الخميس، 5 نوفمبر 2009

طعن على قرار إداري صادر من مصلحة الجمارك

طعن على قرار إداري من مصلحة الجمارك

السيد الأستاذ المُستشار/ نائب رئيس مجلس الدولة

ورئيس محكمة "القضاء الإداري" – بالإسماعيلية

تحية طيبة واحتراماً وبعد...

مُقدمه لسيادتكم/ شركة "........" للإلكترونيات، ويُمثلها قانوناً صاحبها ومُديرها السيد/ .........، والكائن مقرها بالعقار رقم 174 بشارع التحرير – بباب اللوق – القاهرة. ومحله المُختار مكتب وكيله الأستاذ/ خالد فرج علي مطر المُحامي (بموجب التوكيل رقم 898 هـ لسنة 2003 توثيق الموسكي) والكائن مكتبه برقم 1 شارع محمد الشويخ – من شارع التل – وراق العرب – تابع قسم الوراق – الجيزة.

ضــــــد

السيد/ وزير المالية بصفته (الرئيس الأعلى لمصلحة الجمارك).

السيد/ رئيس قطاع جمارك السويس بصفته.

ويعلن سيادتهما بهيئة قضايا الدولة (فرع الإسماعيلية) – الإسماعيلية – مُحافظة الإسماعيلية.

طعناً بالإلغاء على القرار الإداري الصادر من مصلحة جمارك السويس والمُتضمن مُطالبة الشركة الطاعنة بسداد مبلغ وقدره 114142جم (فقط مائة وأربعة عشر ألفاً ومائة وأثنين وأربعون جنيهاً) بزعم أنها فروق رسوم جمركية عن البيان الجمركي رقم 6430 لسنة 2003 السخنة، بادعاء أن هذا المبلغ المُطالب به يُمثل فروق رسوم جمركية. ( مع طلب وقف تنفيذه ).

الموضوع

حصلت الشركة الطاعنة بصفتها على مُوافقة استيرادية من الجهة الإدارية المُختصة بالمُوافقة على استيراد رسالة أجهزة ريسيفر (ماركة تُرمان – منشأ كوري) وكذلك أجهزة استقبال وإرسال وتخفيض شوشرة (منشأ أسباني)، وبالفعل وصلت الرسالة إلى جمرك السويس (إدارة السخنة) وتحرر عنها البيان الجمركي رقم 6430 في تاريخ 21/8/2003 وأرفق بالبيان الجمركي كافة المُستندات من الموافقة على الاستيراد والفاتورة المبدئية والنهائية وسائر الأوراق التي طلبها جمرك السويس الذي أخضعها للبند الجمركي رقم ............. ومن ثم تمت كل الإجراءات الجمركية من مراجعة المُستندات ومُعاينة البضاعة فعلياً على الطبيعة داخل الدائرة الجمركية وبعد كل ذلك قام جمرك السويس بتقدير الضرائب والرسوم الجمركية المُستحقة على تلك البضاعة المُستوردة، وعقب ذلك قام المُدعي بصفته بسداد جميع تلك الضرائب والرسوم المُستحقة بالقسيمة رقم 39/1050676 في تاريخ 10/9/2003، وبناء عليه تم الإفراج عن البضاعة في ذات التاريخ.

وبتاريخ 15/1/2004 ورد إلى المُدعي كتاب مصلحة جمارك السويس رقم 190 المُؤرخ في 14/1/2004 يُطالبه فيه بسداد مبلغ وقدره 114142جم (فقط مائة وأربعة عشر ألفاً ومائة وأثنين وأربعون جنيهاً) بزعم أنها فروق رسوم جمركية عن البيان الجمركي رقم 6430 لسنة 2003 السخنة بادعاء أن هذا المبلغ المُطالب به يُمثل فروق رسوم جمركية.

علماً بأن تلك المبالغ المُطالب بها ليست ناتجة عن أخطاء مادية حسابية: عند حساب الضريبة أو حجم البضاعة أو عددها أو وزنها. ولا ناتجة كذلك عن أخطاء قانونية: في تطبيق ضريبة جمركية لا تخص نوع البضاعة المفروض عليها الضريبة. وإنما تلك المبالغ المُطالب بها ناتجة إعادة تقدير قيمة الضريبة ذاتها مرة أخرى، وهذا ثابت بجلاء وبيقين من مُذكرة السيد الأستاذ/ مُدير عام المُراجعات بقطاع السويس والبحر الأحمر والذي جاء فيها بالحرف الواحد: "... أما بالنسبة لأجهزة الأمبلفير (مضخات وموجات صوتية) ماركة (ALCOD) منشأ أسباني، تم قبول أسعارها بدون تعديل إلا أن هذه الأسعار مُتدنية جداً بالمُقارنة بالأسعار الواردة بمنشور الأسعار رقم 66 بتاريخ 24/8/2003 لنفس الشركة المُنتجة ونفس المنشأ... أما بالنسبة لطراز (MU 830) فهو غير وارد بالمنشور، فيُقبل 40 يورو. وعلى ذلك يُطالب صاحب الشأن بالفروق المالية ..."؟‍‍‍!!! وهذا وحده كاف وقاطع في أن ما قامت به مصلحة الجمارك لا يُعد تدارك منها لخطأ أو سهو وقعت فيه بعدم اقتضاء رسم واجب لها قبل الإفراج عن البضاعة وإنما هو بيقين إعادة لتقدير الضريبة والرسم الجمركي بعد أن تم الإفراج عن البضاعة بالفعل، لذا فإن الأحكام القانونية التي تنطبق على حالة دعوانا الماثلة ليست أحكام تدارك مصلحة الجمارك لخطأ أو سهو وقعت فيه بعدم اقتضاء رسم واجب لها قبل الإفراج عن البضاعة وإنما الأحكام التي يجب تطبيقها هي أحكام إعادة مصلحة الجمارك لتقدير الضريبة والرسوم الجمركي المفروض على البضاعة بعد أن تم الإفراج عنها بالفعل. وهذه نقطة جوهرية ومفصلية في حالة دعوانا الماثلة لكون مصلحة الجمارك يحق لها قانوناً تدارك خطأ أو سهو وقعت فيه بعدم اقتضاء رسم واجب لها قبل الإفراج عن البضاعة ولكن لا يحق لها قانوناً (مُطلقاً) إعادة تقدير الضريبة والرسم الجمركي بعد الإفراج عن البضاعة بالفعل، وكل ذلك مُستقر بأحكام المحاكم العليا كمحكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا وكذلك فتاوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، على نحو ما سيلي بيانه لاحقاً.

ولما كان هذا المسلك من قبل جمرك السويس بإعادة تقدير الرسوم هو غير قانوني بالمرة، لكون صاحبة البضاعة "الشركة الطاعنة" قد تقدمت بالفاتورة الأصلية الخاصة بالبضاعة المُستوردة مُصدق عليها من هيئة رسمية تقبلها مصلحة الجمارك "المطعون ضدها" الغير مُقيدة أصلاً بما ورد في تلك الفاتورة أو المُستندات المُرتبطة بها، حيث أن مصلحة الجمارك لها مُطلق سلطة التقدير والتأكد من الثمن الحقيقي للبضاعة في تاريخ تسجيل البيان الجمركي وفقاً للقواعد المُقررة في هذا الشأن: كالاسترشاد مثلاً بما لديها من قوائم أسعار صادرة من مصادر الإنتاج ذاتها أو عن طريق المُلحقين التجاريين في بعثاتنا الدبلوماسية في الخارج، أو الاسترشاد بقوائم أسعار لبضاعة مُماثلة من ذات بلد المنشأ أو من بلد آخر تتماثل فيه البضاعة من ناحية المواصفات الفنية أو بضاعة مُماثلة تم الإفراج عنها في ذات ظروف البضاعة محل التقدير في تاريخ مُعاصر، وكذلك مُعاينتها فعلياً على الطبيعة ولو لأكثر من مرة كلما دعت الحاجة لذلك، كل ذلك طالما ظلت البضاعة تحت رقابة المصلحة في نطاق الدائرة الجمركية ولم تخرج منها، وفي مثل هذه الحالات يكون التقدير مُتفقاً مع صحيح القانون (ما دامت الغاية منه هي الوصول إلى التقدير الحقيقي لثمن البضاعة) وهو ما تم إعماله في الحالة الماثلة بما قامت به مصلحة الجمارك بدءً من وصول البضاعة وانتهاءً بقرار الإفراج عنها بعد تحصيل كامل الضريبة والرسوم الجمركية التي قدرتها مصلحة الضرائب بمعرفتها هي وبعد استعمال سلطتها التقديرية الواسعة كاملة في هذا الشأن، وعلى هذا الأساس تم الإفراج بالفعل عن بضاعة "الشركة الطاعنة". ومن ثم فما كان يجوز لمصلحة الجمارك قانوناً (بعد كل ذلك) أن تطالب صاحبة البضاعة "الشركة الطاعنة" بسداد فرق رسوم جمركية عن البيان الجمركي المُشار إليه بزعم أن المبلغ المُطالب به "فرق بند" نتيجة خطأ في تقدير البند (وهذا يؤكد مرة أخرى إن ما قامت به مصلحة الجمارك هو إعادة تقدير وليس ناتج عن خطأ مادي حسابي أو خطأ قانوني على نحو ما سلف ذكره)، خاصة وأن هذا الخطأ (المقول به) ليس ناتج عن غش ولا حتى مُجرد خطأ أو إهمال صاحبة البضاعة "الشركة الطاعنة" التي اتخذت جميع الإجراءات القانونية السليمة في استيراد البضاعة والإفراج عنها. وعليه، تكون تلك المُطالبة الأخيرة من مصلحة الجمارك بما تزعم أنه "فرق بند" نتيجة خطأ في تقدير البند، بعد الإفراج بالفعل عن البضاعة، تكون تلك المُطالبة قد جاءت على خلاف حقيقة الواقع وعلى غير سند من صحيح القانون، مما يحق معه للشركة الطاعنة – والحال كذلك – الاعتصام بعدالة القضاء لإنصافها في هذا النزاع والقضاء بإلغاء قرار مصلحة الجمارك المُشار إليه والذي جاء على غير سند من حقيقة الواقع أو صحيح القانون.

الأسانيد القانونية:

ومن حيث إنه باستعراض أحكام قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 يبين أن:-

المادة 5 من قانون الجمارك تنص على أنه: "تخضع البضائع التي تدخل أراضي الجمهورية لضرائب الواردات المُقررة في التعريفة الجمركية، علاوة على الضرائب الأخرى المُقررة... ولا يجوز الإفراج عن أية بضاعة قبل إتمام الإجراءات الجمركية وأداء الضريبة والرسوم المُستحقة".

في حين تنص المادة 22 من ذات القانون على أن: "تكون القيمة الواجب الإقرار بها في حالة البضائع الواردة هي الثمن الذي تساويه في تاريخ تسجيل البيان الجمركي المُقدم عنها في مكتب الجمرك ...".

كما تنص المادة 23 على أنه: "على صاحب البضاعة أن يُقدم الفاتورة الأصلية بها مُصدقاً عليها، ولمصلحة الجمارك الحق في المُطالبة بالمُستندات والعقود والمُكاتبات وغيرها المُتعلقة بالصفقة دون أن تتقيد بما ورد فيها أو بالفواتير نفسها".

وتنص المادة 43 على أنه: "يجب أن يُقدم للجمرك بيان تفصيلي (شهادة إجراءات) عن أية بضاعة قبل البدء في إتمام الإجراءات ويجب أن يتضمن هذا البيان جميع المعلومات والإيضاحات والعناصر التي تُمكن من تطبيق الأنظمة الجمركية واستيفاء الضرائب".

وتنص المادة 50 على أنه: "يتولى الجمرك بعد تسجيل البيان مُعاينة البضاعة للتحقق من نوعها وقيمتها ومنشأها ومن مُطابقتها للبيان والمُستندات المُتعلقة به".

وأخيراً، تنص المادة 53 على أنه: "للجمرك في جميع الأحوال إعادة مُعاينة البضاعة ما دامت تحت رقابته"(1).

وحيث أنه من المُقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أن: "قضاء هذه المحكمة قد تواتر على أن مصلحة الجمارك وهي تتولى تقدير قيمة البضاعة المُستوردة تتمتع بسلطة تقدير واسعة، فلا تتقيد لزاماً بالفواتير والمُستندات التي يُقدمها صاحب البضاعة، ويكون للمصلحة مُعاينة البضاعة للتحقق من نوعها وقيمتها ومدى مُطابقتها للبيان الجمركي، والأصل أن تتم المُعاينة في نطاق الدائرة الجمركية، كما يجوز إعادة المُعاينة ما دامت البضاعة تحت رقابة المصلحة، ومن ثم فإن المصلحة بعد أن تمارس هذه السلطة التقديرية الواسعة في مُعاينة البضاعة ومُطابقتها للبيان الجمركي والمُستندات المُتعلقة به والتحقق من نوعها وقيمتها ومنشأها إلى غير ذلك مما يُمكنها من تقدير ثمن البضاعة وتحديد التعريفة الجمركية الخاضعة لها، وتسوية الضريبة والرسوم الجمركية على أساس ذلك، وتحصيل الضريبة والإفراج عن البضاعة، فإنها بذلك تكون قد استنفدت اختصاصها، فلا يجوز لها بعد ذلك أن تعاود النظر في تقدير قيمة البضاعة مرة أخرى، طالما كان بوسعها أن تتحقق بكافة الوسائل من قيمة البضاعة ونوعها، وألا تفرج عنها قبل التثبت من ذلك وفرض الضريبة عليها على أساس صحيح. والقول بغير ذلك من شأنه أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المعاملات التجارية ويدفع المصلحة إلى التراخي في أداء اختصاصها، مع بقاء تدخلها بمُعاودة النظر، سيفاً مُسلطاً على صاحب البضاعة المُفرج عنها، وكل ذلك مما يتنافى مع الإدارة الرشيدة، ومع التوقع الطبيعي المشروع الذي يحق للمُتعامل مع الإدارة أن يفترض قيامه وأن ينعم بالطمأنينة على أساسه. ولما كان ذلك، وكان الطاعن قد حصل في 25/11/1990 على موافقة استيرادية برقم 3408 من لجنة البنوك الجمركية لاستيراد رسالة أجهزة وأدوات كهربائية، ووردت الرسالة بتاريخ 14/7/1991 إلى جمرك السويس، وتحرر عنها البيان الجمركي رقم 1267 ق.ج جمرك السويس، وتمت جميع الإجراءات الجمركية، وقام الطاعن بسداد الرسوم الجمركية وأفرج عن الرسالة في 16/7/1991 ومن ثم فما كان يجوز قانوناً لمصلحة الجمارك أن تطالبه بعد ذلك في 2/1/1992 بسداد فرق رسوم جمركية عن البيان الجمركي المُشار إليه بزعم أن المبلغ به "فرق بند" نتيجة خطأ في تقدير البند، خاصة وأن هذا الخطأ ليس نتيجة غش أو خطأ من المستورد الذي اتخذ جميع الإجراءات القانونية السليمة في استيراد السلعة والإفراج عنها، كما أنه وأياً ما كان وجه الأمر فيما تدعيه المصلحة في المُنازعة الماثلة فإن مسلكها بمُعاودة النظر في تقدير الضرائب والرسوم الجمركية ثانية في الحالة الماثلة لا يصادف محلاً بعد إذ تم الإفراج عن البضاعة فعلاً وسداد الضرائب والرسوم التي قدرتها، ومن ثم يغدو قرار المصلحة الطعين الصادر في هذا الشأن مُخالفاً للقانون حرياً بالإلغاء". (الطعن رقم 731 لسنة 41 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 7/4/2001. المصدر: مُجلد "مجلة المُحاماة" – العدد الثاني 2002 – المُستحدث من المبادئ التي أقرتها دوائر المحكمة الإدارية العليا للعام القضائي 200/2001 – تحت عنوان: "جمارك – تحديد صحة الثمن" – صـ 508 : 509).

كما أنه من المُقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا في خصوص الـ : "جمارك. حساب الضريبة الجمركية. الخطأ في حسابها: إذا وقعت مصلحة الجمارك في خطأ مادي في حساب الضريبة أو حجم البضاعة أو عددها أو وزنها، أو خطأ قانوني في تطبيق ضريبة جمركية لا تخص نوع البضاعة المفروضة عليها يجوز لها تدارك الخطأ بمطالبة المستورد بما هو مستحق لها زيادة على ما دفعه. ويجوز أيضاً للمستورد المطالبة باسترداد ما دفعه بغير حق، كل ذلك ما لم يكن الحق في المطالبة قد سقط بالتقادم. في التقدير: لا يجوز إعادة النظر فيه بعد أن استنفذ الجمرك سلطاته التقديرية سواء كان ذلك لمصلحة المستورد أو لمصلحة الجمارك". (الطعن رقم 743 لسنة 34 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 7/1/1989 مجموعة المكتب الفني – السنة 34 – صـ 410 – فقرة 2. المصدر: CD "برنامج أحكام المحاكم العليا" – لشركة: المجموعة الدولية للمحاماة والاستشارات القانونية – تحت عنوان: ضرائب، الضريبة الجمركية).

وعلى ذلك أستقر قضاءنا الوطني في جميع درجاته، حيث تواترت أحكام محكمة استئناف عالي القاهرة على أنه: "ومن حيث أنه عن موضوع الاستئناف، فإنه لما كان من المُقرر في ضوء نصوص القانون رقم 66 لسنة 1963 بشأن الجمارك على أن يتولى الجمرك بعد تسجيل البيان التفصيلي عن شهادة الإجراءات للبضائع المستوردة مُعاينة تلك البضائع والتحقق من نوعها وقيمتها ومنشأها ومُطابقتها للبيان والمُستندات المُتعلقة به وللجمرك في جميع الأحوال إعادة مُعاينة البضاعة ما دامت تحت رقابته، ومن ثم فإذا قامت المصلحة بإعمال سلطتها التقديرية في مُعاينة البضاعة ومُطابقتها للبيان الجمركي والتحقق من نوعها وقيمتها ومنشأها ومدى مُطابقتها للبيانات الواردة بالإفراج الجمركي والمُستندات المُتعلقة بها بما يُمكنها من تقدير ثمنها وتحديد البند الجمركي الخاضعة له وقيمة الضرائب والرسوم المُستحقة عليها وتحصيلها والإفراج عنها فتكون بذلك قد استنفذت سلطتها مما لا يجوز لها أن تعيد النظر في تقدير قيمة البضاعة مرة أخرى لأي سبب آخر إلا أن يكون خطأ مادياً أو غش من المُستورد. لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن الجمارك قامت بفحص الرسالة محل المُطالبة وقدرت قيمة الجمارك والضرائب والرسوم المُستحقة عنها بما لها من سلطة في ذلك وقامت المُستأنف ضدها (صاحبة البضاعة) بسدادها وتم الإفراج عن البضاعة من الجمرك ومن ثم فلا يجوز للمصلحة أن تعاود تقدير الرسوم والجمارك والضرائب المُستحقة على الرسالة بعد الإفراج عنها بحجة وجود خطأ في إجراءات الربط بتطبيق البند الجمركي على نحو غير سليم فهذا الخطأ راجع إلى تابعيها دون أن يكون هناك غش من المُستأنف ضدها (صاحبة البضاعة) أو وقوع خطأ مادي يستوجب إعادة احتساب الضريبة وعليه يكون الاستئناف (المُقام من مصلحة الجمارك) قد جاء على غير سند من الواقع والقانون مُتعيناً القضاء برفضه وتأييد الحكم المُستأنف لما سلف من أسباب ولما تضمنه الحكم المُستأنف من أسباب أخرى لا تتعارض مع أسباب هذا الحكم". (الحكم الصادر في الاستئناف رقم 12659 لسنة 118 قضائية "استئناف عالي القاهرة" – بجلسة يوم الأربعاء الموافق 19/6/2002 من الدائرة 66 مدني).

وهذه المبادئ القانونية سالفة الذكر درجت عليها جميع الأجهزة القضائية في الدولة، فهذه هي الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة قد أصدرت فتواها رقم 32/2/2632 والذي جاء فيها: "وحاصل الوقائع أن الهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية استوردت من الخارج بتاريخ 18/3/1992 ثمان حاويات تضم أجزاء سنترالات مُفككة مشمول البيان الجمركي رقم 322 م.ح حيث تم أداء الضرائب والرسوم المُستحقة عليها بالقسيمة رقم 318071 بتاريخ 2/3/1992، بيد أنه بمُراجعة مشمول هذه الشهادة بالإدارة العامة للمُراجعات تبين لها أن الرسالة عبارة عن كابلات وأجزاء معدنية عبارة عن بروفيل (منشآت) بالإضافة إلى مسامير وصواميل وورد وأغطية، ومن ثم فلا تخضع للبند الجمركي 85/13 وإنما يطبق في شأنها بنود أخرى يُستحق بموجبها فروق الضرائب والرسوم الجمركية محل النزاع الماثل، وبمُطالبة هيئة الاتصالات بأدائها قعدت عن الوفاء، ولذلك طلبت مصلحة الجمارك عرض النزاع على الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع. وعرض النزاع على الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بجلسة 20/11/1996 فتبين لها باستعراض نصوص قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 أن المُشرع قد وضع أصلاً عاماً في قانون الجمارك مُقتضاه خضوع جميع الواردات للضرائب الجمركية وغيرها من الضرائب الإضافية المًُقررة على الواردات بحيث لا يُعفى منها إلا بنص خاص، مع استحقاق الضرائب والرسوم لدى مرور البضاعة، وخول المُشرع مصلحة الجمارك وهي بسبيل تقدير قيمة البضاعة المُستوردة سلطة تقديرية واسعة بغية الوصول إلى الثمن الحقيقي الذي تساويه في سوق مُنافسة في تاريخ تسجيل البيان الجمركي المُقدم عنها. والمصلحة وهي تباشر هذه المُهمة غير مُقيدة بما ورد من بيان بالفواتير التي يُقدمها صاحب البضاعة أو بغيرها من مستندات أو عقود ولو قدمت بناء على طلبها، وإنما لها أن تعاين البضاعة وتتحقق من نوعها وتدقق في قيمتها وتتأكد من منشأها ومدى مُطابقة ذلك لما ورد من بيانات بشهادة الإفراج الجمركي والمُستندات المُتعلقة بها. وأوجب القانون أن تتم مُعاينة البضائع الواردة داخل الدائرة الجمركية وأجاز إعادة المُعاينة ما دامت البضاعة تحت رقابة مصلحة الجمارك. ومن ثم فإذا قامت المصلحة بإعمال سلطتها التقديرية في مُعاينة البضاعة ومُطابقتها للبيان الجمركي والتحقق من نوعها وقيمتها ومنشأها إلى غير ذلك مما يُمكنها من تقدير ثمنها وتحديد البند الجمركي الخاضعة له وقيمة الضرائب والرسوم الجمركية المُستحقة عليها وتحصيلها والإفراج عن البضاعة فإنها تكون قد استنفذت سلطتها بما لا يجوز لها من بعد مُعاودة النظر في تقدير قيمتها مرة أخرى بسند من أن المُستورد لم يذكر القيمة الحقيقية للبضاعة أو نوعها أو غير ذلك من بيانات شهادة الإفراج الجمركي طالما كان بمُكنة المصلحة بما لها من سلطة تقديرية خولها لها القانون أن تتحقق من صحة البيانات ومُطابقتها للبضاعة الواردة. ومن حيث أن الهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية استوردت مشمول البيان الجمركي رقم 322 م.ح وقامت مصلحة الجمارك بمُعاينته وإخضاعه للبند الجمركي 85/12 بفئة 50% وإعمال التنزيل المُقرر للهيئة وخفض الفئة الجمركية المُقررة للبند المُشار إليه لفئة 5% وتم ذلك بعد مُعاينة مشمول البيان وأداء الضرائب والرسوم الجمركية المُقررة والإفراج عن الواردات، فمن ثم لا يجوز لمصلحة الجمارك مُعاودة النظر في تقدير الضرائب والرسوم الجمركية بسند من أن الواردات عبارة عن أجزاء سنترالات مُفككة ودوائر كهربائية وأجزاء معدنية وليست بسنترالات كاملة مفككة ومشتملاتها إذ كان للمصلحة ألا تفرج عن هذه الواردات إلا بعد استيثاقها من ذلك، فإن فعلت فليس لها أن تعاود النظر من بعد في تقدير الضرائب والرسوم الجمركية المُقررة. الأمر الذي تغدو معه المُطالبة الماثلة عارية من صحيح سندها مُتعينة الرفض. لذلك انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع إلى رفض مُطالبة مصلحة الجمارك بإلزام الهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية بأداء مبلغ 422444 جنيها (أربعمائة وأثنين وعشرين ألفاً وأربعمائة وأربعة وأربعين جنيهاً) كفروق ضرائب ورسوم جمركية على مشمول البيان الجمركي رقم 322 م.ح". (فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة رقم 32/2/2632 الصادرة في تاريخ 20/11/1996).

كما أن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة قد استقرت وتواترت فتاويها على أن: "الجمرك بعد أن مارس سلطته التقديرية الواسعة في مُعاينة البضاعة المُستوردة وتحديد التعريفة الجمركية الخاضعة لها ثم تسوية الضريبة الجمركية على أساس ذلك وتحصيل الضريبة والإفراج عن البضاعة وخروجها من الدائرة الجمركية فإنه يكون بذلك قد أستنفذ سلطاته فلا يجوز له بعد ذلك أن يُعاود النظر في تقدير قيمة الضرائب والرسوم الجمركية مرة أخرى، والحاصل أن تقدير الرسوم الجمركية المُستحقة بواسطة مصلحة الجمارك في صدد استعمال رخصتها المُخولة لها قانوناً هو قرار إداري نهائي أعملت به جهة الإدارة سلطتها التقديرية التي خولها إياها القانون وأنشأت مركزاً قانونياً ذاتياً يتعلق به حق ذي الشأن وبصورة تستنفذ المصلحة ولايتها في إصداره فلا يجوز المساس به من جهتها ولا يجوز مُعاودة النظر فيه إلا إذا كان ثمة غش أو تدليس من جانب صاحب الشأن من شأنه أن يُفسد إرادتها وإلا أعتبر ذلك سحباً لقرار إداري نهائي في غير الأحوال المُقررة قانوناً". (فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة رقم 32/2/2738 الصادرة في 27/8/1997).

وفضلاً عما تقدم، فإن المادة 119 من دستور 1971 الدائم للجمهورية تنص على أن: " إنشاء الضرائب العامة وتعديلها أو إلغائها لا يكون إلا بقانون، ولا يُعفى أحد من أدائها إلا في الأحوال المُبينة في القانون. ولا يجوز تكليف أحد أداء غير ذلك من الضرائب أو الرسوم إلا في حدود القانون".

كما أنه من المُقرر في قضاء النقض أنه: "لما كانت المادة الثامنة من اللائحة الجمركية تقضي بألا يُفرج عن أية بضاعة قبل سداد الرسوم المُقررة عليها، فقد دلت على أن أساس استحقاق الرسم الجمركي هو: الإفراج عن البضاعة من الدائرة الجمركية بعد مرورها بها إلى داخل البلاد للاستهلاك المحلي. ذلك أن البضائع تعتبر – بالمعنى الجمركي – خارج حدود الدولة طالما لم تسحب من مكان إيداعها للتصرف فيها داخل البلاد، إذ قد يُعاد تصديرها للخارج قبل إدخالها البلاد فلا تستحق عنها رسوم جمركية، وإنما تعتبر البضاعة أنها قد دخلت حدود الدولة وتستحق بالتالي عنها الرسوم الجمركية، عند الإفراج عنها لتخصيصها للاستهلاك الداخلي". ( الطعن رقم 15 لسنة 26 قضائية – جلسة 31/5/1962 مجموعة المكتب الفني – السنة 13 – صـ 749. والطعن رقم 1827 لسنة 50 قضائية – جلسة 7/5/1984 مجموعة المكتب الفني – السنة 35 – صـ 1193. والطعن رقم 894 لسنة 54 قضائية – جلسة 26/1/1987. مُشار إليهم في: "الموسوعة التجارية الحديثة" – للمُستشار/ عبد المنعم دسوقي – المُجلد الثالث – القاعدة رقم 67 – صـ 99 : 100).

كما أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "الأصل في البضائع الموجودة فيما وراء الدائرة الجمركية أنها خالصة الرسوم، وعلى من يدعي العكس عبء الإثبات. حيث تنص المادة الثالثة من اللائحة الجمركية على أنه يجوز فيما وراء حدود دائرة المُراقبة الجمركية نقل البضائع بحرية، ومن مُقتضى هذا النص أن يكون الأصل في البضائع الموجودة فيما وراء حدود هذه الدائرة أنها تعتبر خالصة الرسوم الجمركية وأن يكون مُدعي خلاف هذا الأصل هو المُكلف قانوناً بإثباته". (الطعن رقم 58 لسنة 19 قضائية – جلسة 22/2/1951 مجموعة المكتب الفني – السنة 2 – صـ 366. مُشار إليه في: "موسوعة الجمارك والتهريب الجمركي" – للمُستشارين/ فايز السيد اللمساوي وأشرف فايز اللمساوي – طبعة 2004 القاهرة – صـ 327).

علماً بأنه بعد تقدير الضريبة والرسوم الجمركية وسدادها من قبل الملتزم بها ومن ثم الإفراج عن البضاعة، بعد ذلك لا يوجد نص في القانون يجيز لمصلحة الجمارك إعادة تقدير الضريبة والرسوم الجمركية من جديد ومُطالبة صاحب البضاعة بها بعد الإفراج عن البضاعة بالفعل. وأن هذا المسلك من جانب مصلحة الجمارك مُخالف للقانون بل وللدستور ذاته.

لما كان ذلك، وكانت المبالغ التي تطالب بها مصلحة الجمارك "المطعون ضدها" ليست ناتجة عن خطأ مادي في حساب الضريبة أو حجم البضاعة أو عددها أو وزنها ولا ناتجة عن خطأ قانوني في تطبيق ضريبة جمركية لا تخص نوع البضاعة المفروض عليها وإنما هو ناتج عن إعادة النظر في التقدير ذاته وهذا لا يجوز قانوناً بعد استيفاء جميع الإجراءات الجمركية وسداد الضرائب والرسوم المُستحقة ومن ثم الإفراج عن البضاعة بالفعل، وعليه تكون هذه المُطالبة من المصلحة "المطعون ضدها" قد جاءت على غير سند من صحيح القانون مما يحق معه للشركة الطاعنة – والحال كذلك – اللجوء للقضاء العادل بغية الحكم له بإلغاء قرار مصلحة الجمارك المطعون فيه (سالف الذكر).

لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن الشركة الطاعنة "صاحب البضاعة المُستوردة" قد قامت بسداد كامل الضريبة والرسوم الجمركية التي قدرتها مصلحة الضرائب بمعرفتها وبعد استعمالها لسلطتها التقديرية الواسعة كاملةً في هذا التقدير، ومن ثم تم الإفراج بالفعل عن البضاعة. وعليه فلا يجوز لمصلحة الجمارك قانوناً (بعد كل ذلك – ووفقاً لما سلف بيانه) أن تطالب "الشركة الطاعنة" صاحب البضاعة بسداد فرق رسوم جمركية عن البيان الجمركي المُشار إليه بزعم أن المبلغ المُطالب به "فرق بند" نتيجة خطأ في تقدير البند، خاصة وأن هذا الخطأ (على فرض وجوده – وهو غير موجود أصلاً) ليس ناتج عن غش ولا حتى مُجرد خطأ أو إهمال صاحبة البضاعة "الشركة الطاعنة" التي اتخذت جميع الإجراءات القانونية السليمة في استيراد البضاعة والإفراج عنها. وعليه، تكون تلك المُطالبة الأخيرة (موضوع الطعن الماثل) من جانب مصلحة الجمارك التي تزعم أنه يوجد "فرق بند" نتيجة خطأ في تقدير البند بعدما أفرجت بالفعل عن البضاعة، تكون تلك المُطالبة قد جاءت على خلاف حقيقة الواقع وعلى غير سند من صحيح القانون، مما يحق معه للشركة الطاعنة – والحال كذلك – الاعتصام بعدالة القضاء لإنصافها في هذا النزاع والقضاء لها بإلغاء قرار مصلحة الجمارك محل الطعن الماثل لكونه قد صدر على غير سند من حقيقة الواقع أو صحيح القانون.

لما كان ما تقدم، وكان قرار جمرك السويس المطعون فيه والقاضي بإعادة تقدير الضرائب والرسوم الجمركية، هو قرار إداري يتضمن تعديلاً وسحباً وإلغاءاً لقرار تقدير الرسوم الصادر في تاريخ 21/8/2003 (رغم تحصنه بفوات المواعيد القانونية) وكان هذا القرار المطعون فيه يترتب عليه تحميل الطاعن بصفته برسوم أكثر من تلك التي سددها، فإن الشركة الطاعنة تطعن عليه وتنعى عليه بمُخالفة القانون والبطلان والانعدام.

لما كان ذلك، وكان القرار الإداري هو: إفصاح الإدارة عن إرادتها المُلزِمة بما لها من سلطة بمُقتضى القوانين واللوائح وذلك بقصد إحداث أثر قانوني مُعين متى كان مُمكناً وجائزاً وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة.

وكان البين من ذلك: أن ثمة خمسة أركان يجب توافرها لقيام القرار الإداري، وهي: الاختصاص – والشكل – والمحل – والسبب – والغاية.

وكان المقصود بمحل القرار الإداري هو: الأثر القانوني الذي يترتب عليه حالاً ومُباشرة، وهو ما يُميز القرار الإداري عن العمل المادي الذي يكون محله – دائماً – نتيجة واقعية. ويشتمل الأثر القانوني الذي يترتب على القرار الإداري على: تقرير حق لفرد مُعين بذاته أو أفراد مُعينين بذواتهم أو فرض التزام ضد فرد مُعين بذاته أو ضد أفراد مُعينين بذواتهم، ومثال ذلك: التصريح لشخص بحمل السلاح – أو بإدارة سينما – أو بالبناء في ملكه – أو القرار بتحديد مقدار الضريبة على الممول.

فالقرارات الإدارية تنقسم من حيث "المدى أو العمومية" إلى: قرارات "تنظيمية" وقرارات "فردية". والقرارات التنظيمية هي اللوائح الإدارية التي تتضمن قواعد عامة مُلزِمة تطبق على عدد غير مُحدود من الأفراد. أما القرارات الفردية فهي التي تخاطب فرداً أو أفرادا ً مُعينين بذواتهم، مثل: تعيين شخص في وظيفة عامة – الترخيص لشخص بالبناء في ملكه – مجازاة موظف ...الخ.

وقد استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا على التفرقة بين القرارات الإدارية التنظيمية (التي تولد مراكز قانونية عامة) وبين القرارات الإدارية الفردية (التي تنشئ مركزاً قانونياً فردياً) من حيث أنه يجوز للإدارة سحب القرارات التنظيمية العامة سواء بالإلغاء أو التعديل في أي وقت حسبما تقتضيه المصلحة العامة. أما القرارات الإدارية الفردية فلا يجوز سحبها ولو كانت مشوبة بعيب إلا خلال الستين يوماً من تاريخ صدورها، بحيث إذا انقضى هذا الميعاد اكتسب القرار حصانة نهائية تعصمه من أي إلغاء أو تعديل، وعندئذ يصبح لصاحب الشأن حق مُكتسب فيما تضمنه القرار وكل إخلال بهذا الحق بقرار لاحق يُعد أمراً مُخالفاً للقانون يعيب القرار الأخير ويبطله. (الطعن رقم 979 لسنة 7 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 29/2/1964 مجموعة العشر سنوات – صـ 1158. والطعن رقم 672 لسنة 2 قضائية "قضاء إداري" – جلسة 4/5/1949 مجموعة المكتب الفني السنة 3 – صـ 715. المصدر: "مبادئ وأحكام القانون الإداري" – للدكتور/ زكي محمد النجار – طبعة 1994 القاهرة – صـ 482 ، 483 ، 488 ، 495 ، 496 ، وهامش 13 صـ 514).

فمن المُسلم به قانوناً فقهاً وقضاءً أنه: ينتهي ميعاد الطعن بالإلغاء ضد القرار الإداري، بانقضاء الستين يوماً التالية لإعلان القرار أو نشره، ما لم يتحقق سبب لوقف سريان الميعاد أو انقطاعه، ويترتب على فوات ميعاد الطعن في القرار الإداري عدة آثار، منها:

يكتسب القرار الإداري حصانة تعصمه من الطعن بالإلغاء، فلا يجوز أن يُثار الطعن في هذا القرار أمام القضاء الإداري، كما ليس لأية هيئة إدارية كانت أو قضائية أن تنقضه، فلا يحق للإدارة – مثلاً – سحب هذا القرار بحجة عدم مشروعيته، ويتعين على القاضي الإداري الحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً إذا تم رفعها بعد فوات الميعاد.. وقد استهدف المُشرع من ذلك مصلحة عليا تتمثل في استقرار القرارات الإدارية وعدم تركها مُستهدفة للطعن بدعوى الإلغاء وقتاً طويلاً مما يُشيع الفوضى والاضطراب في المجال الإداري، وهو الأمر الذي يحرص المُشرع على تجنبه توخياً وحمايةً للمصلحة العامة. (الطعن رقم 1081 لسنة 7 قضائية "قضاء إداري" – جلسة 24/11/1959 مجموعة المكتب الفني السنة 10 صـ 41). وبالرغم من أن الإبقاء على قرار إداري غير مشروع فيه مساس واضح بمبدأ المشروعية ويُعد استثناء حقيقي على مُقتضاه، إلا أنه يجد مُبرره الشرعي لذلك وهو أن مرور مُدة الطعن بالإلغاء يُفيد رضا المُدعي وسكوته عن اختيار طريق الطعن أمام القضاء، رغم علمه التام بالقرار ومركزه منه وإمكانية الطعن فيه، أو على الأقل تحمله لتبعة هذا السكوت سواء كان عن جهل لا يُعذر فيه أو عن إهمال. ومن هنا اعتبر القضاء الإداري أن ميعاد الطعن بالإلغاء من النظام العام لتعلقه باستقرار القرارات الإدارية وما لذلك من اتصال وثيق بالنظام العام. (الطعن رقم 10 لسنة 6 قضائية "قضاء إداري" – 7/1/1953 مجموعة المكتب الفني السنة 7 صـ 289).

تصبح الحقوق والمراكز القانونية التي ترتبها القرارات الإدارية النهائية التي فات ميعاد الطعن فيها، حقوقاً مُكتسبة لذوي الشأن فلا يجوز المساس بها.

يجوز الدفع بعدم قبول الدعوى لفوات ميعاد الطعن بالنسبة للقرار المطعون فيه أمام القضاء في أية مرحلة من مراحل الدعوى، باعتباره من النظام العام، كما يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعوى إذا رفعت بعد فوات الميعاد بغير حاجة إلى الدفع من قِبل الخصوم.

والخلاصة: إن فوات ميعاد الطعن في القرار الإداري – على فرض عدم مشروعيته لعيب في الاختصاص أو الشكل أو المحل أو السبب أو الغاية – يحصن القرار الإداري رغم عيبه (المُفترض)، ويضحى بمثابة القرار الصحيح الذي لا يجوز سحبه أو إبطاله بحجة عدم مشروعيته، وذلك لاعتبارات تتعلق بضرورة استقرار الحقوق والمراكز الشخصية التي تنشأ للأفراد من تلك القرارات، حيث أن مرور مدة الطعن بالإلغاء عليها من شأنه توليد ثقة مشروعة لدى الأفراد فيما ترتب على هذه القرارات من مراكز وحقوق فيجب حمايتها. (المصدر: "الدعاوى الإدارية – دعاوى الإلغاء" – للدكتور/ سامي جمال الدين – طبعة 1991 الإسكندرية – صـ 153 ، 154 ، 202).

ويؤيد هذا النظر، ما تواترت عليه أحكام المحكمة الإدارية العليا من أن: "صدور قرار بالترقية وإن كان قد أنبني على تسوية خاطئة إلا أنه يُشكل قراراً إدارياً أنشأ مركزاً قانونياًَ ذاتياً شأنه شأن القرارات الإدارية الفردية التي لا يجوز سحبها إلا في المواعيد القانونية المُقررة للطعن القضائي، ويتحصن بفوات هذه المواعيد ويقع سحب القرار بعد مُضي المُدة القانونية باطلاً". (الطعن رقم 1520 لسنة 7 قضائية"إدارية عليا" – جلسة 2/1/1966 مجموعة المكتب الفني السنة 11 صـ 263. والطعن رقم 295 لسنة 16 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 5/1/1975 مجموعة المكتب الفني السنة 20 صـ 100. مُشار إليهما في: "مبادئ وأحكام القانون الإداري" – للدكتور/ زكي محمد النجار – طبعة 1994 القاهرة – صـ 510 وهامش 27 صـ 516).

ويؤيد هذا النظر مرة أخرى ويؤكده تماماً ما ذهبت إليه الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة من أن: "الجمرك بعد أن مارس سلطته التقديرية الواسعة في مُعاينة البضاعة المُستوردة وتحديد التعريفة الجمركية الخاضعة لها ثم تسوية الضريبة الجمركية على أساس ذلك وتحصيل الضريبة والإفراج عن البضاعة وخروجها من الدائرة الجمركية فإنه يكون بذلك قد أستنفذ سلطاته فلا يجوز له بعد ذلك أن يُعاود النظر في تقدير قيمة الضرائب والرسوم الجمركية مرة أخرى، والحاصل أن تقدير الرسوم الجمركية المُستحقة بواسطة مصلحة الجمارك في صدد استعمال رخصتها المُخولة لها قانوناً هو قرار إداري نهائي أعملت به جهة الإدارة سلطتها التقديرية التي خولها إياها القانون وأنشأت مركزاً قانونياً ذاتياً يتعلق به حق ذي الشأن وبصورة تستنفذ المصلحة ولايتها في إصداره فلا يجوز المساس به من جهتها ولا يجوز مُعاودة النظر فيه إلا إذا كان ثمة غش أو تدليس من جانب صاحب الشأن من شأنه أن يُفسد إرادتها وإلا أعتبر ذلك سحباً لقرار إداري نهائي في غير الأحوال المُقررة قانوناً". (فتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة رقم 32/2/2738 الصادرة في 27/8/1997).

وتطبيقاً لما تقدم، فلما كانت التقدير الأول للضريبة المفروضة على البضاعة المستوردة قد صدر من قِبل الجهة الإدارة المُختصة بذلك (والتي لها في هذا الشأن سلطة تقديرية واسعة المدى) وهذا التقدير يُعد وفق التكييف القانوني الصحيح قرار إداري، وقد صدر وفق صحيح القانون، ولم يتم إلغاؤها أو سحبها أو تعديلها من جانب جهة الإدارة خلال الستين يوماً التالية لصدوره، وبالتالي تكون هذه القرار بالتقدير الأول قد تحصنت ضد الإلغاء وضد السحب وضد التعديل سواء إدارياً أو قضائياً ومن ثم ينتج هذا القرار الإداري بالتقدير الأول كافة آثاره القانونية.. وإذ خالف القرار المطعون فيه (قرار إعادة التقدير) هذا النظر وصدر بتقدير آخر مُخالف للتقدير الأولى الذي صار نهائياً بفوات مواعيد سحبه أو إلغاؤه أو تعديله فإن هذا القرار الثاني المطعون عليه (قرار إعادة التقدير) يكون قد صدر باطلاً ومنعدم لمُخالفة محله للقانون للأسباب السالف ذكرها وللأسباب التالية:

أنه المُسلم به قانوناً فقهاً وقضاءً أن: "تعديل الحالة القانونية القائمة يُعد إنشاء لحالة قانونية جديدة، وهذا ما أوضحته محكمة القضاء الإداري بقولها: "إن القرار الصادر من مجلس الوزراء بشأن المواسم والأعياد الرسمية هو قرار له كل مقومات القرار الإداري. فهو في الواقع قد أنشأ حالة قانونية بالنسبة للكافة، وهذه الحالة وإن كانت قائمة من قبل بالنسبة لغالبية الأعياد والمواسم الواردة بالقرار المذكور، غير أنه يُعتبر مع ذلك مُنشئاً لحالة قانونية جديدة". (الطعن رقم 3716 لسنة 8 قضائية "قضاء إداري" – جلسة 14/10/1958 مجموعة المكتب الفني السنة 13 صـ 141. مُشار إليه في: "الدعاوى الإدارية – دعاوى الإلغاء" – للدكتور/ سامي جمال الدين – طبعة 1991 الإسكندرية – صـ 65 وهامش 44).

ومفاد ذلك أن تعديل الحالة القانونية القائمة هو بمثابة إنشاء لحالة قانونية جديدة، وإذا كانت الحالة القانونية القائمة مُستندة إلى قرار إداري فإن تعديل هذه الحالة يفترض ضمناً – وبطريق اللزوم – إلغاء القرار الإداري سند الحالة القانونية القائمة أو سحبه أو تعديله. فإذا كان القرار الإداري سند الحالة القانونية القائمة قد تحصن – على الوجه السالف ذكره – فإن تعديله وإنشاء حالة قانونية جديدة عن طريق إصدار قرار إداري آخر يتضمن هذا التعديل، فإن هذا القرار الإداري الأخير يكون معيباً بعيب مُخالفة القانون ويكون قد صدر باطلاًَ ومُنعدماً. وهذا هو عين ما حدث بالنسبة لوقائع الدعوى الماثلة: فبعد أن صدر قرار إداري سليم من جميع وجوهه قاضي بتقدير مبلغ الضرائب والرسوم الجمركية المُستحقة على البضاعة المستوردة وقامت صاحبة البضاعة (الشركة الطاعنة) فعلاً بسداد تلك الضريبة وهذه الرسوم وقامت مصلحة الجمارك من جانبها بالإفراج عن تلك البضاعة بعد سداد كافة ما عليها من ضرائب ورسوم، وفوات ستون يوماً على تاريخ إصدار قرار تقدير مبالغ الضريبة والرسوم المذكور دون سحبه أو إلغاؤه أو تعديله في تلك المُدة (بل تم تنفيذه على أكمل وجه في تلك المُدة) فمن ثم يكون هذا القرار الأول بتقدير مبلغ الضريبة قد تحصن، وتكون الجهة الإدارية المُختصة قد استنفذت سلطتها واختصاصها به على النحو السالف ذكره، وبناء عليه فإن قيام الجهة الإدارية بإصدار قرار إداري آخر قاضي بإعادة تقدير مبلغ الضريبة الجمركية سالفة الذكر بما ينطوي ضمناً على إلغاء وسحب وتعديل القرار الإداري الأول الصادر بتقدير مبلغ تلك الضريبة من قبل والمُتحصن بفوات مواعيد إلغاؤه أو سحبه أو تعديله وبعد أن استنفذت الجهة الإدارية اختصاصها به وولايتها عليه، فيكون هذا القرار الإداري الثاني (المطعون فيه، والقاضي بإعادة التقدير – والحال كذلك) قد صدر معيباً – في محله – بعيب جوهري هو مُخالفة القانون (فضلاً عن صدوره عن جهة غير مُختصة قانوناً لكون الجهة الإدارية قد استنفذت سلطتها واختصاصها وولايتها بتحصن وتنفيذ قرار التقدير الأول)، وبالتالي يُعد قرار الجهة الإدارية بإعادة التقدير المطعون فيه قراراً باطلاً بطلان مُطلقاً ومُنعدماً تماماً من الوجهة القانونية ولا يشكل سوى واقعة أو عقبة مادية يجوز تخطيها وتجاهلها والالتفات عنها تماماً..

هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، فإن صاحبة البضاعة (الطاعنة) قد اكتسبت حقاً فيما تضمنه القرار الإداري الأول بتقدير مُعين لمبلغ الضريبة الجمركية والتي قامت بالوفاء به على أكمل وجه – على النحو السالف ذكره- وكل إخلال بهذا الحق بقرار لاحق يُعد أمراً مُخالفاً للقانون يعيب القرار الأخير ويبطله.

لما كان ذلك، وكانت القاعدة العامة – التي جرى عليها قضاء المحكمة الإدارية العليا – أنه أياً كانت الصورة التي تتم بها مُخالفة القانون، فإن "البُطلان" هو النتيجة الحتمية التي تلحق بالقرار الإداري المشوب بعدم المشروعية لعيب المحل (وكذلك الاختصاص)، فعندما يُعرض على المحكمة القرار الإداري المطعون فيه بعيب مُخالفة القانون، فإنها تفحص هذا العيب وما إذا كان قائماً فتقضي بإلغاء القرار، أو غير قائم فتقضي برفض الدعوى، وذلك كله في ضوء أحكام القانون ووقائع الدعوى. (الطعن رقم 1568 لسنة 8 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 10/12/1966 مجموعة المكتب الفني السنة 12 – صـ 344. مُشار إليه في: "الدعاوى الإدارية – دعاوى الإلغاء" – للدكتور/ سامي جمال الدين – طبعة 1991 الإسكندرية – صـ 304 ، 305 وهامش 14).

وعليه، فإن هذا القرار المطعون فيه يكون قد صدر معدوماً وباطلاً بطلاناً مُطلقاً لمُخالفته الجسيمة للقانون، وهي مُخالفة تجرده من صفته كتصرف قانوني وتنزل به إلى حد غصب السلطة وتنحدر به إلى مُجرد الفعل المادي المُنعدم الأثر قانوناً فلا تلحقه أية حصانة ويجوز الطعن عليه في أي وقت من الأوقات دون التقيد بمواعيد مُحددة. وعلى أية حال فإن مواعيد الطعن عليه ما زالت مفتوحة من تاريخ إخطار الطاعن به في تاريخ 15/1/2004.

ومن ناحية ثالثة، فإن منشور التعليمات رقم 6 لسنة 1994 بشأن قواعد وإجراءات المُراجعات والمُناقضات الصادر من مكتب رئيس مصلحة الجمارك بوزارة المالية إلى جميع أجهزة الجمارك بالجمهورية قد نص في البند (خامساً) منه على أنه: "يُراعى الالتزام التام بأن توجه المُطالبات لأصحاب الشأن بالفروق المُستحقة نتيجة المُراجعات وذلك في موعد أقصاه عشرة أيام من تاريخ الإفراج". لما كان ذلك، وكان تاريخ الإفراج عن البضاعة كما هو ثابت من الأوراق في 10/9/2004 فإنه حتى لو أخذنا والتزمنا بما أخذت وألزمت به مصلحة الجمارك نفسها فإن آخر موعد لتوجيه المُطالبات لأصحاب الشأن يكون في تاريخ 20/9/2003 إلا أن مُطالبة مصلحة الجمارك للطاعن بصفته لم تحرر إلا في تاريخ 14/1/2004 ولم تصل إلى علمه إلا في تاريخ 15/1/2004 بالمُخالفة لمنشور تعليمات مصلحة الجمارك نفسها.

الاختصاص الولائي بنظر الطعن الماثل:

لما كان من المُقرر في قضاء المحكمة الإدارية العليا أنه: "ومن حيث أن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وما استقرت عليه أحكام المحكمة الإدارية العليا من أنه أياً ما كان التكييف القانوني للمُنازعات بشأن الرسوم أي سواء اعتبرت مُنازعة ضريبية أو مُنازعة إدارية في قرار إداري فإن الاختصاص بنظرها ينعقد لمحاكم مجلس الدولة دون المحاكم العادية، ذلك أن المُشرع لم يعهد للقضاء العادي بنظر الطعون المُتعلقة بالرسوم المذكورة، وعلى ذلك فإن المُنازعة بحسبانها مُنازعة إدارية تكون من اختصاص القاضي الطبيعي للمُنازعات الإدارية أي القضاء الإداري. ومن حيث أن المادة 10 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن: "تختص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في المسائل الآتية: أولاً- ... خامساً- الطلبات التي يُقدمها الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية، سادساً- الطعون في القرارات النهائية الصادرة من الجهات الإدارية في مُنازعات الضرائب والرسوم وفقاً للقانون الذي ينظم كيفية نظر هذه المُنازعات أمام مجلس الدولة ...". ومن حيث أن قضاء هذه المحكمة على استقرار بأن نص الفقرة "سادساً" من المادة 10 من قانون مجلس الدولة المُشار إليه الذي يُقرر أن ولاية محاكم مجلس الدولة بنظر الطعون في مُنازعات الضرائب والرسوم رهين بصدور القانون الذي يُنظم كيفية نظر هذه المُنازعات، غير مانع من اختصاص تلك المحاكم بنظرها سواء بالفصل في مُنازعات الضرائب والرسوم التي لم ينظم لها المُشرع طريقاً قضائياً للطعن أو بالفصل في القرارات الإدارية المُتعلقة بهذه المُنازعات، وأنه أياً كان التكييف القانوني لتلك المُنازعات أي سواء اعتبرت مُنازعة ضريبية أو منازعة في قرار إداري يتعلق بها فإن الاختصاص بنظرها، على ما عليه الحال في النزاع الماثل، ينعقد لمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري من دون المحاكم العادية، ذلك أن المُشرع لم يعهد للقضاء العادي بنظر المُنازعة المُتعلقة بالرسوم الجمركية، كما أن هذه المُنازعة بحسبانها منازعة إدارية تكون من اختصاص القاضي الطبيعي للمُنازعة الإدارية أي القضاء الإداري، وبذلك يضحى القول بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى غير قائم على سند سليم من القانون. ولما كان ذلك وكانت المُنازعة الماثلة تدور حول الرسوم الجمركية المُستحقة على البيان الجمركي رقم 1267 جمرك السويس وما إذا كان يحق للجهة الإدارية إعادة تقديرها وإلزام المُستورد بالفرق إن وجد من عدمه. ومن ثم فإن محاكم مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري تكون هي المُختصة بنظرها وفقاً لنص الفقرة "سادساً" من المادة 10 من قانون مجلس الدولة المُشار إليه. ومن حيث أن الحكم المطعون فيه إذ أخذ بغير هذه الوجهة من النظر فإنه يكون قد صدر مُجافياً صحيح القانون جديراً بالإلغاء مع القضاء باختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى". (الطعن رقم 731 لسنة 41 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 7/1/2001).

لما كان ما تقدم، وكانت المُنازعة الماثلة تدور حول الضريبة والرسوم الجمركية المُستحقة على البيان الجمركي رقم 6430 جمرك السويس (السخنة) وما إذا كان يحق للجهة الإدارية إعادة تقديرها وإلزام المُستورد (الشركة الطاعنة) بالفرق إن وجد من عدمه. ومن ثم فإن محاكم مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري تكون هي المُختصة بنظرها وفقاً لنص الفقرة "سادساً" من المادة 10 من قانون مجلس الدولة المُشار إليه آنفاً.

سابقة العرض على لجان التوفيق في بعض المُنازعات:

ومن حيث أن المادة 11 من القانون رقم 7 لسنة 2000 بإصدار لجان التوفيق التي تكون الوزارات والأشخاص الاعتبارية العامة طرفاً تنص على أنه: "لا تُقبل الدعوى التي تُرفع إبتداءً إلى المحاكم بشأن المُنازعات الخاضعة لأحكام هذا القانون إلا بعد تقديم طلب التوفيق إلى اللجنة المُختصة وفوات الميعاد المُقرر لإصدار التوصية، أو المِيعاد المُقرر لعرضها دون قبول"..

مما أضطر الشركة الطاعنة إلى تقديم الطلب رقم ....................... لسنة 2004 إلى اللجنة رقم .............. للتوفيق الكائن مقرها في مصلحة الجمارك بالقاهرة وذلك في تاريخ ..................................... ولكن اللجنة المذكورة أصدرت توصيتها في ذات الجلسة (في تاريخ ............................. ) برفض طلب التوفيق.

طلب وقف التنفيذ:

نصت المادة 49 من القرار بقانون رقم 47 لسنة 1972 (المُعدل) بشأن مجلس الدولة والتي تقضي بأنه: "لا يترتب على رفع الطلب إلى المحكمة وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بوقف تنفيذه إذا طلب ذلك في صحيفة الدعوى ورأت المحكمة أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها"..

وعلى ذلك فإنه يُشترط لوقف تنفيذ القرار المطعون عليه توافر الشرطين الآتيين:-

أن يطلب الطاعن وقف تنفيذ القرار صراحة في صحيفة الطعن، فلا يُقبل طلب وقف التنفيذ الذي يُبدى بصحيفة مُستقلة فيجب أن تتضمن صحيفة الدعوى طلبين: طلب مُستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مُؤقتاً حتى يُفصل في موضوع الطعن، وطلب موضوعي هو إلغاء القرار المطعون فيه.

أن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها، وهو ما عبرت عنه المحكمة الإدارية العليا بـ "ركن الاستعجال"، ومحكمة القضاء الإداري هي التي تقدر ما إذا كان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها من عدمه.

ويجب لوقف تنفيذ القرار المطعون فيه أن يكون ادعاء الطالب قائماً بحسب الظاهر على أسباب جدية يُرجح معها إلغاء القرار المطعون عليه..

وفي هذا الشأن قضت المحكمة الإدارية العليا بأن: "قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن سلطة وقف تنفيذ القرارات الإدارية مُشتقة من سلطة الإلغاء وفرع منها، مردهما إلى الرقابة القانونية التي يُسلطها القضاء الإداري على القرار على أساس وزنه بميزان القانون وزناً مناطه مبدأ المشروعية توجب على القضاء الإداري ألا يوقف قراراً إدارياً إلا إذا تبين له – على حسب الظاهر من الأوراق ومع عدم المساس بأصل طلب الإلغاء عند الفصل فيه – أن طلب وقف التنفيذ يقوم على ركنين: الأول- قيام الاستعجال بأن كان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها، والثاني- يتصل بمبدأ المشروعية بأن يكون ادعاء الطالب في هذا الشأن قائماً بحسب الظاهر على أسباب جدية، وكلا الركنين من الحدود القانونية التي تحد سلطة القضاء الإداري وتخضع لرقابة المحكمة العليا". (الطعن رقم 2 لسنة 20 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 25/1/1975. والطعن رقم 1235 لسنة 18 قضائية "إدارية عليا" – جلسة 15/2/1975. المصدر: "شرح قانون المباني الجديد" – للمُستشار/ محمد عزمي البكري – طبعة 1997 القاهرة – بند 182 – صـ 432 ، 433).

لما كان ما تقدم، وكان تنفيذ القرار المطعون فيه بإعادة تقدير الضريبة الجمركية وسداد مبلغ الضريبة الجمركية هذا بعد إعادة تقديره على وجه مُخالف للقانون، والبالغ قيمته أكثر من مائة ألف جنيه سيترتب عليه حتماً نتائج يتعذر تداركها، لا سيما وأن الطاعن هو تاجر مُحترف يعتمد في قدر كبير من تجارته على توافر السيولة المالية لديه. كما أن القرار الإداري المطعون فيه من المُرجح – على الأقل من ظاهر الأوراق – القضاء بإلغائه لكونه صدر معيباً بعيب مُخالفة القانون (في محله وفي الاختصاص بإصداره)، مما يحق معه للطاعن طلب وقف تنفيذه لحين الفصل نهائياً في الطعن بالإلغاء الماثل.

لكل هذه الأسباب، وللأسباب الأخرى التي ستُبديها الشركة الطاعنة أثناء نظر الطعن بالجلسات في مُذكراتها المكتوبة ومُرافعاتها الشفوية، وللأسباب الأصوب والأرشد التي تراها عدالة المحكمة

" بناءً عليه "

لكل ما تقدم، ولما قد ترى الشركة الطاعنة إضافته من أسباب أخرى، ولما تراه عدالة المحكمة من أسباب أصوب وأرشد، تلتمس الشركة الطاعنة من عدالة المحكمة الحكم لها في الطعن الماثل بما يلي:-

أولاً- في الشق المُستعجل: بتحديد أقرب جلسة لنظر الشق المُستعجل، والقضاء فيه بوقف تنفيذ القرار الإداري الصادر من المطعون ضدها (مصلحة الجمارك) والمُتضمن مُطالبتها للشركة الطاعنة بسداد مبلغ وقدره 114142جم (فقط مائة وأربعة عشر ألفاً ومائة وأثنين وأربعون جنيهاً) بزعم أنها فروق رسوم جمركية عن البيان الجمركي رقم 6430 لسنة 2003 السخنة، بادعاء أن هذا المبلغ المُطالب به يُمثل فروق رسوم جمركية؛ وذلك لحين الفصل نهائياً في دعوى الإلغاء الموضوعية الماثلة.

ثانياً- وفي الموضوع:

بقبول هذا الطعن شكلاً.

وفي موضوع الطعن: بإلغاء القرار الإداري الصادر من المطعون ضدها (مصلحة الجمارك) والمُتضمن مُطالبتها للشركة الطاعنة بسداد مبلغ وقدره 114142جم (فقط مائة وأربعة عشر ألفاً ومائة وأثنين وأربعون جنيهاً) بزعم أنها فروق رسوم جمركية عن البيان الجمركي رقم 6430 لسنة 2003 السخنة، بادعاء أن هذا المبلغ المُطالب به يُمثل فروق رسوم جمركية؛ واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار أياً كانت. إلزام الجهة الإدارية المطعون ضدها (مصلحة الجمارك) بالمصروفات ومُقابل أتعاب المُحاماة.

مع حفظ كافة حقوق الطاعن الأخرى أياً كانت،،،



(1) بينت محكمة النقض المقصود بـ: "الإقليم الجمركي – ونطاق الرقابة الجمركية" بقولها: "البين من نصوص المواد الثلاث الأولى من قانون الجمارك الصادر بالقرار بقانون رقم 66 لسنة 1963، أنه يُقصد بالإقليم الجمركي الحدود السياسية الفاصلة بين جمهورية مصر العربية والدول المُتاخمة وكذلك شواطئ البحار المُحيطة بالجمهورية وضفتا قناة السويس وشواطئ البحيرات التي تمر بها هذه القناة، ويمتد نطاق الرقابة الجمركية البحرية من الخط الجمركي إلى ثمانية عشر ميلاً بحرياً في البحار المُحيطة به، أما النطاق البري فيُحدد بقرار من وزير المالية وفقاً لمُقتضيات الرقابة، ويجوز أن تتخذ داخل النطاق تدابير خاصة لمُراقبة بعض البضائع التي تحدد بقرار منه". (الطعن رقم 2534 لسنة 59 قضائية – جلسة 6/2/1990. مُشار إليه في: "الموسوعة التجارية الحديثة" – للمُستشار/ عبد المُنعم دسوقي – المُجلد الثالث – القاعدة رقم 156 – صـ 176).

أما منطقة الرقابة فهي دائرة مُغلقة، وأكد إغلاقها القانون رقم 354 لسنة 1956 بشأن حظر دخول الدوائر الجمركية بالمطارات والموانئ، الذي حظر دخولها بغير إذن من وزير الحربية أو من يُنيبه أو بمُقتضى جواز سفر مستوف. (الطعن رقم 1958 لسنة 30 قضائية – جلسة 6/2/1961 مجموعة المكتب الفني – السنة 12 – صـ 181. مُشار إليه في: "موسوعة الجمارك والتهريب الجمركي" – للمُستشارين/ فايز السيد اللمساوي وأشرف فايز اللمساوي – طبعة 2004 القاهرة – صـ 75).

فسخ توكيل خاص

فسخ توكيل خاص

محكمة جنوب الجيزة الابتدائية

الدائرة ( 17 ) مدني حكومة

مذكرة

بدفاع وطلبات السيد/ .................. (مُدع)

ضد

السيد/ ................... وآخرين. (مُدعى عليهم)

في الدعوى رقم 319 لسنة 2007 مدني كلي حكومة جنوب الجيزة، والمُحدد لنظرها جلسة يوم السبت المُوافق 26/4/2007م للمرافعة.

الموضوع والدفاع

بموجب عقد بيع ابتدائي أشترى المدعي والمدعى عليهم من الأول حتى الثالث (على الشيوع فيما بينهم)، من المدعى عليه الثامن بصفته (جمعية 6 أكتوبر التعاونية لبناء المساكن لضباط القوات المسلحة)، ما هو: حصة قدرها –س 6ط 6ف (ستة أفدنه وستة قراريط) مشاعاً في قطعة الأرض رقم 14 من 13 رمزية من 11 من 7 كدستر كائنة بحوض الجبل الوسطاني رقم 11 – قسم ثان – حلوان – بمحافظة القاهرة، وذلك بهدف المتاجرة فيها ومحاولة بيعها للغير بسعر مغري بما يحقق الربح لجميع الأطراف المشترين لها وهم المدعي وعليهم من الأول حتى الثالث.

إلا أنه تعذر على المشترين العثور على مشتر لتلك الأرض بسعر مناسب نظراً لركود الحركة التجارية وعدم توافر السيولة النقدية ولعدم تسجيلهم لعقد شرائهم لتلك الأرض – أو كذلك أوهم المدعى عليهم من الأول إلى الثالث، أوهموا المدعي بذلك – ومن ثم فقد أقنعوه بأن يتخارج من عقد شراء تلك الأرض ببيع حصته إليهم هم مجتمعين وهم سيتحملون الخسارة الناتجة عن عدم إمكانية بيعها بسعر مناسب، وإزاء تعذر بيع تلك الأرض وتحقيق ربح من ورائها وإزاء الضغوط وإلحاح المدعى عليهم من الأول إلى الثالث على المدعي فقد رضخ لإرادتهم (وهم شركائه في تلك الصفقة الذين يحوزون ثقته الكاملة) فقد قام بعمل توكيل خاص لهم برقم 4536 لسنة 2006 حرف "ن" توثيق الأهرام النموذجي (بتاريخ 12/7/2006) وكل بموجبه المدعي المدعى عليهم من الأول إلى الثالث في بيع قطعة الأرض سالفة الذكر لأنفسهم أو للغير والتوقيع على عقود البيع النهائية أمام الشهر العقاري والتعامل مع جمعية 6 أكتوبر التعاونية لبناء المساكن لضباط القوات المسلحة والتعامل مع الأحياء وكافة الجهات الحكومية ...الخ".

وبعد مدة من الزمن أكتشف الطالب الخدعة التي نصبها له شركائه المدعى عليهم من الأول حتى الثالث، إذ أنهم قاموا بالفعل بالاتفاق على ببيع أرض التداعي بسعر مغر وأخفوا ذلك عن الطالب (شريكهم في الصفقة على الشيوع) بل وأقنعوه بعدم إمكان بيعها لكي يتنازل لهم عن نصيبه فيها بعمل ذلك التوكيل المنوه عنه، ليستأثروا هم بربح تلك الصفقة بالكامل وحرمان الطالب من حقه المشروع فيها، وتم ذلك بطريق التكتم على خبر الاتفاق بيع أرض التداعي لشركة الوالي بثمن يربو على 136 مليون جنيه أي ما يعادل تقريباً سبعة أضعاف السعر الذي أشتروها به، في حين تعمدوا الكذب على المدعي وإيهامه على غير الحقيقة بعدم إمكانية بيع أرض التداعي أو تحقيق أي ربح من وراء ذلك.

وإذ تكشف ذلك الأمر للطالب فقد طلب من المدعى عليهم من الأول إلى الثالث الحضور أمام مكتب التوثيق المختص لإلغاء التوكيل الخاص الصادر منه لهم حيث أنه توكيل خاص لصالحهم لا يجوز إلغائه إلا بموافقتهم وحضورهم أمام مكتب التوثيق المختص للإقرار بإلغائه إلا أنه ماطلوا وسوفوا واختلقوا الأعذار للامتناع عن المثول أمام مكتب الشهر العقاري المختص لإلغاء التوكيل سالف الذكر.

مما أضطر الطالب إلى الاعتصام بحصن القضاء المنيع واللوذ به لإنصافه من الغبن والظلم الذي حاق به من شركائه الذين أساءوا استغلال ثقة المدعي بهم وغرروا به ودلسوا عليه لأكل ماله وحقه بدون وجه حق.

المطالبة بإبطال عقد الوكالة للغلط في صفة الشيء، المصحوب بالتدليس:

عيوب الإرادة ( Vices du Consentement ):

إذا كان وجود التراضي ضرورياً لقيام العقد، فإنه لكي يستقر العقد نهائياً - بعد قيامه - يجب أن يكون هذا التراضي صحيحاً، وذلك بأن يكون صادراً من ذي أهلية وبريئاً من عيوب الإرادة. فالإرادة المعيبة هي إرادة موجودة ولكنها لم تصدر عن بينة واختيار، وهي وإن كانت لا تحول دون وجود العقد فإنها تجعل لمن عيبت إرادته أن يتحلل منه بإبطاله أو فسخه. وعيوب الإرادة ما هي إلا تطبيق لمبدأ سلطان الإرادة، فمادام إن الإرادة هي ركن "التصرف القانوني" تنشئه وتحدد آثاره، فيجب أن تكون بريئة من كل عيب يشوبها حتى يتوفر لها سلطانها الكامل في هذا المجال. وعيوب الإرادة هي الغلط والتدليس والإكراه والاستغلال.

الغلط ( L’erreur ):

والغلط هو: "وهم يقوم في ذهن الشخص فيصور له الأمر على غير حقيقته، ويكون هذا الوهم هو الدافع إلى التعاقد". فالغلط هو تصور كاذب للواقع يؤدي بالشخص إلى إبرام عقد، ما كان ليبرمه لو تبين حقيقة هذا الواقع. والغلط يصيب الإرادة عند إبرام التصرف، فيوجهها وجهة لا تتفق مع الواقع الذي تمثل في ذهن العاقد على غير حقيقته، كأن يشتري شخص تمثالاً يعتقد أنه أثري وهو ليس كذلك.

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "توهم غير الواقع الذي يخالط الإرادة عند تكوين العقد هو من قبيل الغلط الذي نظم المشرع أحكامه من في المواد من 120 إلى 124 من القانون المدني فجعل للمتعاقد الذي وقع فيه أن يطلب أبطال التصرف الذي شابه متى كان الغلط جوهريا". (نقض مدني في الطعن رقم 349 لسنـــة 60 قضائية – جلسة 12/7/1994 مجموعة المكتب الفني – السنة 45 – الجزء الثاني – صـ 1192).

الغلط الجوهري:

ويكون الغلط الجوهري إذا كان هو الدافع إلى التعاقد، أي أن معيار الغلط هنا هو معيار "ذاتي" كما تقول بذلك النظرية الحديثة في الغلط والتي أخذ بها المُشرع المصري. فهذه النظرية الحديثة للغلط والتي تقول بالمعيار الذاتي لتحديده تعتد بالغلط "الجوهري" الذي يقوم على تقدير المتعاقد لأمر معين يبلغ في نظره درجة من الأهمية تكفي لأن تجعله يقدم على التعاقد إن وُجِدَ ويحجم عنه إن تخلف.

وقد أخذ المشرع المصري بتلك النظرية الحديثة للغلط، حيث نصت المادة 121 من القانون المدني على أن: "

1- يكون الغلط جوهرياً إذا بلغ من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط.

2- ويعتبر الغلط جوهرياً "على الأخص":

أ‌. إذا وقع في صفة للشيء تكون جوهرية في اعتبار المتعاقد، أو يجب اعتبارها كذلك لما يلابس العقد من ظروف وما ينبغي في التعامل من حُسن النية.

ب‌. إذا وقع في ذات المتعاقد أو في صفة من صفاته، وكانت تلك الذات أو هذه الصفة هي السبب الرئيسي في التعاقد".

والأخذ بالمعيار الذاتي يقتضي البحث في نية المتعاقدين لمعرفة مدى الأهمية التي يعلقها المتعاقد على الأمر الذي أنصب عليه الغلط، وقد استعان المشرع المصري ببعض الضوابط الموضوعية تساعد على تبين نية المتعاقدين لا سيما في خصوص الغلط في صفة جوهرية للشيء إذ قضى بأن صفة الشيء تكون جوهرية إذا كانت كذلك في اعتبار المتعاقدين أو كان يجب اعتبارها كذلك في ضوء ما يلابس العقد من ظروف وما ينبغي في التعامل من حُسن النية. فالظروف التي تحيط بالعقد ووجوب توافر حُسن النية في التعامل هذان الأمران يمكن الاستعانة بهما في التعرف على نية المتعاقدين إذا لم يكن من المستطاع الوصول إلى هذه النية من طريق آخر. فمثلاً لو أن شخصاً أشترى شيئاً من تاجر آثار وظن أن هذا الشيء أثري فدفع ثمناً عالياً له ثم تبين له بعد ذلك أنه غير أثري. فإنه في هذه الحالة يمكن الاستدلال من أن البائع "تاجر آثار" ومن أن المشتري دفع "ثمناً عالياً" للشيء - يمكن الاستدلال من ذلك - على أن المشتري يحسب الشي أثرياً وأن هذه الصفة هي التي دفعته إلى التعاقد.

وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني في صدد المادة 121 ما يأتي: "وينبغي أن يكون الغلط المبطل للعقد جوهرياً، ولا يتحقق ذلك إلا إذا دفع من وقع فيه إلى التعاقد، ومؤدى هذا أن يناط تقدير الغلط بمعيار شخصي، وقد انتهى القضاء المصري والقضاء الفرنسي في هذا الشأن إلى تطبيقات ثلاث تقررت في نصوص المشروع..

1. أولها يتعلق بالغلط في صفة للشيء تكون جوهرية في اعتبار المتعاقدين أو بالنسبة لما يلابس العقد من ظروف ولما ينبغي أن يسود التعامل من حسن النية، وفي هذا الفرض يرتبط تقدير الغلط الجوهري بعامل شخصي هو حسن النية وبعامل مادي قوامه الظروف التي لابست تكوين العقد.

2. والثاني يتصل بالغلط الواقع في ذات شخص المتعاقد أو في صفة من صفاته، إذا كانت هذه الذات أو تلك الصفة السبب الوحيد أو السبب الرئيسي في التعاقد، والمعيار في هذا الفرض شخصي بحت.

3. والثالث خاص بالغلط في أمور يعتبرها من يتمسك به من المتعاقدين عناصر ضرورية للتعاقد طبقاً لما تقضي به النزاهة في التعامل، وقد تنطوي صورة الغلط في الباعث في هذا التطبيق الثالث. بيد أنه يتعين الرجوع، عند الإثبات، إلى عنصر موضوعي أو مادي بحت، هو عنصر نزاهة التعامل، ويتضح من ذلك أن تقدير الغلط، وإن كان قد نيط بمعيار شخصي بحت، إلا أن تيسير الإثبات قد اقتضى الاعتداد بعناصر مختلفة، فيها الشخصي والمادي". (مجموعة الأعمال التحضيرية – الجزء الثاني – صـ 143).

الغلط في صفة للشيء:

يعيب الغلط في صفة للشيء الإرادة إذا كان جوهرياً، بأن يقع في صفة في الشيء ترقى في نظر المتعاقد إلى المستوى الذي يجعله هو الدافع إلى التعاقد، إذ أنه حينئذ تكون هذه الصفة جوهرية، وكثيراً ما يستعان بظروف التعاقد للوقوف على مدى أهمية هذه الصفة في نظر المتعاقد. والأمثلة على ذلك كثيرة في قضاء المحاكم، نذكر منها ما يلي:

- الترخيص الذي أعطته الحكومة في استغلال أرض كانت تعتقد أنها لا تحتوي إلا على كميات صغيرة جداً من الملح، يجوز إبطاله إذا تبين أن هذه الأرض تحتوي على كميات كبيرة يمكن استغلالها بسهولة. (حكم محكمة الاستئناف المختلطة بجلسة 7/1/1892 مجموعة التشريع والقضاء المختلط 4 – صـ 99).

- إذا باع شخص أرضاً على أنها تحد من الجهة البحرية بشارع عرضه خمسة أمتار، وتبين بعد ذلك أن هذا الشارع لا وجود له، مما يجعل الأرض محصورة من جهاتها الأربع ولا منفذ لها يؤدي إلى الطريق العام، فإن البيع يجوز إبطاله بسبب الغلط الواقع في صفة جوهرية في الشيء المبيع. (حكم محكمة الاستئناف المختلط بجلسة 19/1/1911).

- وإذا بيعت سيارة على أنها جديدة ولم تستعمل إلا على سبيل الفحص والتجربة، ثم تبين أنها استعملت كثيراً من قبل، وأنه سبق ردها من مشتر آخر لذات السبب. (حكم محكمة الاستئناف المختلط بجلسة 28/5/1931 مجموعة التشريع والقضاء المختلط 43 – صـ 495).

- وأن الوفاء اتفاق بين الموفى والموفى له على قضاء الدين، فهو بهذه المثابة تصرف قانوني يجرى عليه من الأحكام ما يجرى على سائر التصرفات القانونية، فلا بد فيه من تراضى الطرفين على وفاء الالتزام. ويشترط في هذا التراضي أن يكون خالياً من عيوب الإرادة، فإذا داخل الوفاء عيب منها كان قابلاً للإبطال. فإذا كانت محكمة الموضوع قد حصلت في حدود سلطتها التقديرية وبأسباب سائغة أن الموفى ما قبل الوفاء إلا لاعتقاده بأن الدين الذي أوفى به حال بحكم نهائي، وبأنه تبين بعد ذلك عدم تحقق هذه الصفة في الدين، فإن الموفى يكون قد وقع في غلط جوهري بشأن صفة من صفات الدين الموفى به كانت أساسية في اعتباره إذ لولا هذا الغلط ما كان الوفاء. فإذا كان الموفى له على علم بهذا الغلط الدافع إلى الوفاء فإن من شأن هذا الغلط أن يؤدى إلى إبطال الوفاء متى طلب الموفى ذلك وأن يعود الطرفان إلى الحالة التي كانا عليها قبل حصوله ومن ثم يلتزم الموفى له بأن يرد المبلغ الذي قبله. (نقض مدني في الطعن رقم 379 لسنة 30 قضائية – جلسة 20/5/1965 مجموعة المكتب الفني – السنة 16 – الجزء الثاني – صـ 602).

الغلط الفردي:

وإذا كان الغلط جوهرياً فيكفي أن يكون فردياً، أي قائم في ذهن أحد المتعاقدين دون الآخر، ولم يشترك فيه كلا المتعاقدين، لأنه إذا عيبت إرادة واحدة فسد التراضي.

فمن المُقرر في قضاء النقض أن: "من أبرم عقداً تعهد فيه بشيء، ولم يكن تعهده مبنياً على رضا صحيح منه، فلا يكون ملزماً بوفاء ما تعهد به. والرضا لا يكون صحيحاً إذا وقع عن غلط في أصل الموضوع المعتبر في العقد. ولا يُشترط النظر إلى حال المتعاقد الآخر من الغلط الواقع فيه المتعاقد الغالط، فغلط الغالط كاف وحده في عدم التزامه بالوفاء. فإذا أثبت المتعاقد أنه كان واقعاً في غلط، ثم أثبت أنه لولا الغلط ما كان أبرم العقد، حكم له ببطلانه ولو كان المتعاقد الآخر حسن النية غير عالم بغلط صاحبه، إذ أن حسن نيته ليس من شأنه أن يقيم عقداً باطلاً، وإنما هو قد يجعل له على الغالط حقاً في التعويض إن كان يستحقه تطبيقاً لقواعد المسئولية. فإذا قضى الحكم ببطلان الإقرار الموقع من الممول بموافقته على تقدير مصلحة الضرائب لأرباحه بناءاً على أن موافقته كانت عن غلط وقع فيه، فإنه لا يكون بحاجة إلى تحرى علم مصلحة الضرائب بغلطه". (نقض مدني في الطعن رقم 29 لسنة 17 قضائية – جلسة 1/4/1948 مجموعة المكتب الفني – السنة 5ع – صـ 586).

* وفي حكم آخر حديث لمحكمة النقض قضت بأنه: "

1- لما كان الثابت بالأوراق أن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع بأنه وقع في غلط جوهري إذ توهم أنه اختص في عقد القسمة الذي أبرمه مع أخيه المطعون ضده بمساحة 177.78 مترا مربعا وانه لو كان يعلم أن ما يزيد على خمسين مترا من هذه المساحة يتداخل في طريق عام يحدها من الناحية البحرية لأحجم عن إبرام العقد، كما تمسك بأن قسيمه كان عالما بوقوعه في ذلك الغلط وأنه دلس عليه بأن سكت عمداً عن تلك الواقعة حتى يتردى هو فيما شاب إرادته من غلط ودلل على صدق ما يقول بما أقر به المطعون ضده نفسه في محضر الاستجواب من أن ذلك الطريق كان مقاما منذ أمد طويل - حدده الخبير المندوب من محكمة الاستئناف بمدة تزيد على خمسين عاما وأورد انه يقتطع من نصيب الطاعن مساحة 58.50 مترا مربعا - وإذ كان البين من الحكم المطعون فيه انه لم يعن بتمحيص هذا الدفاع الجوهري وأقام قضاءه برفض الدعوى (دعوى الطاعن بطلب إبطال العقد) على ما قاله الحكم الابتدائي من أن الطريق الذي تداخل فيه نصيب الطاعن أنشئ بعد تحرير عقد القسمة بأربع سنوات فانه فضلا عن مخالفة الثابت في الأوراق يكون مشوبا بقصور يبطله.

2- كما أن النص في المادة 120 من القانون المدني على أنه: "إذا وقع المتعاقد في غلط جوهري جاز له أن يطلب إبطال العقد أن كان المتعاقد الآخر قد وقع مثله في هذا الغلط أو كان على علم به أو كان من السهل عليه أن يتبينه"، وفى المادة 121/1 منه على أن: "يكون الغلط جوهريا إذا بلغ حدا من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط" - يدل على أن المشرع يعتد بالغلط الفردي سببا لإبطال العقد، وعودة طرفيه إلى الحالة التي كانا عليها قبل إبرامه واشترط لذلك أن يكون هذا الغلط جوهريا - وهو ما يتحقق إذا كان هو الدافع إلى إبرام العقد - وأن يكون المتعاقد الآخر عالماً به أو في مقدوره أن يعلم به.

3- كما أن النص في المادة 125 من القانون نفسه (القانون المدني) على أن: "يعتبر تدليسا السكوت عمدا عن واقعة أو ملابسة إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة" - مؤداه أن المشرع اعتبر مجرد كتمان العاقد واقعة جوهرية يجهلها العاقد الآخر أو ملابسة، من قبيل التدليس الذي يجيز طلب إبطال العقد إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو اتصل علمه بما سكت عنه المدلس عمداً. (نقض مدني في الطعن رقم 5524 لسنة 63 قضائية – جلسة 17/4/2001 المستحدث من أحكام النقض – صـ 212).

الغلط المصحوب بالتدليس:

وفي حكم هام لمحكمة النقض صادر في الطعن رقم 8240 لسنـــة 65 قضائية – بجلسة 23/6/1997 منشور بمجموعة المكتب الفني – السنة 48 – الجزء الثاني – صـ 952 ، قررت محكمة النقض المبادئ القانونية الأساسية التالية:

- المقرر وفقاً للمادتين 120 و 125 من القانون المدني أن للمتعاقد الذي وقع في غلط جوهري أو وقع عليه تدليس الحق في طلب إبطال العقد وهو حق يتوافر به شرط المصلحة الحالة اللازمة لقبول الدعوى.

- المقرر وفقاً للمادتين 120 و 121 من القانون المدني أن للمتعاقد الذي وقع في غلط جوهري في قيمة الشيء أن يطلب إبطال التصرف الذي شابه هذا الغلط متى كان هو الدافع الرئيسي إلى التعاقد ووقع فيه المتعاقد الآخر أو اتصل علمه به أو كان من السهل عليه أن يتبينه.

- المقرر وفقاً للفقرة الثانية من المادة 125 من القانون المدني يُعتبر تدليساً السكوت عمداً عن واقعة أو ملابسة إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة.

- تقدير ثبوت الغلط المصحوب بالتدليس الذي يجيز إبطال العقد أو عدم ثبوته هو من المسائل التي تستقل بها محكمة الموضوع دون رقابة عليها في ذلك من محكمة النقض ما دام قضائها مقاماً على أسباب سائغة.

- يجوز مع القضاء ببطلان العقد للغلط أو التدليس أن يحكم بالتعويض إذا ترتب عليه ضرراً بأحد المتعاقدين ويكون ذلك لا على اعتبار أنه عقد بل باعتباره واقعة مادية متى توافرت شروط الخطأ الموجب للمسئولية التقصيرية في جانب المتعاقد الآخر الذي تسبب بخطئه في هذا البطلان.

التدليس ( Le dol ):

تنص المادة 125 من القانون المدني على أنه: "يجوز إبطال العقد للتدليس، إذا كانت الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين، أو نائب عنه، من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد".

والتدليس هو: "استعمال حيلة توقع المتعاقد في غلط يدفعه إلى التعاقد"، فهو يثير الغلط في ذهن المتعاقد، فيعيب الإرادة من هذا الطريق. ومن ثم يكون العيب الذي يشوب الإرادة حينئذ هو "الغلط" الذي يولده "التدليس".

فيجب أن يلجأ المدلس إلى حيل لإخفاء الحقيقة، وأن تكون هذه الحيل كافية للتضليل بحسب حالة المتعاقد الآخر، فالمعيار في هذا الشأن معيار شخصي بحت.

التدليس بالكذب أو الكتمان:

والأصل أن "الكذب" لا يكفي لقيام التدليس، إلا إذا أنصب على واقعة معينة لها اعتبارها عند المتعاقد الآخر فيعتبر هنا تدليساً. كأن يعطي شخص بيانات غير صحيحة عن خبراته وكفاءته بقصد التحايل للحصول على عمل.

وكذلك "الكتمان" ( Reticence ) فالأصل فيه أنه لا يعتبر تدليساً، إلا في الأحوال التي يكون لزاماً على المتعاقد فيها أن يفضي بأمر من الأمور ويُعتبر سكوته عنها تدليساً، وهذا الالتزام ببيان معلومات لها أهميتها في التعاقد قد يكون مصدرها القانون (مثل نص المادة 764 من القانون المدني)، أو قد تفرضه طبيعة العقد. ففي عقد التأمين على الحياة إذا كتم المؤمن له على حياته أنه قد أصيب بمرض خطير قبل التأمين عليه فإن هذا الكتمان يعد تدليساً، وقد توجب الظروف والملابسات التي تحيط بالتعاقد على المتعاقد – في ضوء هذه الظروف – أن يكشف عن أمر يدرك أن له خطره لدى المتعاقد الآخر، فإذا باع شخص لآخر منزلاً وكتم عنه أن هذا المنزل قد شرع في نزع ملكيته للمنفعة العامة فإن هذا الكتمان يعتبر تدليساً، ويكفي الكتمان في هذه الحالات لقيام التدليس لا سيما إذا كان المدلس عليه يجهل الأمر الذي سكت عنه المتعاقد الآخر (المدلس) وأنه ليس في استطاعته أن يعرف هذا الأمر من طريق آخر.

وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني في صدد المادة 125 ما يأتي: "يُشترط في التدليس إذا صدر من أحد المتعاقدين، سواء أصدر من المتعاقد نفسه أم من نائبه أم من شريك له، أن ينطوي على حيل، بيد أن هذه الحيل تختلف عن سميها في "النصب الجنائي"، إذ يكفي فيها مجرد "الامتناع" من جانب العاقد، كسكوته عمداً عن واقعة جوهرية يجهلها العاقد الآخر. والواقع أنه ليس ثمة تطابق بين تعريف التدليس المدني والتدليس الجنائي. ويُشترط كذلك أن تكون الحيل التي تقدمت الإشارة إليها قد دفعت من ضلل بها إلى التعاقد ومناط التقدير في هذا الصدد نفسي أو ذاتي، كما هي الحال بالنسبة لعيوب الرضاء جميعاً". (مجموعة الأعمال التحضيرية – الجزء الثاني – صـ 172).

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "المُقرر - في قضاء محكمة النقض - أنه يُعتبر تدليساً السكوت عن واقعة أو ملابسة إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة وأن الحيلة غير المشروعة التي يتحقق بها التدليس إما أن تكون إيجابية باستعمال طرق احتيالية أو تكون سلبية بتعمد المتعاقد كتمان أمر عن المتعاقد الآخر متى كان هذا الأمر يبلغ حداً من الجسامة بحيث لو علمه الطرف الآخر لما اقدم على التعاقد بشروطه". (الطعن رقم 431 لسنة 66 قضائية – جلسة 28/4/2001 المستحدث في أحكام النقض – صـ 214).

كما جرى قضاء النقض على أن: "النص في المادة 125 من القانون المدني على أن: "يُعتبر تدليساً السكوت عمداً عن واقعة أو ملابسة إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة" - مؤداه أن المشرع اعتبر مجرد كتمان العاقد واقعة جوهرية يجهلها العاقد الآخر أو ملابسة ما، من قبيل التدليس الذي يجيز طلب إبطال العقد إذا ثبت أن المدلس عليه ما كان ليبرم العقد لو اتصل علمه بما سكت عنه المدلس عمداً".(نقض مدني في الطعن رقم 5524 لسنة 63 قضائية – جلسة 17/4/2001 المستحدث في قضاء النقض – صـ 212 – فقرة 3).

وعلى ذلك تواتر قضاء النقض، حيث قضت محكمة النقض بأن: "النص في المادة 125 من القانون المدني - يدل على أن الحيلة غير المشروعة التي يتحقق بها التدليس إما أن تكون إيجابية باستعمال طريق احتيالية أو أن تكون سلبية بتعمد المتعاقد كتمان أمر عن المتعاقد الأخر متى كان هذا الأمر يبلغ حداً من الجسامة بحيث لو علمه الطرف الأخر لما أقدم على التعاقد". (نقض مدني في الطعن رقم 1196 لسنة 57 قضائية – جلسة 18/11/1993 مجموعة المكتب الفني – السنة 44 – صـ 217).

وبتطبيق كل تلك القواعد والمبادئ القانونية المستقرة على وقائع الدعوى الماثلة يتضح جلياً أنه بعد أن قام المدعي بالاشتراك مع المدعى عليهم من الأول حتى الثالث بشراء أرض التداعي من الجمعية المعلن إليها الثامنة وذلك بهدف الاتجار فيها والكسب من وراء بيعها مرة ثانية للغير بثمن عالي، إلا أن المدعي وقع في غلط جوهري باعتقاده – بناء على كذب وتدليس شركائه المدعى عليهم من الأول حتى الثالث – بأن تلك الأرض راكدة ولا تجد من يشتريها بسعر معقول، ومن ثم أقنع المدعى عليهم من الأول إلى الثالث، المدعي بأن يتخارج من عقد شراء تلك الأرض ببيع حصته إليهم هم مجتمعين وهم سيتحملون الخسارة الناتجة عن عدم إمكانية بيعها بسعر مناسب، وإزاء تعذر بيع تلك الأرض وتحقيق ربح من ورائها وإزاء الضغوط وإلحاح المدعى عليهم من الأول إلى الثالث على المدعي فقد رضخ لإرادتهم (وهم شركائه في تلك الصفقة الذين يحوزون ثقته الكاملة) وقام بعمل توكيل خاص لهم برقم 4536 لسنة 2006 حرف "ن" توثيق الأهرام النموذجي (بتاريخ 12/7/2006) وكل بموجبه المدعي المدعى عليهم من الأول إلى الثالث في بيع قطعة الأرض سالفة الذكر لأنفسهم أو للغير والتوقيع على عقود البيع النهائية أمام الشهر العقاري والتعامل مع جمعية 6 أكتوبر التعاونية لبناء المساكن لضباط القوات المسلحة والتعامل مع الأحياء وكافة الجهات الحكومية ...الخ". وبعد مدة من الزمن أكتشف الطالب الخدعة التي نصبها له شركائه المدعى عليهم من الأول حتى الثالث، إذ أنهم قاموا بالفعل ببيع أرض التداعي لشركة الوالي بثمن يربو على الـ 136 مليون جنيه أي بما يقرب من سبعة أضعاف السعر الذي أشتروها به وأخفوا ذلك الاتفاق عن المدعي (شريكهم في الصفقة على الشيوع) تدليساً منهم ليستأثروا بربح بيع تلك الأرض كلها من دونه، بل وأقنعوه بعدم إمكان بيعها والتنازل لهم عن نصيبه فيها بعمل ذلك التوكيل المنوه عنه، ليستأثروا هم بربح تلك الصفقة بالكامل وحرمان المدعي من حقه المشروع فيها، وتم ذلك بطريق التكتم على خبر الاتفاق على بيع أرض التداعي بذلك السعر المغر، وهذا غلط جوهري إذ لولاه ما أقدم المدعي على عمل التوكيل المذكور، كما أنه يعد تدليساً من المدعى عليهم من الأول حتى الثالث الذين كتموا عنه أمر الاتفاق على بيع أرض التداعي لشركة الوالي بسعر باهظ وهي حقيقة لو عملها المدعي ما أقدم بأي حال من الأحوال في عمل التوكيل المنوه عنه، وإذ تكشف ذلك الأمر للمدعي فقد طلب من المدعى عليهم من الأول إلى الثالث الحضور أمام مكتب التوثيق المختص لإلغاء التوكيل الخاص الصادر منه لهم حيث أنه توكيل خاص لصالحهم لا يجوز إلغائه إلا بموافقتهم وحضورهم أمام مكتب التوثيق المختص للإقرار بإلغائه إلا أنه ماطلوا وسوفوا واختلقوا الأعذار للامتناع عن المثول أمام مكتب الشهر العقاري المختص لإلغاء التوكيل سالف الذكر. مما يحق معه للطالب – والحال كذلك – إقامة دعواه الماثلة بغية القضاء له بإبطال التوكيل المتقدم ذكره وعودة جميع الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها قبل إبرام ذلك التوكيل.

علماً بأنه من المُقرر في قضاء النقض أنه: "يجب التفرقة بين التصرف في حد ذاته وبين الدليل المعد لإثباته، فثبوت صحة التوقيع على الورقة العرفية لا يعنى صحة التصرف المثبت بها ولا يحول دون الطعن في التصرف القانوني - لا في الورقة - بالغلط أو التدليس أو الإكراه أو عدم مشروعية السبب أو بأي دفع موضوعي أو شكلي آخر". (نقض مدني في الطعن رقم 7155 لسنة 64 قضائية – جلسة 18/9/2004 المستحدث من أحكام النقض – صـ 3). ومن ثم تكون الدعوى الماثلة قد جاءت على سند من صحيح القانون خليقة بالقبول وإجابة المدعي إلى طلباته فيها.

إبطال البيع أو تكملة الثمن:

تنص الفقرة الأولى من المادة 129 من القانون المدني على أنه: "إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر، وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد أستغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً، جاز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد أو أن ينقص التزامات هذا المتعاقد".

كما تنص المادة 130 من القانون المدني على أن: "يراعى في تطبيق المادة السابقة عدم الإخلال بالأحكام الخاصة بالغبن في بعض العقود …".

ومن الأحكام الخاصة بالغبن في بعض العقود، ما نصت عليه القانون من أحكام خاصة بالغبن في عقد البيع. حيث تنص الفقرة الأولى من المادة 425 من القانون المدني على أنه: " إذا بيع عقار مملوك لشخص لا تتوافر فيه الأهلية أو كان في البيع غبن يزيد على الخمس، فللبائع أن يطلب تكملة الثمن إلى أرباع أخماس ثمن المثل".

الثمن التافه:

الثمن التافه هو الثمن الذي يصل من التفاهة إلي حد يبدو فيه البيع وكأنه بلا مقابل. وهو وإن كان يعتبر منعدماً شأنه كشأن الثمن الصوري إلا أن الفرق بينهما أن في الثمن الصوري يبدو الثمن متناسباً مع المبيع ولكن لا يدفعه المشتري للبائع، أما في حالة الثمن التافه فإن الثمن يكون حقيقياً وفقاً لما هو متفق عليه فعلاً، بل ومن الممكن أن يكون المشتري قد قام بتسليمه إلى البائع. ولكن العلة في عدم الاعتداد بالثمن التافه تكمن في أنه وعلى نحو ظاهر لا يتناسب مطلقاً مع قيمة المبيع فيكون التعاقد واردا على غير محل – الثمن - ويقع بالتالي باطلاً بطلاناً مطلقاً.

الثمن البخس:

الثمن البخس يعني "الغبن" بالمعنى المطلق لهذه الكلمة. والغبن بمعناه المطلق يعني عدم التعادل بين الأداءات المتقابلة. فهو عدم تعادل بين ما يعطي الشخص وبين ما يأخذ، مما يؤدي إلى اختلال التوازن العقدي الذي هو بحسب الأصل الهدف من التعاقد. والأصل أن عدم التوازن الذي يمكن أن يوصف بالغبن هو ذلك الخارج عن المألوف في المعاملات.

فالثمن البخس هو الثمن الذي يقل كثيراً عن قيمة المبيع، ولكنه لا ينزل إلى حد الثمن التافه الذي لا يعتد به ولا يهم البائع الحصول عليه. فالثمن البخس، خلافاً للثمن الصوري أو للثمن التافه، ثمن جدي كان الحصول عليه هو الباعث الدافع للبائع على الالتزام بنقل ملكية المبيع إلى المشتري، وهو لذلك يكفي لانعقاد البيع. غير أن انخفاض الثمن وعِظم التفاوت بينه وبين قيمة المبيع قد يكونان سبباً في جعل العقد قابلاً للإبطال، وهما في القانون المصري يخولان البائع في بعض الأحوال حق طلب زيادة الثمن إلى حد معين (المادة 425 مدني)، وفي أحوال أخرى حق طلب إبطال العقد أو زيادة الثمن أو نقص مقدار المبيع (المادة 129 مدني).

ويلاحظ أن المشرع المصري في الحالات الغبن سالفة الإشارة إليها أخذ بفكرة الغبن المادية، مما يعني عدم تطلب المشرع للركن المعنوي في الاستغلال. أي أن مجرد عدم التعادل بين الأداءات في هذه الحالات يكفي لتوقيع الجزاء الذي يرتبه المشرع بغض النظر عن ثبوت الضعف في الطرف المغبون وبدون حاجة إلى البحث عن مدى علم الطرف الآخر بهذا الضعف أو اتجاه إرادته إلى استغلاله. وعلى هذا النحو فإن الغبن في هذه الحالات لا يعتبر عيباً من عيوب الإرادة، وإنما يكون عيباً في العقد يؤخذ به حتى وإن كانت الإرادة سليمة وخالية من أي عيب. فالمعيار هنا يصبح معياراً مادياً بحتاً.

إبطال البيع أو تكملة الثمــن:

لكي يكون نقص الثمن فاحشاً بما يسمح للبائع برفع دعوى إبطال البيع أو تكملة الثمن على المشتري يجب أن يقل الثمن الذي تقاضاه البائع في عقد البيع عن القيمة الفعلية للعقار في وقت البيع بأكثر من الخمس.

فلو كان عقاراً قيمته وقت البيع مائة ألف جنيه فيجب لكي يُعد الغبن فاحشاً أن يقل الثمن عن أربعة أخماس هذا الثمن أي أقل من ثمانون ألفاً. أما إذا كان الثمن المتعاقد عليه ثمانون ألف جنيه أو أكثر، فلا يُعد هذا غبناً، ولا يحق للبائع رفع دعوى إبطال البيع أو تكملة الثمن. ومع ذلك فإن المشرع لم يتطلب تكملة الثمن بما يساوي قيمة المبيع وقت البيع، بل اكتفى بتكملة الثمن حتى أربعة أخماس القيمة الحقيقية للعقار، أي بإزالة حالة الغبن الفاحش التي قدر أنها تظهر عندما تقل قيمة البيع عن أربعة أخماس القيمة الحقيقية للعقار المبيع.

فإذا قضت المحكمة بإلزام المشتري بأداء ما نقص عن أربعة أخماس العقار للبائع، التزم المشتري بتكملة الثمن إلى الحد الذي قرره الحكم. فإذا امتنع المشتري اعتبر متخلفاً عن الوفاء بالتزامه التعاقدي الجوهري الذي استكمله الحكم القضائي الصادر في دعوى تكملة الثمن شأنه في ذلك شأن أي عقد بيع آخر يمتنع فيه المشترى عن سداد باقي الثمن، والجزاء واحد وهو حق البائع المتضرر في طلب الفسخ. وإذا قضى بفسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، فإذا استحال ذلك جاز الحكم بالتعويض (المادة 160 مدني) فيسترد البائع العقار إن كان قد سلمه للمشتري والتزم برد الثمن الذي تقاضاه ويسترد المشتري ما يكون قد دفعه من الثمن، ومع ذلك يبقى للبائع حق طلب التعويض عن فترة الانتفاع التي تمتع بها المشتري حتى استرداد المبيع أي ريع المبيع كتعويض عن حرمانه من الانتفاع بالمبيع طوال الفترة التي كان فيها تحت يد المشتري وحتى تاريخ رده للبائع.

لما كان ما تقدم، وكان المدعي والمدعى عليهم من الأول حتى الثالث قد اشتروا أرض التداعي بمبلغ يقارب العشرون مليوناً ثم أخرج المدعى عليهم الثلاثة الأول المدعي من حالة الملكية الشائعة في تلك الأرض ثم باعوها إلى شركة الوالي بمبلغ يربو على الـ 136 مليون، أي بما يقارب سبعة أضعاف المبلغ الذي اشتروها به وأخرجوا المدعي من شراكته فيها على أساس ذلك المبلغ البخس ثم باعوها بهذا المبلغ الباهظ في غضون أشهر قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة إن لم يكن الاتفاق بشأنها قد تم بالفعل قبل إخراج المدعي من تلك الشراكة، مما يحق معه – والحال كذلك – للمدعي المطالبة أصلياً بإبطال بيعه لأرض التداعي إلى المدعى عليهم الثلاثة الأول وذلك للغبن والاستغلال طبقاً لنص المادة 129 من القانون المدني؛ واحتياطياً تكملة ثمن أرض التداعي إلى أربعة أخماس الثمن الذي باعوها به إلى شركة الوالي والبالغ قدره 136 مليون جنيه طبقاً لنص المادة 425 من القانون المدني، ومن ثم تكون الدعوى الماثلة قد جاءت على سند من صحيح القانون خليقة بالقبول وإجابة المدعي إلى طلباته فيها.

المُطالبة بفسخ عقد الوكالة:

من المسلم به قانوناً أنه يجوز إنهاء الوكالة عن طريق طلب فسخها إذا أخل أحد المتعاقدين بالتزاماته، وذلك طبقاً للقواعد العامة. كما يجوز للموكل طلب فسخ الوكالة أيضاً في الأحوال التي لا يجوز له فيها عزل الوكيل، أو إذا أراد مطالبته بالتعويض إلى جانب الفسخ. (المرجع: "الوسيط في شرح القانون المدني" - للدكتور/ عبد الرزاق أحمد السنهوري - الجزء السابع - المجلد الأول - طبعة 2006 القاهرة - بند 239 - صـ 544).

ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "النص في المادة 715 من القانون المدني على أنه "1- يجوز للموكل في أي وقت أن ينهى الوكالة أو يقيدها ولو وجد اتفاق يخالف ذلك ... 2- غير انه إذا كانت الوكالة صادرة لصالح الوكيل أو لصالح أجنبي فلا يجوز للموكل أن ينهى الوكالة أو يقيدها دون رضاء من صدرت الوكالة لصالحه"، يدل على أن إنهاء الوكالة في حالة ما إذا كانت صادرة لصالح الوكيل أو أجنبي لا يتم بالإرادة المنفردة للموكل بل لابد أن يشاركه في ذلك من صدرت لصالحه الوكالة وهو الوكيل في الحالة الأولى أو الأجنبي الذي صدرت الوكالة لصالحه في الحالة الثانية فإذا استقل الموكل بعزل الوكيل دون رضاء من صدرت لصالحه الوكالة فإن تصرفه لا يكون صحيحا ولا يتم العزل وتبقى الوكالة قائمة سارية رغم العزل وينصرف اثر تصرف الوكيل إلى الموكل". (نقض مدني في الطعن رقم 2218 لسنة 70 قضائية – جلسة 31/5/2001 المستحدث في قضاء النقض المدني صـ 271).

وهدياً بما تقدم، ولما كان لا يجوز عزل الوكيل بالإرادة المنفردة للموكل إذا كانت الوكالة صادرة لصالح الوكيل على نحو ما نصت عليه المادة 715 وعلى ما جرى عليه قضاء محكمة النقض، وكان الوكيل لا يشارك الموكل في رغبته في إنهاء الوكالة، فلا مناص في مثل هذه الحالات من لجوء الموكل إلى القضاء بغية الحكم له بفسخ عقد الوكالة كما هو الحال في حالة دعوانا الماثلة، ومن ثم تكون الدعوى الماثلة قد جاءت على سند صحيح من القانون خليقة بالقبول وإجابة المدعي إلى طلباته فيها بفسخ التوكيل الخاص رقم 4536 لسنة 2006 "ن" توثيق الأهرام النموذجي الصادر بتاريخ 12/7/2006 لصالح المدعى عليهم من الأول حتى الثالث.

الأثر المترتب على إبطال العقد أو فسخه:

تنص المادة 160 من القانون المدني على أنه: "إذا فُسِخَ العقد أُعيدَ المُتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فإذا استحال ذلك جاز الحكم بالتعويض".

ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "النص في المادة 160 من القانون المدني يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أنه يترتب على فسخ عقد البيع انحلال العقد بأثر رجعى منذ نشوئه بحيث تعود العين المبيعة إلى البائع - بالحالة التي كانت عليها وقت التعاقد". (نقض مدني في الطعن رقم 1458 لسنة 49 قضائية – جلسة 8/3/1983 مجموعة المكتب الفني – السنة 34 – صـ 652).

كما أنه من المُقرر في قضاء النقض أنه: "إن المشرع وإن كان قد أجاز للمشترى - طبقاً للمادة 443 من القانون المدني - الرجوع على البائع له، في حالة استحقاق المبيع، بضمان الاستحقاق إلا أنه لم يمنعه من المطالبة بفسخ عقد البيع على أساس أن البائع قد أخل بالتزامه وهو ما أشارت إليه المادة السابق ذكرها بقولها "كل هذا ما لم يكن رجوع المشترى مبنيا على المطالبة بفسخ البيع أو إبطاله"، ومن مقتضى ذلك أنه في حالة القضاء بالفسخ تترتب الآثار التي نصت عليها المادة 160 من القانون المدني وهى أن يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد فيرد كل منهما ما تسلمه بمقتضى العقد بعد أن تم فسخه". (نقض مدني في الطعن رقم 193 لسنة 34 قضائية – جلسة 15/8/1967 مجموعة المكتب الفني – السنة 18 – صـ 1500). ومن ثم يترتب على القضاء بإبطال العقد أو فسخه إعادة الحال بالمتعاقدين إلى ما كانا عليه قبل التعاقد.

المُطالبة بمحو وشطب مشهر:

لما كانت الفقرة الأولى من المادة التاسعة من القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقاري، تنص على أن: "جميع التصرفات التي من شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية العقارية الأصلية، أو نقله، أو تغييره، أو زواله وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشيء من ذلك، يجب شهرها بطريق التسجيل ...".

كما تنص الفقرة الأولى من المادة العاشرة من قانون الشهر العقاري سالف الذكر، على أن: "جميع التصرفات والأحكام النهائية المقررة لحق من الحقوق العينية العقارية الأصلية يجب كذلك تسجيلها، ويترتب على عدم التسجيل أن هذه الحقوق لا تكون حجة على الغير".

كما تنص المادة الثانية عشر من ذات القانون على أن: "جميع التصرفات المنشأة لحق من الحقوق العينية العقارية التبعية أو المقررة لها، وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشيء من ذلك يجب شهرها بطريق القيد، ويترتب على عدم القيد أن هذه الحقوق لا تكون حجة على الغير".

كما تنص المادة الخامسة عشر من القانون المذكور على أن: "يجب التأشير في هامش سجل المحررات واجبة الشهر بما يقدم ضدها من الدعاوى التي يكون الغرض منها الطعن في التصرف الذي يتضمنه المحرر وجوداً أو صحة أو نفاذاً كدعاوى البطلان أو الفسخ أو الإلغاء أو الرجوع، فإذا كان المحرر الأصلي لم يشهر تسجل تلك الدعاوى. ويجب كذلك تسجيل دعاوى استحقاق أي حق من الحقوق العينية العقارية أو التأشير بها على حسب الأحوال، كما يجب تسجيل دعاوى صحة التعاقد على حقوق عينية عقارية. وتحصل التأشيرات والتسجيلات المشار إليها بعد إعلان صحيفة الدعوى وقيدها بجدول المحكمة".

كما تنص المادة السادسة عشر من ذات القانون على أن: يؤشر بمنطوق الحكم النهائي في الدعاوى المبينة بالمادة السابقة في ذيل التأشير بالدعوى أو في هامش تسجيلها. ويتم التأشير بالنسبة للأحكام الواجب تسجيلها عقب تسجيل هذه الأحكام".

كما تنص الفقرة الأولى من المادة السابعة عشر من ذات القانون على أنه: "يترتب على تسجيل الدعاوى المذكورة بالمادة 15 أو التأشير بها أن حق المدعي إذا ما تقرر بحكم مؤشر به طبقاً للقانون يكون حجة على من ترتبت لهم حقوق عينية ابتداء من تاريخ تسجيل الدعاوى أو التأشير بها".

ومفاد ما تقدم أن دعاوى البطلان والفسخ والإلغاء والرجوع المقامة ضد العقود واجبة التسجيل، يجب التأشير بها أو تسجيلها لأن هذه الدعاوى والإجراءات من شأنها أن تزيل أثر هذه العقود فوجب شهرها إما بالتأشير على هامش تسجيل العقد إذا كان العقد قد سجل، وإما بتسجيل صحيفة الدعوى إذا كان العقد لم يسجل، وكذلك دعاوى استحقاق أي حق من الحقوق العينية لأنها دعوى قد تكون نتيجتها الكشف عن أن صاحب الحق العيني هو غير الشخص الظاهر فوجب شهرها هي أيضاً، سواء بالتأشير على هامش تسجيل المحرر الذي يثبت الحق للمدعي عليه إذا كان هذا الحق موجوداً وسبق تسجيله، أو بتسجيل صحيفة الدعوى إذا كان المحرر غير موجود أو موجوداً ولكن لم يسبق تسجيله، ويترتب أثر تسجيل صحف تلك الدعاوى أو التأشير بها، وكذلك التأشير بالحكم الصادر فيها، من تاريخ تسجيل الدعوى أو التأشير بها لا من تاريخ التأشير بالحكم الصادر فيها.

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "التسجيل طبقاً لأحكام القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقاري وهو نظام شخصي يجري وفقاً للأسماء لا بحسب العقارات وليست له حجية كاملة في ذاته فهو لا يُصحح العقود الباطلة أو يُكمل العقود الناقصة بل تتم إجراءاته بناء على طلب أصحاب الشأن أو من يقوم مقامهم على ضوء البيانات التي أوجبت المادة 22 من القانون اشتمال طلبات الشهر عليها ومنها البيانات الخاصة بالتكليف إذا كان موضوع المُحرر يقتضي تغييراً في دفاتره والبيانات المُتعلقة بأصل حق الملكية أو الحق العيني محل التصرف واسم المالك السابق أو صاحب الحق العيني وطريق انتقال الملكية أو الحق العيني فيه ورقم وتاريخ شهر عقد التمليك إن كان قد شهر والأوراق المُؤيدة للبيانات المذكورة، فإذا ما قامت مصلحة الشهر العقاري ببحث أصل الملكية أو الحق العيني في حدود هذه البيانات والأوراق المُؤيدة لها وانتهت بعد التحقق من صحتها إلى إجراء شهر المُحرر فإنها تكون قد أدت واجبها طبقاً للقانون ولو لم يترتب على هذا التسجيل انتقال الحق إلى طالب الشهر لعيب في سند ملكيته أو لكون المتصرف غير مالك للحق المتصرف فيه طالما أن الأوراق والمُستندات المُقدمة لا تنبئ عن العيب اللاحق لسند التمليك أو تشير إلى وقوع تصرف سابق على ذات الحق محل الشهر". (نقض مدني في الطعن رقم 541 لسنة 35 قضائية – جلسة 28/5/1970 مجموعة المكتب الفني – السنة 21 – صـ 929).

ومن المُقرر في قضاء النقض كذلك أن: "المُقرر في قضاء هذه المحكمة أن التسجيل طبقاً لأحكام القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقاري هو نظام شخصي يجري وفقاً للأسماء لا بحسب العقارات وليست له حجية كاملة في ذاته فهو لا يُصحح العقود الباطلة ولا يُكمل العقود الناقصة بل تتم إجراءاته بناء على طلب أصحاب الشأن أو من يقوم مقامهم على ضوء البيانات التي أوجبت المادة 22 من هذا القانون اشتمال طلبات الشهر عليها ومنها البيانات المُتعلقة بأصل حق الملكية أو الحق العيني محل التصرف واسم المالك السابق أو صاحب الحق العيني وطريق انتقال الملكية أو الحق العيني إليه، ومتى قامت مصلحة الشهر العقاري ببحث أصل الملكية أو الحق العيني في حدود هذه البيانات والأوراق المُؤيدة لها فلا مسئولية عليها بأن هي اعتمدت هذه البيانات وتلك الأوراق وقامت بشهر المُحرر استناداً إليها ولو لم يترتب على التسجيل انتقال الحق إلى طالب الشهر لعيب في سند الملكية أو لكون المُتصرف غير مالك للحق المُتصرف فيه طالما أن الأوراق والمُستندات المُقدمة لا تنبئ عن العيب المانع من انتقال الحق". (الطعن رقم 1107 لسنة 51 قضائية – جلسة 30/6/1982 مجموعة المكتب الفني – السنة 33 – صـ 847).

لما كان ذلك، وكان المدعي والمدعى عليهم من الأول حتى الثالث باعتبارهم مشترين لقطعة الأرض على المشاع فيما بينهم من الجمعية المعلن إليها الثامنة ولم يسجلوا عقد شرائهم لأرض التداعي، ومن ثم فلا يجوز للمدعى عليهم من الأول حتى الثالث تسجيل عقد شرائهم لتلك الأرض من الطالب بموجب ذلك التوكيل سالف الذكر، حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: "المقصود بدعوى صحة ونفاذ عقد البيع المعروفة بدعوى صحة التعاقد هو تنفيذ التزامات البائع التي من شأنها نقل الملكية إلى المُشتري تنفيذاً عينياً والحصول على حكم يقوم تسجيله مقام تسجيل العقد في نقل الملكية، فإن المُشتري لا يُجاب إلى طلبه إلا إذا كان انتقال الملكية إليه وتسجيل الحكم الذي يصدر له في الدعوى مُمكنين، ومن ثم فإذا ظهر للمحكمة من أوراق الدعوى أن الملكية لم تنتقل إلى البائع حتى تاريخ الفصل في الدعوى لأن عقد شرائه لم يُسجل وأن المشتري لم يختصم في دعواه البائع للبائع له ليطلب الحكم بصحة العقد الصادر منه إلى البائع للمشتري توطئة للحكم بصحة عقده هو حتى إذا ما سُجِلَ الحكم بصحة العقدين انتقلت الملكية إليه، فإنه لا يكون للمحكمة أن تُجيب المُشتري الأخير إلى طلبه وتكون دعواه بطلب صحة تعاقده قبل أن يسجل البائع له عقد شرائه غير مقبولة، ذلك أنه ما دامت الملكية لم تنتقل إلى البائع له فإن هذا البائع لا يستطيع نقلها إليه كما وأن الحكم للمشتري في هذه الحالة بصحة عقده لا يمكن أن يُحقق الغاية منه بسبب استحالة تسجيله قبل أن يسجل البائع له عقد شرائه وقد يمتنع من باع لهذا البائع عن القيام بالإجراءات اللازمة لهذا التسجيل ولا يكون في الإمكان إجباره على إنفاذ التزامه بذلك عن طريق رفع دعوى عليه بصحة التعاقد إذا تبين أن البيع الصادر منه غير صحيح أو غير واجب النفاذ بسبب قانوني". (نقض مدني في الطعن رقم 290 لسنة 32 قضائية جلسة 19/5/1966 مجموعة المكتب الفني - السنة 17 - صـ 1196).

ومن المقرر في قضاء النقض كذلك أن: "الملكية لا تنتقل إلا بالتسجيل، وأن المشترى لا يجاب إلى طلب الحكم بصحة عقده إلا إذا كان انتقال الملكية إليه ممكناً، وهو في حالة عدم تسجيل العقود الصادرة لمن باع له غير ممكن". (نقض مدني في الطعن رقم 496 لسنة 41 قضائية - جلسة 24/11/1975 - س 26 – صـ 1465).

ففي حالة عدم تسجيل المدعي لسند ملكيته للأعيان المبيعة فلا يمكنه نقل الملكية إلى المشترين منه بموجب التوكيل سالف الذكر، وبالتالي لا يجوز لهم تسجيل عقد شرائهم المزعوم هذا لأن الملكية لم تنتقل إلى البائع لهم حتى تنتقل منه إليهم، لأن الملكية لا تنتقل إلا بالتسجيل وفقاً للمادة 9 من القانون رقم 114 لسنة 1946 بشأن تنظيم الشهر العقاري، وما دام البائع لم يسجل عقد شرائه بعد فلا يجوز للمشتري منه تسجيل عقد شرائه لعدم تسجيل البائع لسند ملكيته، وإذا قام المشتري الثاني بتسجيل عقده رغم عدم تسجيل البائع له لسند ملكيته كان هذا التسجيل باطلاً حابط الأثر ولم يترتب على هذا التسجيل انتقال الحق لطالبي الشهر وفقاً لأحكام النقض سالفة الذكر، ومن ثم يكون طلب المدعي بمحو وشطب المشهر رقم 3307 لسنة 2006 شهر عقاري حلوان الوارد على أرض التداعي قد جاء على سند صحيح من القانون خليق بإجابته إليه.

لما كان ما تقدم، وكان من المُقرر في قضاء النقض أن: "طلب شطب التسجيل المبني على أن طالبه يملك الأرض المُتنازع على ملكيتها يتضمن طلب الحكم بثبوت ملكيته لهذه الأرض". (نقض مدني في الطعن رقم 85 لسنة 33 قضائية – جلسة 15/2/1968 مجموعة المكتب الفني – السنة 19 – صـ 304).

مع الأخذ في الاعتبار بأن: "الجمع بين دعوى الحيازة وبين المُطالبة بالحق. محظور. المادة 44 مرافعات. دعاوى الحيازة. مقصودها. طلب تثبيت الملكية وكف المُنازعة ومنع التعرض عدم اعتباره بمثابة جمع بين دعوى الحق ودعوى الحيازة". (نقض مدني في الطعن رقم 1689 لسنة 54 قضائية – جلسة 7/1/1988).

لذا يحق للمدعي المطالبة بمحو وشطب المشهر سالف الذكر؛ مع تثبيت ملكيته لأرض التداعي مع إلزام المدعى عليهم من الأول حتى الثالث بكف مُنازعتهم ومنع تعرضهم هم والغير له في ملكيته وانتفاعه بحصته في أرض التداعي.

وعليه تكون الدعوى الماثلة – بجميع طلباتها – قد جاءت على سند من صحيح القانون خليقة بالقبول والقضاء للطالب بطلباته فيها.

العبرة بالطلبات الختامية:

تنص المادة 123 من قانون المُرافعات على أن: "تقدم الطلبات العارضة من المُدعي أو من المُدعى عليه إلى المحكمة بالإجراءات المُعتادة لرفع الدعوى قبل يوم الجلسة أو بطلب يُقدم شفاهاً في الجلسة في حضور الخصم ويثبت في محضرها ولا تقبل الطلبات العارضة بعد إقفال باب المُرافعة".

كما تنص المادة 124 مرافعات على أنه: "للمُدعي أن يُقدم من الطلبات العارضة:

- ما يتضمن تصحيح الطلب الأصلي أو تعديل موضوعه لمواجهة ظروف طرأت أو تبينت بعد رفع الدعوى.

- ما يكون مُكملاً للطلب الأصلي أو مُترتباً عليه أو مُتصلاً به اتصالاً لا يقبل التجزئة.

- ما يتضمن إضافة أو تغييراً في سبب الدعوى مع بقاء موضوع الطلب الأصلي على حاله ...".

هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أن: "العبرة في طلبات الخصوم في الدعوى هي بما يطلبوه على وجه صريح وجازم، وتتقيد المحكمة بطلباتهم الختامية، بحيث إذا أغفل المدعى في مذكراته الختامية - التي حدد فيها طلباته تحديداً جامعاً - بعض الطلبات التي كان قد أوردها في صحيفة افتتاح الدعوى، فإن فصل المحكمة في هذه الطلبات الأخيرة يكون قضاء بما لم يطلبه الخصوم". (نقض مدني في الطعن رقم 128 لسنة 48 قضائية – جلسة 26/1/1981 مجموعة المكتب الفني – السنة 32 – صـ 331).

وأن: "العبرة بالطلبات الختامية في الدعوى لا بالطلبات السابقة عليها". (نقض مدني في الطعن رقم 2469 لسنة 57 قضائية – جلسة 16/5/1991 مجموعة المكتب الفني – السنة 42 – صـ 1129 – فقرة 7. وفي الطعن رقم 459 لسنة 64 قضائية – جلسة 24/5/1999).

وأن: "للخصوم أن يقدموا طلباتهم الختامية وأوجه دفاعهم بالشكل الذي يريدونه، شفاهاً أو كتابة أو بهما معا". (نقض مدني في الطعن رقم 43 لسنة 33 قضائية – جلسة 23/3/1966 مجموعة المكتب الفني – السنة 17 – صـ 666).

لذا يتشرف المدعي بالتقدم بطلباته الختامية في الدعوى الماثلة إلى عدالة المحكمة الموقرة على نحو ما سيرد بالطلبات الختامية في نهاية المذكرة الماثلة.

الرد على مزاعم المدعى عليهم الثلاثة الأول:

زعم المدعى عليهم الثلاثة الأول بمذكرة دفاعهم المقدمة لعدالة المحكمة الموقرة بجلسة 16/2/2008 أن المدعي استلم كامل حقوقه على أرض التداعي محل الوكالة الخاصة واستندوا في ذلك إلى إقرار منسوب صدوره للمدعي وزعموا أنه مرفوع بشأنه دعوى صحة توقيع المدعي على هذا الإقرار.

من جانبنا، نتشرف بأن نقدم لعدالة المحكمة الموقرة إقراراً وتعهداً من المدعى عليهم الثلاثة الأول (غير مؤرخ) وصادر في تاريخ لاحق لتاريخ عمل التوكيلات الخاصة موضوع الدعوى الماثلة، وقد أقر وتعهد فيه المدعى عليهم الثلاثة الأول بسداد كافة المبالغ المستحقة للمدعي وفي حالة عدم وفائهم بهذا الالتزام يعتبر الإقرار الموقع من المدعي (والسالف الإشارة إليه) في تاريخ 12/7/2006 والمتضمن بأنه قام باستلام كافة مستحقاته وثمن الأرض موضوع الإقرار لاغياً من تلقاء نفسه. وكذلك تعد جميع المحررات العرفية والتوكيلات الخاصة التي صدرت لنا (للمقرين المتعهدين المدعى عليهم الثلاثة الأول) بتاريخ 12/7/2006 تعد لاغية ولا يجوز التصرف بموجبها ويعد باطلاً أي تصرف من شأنه أن ينقل الملكية ... وعلى القاضي أن يحكم بإلغاء وبطلان التصرفات التي تمت بموجب هذه التوكيلات وشطب ومحو ما ترتب على استخدامها. كما يعتبر الاتفاق المؤرخ في 5/7/2006 ومحضر جلسة التحكيم العرفي المؤرخ في 11/7/2006 لاغيان ونلتزم بدفع قيمة الشرط الجزاء المنصوص عليه في هذين المحررين بالإضافة إلى التعويضات اللازمة ...إلى آخر ما جاء بهذا الإقرار والتعهد.

هذا، وقد صدر لصالح المدعي حكماً قضائياً نهائياً وباتاً وحائزاً لقوة وحجية الأمر المقضي به، في خصوص صحة توقيع المدعى عليهم الثلاثة الأول على الإقرار والتعهد المتقدم ذكره، وذلك بالحكم الصادر في الدعوى رقم 1418 لسنة 2007 من محكمة الدقي الجزئية بجلسة يوم الأربعاء الموافق 20/2/2008 والقاضي في منطوقه: "بصحة توقيع المدعى عليهما الأول والثاني على الإقرار غير المؤرخ، وألزمت المدعى عليهما الأول والثاني المصاريف ومبلغ خمسة وسبعون جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة".

لما كان ذلك، وكان من المُقرر قانوناً طبقاً لنص المادة الأولى من قانون الإثبات إنه على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه، وكان المدعي قد أثبت بالدليل القاطع أن المدعى عليهم الثلاثة الأول قد التزموا بسداد كافة المبالغ المستحقة له، واتفقوا على الجزاء الذي يوقع عليهم في حالة عدم وفائهم بالتزامهم هذا. ولم يقوموا بسداد المديونية التي عليهم ولم يثبتوا أو حتى يزعموا أنهم سددوها، ومن ثم فإنه – ووفقاً للإقرار والتعهد الموقع منهم – يعتبر الإقرار الموقع من المدعي في تاريخ 12/7/2006 والمتضمن بأنه قام باستلام كافة مستحقاته وثمن الأرض موضوع الإقرار لاغياً من تلقاء نفسه. وكذلك تعد جميع المحررات العرفية والتوكيلات الخاصة التي صدرت للمقرين المتعهدين المدعى عليهم الثلاثة الأول بتاريخ 12/7/2006 تعد لاغية ولا يجوز التصرف بموجبها ويعد باطلاً أي تصرف من شأنه أن ينقل الملكية ... وعلى القاضي أن يحكم بإلغاء وبطلان التصرفات التي تمت بموجب هذه التوكيلات وشطب ومحو ما ترتب على استخدامها. كما يعتبر الاتفاق المؤرخ في 5/7/2006 ومحضر جلسة التحكيم العرفي المؤرخ في 11/7/2006 لاغيان وفقاً للإقرار والتعهد الصادر من المدعى عليهم الثلاثة الأول والمقضي بصحة توقيعهم عليه. وذلك طبقاً أيضاً لنص الفقرة الأولى من المادة 147 من القانون المدني التي تنص على أن العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين.

ومن ثم تكون مزاعم المدعى عليهم الثلاثة الأول الواردة بمذكرة دفاعهم المقدمة لعدالة المحكمة بجلسة 16/2/2008 المنوه عنها، قد جاءت على غير سند من القانون جديرة بالالتفات عنها بالكلية، وهو ما يطالب به المدعي على سبيل الجزم واليقين.

الطلبات الختامية

لكل ما تقدم، ولما تراه عدالة المحكمة من أسباب أصوب وأرشد، يلتمس المدعي الحكم له بطلباته الختامية التالية:

بصفة أصلية:

بإبطال عقد الوكالة المسجل برقم 4536 لسنة 2006 حرف "ن" توثيق الأهرام النموذجي (بتاريخ 12/7/2006) مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها إعادة الطرفين الموكل والوكلاء إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد.

وبصفة احتياطية:

بفسخ عقد الوكالة المسجل برقم 4536 لسنة 2006 حرف "ن" توثيق الأهرام النموذجي (بتاريخ 12/7/2006) مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها إعادة الطرفين الموكل والوكلاء إلى الحالة التي كانوا عليها قبل التعاقد؛

وعلى سبيل الاحتياط الكلي:

بتكملة ثمن الأرض المبيعة من المدعي للمدعى عليهم الثلاثة الأُول إلى أربع أخماس ثمن المثل الذي باعوا به إلى شركة الوالي بسعر يربو على مبلغ 136 مليون جنيه.

وفي جميع الأحوال:

1. بمحو وشطب المُشهر رقم 3307 لسنة 2006 شهر عقاري حلوان مع ما يترتب على ذلك من آثار؛

2. بتثبيت ملكية الطالب لحصته الشائعة في أرض التداعي المبينة بصدر صحيفة الدعوى؛

3. وبعدم نفاذ التصرفات التي أبرمها المدعى عليهم من الأول حتى الثالث بشأن كامل أرض التداعي في مواجهة المدعي؛

4. بإلزام المدعى عليهم الثلاثة الأُول برد أرض التداعي للمدعي وتسليمها له بالحالة التي كانت عليها عند التعاقد؛

5. بكف مُنازعة المدعى عليهم من الأول حتى الثالث ومنع تعرضهم هم والغير للمدعي في ملكيته وانتفاعه بحصته في أرض التداعي؛

6. بإلزام المدعى عليهم الثلاثة الأُول متضامنين بأداء ريع تلك الأرض إلى المدعي اعتباراً من تاريخ وضع يدهم عليها وحتى تاريخ إعادة تسليمها إليه (بالحالة التي كانت عليها عند التعاقد) رضاءاً أو قضاءاً.

7. بإلزام المدعى عليهم من الأول حتى الثالث – في مواجهة باقي المدعى عليهم – بالمصروفات ومُقابل أتعاب المُحاماة، بحكم مشمول بالنفاذ المعجل بلا كفالة.

مع حفظ كافة حقوق المدعي الأخرى أياً ما كانت،،،