الوصية لوارث.
المفتى : فضيلة
الشيخ محمد مجاهد.
صفر سنة 1406 هجرية
- 5 نوفمبر 1985م.
سئل : من
السيد/ أسامة المفتى الجزائري بالطلب المقيد برقم 218 لسنة 1985 والمتضمن
الاستفسار عن حكم الوصية للوارث حسب الشريعة الإسلامية وليس وفقاً للقانون ورأى
المذاهب الأربعة الإسلامية فى هذا الموضوع.
أجاب:
الوصية كما عرفها الحنفية تمليك مُضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع سواء كان
الموصى به عيناً أم منفعة.
وعرفها
غير الحنفية من المذاهب الأربعة والأمامية بما هو قريب من هذا المعنى أو بما
يستفاد منه هذا المعنى.
وعرفها
قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 فقال (هي تصرف فى التركة مضاف إلى ما بعد الموت)
وقد ثبتت الوصية بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
أما
الكتاب فمنه قوله تعالى { من بعد وصية يوصى بها أو دين } ونحوه مما جاء فى آية
المواريث من سورة النساء فقد شرع الله سبحانه وتعالى الميراث مرتباً على الوصية
فدل على أن الوصية جائزة. ومنه قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا
حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم
فى الأرض } المائدة 106، فقد ندبنا سبحانه وتعالى إلى الإشهاد على حال الوصية فدل
على أنها مشروعة.
وأما
السنة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم (إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم زيادة فى
أعمالكم فضعوها حيث شئتم أو حيث أحببتم) رواه البخاري. ومنها ما روى عن سعد بن أبى
وقاص رضي الله عنه قال (جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع
من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله أنى قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا
يرثني إلا ابنة أفأتصدق بثلثي مالي قال (لا) قلت فالشطر يا رسول الله فقال (لا)
قلت فالثلث قال (الثلث والثلث كير أو كبير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن
تذرهم عالة يتكففون الناس) هذا طرف من رواية البخاري وملم. فجوز صلى الله عليه
وسلم الوصية بالثلث وغير ذلك من الأحاديث الدالة على مشروعية الوصية.
وأما الإجماع
فإن الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا يوصون من غير إنكار
من أحد فيكون إجماعاً من الأمة على ذلك.
وأما
المعقول فهو كما قال الكاساني فإن الإنسان يحتاج إلى أن يكون ختم عمله بالقربة
زيادة على القرب السابقة على ما نطق به الحديث (إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم
زيادة فى أعمالكم فضعوها حيث شئتم أو حيث أحببتم) أو تداركاً لما فرط منه فى حياته
وذلك بالوصية.
وهذه
العقود ما شرعت إلا لحوائج العباد إليها فإذا مست الحاجة إلى الوصية وجب القول
بجوازها.
هذا
وتنقسم الوصية من حيث صفتها إلى خمسة أقسام.
-
واجبة وهى وصية المديون بما عليه لله
تعالى من الزكوات والكفارات وفدية الصيام ونحو ذلك من الفرائض والواجبات التى قصر
فيها فى حياته وكذا الديون التى فى ذمته للعباد والتي لا تعلم إلا من جهة الموصى
كدين ووديعة لا يعلم بها من تثبت بقوله لأن الله تعالى فرض أداء الأمانات وطريقة
هذا الباب الوصية. فتكون واجبة.
-
ومحرمة وهى ما كان فيها إضرارا
بالورثة أو مخالفة لمقاصد الشرع.
-
ومكروهة وهى الوصية لأهل الفسق فإنها
تكره لهم خشية أن يستعينوا بها على التمادي فى فسقهم.
-
ومباحة وهى الوصية للغنى سواء أكان من
الأقارب أم الأجانب إذا تجردت من قصد القربة، أما لو أوصى له لكونه من أهل العلم
أو الصلاح أو ذا عيال إعانة فينبغي استحبابها.
-
ومستحبة وهى الوصية فى سبل الخير
والنفع العام والخاص تقرباً إلى الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن
آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له )
أخرجه مسلم وغيره من رواية أبى هريرة رضي الله عنه.
هذا وقد
اختلف الفقهاء فى الوصية للوارث:
1-
قال ابن حزم والشافعية فى غير الأظهر
والمالكية فى المشهور عندهم. لا تجوز الوصية لوارث أصلا سواء أجاز الورثة أم لم
يجيزوا لقوله صلى الله عليه وسلم (لا وصية لوارث) وعلل ابن حزم بأن الله سبحانه
منع من ذلك فليس للورثة أن يجيزوا ما أبطله الله تعالى على لسان نبيه صلى الله
عليه وسلم. وإذا أجاز الورثة فابتداء عطية من عند أنفسهم فهو مالهم.
2-
وقال الشيعة الإمامية تصح الوصية
للوارث وإن لم تجز الورثة لعموم قوله تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك
خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين} البقرة 180.
3-
وقال الشافعية فى الأظهر عندهم وهو
ظاهر مذهب الإمام أحمد وقول غير مشهور للمالكية: الوصية للوارث صحيحة موقوفة على
إجازة الورثة بعد الموت فإن ردوها بطلت وأن أجازوها صحت لحديث البيهقى أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال (ولا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة) فدل قوله صلى الله
عليه وسلم (إلا أن يجيز الورثة) على أن الحق لهم فإن أجازوها فقد رضوا بإسقاط حقهم
فارتفع المانع.
4-
وقال الحنفية: الوصية للوارث ولو
بالقليل لا تجوز إلا بإجازة الورثة بعد موت الموصى أما عدم جوازها عند عدم الإجازة
فلقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) ولأن البعض
يتأذى بإيثار البعض ففي تجويزه قطيعة الرحم ويعتبر كونه وارثا أو غير وارث وقت
الموت لا وقت الوصية لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت فيعتبر وقت التمليك. وأما
الجواز عند إجازة الورثة بعد الموت فلأن المنع كان لحقهم وقد أسقطوا حقهم برضاهم
فيزول المنع وفى بعض الروايات عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا وصية لوارث إلا
أن يجيزها الورثة).
وقد أخذ
القانون رقم 71 لسنة 1946 الخاص بأحكام الوصية (المصري) والمأخوذة أحكامه من بعض المذاهب
الفقهية الإسلامية بقول الشيعة الإمامية فأجاز الوصية للوارث فى حدود الثلث من غير
توقف على إجازة الورثة وذلك فى المادة 37 ونصها تصح الوصية بالثلث للوارث وغيره. وتنفذ
من غير إجازة الورثة وتصح بما زاد على الثلث ولا تنفذ فى الزيادة إلا إذا أجازها
الورثة بعد وفاة الموصى وكانوا من أهل التبرع عالمين بما يجيزون. هذا والذي ترتاح
إليه النفس ويؤخذ من روح الشريعة ومقاصدها النبيلة السامية أنه لا يجوز إدخال
الوحشة على الأولاد وسائر الأقارب بإيثار بعضهم لا فى الحياة ولا بعد الممات إلا
إذا وجد سبب وجيه يقره الشرع والعقل لإيثار بعضهم على بعض وبهذا يعلم الجواب عن
السؤال.
والله
سبحانه وتعالى أعلم.
الوضع في القانون
الكويتي:
تنص الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 247 من قانون
الأحوال الشخصية (الكويتي) رقم 51 لسنة 1984 على أنه:
"ولا
تنفذ (الوصية) للوارث، ولا بما زاد على الثلث إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة
الموصي، وكان المجيز كامل الأهلية.
وإذا أجاز بعض الورثة الوصية لوارث، أو بما زاد على
الثلث لغير الوارث، ولم يجز البعض، نفذت في حق من أجازها".
ومن ثم، يلزم لنفاذ الوصية – من غير حاجة لإجازة
الورثة – ألا يكون الموصى له من ورثة الموصي، وألا يزيد مقدار ما يوصى به عن
"ثلث" التركة، بحسب مقدارها عند الوفاة وبعد سداد الديون التي قد تكون عليها.
فإذا كانت الوصية لوارث، أو كانت بأكثر من الثلث، فإن
نفاذ تلك الوصية يتوقف على إجازة الورثة.
فإن أجاز الورثة الوصية لوارث، أو الوصية بأكثر من
الثلث، نفذت الوصية. وإن لم يجيزوها بطلت الوصية. وإن أجازها البعض ولم يجيزها
البعض الآخر، نفذت الوصية في حق المجيز، وبطلت في حق غير المجيز.
علماً بأن الإجازة المعتبرة قانوناً إنما تكون بعد
الوفاة، ولا عبرة بالإجازة قبلها، لأن الوصية لا تلزم ولا تنفذ إلا بعد وفاة
الموصي مُصراً عليها. ولأنه قبل الوفاة لا يُعرف الورثة على وجه التعيين، فقد يموت
أحدهم قبل الموصي، وقد يوجد من يحجب بعضهم، وقد يحصل من بعضهم ما يقتضي حرمانه،
فالصفة التي كانت سبباً للحق لم تثبت. ولأن الإجازة تبرع بحق، فلا يكون قبل ثبوت
ذلك الحق، وهو لا يثبت إلا بوفاة الموصي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق