبان لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأصابنا جوع شديد، فتعرضنا للناس، فلم يضيفنا أحد، فانطلق بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله وعنده أربع أعنز، فقال لي: يا مقداد جزئ ألبانها بيننا أرباعا، فكنت أجزئه بيننا أرباعا، [فيشرب كل إنسان نصيبه، ونرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبه]، فاحتبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فحدثت نفسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتى بعض الأنصار، فأكل حتى شبع، وشرب حتى روي، فلو شربت نصيبه، فلم أزل كذلك حتى قمت إلى نصيبه فشربته، ثم غطيت القدح، فلما فرغت أخذني ما قدم وما حدث، فقلت: يجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم جائعا ولا يجد شيئا، فتسجيت [أي تغطيت. يعني: يريد أن ينام] قال: وعلي شملة من صوف كلما رفعت على رأسي خرجت قدماي، وإذا أرسلت على قدمي خرج رأسي، قال: وجعل لا يجيئني النوم، وجعلت أحدث نفسي، قال: وأما صاحباي فناما، فبينا أنا كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم تسليمة يسمع اليقظان، ولا يوقظ النائم، [ثم أتى المسجد فصلى]، ثم أتى القدح فكشفه، فلم ير شيئا، فقال: "اللهم أطعم من أطعمني، واسق من سقاني"، واغتنمت الدعوة، فعمدت إلى الشملة فشددتها علي، فقمت إلى الشفرة [السكين] فأخذتها، ثم أتيت الأعنز، فجعلت أجتسها [أمسها بيدي] أيها اسمن [فأذبح لرسول الله صلى الله عليه وسلم]، فلا تمر يدي على ضرع واحدة إلا وجدتها حافلا [أي: ممتلئاً لبن]، فعمدت إلى إناء لآل محمد ما كانوا يطمعون أن يحلبوا فيه، فحلبت حتى ملأت القدح، ثم أتيت [به] رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فقال: أما شربتم شرابكم الليلة يا مقداد؟ قال: فقلت: اشرب يا رسول الله فرفع رأسه إلي، فقال: بعض سوآتك يا مقداد، ما الخبر؟ قلت: اشرب ثم الخبر، فشرب حتى روي، ثم ناولني فشربت، فلما عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد روي وأصابتني دعوته، ضحكت، حتى ألقيت إلى الأرض، فقال: ما الخبر؟ فأخبرته، فقال: هذه بركة نزلت من السماء، فهلا أعلمتني حتى نسقي صاحبينا؟ فقلت: [والذي بعثك بالحق]، إذا أصابتني وإياك البركة، فما أبالي من أخطأت".

الثاني: عن أنس أو غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور الأنصار، فإذا جاء إلى دور الأنصار جاء صبيان الأنصار يدورون حوله، فيدعوا لهم، ويمسح رؤوسهم ويسلم عليهم، فأتى إلى باب سعد بن عبادة فاستأذن على سعد فقال: السلام عليكم ورحمة الله فقال سعد: وعليك السلام ورحمة الله، ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلم ثلاثا، ورد عليه سعد ثلاثا، ولم يسمعه، [وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد فوق ثلاث تسليمات ، فإن أذن له، وإلا انصرف]، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم، واتبعه سعد، فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني، ولقد رددت عليك ولم أسمعك، أحببت أن أستكثر من سلامك ومن البركة، [فادخل يا رسول الله]، ثم أدخله البيت، فقرب له زبيبا، فأكل نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ قال: "أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون".

الأمر الثاني: الدعاء له ولزوجه بالخير والبركة، وفيه أحاديث:

الأول: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "هلك أبي، وترك سبع بنات أو تسع بنات، فتزوجت امرأة ثيبا، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: تزوجت يا جابر؟ فقلت: نعم، فقال: أبكرا أم ثيبا، قلت: بل ثيبا، قال: فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك؟ فقلت له: إن عبد الله هلك وترك [تسع أو سبع] بنات، وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن، فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن، فقال: "بارك الله لك"، أو قال لي خيرا.

الثاني: عن بريدة رضي الله عنه قال: قال نفر من الأنصار لعلي: عندك فاطمة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال: ما حاجة ابن أبي طالب؟ فقال : يا رسول الله ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: مرحبا وأهلا، لم يزد عليهما، فخرج علي بن أبي طالب على أولئك الرهط من الأنصار ينتظرونه، قالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري غير أنه قال لي: مرحبا وأهلا، فقالوا: يكفيك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما، أعطاك الأهل والمرحب، فلما كان بعد ذلك، بعدما زوجه قال: يا علي إنه لا بد للعروس من وليمة، فقال سعد: عندي كبش، وجمع له رهط من الأنصار أصوعا من ذرة، فلما كانت ليلة البناء، قال: لا تحدث شيئا حتى تلقاني، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ فيه، ثم أفرغه على علي، فقال: "اللهم بارك فيهما، وبارك لهما في بنائهما".

الثالث: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم، فأتتني أمي، فأدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن: "على الخير والبركة، وعلى خير طائر". [وطائر الإنسان: نصيبه]

الخامس: عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ الإنسان إذا تزوج قال: "بارك الله لك، وبارك الله عليك، وجمع بينكما في (وفي رواية: على) خير".

وإذا رفأ الإنسان: معناه دعا له في موضع قولهم: "بالرفاه والبنين"، وكانت كلمة تقولها أهل الجاهلية، فورد النهي عنها.

35 - بالرفاء والبنين تهنئة الجاهلية:

ولا يقول: (بالرفاء والبنين) كما يفعل الذين لا يعلمون، فإنه من عمل الجاهلية، وقد نهي عنه في أحاديث، منها: عن الحسن أن عقيل بن أبي طالب تزوج امرأة من جشم، فدخل عليه القوم، فقالوا: بالرفاء والبنين، فقال: لا تفعلوا ذلك [فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك]، قالوا: فما نقول يا أبا زيد؟ قال: قولوا: بارك الله لكم، وبارك عليكم، إنا كذلك كنا نؤمر.

الخميس، 9 يوليو 2009

إدارة الأوقاف المسيحية ( القبطية )

استئناف - بطلان - حكم - قوة الأمر المقضي – وقف ( إدارة الأوقاف القبطية )

**************************

[ تم قبول هذا الطعن ]

صدر هذا الحكم برئاسة: محمد مصباح شرابيه نائب رئيس المحكمة. وعضوية: فتحي محمود يوسف وسعيد غرياني وحسين السيد متولي وعبد الحميد الحلفاوي نواب رئيس المحكمة.

---- 1 ----

ولئن كان القرار الجمهوري رقم 1433 لسنة 1960 في شأن إدارة أوقاف الأقباط الأرثوذكس قد صدر نفاذاً للقانون رقم 264 لسنة 1960 في شأن استبدال الأراضي الزراعية الموقوفة على جهات البر للأقباط الأرثوذكس الذي قضت المادة الثانية منه بإنشاء هيئة أوقاف الأقباط الأرثوذكس لتتولى اختيار القدر المحدد واستلام قيمة الأراضي المستبدلة بما يفيد أن المشرع ناط بتلك الهيئة أساسا أداء هذه المهمة إلا أنه لما كانت المادة سالفة الذكر قد تركت القرار الجمهوري تحديد اختصاصات تلك الهيئة وكانت الفقرة "هـ" من المادة الثانية منه قد خولها سلطة تعيين وعزل القائمين على إدارة الأوقاف، فإن ما عنته هذه الفقرة ينصرف إلى الأوقاف الصادرة من غير المسلم ويكون مصرفها متمحضاً لجهة من الجهات البر القبطية الأرثوذكسية بالذات لا تشاركها فيه جهة بر عامة غير طائفية وبحيث لا يثور نزاع حول الأحقية في النظارة عليها تبعا للجدل حول صفتها الطائفية وخلوص مصرفها لها.

---- 2 ----

لما كان الوقف في شقه الخاص بالسراي والسلاملك لجهة بر عامة، فإن هيئة أوقاف الأقباط الأرثوذكس لا تختص بإدارته واستثماره طبقا لقرار رئيس الجمهورية رقم 1433 لسنة 1960 في شأن إدارة أوقاف الأقباط الأرثوذكس إذ أن الوقف في هذا الخصوص ليس قاصرا على الأفراد المنتمين لهذه الطائفة الدينية أو غرض ديني متعلق بها فينعقد الاختصاص في هذا الشأن لوزير الأوقاف وهيئة الأوقاف المصرية من بعده طبقا للقانون رقم 80 لسنة 1971 بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية على نحو ما سلف ومتى كان الوقف غير خاص بالجهة التي يمثلها كل من الطاعنين ولا يتعلق بنشاط أو غرض ديني مما يندرج في الخيرات أو شئون البر الخاصة بالكنيسة والمنتمين إليها بصفتهم من أتباعها ولها الرئاسية الدينية عليهم فإنه لا يقبل من الطاعنين المنازعة في قرار صادر من وزير الأوقاف بشأن الوقف المذكور سواء من حيث شكل هذا القرار أو مضمونه.

---- 3 ----

مؤدى نص المادتين 1/2،3من القانون رقم 247 لسنة 1953 المعدل بالقانونين رقمي 547 ، 296 لسنة 1954، والمادتين 1 ، 17 من القانون رقم 272 لسنة 1959 ـ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ أن المشرع أقام وزارة الأوقاف في النظر على الوقف الخيري ما لم يشترط الواقف النظر لنفسه، وجعلها أحق بالنظر ممن شرط له الواقف ولو كان من ذريته أو أقاربه باعتبارها صاحبة الولاية العامة وأولى من غيرها برعاية جهات الخير وحمايتها وتوجيه الريع إلى المصارف ذات النفع العام وتحقيق غرض الواقف من التقرب إلى الله تعالى بالصدقة الجارية فأعطاها الحق في النظر بحكم القانون في الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون رقم247 لسنة 1953 وأورد بالمادة الثالثة منه استثناء على هذا الحق خاصاً بوقف غير المسلم على مصرف لغير جهة إسلامية ليقيم القاضي ناظره إن لم يشترط الواقف النظر لنفسه أو لوزارة الأوقاف مما مفاده أن المشرع أصبح لا يقيد سلطة القاضي في تعيين من يراه صالحا للنظارة على الأوقاف الخيرية الطائفية ولم يمنعه من أن يعين وزارة الأوقاف ناظرا على وقف غير المسلم ولو كان مصرفه لجهة غير إسلامية متى رأى ذلك صالحا وهو ما يفيد انتفاء الأساس الذي كان يبنى عليه حظر إقامة وزارة الأوقاف ناظرة على وقف غير المسلم المرصود لجهة طائفية.

---- 4 ----

النص في المادة الأولى من القانون رقم 247 لسنة 1953 بشأن النظر على الأوقاف الخيرية وتعديل مصارفها على جهات البر المعدل بالقانون رقم 30 لسنة 1957 على أنه "إذا لم يعين الواقف جهة البر الموقوف عليها أو عينها ولم تكن موجودة أو وجدت مع وجود جهة بر أولى منها جاز لوزير الأوقاف بموافقة مجلس الأوقاف الأعلى تغيير مصارف الوقف وصرف الريع كله أو بعضه على الجهة التي يعينها دون تقيد بشرط الواقف" بما مفاده أن المشرع استثنى هذه الحالة من قاعدة لزوم الوقف بعد موت الواقف وذلك بمنحه وزير الأوقاف الحق في تغيير مصرف الوقف الخيري بما يراه أوفى بتحقيق معنى القربة إلى الله تعالى دون تقيد بشرط الواقف.

---- 5 ----

المقرر في قضاء هذه المحكمة أن المسألة الواحدة إذا كانت أساسية وكان ثبوتها أو عدم ثبوتها هو الذي ترتب عليه القضاء بثبوت الحق المطلوب في الدعوى أو بانتفائه فإن هذا القضاء يحوز قوة الشيء المحكوم فيه في تلك المسألة بين الخصوم أنفسهم ويمنعهم من التنازع بطريق الدعوى أو بطريق الدفع في شأن أي حق آخر متوقف ثبوته أو انتفاؤه على ثبوت تلك المسألة السابق الفصل فيها بين الخصوم أنفسهم أو على انتفائها.

---- 6 ----

المقرر ـ في قضاء هذه المحكمة ـ أنه إذا كانت المادة 178 من قانون المرافعات المعدلة بالقانون رقم 13 لسنة 1973 قد أوجبت أن تشتمل الأحكام على الأسباب التي بنيت عليها وإلا كانت باطلة فإن ذلك مقتضاه أن تبين المحكمة الوقائع والأدلة التي استندت إليها في حكمها وكونت منها عقيدتها بحيث تستطيع محكمة النقض أن تراقب ثبوت الوقائع وأدلة هذا الثبوت وسلامة تطبيق القانون عليها وأن ما أثير حولها من دفاع لا يؤثر فيها، فإذا تعذر تعيين الدليل الذي كونت منه المحكمة اقتناعها بوجهة نظرها فإن الحكم يكون قد عابه قصور يبطله.

---- 7 ----

على محكمة الاستئناف إذا هي ألغت حكم محكمة الدرجة الأولى أن تبين الأسباب التي أقامت عليها قضائها.

( نقض مدني في الطعن رقم 7 لسنة 62 قضائية – جلسة 29/1/1996 مجموعة المكتب الفني – السنة 47 – الجزء الأول – صـ 249 ).

إلزام هيئة الأوقاف المصرية بتحرير عقد استبدال ( بيع )

مذكرة دفاع في دعوى إلزام الهيئة بتحرير عقد استبدال (بيع)

أولاً- الوقائع

تخلص وقائع الدعوى الماثلة في أن المدعي عقد الخصومة فيها بموجب صحيفة، أودعت قلم كتاب المحكمة، طلب في ختامها الحكم له: "بإلزام المدعى عليهما بصفتيهما بتحرير عقد استبدال بالممارسة له عن أرض التداعي (وهي قطعة الأرض الزراعية البالغ جملة مساحتها 11س 13طف والتابعة لجهة وقف/ دار الكتب الخيري. والكائنة بحوض أم مرعي/1 ضمن القطعة 25 و 4 ، بمنشأة القناطر، بالجيزة) والمبينة الحدود والمعالم بصدر صحيفة الدعوى، وذلك على أساس القيمة التقديرية لسعر القيراط في عام 2003 كقرار رئيس الهيئة ونصوص اللائحة والقانون، والمسدد عنها مبلغ 80000جم (ثمانون ألف جنيه) على ذمة الدخول في الممارسة، مع إلزام المدعى عليهما بصفتيهما بالمصاريف والأتعاب، وشمول الحكم بالنفاذ المعجل بلا كفالة".

وقال المدعي شرحاً لدعواه أنه يستأجر أعيان التداعي من هيئة الأوقاف المصرية منذ مدة طويلة، وحيث أنه تقدم بطلب إلى هيئة الأوقاف المصرية لاستبدال تلك الأطيان (شرائها)، وفي غضون عام 2003 وافق السيد الأستاذ/ رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية (كما زعم المدعي) على أن يسدد المدعي مبلغاً تحت حساب دخول جلسة الممارسة، وقد اعتبر المدعي ذلك بمثابة "وعداً بالبيع".

كما أستند المدعي في دعواه إلى قيام الهيئة بتقدير سعر القيراط في غضون عام 2003 لأرض قريبة من أطيان التداعي بمبلغ 25000جم (خمسة وعشرون ألف جنيه) للقيراط الواحد. مما حدا بالمدعي إلى إقامة دعواه الماثلة بغية القضاء له بطلباته سالفة الذكر.

إلا أن المدعي تردد في تأصيل وبيان أسانيد دعواه، حيث أن تارة يزعم بوجود "وعد بالبيع" ويخوض في تفاصيل شرح أركان وأحكام "الوعد بالبيع"، ثم نراه تارة أخرى يركن إلى الاستناد إلى "العربون" وأحكامه الواردة في القانون المدني. علماً بأن كلا الموضوعين (الوعد بالبيع – والبيع بالعربون) يختلفان عن بعضهما كلاً وجزءاً، كما أن المدعي تارة يلجأ إلى أحكام القانون المدني وتارة أخرى يلجأ إلى القواعد الخاصة المنصوص عليها في لائحة استبدال الأعيان الموقوفة، علماً بأن الخاص يقيد العام، وأن الأحكام الواردة في لائحة الاستبدال تختلف عن القواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني، مما شاب صحيفة الدعوى الماثلة بتشويش الرؤية وعدم وضوح السند الذي تؤسس عليه الدعوى، وإن كان الهدف منها واضحاً وهو إلزام الأوقاف ببيعها أملاكها للمدعي بدون سند من حقيقة الواقع أو صحيح القانون.

ثانياً- الدفاع

في مستهل دفاعنا نتمسك بجميع أوجه الدفاع والدفوع السابق إبداؤها منا سواء بمذكرات دفاعنا أو بحوافظ مستنداتنا أو بمحاضر الجلسات، ونعتبرهم جميعاً جزءاً لا يتجزأ من دفاعنا الراهن، ونضيف إلى ما سبق ما يلي:

1- ندفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للمُدعى عليه الثاني:

تنص المادة الأولى من القرار الجمهوري بقانون رقم 80 لسنة 1971 بشأن إنشاء هيئة الأوقاف المصرية على أن: "تنشأ هيئة عامة تسمى "هيئة الأوقاف المصرية" تكون لها الشخصية الاعتبارية".

كما تنص المادة التاسعة من القرار الجمهوري بقانون رقم 1141 لسنة 1972 بشأن تنظيم العمل بهيئة الأوقاف المصرية على أن: "يختص رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية بتمثيل هيئة الأوقاف المصرية أمام القضاء وفى صلاتها بالغير".

ومفاد ذلك أن الممثل القانوني الوحيد لهيئة الأوقاف المصرية أمام القضاء وفي صلاتها بالغير هو السيد/ رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية دون سواه، وليس للسيد/ وكيل الوزارة للملكية العقارية بهيئة الأوقاف المصرية (المدعى عليه الثاني) أية صفة في تمثيل الهيئة أمام القضاء أو في صلاتها بالغير، حيث أن إدارة الملكية العقارية رئاسة المدعى عليه الثاني ما هي إلا إدارة من إدارات الهيكل التنظيمي لهيئة الأوقاف المصرية التي يمثلها كلها أمام القضاء وفي صلاتها بالغير رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية فقط. وعليه يكون الدفع المبدى من هيئة الأوقاف المصرية (المدعى عليها الأولى) بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة لوكيل الوزارة للملكية العقارية بهيئة الأوقاف المصرية (المدعى عليه الثاني) قد جاء مصادفاً لحقيقة الواقع وصحيح القانون متعيناً قبوله والقضاء به طبقاً للقانون.

علماً بأنه من المقرر في قضاء النقض أن: "المادة 115/1 مرافعات تنص على أن الدفع بعدم قبول الدعوى يجوز إبداؤه في أية حالة كانت عليها الدعوى، والمقصود بهذا الدفع هو الدفع بعدم القبول الموضوعي فلا ينطبق حكم هذه المادة على الدفع [الشكلي] الذي يتخذ اسم عدم القبول [أي الدفع بعدم القبول الإجرائي] لأن العبرة هي بحقيقة الدفع ومرماه وليس التسمية التي تطلق عليه". (نقض مدني في الطعن رقم 1863 لسنة 50 قضائية - جلسة 15/5/1984. لطفاً، المرجع: للمستشار/ عز الدين الدناصوري "التعليق على قانون المرافعات" - الطبعة الثامنة 1996 القاهرة - التعليق على المادة 115 مرافعات - صـ 650 وما بعدها).

حيث أن الدفع بعدم القبول الموضوعي يجوز إبداؤه في أية حالة كانت عليها الدعوى لكفالة حق الدفاع وتمكيناً للخصوم من إثارة كل ما يتعلق بوجود الحق في الدعوى في أية حالة كانت عليها الخصومة، ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف. وهذا الدفع يتعلق بالنظام العام وعلى القاضي أثارته من تلقاء نفسه مادامت أوراق القضية تدل عليه. (لطفاً، المرجع: للدكتور فتحي والى "الوسيط في شرح قانون القضاء المدني" - الطبعة الثالثة 1981 القاهرة - بند 282 - صـ 559 وما بعدها).

2- ندفع بعدم قبول الدعوى لعدم شهر صحيفتها:

تنص المادة 65/3 من قانون المرافعات على أنه: "لا تقبل دعوى صحة التعاقد على حق من الحقوق العينية العقارية إلا إذا أُشهرت صحيفتها".

والدفع بعدم قبول الدعوى لعدم إشهار الصحيفة هو دفع شكلي موجه إلى إجراءات الخصومة وكيفية توجيهها، ألا أنه دفع متعلق بالنظام العام لأن الباعث إلى تقريره - على ما يبين من المذكرة الإيضاحية للقانون - هو تحقيق مصلحة عامة اجتماعية واقتصادية تتعلق بنظام المجتمع الأعلى وتعلو على مصلحة الأفراد. ومن ثم يجوز إبداء هذا الدفع في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو أمام محكمة الاستئناف، بل للمحكمة من تلقاء نفسها أن تعرُض له وتحكم بعدم قبول الدعوى إذا ما استبان لها عدم شهر الصحيفة.

ويجب على المحكمة أن تتصدى لهذا الدفع وتفصل فيه على استقلال قبل التعرض للموضوع ومن ثم لا يجوز لها أن تأمر بضمه إلى الموضوع.

ولما كان طلب المُدعي الإلزام بتحرير عقد استبدال يقتضي أن تفصل المحكمة في أمر صحة ذلك العقد، وأن تفصل في أمر امتناع الهيئة المُستبدلة عن تنفيذ التزاماتها التي من شأنها نقل ملكية المبيع إلى المُستبدل. فإن هذه الدعوى – وفقاً للتكييف القانوني الصحيح المُنطبق على وقائعها – هي دعوى إثبات التعاقد المُسماة بـ: "دعوى صحة التعاقد". حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "دعوى إثبات التعاقد ودعوى صحة ونفاذ العقد هما مُسميان لدعوى واحدة موضوعية تمتد سلطة المحكمة فيها إلى بحث موضوع العقد ومداه ونفاذه". (نقض مدني في الطعن رقم 462 لسنة 39 قضائية – جلسة 7/12/1983. وفي الطعن رقم 86 لسنة 26 قضائية – جلسة 27/12/1962 مجموعة المكتب الفني – السنة 13 – صـ 1214. لطفاً، المرجع: "قضاء النقض في المواد المدنية" – للمُستشار/ عبد المنعم الدسوقي – المُجلد الأول – بيع – نطاق دعوى صحة التعاقد – القاعدة رقم 2758 – صـ 1029).

لما كان ما تقدم، وكان البين من الإطلاع على مُفردات هذه الدعوى أن المُدعي لم يقم بإشهار صحيفتها مما يتعين معه – والحال كذلك – القضاء بعدم قبول الدعوى لعدم شهر صحيفتها.

3- ندفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون رقم 7 لسنة 2000 بشأن لجان التوفيق في بعض المنازعات:

تنص المادة الأولى من القانون رقم 7 لسنة 2000 بإنشاء لجان التوفيق في بعض المُنازعات التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفاً فيها على أن: "تُنشأ في كل وزارة ومُحافظة وهيئة عامة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة لجنة أو أكثر للتوفيق في المُنازعات المدنية والتجارية والإدارية التي تنشأ بين هذه الجهات وبين العاملين بها أو بينها وبين الأفراد أو الأشخاص الاعتبارية الخاصة".

كما تنص المادة 11 من ذات القانون على أنه: "عدا المسائل التي يختص بها القضاء المُستعجل ومُنازعات التنفيذ والطلبات الخاصة بالأوامر على العرائض والطلبات الخاصة بأوامر الأداء وطلبات إلغاء القرارات الإدارية المُقترنة بطلبات وقف التنفيذ لا تُقبل الدعوى التي تُرفع ابتداءاً إلى المحاكم بشأن المُنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المُختصة وفوات الميعاد المُقرر لإصدار التوصية أو الميعاد المُقرر لعرضها دون قبول وفقاً لحكم المادة السابقة".

كما تنص المادة 14 من ذات القانون على أن: يُنشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويُعمل به اعتباراً من أول أكتوبر سنة 2000

وكذلك تنص المادة الثانية من قرار وزير العدل رقم 4213 لسنة 2000 بتنظيم العمل في لجان التوفيق في المُنازعات وأماناتها الفنية على أن: "تختص اللجان المُشار إليها بالمادة السابقة بالتوفيق في المُنازعات المدنية والتجارية والإدارية التي تنشأ بين الجهة المُنشأة فيها اللجنة وبين العاملين بها أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة وذلك فيما عدا المُنازعات الآتية:

1- المُنازعات التي تكون وزارة الدفاع والإنتاج الحربي أو أي من أجهزتها طرفاً فيها.

2- المُنازعات المُتعلقة بالحقوق العينية العقارية.

3- المُنازعات التي يُوجب القانون فضها أو تسويتها أو نظر التظلُمات المُتعلقة بها عن طريق لجان قضائية أو إدارية.

4- المُنازعات التي يتفق الأطراف على فضها عن طريق هيئات التحكيم.

5- المُنازعات التي تُقرر لها القوانين أنظمة خاصة بها تنفرد بالاختصاص بنظرها".

وحيث أن مفاد ما تقدم، أن المُشرع رغبةً منه في تيسير إجراءات التقاضي وعدم إطالة أمد التقاضي في المحاكم قد قام بإنشاء لجان في كل وزارة أو مُحافظة أو هيئة عامة أو غيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة لتختص بالتوفيق في المُنازعات المدنية والتجارية والإدارية التي تنشأ بين الجهة المُنشأ فيها اللجنة وبين العاملين بها أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة، وأوجب المشرع بالنسبة للمُنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون عدم رفع الدعوى ابتداءاً إلى المحاكم إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المُختصة وفوات الميعاد المُقرر لإصدار التوصية أو الميعاد المُقرر لعرضها دون قبول، ورتب المشرع على رفع الدعوى ابتداءاً إلى المحاكم دون اتخاذ الإجراءات سالفة الذكر، عدم قبول الدعوى .

لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن الدعوى الماثلة من الدعاوى التي تخضع لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 حيث أنها رُفِعَت ضد هيئة عامة في تاريخ لاحق لتاريخ العمل بالقانون سالف الذكر والساري اعتباراً من 1/10/2000، كما أن الدعوى الماثلة ليست من المُنازعات المُستثناة من الخضوع لأحكامه، كما أن الثابت أن الدعوى الماثلة قد رُفِعَت ابتداءاً أمام عدالة المحكمة دون إتباع الإجراءات المُحددة في المادة 11 من القانون رقم 7 لسنة 2000 وهي تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المُختصة وفوات الميعاد المُقرر لإصدار التوصية أو الميعاد المُقرر لعرضها دون قبول، فمن ثم تعين القضاء بعدم قبولها لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون.

علماً بأن عدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون من النظام العام، ذلك أن هذا الدفع يتعلق بإجراءات التقاضي وهي من النظام العام ويترتب على ذلك أنه إذا ما رُفِعَت الدعوى ابتداءً أمام المحكمة المُختصة وكانت من المُنازعات الخاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 أو رُفِعَت دون مُراعاة المواعيد والإجراءات المنصوص عليها بالمادتين العاشرة والحادية عشرة كان على المحكمة أن تقضي بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون من تلقاء نفسها دون حاجة إلى دفع أو طلب من الخصوم. كما يجوز للخصوم ولكل ذي مصلحة أن يتمسك بالدفع، كما يجوز إبداؤه في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض، كما أنه لا يجوز الاتفاق بين الخصوم على رفع المُنازعة الخاضعة لأحكام القانون رقم 7 لسنة 2000 أمام المحكمة المُختصة مُباشرة دون اللجوء إلى لجان التوفيق وكل اتفاق من هذا القبيل يُعد باطلاً لمُخالفته لقواعد القانون الآمرة التي لا يجوز الاتفاق على مًُخالفتها. (المرجع: "قانون لجان التوفيق في بعض مُنازعات الدولة" – للمُستشار/ عبد الرحيم على محمد – الطبعة الأولى عام 2000 القاهرة - بند 330 – صـ 240 ، 241).

ومما هو جدير بالذكر أن محكمة النقض قضت في الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون رقم 79 لسنة 1975 الخاص بالتأمين الاجتماعي بأن: "الدفع بعدم قبول الدعوى لعدم مُراعاة الإجراءات والمواعيد المنصوص عليها في قانون التأمين الاجتماعي يُعد مطروحاً على محكمة الموضوع ولو لم يُدفع به أمامها، وعلة ذلك هي تعلقه بالنظام العام فلا يسقط الحق في التمسك به ويتعين على المحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها". (نقض مدني في الطعن رقم 5024 لسنة 61 قضائية – جلسة 1/3/1998. والطعن رقم 2247 لسنة 51 قضائية – جلسة 3/3/1985. ومُشار إليهما في مرجع: "قانون لجان التوفيق في بعض مُنازعات الدولة" – المرجع السابق – نفس الموضع).

ومن جماع ما تقدم، يتضح لعدالة المحكمة أن الدفع بعدم قبول الدعوى الماثلة لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون رقم 7 لسنة 2000 بشأن لجان التوفيق في بعض المنازعات، قد صادف حقيقة الواقع وصحيح القانون جديراً بالقبول والقضاء به.

4- نجحد كافة الصور الضوئية المقدمة من المدعي:

قدم المدعي صوراً ضوئية لمستنداته بحوافظ مستنداته المقدمة في الدعوى الماثلة، وهيئة الأوقاف المصرية (المُدعى عليها) تتمسك بجحد كافة الصور الضوئية المُقدمة من المدعي في الدعوى الماثلة.

لما كان ذلك، وكان من المُقرر في قضاء النقض أنه: "لا حجية لصور الأوراق في الإثبات إلا بمقدار ما تهدى إلى الأصل إذا كان موجوداً فيرجع إليه كدليل في الإثبات. أما إذا كان الأصل غير موجود فلا سبيل للاحتجاج بالصورة إذا أنكرها الخصم ومن ثم لا تثريب على محكمة الموضوع بدرجتيها إن هي التفتت بالتالي عن صورة الورقة المقدمة من الطاعن ولا عليها إن هي لم تُجر تحقيقاً في هذا الشأن ولم ترد على ما أبداه من دفاع". (نقض مدني في الطعون أرقام 407 لسنة 49 قضائية - جلسة 19/12/1982 وفي الطعنين رقمي 598 و 55 لسنة 50 قضائية - جلسة 28/2/1984. وفي الطعن رقم 687 لسنة 43 قضائية - جلسة 24/1/1978 السنة 29 صـ 279).

وهدياً بما تقدم، ولما كان المُدعي قد جاءت مُستندات دعواه الماثلة خالية من أصولها وكانت هيئة الأوقاف المصرية (المُدعى عليها) قد جحدت تلك الصور الضوئية المُقدمة منها، الأمر الذي يُفقدها حُجيتها في الإثبات بما يكون معه المُدعي قد أخفق في إثبات دعواه في هذه الحالة. مما يتعين معه الالتفات بالكلية عن تلك الأوراق المجحودة.

5- نطلب رفض الدعوى الماثلة..

تأسيساً على عدم الإعلان عن تمليك أطيان التداعي:

حيث أن هيئة الأوقاف المصرية لم يسبق لها أن أعلنت عن تمليك أطيان التداعي. وعلى سبيل الفرض الجدلي المحض أن هيئة الأوقاف قد أعلنت عن رغبتها في تمليك أطيان فإن هذا الإعلان لا يعدو أن يكون دعوة إلي التفاوض ليس إلا. وقد كان المشروع التمهيدي للقانون المدني ينص في المادة 134 منه على أن: "النشر والإعلان وبيان الأسعار الجاري التعامل بها وكل بيان آخر متعلق بعروض أو طلبات موجهة للجمهور أو للأفراد، لا تعتبر عند الشك إيجاباً، وإنما يكون دعوة إلي التفاوض". وقد حذف هذا النص في لجنة المراجعة لعدم الحاجة إليه إذ يسهل على القضاء تطبيق هذا الحكم دون النص عليه. (مجموعة الأعمال التحضيرية 2 صـ 41 في الهامش).

هذا، مع الأخذ في الاعتبار أن القانون لا يرتب على المفاوضات أثراً قانونياً، فكل متفاوض حر في قطع المفاوضة في الوقت الذي يريد. ولا مسئولية على من عدل، بل هو لا يكلف بإثبات أنه عدل لسبب جدي، وليست المفاوضات إلا عملاً مادياً لا يلزم أحداً. (لطفاً، المرجع: للدكتور عبد الرازق أحمد السنهوري - الوسيط في شرح القانون المدني - الجزء الأول "مصادر الالتزام" - المجلد الأول "العقد" - الطبعة الثالثة 1981 القاهرة - بند 100 – صـ 261 وما بعدها وهوامشها).

وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأن: "المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الإعلان الموجه للجمهور أو للأفراد لا يعدو أن يكون دعوة إلي التفاوض وأن المفاوضات ليست إلا عملاً مادياً ولا يترتب عليها بذاتها أي أثر قانوني فكل متفاوض حر في قطع المفاوضة في الوقت الذي يريد دون أن يتعرض لأية مسئولية أو يُطَالب ببيان المبرر لعدوله". (نقض مدني في الطعن رقم 862 لسنة 52 قضائية - جلسة 19/1/1986 منشور بمجموعة القواعد التي قررتها محكمة النقض في خمس سنوات "1980/1985" للمستشار/ محمود نبيل النباوي - المجلد الثاني "في المواد المدنية والإثبات" - طبعة نادي القضاة 1989 – صـ 861).

ومفاد ما تقدم، أنه لا مسئولية على هيئة الأوقاف المصرية لعدم إبرامها عقد بيع أطيان التداعي، لأنها "أولاً" لم تعلن عن بيع تلك الأعيان؛ ولأنها "ثانياً" عل فرض إعلانها عن بيع تلك العين، فإن هذا الإعلان إنما هو دعوة للتفاوض ولا مسئولية على الهيئة إن هي عدلت عن إبرام البيع، وهي كذلك غير ملزمة ببيان مبرر لعدولها. وعليه تكون دعوى المدعي الماثلة قد جاءت مخالفة لحقيقة الواقع وصحيح القانون متعيناً - والحال كذلك - القضاء برفضها، وهو ما تطالب به هيئة الأوقاف المصرية على سبيل الجزم واليقين.

6- نطلب رفض الدعوى الماثلة..

تأسيساً على عدم اعتماد رئيس مجلس الإدارة للبيع المزعوم:

حيث تنص المادة الحادية عشر من القانون رقم 80 لسنة 1971 بإنشاء هيئة الأوقاف المصرية، على أن: "يصدر رئيس الجمهورية قراراً بتنظيم العمل بالهيئة وتشكيل مجلس إدارتها وبيان اختصاصاته ...".

كما تنص المادة الأولى من القرار الجمهوري رقم 1141 لسنة 1972 بشأن تنظيم العمل بهيئة الأوقاف المصرية، على أن: "تقوم هيئة الأوقاف المصرية بإدارة واستثمار الأوقاف على الوجه الذي يحقق لها أكبر عائد للمعاونة في تحقيق أهداف نظام الوقف ورسالة وزارة الأوقاف، ويكون للهيئة أن تتعاقد وتجري جميع التصرفات والأعمال التي من شأنها تحقيق الغرض الذي أنشئت من أجله".

كما تنص المادة الحادية عشر (المعدلة بقرار رئيس الجمهورية رقم 724 لسنة 1981) من القرار الجمهوري رقم 1141 لسنة 1972 سالف الذكر، على أن: "يكون للهيئة أن تشتري الأعيان التي تتولى لجان القسمة بيعها طبقاً لأحكام القانون رقم 55 لسنة 1960 ... وكذلك لها استبدال أو بيع العقارات بطريق المزاد العلني، ويجوز للهيئة الاستبدال أو البيع بالممارسة في الأحوال الآتية: أ- ... ب- ... ج- ... د- لمستأجري الأراضي الزراعية للمساحات المتناثرة التي لا تزيد كل منها على ثلاثة أفدنه ... وذلك كله بالشروط والأوضاع التي يحددها مجلس إدارة الهيئة بقصد إعادة استثمار هذه الأموال".

كما تنص المادة الرابعة (البند أولاً) من لائحة إدارة واستثمار أموال وأعيان الأوقاف والتصرف فيها، على أن: "يختص مجلس إدارة الهيئة بالبت في المسائل الآتية: أولاً- استبدال الأعيان ...".

كما تنص المادة الخامسة من اللائحة المذكورة، على أن: "يكون الاستبدال بالمزاد العلني في جميع الأحوال على أنه يجوز الاستبدال أو البيع بالممارسة على أساس الثمن الأساسي المحدد بمعرفة اللجان المختصة، وذلك في الأحوال الآتية: ... لمستأجري الأراضي الزراعية للمساحات المتناثرة التي لا تزيد كل منها على ثلاثة أفدنه ...".

كما تنص المادة السادسة من اللائحة المذكورة، على أن: "في حالة الاستبدال بالممارسة لمستأجري الأراضي الزراعية للمساحات المتناثرة التي لا تزيد كل منها على ثلاثة أفدنه ... يراعى ما يأتي: أ- تسديد 20% من الثمن المقدر بمعرفة الهيئة مُقدماً مع الرسوم المستحقة والمصاريف بواقع 10% من جملة قيمة الثمن تحت الحساب. ب- تسديد باقي الثمن على عشرة أقساط سنوية على أن يستحق القسط الأول خلال شهر من تاريخ قرار رئيس مجلس الإدارة بالموافقة على الاستبدال ...".

كما تنص المادة الرابعة عشر من اللائحة المذكورة، على أن: "تتم إجراءات الاستبدال على الوجه التالي: أ- ... ب- ... ج- ... د- تتولى الإدارة العامة للملكية العقارية عرض الصفقات على لجنة الاستبدال لتقرير ما تراه بشأن الموافقة على الاستبدال من عدمه، واعتماد السعر الأساسي للاستبدال. هـ- تعرض قرارات لجنة الاستبدال على مجلس الإدارة للنظر في الموافقة على الاستبدال واعتماد سعر البيع الأساسي للصفقات، وفي حالة موافقة المجلس على ذلك، تقوم أجهزة الهيئة باتخاذ إجراءات الاستبدال النهائية. و- ... ز- ... ح- يكون لمدير عام الأملاك والاستثمار بالهيئة اعتماد المزاد أو الممارسة فيما لا يجاوز 2000 جنيه للصفقة الواحدة، ولمدير عام الهيئة اعتماد مرسى المزاد والممارسة فيما لا يجاوز 5000 جنيه للصفقة الواحدة، وما زاد على ذلك يكون باعتماد رئيس مجلس الإدارة ...".

"ومفاد جميع ما تقدم – وعلى ما جرى عليه قضاء محكمة النقض – أن الأصل في استبدال أو بيع عقارات الأوقاف يكون بطريق المزاد العلني – دفعاً لكل مظنة وضماناً لحسن التصرف في هذه العقارات، وأن المشرع أجاز للهيئة - على سبيل الاستثناء - في ذلك سبيل، الممارسة في الأحوال المبينة حصراً بهذه النصوص، تقديراً منه لاعتبارات تدل عليها كل حالة بذاتها، وأن بيع أو استبدال أملاك الأوقاف بهذا الطريق لا ينعقد بمجرد موافقة الهيئة على طلب الاستبدال وإجراء المفاوضات مع طالبي الاستبدال بشأن شروطه وتحديد الثمن الأساسي له بمعرفة اللجان المختصة أو دفع مقدم ذلك الثمن، إذ لا يعد ذلك قبولاً من هيئة الأوقاف للاستبدال، وإنما يتم القبول فيه وبالتالي انعقاده باعتماده من صاحب الصفة وهو رئيس مجلس إدارة الأوقاف المصرية طبقاً لما تضمنته قائمة شروط استبدال عقارات الأوقاف الخيرية بالممارسة، باعتبارها قانون المتعاقدين. لما كان ذلك، وكان البين من الأوراق أن صفقة الاستبدال بالممارسة موضوع الدعوى تزيد قيمتها على خمسة آلاف جنيه، ولم يقدم المطعون ضده ما يدل على الموافقة عليها واعتمادها من صاحب الصفة قانوناً وهو رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف، وفقاً لحكم الفقرة "ب" من المادة السادسة والفقرة "ج" من المادة الرابعة عشر من لائحة إدارة واستثمار أموال وأعيان الأوقاف المشار إليها، فإن الاستبدال لا يكون قد انعقد قانوناً، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بإلزام الطاعن بصفته (رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية بصفته) بإتمام إجراءات الاستبدال للعقارات محل النزاع وإلزامه تحرير عقد استبدال عنها، تأسيساً على أن موافقة مجلس إدارة هيئة الأوقاف بتاريخ 11/2/1986 على البدء في إجراءات الاستبدال واعتماد السعر الأساسي الذي حددته اللجنة المختصة وقيام المطعون ضده بسداد مقدم الثمن، مما ينعقد به العقد، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه". (نقض مدني في الطعن رقم 2103 لسنة 63 قضائية – جلسة 17/5/2007 المقام من رئيس هيئة الأوقاف المصرية بصفته ضد السيد/ إبراهيم سليمان جاب الله).

فيجب إذن التصديق على بيوع الأوقاف من رئيس مجلس إدارة الهيئة:

لما كان ما تقدم، وكان من المقرر قانوناً (فقهً وقضاءً) أنه إذا كان الأصل أن عقد البيع عقداً رضائياً ينعقد بتوافق ارادتين ودون حاجة إلي إثباته في محرر، إلا أنه يستثنى من ذلك أن تكون قائمة شروط البيع أو القوانين أو اللوائح تجعل البيع معلقاً على تصديق جهة معينة، ففي تلك الحالة لا ينعقد البيع إلا بتصديق هذه الجهة. فإذا صدقت الجهة المعنية على البيع أنعقد العقد بهذا التصديق وإلا انقضى برفض التصديق. وقبل التصديق تظل ملكية المبيع للجهة البائعة.

لما كان ذلك، وكانت اللوائح المعمول بها في شأن بيع الأموال الخاصة المملوكة للحكومة أو للهيئات العامة أو للأوقاف الخيرية تجعل البيوع التي تبرمها تلك الجهات معلقة على التصديق عليها من المختص بذلك، وهو في حالة دعوانا الماثلة السيد اللواء/ رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية بصفته، والذي له حق اعتماد هذه البيوع أو رفضها أو إعادة الإشهار عنها دون إبداء الأسباب، وفي حالة رفض التصديق لا يكون لدافع مقدم الثمن الحق في المطالبة بأي تعويض أو فوائد، ويقتصر حقه في استرداد ما دفعه. (لطفاً، راجع: نص المادة 20 فقرة 3 من قرار رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية بشأن أحكام لائحة الاستبدال).

وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأن: "التعاقد بشأن بيع الأملاك الخاصة بالدولة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يتم إلا بالتصديق عليه ممن يملكه". (نقض مدني في الطعن رقم 2366 لسنة 52 قضائية - جلسة 16/11/1983. وفي الطعن رقم 922 لسنة 52 قضائية - جلسة 19/3/1986).

كما تواتر قضاء النقض على أن: "مفاد نص المادة 89 من القانون المدني يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن العقد ينعقد بمجرد أن تتطابق إرادة طرفيه إذا لم يقرر القانون أوضاعاً معينة لانعقاده، فإذا استلزم القانون أوضاعاً أو إجراءات معينة فلا ينعقد العقد إلا بعد استيفاء القانون تلك الأوضاع أو هذه الإجراءات، ولا عبرة بما يتم قبلها من إعلان عن الرغبة في التعاقد أو ما تتخذ بشأنه من مفاوضات". (نقض مدني في الطعن رقم 1733 لسنة 53 قضائية – جلسة 15/2/1989 مجموعة المكتب الفني – السنة 40 – صـ 474 – فقرة 2).

كما أستقر قضاء النقض على أن: "مفاد نص المادة 99 من القانون المدني أن التقدم بالعطاء في المزايدات ليس إلا إيجاباً من صاحب العطاء، فلا بد لانعقاد العقد من أن يصادفه قبول بإرساء المزاد عليه ممن يملكه، مما مؤداه أن العقد في البيع بالمزاد ينعقد كأصل عام بإيجاب من المزايد هو العطاء الذي يتقدم به وقبول من الجهة صاحبة المزاد يتم برسو المزاد، إلا أنه إذا كان القبول معلقاً بموجب قائمة المزاد أو القوانين واللوائح على تصديق جهة معينة فلا ينعقد في هذه الحالة برسو المزاد إنما يعتبر مجرد اتفاق على أن يتقيد الراسي عليه المزاد بعطائه إلى أن يتم تصديق هذه الجهة فينعقد بهذا التصديق". (نقض مدني في الطعن رقم 1622 لسنة 55 قضائية – جلسة 12/5/1991 مجموعة المكتب الفني – السنة 42 – صـ 1078 – فقرة 2).

لما كان ما تقدم، وعلى فرض أن هناك عقد قد تم التوصل إلي إبرامه كل من هيئة الأوقاف المصرية والمدعي في الدعوى الماثلة، وعلى فرض صحة هذا الزعم (وهذا مجرد فرض جدلي ظني لا يرقى إلى مرتبة الحقيقة ولا يغني عن الحق شيئا) فإنه مادام السيد الأستاذ/ رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية لم يصدق ولم يعتمد هذا العقد، ولم يزعم المدعي ذاته أنه تم الاعتماد والتصديق على عقد البيع من السيد اللواء/ رئيس مجلس إدارة الهيئة المدعى عليها، فلا يعتبر البيع قد تم وتظل ملكية الشيء المبيع في الذمة المالية للجهة البائعة وفقاً للمبادئ القانونية السالف ذكرها.

وعليه تكون مطالبة المدعي في الدعوى الماثلة بإلزام هيئة الأوقاف بتحرير عقد استبدال له عن أطيان التداعي فإنها تكون قد جاءت مخالفة لحقيقة الواقع وعلى غير سند من صحيح القانون وعارية عن كل دليل يؤيد مزاعمها مما يتعين معه - والحال كذلك - القضاء برفضها، وهو ما تطالب به هيئة الأوقاف المصرية على سبيل الجزم واليقين، لا سيما أنه ليس هناك عقد أصلاً إلا في مخيلة المدعى نفسه.

وما دفعه المدعي من مبالغ للهيئة كان على سبيل الأمانة:

لما كان ما تقدم، وكانت المادة "19" من لائحة شروط وقيود بيع أملاك الميري الحرة تنص على أنـه: "إذا رغب المُشتري قبل التصديق من نظارة المالية على البيع، سداد باقي الثمن وما يتبعه أو جزء منه، يسوغ قبوله منه على سبيل الأمانة …".

وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأنه: "… يكون قبول الجهة البائعة استلام المبلغ الذي يدفعه راغب الشراء على أنه الثمن أو جزء منه، لا يعتبر قبولاً من الجهة البائعة، للتعاقد، بل يكون على سبيل الأمانة ليس إلا وفقاً للمادة 19 من المنشور رقم 100 الصادر من نظارة المالية بتاريخ 21 أغسطس سنة 1902". (نقض جلسة 2/1/1986 في الطعن رقم 989 لسنة 51 قضائية. منشور بمرجع : "أحكام التصرف في أملاك الدولة" - الكتاب الأول "عقد بيع أملاك الدولة الخاصة" - للمستشار/ عبد الرحيم على على محمد بهيئة قضايا الدولة - الطبعة الأولى 1997 القاهرة – صـ 71 ، 72 - وهامش صـ 72).

ومفاد ذلك، أن المبالغ التي دفعها المدعي للهيئة من ثمن أو تأمينات أو خلافه قبل التصديق على البيع فإنها تكون تحت يد الهيئة على سبيل الأمانة، فإذا لم يتم التصديق على البيع، وجب على الهيئة ردها. وهذا هو كل ما للمدعى في الدعوى الماثلة من حقوق قِبل الهيئة المُدعى عليها. ومن ثم يكون طلب المدعي في الدعوى الماثلة إلزام الهيئة المدعى عليها الأولى بتحرير عقد استبدال لها عن أطيان التداعي، يكون هذا الطلب قد جاء على غير سند من صحيح القانون خليقاً بالرفض، وهو ما تتمسك به الهيئة المدعى عليها على سبيل الجزم واليقين.

7- عدم صحة أسانيد المدعي في دعواه الماثلة:

تردد المدعي في تأصيل وبيان أسانيد دعواه، حيث أن تارة يزعم بوجود "وعد بالبيع" ويخوض في تفاصيل شرح أركان وأحكام "الوعد بالبيع"، ثم نراه تارة أخرى يركن إلى الاستناد إلى "العربون" وأحكامه الواردة في القانون المدني. علماً بأن كلا الموضوعين (الوعد بالبيع – والبيع بالعربون) يختلفان عن بعضهما كلاً وجزءاً، وكلا السندين غير متوافرين ولا منطبقين على حالة دعوانا الماثلة، وهو ما نوضحه على النحو التالي:

انتفاء أركان وشروط "الوعد بالبيع": حيث تنص المادة 101 من القانون المدني على أن: "1- الاتفاق الذي يعد بموجبه كلا المتعاقدين أو أحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل، لا ينعقد إلا إذا عينت جميع المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه والمدة التي يجب إبرامه فيها. 2- وإذا اشترط القانون لتمام العقد استيفاء شكل معين، فهذا الشكل تجب مراعاته أيضاً في الاتفاق الذي يتضمن الوعد بإبرام هذا العقد".

ويخلص من نص المادة 101 مدني المتقدم ذكرها أنه يشترط لانعقاد الوعد البيع الاتفاق على جميع الأركان والمسائل الجوهرية للبيع الموعود، فيجب أن يتفق الواعد والموعود له على المبيع والثمن وعلى جميع شروط البيع التي يريان الاتفاق عليها، حتى يكون السبيل مهيأ لإبرام البيع النهائي بمجرد ظهور رغبة الموعود له في الشراء، ويجب أيضاً أن يحدد المتعاقدان مدة يظهر في خلالها الموعود له رغبته في الشراء، حتى إذا انقضت هذه المدة ولم تظهر هذه الرغبة سقط الوعد، ونرى من ذلك أن أقل ما يجب أن يتم الاتفاق عليه لانعقاد الوعد بالبيع هو ما يأتي:

1- العين المراد بيعها، مع تعيينها التعيين الواجب شأن كل مبيع.

2- الثمن الذي تباع به، مع تحديده تحديداً كافياً شأن كل ثمن.

3- المدة التي يجب في خلالها على الموعود له أن يظهر رغبته في الشراء. (لطفاً، المرجع: "الوسيط في شرح القانون المدني" – للدكتور/ عبد الرزاق أحمد السنهوري – الجز الرابع (البيع والمقايضة) – طبعة 2006 القاهرة – بند رقم 28 – صـ 50 وما بعدها).

وهدياً بما تقدم، ولما كان المدعي لم يثبت على وجه قاطع، بأي دليل مقبول ومعتبر قانوناً، أن الهيئة المدعى عليها قد حددت له العين المبيعة، والثمن الذي تقبل البيع به، والمدة التي يجب عليه في خلال أن يظهر رغبته في الشراء (علماً بأن المبالغ المسددة من المدعي على سبيل الأمانة تحت حساب التمارس على شراء أطيان التداعي آخرها مؤرخ في يناير من عام 2004، بينما المدعي لم يقم دعواه الماثلة إلا في غضون عام 2008، فهل يزعم أن المدة المتفق عليها لإبداء رغبته في الشراء تزيد على أربعة سنوات؟؟!!!). ومن كل ما سبق يتضح أن جميع أركان "الوعد بالبيع" التي يزعمها المدعي غير متوافرة ويكون زعمه مجرد أقوال مرسلة لا سند لها من حقيقة الواقع أو صحيح القانون خليقة بالرفض.

انتفاء أركان وشروط "البيع بالعربون": تنص المادة 103 من القانون المدني على أن: "1- دفع العربون وقت إبرام العقد يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه، إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك. 2- فإذا عدل من دفع العربون فقده، وإذا عدل من قبضه رد ضعفه، وهذا ولو لم يترتب على العدول أي ضرر".

فالأصل في دفع العربون أن تكون له دلالة جواز العدول عن البيع، إلا إذا اتفق الطرفان على أن دفع العربون معناه البت والتأكيد والبدء في التنفيذ. والعربون عادة لا يدفعه المشتري إلى البائع إلا عند التوقيع على عقد البيع الابتدائي. (لطفاً، وسيط السنهوري – المرجع السابق – البند رقم 45 – صـ 76).

وطالما لم يثبت أصلاً أن هناك عقد تم إبرامه مع المدعي، فكيف يتسنى له القول بأنه قد تم البدء في تنفيذه ودفع عربون له؟؟!! ثم أنه لم يثبت مطلقاً أنه قد تم الاتفاق على الثمن المفترض لبيع أطيان التداعي، فيكف يسوغ منطق المدعي في تكييف المبالغ (التي تقدم هو نفسه بطلب دفعها للهيئة تحت حساب التمارس على شراء أطيان التداعي، وقبلتها الهيئة منه على سبيل الأمانة، على نحو ما سلف بيانه) فكيف يسوغ تكييفها على أنها عربوناً؟؟!!

ومما سبق يتضح أن جميع مزاعم وأقوال المدعي وأسانيده الواهية لا ظل لها من حقيقة الواقع ولا سند لها من صحيح القانون، خليقة بالرفض، وهو ما تطالب به هيئة الأوقاف المصرية على سبيل الجزم واليقين.

ثالثاً- الطلبات

لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة المحكمة من أسباب أصوب وأرشد، تلتمس هيئة الأوقاف المصرية الحكم لها في الدعوى الماثلة بما يلي:

أولاً- بصفة أصلية: بعدم قبول الدعوى لعدم شهر صحيفتها.

ثانياً- وبصفة احتياطية: بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون.

ثالثاً- وعلى سبيل الاحتياط الكلي:

1- بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للمدعى عليه الثاني.

2- وبرفض الدعوى بالنسبة للمدعى عليه الأول.

وفي جميع الأحوال: بإلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.

مع حفظ كافة حقوق الأوقاف الأخرى أياً ما كانت،،،

هذا، والله أعلى وأعلم،،،

أشرف رشوان

المحامي بالنقض

ashraf.rashwan@gmail.com