الجمعة، 3 يوليو 2009

الإدارة المحلية

"الإدارة المحلية"

الفصل الأول

اللامركزية والنظام المحلي

أولاً- مفهوم المركزية

تعريف:

* المركزية ( centralization ) هي: أسلوب تتخذ فيه القرارات في المركز، أي أنها تقوم على جمع وتركيز السلطة في يد هيئة رئاسية واحدة تتولى جميع الوظائف بنفسها أو بواسطة آخرين يعملون باسمها، خاضعين لسلطاتها وتوجيهاتها خضوعاً تاماً، وليست لهم سلطة ذاتية، وإنما يستمدون سلطتهم في العمل وحقهم في تولي اختصاصاتهم من السلطة المركزية.

المركزية السياسية والمركزية الإدارية:

* المركزية السياسية هي: جمع وتركيز السلطة السياسية في الدولة في يد هيئة رئاسية واحدة، ويستتبع هذا حتماً توحيد القانون، لأن السلطة السياسية هي التي تضع القوانين.

* المركزية الإدارية فهي: توحيد وتركيز الاختصاصات الإدارية في يد سلطة رئاسية واحدة، أي أنها تعني قصر الوظيفة الإدارية في الدولة على ممثلي السلطة المركزية في العاصمة والأقاليم دون مشاركة هيئات أخرى. وبعبارة أخرى فإن المركزية بهذا المعنى تشير إلى توحيد مظاهر النشاط الإداري ووضعها في يد السلطة التنفيذية في العاصمة. وهي بهذا المعنى تقوم على عنصرين:

عنصري المركزية الإدارية:

يمثل أولهما: فكرة التركيز الوظيفي، بمعنى حصر سلطة البت والتقرير النهائي في يد السلطة المركزية بالعاصمة؛

ويقوم العنصر الثاني على: فكرة التركيز العضوي، حيث يخضع موظفو الحكومة المركزية لنظام التدرج الهرمي، بمعنى تبعية في السلم الإداري. غير أن ذلك لا يمنع من أن تخول السلطة المركزية لفروعها وممثليها اختصاصات فنية أو استشارية ما دام الأمر لا يمتد إلى سلطة البت في أمر من الأمور.

أساليب المركزية:

* تتخذ المركزية أسلوبان، يعرف أولاهما- بالتركيز الإداري، أو كما يطلق عليه البعض مسمى "الوزارية"، على أساس أنه يقوم على تركيز السلطة في الوزراء في العاصمة. ويعني ذلك أن يتم تصعيد كل موقف يتطلب اتخاذ قرار أو مشكلة تتطلب حلاً إلى الوزير المختص لكي يتخذ القرار أو يشير إلى الحل أو التصرف المناسب. وفي هذه الحالة لا يكون للوحدات التنظيمية المختلفة أن تقرر شيئاً إلا بموافقة الوزير الذي يملك بمفرده حق الموافقة وحق التعديل أو الإلغاء.

أما الأسلوب الثاني، والذي نطلق عليه المركزية اللائحية، فيعني تخويل مُمثلي الحكومة المركزية في الوحدات التنظيمية التابعة لها، القيام بوظائف محددة داخل نطاقهم الجغرافي أو الوظيفي، ويتحقق ذلك بإصدار كل وزير لمجموعة من القواعد واللوائح والضوابط المحددة للتصرفات المختلفة الواجب القيام بها من قبل الوحدات التنظيمية التي تقع في نطاق وزارته. وغالباً ما تتخذ هذه القواعد واللوائح طابعاً يتسم بالعمومية والنمطية، الأمر الذي لا يترك للعاملين في الوحدات التنظيمية حرية التقدير والتصرف المستقل في كل موقف على حده، بل تنصب مهمتهم على تنفيذ القواعد واللوائح التي يصدرها الوزير. مثل هذا الأسلوب من أساليب المركزية يعفي الوزير من اتخاذ قرارات بشأن كل موقف أو حالة تواجه الوحدات التنظيمية.

[أسلوب ثالث]: وبطبيعة الحال فإنه يمكن تصور أسلوب ثالث يجمع بين الأسلوبين السابقين بأن يصدر الوزير لوائح تفصيلية منظمة لعمل الوحدات التنظيمية المختلفة وأن تعرض عليه الحالات غير النمطية ليتخذ بشأنها التصرف المناسب. ويمكن أن يتطور هذا الأسلوب (الأسلوب الثالث المختلط) إلى نمط مركزي أكثر تطرفاً عندما يطلب الوزير أن ترفع إليه مختلف التصرفات التي تم اتخاذها بموجب اللوائح ليتأكد بنفسه من صحة تطبيق تلك اللوائح.

إنكار التفرقة بين المركزية السياسية والمركزية الإدارية:

* وينكر البعض هذه التفرقة بين المركزية السياسية والمركزية الإدارية فيقرر أن ما يرى فيه البعض شيئين متميزين ليس إلا شيء واحد هو المركزية السياسية بمرحلتيها، أنها أصلاً احتكار الأجهزة العليا في الدولة لمظاهر السلطة السياسية وامتيازاتها، ومن ثم احتكار سلطة الأمر العام بالنسبة لنطاق اختصاص الدولة كله على المستوى التشريعي، ثم أن هذا الأمر لا يقتصر على هذا المستوى وإنما لا بد من نزوله إلى مرحلة التنفيذ. وتخلي الأجهزة العليا عن احتكار أعمال المرحلة الثانية – مرحلة التنفيذ – يفوت على المركزية السياسية الكثير من مضمونها، فالتمييز التقليدي بين المركزية السياسية والمركزية الإدارية لا يستند إلى حقيقة ما، فهما معاً شيء واحد، ووضع حد فاصل بين نطاق كل من النشاط السياسي والنشاط الإداري للدولة أمر جد عسير، فثمة مناطق مشتركة بين الاثنين، وثمة أعمال هي من طبيعة عمل المستويات السياسية أصلاً، ومع ذلك تحول لهيئات المستويات الإدارية كلوائح الضبط مثلاً.

اعتماد الدول النامية للمركزية، وأسبابه:

1 – حاجة الدولة النامية حديثة الاستقلال إلى اعتراف المجتمع الدولي بها.

2 – التنمية الاقتصادية التي تقتضي التخطيط القومي الشامل.

3 – النمو الحضري.

4 – سيطرة وغلبة العنصر العسكري (بفكره وخبرته التنظيمية العسكرية) على حكومات الدول النامية حديثة الاستقلال، حيث أنهم – في الغالب – هم الذين قادوا حركات التحرر الوطني والثورات.

مساوئ المركزية:

1 – تعطيل الأعمال وضياع الوقت والجهد في سعي الوحدات التنظيمية للوزارات المختلفة للحصول على الموافقات النهائية والموارد اللازمة وفي نقل صورة الموقف في موقع التنفيذ إلى الوزارة أو المصلحة في المركز. 2 – تجاهل الحاجات المحلية وعدم أخذها في الاعتبار.

ثانياً- مفهوم اللامركزية

* اللامركزية ( decentralization ) هي نقيض المركزية، بمعنى عدم استئثار المركز بسلطة صنع القرارات. [ فهي تعني توزيع الاختصاصات والصلاحيات على أشخاص اعتبارية عامة متعددة يكون لكل منها استقلالها في ممارسة اختصاصاتها وصلاحياتها ].

أشكال اللامركزية:

* اللامركزية تتخذ شكلين أساسين هما: اللامركزية السياسية، واللامركزية الإدارية.

اللامركزية السياسية:

اللامركزية السياسية تشير إلى وضع دستوري يقوم على توزيع السلطات المختلفة للدولة (السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية) بين أجهزة الحكم المركزية في العاصمة وبين حكومات الولايات أو الجمهوريات أو الأقاليم. وتعتبر المنظمات المحلية التي تنشأ نتيجة للامركزية السياسية هي منظمات "للحكم المحلي" تشارك الحكومة المركزية في ممارسة السيادة السياسية في نطاق رقعتها الإقليمية، حيث تتوزع سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية (والقضائية أحياناً) بين الأجهزة المركزية والأقاليم.

اللامركزية الإدارية:

أما اللامركزية الإدارية ذات الطابع الجغرافي فهي وضع يتضمن توزيعاً للسلطات بين الأجهزة الإدارية المركزية وبين هيئات مستقلة تعمل في وحدات محلية، وتعتبر المنظمات الإقليمية التي تنشأ نتيجة اللامركزية الإدارية هي منظمات "للإدارة المحلية" وليست منظمات للحكم المحلي، حيث تنتقل إليها بعض سلطات وصلاحيات الأجهزة الحكومية في المجال التنفيذي فحسب، فليس لهذه المنظمات صلاحية التشريع.

تقسيم:

1- لا مركزية سياسية كلية ( macro political decentralization ) كوضع دستوري يقوم على أساس توزيع الوظائف الحكومية الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية) بين الحكومة الاتحادية في العاصمة وحكومات الولايات أو الجمهوريات أو غيرها من الوحدات السياسية كما في الدول المركبة. وفي هذه الحالة تتسم طبيعة السلطة الموزعة بأنها سلطة حكم ويكون نطاقها مُتسعاً بأكبر قدر ممكن بما لا يهدد وحدة الدولة (المركبة) وتتحقق فيه اللامركزية السياسية إلى أقصى مدى.

2- لا مركزية سياسية جزئية ( micro political decentralization ) تتوزع فيها أيضاً سلطة الحكم ولكن على نطاق جزئي، بمعنى أن سلطة الحكم الموزعة على الوحدات المحلية تكون أقل نسبياً، وعادة ما يكون [هذا التوزيع] متضمناً في التشريع والقوانين حيث يتم نقل بعض سلطات الحكم إلى الوحدات المحلية فيصبح لها دور في صنع السياسات العامة المحلية وهو شكل الأكثر تعبيراً عن نظم "الحكم المحلي".

3- لا مركزية إدارية كلية ( macro administrative decentralization ) يتم فيها توزيع الكثير من الصلاحيات للوظيفة الإدارية على هيئات أخرى خارج نطاق السلطة المركزية كالوحدات المحلية عن طريق "التفويض" وهو نظام "الإدارة المحلية" أو "اللامركزية الإدارية الإقليمية".

4- لا مركزية إدارية جزئية ( micro administrative decentralization ) يتم فيها توزيع بعض الصلاحيات الضرورية لتسيير المرافق العامة على مستويات إدارية أدنى من العاصمة كإدارات فروع الوزارات مثلاً، وغالباً ما يكون ذلك بطريق "التفويض" أيضاً وهو ما يُسمى بـ "اللامركزية الإدارية المرفقية – أو المصلحية".

ثلاثة مفاهيم:

وينطلق فقهاء القانون الإداري من تعريف اللامركزية بأنها تحويل جزء من وظائف الدولة إما بطريق "التفويض" إلى وحدات الجهاز الإداري أو بطريق "النقل" إلى هيئات مستقلة قانوناً، والذي قد يشمل وظائف الدولة الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية) وقد يقتصر على الوظيفة التنفيذية (أو الإدارية) فقط؛..

فإذا تم تحويل [أو توزيع] جزء من وظائف الدولة الثلاث بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم وكان هناك تعدد في مراكز السلطة بحيث لا يقتصر فقط على الحكومة المركزية، أصبحنا إزاء دولة مركبة من عدة دويلات لكل منها دستورها وسلطاتها وفوقها جميعاً تقوم الحكومة الاتحادية بدستورها وسلطاتها، ويعرف هذا النظام باسم النظام "الفيدرالي"؛..

وإذا تناول التوزيع وظيفتي التشريع والتنفيذ نتج عن ذلك ما يعرف بـ "الحكم الذاتي"؛..

أما إذا أقتصر التوزيع على الوظيفة التنفيذية فقط فإننا نكون إزاء نمط آخر من اللامركزية يعبر عن ظاهرة إدارية، تحتفظ فيه الدولة بوحدتها السياسية بوصفها دولة موحدة لا يوجد بها غير سلطة تشريعية واحدة وسلطة قضائية واحدة. وهنا يكمن الفارق بين هذا النمط وسابقيه، فبينما تتعدد مراكز السلطة السياسية في حالتي الفيدرالية والحكم الذاتي نجد أن الدولة في الحالة الأخيرة لا تدع مجالاً لتعدد مراكز السلطة بها، وإنما على العكس تؤكد توحيد هذا المركز مع منح الهيئات المحلية درجة من الاستقلال بسلطة الأمر في مجال معين على مقتضى إرادة الدولة وتحت رقابتها. ويعرف هذا النمط من اللامركزية باسم اللامركزية الإدارية.

واللامركزية الإدارية يمكن أن تقوم على أساس وظيفي ( functional ) أو على أساس إقليمي (territorial )، فإذا قام توزيع الوظيفة الإدارية على أساس وظيفي عرف هذا الأسلوب باسم اللامركزية الوظيفية ( functional decentralization ) وتعني قيام هيئات مستقلة تتحدد اختصاصاتها على أساس وظيفي وتمارس هذه الاختصاصات على مستوى إقليم الدولة، وهي ما تعرف بالمؤسسات العامة. أما إذا قام توزيع الوظيفة الإدارية على أساس إقليمي فإن هذا الأسلوب يعرف باسم اللامركزية الإقليمية ( territorial decentralization ) وتقوم على أساس توزيع العمل بين الحكومة المركزية وبين الهيئات الإقليمية بحيث تقوم الهيئات المركزية بمهمة إشباع وتلبية الحاجات العامة القومية بينما تقوم الهيئات الإقليمية بإشباع وتلبية الحاجات العامة في رقعة مُحددة وتحت رقابة الحكومة المركزية.

تحديد مفاهيم مختلفة:

1- الفيدرالية: تعتبر الفيدرالية شكل من أشكال اللامركزية (السياسية) يقوم على أساس تقسيم جغرافي للسلطة تحصل بمقتضاه أجزاء الدولة على نوع من السلطة السياسية المستقلة عن الحكومة المركزية. ويترتب على ذلك خضوع كل جزء من أجزاء الدولة لحكومتين إحداهما إقليمية ولها سلطاتها والأخرى مركزية ولها أيضاً سلطاتها.

والفيدرالية كأسلوب للحكم عن طريق اتحاد عدد من الولايات أو الأقاليم تتعايش معاً دون انفصال ودون وحدة، تقوم على مبدأين هما: مبدأ "التراكب" ومبدأ "الذاتية". ويعني التراكب أن بكل دولة فيدرالية ثمة أنظمة كلية باختصاص شامل للدولة كلها، وهي أنظمة فوق (وتعلو وتسمو على) الأنظمة الخاصة بالأقاليم المؤلفة للدولة الاتحادية. أما الذاتية فتعني أن الأقاليم المؤلفة للدولة الفيدرالية تتمتع باختصاص ذاتي خالص لا تخضع فيه لرقابة من جانب الحكومة المركزية. أي أن الدولة الفيدرالية تقوم على عنصرين هما: عنصر الاتحاد وعنصر الاستقلال الذاتي.

ويختلف توزيع السلطات وطبيعة العلاقات بين الأقاليم والمركز – من بلد إلى آخر، ولكن في إطار مجموعة من الأسس العامة أهمها:

- يتم توزيع السلطات بين الحكومة المركزية والحكومة الإقليمية طبقاً للدستور.

- يحتفظ كل إقليم من أقاليم الدولة الفيدرالية بخصائص الدولة فيما عدا الشخصية القانونية الدولية، أي أن لكل إقليم أجهزته التشريعية والتنفيذية والقضائية المستقلة عن المركز ولا تخضع لأي نوع من أنواع الإشراف أو الرقابة من قبل الحكومة المركزية.

- المساواة القانونية بين الأقاليم المكونة للدولة الفيدرالية، أياً كان عدد سكانها أو حجم مواردها.

- عدم جواز الانسحاب من النظام الفيدرالي، وعدم جواز إلغاء أي إقليم أو طرده من هذا النظام.

- الشراكة المتكافئة بين الأقاليم المكونة للدولة الفيدرالية، ويتضمن ذلك قيام كل إقليم بممارسة سلطات الدولة بالاشتراك مع الحكومة المركزية واشتراكهما معاً في تكوين الإدارة العليا للدولة الفيدرالية والإسهام في وضع القوانين بواسطة ممثليها في البرلمان الفيدرالي.

2- الحكم الذاتي: ويتم التمييز فيه بين شكلين أساسيين، أحدهما يعرف بـ "الحكم الذاتي الدولي" ( international autonomy )، ويعني منح نوع من الاستقلال الذاتي للأقاليم المستعمرة لكونها أصبحت قادرة على إدارة شئونها الداخلية بنفسها مع احتفاظ الدولة المستعمرة وممارستها السيادة عليها.

أما الشكل الآخر فهو "الحكم الذاتي الداخلي" ( national autonomy )، وهو لا مركزي يقوم على أساس الاعتراف لإقليم معين مميز قومياً أو عرقياً داخل الدولة بالحق في إدارة شئونه الداخلية تحت إشراف ورقابة الحكومة المركزية، وتلجأ إليه الدول متعددة القوميات والأعراق لحل مشكلاتها ذات الصبغة السياسية، فهو يعبر عن ظاهرة سياسية وينشأ دائماً بنص دستوري ويتمتع فيه الإقليم بقدر كبير من الاستقلال الذاتي الذي يتمثل في وجود سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية واستقلال مالي، إلا أنه لا يتمتع بحق السيادة[1] ويعمل تحت إشراف الحكومة المركزية ويخضع لرقابتها حفاظاً على الوحدة السياسية للدولة، كما تحتفظ الدولة بالوحدة القضائية وتظل المحاكم والمرافق الأخرى للعدالة في الإقليم المتمتعة بالحكم الذاتي مجرد أفرع للسلطة القضائية الموحدة على مستوى الدولة ككل.

3- اللامركزية المحلية: وتشير إلى تحويل بعض الوظائف التنفيذية والإدارية من الحكومة المركزية في العاصمة إلى كيانات تنظيمية في الأقاليم المختلفة، سواء كانت هذه الكيانات وحدات مستقلة ذات مفهوم محلي يستند إلى التقسيم الجغرافي، أو مجرد أفرع للحكومة المركزية، وذلك في إطار تنظيم أجهزة الإدارة العامة في الدولة.

وهناك أسلوبان لتحويل بعض الوظائف التنفيذية والإدارية من الحكومة المركزية في العاصمة إلى الكيانات التنظيمية في الأقاليم هما: "التفويض" و "النقل".

أ‌। "التفويض": ( delegation ) ويشير إلى تحويل الحكومة المركزية في العاصمة لبعض مسئولياتها عن صنع القرارات وتنفيذها وإدارة المصالح العامة إلى ممثليها وفروعها في الأقاليم، من أجل تحسين كفاءة تقديم الخدمات العامة، وعلى أن يتم ذلك في ظل السلطة الرئاسية للإدارة المركزية (hierarchical authority )، بمعنى احتفاظها بحق الرقابة والحق في استرداد تلك السلطات متى شاءت. أي أن هذا الأسلوب لا يتضمن تحويل نهائي لسلطات الإدارة المركزية في العاصمة فالعلاقة هنا أشبه بعلاقة المالك بالوكيل ( principle - agent )، حيث يكون المالك هنا هو الحكومة المركزية بينما يكون الوكيل هو أفرع هذه الحكومة وممثليها في الأقاليم.

ب‌। "النقل": ( devolution ) ويقصد به التحويل الكامل بشكل قانوني لمسئولية صنع القرار إلى هيئات محلية لها شخصية قانونية تتمتع بقدر من الاستقلال تجاه الحكومة المركزية، وأن تكون هذه الهيئات معبرة عن الإرادة العامة للمجتمع المحلي، والوضع المثالي لذلك هو أن تتخذ هذه الهيئات شكل مجالس منتخبة انتخاباً مباشراً من جانب المواطنين المحليين، وإن لم يكن الانتخاب شرطاً لازماً للاستقلال المحلي.

ثالثاً- أشكال اللامركزية المحلية

* توجد في كافة الدول تنظيمات ثلاثة تندرج في إطار اللامركزية المحلية وهي: الحاكم المحلي، وإدارة الفروع، والنظام المحلي:

· الحاكم المحلي: ويعرف بأسماء مختلفة كالمحافظ أو الأمير أو الحاكم أو المدير وما شابه ذلك. ويقوم هذا التنظيم على أساس تقسيم إقليم الدولة إلى وحدات جغرافية تعرف بأسماء مختلفة كالمحافظة أو الولاية أو المنطقة أو الإمارة أو المديرية أو المقاطعة أو غير ذلك من الأسماء. ويعين في كل وحدة منها ممثل الحكومة المركزية يأتمر بأمرها ويخضع مباشرة لتوجهيها. ويكون مسئولاً عادة أمام وزير الداخلية أو وزير العدل أو رئيس الوزراء أو غير ذلك حسب الأحوال في كل دولة. ويتمثل دوره الأساسي في حفظ النظام والقانون وتمثيل الحكومة المركزية في وحدته الجغرافية والإشراف على منظمات الحكومة وموظفيها.

· إدارة الفروع: ويتم فيه إنشاء فروع لبعض الأجهزة المركزية كالوزارات والهيئات وغيرها من مناطق الدولة المختلفة، تقوم بمباشرة اختصاصات الأجهزة المركزية في تلك المناطق، ويتم تفويض بعض السلطات والصلاحيات إلى رؤساء تلك الفروع بما يمكنهم من مباشرة اختصاصاتهم ومزاولة المهام المنوطة بهم بأقل قدر ممكن من الرجوع إلى الأجهزة المركزية في العاصمة.

· النظام المحلي: ويقوم على أساس نقل السلطة إلى وحدات جغرافية ذات طابع محلي تتمتع كل منها بالشخصية الاعتبارية، ويتولى أمر رعاية مصالحها مجلس يمثل الإرادة العامة لسكانها.

علاقة أشكال اللامركزية المحلية ببعضها:

تختلف طبيعة العلاقات بين هذه التنظيمات الثلاثة من دولة إلى أخرى، ومن وقت إلى آخر في إطار الدولة الواحدة. ويمكن تصور الأنماط المحتملة لمثل هذه العلاقات على النحو التالي:

1- نمط الإدارة المركزية للمحليات: وفي هذا النمط نكون إزاء تنظيم موحد تقوم فيه هيئات الحكومة المركزية مباشرة بإدارة كافة الشئون المحلية، حيث توجد فروع للوزارات والأجهزة المركزية على كافة المستويات. وقد يتطلب الأمر وجود حاكم محلي أو ممثل للحكومة المركزية يتولى مهمة الإشراف على الفروع والتنسيق بينها، وقد يضطلع ببعض الصلاحيات التي توكل إليه من بعض الأجهزة الحكومية، إلا أن العلاقة بين الفروع والأجهزة المركزية تظل علاقة تبعية كاملة.

2- نمط البلديات: في هذا النمط نكون إزاء شكلين هما: "إدارة فروع الحكومة المركزية" وتقوم بمباشرة الاختصاصات التي تتطلب مهارات وإمكانيات مالية وبشرية من نوع خاص؛ و "المجالس البلدية" التي يتم تشكيلها بالتعيين من قِبل الحكومة المركزية وتكون تحت الرقابة المباشرة للحاكم المحلي الذي يتولى رئاسة هذه المجالس. وإن كان مسموحاً (من الناحية القانونية) للمجالس البلدية أن تباشر ما تستطيع مباشرته من اختصاصات، غير أن هذه المجالس لا تباشر في الواقع إلا القليل من الاختصاصات نظراً لقصور إمكانياتها.

3- نمط المجالس المحلية: ويتم فيه توزيع الاختصاصات بين المجالس المحلية وفروع الحكومة المركزية. وفي هذا النمط يتم انتخاب المجالس المحلية بشكل مباشر من جانب المواطن المحلي. وتقوم المجالس المحلية بمباشرة اختصاصاتها بدرجة من الاستقلال يكلفها القانون وفي إطار السياسة العامة، كما يكون لها سلطة الرقابة على فروع الحكومة المركزية داخل نطاقها الجغرافي. وقد يتم تعيين الحاكم المحلي من جانب الحكومة المركزية، كما قد يتم انتخابه من جانب المواطن المحلي. وفي جميع الحالات لا يرأس الحاكم المحلي المجلس المحلي المنتخب، بل على العكس من ذلك يخضع لمساءلته.

رابعاً- طبيعة النظام المحلي

* يقوم النظام المحلي على أساس نقل السلطة إلى وحدات جغرافية ذات طابع محلي تتمتع كل منها بالشخصية الاعتبارية، ويتولى أمر رعاية مصالحها مجلس يمثل الإرادة العامة لسكانها. وتختلف النظرة إلى طبيعة النظام المحلي باختلاف نظرة الكتاب والمفكرين إلى المفهوم ذاته، كما أنها تختلف باختلاف الأنظمة السياسية والاجتماعية التي تنشأ في ظلها. وإزاء هذا الاختلاف (الذي يعكس تبايناً حول تحديد المفهوم وحول النظام ذاته)، يثور التساؤل عن طبيعة النظام المحلي وعما إذا كان نظام "إدارة" أم نظام "حكم".

كلمة "إدارة" تعني: العملية التي تتم في حالة قيام جهد بشري يتعلق بتحقيق الأهداف وتنفيذ الأعمال من خلال آخرين عن طريق تخطيط وتنظيم وتوجيه ورقابة مجهوداتهم. وإذا كانت هذه الأعمال عامة، أي تتعلق بتنفيذ السياسة العامة للدولة، أطلق على الإدارة في هذه الحالة "إدارة عامة"، أي أن الإدارة العامة هي جميع العمليات التي تستهدف تنفيذ السياسة العامة.

أما كلمة "حكومة" فهي تستعمل للدلالة على معان مختلفة، والمعنى الراجح لها في الفقه يعرفها بأنها: الهيئة صاحبة السلطة في المجتمع التي تتمكن من توجيه الأفراد نتيجة لما تتمتع به من سلطة تفرضها عليهم في شكل قوانين. أي أن مفهوم الحكومة بهذا الشكل لا يقتصر فقط على السلطة التنفيذية، بل يمتد ليشمل أيضاً السلطة التشريعية والسلطة القضائية، كما أنه لا يتضمن مكونات أخرى للنظام السياسي مثل الأحزاب وجماعات الضغط وغيرها.

وعلى الرغم من التمييز الواضح بين مفهوم الإدارة و الحكومة، فإنه من الصعب التمييز بين الوظيفة الحكومية والوظيفة الإدارية وإقامة فواصل بينهما، حيث ينغمس بعض السياسيين في الإدارة باعتبارهم وزراء وينغمس بعض الموظفون العموميين في السياسة كقوى ضاغطة.

وعليه يمكن تحديد مفهومي الحكومة والإدارة والتمييز بين الوظيفة الحكومية والوظيفة الإدارية على أساس القول بأن الحكومة هي الهيئة صاحبة السلطة في المجتمع والتي تتولى وضع السياسات العامة، وأن الإدارة العامة تعنى بتنفيذ هذه السياسات تحت إشراف الحكومة.

والحقيقة أن النظام المحلي يقوم بالوظيفتين معاً (الحكم والإدارة)، ذلك أنه يستهدف شئون كما أنه يوجه سلوك، فالأنشطة المحلية لا تقتصر على إدارة المرافق والخدمات فقط، ولكنها تتطرق أيضاً إلى توجيه سلوك أفراد المجتمع المحلي بطريق مباشر أو غير مباشر، ومن ثم فهي تحكم (مثال فرض رسوم معينة على أداء خدمة ما، أو وضع قواعد لقبول تلاميذ المدارس). وعلى هذا يمكن اعتبار النظام المحلي نظام حكم بالإضافة إلى كونه نظام إدارة، ومن هنا يكون من الخطأ نعت هذا النظام بصفة دون الأخرى، إذ أنه يجمع بين الصفتين في نفس الوقت لقيامه بالوظيفتين معاً واللتان تعبران عن ظاهرة واحدة هي ظاهرة السلطة.

ويعني ذلك أن النظام المحلي يجمع بين صفتي الإدارة والحكم، وبعبارة أخرى ينطوي على بعدين أساسيين هما:

1- البعد الإداري – أو اللامركزية الإدارية ( administrative decentralization ): ويتم التعبير عنها بمُصطلح الاختصاصات أو المسئوليات الوظيفية ( functional responsibilities )، ويقصد بها تقسيم المسئولية عن الوظائف والاختصاصات والأنشطة بين المستويات الحكومية المختلفة في العاصمة والتقسيمات المحلية.

ففي معظم الدول التي تتسم بقدر كبير من المركزية تتولى الحكومة المركزية إقامة مشروعات البنية الأساسية وتشغيلها وتنحصر أنشطة الأجهزة المحلية في القيام ببعض الخدمات البلدية وصيانة بعض المرافق المحلية الصغيرة. ومع التطور في هذا البعد من أبعاد اللامركزية، يتم توسيع نطاق مسئوليات الأجهزة المحلية في مجال الخدمات البلدية الأساسية مثل صيانة الشوارع والطرق المحلية ومياه الشرب والصرف الصحي وقد تتولى الحكومة المركزية إنشاء محطات مياه الشرب والصرف الصحي وشبكات التوزيع وتقوم بتسليمها للأجهزة المحلية أو لشركات القطاع الخاص المحلية لتتولى عمليات التشغيل والصيانة. ومع التوسع في استراتيجيات اللامركزية بشكل أكبر، تصبح الأجهزة المحلية مسئولة عن تقديم كافة أو معظم خدمات البنية الأساسية، وكذلك عن الخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة وغيرها.

2- البعد السياسي – أو اللامركزية السياسية ( political decentralization ): بمعنى تحويل سلطة صنع القرار إلى الهيئات المحلية. ويشير هذا البعد إلى درجة الاستقلال السياسي وطبيعة نظام المساءلة. وتتباين الدول بشأن اللامركزية السياسية طبقاً لدرجة اللامركزية التي تأخذ بها. ففي الدول شديدة المركزية، تتولى الحكومة المركزية اختيار الموظفين المحليين والرقابة الكاملة على أنشطتهم واعتبارهم جزءاً من جهاز الخدمة المدنية بالدولة من حيث التعيين والترقي والمرتبات وغير ذلك من الأمور، وبطبيعة الحال فإن الأجهزة المحلية تكون مساءلة أمام الحكومة المركزية ممثلة في الوزارات والأجهزة المركزية المختلفة. وعلى الطرف الآخر من متصل المركزية/اللامركزية، يتم اختيار كافة الأجهزة المحلية بما في ذلك الأجهزة التنفيذية من جانب المواطنين المحليين، ويتم دفع رواتبهم من الموارد المحلية، وتتم محاسبتهم محلياً الأمر الذي يعني أن هذه الأجهزة المحلية تكون مساءلة أمام المجتمع المحلي وليس أمام الحكومة المركزية.

معيار تحديد طبيعة النظام المحلي:

* المعيار المناسب لتبين طبيعة النظام المحلي في دولة ما يكمن في الإجابة على تساؤل بسيط حول: ما هو الغرض من الأخذ بهذا النظام؟ وفي هذا الإطار، فإنه يمكن تصور نمطين مثاليين أساسيين هما: النمط الإداري، والنمط السياسي.

* النمط الإداري ( the administrative type ): وطبقاً لهذا النمط، فإن الغرض الأساسي للنظام المحلي يتمثل في "كفاءة تقديم الخدمات" ( the efficient delivery services )، ويتم التسليم بهذا المبرر الإداري للنظام المحلي من قبل الحكومة المركزية التي تقرر في النهاية قدر المسئوليات التي يتم توزيعها بين المستويات الحكومية المختلفة. ويرجع دعم الحكومة المركزية إلى تحويل المسئوليات عن تقديم الخدمات إلى المستويات المحلية إلى الافتراض بأنه يمكن تحسين الكفاءة عن طريق تخفيض النفقات باستخدام الموارد المحلية المتاحة وفي إطار الوظيفة الإدارية للمحليات التي تتضمن التبعية السياسية لرغبات الحكومة المركزية، ويكون لهذا الوضع انعكاساته على العلاقات المركزية/المحلية:

1- نظراً لأن الهيئات المحلية تأخذ نصيباً كبيراً من الموازنة العامة، فإن الحكومة المركزية تكون في حاجة إلى ممارسة رقابة قوية على الإنفاق المحلي، ويتطلب ذلك إصدار تعليمات محددة من جانب الحكومة المركزية يتم الالتزام بها من قبل المحليات، ووجود ضوابط صارمة على فرض المحليات للضرائب والرسوم وحصولها على القروض.

2- تقوم الحكومة المركزية بالموازنة بين القدر الذي تحصل عليه المحليات من أموال، ومدى الكفاءة في ممارستها للاختصاصات والأنشطة المنوطة بها، وذلك من خلال أجهزة مركزية تختص بإعمال رقابتها في ذلك.

3- يتم النظر إلى طبيعة المساءلة المحلية والمشاركة الشعبية في سياق أهداف الحكومة المركزية التي تتمثل في التأكيد على تقديم الخدمات بكفاءة. وعلى النقيض من ذلك فإن المساءلة السياسية تنخفض بسبب حجم السكان الكبير في المحليات، والنسبة الضئيلة لعدد الأعضاء المنتخبين قياساً على عدد المواطنين.

4- يتم النظر إلى المشاركة الشعبية كآلية يمكن أن تساهم في تحسين تقديم الخدمات. وفي هذا الإطار يتم تشجيع المنافسة التي من شأنها زيادة قدرة المواطن المحلي على الاختيار من خلال البدائل المتعددة التي تقدمها جهات أخرى مثل القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها, ومن ناحية أخرى، فإن أشكال المشاركة التي من شأنها المساهمة في صنع السياسات أو القرارات المحلية لا يتم تشجيعها، لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى إمكانية تعارض الأولويات المحلية مع الأولويات التي تم تحددها مركزياً.

* النمط السياسي ( the political type ): في هذا النمط، يكون هناك دور واسع للهيئات المحلية كفاعل أساسي في التعبير عن المصالح المحلية وصنع القرارات الخاصة بها داخل الجسد السياسي الأوسع وكجزء طبيعي من الكيان الكلي على مستوى الدولة. وينظر هذا النمط إلى تلك الهيئات باعتبارها مشاركاً للحكومة المركزية في مسئولية تقديم الخدمات على أساس التكامل بين المستويات الحكومية المختلفة استناداً إلى فلسفة مفادها أنه يجب استنفاذ قدرة المستويات المحلية أولاً قبل تدخل المستويات الأعلى. وطبقاً لهذا المفهوم فإن الهيئات المحلية تمتلك درجة عالية من الاستقلال في اختيار أي الخدمات يتم تقديمها. وهو ما يضع مسئولية أكبر لهذه الهيئات عن المجتمع المحلي. مثل هذه المسئولية المتسعة تسمح للهيئات المحلية بأن تكيف دورها الاستراتيجي كحكومة أكثر من كونها مقدم خدمات محددة، ويمكن تحديد أهم ملامح هذا النمط على النحو التالي:

1- تمارس الهيئات المحلية قدراً معقولاً من الحرية في فرض الضرائب المحلية وتحديد معدلاتها كما أن إيرادات الضرائب العامة يتم تقاسمها غالباً مع الحكومة المركزية والهيئات المحلية كشركاء على قدم المساواة في نظام حكومي مشترك بدلاً من كونها علاقة تتسم بالصراع تكون فيه للحكومة المركزية السيطرة الواضحة.

2- تتسم العلاقات المركزية/المحلية بالتفاوض والاتفاق أكثر من المجابهة، ولا شك أن التداخل بين الصلاحيات في ممارسة نشاط ما داخل الإطار الجغرافي يكون وارداً، وعندما يحدث ذلك فإن التقسيم الفعلي للمسئوليات بين المستويات الحكومية المختلفة يتم تحديده على أساس الشراكة. وبدلاً من المراقب أو المشرف يكون دور الحكومة المركزية بمثابة أحد المستشارين الذي يمكن للهيئات المحلية أن تطلب مساعدته.

3- تكون مساءلة الهيئات المحلية بالأساس أمام المواطنين المحليين قبل أن تكون أمام الحكومة المركزية وذلك بالنظر إلى الدور السياسي للمواطن المحلي والذي يعكس مصالح المجتمع المحلي. وبناء على ذلك فإنه يتم التركيز على آليات التشاور مع المواطن من خلال منظمات المجتمع المدني التي تمثل أحد الفاعلين الأساسيين في عملية صنع السياسات العامة المحلية.

4- تصبح الاستفتاءات واستطلاعات الرأي أساليب شائعة. كما تكون المساءلة المحلية قوية بفعل حجم السكان الصغير في داخل الوحدة المحلية ونسبة المنتخبين المرتفعة بالنسبة لعدد المواطنين وأيضاً درجة الشفافية المرتفعة للعملية الإدارية في الهيئات المحلية.

الفصل الثاني

مقومات النظام المحلي

تعريف النظام المحلي:

يمكن تعريف النظام المحلي بأنه: "شكل من أشكال اللامركزية المحلية، يقوم على أساس تقسيم الدولة إلى وحدات محلية تتمتع كل منها بالشخصية الاعتبارية ولها مصالحها المتميزة التي يتولى التعبير عنها والاضطلاع بها مجلس يمثل الإرادة العامة لسكانها في إطار الصلاحيات المخولة له والموارد المالية المتاحة، وترتبط بالحكومة المركزية بعلاقات يحددها القانون.

ويشير هذا التعريف إلى أن النظام المحلي يرتكز على مقومات أربعة لابد من توافرها وهي: "وحدات محلية"، و "مجالس محلية"، و "موارد مالية محلية"، و "علاقات مركزية/محلية".

أولاً- الوحدات المحلية

عناصر الوحدة المحلية:

يقوم النظام المحلي على أساس تقسيم إقليم الدولة إلى مساحات محددة تكون قرية أو مدينة صغيرة أو كبيرة أو مجموعة من القرى والمدن، ويطلق على هذه المساحات اسم الوحدة المحلية. ولا تشكل هذه المساحة الجغرافية في حد ذاتها وحدة محلية، فالسكان عنصر أساسي لابد منه لقيام الوحدة المحلية. ولكن رغم ذلك فالإقليم والسكان وإن اعتبرا من العناصر الضرورية لتكوين الوحدة المحلية، إلا أنهما في حد ذاتهما لا يعبران عن جوهر الوحدة المحلية ولا يكفيان لتوضيح طبيعتها، إذ لا بد من توافر شرطان أساسيان حتى يمكن أن نطلق على مساحة جغرافية ما مسمى الوحدة المحلية، وهذا الشرطان هما: الشخصية المعنوية، والمصالح المتميزة.

أ – الشخصية المعنوية:

الشخص المعنوي أو الشخص الاعتباري هو مجموعة من الأشخاص الطبيعيين تستهدف تحقيق غرض معين، أو مجموعة من الأموال ترصد لتحقيق غرض معين، ويعترف لها المشرع بشخصية قانونية مُستقلة عن شخصية الأشخاص الطبيعيين المكونين لها؛ (فيكون للشخص المعنوي أو الاعتباري أسم وموطن وجنسية وأهلية اكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات وذمة مالية مستقلة عن الأشخاص الطبيعيين المكونين لها أو مُنشئيها).

أهمية الاعتراف الشخصية المعنوية:

تظهر أهمية الاعتراف بالشخصية المعنوية للوحدة المحلية في أمرين محددين هما:

1- أولهما: أنها تسمح لتلك الوحدات بممارسة قدر من السلطة بما يُمكنها من التعبير عن إرادتها المستقلة في شكل تصرفات قانونية تكتسب صفة المشروعية ومنتجة لآثارها في القانون العام.

2- والأمر الثاني: أنها تؤدي إلى أن تتمتع هذه الوحدات بصفة الدوام والاستمرار رغم ما يمس جماعة الأشخاص الطبيعيين المكونين لها من تغيرات كالوفاة أو النقل أو التقاعد مثلاً.

نتائج الاعتراف بالشخصية القانونية المعنوي للوحدة المحلية:

ويترتب على الاعتراف للوحدة المحلية بالشخصية المعنوية عدة نتائج أهمها:

1- أن يكون هناك من يعبر عن إرادة الوحدة المحلية كشخص معنوي، وعادة ما يعهد بذلك إلى مجلس محلي يعبر عن إرادة سكانها ويتصرف طبقاً لمصالحهم.

2- يكون لها ذمة مالية منفصلة عن أموال الحكومة المركزية وعن أموال الوحدات المحلية الأخرى، وبالتالي لا يجوز للحكومة المركزية أو لأي جهة أخرى استخدامها أو التصرف فيها دون موافقتها.

3- يكون لها الأهلية القانونية، أي أن تكون أهلاً لاكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات فيكون لها حق التملك وإبرام العقود وقبول الهبات والوصايا وحق التصرف في أموالها طبقاً للقانون.

4- يكون لها حق التقاضي، بمعنى أن تكون لها أهلية الاختصام كمدع أو مدعى عليه أمام القضاء في كل ما يتعلق بشئونها، فيكون لها حق مقاضاة الحكومة المركزية أو أي وحدة محلية أخرى أو أفراد أو هيئات، كما تكون عرضه للتقاضي من هؤلاء.

5- يكون لها موطن تتم مخاطبتها فيه وجهاز إداري خاص بها مستقلاً عن الجهاز الإداري للحكومة المركزية، وإن كان ذلك لا يمنع من إضفاء صفة الموظف العمومي على موظفي الجهاز الإداري للوحدة المحلية، ولا يمنع أيضاً من خضوعهم لنظم الخدمة المدنية المركزية.

6- تنقضي الشخصية المعنوية للوحدة المحلية بإرادة نفس الجهة التي أنشأتها أو بإرادة جهة أعلى. فإذا منح الدستور الشخصية المعنوية للوحدة المحلية، فلا يجوز إلغاؤها بقانون عادي أو بقرار أو بإرادة جهة أقل.

ب – المصالح المتميزة:

وتعني المصالح المتميزة أن يقوم بين السكان المحليين الذين يقطنون مساحة جغرافية معينة أنماط من العلاقات التي تربط بين الأفراد والجماعات. وتقوم هذه العلاقات على أساس وجود مصالح مشتركة بين السكان المحليين تتميز عن تلك التي تنشأ بين باقي سكان إقليم الدولة، الأمر الذي يبرر أن يتولى السكان المحليون بأنفسهم إدارة شئونهم. والأصل في ذلك أن يترك أمر إدارة المصالح القومية للحكومة المركزية، وأمر إدارة المصالح المحلية للوحدات المحلية. ويعني ذلك توزيع الاختصاصات بين الحكومة المركزية والوحدات المحلية.

أساليب توزيع الاختصاصات بين الحكومات المركزية والوحدات المحلية:

يختلف أسلوب توزيع الاختصاصات بين الحكومات المركزية والوحدات المحلية من دولة لأخرى، ويمكن التمييز بين أسلوبين بهذا الخصوص، على النحو التالي:

1- توزيع الاختصاصات بصفة عامة: ويتم فيه توزيع الاختصاصات بصفة عامة مجملة طبقاً للمبدأ المعروف باسم مبدأ العمومية ( universality )، الذي تعطى بمقتضاه الوحدات المحلية الحق في ممارسة أي اختصاص عدا ما يتناقض مع أحكام القانون أو ما يتم استثناءه صراحة.

مزايا هذا الأسلوب: ويرى البعض أن هذا الأسلوب لها مزايا عديدة منها: حفز الوحدات المحلية على المبادأة والابتكار والقيام بتجارب رائدة وتخفيف الضغوط على الهيئات التشريعية، وتشجيع الكبرياء المحلي، ودعم التنمية والتطوير وإغناء الحياة المدنية بتحقيق مزيد من الرفاهية.

مساوئ هذا الأسلوب: غير أن هذا الأسلوب – من ناحية أخرى – يؤدي إلى عدم القدرة على تحديد الخطوط الواضحة لاختصاصات الوحدات المحلية مما يفقد هذه الوحدات الدقة والكفاية في الإنجاز، كما أنه يساعد على خلق الخلافات بين الحكومة المركزية والوحدات المحلية حول الحد الذي يجب ألا يتعداه أي منهما، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع المسئولية بينهما. هذا بالإضافة إلى أن عدم التوازن بين الاختصاصات العديدة والإمكانيات المحدودة سوف يولد خللاً ويهدد الكفاية الإدارية للوحدات المحلية مما يفقد الثقة فيها وفي النظام المحلي ذاته.

2- تحديد الاختصاصات على سبيل الحصر: ويقوم هذا الأسلوب على أساس الاستناد إلى النصوص القانونية التي تحدد مجموعة الاختصاصات التي يحق للوحدات المحلية ممارستها. وطبقاً لهذا التحديد لا يجوز لهذه الوحدات مباشرة أية اختصاصات غير واردة في القانون وإلا كان عملها باطلاً بمقتضى مبدأ تعدي الاختصاص ( ultra verse ).

مزايا هذا الأسلوب: وهذا الأسلوب يمتاز بتحديد المسئوليات بين الوحدات المحلية والحكومة المركزية.

مساوئ هذا الأسلوب: إلا أنه يؤخذ عليه أنه يعيق الوحدات المحلية عن ممارسة حق المبادرة باقتراح المشروعات وتنفيذها، الأمر الذي يهدد القدرة على المبادأة والابتكار والقيام بتجارب رائدة.

مقومات الوحدة المحلية:

أ – النطاق الجغرافي: ويقصد به المساحة الملائمة، بما يسمح بتقديم الخدمات وإقامة المشروعات، وأيضاً التيسير على سكان الوحدة المحلية للمشاركة في صنع القرارات المحلية.

أساليب تقسم إقليم الدولة لأغراض النظام المحلي:

1- ا لتقسيم الكمي: بمعنى تقسيم إقليم الدولة إلى وحدات ذات مساحات متساوية، ثم تقسيم الوحدات إلى وحدات فرعية متساوية أيضاً، وهكذا تبعاً لعدد المستويات التي يتم الأخذ بها.

مساوئ هذا الأسلوب: يعيب هذا الأسلوب أنه تحكمي لا يأخذ في الاعتبار الاختلافات الاجتماعية والثقافية والجغرافية والتاريخية القائمة بين المجتمعات المحلية. ففي هذا النوع من التقسيم لا يمكن تلافي الجمع بين مجتمعات غير متجانسة في نطاق واحد، كما أنه لا يمكن تفادي تقسيم المجتمع المتجانس إلى أكثر من وحدة محلية واحدة.

2- التقسيم الوظيفي: ويقوم على أساس حاجة العمل وتحقيق كفاية إدارة الخدمات عن طريق إدارة كل خدمة في النطاق الملائم لطبيعتها، ويتأتى ذلك بتقسيم إقليم الدولة إلى مناطق تعليمية ومناطق صحية ...الخ.

مساوئ هذا الأسلوب: ويؤدي تطبيق هذا الأسلوب إلى تعقيد النظام المحلي وصعوبة التنسيق بين الخدمات المختلفة.

3- التقسيم الطبيعي: ويقوم على أساس الاعتراف بالمجتمعات القائمة كوحدات أساسية للإدارة المحلية.

مزايا هذا الأسلوب: ويُحقق هذا الأسلوب قيام وحدات اجتماعية حقيقية.

مساوئ هذا الأسلوب: إلا أنه يؤخذ عليه تفاوت الوحدات المحلية تفاوتاً كبيراً في نطاقها وأحجامها، كما أنه قد يترتب عليه عدم عدالة توزيع الثروة الطبيعية.

المزج بين الأساليب الثلاثة:

ولا يعني تمايز هذه الأساليب الثلاثة (سالفة الذكر) أنه يمكن الأخذ بأسلوب واحد منها على إطلاقه عند التطبيق، فمع مجافاة أسلوب التقسيم الكمي لفلسفة النظام المحلي واستحالة تطبيقه بصفة مطلقة، فإن الدول تحاول اليوم الاقتراب قدر الإمكان من تحقيق المساواة في أحجام وحداتها المحلية، وعلى الرغم من عيوب أسلوب التقسيم الوظيفي فإنه لا يمكن استبعاد قيام مثل هذه الوحدات في بناء نظام محلي، ذلك أن الوحدات المحلية المتجاورة كثيراً ما تتعاون في إدارة خدمات مشتركة في نطاقها لأسباب اقتصادية أو لأسباب تتعلق بطبيعة الخدمة. وقد يصلح التقسيم الطبيعي لتلك الدول التي تتسم بتعدد الأعراق والتي تقطن كل مجموعة منها في بقعة جغرافية معينة.

ب – النطاق البشري:

ويقصد به، ذلك العدد من السكان الذي يسمح بحصول الوحدة المحلية على موارد مالية ذاتية كالضرائب والرسوم تكفي لتغطية الجانب الأكبر من نفقاتها لتغذية الخدمات المقدمة، حتى تستطيع مباشرة اختصاصاتها بكفاءة وبدرجة من الاستقلال بعيداً عن الرقابة الشديدة والتدخل المباشر من جانب الحكومة المركزية. ويكفي كذلك لتوفير العمالة الفنية والمهنية اللازمة التي تفي بأغراض الوحدة المحلية للقيام بوظائفها وممارسة اختصاصاتها. وعلى الجانب الآخر يجب أن يكون عدد السكان مناسباً بحيث يمثل كل عضو في المجلس المحلي عدداً صغيراً من السكان يستطيع التعرف على آرائهم واحتياجاتهم.

الحجم الأمثل للوحدات المحلية:

قد واجهت النظم المحلية في كافة دول العالم معادلة صعبة فيما يتعلق بتحديد الحجم الأمثل لوحداتها المحلية. ففي الوقت الذي تملي فيه اعتبارات تحقيق الكفاءة الإدارية ضرورة أن تكون الوحدات المحلية على درجة من الضخامة تكفل لها تلبية الاحتياجات الفنية المناسبة، نجد أن اعتبارات تحقيق المشاركة الشعبية تتطلب أن تكون الوحدات المحلية على درجة من الصغر بحيث يشعر كل مواطن محلي فيها بفاعلية مشاركته في شئون وحدته المحلية. ونظراً لتعارض طرفي هذه العلاقة على النحو السابق إيضاحه، فإن التوفيق بينهما يعتبر مهمة غاية في الصعوبة، فليس من السهل تقدير طبيعة هذه العلاقة لأنها تتناول متغيرات تختلف قيمتها ووزنها من مجتمع لآخر تبعاً للقيم السائدة فيه، كما أنها تختلف من وقت لآخر في نفس المجتمع تبعاً لتغير المفاهيم حول هذه القيم.

الأساليب المُتبعة لمواجهة التعارض:

وقد حاولت الكثير من الدول الخروج من هذه المشكلة وإيجاد حلول مناسبة لها فلجأت إلى العديد من الأساليب منها:

1- الإدماج ( amalgamation ): بمعنى إدماج الوحدات المحلية الأساسية لتوفير مقومات الإدارة السليمة وإمكان إيجاد تناسب بين معدلات أداء الخدمات ونطاق اتساع الوحدات المحلية.

2- التعاون ( co-operation ): وذلك بإيجاد أشكال وصور وصيغ للتعاون بين السلطات المحلية بهدف حل مشكلاتها المترتبة على عدم كفاية حجم الوحدة المحلية لأداء الخدمات المختلفة بكفاءة وإدارة المشروعات المشتركة.

3- التخطيط الإقليمي ( regional planning ): أي الاتجاه نحو إحداث أقاليم تخطيطية فوق مستوى الوحدات المحلية تضم عدداً متجانساً أو متكاملاً منها بهدف وضع خطة إقليمية شاملة، ومن ثم تحويل هذه الأقاليم في مرحلة لاحقة إلى وحدات محلية كاملة.

مستويات الوحدات المحلية:

وتختلف الدول بخصوص عدد مستويات وحداتها المحلية، إلا أن غالبية الدول تأخذ بأسلوب المستويين أو الثلاثة. وهناك اتجاه عالمي للعمل على خفض عدد المستويات (من أربعة أو ثلاثة إلى اثنين فقط)، استناداً إلى أن تعدد هذه المستويات معوق للعمل.

كما تتبع بعض النظم فكرة وجود علاقة هرمية بين المستويات المختلفة بحيث تتدرج السلطة من المركز إلى أصغر وحدة بمعنى خضوع كل وحدة محلية لرقابة الوحدة التي تعلوها درجة. وعلى عكس هذا الأسلوب نجد دولاً أخرى تتبع أسلوب المساواة بين الوحدات المحلية، فلا تمارس أي منها إشرافاً على الأخرى.

ثانياً- المجالس المحلية ( السلطة المحلية )

يعني القول بوجود نظام محلي، ضرورة قيام سلطة محلية تمثل الوحدة المنبثقة عنها، وتقوم بأمر رعاية المصالح التي تهم الأفراد المُقيمين بهذه الوحدة. وقد أستقر الأمر في غالبية دول العالم على أن يعبر عن هذه السلطة المحلية مجلس محلي يتم تشكيله من قبل المواطنين المحليين أنفسهم وتعطى له الصلاحيات الكافية لإدارة الشئون المحلية.

تنظيم المجالس المحلية

أ – أسلوب تشكيل المجالس المحلية:

لا شك أن الأسلوب الذي يتم به تشكيل المجالس المحلية يعتبر العامل الأساسي في تحديد الطبيعة الديمقراطية للمجلس وعما إذا كان يمثل المجتمع المحلي ويعبر عنه أم أنه لا يعدو أن يكون هيئة تعبر عن آراء واتجاهات الحكومة المركزية. ورغم الجدل المثار حول الأسلوب الأمثل أو الكيفية التي يتم بها تشكيل المجالس المحلية، إلا أن هناك شبه إجماع حالياً على أنه لا يوجد بديل عن الانتخابات كوسيلة لاختيار كل – أو على الأقل معظم – أعضاء تلك المجالس، فالانتخاب يعتبر من بديهيات التمثيل الديمقراطي.

الانتقادات الموجه لمبدأ انتخاب أعضاء المجالس المحلية:

1- يحمل مبدأ انتخاب أعضاء المجالس المحلية مخاطر تهديد وحدة الدولة السياسية والإدارية، إذ يخشى من تحول اللامركزية الإدارية التي تقوم على أساسها المجالس المحلية إلى لا مركزية سياسية.

2- لا يأتي الانتخاب بأحسن العناصر الصالحة للعضوية وممارسة الوظيفة الإدارية التي هي الهدف من إنشاء المجالس المحلية، بل أنه قد يأتي بأشخاص لا خبرة ولا دراية لهم بهذه الوظيفة، حيث أنه من خلال العملية الانتخابية يمكن التأثير في هيئة الناخبين من قبل قوى الضغط في المجتمع المحلي لا سيما في المجتمعات النامية التي تفتقد هيئة الناخبين فيها للوعي السياسي الكافي.

3- أن مبدأ الانتخاب (كعنصر من العناصر المكونة لنظام اللامركزية) قد فقد أساس التمسك به وذلك لأن الشرط اللازم والكافي لتحقيق اللامركزية هو ضمان استقلال الهيئات المحلية، وهذا الاستقلال يمكن تحقيقه عن طريق الاعتراف للوحدات المحلية بالشخصية المعنوية وعن طريق إعفاء أعضائها من الخضوع للسلطة الرئاسية للهيئات المركزية. وعلى ذلك يمكن تعيين أعضاء المجالس المحلية (كما يذهب إليه هذا الرأي) دون أن يمنع ذلك من تحقيق اللامركزية، طالما كانت هناك ضمانات تكفل استقلال أعضاء المجالس المحلية.

4- اعتبارات الكفاءة الإدارية تعني أن تكون المجالس المحلية قادرة على ممارسة اختصاصاتها المختلفة بكفاءة وفعالية، فالأصل ليس هو ملكية الاختصاص فقط، بقدر ما هو القدرة على ممارسة هذا الاختصاص أيضاً الأمر الذي يبرر تشكيلها عن طريق التعيين حتى يتسنى توفير الكفاءات الإدارية والفنية المؤهلة لتسيير أعمالها بكفاءة.

مبررات الأخذ بمبدأ انتخاب أعضاء المجالس المحلية (الاتجاه السائد حالياً):

1- لما كان جوهر الأخذ بالنظام المحلي هو أن يعهد إلى أبناء الوحدة المحلية بأن يشبعوا حاجاتهم المحلية بأنفسهم، فإنه لا يكفي الاعتراف أو القول بأن هناك ثمة مصالح محلية متميزة، وإنما يجب أن يشرف على هذه المصالح ويديرها من يهمهم الأمر بأنفسهم. ولما كان من المستحيل على جميع أبناء الوحدة المحلية أن يقوموا بهذه المهمة بأنفسهم مباشرة، فإنه من الضروري أن يقوم بذلك من ينتخبونه نيابة عنهم. أي أن الأصل في المجالس المحلية أنها تقوم على إدارة المصالح المحلية بواسطة أشخاص يدركون طبيعة هذه المصالح ويتأثرون بها، الأمر الذي يتعين معه أن تكون الهيئات التي تشرف على إدارة هذه المصالح هيئات منتخبة.

2- أنه ولئن كان من المتصور أن يتحقق الاستقلال دون اتباع أسلوب الانتخاب، فإنه لا يمكن تصور أن تتحقق الديمقراطية بغير هذا الأسلوب، كما لا يمكن تصور وجود مجالس محلية بدون دعامة ديمقراطية. فالانتخاب ليس شرط لتحقيق استقلال المجالس المحلية، ولكنه ركناً أساسياً من أركان نظام اللامركزية المحلية. وبهذا تتميز اللامركزية المحلية عن اللامركزية المرفقية والتي تقوم على مجرد منح مرفق معين بعض مظاهر الاستقلال، وهو ما يمكن تحقيقه بغير وسائل الانتخاب. وعلى هذا فإنه لا يمكن التسليم بفكرة المقارنة بين الهيئات المحلية والهيئات المرفقية حيث أن تنظيم الأخيرة (المرفقية) يرتبط بقضايا إدارية، على عكس الوضع في الهيئات المحلية التي يتميز تنظيمها ببعدين أساسيين: سياسي وإداري.

3- أن فكرة التشكيك في نضج الناخبين ووعيهم وفي مدى قدراتهم على أن يختاروا من يمثلهم التمثيل الحقيقي والفعال تتضمن التشكيك في قيمة الممارسة الديمقراطية ذاتها وتعني المطالبة بإرجائها حتى يتم خلق الوعي الشعبي والنضج السياسي والفكري الذي يؤهل المواطنين لممارسة حقوقهم الانتخابية. وهذا القول مردود عليه بطبيعة الحال، ذلك أن النضج الفكري والسياسي مسألة نسبية ولا يمكن تعريفه أو قياسه، فقد يكون الشخص أمياً ولكنه يملك الصفات التي تؤهله للنجاح في الحياة العامة، يضاف إلى ذلك أن ناخبي المجالس المحلية هم أنفسهم ناخبوا المجالس التشريعية، فإذا كان لهم حق انتخاب ممثليهم في المجالس التشريعية التي تمارس أخطر عملية في الدولة، فكيف يمكن حرمانهم من حق انتخاب المجالس المحلية التي تتولى مصالح يدركونها جيداً؟ ثم أنه حتى مع افتراض عدم نضج الأهالي لمباشرة حقوقهم الانتخابية فإن الممارسة الديمقراطية ذاتها تعتبر وسيلة لاكتساب هذا النضج.

4- إنه إذا كان الانتخاب لا يضمن توافر جميع الكفاءات المطلوبة لإدارة مرفق الوحدة المحلية، فيمكن علاج ذلك بوسائل مختلفة منها استئجار المجلس المحلي للفنيين والأخصائيين المتفرغين واختيار نسبة من الأعضاء من أهل الخبرة والكفاية لسد العجز الذي تأتي به الانتخابات، وكذلك الاستعانة باللجان الاستشارية من خارج المجلس.

ب – حجم المجالس المحلية:

لا يوجد معيار واضح يحدد حجم العضوية في المجلس المحلي، فهناك اختلافات كبيرة في أحجام المجالس المحلية سواء بالنسبة للدول المختلفة أو بالنسبة للوحدات المحلية داخل نفس الدولة، ويرجع ذلك إلى عوامل عديدة من بينها طبيعة النظام الذي تتبعه الدولة وما إذا كان نظام وحدة النمط أم نظام اختلاف الأنماط، ثم حجم الوحدة المحلية من حيث عدد السكان والمساحة، بالإضافة إلى درجة التقدم التكنولوجي واعتبارات الكفاءة الإدارية، وأخيراً الاعتبارات السياسية.

مزايا كبر حجم المجالس المحلية: لا شك أن كبر حجم المجلس المحلي يحقق العديد من المزايا، ذلك أنه يسمح بتمثيل الاتجاهات المحلية المختلفة، كما أنه يوفر العدد الكافي لعضوية اللجان المختلفة داخل المجلس، بالإضافة إلى أنه يقوي احتمالات توافر كفاءات أكثر في عضوية المجلس، إلا أن الدافع الأساسي للتمسك بكبر حجم المجلس المحلي هو اعتبارات المشاركة الشعبية ذلك أنها تزيد من معدل تمثيل الأعضاء بالنسبة لسكان الوحدة المحلية، مما يترتب عليه إمكانية اشتراك أكبر عدد ممكن من السكان في أعمال المجلس، الأمر الذي يجعل المجلس أكثر تمثيلاً وارتباطاً بالجماهير.

مزايا صغر حجم المجالس المحلية: أولاً- الرد على الرأي السابق: إذا كان هذا الرأي السابق الذي يقول به أنصار كبر حجم المجالس المحلية صحيحاً في الماضي حيث كانت العملية السياسية تعتمد على الاتصال الشخصي الواسع المدى، إلا أنه يصبح مثاراً للشك مع تطور فن الاتصال الجماهيري، الأمر الذي يدعو إلى القول بأن حجم المجلس المحلي يعتبر عاملاً ضئيلاً في تحديد الصفة التمثيلية للمجلس ويظل العامل الحاسم في ذلك هو أسلوب تشكيل المجلس وما إذا كان يمثل بصدق جمهور الناخبين أم لا.

ثانياً- مبررات القول بصغر حجم المجلس: ويدافع البعض عن المبدأ القائل بصغر حجم المجلس المحلي، على أساس أن ذلك يعطي الأعضاء فرصة المشاركة في المناقشات، الأمر الذي يزيد من جدية هذه المناقشات وفاعليتها، كما أنه يقوي من مكانة العضو ومركزه داخل المجلس، على أساس أن كبر حجم المجلس فوق حد معين يؤدي إلى حصر المناقشات في عدد قليل من الأعضاء لأن إتاحة الفرصة لاشتراك جميع الأعضاء في المناقشات يؤدي إلى تشعبها وكثرة الجدل حول مسائل فرعية.

الرأي الراجح: أنه بمراعاة الظروف البيئية للوحدة المحلية، يجب ألا يكون حجم المجلس من الصغر بحيث لا يسمح بتمثيل مختلف الفئات والمصالح والاتجاهات المحلية، كما أنه يجب ألا يكون من الكبر إلى الدرجة التي تعرقل مداولاته ومناقشاته واتخاذه للقرارات.

ج – نظام العضوية:

مُدة العضوية: تتراوح مدة عضوية المجالس المحلية في النظم المختلفة بين سنة واحدة وست سنوات، وتتباين أساليب التجديد الجزئي أو الكلي للمجالس من دولة إلى أخرى. وقد استقر الرأي على أنه يجب ألا تطول مدة العضوية إلى الحد الذي يفقد معه العضو صلته بالناخبين وبالتالي إهمال شئونهم، ومن ناحية ثانية لا يحسن أن تكون مدة العضوية قصيرة إلى الحد الذي لا يوفر للعضو فرصة الإلمام بأعمال المجلس، أو إلى الدرجة التي تقصر عمله في الإشراف على تنفيذ السياسات التي يرثها من أعضاء الدورة السابقة، فإنه وإن كان يحسن تقصير مدة العضوية إلا أنه يجب ألا يخل ذلك باعتبارات الكفاءة الإدارية.

شروط العضوية: تتفق غالبية الدول حول الشروط الواجب توافرها في المرشحين لعضوية المجالس المحلية، كشرط السن القانونية، وعدم ارتكاب جرائم أخلاقية، وشرط الجنسية، والإقامة بمقر المجلس، وغير ذلك. غير أن خلافاً يثور حول ضرورة اشتراط مؤهلات معينة من عدمه.

مُقابل العضوية: غالبية الدول تعتبر عضوية المجالس المحلية مجانية، وذلك لكون تقرير أجور للأعضاء يحمل المجالس المحلية بأعباء مالية كبيرة قد تعوق تلك المجالس عن تحقيق رسالتها (لا سيما في الدول النامية والفقيرة)، ولأنها تغير من طبيعة عمل الأعضاء بتحويل العضوية إلى وظيفة يسعى إليها الأشخاص كوسيلة لتحسين دخولهم أكثر منه لخدمة المجتمع المحلي، ويمكن تعويض الخسارة التي يتكبدها الأعضاء بسبب عضويتهم في المجالس المحلية بتقرير مقابل لحضور الجلسات ونفقات السفر والانتقال والإقامة والإعاشة التي يتعرض لها العضو أثناء اضطلاعه بأعمال المجلس، وأيضاً تقرير مكافآت لرؤساء المجالس واللجان الذين يتطلب عملهم تمضية أوقات طويلة في المجلس.

د – صلاحيات المجلس المحلي:

تتفاوت سلطات المجالس المحلية (بصفة عامة) بين سلطات الوضع الاستشاري التي تنحصر في حق الاقتراح على السلطات الأعلى مستوى وإبداء الرأي في المسائل التي تعرض عليها، وبين إنشاء وإدارة كافة الخدمات والمرافق ذات الطابع المحلي وما يستتبع ذلك من استقلال بموارد مالية خاصة وميزانية محلية وأجهزة إدارية وتنفيذية ...الخ.

ومن الضروري أن تتمتع المجالس المحلية بقدر كاف من السلطات والصلاحيات تتمكن معه من الاضطلاع بوظائفها واختصاصاتها( 1 ). ويعني ذلك أن يكون للمجلس المحلي حق إصدار قرارات نافذة في حدود معينة دون أن يخضع في ذلك لأوامر الحكومة المركزية وتوجيهاتها، وهو ما يترتب عليه النتائج التالية:

- أن يكون للمجلس المحلي حرية المبادأة، فله الحرية في أن يتصرف أو لا يتصرف.

- ألا يكون للحكومة المركزية حق تعديل قرارات المجلس المحلي حتى ولو كان خاضعاً لرقابتها، فلو أصبحت هذه القرارات خاضعة للتعديل من جانب الحكومة المركزية لفقد المجلس استقلاله.

- يجب أن يظل المجلس المحلي صاحب السلطة على قراراته حتى بعد تصديق الجهات المركزية عليها، فهذه القرارات من عمل المجلس. وتأسيساً على ذلك فله أن يعدل عن تنفيذها، وله أن يسحبها ويصدر قرارات أخرى جديدة بل له أيضاً أن يعدل فيها.

ومن الضروري كذلك، أن يقوم المجلس المحلي بانتخاب أو تعيين أعضاء ورئيس الجهاز التنفيذي الذي يتولى تنفيذ قراراته على أن يخضع خضوعاً تاماً له.

ثالثاً- الموارد المالية المحلية

مصادر التمويل: تضطلع الوحدات المحلية بالعديد من الاختصاصات، ويستلزم ذلك ضرورة أن يتوافر لديها الأموال اللازمة وأن تتمتع بالحرية الكافية في إدارة هذه الأموال. وتتفاوت مصادر التمويل المالية المحلية من دولة إلى أخرى، إلا أنه يمكن التمييز بين:

- الموارد المالية الذاتية: وهي تتضمن الضرائب المحلية، الرسوم المحلية، أرباح المنشآت التجارية والصناعية المملوكة للوحدة المحلية، إيرادات أملاك الهيئات العامة المحلية، أثمان الخدمات الصحية، النصيب في الإيرادات المشتركة.

- الموارد المالية الخارجية: وهي تتضمن الإعانات والمساعدات الحكومية، الهبات والتبرعات، القروض.

الموارد المالية واستقلال المحليات وفاعليتها: كلما زادت القدرة المالية الذاتية للوحدة المحلية، كلما قل اعتمادها على الحكومة المركزية ومن ثم تمتعت بدرجة أكبر من الاستقلال بعيداً عن التدخل المركزي. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الاستقلال المالي المحلي من شأنه تأكيد المسئولية المالية لدى المواطنين المحلين نظراً للارتباط بين أدائهم للضرائب والرسوم المحلية وبين حصولهم على الخدمات، وما يستتبعه ذلك من الحرص على الاهتمام بالشئون المحلية والمشاركة في صنع القرار المحلي.

اللامركزية المالية ( fiscal decentralization ): تعني أن أوعية الموارد المالية للوحدة المحلية هي أوعية ذات طابع محلي محض، أي تقع بالكامل في نطاق الوحدة المحلية، وأن تستقل السلطة المحلية بتقدير سعر الضريبة وربطها وتحصيلها في نطاق صلاحياتها وبعيداً عن سيطرة الحكومة المركزية، حتى تتمكن من التوفيق والملاءمة بين احتياجاتها المالية وحصيلة الموارد المتاحة لها.

فالقدرة المالية للوحدة المحلية: [في ظل مفهوم اللامركزية المالية] تتمثل في 1) توافر الأموال اللازمة، 2) حرية إدارة هذه الأموال. أو بعبارة أخرى: حرية الوصول إلى الموارد وحرية استخدام تلك الموارد ( access to revenues ).

أقسام اللامركزية المالية: تتباين الدول حول مدى الأخذ بدرجة أو أخرى من درجات اللامركزية المالية..

- ففي الدول التي تتسم بالطبيعة المركزية: تتمتع الأجهزة المحلية بسلطات محدودة في تقاضي رسوم ضئيلة مقابل بعض الخدمات التي تقدمها للمواطنين المحليين، ولا تتمتع بأية سلطات لفرض الضرائب، وإن كان ذلك لا يمنع قيامها بتحصيل بعض أنواع الضرائب نيابة عن الحكومة المركزية وتحت رقابتها الكاملة وتوريدها لها.

- أما في الدول التي تتجه إلى الأخذ بقدر ما من اللامركزية: فتظل سلطات الأجهزة المحلية محدودة في الأمور المالية، غير أنه يتم الأخذ بنظم خاصة بتقاسم الموارد المشتركة بين الحكومة المركزية وبين الأجهزة المحلية الأمر الذي يتيح لتلك الأخيرة الاستناد إلى أسس مستقرة نسبياً لتحديد مواردها المالية، وقد يسمح لها بفرض وتحصيل بعض الضرائب المحلية، غير أن الحكومة المركزية تظل محتفظة بحقها في تحديد هذه الضرائب وفئاتها.

- وبإتباع نظام لا مركزي أكثر تطوراً: يتم منح الهيئات المحلية صلاحيات تحديد وتحصيل الضرائب والرسوم المحلية ومسئولية الإنفاق منها لتمويل الأنشطة التي تقوم بها.

أهمية دعم الحكومة المركزية للمحليات: لا ينبغي التقليل من أهمية الدور الذي تقوم به الحكومة المركزية بما تقدمه من إعانات للوحدات المحلية، فنظراً للتفاوت في الظروف الطبيعية والاقتصادية تتفاوت الوحدات المحلية في مقدرتها المالية، الأمر الذي ينعكس على مستوى الخدمات المحلية بين وحدة وأخرى، ومن ثم فإن الإعانة المركزية من شأنها تحقيق حد أدنى من مستوى الخدمات على صعيد الدولة ككل، بالإضافة إلى كونها أداة هامة من أدوات الرقابة المركزية على السلطات المحلية بما يضمن وحدة السياسات على الصعيدين المركزي والمحلي.

الفصل الثالث

النظام المحلي في السياق المعاصر

أولاً- التحول في مفهوم الحكم

الحوكمة ( governance ):

تعريف البنك الدولي للحوكمة: بأنها "العمليات والمؤسسات التي تحدد كيفية ممارسة السلطة والرقابة وإدارة الموارد من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية"، ويتضمن ذلك:

- العمليات التي يتم من خلالها اختيار الحكومة ومتابعة أعمالها ووضعها تحت المساءلة وتغييرها.

- قدرة الحكومة على إدارة الموارد بكفاءة ووضع وتنفيذ السياسات الملائمة.

- الإقرار بقيمة المواطنين والمؤسسات التي تحكم التفاعلات الاقتصادية والسياسية بينهم.

وكما هو واضح من هذا التعريف فإنه يؤكد على الطبيعة السياسية والبعد الإداري للحوكمة، فيؤكد على توسيع نطاقه ليشمل المجتمع المدني والمشاركة في بناء مؤسسات تقوم على التعددية، كما أنه يركز على العمليات التي يتم من خلالها صنع القرارات العامة ( public decisions ) لتحقيق التنمية، والكفاءة في إدارة الموارد وتنفيذ السياسات.

تعريف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للحوكمة: بأنها "ممارسة السلطات الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شئون المجتمع على كافة مستوياته، وتضم الآليات والعمليات والمؤسسات التي يمكن للأفراد والجماعات من خلالها التعبير عن مصالحهم وممارسه حقوقهم القانونية والوفاء بالتزاماتهم وتسوية خلافاتهم".

تعريف آخر للحوكمة: بأنها "التقاليد والمؤسسات والعمليات التي تقرر كيفية ممارسة السلطة وكيفية سماع صوت المواطنين وكيفية صنع القرارات في قضايا ذات اهتمام عام".

ديناميكية الحكم: ويؤكد مفهوم الحوكمة على ضرورة الانتقال بفكرة الحكم من الحالة الساكنة إلى حالة أكثر تفاعلاً وتكاملاً بين مكونات ثلاثة هي: "الأجهزة الحكومية"، و "مؤسسات المجتمع المدني"، و "منظمات القطاع الخاص".

فالحكومة – تهيئ البيئة السياسية والقانونية المساندة.

والقطاع الخاص – يعمل على توفير فرص العمل لأفراد المجتمع.

ومؤسسات المجتمع المدني – تهيئ التفاعل السياسي والاجتماعي ومشاركة الأفراد والجماعات في الأنشطة السياسية والاجتماعية.

وتميز الحوكمة بين الحكم "كعملية" ( the process of governing )، والحكم "كمؤسسات" ( the institutions of governing ).

خصائص الحوكمة الرشيدة:

1- المُشاركة ( participation ): بمعني تهيئة السبل والآليات المناسبة للمواطنين كأفراد وجماعات من أجل المساهمة في عمليات صنع القرارات إما بطريق مباشر أو من خلال مجالس منتخبة تعبر عن مصالحهم. وعن طريق تسهيل التحديد للقضايا والمشكلات، وفي إطار التنافس على الوظائف العامة يتمكن المواطنون من المشاركة في الانتخابات واختيار الممثلين في مختلف مستويات الحكم. ويمكن أن تعني المشاركة أيضاً المزيد من الثقة وقبول القرارات السياسية من جانب المواطنين.

2- المُساءلة ( accountability ): أي التأكيد على أن صانع القرار (و/أو متخذه) يخضع لمساءلة المواطنين والأطراف الأخرى ذات العلاقة. ويترتب على كون الحكومة أكثر قرباً من الناس، تعزيز المساءلة وتقليل الفساد. فمن المفترض أن يكون المواطن على دراية أكبر بتصرفات الأجهزة الحكومية، الأمر الذي يتيح له إمكانية الرقابة عليها ومساءلتها شعبياً، وخاصة في ظل المنافسة بين الأجهزة والقطاعات المختلفة إعمالاً لقاعدة الهروب ( exit ) أو التصويت بالأقدام إذا ما استشعر المواطن الفساد في الأجهزة الحكومية।

3- الشرعية ( legitimacy ): وتعني قبول المواطن لسلطة هؤلاء الذين يحوزون القوة داخل المجتمع وممارستها في إطار قواعد وعمليات وإجراءات مقبولة، وأن تستند إلى حكم القانون ( rule of law ) والعدالة، وذلك بتوفير فرص متساوية للجميع من أجل الحفاظ على مستوى حياتهم والسعي إلى مستوى أفضل.

4- الشفافية ( transparency ): وذلك بإتاحة تدفق المعلومات وسهولة الحصول عليها لكافة الأطراف في المجتمع. ومن شأن ذلك توفير الفرصة للحكم على مدى فعالية الأجهزة الحكومية، وكذلك تعزيز قدرة المواطن على المشاركة، كما أن مُساءلة الأجهزة الحكومية مرهون بقدر المعلومات المتاحة حول القوانين والإجراءات ونتائج الأعمال.

5- الاستجابة ( responsiveness ): بمعنى أن تسعى الأجهزة الحكومية إلى خدمة كافة الأطراف المعنية والاستجابة لمطالبها، وخاصة الفقراء والمُهمشين. وترتبط الاستجابة بدرجة المُساءلة التي تستند بدورها على درجة الشفافية وتوافر الثقة بين الأجهزة الحكومية والمواطن.

6- الكفاءة والفعالية ( efficiency and effectiveness ): ويعبر ذلك عن البعد الفني للحكم، ويعني قدرة الأجهزة الحكومية على تحويل الموارد إلى برامج وخطط ومشاريع تلبي احتياجات المواطنين وتعبر عن أولوياتهم مع تحقيق نتائج أفضل وتعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة. ويرتبط ذلك بوجود رؤية استراتيجية ( strategic vision ) لدى القيادات الحكومية، بمعنى رؤية بعيدة المدى تركز على تحليل الظروف البيئية والاستفادة من الفرص والاستعداد لمواجهة التحديات.

علماً بأن الكفاءة= هي مقياس لتكلفة الموارد المتعلقة بإنجاز الهدف (أو هي علاقة بين المُدخلات والمُخرجات)، وعناصرها هي: التكلفة + الوقت + الجودة.

وأن الفاعلية= هي مقياس لدرجة إنجاز الهدف (أو هي علاقة بين المخرجات والهدف).

عال

فعال ولكن ليس كفء، هناك إسراف في استخدام بعض الموارد.


فعال وكفء، الأهداف أنجزت والموارد استخدمت جيداً والإنتاجية مرتفعة

إنجاز الهدف




منخفض

لا هو فعال ولا هو كفء، لم تنجز الأهداف، ويوجد إسراف في استخدام الموارد.


كفء ولكن ليس فعال، لا يوجد إسراف في الموارد ولكن الأهداف لم تنجز.


ضعيف


جيد






ثانياً- التحول في مفهوم اللامركزية

1 – نموذج "النمط / الوظيفة" ( type – function model ).

2 – نموذج "الحوكمة اللامركزية":

تبنى البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة تعريفاً موسعاً لمفهوم اللامركزية – ويُشير هذا التعريف إلى أن اللامركزية تعني انتشار القوة بين المستويات المختلفة للحكومة ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص.

أو بعبارة أخرى تقاسم القوة داخل المجتمع في إطار نوعين من العلاقات هما :

- العلاقات الأفقية: بين السلطات المحلية والمجتمع المدني المحلي، من جانب.

- والعلاقات الرأسية: بين المستويات الحكومية المختلفة وتحديد دور ووظيفة كل مستوى في إطار تنظيم أجهزة الحكم والإدارة في الدولة، من جانب آخر.

الأمر الذي يعني تهيئة الفرصة لموائمة الخدمات العامة مع المطالب والتفضيلات المحلية، وبناء حكم أكثر استجابة وخضوعاً للمساءلة من أسفل، إلى جانب الخضوع للمساءلة من أعلى في إطار القواعد التي تحكم العلاقة بين المستويات الحكومية المختلفة، أو ما يعرف بـ "المُساءلة المزدوجة" ( dual accountability ). وهي تتعلق بالموائمة بين المساءلة أمام المواطنين من ناحية، والمساءلة أمام المستويات الحكومية الأعلى من ناحية أخرى.

محددات النظام المحلي في الدول النامية

مزايا الأخذ بنظام محلي فعال:

1- كفاءة تخصيص الموارد: فالنظام اللامركزي من شأنه تحسين كفاءة تخصيص الموارد على أساس أن الأجهزة المحلية لديها معلومات أفضل عن السكان المحليين وهو ما ينعكس في الاستجابة لمطالبهم واحتياجاتهم من السلع والخدمات. بالإضافة إلى أن النظام اللامركزي يشجع المنافسة بين المؤسسات المحلية بما يعني إعطاء فرصة للمواطن المحلي للاختيار من بينها.

2- تعزيز المساءلة الشعبية وتقليل الفساد الحكومي: يستطيع النظام اللامركزي، نظرياً على الأقل، أن يقوي ويكمل إجراءات توسيع نطاق المشاركة الشعبية عن طريق جعل الحكومة أقرب إلى الناس وعن طريق تسهيل التحديد المحلي للقضايا والمشكلات. والمشاركة تعني مزيد من الثقة وقبول القرارات السياسية من جانب المواطنين. ويترتب على اعتبار الموظفين المحليين مسئولين أمام المواطنين عما يفعلونه وكيف يفعلونه، تعزيز المساءلة وتقليل الفساد، فمن المفترض أن يكون المواطن المحلي على دارية أكبر بتصرفات الأجهزة المحلية أكثر من درايته بتصرفات الأجهزة المركزية، الأمر الذي يتيح إمكانية الرقابة ومساءلتها شعبياً وخاصة في ظل المنافسة بين الأجهزة والقطاعات المختلفة.

3- دعم المشاركة الشعبية: لا شك أن نقل الموارد والمسئولية عن توفير الخدمات إلى الهيئات المحلية، من شأنه أن يساهم في استنباط ترتيبات جديدة وخلاقة بين الأجهزة المحلية والمنظمات غير الحكومية ومنظمات الأعمال المحلية. (مثال: البرازيل والمكسيك).

4- التنمية الاقتصادية المحلية: تشير تجارب البلدان الصناعية إلى أن طبقات أصحاب الأعمال التي تسيطر على الموارد المحلية عادة ما تمارس ضغوطاً شديدة على الأجهزة العامة. وكان يتم تشجيع القوى الفاعلة في القطاع الخاص والمسئولين العموميين على التعاون من أجل حفز التوسع، وكان أعضاء مجمع الأعمال يشاركون في الغالب في المجالس المحلية. وعندما يتوافر شرط تقليل السعي إلى الربح عن طريق سياسات المنافسة العادلة، وهي وظيفة تقوم بها مستويات الحكم الأعلى، فإن القطاع الخاص المحلي القوي قد يدعم الأداء الإداري الأفضل. كما أن الهيئات المحلية التي توفر أطراً موثوقاً بها للتنمية الاقتصادية المحلية تنتهي إلى تشجيع الاستثمار الخاص الذي يزيد ن إيرادات الوحدات المحلية بمرور الوقت.

مساوئ اللامركزية في الدول النامية:

من شأن الأخذ بنظام لا مركزي في الدول النامية، في بيئة متقلبة سياسياً، حيث يكون مستوى الثقة منخفضاً، وحيث يستجيب واضعو السياسات بطريقة غير منظمة للمطالب الآتية من أسفل، فإنه يمكن لهذا الإطار السياسي الضعيف أن يؤدي إلى مشكلات اقتصادية خطيرة، أهمها:

1- فقدان السيطرة على الاقتصاد الكلي: تعتبر السيطرة على الاقتصاد الكلي بشكل عام من وظائف الحكومة المركزية. فقد ثبت أن التوجيه المركزي القوي في شئون الميزانية والأمور المالية يؤثر بشكل حاسم في ضمان عمليات التمويل العام السليم والإطار الموثوق به للتنمية الاقتصادية في معظم الاقتصاديات الصناعية. ولما كانت اللامركزية من شأنها أن تزيد من عدد القوى الفاعلة، فإن البلدان التي تواجه ضغوطاً خطيرة في الميزانية والتضخم سوف تقابل تحديات ومخاطر إضافية إذا شرعت في تطبيق النظام المحلي. وتؤثر العلاقات المالية بين مستويات الحكم المختلفة أساساً على الاقتصاد الكلي من خلال ثلاث قنوات هي: تخصيص وتقسيم الأوعية الضريبية والمصروفات – والتنسيق بين الضرائب وقرارات الإنفاق – ومستويات الاقتراض المحلي.

2- التباين الإقليمي في توفير الخدمات: تعد المساواة القومية في مستويات المعيشة وفي الحصول على الخدمات العامة هدفاً رئيسياً بل والتزام دستوري في كثير من البلدان. وتسمح المركزية للحكومة القومية بمزيد من حرية التصرف لمواجهة أوجه التباين الإقليمي. ومع وجود اللامركزية يصبح من غير الممكن ضمان تحقيق نتيجة منصفة أو على الأقل يكون تحقيقها أكثر صعوبة. وقد تستفيد المناطق الأكثر ثراء بصورة غير متكافئة مع إعطاء حكوماتها قدرة أكبر على فرض الضرائب.

3- سوء توزيع الموارد: يمكن أن تنشأ التشوهات الاقتصادية والمالية من قدرة الأجهزة المحلية على استغلال نقاط الضعف في المركز، ففي ظل غياب قواعد متفق عليها فيما بين مستويات الحكم المختلفة قد تستفيد الأجهزة المحلية من مصادر الدخل التي لم يتم تخصيصها لها رسمياً وفقاً لنظام لا مركزي مالي مناسب، وينتج عن ذلك زيادة أوجه عدم المساواة بين المناطق المختلفة مما يؤدي إلى ظهور أشكال جديدة من الصراع الاجتماعي.



[1] سيادة الدولة تعني ممارستها لكافة مظاهر السلطة على كامل إقليمها دون أن تخضع في ذلك لسلطة أخرى تعلو عليها، وتتمثل أساساً في ممارسة أجهزة الدولة لكافة اختصاصاتها التشريعية والقضائية والتنفيذية على كامل إقليم الدولة وكذلك في حرية الدخول في علاقات دولية مع غيرها من أشخاص القانون الدولي (الدول والمنظمات الدولية) على أساس المساواة.

( 1 ) الاختصاصات: هي الأنشطة التي تقوم بها المحليات. والصلاحيات: هي السلطة لممارسة تلك الاختصاصات.