الأربعاء، 23 مارس 2016

2 - المذكرة الإيضاحية للقانون المدني الكويتي - الجزء الثاني



الفرع الثالث – انحلال العقد:
المواد (209 - 219):
تتركز أسباب الانحلال العامة للعقود في ثلاثة أسباب:
الفسخ والانفساخ والتقايل أو الإقالة.
أولاً: فسخ العقد:

ويعرض المشروع لفسخ العقد في المواد من 209 إلى 213.
وتتناول المادة (209) الفسخ بوجه عام مبينة مجال إعماله وشروطه الأساسية وكيفية إيقاعه وسلطة القاضي إزاءه، فهي تقرر بادئ ذي بدء أن الفسخ لا يكون إلى في العقود الملزمة للجانبين، ووجه هذا الحكم ظاهر، فمؤدى الفسخ أن يترخص للمتعاقد الذي حصل الإخلال بحقوقه، أن يتحرر من التزاماته المقابلة التي يفرضها العقد عليه، فإن حصل الإخلال بحقوقه من غير أن تكون ثمة التزامات مقابلة يفرضها العقد عليه، فإن الفسخ يكون غير وارد أصلاً.
وتجيء المادة (209) بعد ذلك لتبرز أن الفسخ لا يعدو أن يكون مجرد رخصة تثبت للمتعاقد الذي يحصل من غريمه الإخلال بحقوقه، كي يتحلل هو من التزاماته، فلا إجبار على المتعاقد في الفسخ، وهو إن ترخص له في طلبه، فإن ذلك لا يحرمه من حقه الأصيل في التمسك بالعقد، ومطالبة مدينة بالوفاء بحقوقه التي يرتبها له، وهكذا فللمتعاقد، عند الإخلال بحقوقه، الخيار بين أن يطلب من القاضي فسخ العقد، أو أن يطلب منه الحكم له بإلزام المتعاقد الآخر بحقوقه قبله، فإن فضل الفسخ، وحكم له به القاضي، فإن ذلك لا يحرمه من حقه في التعويض عما عساه أن يرتبه له الفسخ من ضرر.
وتعرض المادة (209) في فقرتها الأولى لشروط إعمال نظام الفسخ، وتقرر في هذا الصدد وجوب أن يكون المتعاقد، الذي يعمل الفسخ إضرارًا به، مخلاً بالوفاء بالتزامه الذي يفرضه العقد عليه، بأن يحل أجل الوفاء به دون أن يؤديه، وأن يستمر في تقاعسه عن أدائه إلى ما بعد إعذاره بوقت معقول، كما أنها تتطلب أيضًا أن يكون طالب الفسخ غير مقصر بدوره في الوفاء بالتزامه، بأن يكون قد أداه بالفعل، أو أن يعرض أداءه، فإن كان كل من المتعاقدين مخلاً بالتزاماته فإنه لا يكون لأيهما طلب الفسخ.
وتعرض المادة (209) في فقرتها الثانية لسلطة القاضي عند رفع دعوى الفسخ، وهي تمنحه، في هذا المجال، سلطة رحبة الحدود. وتتمثل سلطته هذه في مظهرين أساسيين:
فللقاضي أن يمنح المتعاقد الذي ترفع دعوى الفسخ ضده أجلاً يحدده له، ليقوم خلاله بالوفاء بالالتزام الذي تقاعس عن أدائه، إذا رأى الظروف تقتضي منحه هذا الأجل، كما إذا رأى أن ثمة أملاً في أن يفلح في الوفاء بالالتزام في وقت ليس بجد بعيد، فينظره إلى ميسرة، لعل الله يؤتيه من بعد عسر يسرًا.
وللقاضي أن يرفض الفسخ كلية برغم توافر كل شروطه، ويكون له ذلك إذا كان ما لم يوفِ به المدين قليلاً بالنسبة إلى كافة الالتزامات التي يفرضها العقد عليه. وقد حرص المشروع على أن يجعل التناسب بين ما أداه المدين وبين ما لم يؤده قائمًا على أساس التزاماته كلها، وليس فقط على أساس الالتزام الواحد، عندما يقف المدين عند الوفاء ببعضه، ذلك لأن العبرة هي بالعقد في مجموعه وبكل الالتزامات التي يرتبها على المتعاقد وقد يفي المتعاقد بالالتزامات الأساسية التي يفرضها العقد عليه، ولكنه يتقاعس عن الوفاء بالتزام ثانوي لا يترتب على الإخلال به كبير ضرر للمتعاقد الآخر، وفي مثل هذه الحالة، يكون للقاضي أن يرفض الفسخ، كما يكون له أن يرفضه في خصوص الالتزام الأساسي الواحد، عندما يوفي معظمه، ويتقاعس عن الوفاء بقليله.
وقد أُخذ حكم المادة (209) مما جاء به القانون الكويتي في المادة (172) وذلك بعد تعديل صياغتها على وجه أدنى إلى الدقة والوضوح.
وتعرض المادة (210) للحالة التي يتضمن فيها العقد شرطًا يقضي باعتبار العقد مفسوخًا من تلقاء نفسه وبقوة القانون ودون حاجة إلى حكم القاضي، أو بتقييده سلطة القاضي إزاء الفسخ على نحو ما يقرره المشروع في المادة (209) قاضية بوجوب أن يثبت انصراف إرادة المتعاقدين كليهما إليه على نحو صريح قاطع.
والمشروع بذلك يستهدف وضع حد لم ظهر في العمل من إساءة استعمال هذا الشرط في العقود، وللنتائج الوخيمة المترتبة عليه للمتعاقد، عندما يتعسر في أداء التزاماته، ولو كان تعسره مؤقتًا أو قليلاً نسبيًا، بحرمانه من رقابة القضاء، وما تنطوي عليه من سلطة الرفق به ونظرته إلى ميسرة.
فالمتعاقدون كثيرًا ما يضمنونه عقودهم، دون أن يقدروا خطورته بل حتى دون أن يقفوا على حقيقة أثره أو حتى على حقيقة مدلوله. فتكاد صياغة هذا الشرط تكون محفوظة عند بعض محترفي تحرير العقود من غير رجال القانون، يضعونها فيما يحررونه منها، من غير فهم لمدلولها ولا استيعاب لنتائجها، حتى ضمانة الإعذار، باعتباره وسيلة لإثبات إخلال المدين بالالتزام، يغلب أن يتضمن الشرط الإعفاء منها، وإذا كان القضاء، في البلاد التي تقضي قوانينها بصحة هذا الشرط، قد عمد إلى التقليل من خطره، بالتضييق ما أمكن في تفسيره، فإن المشروع يتطلب لإعماله أن يثبت للقاضي على نحو صريح قاطع أن إرادة المتعاقدين كليهما قد انصرفت صراحة إليه، على بينة من حقيقة أثره، فإن ثبت ذلك للقاضي، توجب إعمال الشرط على نحو ما يقضي به.
وإذا اتضح للقاضي أن المتعاقدين قصدا حقيقة وعلى بينة من الأمر الشرط القاضي بفسخ العقد من تلقاء نفسه وبقوة القانون ودون حاجة إلى حكم القاضي، فإنه لا يكون من مقتضى هذا الشرط بمجرده وذاته أن يعفي المتعاقد الذي يعمل بالفسخ إضرارًا به، من ضمانة الإعذار.
على أنه إذا اتفق على الإعفاء من الإعذار بمقتضى شرط صريح قاطع في دلالته، صح هذا الشرط في المواد التجارية وحدها، أما في المواد المدنية، فلا يُعفى المتعاقد من ضمانة الإعذار، ولا يعمل بالشرط القاضي بحصول الفسخ بقوة القانون عند الإخلال بالالتزام، إلا إذا استمر هذا الإخلال لمدة معقولة بعد الإعذار، ولو اتُفق على غير ذلك، وقد أعرض المشروع فيما جاء به في هذا كله عما يجري به الحكم في قانون التجارة الكويتي بالمادة (173).
وتقابل المادة (211) المادة (175) من قانون التجارة الحالي، وهي تعرض لأثر الفسخ، وهذا الأثر يتركز في انحلال العقد وزواله. والأصل أن الفسخ يزيل العقد، ليس للمستقبل فحسب، بل للماضي أيضًا. فالعقد يعتبر كأن لم يبرم أبدًا، وهكذا فللفسخ أثر رجعي يمتد إلى تاريخ إبرامه. على أن هذا الأصل ليس مطلقًا. وهذا ما دعا المشروع إلى أن يتحفظ في خصوصه بالنسبة إلى العقود المستمرة، وبالنسبة إلى ما تقتضيه الحماية الواجبة للغير حسني النية، على نحو ما تقرره المادة (212) والمادة (213).
وإذا كان مؤدى الفسخ انحلال العقد بأثر رجعي واعتبار أنه لم يقصم أصلاً، فإنه يتعين إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها عند إبرامه فإن استحال على أحد المتعاقدين أن يعيد الآخر إلى الحالة التي كان عليها عند العقد، جاز الحكم عليه بأداء معادل.
وتعرض المادة (212) لأثر الفسخ في العقود المستمرة مقررة له حكمًا مغايرًا بعض الشيء لأثره في العقود الفورية، قاصرة أثره في حل الرابطة العقدية على المستقبل دون الماضي، ومن تاريخ تحققه، وهو حكم سبق للقضاء أن وصل إليه في يسر دون نص يقرره، وقد ارتأى المشروع أن يقننه دفعًا لأية مظنة، سيما وقد بدا اتجاه في الفقه في فرنسا يبشر بوجوب إعمال الأثر الرجعي للفسخ حتى بالنسبة للعقود المستمرة، وقصر أثر الفسخ في العقود المستمرة على المستقبل دون الماضي له ما يبرره، فللزمن في صدد هذا النوع من العقود أهمية في تحديد مدى ما يؤدى من الالتزامات الناشئة عنها، فإذا استمر العقد فترة من الزمن ثم قُضي بفسخه، فإن ذلك لا يمنع من أن العقد أنتج بالفعل آثارًا في الماضي تتعذر إزالتها، ويكون من المصلحة الإبقاء عليها. وإذا كان الفسخ هنا يختلف عن الإبطال، فلهذا الاختلاف ما يسوغه. إذ الإبطال يقوم على إخلال وقع في ذات تكوين العقد، ومؤداه أن العقد لم يُبرم أصلاً. أما الفسخ فمؤداه أن العقد قام صحيحًا وأنتج بالفعل آثاره، فإن تقرر بعد ذلك فسخه كجزاء للإخلال بالالتزامات الناشئة عنه، فمن المقدور أن يقصر أثره على البعض من مدة سريانه، دون البعض الآخر.
ويتمشى المشروع في المادة (213)، مع مبدأ حماية الغير حسني النية، مقررًا عدم الاحتجاج بفسخ العقد في مواجهة الخلف الخاص لكل من عاقديه، إذا كان قد تلقى حقه معاوضة حالة كونه حسن النية، بأن كان عند التصرف له لا يعلم السبب الذي أفضى إلى الفسخ ولم يكن في مقدوره أن يعلم به.
والمشروع، إذ يحمي الخلف الخاص لكل من المتعاقدين من أثر فسخ عقدهما، يتجاوب مع الاتجاه الذي أخذ يفرض وجوده في الفكر القانوني المعاصر، والذي يهدف إلى حماية الغير حسني النية، استقرارًا للمعاملات وحماية للائتمان مع ضبط الحماية وحصرها في حدودها اللازمة، ثم إن الحكم الذي يقرره المشروع هنا لا يعدو أن يكون مثيلاً لذاك الذي سبق له أن قرره في خصوص إبطال العقد.
ثانيًا: انفساخ العقد:
انفساخ العقد نظام قانوني مؤداه أن يحدث، بعد انعقاد العقد، ما يجعل تنفيذ الالتزام الناشئ عنه مستحيلاً لسبب أجنبي عن المدين، فينقضي هذا الالتزام بسبب استحالة تنفيذه، وتنقضي معه الالتزامات المقابلة إن وجدت ويتفرغ العقد بالتالي من مضمونه، فيزول، وبهذه المثابة، يتميز انفساخ العقد عن فسخه تمييزًا واضحًا، إذ أن حل الرابطة العقدية في الفسخ تجيء كجزاء لإخلال أحد المتعاقدين بالتزامه.
وقد عمد المشروع إلى تنظيم الانفساخ تنظيمًا متكاملاً، سادًا بذلك نقصًا ظاهرًا وقع قانون التجارة الكويتي الحالي، كما وقع فيه من قبله القانون المصري الذي استوحاه، وغيرهما من قوانين بلاد عربية أخرى. ويتمثل وجه التكامل الذي لجأ المشروع إليه في أمرين أساسيين: (الأول) بين المشروع حكم الانفساخ في العقود الملزمة لجانب واحد، وفي العقود الملزمة للجانبين على حد سواء، في حين أن القانون المصري وما استوحته من قوانين البلاد العربية الأخرى، ومن بينها قانون التجارة الكويتي الحالي، لم تعرض إلا لحكم الانفساخ في العقود الملزمة للجانبين، (الثاني) عمد المشروع إلى بيان أثر استحالة تنفيذ الالتزام على العقد في حالتي الاستحالة الكلية والجزئية، حين اقتصر قانون التجارة الكويتي الحالي والقانون المصري وغيرهما من قوانين البلاد العربية الأخرى التي سارت على دربهما على حكم الاستحالة الكلية وحدها.
وتعرض المادة (214) لأثر استحالة تنفيذ الالتزام لسبب أجنبي عن المدين على العقد الملزم لجانب واحد، وترتب عليها انفساخ العقد من تلقاء نفسه، إن كانت كلية، فإن كانت استحالة تنفيذ الالتزام جزئية، فإن العقد لا ينفسخ من تلقاء نفسه وبقوة القانون إلا في حدود ما أصبح من محل الالتزام مستحيلاً، ويترخص للدائن أن يتمسك ببقاء العقد فيما يخص ما بقي ممكن التنفيذ من الالتزام.
وتعرض المادة (215) لأثر استحالة تنفيذ الالتزام لسبب أجنبي عن المدين في العقود الملزمة للجانبين، وهي تفرق في الحكم بين الاستحالة الكلية والاستحالة الجزئية.
فإن كانت الاستحالة كلية، انقضى التزام المدين بسببها، وانقضى معه الالتزام المقابل على الطرف الآخر، ويتفرغ العقد بالتالي من مضمونه، فينفسخ من تلقاء نفسه ويزول.
أما إذا كانت الاستحالة جزئية، فإن العقد لا ينفسخ كليًا ويكون للدائن حسب الأحوال، أن يتمسك بالعقد فيما يخص ما بقي ممكن التنفيذ من حقه وما يتناسب معه من الالتزام المقابل، أو أن يطلب فسخ العقد برمته.
وغني عن البيان أنه في حالة زوال العقد نتيجة استحالة تنفيذ الالتزام الناشئ لسبب أجنبي عن المدين، سواء كانت الاستحالة كلية أو جزئية، لا يستحق الدائن تعويضًا ما عما يناله من ضرر بسبب تفويت الصفقة عليه كليًا أو جزئيًا، فالفرض أن المدين هنا لم يخطئ، وبهذا يتميز انفساخ العقد عن فسخه، الذي لا يحول دون حق الدائن في التعويض عن الضرر الذي يرتبه له، اعتبارًا بأنه يتمثل رخصة يجيزها له القانون كجزاء لإخلال المدين أو تقصيره في الوفاء بالتزاماته.
وتعرض المادة (216) لأثر انفساخ العقد، وهو كالفسخ تمامًا يؤدي إلى حل الرابطة العقدية بأثر رجعي يستند إلى وقت نشوئها، الأمر الذي يتعين معه إرجاع المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها عند إبرامه، على أن الأثر الرجعي للانفساخ لا يكون إلا في الحدود التي ترسمها المواد (211 و212 و213) في شأن الفسخ.

ثالثًا: الإقالة:
الإقالة أو التقايل أو التفاسخ سبب لانحلال العقد، إلى جانب الفسخ والانفساخ، وهو نظام يقوم على تراضي طرفي العقد على إزالته بعد إبرامه، وهو لا يعدم أن يجد بعض التطبيقات في واقع حياة الناس، سيما في الحالة التي يستشعر فيها أحد المتعاقدين الندم على صفقة يكون قد أبرمها، فيأتي المتعاقد الآخر ويتفق معه على إزالتها، وقد حبب إلينا الرسول الكريم مثل هذا النهج النبيل، بقوله: " من أقال نادمًا بيعته، أقال الله عثرته يوم القيامة ".
والإقالة تتميز عن الفسخ والانفساخ في أنها لا تكون إلا اتفاقية، بمعنى إنها لا تنشأ إلا بتراضي الطرفين عليها، وبشرط أن يجيء هذا التراضي بعد انعقاد العقد. أما الفسخ فلا يكون إلا بحكم القانون. والانفساخ يقع بقوة القانون.
وتقرر المادة (217) جواز الاتفاق على الإقالة. وهو أمر تقتضيه القواعد القانونية العامة بذاتها وبمجردها. فالعقد صنيعة إرادة المتعاقدين. وما تصنعه الإرادة المشتركة للمتعاقدين تستطيع أن تنقضه وتزيله، وذلك في الحدود التي لا تضر الغير بطبيعة الحال.
ويلزم لصحة الإقالة أن يكون الشيء الذي ورد العقد في شأنه أو المعقود عليه، قائمًا لم يهلك، وموجودًا في يد أحد المتعاقدين، لم يذهب إلى الغير. على أنه إذا هلك أو تلف من المعقود عليه بعضه، أو ذهب هذا البعض إلى الغير، فإنه يجوز التقابل في الباقي منه بقدر حصته من العوض.
ففي البيع، مثلاً، يلزم أن يكون المبيع قائمًا عند الإقالة، ولكن لا يمنع من إمكان الاتفاق عليها أن يكون بعض المبيع قد تلف، حيث تقع في الباقي بقدر حصته من الشيء، أما إذا قبض البائع الثمن، وذهب عنه لسبب أو لآخر، فإن ذلك لا يحول دون الإقالة إذ أن المثليات لا تهلك.
وقد استلهم المشروع تلك الأحكام من قانون التجارة الكويتي الحالي (في المادتين 176 و177) والتقنينات العربية التي أخذها عنها.
ويتركز أثر الإقالة في إزالة العقد - والأصل أنها تزيل العقد، لا بالنسبة إلى المستقبل فحسب، بل إلى الماضي أيضًا، شأنها في ذلك شأن الفسخ والانفساخ، فيعتبر العقد الذي حصل إقالته كأن لم يبرم أصلاً. بيد أن هذا الأثر الرجعي للإقالة، لا يكون إلا في العلاقة بين المتعاقدين نفسيهما، أما بالنسبة إلى الغير، فلا يكون للإقالة أثر إلا من تاريخ حصولها، ومن غير إخلال بقواعد الشهر العقاري. وهذا ما أدى بالمشروع إلى أن يعتبر الإقالة، بمثابة عقد جديد في حق الغير (المادة 218). وهو نفس الحكم الذي سبق لقانون التجارة الكويتي الحالي أن أخذ به (المادة 178)، ناهجًا في ذلك نهج القانون العراقي (المادة 183)، ومسايرًا الفقه الحنفي، الذي يرى بدوره أن للإقالة طبيعة مزدوجة، اعتبارًا بأنها فسخ اتفاقي بالنسبة إلى المتعاقدين وعقد جديد بالنسبة إلى الغير، أما المالكية وأهل الظاهر فقد رأوا في الإقالة عقدًا جديدًا، وليست فسخًا للعقد الأول، وذلك بالنسبة إلى المتعاقدين والغير على حد سواء، في حين أن الحنابلة ومعهم الشيعة الإمامية، رأوا أن الإقالة فسخ اتفاقي بالنسبة إلى الجميع.
رابعًا: الدفع بعدم التنفيذ:
الدفع بعدم التنفيذ نظام قانوني مؤداه أنه في العقود الملزمة للجانبين، يسوغ لكل من المتعاقدين أن يمتنع عن الوفاء بالالتزامات التي يفرضها العقد عليه، ولو كانت حالة الأداء، إلى أن يقوم المتعاقد الآخر بأداء التزاماته المقابلة، أو يعرض، في الأقل، أداءها، ما دامت هذه الالتزامات الأخيرة حالة الأداء بدورها.
والدفع بعدم التنفيذ وسيلة دفاعية، وليست هجومية. فهو كما يدل عليه اسمه، دفع وليس دعوى. وهو وسيلة دفاعية يقررها القانون للمتعاقد الذي يكون، في نفس الوقت، دائنًا ومدينًا للمتعاقد الآخر، ويخوله بمقتضاها الحق في أن يدفع مطالبة غريمه بالدين الذي له، حتى يفي هذا الغريم بدوره بما عليه. والفكرة الأساسية التي يقوم عليها هذا الدفع هي أنه: (إذا أردت أن تأخذ ما لك فعليك أن تفي بما عليك)، فلا عهد لمن لا عهد له، فقوامه الارتباط والتقابل بين الالتزامات.
ويلزم للتمسك بالدفع بعدم التنفيذ أن يكون الالتزام المقابل حال الأداء وأن يتقاعس المدين به عن أدائه برغم حلول أجله. على أنه يتعين على المتعاقد، في اعتصامه بالدفع بعدم التنفيذ، ألا يتجافى مع مقتضيات حسن النية ونزاهة التعامل، وعلى هذا فإن كان ما بقي من غير وفاء من الالتزام المقابل قليلاً بالنسبة إليه في جملته، فإنه يمتنع على المتعاقد أن يتمسك بالدفع بعدم التنفيذ، أو في الأقل يمتنع عليه التمسك به إلا في حدود حصة من التزامه تقابل ما بقي من حقه من غير وفاء، ولم يشأ المشروع أن يضمن نص المادة (219) ما يقرر هذا الحكم اعتبارًا بأنه لا يعدو أن يكون تطبيقًا للقواعد العامة التي تقتضي مراعاة حسن النية في تنفيذ العقود، وتقيد مباشرة الحقوق بما يمتنع معه التعسف والإساءة.
والدفع بعدم التنفيذ يتقيد بالضرورة بالاتفاق وعرف الجهة. فإذا قضى الاتفاق أو العرف بحرمان المتعاقد من التمسك بهذا الدفع، أو قضى بإلزامه بتنفيذ التزامه أولاً، فإنه لا يكون له أن يعتصم به.
وقد استمد المشروع أحكام الدفع بعد التنفيذ من القانون المصري (المادة 161) والقوانين العربية التي نقلت عنه أما قانون التجارة الكويتي فقد جاء خاليًا من النص عليه.
وغني عن البيان أن الدفع بعدم التنفيذ لا يعتبر سببًا لانحلال العقد فهو لا يزيل الرابطة العقدية، وإنما يضعفها فحسب، ولمدة مؤقتة، فأثره يقتصر على وقف العقد، وهو بهذه المثابة يتميز عن الفسخ والانفساخ والتفاسخ.
الفصل الثاني: الإرادة المنفردة:
المواد (220 - 226):

ثمة نظرية قديمة تقليدية، يمكن أن يُطلق عليها النظرية اللاتينية، تقول بأن الإرادة المنفردة لا تنشئ الالتزام، وهي النظرية التي لا زال القانون الفرنسي يسير عليها في مجموعها إلى الآن، من حيث التأصيل القانوني على الأقل، وثمة نظرية أخرى جديدة نسبيًا يتزعمها الفكر القانوني الألماني تبشر بأنه يوجد في منطق القانون ما يمنع من أن ينشأ الالتزام بإرادة المدين المنفردة. وهاتان النظريتان، تبدوان متغايرتان كل التغاير، ولكنهما تقتربان إلى حد كبير بالنسبة إلى النتائج التطبيقية التي وصل إليها الفكر القانوني في مجال إعمال كل منهما، بحيث يكاد أن يكون الفارق بينهما نظريًا لا يتجاوز مجرد التأصيل القانوني.
فالنظرية الألمانية، وإن لم ترَ ثمة مانعًا من أن ينشأ الالتزام عن التصرف الصادر من جانب واحد، إلا أن القانون الألماني نفسه لا يقر هذا الأثر إلا في الأحوال الخاصة التي يصرح بها القانون (المادة 305). وفي الجانب الآخر، نجد أنه بالنسبة إلى أهم التطبيقات العملية التي تعزى فيها نشأة الالتزام للإرادة المنفردة، يسير الفكر القانوني الفرنسي أيضًا على نشأة الالتزام فيها، وإن عمد إلى ردها تارة إلى العقد وتارة أخرى إلى المسؤولية التقصيرية.
وقد عمد المشروع إلى أن يقر للإرادة المنفردة قوة إنشاء الالتزام، ولكن في مجال محدود مقصور على الحالات الخاصة التي يأذن لها فيها القانون بإنشائه، وهكذا فالإرادة المنفردة، إذا اعتُبرت مصدرًا منشئًا للالتزام، فلا تكون إلا مصدرًا مقيدًا محدودًا. وهي، بهذه المثابة، تتميز عن العقد والعمل غير المشروع والكسب دون سبب، التي هي مصادر منطلقة من شأنها أن تولد الالتزام على نحو عام وشامل.
وبعد أن يُقر المشروع للإرادة المنفردة قوة إنشاء الالتزام في مجالها المقيد الضيق المحدود، يعمد إلى تنظيم أحد أهم تطبيقاتها العملية، وهو الوعد بالجائزة الموجه للجمهور، تاركًا التطبيقات الأخرى ليأتي الحكم فيها مع أحكام الأنظمة التي تخصها.
وتُرسي المادة (220)، في فقرتها الأولى، المبدأ الأساسي في خصوص الإرادة المنفردة، ومقتضاه أن التصرف القانوني الصادر بها، أو التصرف القانوني الصادر من جانب واحد كما يغلب أن يقال، لا ينشئ الالتزام ولا يعدله ولا ينهيه، إلا في الحالات الخاصة التي يأذن له فيها القانون بذلك.
وتجيء الفقرة الثانية لتضع الأساس الذي يراعى في حكم التصرف القانوني الصادر من جانب واحد، حينما يأذن له القانون بإنشاء الالتزام أو بتعديله أو بإنهائه، مقررة إخضاعه لما يخضع له العقد بوجه عام من أحكام القانون، إلا ما كان من هذه الأحكام متعارضًا مع قيامه على الإرادة الواحدة، وعلى الأخص ما تعلق منها بتوافق الإرادتين.
وقد استوحى المشروع حكم المادة (220) من القانون الألماني (المادة 305)، ومن القانون العراقي (المادة 94) ومن القانون الأردني (المادة 251).
الوعد بجائزة للجمهور:
وتعرض المادة (221) للوعد الذي يوجه للجمهور عن طريق سبل الإعلام المختلفة بجائزة تعطى عن إنجاز عمل معين كالوصول إلى اختراع محدد أو كشف علاج لمرض أو العثور على شيء فاقد أو حيوان ضال، فسمة الوعد بالجائزة أنه يوجه لجمهور الناس، ولا يوجه لشخص بعينه. فإذا وجه الوعد بالجائزة لشخص معين، تمثل إيجابًا له من الواعد حتى إذا ما قبله، قام العقد بينهما، أما الوعد الموجه للجمهور، فلا يعتبر إيجابًا لأحد، وإنما هو يلزم صاحبه بمجرده وذاته، تأسيسًا على إرادته المنفردة.
ولكي يعتبر الوعد للجمهور بالجائزة قائمًا، يلزم أن يتم إعلانه للجمهور بأي طريق من طرق الإعلام، كالنشر في الصحف أو في الإذاعة المنظورة منها أو المسموعة أو باللصق على الجدران أو غير ذلك.
وإذا قام الوعد التزم به صاحبه بمجرد إرادته المنفردة، وحق عليه أن يعطي الجائزة الموعود بها لمن أنجز العمل، ولو كان قد أنجزه قبل الوعد ما لم يتضمن الوعد غير ذلك، أو كانت ظروف الحال تقتضيه. كما أن الجائزة تُستحق لمن ينجز العمل، حتى لو أداه بغير نظر إليها أو دون أن يعلم بها.
وتعرض المادة (222) لأثر الرجوع في الوعد بالجائزة، وتقرر عدم ثبوت الحق للواعد في الرجوع في وعده، إذا كان قد حدد في الإعلان ميعادًا لبقائه قائمًا. وإنما يسقط الوعد بمجرده وذاته بفوات هذا الميعاد.
أما إذا لم يعين الواعد أجلاً لوعده، فإنه يمكنه الرجوع فيه في أي وقت. على أن الرجوع في الوعد لا يعتبر واقعًا إلا بإعلانه للجمهور على وجه مماثل، أو في الأقل، يشابه في أثره الإعلامي، الوجه الذي تم به توجيه الوعد.
وتعرض المادة (223) لأثر الرجوع في الوعد بالجائزة مقررة أن هذا الأثر لا يكون إلا بدءًا من وقت إعلانه للجمهور، وبهذا المثابة، لا يكون للرجوع عن الوعد أثر بالنسبة إلى من يكون قد أنجز العمل بحسن نية قبل ذلك، ولا يحول بالتالي دون حقه في الجائزة.
فإذا كان الشخص قد بدأ في العمل قبل إعلان الرجوع في الوعد، حالة كونه حسن النية، أي لا يعلم بصدور إرادة الواعد بالرجوع من طريق آخر، حل له أن يطالب الواعد بقيمة ما أنفقه من مصروفات وما بذله من جهد، إذا أثبت أنه كان ليتم العمل في وقت مناسب، على ألا يزيد مقدار ما يستحقه من قيمة الجائزة نفسها.
وتعرض المادة (224) للوقت الذي ينبغي فيه للواعد أن يبت في استحقاق الجائزة بتعيين الشخص أو الأشخاص الذين تثبت لهم، محددة إياه بستة أشهر على الأكثر من تاريخ انتهاء الأجل المحدد في الإعلان، وذلك ما لم يتضمن الإعلان ميعادًا أطول.
وتقرر المادة (225) أنه لا يترتب على الوعد بالجائزة ولا على إعطائها لمستحقها ثبوت حق للواعد في ثمرة العمل الذي وعد بالحائزة وأعطيت من أجله.
فالجائزة تُعطى نظير أداء العمل. فهي لا تتمثل مقابلاً لثمرته. ومن ثم يكون الحق في هذه الثمرة أو في الإفادة منها لمن قام بالعمل. فلو أن شخصًا وجه للجمهور وعدًا بإعطاء جائزة لمن يكتشف دواء لمرض معين، ووصل أحد من الناس إلى اكتشافه، واستحق الجائزة من أجله، فإن الحق في هذا الكشف سواء في جانبه الشخصي أو في جانبه المالي، يكون لصاحبه ولا يكون للواعد، وذلك ما لم تتضمن شروط الوعد ما يخالف ذلك.
وتعرض المادة (226) للمدة التي ينبغي أن ترفع فيها دعوى المطالبة بالجائزة الموعود بها وبغيرها من الحقوق التي تترتب على الوعد، مقررة وجوب رفعها خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ انتهاء أجل البت في استحقاق الجائزة على نحو ما تقضي به المادة (224) أو من تاريخ إعلان الرجوع في الوعد على حسب الأحوال.
وقد استوحى المشروع ما جاء به عن الوعد بجائزة للجمهور وأحكامه وآثاره القانون المصري (المادة 162) والقوانين العربية التي أخذت عنه وكذلك بعض القوانين الأجنبية الأخرى (مشروع القانون الفرنسي الإيطالي المادة 4). والقانون الألماني (المواد 657 إلى 661) ومدونة الالتزامات السويسرية (المادة 8)، والقانون البولوني (المادة 104).
الفصل الثالث: الفعل الضار:
العمل غير المشروع الذي ينجم عنه ضرر للغير، يتمثل في الفكر القانوني المعاصر، مصدرًا هامًا وأساسيًا لنشأة الالتزام، بل هو أهم مصادر الالتزام جميعًا بعد العقد.
وقد أشار قانون التجارة الكويتي الحالي إلى العمل غير المشروع، باعتباره مصدرًا للالتزام، دون أن يبين أحكامه، مقتصرًا، في المادة (179) منه، على القول بأنه (ينظم قانون خاص أحكام العمل غير المشروع وما يترتب عليه من المسؤولية والتعويض). وقد صدر هذا القانون الخاص بالفعل، وهو القانون رقم (6) لسنة 1961، بتنظيم الالتزامات الناشئة عن العمل غير المشروع، والذي عدل، فيما بعد، بمقتضى القانون رقم (42) لسنة 1967، ثم بمقتضى المرسوم بقانون رقم (73) لسنة 1976.
والمشروع في تنظيمه نتائج الفعل الضار، لم يشأ أن يبتعد كل البعد عن الأحكام التي يقضي بها القانون الكويتي الحالي، وإن عمد إلى أن يجري فيها الشيء الكثير من الضبط والتنسيق وإكمال النقص.
فقد أظهرت أحكام قانون العمل غير المشروع الحالي نجاحًا ملحوظًا، وأدت مهمتها على وجه مرضٍ، وهي من بعد أحكام تكون نظامًا قانونيًا متكاملاً، يقوم على جمع موفق بين آخر ما وصل إليه الفكر القانوني المعاصر، من ناحية وما حرص عليه الفقه الإسلامي الحرص كله من عدم ضياع دم الناس هدرًا، من ناحية أخرى.
ويتركز تنظيم المشروع للنتائج المترتبة على الفعل الضار في أمرين أساسيين استمد أولهما من الفكر القانوني المعاصر، وثانيهما من الفقه الإسلامي، وقوام الأول تقرير مسؤولية كاملة شاملة، ترجع في أساسها إلى فكرة الخطأ بوجه عام، وإن لم يلتزم المشروع هذه الفقرة دومًا على نحو ما كانت عليه من صرامة عند السابقين، وتستهدف هذه المسؤولية تعويض الضرر في جميع مظاهره وبالنسبة إلى كل عناصره المادية منها والأدبية على حد سواء، أما الأمر الثاني، فقوامه ضمان أذى النفس، دون أذى المال، في حدود ضيقة مقصورة على الدية الإسلامية، عندما يستغلق على المصاب أو ذويه من بعد الطريق إلى جبر الضرر الناجم لهم جبرًا كاملاً شاملاً على أساس المسؤولية التقصيرية.
وقد حرص المشروع على أن يميز الأمرين السابقين، حتى لا يقع الخلط بينهما. وقد حدا به إلى ذلك الاختلاف الجذري بينهما من حيث النشأة والشروط والأثر، سيما وقد توسع كثيرًا في نظام الدية عن الدم المهدر مستهديًا بفقه المسلمين.
والمشروع، إذ يميز بين الحالة التي تقوم أساسًا على الخطأ التقصيري والتي يثبت فيها الالتزام بتعويض الضرر تعويضًا كاملاً، وبين الحالة التي تستحق فيها الدية وحدها كليةً أم جزئيةً، يقصر اصطلاح المسؤولية على الحالة الأولى، مضفيًا على الحالة الثانية اصطلاح (الضمان).
وهذه التسمية بشطريها يقتضيها المنطق ويستلزمها في صناعة التشريع، فهي من وجه أول، تساير المنشأ، وهي من وجه ثانٍ، تتوافق مع الواقع، فالشخص منا لا يسأل إلا إذا وقع منه ما يستوجب مساءلته عن خطأ أو ما يدانيه، فإن تحمل بالالتزام عن ضرر يحدث لغيره، من غير خطأ يكون قد ارتكبه أو ما يدانيه، فهو إلى ضمان هذا الضرر أقرب من تحمله بالمسؤولية عنه.
الفرع الأول - المسؤولية عن العمل غير المشروع:
المواد (227 - 254):

أولاً: حالات المسؤولية عن العمل غير المشروع:
عمد المشروع، في تحديده حالات المسؤولية عن العمل غير المشروع، إلى أن يساير القانون الكويتي الحالي وغيره من القوانين العصرية الأخرى. فهو يبدأ بتقرير المسؤولية عن الأعمال الشخصية. ثم يقرر في حالات خاصة يحددها، مسؤولية الشخص عن أعمال غيره، ومن الضرر الناجم بفعل الأشياء.
1 - المسؤولية عن الأعمال الشخصية:
ومسؤولية الشخص عن أعمال نفسه تتمثل الأصل العام في المسؤولية عن العمل غير المشروع، وهي تقوم في كل حالة تتوافر فيها أركانها، دون تحديد مسبق لتلك الحالات، وفي ذلك تتخالف المسؤولية عن أعمال النفس مع المسؤولية عن فعل الغير، ومع المسؤولية عن الضرر الناجم بفعل الأشياء، فهاتان المسؤوليتان الأخيرتان استثنائيتان، وبحكم كونهما كذلك فإنهما لا تقومان إلى في الأحوال الخاصة التي يقررها القانون.
وتجيء المادة (227) لترسي في فقرتها الأولى، الأركان التي تقوم عليها المسؤولية عن الأعمال الشخصية، وهي الخطأ والضرر ورابطة السببية.
( أ ) الخطأ:
وإذا كانت أهمية الخطأ، كأساس للمسؤولية عن العمل غير المشروع، أخذت تتناقص على مر الزمن، إلا أن المشروع قد أثر أن يُبقى عليه في مجال المسؤولية عن عمل النفس، وحسبه أن يقنع بالمسؤولية الموضوعية في مجال الضرر الناجم بفعل الغير وبفعل الأشياء.
وقد حرص المشروع على أن يصرح بوجوب توافر الخطأ لقيام المسؤولية عن عمل النفس، سواء أجاء إحداث الضرر بطريق المباشرة أو التسبب، بمفهوم الفقه الإسلامي لكل من هذين الاصطلاحين. ذلك لأن المجال هنا هو مجال المسؤولية عن الضرر، وليس مجال ضمانه، والخطأ هنا واجب الإثبات، فعلى من يدعيه أن يقيم الدليل عليه وفقًا للقواعد العامة.
وقد اكتفى المشروع، في الفقرة الأولى من المادة (227) بإرساء المبدأ العام، مقررًا أن كل من يخطئ فيحدث بخطئه ضررًا بغيره يلتزم بتعويضه، وهو قد تجنب بذلك وضع أحكام تشريعية خاصة للحالات النوعية من الضرر، سواء تعلقت بإيذاء النفس أو إتلاف المال أو غصبه، اعتبارًا منه بأن المبدأ العام الذي يقرره يغطي الحالات الخاصة كلها، طالما توافرت فيها متطلبات القانون.
والمشروع، إذ ينهج هذا النهج، يساير الفن السليم في صناعة التشريع، وإن خالف قانون الالتزامات الناشئة عن العمل غير المشروع الكويتي الحالي، والذي جاء، على غرار القانون العراقي، يورد نصوصًا عديدة تتضمن أحكامًا تشريعية لنوعيات خاصة من الضرر، هي إيذاء النفس وإتلاف المال وغصب المال، وإن لم تختلف تلك الأحكام في أساسها، ثم إن ذكر أحكام النوعيات الخاصة من الضرر يعيبه عدم الشمول الذي يؤدي إليه تقرير المبدأ العام. وهو أمر لم يفت قانون العمل غير المشروع الكويتي الحالي أن يواجهه. فبعد أن قرر وجوب التعويض في النوعيات الخاصة التي ذكرها من الضرر، جاء يتحرز ويقرر وجوب التعويض في حالات الضرر الأخرى التي لم يذكرها (المادة 11). وهو حكم كان يمكن أن يجتزئ به وحده.
ولم يشأ المشروع أن يحدد المقصود بالخطأ كركن لقيام المسؤولية، تاركًا أمره لاجتهاد الفكر القانوني، وذلك بغية أن يضفي عليه ما ينبغي له من مرونة وانطلاق.
وتقرر المدة (227) في فقرتها الثانية، حكمًا أساسيًا مؤداه أن عدم الإدراك أو التمييز لا يحول دون مسؤولية صاحبه عن تعويض الضرر الذي يأتيه بفعله الخاطئ، وتضع بذلك حدًا لخلاف كبير ثار في الفقه القانوني الكويتي حول ما إذا كان الإدراك لازمًا أو غير لازم لقيام المسؤولية التقصيرية.
واستلزام الإدراك أو التمييز لقيام الخطأ الموجب للمسؤولية التقصيرية، في القانون الأوروبي، فكرة مستوحاة أصلاً من القانون الروماني، وهجرتها بعض القوانين العصرية الحديثة، وإن كانت أغلب هذه القوانين لم تهجرها إلا جزئيًا، حيث تركت للقاضي شيئًا من حرية التقدير، وفقًا لمقتضيات العدالة، وهذا هو، على وجه الخصوص، شأن القانون الألماني (المادة 829)، ومدونة الالتزامات السويسرية (المادة 54) والقانون البلجيكي (المادة 1386 مكرر) وقد ساير القانون المصري هذا الاتجاه بدوره (المادة 164). وأخيرًا جاء المشرع الفرنسي نفسه يقرر المسؤولية التقصيرية كاملة على من يحدث الضرر بغيره، حالة كونه تحت تأثير اختلال عقلي (قانون 3 يناير 1968 الذي عدل المادة 489 - 2 من مدونة نابليون).
والحكم الذي يقرره المشروع في الفقرة الثانية من المادة (227)، فضلاً عن اتساقه مع منطق القانون ومصلحة الناس ومسايرته للاتجاه الحديث في الفكر القانوني المعاصر، يتجاوب مع رأي الجمهور في الفقه الإسلامي، حيث لا يتطلب الإدراك أو التمييز لقيام الضمان عن الإتلاف، وقد جاء في قول بعض الفقهاء، لإظهار هذا الحكم، أن الوليد، لو أنه انقلب حال ولادته، على شيء فأتلفه، لزمه الضمان من ماله، وقد أخذ بهذا الحكم الحنفية والشافعية والحنابلة، أما المالكية، فثمة خلاف بينهم. فمنهم من قال إنه لا ضمان على الصبي الذي لا يعقل فيما أتلفه من نفس أو مال، لعدم تكليفه بتوجيه الخطاب إليه. فهو بمثابة العجماء، ولكن الرأي الراجح في المذهب، والذي يقول به جمهوره، يبشر بأن الضمان يلزم عديم التمييز اعتبارًا بأن أساس الضمان هو جبر الضرر، لا الجزاء والعقوبة، ولعموم قول الرسول الكريم: " لا ضرر ولا ضرار ".
والمجلة بدورها صريحة في عدم تطلب التمييز لثبوت الضمان (المادة 916 والمادة 960). وقد أخذ بنفس الحكم القانون العراقي (المادة 191) كما أخذ به القانون الأردني (المادة 278).
ويعرض المشروع بالمادة (228) للحالة التي يحدث فيها الضرر نتيجة أخطاء متعددة وقعت من أشخاص كثيرين، بحيث يتمثل خطأ كل من هؤلاء سببًا مقتضيًا للضرر، وتقرر مسؤولية كل واحد منهم، في مواجهة المضرور، عن التعويض كاملاً. فالمسؤولون المتعددون يتحملون، في مواجهة المضرور، بالتعويض على سبيل التضامن، وبمعنى أدق على سبيل التضامم.
أما في العلاقة بين المسؤولين المتعددين أنفسهم، فيتوزع غرم المسؤولية بينهم بقدر دور خطأ كل منهم في إحداث الضرر، فإن تعذر تحديد هذا الدور وزع عليهم غرم المسؤولية بالتساوي.
وقد حرص المشروع على أن يجعل أساس توزيع غرم المسؤولية على المسؤولين المتعددين فيما بينهم متمثلاً في دور خطأ كل منهم في إحداث الضرر، اعتبارًا منه بأنه أكثر اتساقًا مع فكرة السببية بين الخطأ والضرر من الأساس الذي يقول به قانون العمل غير المشروع الكويتي الحالي (المادة 30) والقائم على توزيع غرم المسؤولية بين من يتحملونها على أساس جسامة التعدي الذي وقع من كل منهم، وإن كان المشروع لم يغفل عن أن الخلاف بين الأساسين ضئيل من الناحية العملية، حيث يصعب، في واقع الحياة، تحديد دور خطأ كل من المسؤولين في إحداث الضرر، ثم إن هذا الدور يتناسب في الغالب مع جسامة الخطأ ذاتها.
وتعرض المادة (229) لحالة من حالات وقوع الضرر نتيجة أخطاء تقع من أشخاص متعددين، وهي تلك التي يحدث فيها الضرر من خطأ شخص معين، حالة كون خطئه هذا قد اقترن بأخطاء مؤثرة وقعت من آخرين، نتيجة التحريض أو المساعدة، وتقرر مسؤولية هؤلاء الأشخاص جميعًا، على نحو ما تقرره المادة (228) اعتبارًا بأن الضرر وقع بخطأ كل منهم. فالمسؤولية المدنية، كالمسؤولية الجنائية، لا تقتصر على الفاعل الأصلي، وإنما تمتد أيضًا إلى الشركاء.
والنص مستوحى في عموم حكمه من المادة (36) من القانون البو
(ب) الضرر:
الضرر ركن أساسي في المسؤولية التقصيرية، إلى جانب الخطأ ورابطة السببية، بل هو الركن الجوهري فيها. وأهميته تفوق أهمية الخطأ. فإذا أمكن في بعض الحالات، لهذه المسؤولية أن تقوم بغير خطأ - كما تقدم - فلا يتصور أبدًا وجودها بلا ضرر.
وقد أولى الفقه الإسلامي فكرة الضرر بالغ عنايته، عامدًا إلى درئه عن الناس، ومبتغيًا جبره لهم، إذا ألم بالفعل بهم، وليس هذا بغريب على رجاله، وهم يجتهدون في الظل الظليل لشريعة المسلمين، تلك الشريعة السمحة التي تأبى على الناس أن يؤذي بعضهم بعضًا. فمن الأسس التي قامت عليها هذه الشريعة الغراء أن: " لا ضرر ولا ضرار "، كما قال الرسول، عليه أفضل صلوات الله، وهو الأمر الذي دعا فقهاؤها إلى القول بتلك القاعدة الفقهية وهي أن " الضرر يزال "، ودعاهم بعد ذلك إلى أن يتحفظوا فيقولوا بقاعدة فقهية أخرى، مؤداها " أن الضر لا يزال بمثله ". ولقد كان من شدة اهتمام الفقه الإسلامي بالضرر والعمل على جبره لضحيته، أن جعله وحده، كأصل عام، مناط الضمان، من غير ضرورة لأن يقترن بوقوع الخطأ ممن أوقعه. فيكفي لتحمل الشخص بالضمان، في الفقه الإسلامي، أن يؤدي فعله بذاته إلى إلحاق الأذى بغيره، من هنا كانت القاعدة الأساسية التي تسود نظرية الضمان في هذا الفقه الحنيف، ومؤداها أن: " المباشر ضامن ولو لم يتعمد أو يتعدَ "، وإن كان " المتسبب لا يضمن إلا بالتعمد أو التعدي ".
وتحدد المدة (230) الضرر الذي يلتزم المسؤول عن العمل غير المشروع بالتعويض عنه بالخسارة التي وقعت للمضرور والكسب الذي فاته، شريطة أن يكون هذا وتلك نتيجة طبيعية للعمل غير المشروع ذاته، بأن يكون قد نجم عنه مباشرةً، بحيث أنه لم يكن في المقدور تفاديه ببذل الجهد المعقول الذي تقتضيه ظروف الحال من الشخص العادي، وسواء بعد ذلك أن يكون الضرر قد وقع بالفعل أم أنه سوف يقع حتمًا في المستقبل، كما أنه يستوي أن يكون الضرر متوقعًا أو غير متوقع.
وحرص المشروع على أن ينص، في المادة (231) على أن التعويض الذي يلتزم المسؤول عن العمل غير المشروع يتناول الضرر، ولو كان أدبيًا. فالضرر المادي والضرر الأدبي يشفعان كلاهما للمسؤولية التقصيرية سببًا، ويستوجبان التعويض عنهما، شأن المسؤولية التقصيرية في ذلك شأن المسؤولية المدنية بوجه عام.
وقد تردد الفكر القانوني طويلاً، في خصوص التعويض عن الضرر الأدبي، ورأى البعض بالفعل عدم ملاءمة ذلك. وتتركز حجتهم في أن الغاية من التعويض هي جبر الضرر. وإذا أمكن جبر الضرر المادي، فيستحيل جبر الضرر الأدبي. ثم إنه على فرض إمكان جبر الضرر الأدبي عن طريق التعويض عنه، فإنه لا يوجد أساس منضبط لتقدير هذا التعويض.
ولم يسد الرأي المناهض للتعويض عن الضرر الأدبي. وما كان له أن يسود. فإذا تعذر جبر الضرر الأدبي، فلا أقل من أن يُمنح عنه بعض من المال، يترك تقديره لقاضي الموضوع. وفقًا لظروف الحال، ليكون فيه على الأقل، بعض السلوى والعزاء. وما لا يدرك كله لا يترك كله.
من أجل ذلك سارت القوانين المعاصرة، في البلاد المختلفة، على تقرير مبدأ التعويض عن الضرر الأدبي، إلى جانب الضرر المادي. وهو الأمر الذي تبناه المشروع، وحرص على التصريح به، في الفقرة الأولى من المادة (231) دفعًا لأية مظنة.
وقد جاءت المادة (231) في فقرتها الثانية، تذكر على سبيل التمثيل لا الحصر، بعض صنوف من الضرر الأدبي، اعتبارًا بأنها تتمثل أهم ما ينتاب الناس في واقع حياتهم. وقد حرصت على أن تذكر بين ما أوردته من أمثلة، ما يستشعره الشخص من الحزن والأسى واللوعة وما يفتقده من عاطفة الحب والحنان نتيجة موت عزيز عليه، حتى تدفع شكًا قد ثار حولها في القضاء الكويتي، خلال فترة من الزمن، نتيجة بعض من غموض اعترى نص المادة (23) من قانون العمل غير المشروع. وهو شك سرعان ما تبدد ليستقر القضاء الكويتي على التعويض عن الضرر الأدبي في شتى مظاهره.
وإذا كان المشروع قد أجاز التعويض عن الضرر الأدبي في شتى مظاهره، إلا أنه آثر أن يقصر التعويض عن الضرر الأدبي الناشئ عن الوفاة في نطاق الأزواج والأقارب إلى الدرجة الثانية، توخيًا للدقة والانضباط.
وتعرض المادة (232) لانتقال الحق في التعويض عن الضرر الأدبي من صاحبه إلى غيره، سواء حال الحياة، أو بعد الممات عن طريق الميراث أو الوصية، وتقرر عدم جواز هذا الانتقال، إلا إذا كان مقدار التعويض محددًا بمقتضى القانون، كما هو الشأن في التعويض عن ذات إصابة النفس حيث تستحق الدية، أو كان قد تحدد بمقتضى الاتفاق، أو كان المضرور قد طالب به أمام القضاء.
(جـ) رابطة السببية:
لا يكفي لقيام المسؤولية عن العمل غير المشروع، أن كان يقع الخطأ ويحدث الضرر، بل يلزم أن تتوافر رابطة السببية، بأن ينشأ الضرر عن الخطأ ولذلك تقرر المادة (233) عدم الالتزام بالتعويض إذا كان الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي.
فإذا استطاع المدعى عليه في دعوى المسؤولية أن يثبت أنه، برغم وقوع الخطأ منه، إلا أن خطأه هذا ليس هو الذي أحدث الضرر، ولم يسهم في إحداثه على نحو معتبر قانونًا، وأن الضرر قد حدث لسبب أجنبي عنه يد لا له فيه، كقوة قاهرة أو حادث مفاجئ أو فعل المضرور نفسه أو فعل الغير، فإنه يكون بذلك قد أفلح في قطع رابطة السببية بين خطئه وبين الضرر، ولا يكون بالتالي ملتزمًا بالتعويض وذلك ما لم يقضِ القانون بخلافه.
وتعرض المادة (234) للحالة التي يسهم فيها خطأ المدعى عليه في دعوى المسؤولية مع خطأ المضرور نفسه في إحداث الضرر، كل منهما بنصيب معتبر قانونًا، ودون أن يستغرق أحدهما الآخر، وهي حالة جد شائعة في واقع حياة الناس.
وفي هذه الحالة تنشغل مسؤولية المدعى عليه، ولكنها لا تكون كاملة، فهي تتحدد بقدر يتناسب مع دور خطأ المدعى عليه في إحداث الضرر بالنسبة إلى دور خطأ المضرور نفسه في ذلك، فإن تعذر تحديد دور كل من الخطأين في إحداث الضرر. وزعت المسؤولية بنسبة جسامة كل منهما اعتبارًا بأنه في الأخطاء المشتركة يتناسب أثر كل منها عادة مع درجة جسامته، فإن تعذر تحديد درجة جسامة كل من الخطأين توزعت المسؤولية بالتساوي.
على أن توزيع المسؤولية نتيجة الاشتراك في الخطأ بين المسؤول والمضرور لا يسري على الدية، باعتبارها تعويضًا عن ذات إصابة النفس، فالدية، كلية كانت أو جزئية، تستحق للمضرور بمقدارها المحدد في القانون دون أي إنقاص فيها.
وقد استمد المشروع أحكامه في ذلك الشأن من قانون التجارة الكويتي (المادة 218) وقانون العمل غير المشروع الكويتي (المادة 25) ومن القوانين العربية الأخرى التي نقل عنها التشريع الكويتي.
وإذا كان الدفاع الشرعي حقًا، والمقرر أن من يستعمل حقه لا يخطئ، طالما أنه لم يتجاوز مداه ومضمونه، لأن الجواز ينافي الضمان، كما يقول فقهاء المسلمين، فإنه انطلاقًا من هذه الفكرة، تقرر المادة (235) أن من أحدث، وهو في حالة دفاع شرعي عن نفسه أو عرضه أو ماله أو عن نفس الغير أو ماله، ضررًا بمن كان يهدده بالأذى، لا يكون ملتزمًا بتعويض هذا الضرر، طالما بقي في حدود الدفاع الشرعي لم يتجاوزه، وهكذا فمن يحدث الأذى بغيره، وهو في حالة دفاع شرعي عن نفسه أو غيره، لا يُسأل مدنيًا، كما أنه لا يُسأل جنائيًا.
على أن المسؤولية لا ترتفع إلا إذا اقتصر الشخص على ما هو ضروري لدفع الأذى، من غير شطط أو إسراف، أو تجاوز إلى التشفي والانتقام، فإن تجاوز الشخص حدود الدفاع الشرعي، كان مخطئًا بقدر هذا التجاوز وحقت المسؤولية عليه.
وإذا كان الشخص الذي يتجاوز حدود الدفاع الشرعي يُعتبر مخطئًا، وتنشغل بالتالي مسؤوليته، إلا أنه معذور بعض الشيء عن خطئه. وقد أدخل المشروع ذلك في تقديره، فلم يلزم من يتجاوز حدود الدفاع الشرعي بالتعويض على نحو ما تقرره القواعد القانونية العامة، وخول للقاضي أن يحكم عليه بتعويض تُراعى فيه ظروف الحال ومقتضيات العدالة.
وقد أخذ المشروع بحكم المادة (235) عن القانون الكويتي (المادة 26 قانون العمل غير المشروع) والقوانين العربية التي سبقت إلى تقنينه، مع صياغة الحكم صياغة أدنى إلى الدقة والوضوح.
وتعرض المادة (236) لحالة الضرورة، وهي الحالة التي يوجد فيها الشخص أمام خطر جسيم حال يتهدده أو يتهدد غيره سواء في النفس أو في العرض أو في المال، فيرى نفسه مضطرًا، في سبيل درئه، ومن غير أن يكون له طريق آخر أهون، إلى إتيان فعل يؤذي شخصًا ما، دون أن يكون لهذا الشخص يد في وقوع الخطر.
وقد رأى المشروع أن يجري بعض التعديلات في أحكام المسؤولية المدنية عن الضرر الذي يأتيه الشخص وهو في حالة الضرورة على نحو ما يقرره قانون العمل غير المشروع الكويتي الحالي بالمادة (27)، وتتركز هذه التعديلات في أمرين أساسيين:
الأول: قصر المشروع حالة الضرورة، باعتبارها سببًا للإعفاء أو للتخفيف من المسؤولية على حسب الأحوال، على حالة الضرر الذي يلحق المال، دون ذاك الذي يلحق النفس. وقد راعى المشروع في ذلك أن أنفس الناس مصونة، ولا يكفي للشخص منا أن يمس نفس غيره بالأذى، حتى لو كان ذلك اتقاءً لأذى يلحق نفسه هو أو نفس شخص آخر عزيز عليه، وإلا كان ذلك منه أنانية بغيضة يمقتها المجتمع ويعاديها. ثم إن أذى النفس قد يستوجب الدية، كلية كانت أو جزئية. والدية عندما تستحق، لا يعتريها نقصان. وفضلاً عن كل ذلك. فالحكم الذي أخذ به المشروع يتمشى مع الاتجاه الغالب في التشريعات المعاصرة، كالقانون البرتغالي (المادة 2396) والقانون الألماني (المادة 228) ومدونة الالتزامات السويسرية (المادة 52/ 2). وهو أكثر مسايرة للسائد في الفقه الإسلامي حيث يقتصر أثر الضرورة، أو الاضطرار إلى رفع القصاص أو المسؤولية الجنائية بوجه عام، دون أن يصل إلى أن يرفع الدية أو الضمان عن الإتلاف، وهذا ما أدى بالمجلة إلى أن تنص في المادة (33) منها على أن (الاضطرار لا يبطل حق الغير).
الثاني: علق المشروع مسؤولية محدث الضرر على شرط تعذر استيفاء المضرور ما يجبر له ضرره عن طريق دعوى الإثراء دون سبب على حساب الغير. ولهذا الحكم ما يبرره. إذ أنه يتعذر حقيقة أن ينسب الخطأ إلى من يحدث بغيره الضرر، وهو في حالة الضرورة بشروطها المتشددة. فإن أريد تحميله بالمسؤولية، فما ذلك إلا مراعاة للمضرور الذي يتمثل ضحية بريئة. فمسؤولية محدث الضرر لا تتفق مع القواعد العامة في المسؤولية عن العمل غير المشروع. فهي أقرب إلى أن تكون مسؤولية عدالة. وإذا كان ذلك كذلك، وجب ألا تقوم هذه المسؤولية إلا عندما يتعذر على المضرور أن يصل إلى جبر الضرر بسلوك الطريق الذي يتفق أكثر مع قواعد القانون، وهو ذاك المتمثل في دعوى الإثراء دون سبب على حساب الغير.
ومسؤولية من يحدث الضرر. تحت وطأة الضرورة، إذا قدر لها أن تقوم، باعتبار أنها مسؤولية عدالة، هي مسؤولية مخففة. فيثبت للقاضي إزاءها سلطة رحبة الحدود، حيث يترخص في تقدير التعويض الذي يراه مناسبًا وفقًا لظروف الحال ومقتضيات العدالة.
والأصل أن من يرتكب خطأ يتحمل مسؤوليته، حتى لو كان، في إتيانه، قد ائتمر بأمر من له عليه واجب الطاعة. ولكن المشرع شأنه في ذلك أن القانون الكويتي القائم (المادة 28 من قانون العمل غير المشروع) وغيره من قوانين بلاد عربية أخرى كثيرة، يملي استثناءً هامًا خاصًا بالموظف العام الذي ينفذ أمر القانون أو أمر رئيسه، مقررًا بالمادة (237) أنه لا يُسأل عن فعله، ولو كان في ذاته خاطئًا، طالما جاء إطاعة لأمر رئيسه حالة كونها واجبة عليه، أو أثبت أنه كانت لديه أسباب معقولة جعلته يعتقد أنها واجبة عليه، وأنه راعى في عمله جانب الحيطة والحذر. وحسب المضرور هنا أن يطلب ما يستحقه من تعويض من الرئيس الآمر، إذا كان من شأن القانون أن يشغل به مسؤوليته.
والذي يحق له أن يعتصم وراء أمر رئيسه هو الموظف العام وحده، وحكمة انفراد الموظف العام بالحكم هو الرغبة في عدم تعطيل الوظيفة العامة، عن طريق تغطية مسؤولية المرؤوسين، حتى لا يحجموا عن تنفيذ أوامر رؤسائهم متى كانت في ظاهرها على الأقل صحيحة سليمة.
2 - المسؤولية عن عمل الغير:
عمد القانون المعاصر، وتبعه في ذلك قانون العمل غير المشروع الكويتي الحالي، بتأثير من القانون المصري، إلى تقرير مسؤولية الشخص في بعض الحالات، عن الضرر الناتج عن عمل غيره. وهو في ذلك يستهدف الوصول إلى نوع من العدل الاجتماعي.
ولا شك أن مسؤولية الشخص عن عمل غيره هي مسؤولية تتسم ببعض المخالفة للقواعد القانونية العامة. ومن ثم فهي لا تكون إلا في الحالات التي يحددها القانون، وهي حالات تعتبر واردة فيه على سبيل الحصر، اعتبارًا بأنها استثنائية. ولا يصح التوسع في تلك الحالات ولا القياس عليها.
وقد أورد المشروع، شأنه في ذلك شأن القانون الكويتي القائم، وشأن القانون المصري، حالتين أساسيتين لمسؤولية الشخص عن عمل الغير، وهما مسؤولية من تجب عليه الرقابة، أو المكلف بالرقابة، عن عمل الخاضع لرقابته، ومسؤولية المتبوع عن فعل التابع، وأضاف إليهما مسؤولية الشخص عما يُلقى أو يسقط من مكان يشغله، اعتبارًا بأنها قد تتمثل في بعض الأحيان مسؤولية عن فعل من يتواجدون في المكان.
والمشروع إذ يقرر المسؤولية عن فعل الغير في هذا الحالات الثلاث، استهدف إتاحة الفرصة للمضرور في أن يستوفي التعويض الذي يجبر له ضرره، في حالات يغلب أن يكون المسؤول الأصلي غير مقتدر على أدائه، وهو إذ يستهدف تحقيق هذا الغرض النبيل لا يبتعد كثيرًا عن المبدأ الذي يقول به الفقه الإسلامي، فهو إن جعل المكلف بالرقابة أو المتبوع مسؤولاً عن التعويض في مواجهة المضرور، إلا أنه يجعل الخاضع للرقابة أو التابع هو المسؤول الأصلي عنه، حتى إذا ما قام أحد الأولين بأدائه، كان له أن يرجع به كاملاً على خاضعه أو متبوعه، ويسري نفس الحكم في حالة المسؤولية عن إلقاء أو سقوط الأشياء من المسكن أو نحوه، إذا أمكن معرفة من ألقاها أو أسقطها، وهكذا فالمسؤولية عن فعل الغير لا تعدو أن تكون مسؤولية ضمان، لا أكثر.
وتعرض المادة (238) لمسؤولية المكلف بالرقابة عن عمل الخاضع لرقابته، وترسي فقرتها الأولى الأصل العام، مقررة أن كل من يجب عليه قانونًا أو بمقتضى الاتفاق رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة، بسبب قصره أو بسبب حالته العقلية أو الجسمية، يكون ملزمًا، في مواجهة المضرور، بتعويض الضرر الذي يحدثه ذلك الشخص بعمله غير المشروع.
وتقرر الفقرة الثانية أن القاصر يعتبر في حاجة للرقابة، طالما أنه لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره، أو بلغها وكان يعيش في كنف القائم على تربيته، حيث يستمر في حاجة إلى الرقابة إلى أن يبلغ رشده.
وتقرر الفقرة الثالثة أن الرقابة على القاصر تنتقل إلى المعلم في المدرسة أو المشرف في الحرفة.
وتعرض الفقرة الرابعة للزوجة القاصر، وتقرر أنها تكون خاضعة لرقابة زوجها الذي يُسأل بالتالي عن الضرر الناجم عن فعلها، وذلك إن كان الزوج رشيدًا عاقلاً. فإن لم يكن كذلك، ثبتت الرقابة على الزوجة القاصر لمن تكون له الرقابة على الزوج نفسه.
ومسؤولية المكلف بالرقابة عن عمل الخاضع لرقابته تقوم في أساسها على افتراض وقوع خطأ من الأول في تربية الثاني وتوجيهه ورقابته والإشراف عليه. وهي من بعد قرينة بسيطة، إذ يجوز للمكلف بالرقابة أن يدحضها بإثبات أنه قام بواجب الرقابة على نحو ما ينبغي. فإن أفلح في إقامة الدليل على ذلك أزاح المسؤولية عن كاهله، لانتفاء الخطأ عنه، ثم إن المكلف بالرقابة يستطيع كذلك أن يزيح عن نفسه المسؤولية بإقامته الدليل على أن الضرر كان لا بد واقعًا، حتى لو أنه قام بواجب الرقابة على نحو ما ينبغي، إذ أنه بذلك يصل إلى هدم رابطة السببية بين خطئه في الرقابة وبين الضرر.
وقد استوحى المشروع نص المادة (238) من قانون العمل غير المشروع الكويتي (المادة 13)، ومن القانون المصري (المادة 173)، وإن كان قد أجرى بعد تعديلات في الصياغة، اقتضتها الملاءمة.
وتستحدث المادة (239) حكمًا جديدًا في القانون الكويتي، حيث تقضي بحلول مسؤولية الدولة أو أصحاب المدارس أو المعاهد غير التابعة لها، على حسب الأحوال، محل مسؤولية المعلم المقررة بمقتضى المادة (238)، والقائمة على افتراض وقوع خطأ منه في رقابة التلميذ وتوجيهه والإشراف عليه، وإن كان هذا الحكم قد سبق وتقرر من قبل، بالنسبة إلى معلمي الدولة في فرنسا. حيث صدر في 5 إبريل سنة 1937، قانون يقرر حلول مسؤولية الدولة محل مسؤولية المعلم الحكومي، في الحالة التي يثبت فيها عليه الخطأ في رقابة تلاميذه، وحرمت على المضرور مقاضاة المعلم، وقد حذا المشرع اللبناني (المادة 26) والمشرع المغربي (الفصل 85) حذو صنوهما الفرنسي.
وقد ارتأى المشروع أن يأخذ بمبدأ حلول الدولة وغيرها من أصحاب المدارس والمعاهد غير التابعة لها، محل مسؤولية المعلم. وقد راعى في ذلك عدم إبهاظ المعلمين بمسؤولية ثقيلة لا يتحملها غيرهم من باقي الموظفين. بل إن مسؤولية المعلم تتمثل، في واقع الأمر، أشد ثقلاً من مسؤولية غيرهم من المكلفين بالرقابة، حتى الآباء أنفسهم. ذلك أن أمام المعلم من التلاميذ عشرات وعشرات يجتمعون معًا، وهم من بعد في سن شديد الصعوبة.
على أن المشروع لم يساير القانون الفرنسي وغيره من القوانين التي سارت على نهجه في مبدأ الحلول محل مسؤولية المعلم على إطلاقه. فقد وسع فيه من وجه. وضيق فيه من وجه آخر.
فقد وسع فيه من ناحية أنه جعله شاملاً المعلم الحكومي وغير الحكومي. إذ أن أنه لا يوجد مبرر للتفريق بينهما.
أما التضييق، فيتمثل في قصر الحلول محل مسؤولية المعلم على تلك المسؤولية القائمة على افتراض وقوع خطأ منه، باعتباره مكلفًا بالرقابة على نحو ما تقرره المادة (238). أما المسؤولية القائمة على خطأ ثابت وفق ما تقتضيه القواعد العامة، فتبقى مسؤولية المعلم قائمة، وإن تواجدت إلى جانبها مسؤولية الدولة أو غيرها من أصحاب المدارس والمعاهد غير التابعة لها، باعتبارها متبوعة تسأل عن تابعها.
ويعرض المشروع في المادة (240) لمسؤولية المتبوع عن الضرر الناجم عن فعل التابع، ويقرر قيام هذه المسؤولية لمصلحة المضرور، إذا كان فعل التابع يتمثل منه عملاً غير مشروع، من شأنه أن يشغل مسؤوليته هو، وبشرط أن يكون قد وقع منه في أداء وظيفته، أو بسبب هذه الوظيفة.
وقد استوحى المشروع نص المادة (240) بفقرتيها من المادة (14) من قانون العمل غير المشروع الكويتي الحالي، الذي استمد بدوره حرفيًا من المادة (174) مصري ولكنه أدخل تعديلات هامة في الصياغة توخيًا للدقة والانضباط.
فقد حرص المشروع، في الفقرة الأولى، على أن يصرح بأن مسؤولية المتبوع تقوم في مواجهة المضرور، دفعًا لمظنة المشاركة في الغرم النهائي للمسؤولية بين المتبوع والتابع.
وحرص المشروع كذلك على أن يتطلب، لقيام مسؤولية المتبوع أن يكون العمل غير المشروع قد وقع من التابع (في أداء وظيفته أو بسببها)، بدلاً من عبارة النص الحالي القائلة بوقوع ذلك العمل (حال تأدية الوظيفة أو بسببها)، فالعبرة ليست بزمن أداء الوظيفة في ذاته، وإنما هي في وجود علاقة ارتباط أو سببية بين وظيفة التابع وبين عمله غير المشروع، بحيث يكون العمل متصلاً بالوظيفة غير أجنبي عنها. ثم إن عبارة (حال تأدية الوظيفة) جاءت نتيجة ترجمة غير دقيقة للعبارة التي تقابلها في القانون الفرنسي، وانتقلت منه إلى قوانين البلاد العربية الأخرى التي استوحته ومن بينها قانون العمل غير المشروع الكويتي الحالي.
وقد حرص المشروع، في النهاية، على أن يذكر، في الفقرة الثانية أن رابطة التبعية تقوم (متى كان من شأن المهمة المكلف بها التابع أن تثبت للمتبوع سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه) فليس من اللازم أن يكون للمتبوع سلطة فعلية يباشرها على تابعه في حاصل الأمر وواقع الحال متى كان من طبيعة التابع أو المهمة التي أنيطت به، أن تكون للمتبوع عليه هذه السلطة، باشرها بعد ذلك أم لم يباشرها، بل حتى لو كان، بسبب ظروف خاصة، غير قادر على أن يباشرها.
ومسؤولية المتبوع ترجع، في أساسها، إلى قيام المسؤولية على التابع. فكلما انشغلت مسؤولية التابع، باعتباره كذلك، نتيجة عمله غير المشروع، الذي وقع منه في أداء وظيفته أو بسببها قامت إلى جانب مسؤوليته هذه مسؤولية المتبوع.
ومسؤولية المكلف بالرقابة عن عمل الخاضع لرقابته ومسؤولية المتبوع عن فعل تابعه، إذا ما قامتا وفقًا لما تقضي به المادتان (238 و240) من المشروع، لا تجبان مسؤولية الخاضع للرقابة أو مسؤولية التابع فمسؤولية الشخص عن عمل غيره تأتي لتضاف إلى مسؤولية هذا الغير نفسه، دون أن تجبها أو تستغرقها أو تتمثل بديلة عنها، وهكذا يرى المضرور نفسه وقد انفتح له الخيار في أن يرجع بالتعويض كاملاً على المسؤول عن عمل غيره (المكلف بالرقابة أو المتبوع) وإما على هذا الغير نفسه (الخاضع للرقابة أو التابع) بشرط ألا يأخذ التعويض عن ذات الضرر إلا مرة واحدة بطبيعة الحال.
وقد جاءت المادة (241) لتقرر أنه إذا دفع المكلف بالرقابة أو المتبوع التعويض للمضرور حق له أن يرجع به كاملاً على الخاضع للرقابة أو التابع، وغني عن البيان أنه إذا كان الخاضع للرقابة أو التابع هو الذي أدى التعويض للمضرور فإنه لا يرجع بشيء ما على المكلف بالرقابة أو المتبوع اعتبارًا بأن مسؤولية هذا الأخير لا تعدو أن تكون مسؤولية ضمان وقد استوحى المشروع حكم المادة (241) من قانون العمل غير المشروع (المادة 15) ومصادره من القوانين العربية مع تعديل أحكم في الصياغة.
ويعرض المشروع في المادة (242) للمسؤولية عن نوع من الأضرار ينجم عن إلقاء أو سقوط الأشياء من المساكن أو غيرها من الأماكن المشغولة لأغراض أخرى من تجارة أو صناعة أو مباشرة مهنة أو حرفة أو نحو ذلك. وهو يحمل بهذه المسؤولية من يشغل المكان.
وليس يقصد بمن يشغل المكان من يتواجد فيه، ولكن يقصد به من يمكن اعتباره سيده، فرب الأسرة مثلاً، هو الذي يُسأل، في مواجهة المضرور، عما يحدث من ضرر نتيجة سقوط أو إلقاء الأشياء من المسكن، أما غيره ممن يقيمون معه في المنزل من زوجة أو ولد أو خدم أو غيرهم أو ممن يتواجدون فيه من زوار أو عمال أو نحوهم، لا يسألون إلا وفقًا للقواعد العامة في المسؤولية التي تقتضي قيام المضرور بإثبات وقوع الخطأ منهم.
والمسؤولية التي تقررها المادة (242) من المشروع تتميز بأنها قد تكون مسؤولية عن فعل الشخص نفسه أو عن فعل غيره ممن يتواجدون في المكان، فهي مسؤولية إما عن عمل النفس أو عن عمل الغير، فإن ثبت أنها عن عمل هذا الغير، فعندئذٍ تتمثل مسؤوليته مسؤولية ضمان، شأنها في ذلك شأن مسؤولية المكلف بالرقابة عن فعل خاضعه ومسؤولية المتبوع عن فعل تابعه.
وغني عن البيان أن المسؤولية التي تقررها المادة (242) لا تقوم إلا عن الضرر الناجم من الأشياء التي تُلقى أو تسقط من المسكن أو نحوه. فهي لا تقوم عن الضرر الناجم عن سقوط أجزاء البناء، كنوافذه أو أحجاره أو زجاجه.
وتقوم مسؤولية رب المكان عما يُلقى أو يسقط منه ما لم يثبت أن ذلك راجع لسبب أجنبي عنه لا يد له فيه من قوة قاهرة أو حادث مفاجئ أو فعل المضرور أو فعل الغير.
وقد استوحى المشروع حكم المادة (242) من المادة (246) من مشروع تنقيح القانون المدني المصري، والمادة (18) من قانون العمل غير المشروع الكويتي الحالي، والمادة (230) مدني عراقي، والمادة (1910) إسباني، والمادة (150) من القانون البولوني، والمادة (1529) من القانون البرازيلي.
على أن المشروع أدخل على صياغة هذه النصوص تعديلات ثلاثة جوهرية. فمن ناحية أولى، خالف المشروع قانون العمل غير المشروع الكويتي الحالي والقانون العراقي، حيث يجعل سبيل خلاص رب المكان من المسؤولية هو السبب الأجنبي وحده، اعتبارًا بأن هذه المسؤولية لا ينبغي أن تقل عن تلك الناجمة عن الأشياء الخطرة المقررة بمقتضى المادة (243) من المشروع.
ومن ناحية ثانية، خالف المشروع القوانين السابقة كلها، حيث لم يقصر مثلها المسؤولية على ساكن المكان، وإنما عممها على كل من يشغله لأغراض أخرى، وهو بذلك يتفادى عيبًا لم يفت الفقه الكويتي أن يبرره.
ومن ناحية ثالثة، صرح المشروع بإعطاء رب المكان الحق في الرجوع بما يدفعه للمضرور من تعويض على من يفلح في إثبات أن الشيء قد أُلقي أو وقع بخطئه.
3 - المسؤولية عن الضرر الناجم عن الأشياء:
يعالج قانون العمل غير المشروع المسؤولية عن الحيوان وعن النبات وعن الأشياء التي تتطلب حراستها عنايةً خاصةً كلاً منها على حدة ويخصها بحكم على استقلال (المواد 16 و17 و18) متأثرًا في ذلك بالقوانين العربية التي اتخذها مصدرًا له.
بيد أن المسؤولية عن ضرر الحيوان، في القانون المعاصر، تكاد أن تندمج تمامًا، في المسؤولية عن الضرر الناجم عن الأشياء بوجه عام، حتى باتت التفرقة في هذا المجال بين الأشياء الحية والأشياء غير الحية أي الجمادات، غير ذات موضوع.
أما المسؤولية عن انهدام البناء، فإن لم يكن الفكر القانوني في مجموعه قد وصل بها إلى حد الإدماج في المسؤولية عن الأشياء بوجه عام، بسبب وجود نصوص تشريعية تخصها بأحكام معينة، فقد ضيق من نطاقها إلى حد كبير، ليترك المجال للمسؤولية عن الأشياء لتؤدي دورها البالغ في إضفاء الحماية على المتضررين من البناء، بسبب آخر غير انهدامه، وعلى الأخص أولئك الذين ينالهم الضرر في حوادث المصاعد ونحوها، وهو أمر بات يتمثل مجافيًا مع المنطق، حيث أن المسؤولية عن الضرر الناجم بفعل المصعد، بل وعن كافة الأضرار الأخرى الناجمة عن البناء في غير ما نشأ منها عن انهياره وانهدامه، أصبحت أشد وقرًا من تلك الناجمة عن انهدام البناء ذاته، وإذا كان أصل هذا التجافي مع المنطق يرجع إلى نصوص في التشريع، وهي من بعد نصوص عتيقة تجاوزها الزمن، فقد آن له أن يُقتلع عن جذوره.
ولقد حرص المشروع على أن يساير آخر ما وصل إليه الفكر القانوني المعاصر، مزيلاً كل العقبات التشريعية التي تقف أمامه. وهذا ما دعاه إلى أن يركز المسؤولية عن الضرر الناجم بفعل الأشياء كلها في نص واحد، عقارات كانت أم منقولات، حيوانات كانت أم جمادات، بناءات كانت أم غير بناءات، وإن اشترط فيها جميعًا أن تكون من الأشياء التي يُخشى على الناس أذاها، والتي تتطلب لذلك عناية خاصة ممن يتولى أمرها ويسيطر عليها.
فيعرض المشروع في المادة (243) للمسؤولية عن الضرر الناجم بفعل الأشياء الخطرة، وهي تلك التي تتطلب عناية خاصة لمنع وقوع الأذى منها للناس في أرواحهم أو أموالهم.
وهو في تقريره هذه المسؤولية، لا يفرق بين الأشياء حسب طبيعتها من الحركة أو من الثبات أو من الحياة أو من الموت. فحسب الشيء لكي تثبت المسؤولية عن الضرر الناجم عنه أن يكون نتيجة ذات طبيعته أو وضعه، مما يتميز بالخطورة، من حيث أنه يعرض الناس للخطر في أرواحهم أو في أموالهم، وسواء بعد ذلك أن يكون منقولاً أم عقارًا، حيًا أم جمادًا، بناءً أم غير بناء. وإذا كان المشروع قد جاء، في الفقرة الثانية من المادة (243) يخص بالذكر أشياء معينة على اعتبار أنها تتسم بالخطورة وتتطلب لذلك عناية خاصة لمنع وقوع الأذى منها، فما ذلك إلا على سبيل التمثيل لا الحصر، مراعاةً منه أن هذه الأشياء هي التي تحدث في واقع حياة الناس أكثر ما يلاقونه من صروف الأذى.
وقد ارتأى المشروع أن يركز المسؤولية عن الأضرار الناجمة عن الأشياء الخطرة في نص واحد، ليوحد الحكم فيها، دون اعتبار لطبيعتها أو لكيفية وقوع الضرر منها. وهو بهذه المثابة يسوي في الأثر بين الضرر الناجم بفعل الحيوان، وبين الضرر الناجم بفعل الآلات وغيرها من الجمادات، وبين الضرر الواقع بسبب البناء، من جراء سقوطه أو غير ذلك من بقية أخطاره. وقد حدا بالمشروع إلى ما فعله ما لاحظه من أن التفريق في الحكم بحسب ما إذا كان الضرر ناجمًا بفعل الحيوان أو البناء أو غير ذلك من كافة الأشياء الخطرة الأخرى، لا يرجع إلا لاعتبارات تاريخية فقدت اليوم المبرر والمسوغ، الأمر الذي دعا الفكر القانوني المعاصر إلى أن يعمد إلى نبذه.
وقد آثر المشروع أن يساير الفكر القانوني المعاصر، الذي سبق المشرع الكويتي أن التزمه في قانون العمل غير المشروع الحالي، فجعل المسؤولية عن الضرر الناجم بفعل الأشياء على حارسها. فالحراسة وليست الملكية، هي مناط المسؤولية، وإن كان يُفترض في مالك الشيء أنه حارسه، ما لم يقم الدليل على غيره.
والمقصود بالحراسة على الشيء هو السيطرة الفعلية عليه التي تمكن صاحبها من الهيمنة والتسلط عليه لحساب نفسه، بحيث يكون زمامه في يديه، ولو لم تستند إلى أساس من القانون، وإنما قامت من حيث الأمر الواقع فحسب.
وتبقى الحراسة على الحيوان ثابتة لمن له السيطرة الفعلية عليه حتى لو ضل أو تسرب، وذلك حتى يتسلط عليه شخص آخر غيره، ويسيطر عليه لحساب نفسه.
وتُلزم المسؤولية حارس الشيء عن الضرر الناجم عن فعله، ما لم يثبت أنه قد حدث بسبب أجنبي عنه لا يد له فيه، ولم يكن له من سبيل إلى تفاديه، من قوة قاهرة، أو حادث مفاجئ أو فعل المضرور أو فعل الغير.
ويعرض المشروع في المادة (244) للحالة التي يكون فيها الشخص مهددًا بضرر يأتيه من شيء معين يملكه أو يسيطر عليه غيره. وفي مثل هذه الحالة، يتعذر القول بقيام المسؤولية عن العمل غير المشروع، ومع ذلك فالخير يكون في درء هذا الضرر قبل وقوعه.
وفي سبيل درء الضرر الذي يتهدد الناس من شيء معين، يقرر المشروع لك شخص ممن يكونون تحت طائلة الخطر الحق في أن يطالب مالكه أو حارسه، باتخاذ ما يلزم من التدابير لمنع وقوع الأذى منه، اعتبارًا بأن كلاً من مالك الشيء أو حارسه يتحمل بالتزام يفرضه القانون عليه بعدم تعريض الناس للخطر في أرواحهم أو أموالهم من الأشياء التي يملكونها أو يسيطرون عليها لحساب أنفسهم.
فإن لم يقم مالك الشيء أو حارسه، في وقت مناسب، باتخاذ ما يلزم من التدابير لدرء خطر الشيء، جاز لمن يتهدده أذاه، أن يحصل على ترخيص من القضاء في إجرائها بنفسه على حساب مالكه أو حارسه، على أن يتحملا بنفقتها متضامنين. ولا محل لإذن القاضي في حالة الاستعجال.
وقد استوحى المشروع حكم المادة (244) من القانون المصري (المادة 177/ 2) والقوانين العربية الأخرى التي سارت على نهجه ومن بينها قانون العمل غير المشروع الكويتي (المادة 17/ 2).
وإذا كان المشروع في إيراده المادة (244) قد استوحى القوانين السابقة، إلا أنه أدخل في سبيلها تعديلات جوهرية، وذلك من حيث الصياغة والمضمون، وتتركز هذه التعديلات في نواحٍ ثلاث:
الأولى: عمم المشروع فكرة تمكين الناس من درء الخطر الذي يتهددهم من الأشياء، فلم يقصرها على البناء، كما هو الشأن في القانون الكويتي الحالي وغيره من كافة القوانين الأخرى، فليس لانفراد البناء بالحكم أي مبرر، إذ أنه يمكن لغيره من الأشياء، أيًا ما كان نوعها أو طبيعتها، أن تهدد بدورها الناس بالخطر، كشجرة مائلة تنذر بالوقوع، أو كلب شرس لم يحكم صاحبه طريق الوقاية من أذاه.
الثانية: لم يقف المشروع عند حد جعل الالتزام باتخاذ التدابير اللازمة لدرء ضرر الشيء على مالكه، وإنما جعله أيضًا على حارسه، في الأحوال التي يكون فيها الحارس غير المالك، فكون الالتزام يثقل المالك وحده لا يعدو أن يكون أثرًا لفكرة قديمة تجاوزها الزمن، مؤداها أن المسؤولية عن ضرر الشيء تقع على مالكه، في حين أنها أصبحت اليوم على حارسه. فطالما أن حارس الشيء أصبح هو الذي يتحمل بالمسؤولية عما ينجم عنه من ضرر، وجب أن يتحمل بالالتزام باتخاذ التدابير التي من شأنها أن تمنع حدوث هذا الضرر منه. ومع ذلك فقد ارتأى المشروع أن يثقل أيضًا بالالتزام كاهل المالك إلى جانب الحارس، وهو بعد ذلك وشأنه مع هذا الأخير، وقد دعاه إلى ذلك ما لاحظه من أنه قد تتعذر معرفة الشخص الذي تكون له حراسة الشيء، في وقت لا يحتمل الكثير من التأخير.
الثالثة: أعفى المشروع الشخص الذي يتهدده الخطر، في حالة الاستعجال، من الحصول على إذن القاضي في اتخاذ ما يلزم من التدابير اللازمة لدرئه على نفقة حارسه ومالكه، تحقيقًا للمصلحة من وجه، وتمشيًا مع القواعد العامة في التنفيذ العيني للالتزام من وجه آخر.

ثانيًا: تعويض الضرر عن العمل غير المشروع:
ترسي المادة (245) الأصل العام بالنسبة إلى من يتولى تحديد التعويض في طبيعته ومداه، وتُلقي هذه المهمة على القاضي، إذا لم يتفق صاحبا الشأن – وهما المضرور والمسؤول على تحديده بنفسيهما.
فلا يوجد ثمة ما يمنع من أن يتفق المضرور والمسؤول على التعويض في طبيعته ومداه. فمثل هذا الاتفاق يقع صحيحًا، بشرط أن يجيء بعد قيام المسؤولية، لا قبله.
وتعرض المادة (246) لطبيعة التعويض الذي يحكم به القاضي، مقررة في الفقرة الأولى، أنه يكون بالنقد. على أن تقدير التعويض بالنقد لا يمنع القاضي من أن يستجيب لطلب المضرور في أن يكون التعويض عينيًا، كلما كان ذلك ممكنًا، فالتعويض العيني هو الأصل. وإن قام التعويض النقدي عنه بديلاً، فما ذلك إلا لأنه يقع متعذرًا في الغالب من الحالات. فإن تيسر وطالب المضرور به، جاز للقاضي أن يستجيب للمضرور، فيحكم له بأي أداء يكون من شأنه أن يصل به إليه، كأن يحكم له بإلزام المسؤول برد الشيء إلى أصله، أو أن يؤدي له عين ما غصبه منه أو شيئًا آخر يماثله أو أن ينشر في الصحف ما يكون من شأنه أن يعلم الناس بعدم صدق ما نسبه إليه، ردًا لاعتباره.
وتعرض المادة (247) لمدى التعويض الذي يحكم به القاضي وهي تقرر، في الفقرة الأولى، أن القاضي يقدر التعويض في مداه بالقدر الذي يراه جابرًا للضرر، وفق ما تحدده المادتان (230 و231).
فمقدار التعويض يتحدد بقدر ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب، إذا كان ذلك نتيجة طبيعية للعمل غير المشروع، بأن لم يكن في المقدور تفاديهما ببذل الجهد المعقول الذي تقتضيه ظروف الحال من الشخص العادي، وسواء بعد ذلك أن يكون الضرر ماديًا أو أدبيًا.
فإذا لم يتيسر للقاضي، عند الحكم، أن يحدد مدى الضرر بصفة نهائية، فإنه يجوز له، وفق ما تقضي به الفقرة الثانية، أن يحكم للمضرور بالتعويض عما تحقق بالفعل من عناصر الضرر، ويحتفظ له بالحق في أن يطالب مستقبلاً، في خلال مدة يحددها، بإعادة النظر في التقدير، ليشمل التعويض العناصر الأخرى التي يمكن لها أن تتحقق في تاريخ لاحق.
ويعرض المشروع، في المواد (248 إلى 251) للتعويض عن ذات إصابة النفس، مما تستحق عنه الدية وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
وتأتي المادة (248) لتقضي بأن هذا التعويض يتحدد بمبلغ جزافي يقدره القاضي سلفًا، وهو ما يتمثل في الدية الشرعية نفسها. والمشروع إذ يفعل ذلك، يخالف الأصل العام المقرر في القانون المعاصر المتمثل في ترك تحديد مقدار التعويض للمحكمة، لينحو منحى الفقه الإسلامي القاضي بأن يكون التعويض بقدر الدية، كاملة كانت أم في جزء منها. وهو عين الحكم الذي يقرره قانون تنظيم الالتزامات الناشئة عن العمل غير المشروع الكويتي الحالي (المادة 21)، ولم يرَ المشروع إلا أن يلتزمه ويسايره.
والتعويض عن ذات إصابة النفس يتحدد بالدية طبقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، وحاصل هذا، بادئ ذي بدء، أن ذاك التحديد لا يكون إلا حيثما تكون إصابة النفس مما يمكن أن تقوم عنها الدية أو الأرش، وفق ما تقضي به أحكام الشرع الإسلامي، وينص عليه جدول الديات الصادر بمرسوم، فإن التعويض عنها يكون وفق ما يقدره القاضي حسب ما يراه جابرًا للضرر، ويتفق هذا الحكم مع ما يقول به الفقه الإسلامي من أن في قطع الأعضاء والجراح التي تصيب الإنسان فتنقص من المنفعة أو الجمال، والتي لا يوجد فيها قصاص، وليس لها دية أو أرش مقدر شرعًا، تجب غرامة متروكة لتقدير القاضي، وتسمى حكومة العدل، مثال ذلك كسر غير السن من العظام وما كان بسيطًا من الخدوش والجراح وقد آثر المشروع أن ينحو نحو قانون تنظيم الالتزامات الناشئة عن العمل غير المشروع القائم، فلا يفرق في استحقاق الدية، باعتبارها تعويضًا عن ذات إصابة النفس، لجنس أو لسن أو لدين أو لجنسية أو لأي اعتبار آخر. فالناس كلهم في ذلك سواسية: المرأة كالرجل، والصغير كالكبير، والعظيم كالبسيط، والذمي كالمسلم، والعربي كغير العربي، والمشروع إذ يخالف في ذلك بعض ما ورد في أقوال فقهاء المسلمين، حين فرقوا في مقدار الدية بسبب الذكورة والأنوثة والدين والحرية، إلا أنه قد أدخل في اعتباره ما أخرجه البيهقي عن الزهري من أن دية النصراني واليهودي كانت مثل دية المسلم في زمن النبي وأبي بكر وعثمان، وأنها لم تنقص إلى النصف إلا في عهد معاوية، حيث أُخذ نصفها الآخر لبيت المال، ثم إنه قد روى عن ابن عليه وأبي بكر الأصم أنهما قالا: بخلاف رأي الجمهور، أن دية المرأة كدية الرجل مستندين إلى قول الرسول: (في النفس المؤمنة مائة من الإبل) دون تفرقة بين الرجل والمرأة.
والدية لا تتمثل تعويضًا إلا عن ذات إصابة النفس، وهي بهذه المثابة لا تمنع من التعويض، وفق ما يقدره القاضي، من كافة عناصر الضرر الأخرى، إن تواجدت كالضرر الناشئ عن القعود عن الكسب وفقد العائل ومصروفات العلاج والآلام حسية كانت أم نفسية، وغير ذلك كله من كافة صروف الأذى التي تلحق الناس في أنفسهم أو في أموالهم، وقد حرصت المادة (248) على أن تبرر هذا الحكم دفعًا لأية مظنة.
وتقرر المادة (249) أن الدية لا تدخل في الضمان العام لدائني المستحق، ما بقيت مستحقة له على من يلتزم بأدائها، وقد راعى المشروع في ذلك أن الدية تستحق إما عن إزهاق الروح، وإما عن إصابة تلحق الجسد، وهي بهذه المثابة تستحق عن أمور محض شخصية، فلا ينبغي أن يُسمح للدائنين أن تمد يدهم إليها، ابتغاء استيفاء ديونهم منها، طالما أنها لم تدفع بعد إلى مستحقها، ويترتب على إخراج الدية من الضمان العام المقرر للدائنين، طالما بقيت مستحقة لم تدفع، أن هؤلاء لا يستطيعون الحجز عليها لدى الملتزم بها، ولا أن يطالبوه بها باسم مدينهم ونيابة عنه بمقتضى الدعوى غير المباشرة، أما إذا دفعت الدية بالفعل لمن يستحقها، فإنها تختلط بأمواله، وتدخل بذلك في الضمان العام لدائنيه.
وتظهر أهمية الحكم الذي تقرره المادة (249) على وجه الخصوص، في حالة استحقاق الدية عن إزهاق الروح، حيث تتمثل تركة يتقاسمها الورثة دون أن يكون لدائني المصاب أن يستوفوا منها ديونهم.
وتقضي المادة (250) بأن الدية التي تستحق عن فقد النفس تعتبر تركة يتقاسمها الورثة وفقًا لأنصبائهم الشرعية، وهو الحكم الذي يقول به الفقه الإسلامي، اعتبارًا بأن الدية المستحقة للمتوفى عن وفاته تدخل في ماله، وقد سبق لقانون تنظيم الالتزامات الناشئة عن العمل غير المشروع أن ساير هذا الحكم (المادة الأولى)، ولم يشأ المشروع إلا أن يلتزمه.
ويأتي المشروع في المادة (251) ليعرض لمقدار الدية، محددًا إياه بعشرة آلاف دينار. وإذا كان الأصل في الدية أنها تتحدد وفق أحكام الشرع الإسلامي بمائة من الإبل، فليس يوجد في ظل هذا الشرع الأغر، ثمة ما يمنع أن يتحدد مقدارها بالنقود.
وقد أجاز المشروع تعديل مقدار الدية النقدي الذي حدده بغية إتاحة الفرصة في التمكين من جعله متمشيًا دومًا مع مستوى الأسعار. وتعديل مقدار الدية النقدي مبدأ مسلم في الفقه الإسلامي، ودليل ذلك ما روي من أن الدية كانت في عهد الرسول، عليه أفضل صلوات الله، ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم، وأنها بقيت كذلك حتى استخلف عمر، فرأى أن أثمان الإبل قد ارتفعت، فزاد الدية إلى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم (المهذب ج 2 ص 210) وقد آثر المشروع أن يجعل تعديل مقدار الدية بمرسوم، توخيًا للسرعة واليسر في إجرائه.
وقد أجاز المشروع، في الفقرة الثانية من المادة (251) أن يصدر بمرسوم جدول للديات وفق أحكام الشرع الإسلامي، تتحدد بمقتضاه حالات استحقاق الدية كليًا أو جزئيًا. وقد آثر أن يسلك هذا السبيل لما لاحظه من أن الأمر يستدعي تفصيلات يضيق عنها القانون.
وتعرض المادة (252) للصورة التي يمكن للقاضي أن يحكم بأن يؤدي المسؤول التعويض عليها. فإلى جانب الصورة العادية التي يجيء عليها أداء الحكم بالتعويض، والمتمثلة في إلزام المسؤول بأدائه فورًا ومنجزًا، فإنه يسوغ للقاضي أن يحكم بأداء التعويض على أقساط معينة يحددها. كما أن له أن يحكم بأداء التعويض على هيئة إيراد يرتب للمضرور لمدة معلومة أو لمدى الحياة.
وإذا حكم القاضي بأن يكون أداء التعويض على أقساط أو في صورة إيراد مرتب، فإنه يجوز له، إذا رأى لذلك مقتضيًا، أن يحكم بإلزام المسؤول بتقديم تأمين كافٍ يضمن للمضرور استيفاء ما أجل من التعويض.
وتواجه المادة (253) المدة التي ينبغي أن ترفع خلالها دعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع، وهي ترسي، في الفقرة الأولى، الأصل العام المتمثل في وجوب رفع تلك الدعوى خلال ثلاث سنوات تبدأ من وقت علم المضرور بالضرر الحاصل له وبمن يجعله القانون مسؤولاً عن تعويضه، أو خلال الخمس عشرة سنة التالية لوقوع العمل الضار، أي المدتين أقصر. فإذا لم تُرفع الدعوى خلال أي من هاتين المدتين الأقصر وبعبارة أخرى أي من هاتين المدتين تنقضي أولاً، فإنها تسقط إذا تمسك بذلك المسؤول بطبيعة الحال.
وتورد المادة (253) في فقرتها الثانية، استثناء على الأصل العام الذي تقرره في فقرتها الأولى في صدد دعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع الذي يتمثل في نفس الوقت جريمة جنائية، قاضية بارتباط المسؤولية المدنية بالمسؤولية الجنائية في هذه الحالة، بحيث تبقى الأولى ما بقيت الثانية قائمة، حتى لو انقضت المدة المحددة لها بحسب الأصل.
والحكم الذي يقرره المشروع، في المادة (253) يتفق في مجموعه مع ما تقضي به المادة (32) من قانون الالتزامات الناشئة عن العمل غير المشروع الحالي، وإن كان المشروع قد أدخل عليها بعض التعديلات في الصياغة والمضمون اقتضتها الملاءمة.
ويعرض المشروع في المادة (254) لاتفاقات الإعفاء من المسؤولية عن العمل غير المشروع، مقررًا بطلانها، سواء أكان الإعفاء كليًا أم جزئيًا، كلما كان الاتفاق حاصلاً قبل قيام المسؤولية ذاتها، وهو في ذلك ينحو منحى القانون المصري (المادة 217/ 3) وغيره من قوانين البلاد العربية الأخرى التي سارت على نهجه، ومن بينها قانون التجارة الكويتي (المادة 219/ 3).
على أن الذي يبطل هو الاتفاق الذي يُعفى كليًا أو جزئيًا من المسؤولية عن العمل غير المشروع والذي يبرم قبل قيامها. فإن جاء الاتفاق بعد قيام المسؤولية بالفعل، فإنه يقع صحيحًا لأنه، في مثل هذه الحالة، لا يعدو أن يكون نزولاً من المضرور كليًا أو جزئيًا عن حقه في التعويض بعد وجوده، والنزول عن الحق بعد قيامه يقع صحيحًا، طالما توافرت فيه الشروط التي تقتضيها القواعد القانونية العامة.
الفرع الثاني - ضمان أذى النفس:
المواد (255 - 261):
يستهدف المشروع بالأحكام التي يوردها في باب ضمان أذى النفس، الحفاظ على الدم المسفوك من أن يضيع هدرًا، بحيث يضمن للمصاب دمه، في الأحوال التي تقعد فيها أحكام المسؤولية عن العمل غير المشروع عن التعويض عنه، وذلك ما لم يكن المصاب قد عمد إلى إهدار دمه بنفسه أو صدر منه ما يتدنى إلى مرتبته، وما لم يكن الشخص قد أحدث بغيره الضرر حالة كونه يدافع شرعًا عن نفسه أو ماله أو عن نفس الغير أو ماله.
والمشروع إذ يستهدف تلك الغاية، يروم أن يتجاوب مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، فيما تضمنته من مبدأ أساسي هام، تركز في القول المأثور عن على بن أبي طالب كرم الله وجهه (لا يطل دم في الإسلام).
وإذا كانت القواعد التقليدية في ظل القانون المعاصر، والتي ما فتئت قوانين أكثر بلادنا العربية تلتزمها، تقف في تقرير المسؤولية عن الدم المسفوك عند الحالة العادية التي تكون نتيجة خطأ يقع من شخص معلوم أو ما هو في حكم الخطأ، فإن المشروع تعدى ذلك ليعرض لحالة أخرى شائعة في واقع الحياة وهي التي يُسفك فيها الدم بفعل شخص معلوم، ولكن من غير أن يقع منه خطأ أو ما هو في حكمه، مقررًا الجزاء على من يكون قد باشر سفك الدم، لمجرد أنه باشره، على أن المشروع هنا، إذ يقرر تحميل المباشر بغرم الدم المسفوك، فهو يقصر حكمه على من يكون قد باشر الضرر بشيء مما يتطلب لخطورته على الناس عناية خاصة كالسيارات ونحوها من المركبات بل وغير ذلك من كل شيء خطر آخر، كما يقصر الجزاء على ما يكون للضرر الناشئ عن الإصابة في النفس ذاتها، وقد أراد بذلك أن يبقى مسايرًا لقانون العمل غير المشروع الكويتي الحالي، وكذلك فإنه يتمشى في هذا الخصوص، مع القاعدة الأصيلة التي تسود نظام الضمان في الفقه الإسلامي، ومؤداها أن المباشر ضامن ولو لم يتعمد أو يتعدَ، وإن لم يطابقها.
ولم يرد المشروع أن يقف عند الخطوة التي خطاها القانون الكويتي الحالي، على جليل خطرها وعظيم نفعها، بل آثر أن يسير في طريق ضمان الدم المسفوك خطوة أخرى لا تقل عن الخطوة التي سبقتها أهمية ولا نفعًا، وتتركز هذه الخطوة الجديدة في وجوب ضمان الدم المسفوك في الحالة التي يبقى فيها المسؤول أو الضامن مجهولاً، ويتعذر بذلك على صاحبه الوصول إلى جبره تعويضًا أو ضمانًا، وهي حالة من المؤسف أن تكون شائعة الوقوع في دولة الكويت، شأنها في هذا شأن غيرها من بلاد الدنيا قاطبة، والإحصاءات الرسمية على ذلك خير شهيد.
والمشروع، إذ يعمد إلى ضمان الدم المسفوك، عندما يتعذر على صاحبه الوصول إلى جبره تعويضًا أو ضمانًا، بسبب عدم الوصول إلى معرفة المسؤول أو الضامن، فهو لا يفعل أكثر من أن يساير التشريع الإسلامي الأغر فيما يقضي به من التزام بيت المال بدفع دية من يتعذر معرفة المسؤول عن دمه قصاصًا أو دية.
وإذا كان من الممكن أن تقوم الدولة بالتعويض عما يصيب الناس من أضرار، إذا تعذر الوصول إلى معرفة المسؤول عنه، سواء ألحقت هذه الأضرار النفس أم المال، إلا أن المشروع آثر مع ذلك أن يقنع اليوم، شأنه في ذلك شأن غيره من كثير من القوانين الحديثة في أوروبا وأمريكا وأستراليا، بالوقوف عند الضرر الذي يلحق النفس، وهو الأخطر والأهم، حتى إذا ما استقر المبدأ واستوعبته حضارة الجيل، أمكن بعد ذلك النظر في تعميمه.
وتبسط المادة (255) القاعدة العامة في ضمان أذى النفس، مما يستوجب الدية وفقًا لأحكام الشرع الإسلامي وما يتضمنه جدول الديات، ملقية غرمه على من يكون قد باشره، وهي في ذلك عمدت إلى أن تساير الفقه الإسلامي، مستلهمة منه قاعدته الأساسية التي تسود نظام الضمان فيه، ومؤادها أن المباشر ضامن ولو لم يتعمد أو يتعدَ.
وإذا كانت المادة (255) قد لجأت إلى الفقه الإسلامي تغرف من معينه الفياض قاعدة أن المباشر ضامن ولو لم يتعمد أو يتعدَ، إلا أنها لم تعمل هذه القاعدة على إطلاقها، فقد قصرتها على أذى النفس دون تلف المال بل على ما تجب فيه الدية من أذى النفس دون غيره مما عداه من صروفه. ثم أنها تطلبت لإعمالها أن يكون الضرر قد بُوشر بشيء من الأشياء التي تتطلب لخطورتها عناية خاصة ممن يتولى أمرها، كسيارة ونحوها. وفضلاً عن هذا الأمر وذاك، فإن المشروع، في المادة (258) قد قيد تطبيق القاعدة الإسلامية العريقة، شأنها في ذلك شأن حالات ضمان أذى النفس الأخرى، بعدم وقوع الضرر نتيجة تعمد المصاب إلحاق الأذى بنفسه، أو نتيجة سوء سلوك فاحش ومقصود من جانبه. والمشروع، إذ يجعل إعمال قاعدة أن المباشر ضامن ولو لم يتعمد تحت ظله، في حدود هذه القيود الثلاثة السابقة، لم يفعل إلا أن يساير قانون تنظيم الالتزامات الناشئة عن العمل غير المشروع الحالي، فيما قضت به المادة (19) مكرر منه.
وإلى جانب تلك القيود الثلاثة، صرح المشروع بقيد آخر، فتطلب لثبوت الضمان، ألا يكون مباشر الضرر قد آتاه وهو ملتزم حدود الدفاع الشرعي عن نفسه أو ماله أو عن نفس الغير أو ماله. وقد حدت به إلى التصريح بهذا القيد رغبته في أن يتمشى مع تلك القاعدة الإسلامية العريقة القاضية بأن الجواز ينافي الضمان.
وإذا كان من شأن إعمال المادة (255) أن يتقرر ضمان أذى النفس على المباشر، وكان مؤدى هذا الضمان، وفقًا لما تقرره المادة (258) من المشروع، أن يقتصر الجزاء على الدية وحدها، كاملة كانت أم في جزء منها، فإن المضرور قد يرى مصلحته في الرجوع بدعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع، إذا توافرت في شأنه مقوماتها، وبهذه المثابة تتمثل دعوى ضمان أذى النفس المنصوص عليها في المادة (255) مجرد دعوى احتياطية تسعف المضرور، في نطاقها الضيق المحدود، حيث تقصر أحكام المسؤولية عن العمل غير المشروع عن أن تصل به إلى التعويض الكامل الشامل. ولكن الاحتياط هنا من جانب المشروع. وليس يوجد ما يمنع المضرور من أن يلجأ إلى دعوى الضمان عن أذى النفس على أساس المباشرة، حتى لو كان في مكنته الرجوع بدعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع، إذا ارتأى هو ذلك. فمن يملك الأكثر يملك الأقل. وهذا ما حدا بالمشروع إلى أن يبعد، من صياغة نص المادة (255) العبارة التي تضمنتها المادة (19) مكرر من قانون العمل غير المشروع الحالي، والتي مؤداها أن حكمها لا يطبق إلا إذا لم تتوافر شروط المسؤولية التقصيرية بعد أن أثارت بعض اللبس في أحكام القضاء الكويتي.
وأساس إعمال حكم المادة (255) هو مباشرة الضرر، وقد حرص المشروع على ألا يعرض لتعريف المباشر، حتى يترك باب الاجتهاد في خصوصه مفتوحًا على مصراعيه، من غير قيد أو توجيه. وإنما ينبغي هنا أن يكون الاجتهاد في إطار الفقه الإسلامي، اعتبارًا بأنه المصدر التاريخي فإنه مما يعرض للزلل أن يفسَّر حكم استُقِي من الفقه الإسلامي على ضوء قواعد أو نظريات ترتد إلى القانون المعاصر وهو عنها غريب.
ويعرض المشروع، في المادة (256) للحالة التي يقع فيها الضرر على النفس، مما يستوجب الدية وفقًا لأحكام الشرع الإسلامي وما يتضمنه جدول الديات المنصوص عليه في المادة (251) ويتعذر فيها على المضرور الرجوع بالمسؤولية أو بالضمان، لعدم معرفة المسؤول أو الضامن، ليلقي فيها غرم الضمان على الدولة، ما لم يثبت أن المصاب أو أحدًا من ورثته قد أدى بخطئه إلى عدم معرفة المسؤول أو الضامن على حسب الأحوال، وبهذا الحكم تتمثل الدولة الملاذ النهائي لضمان الدم المسفوك، وهو من بعد حكم يتمشى مع ما يقضي به الشرع الإسلامي من أن بيت المال يضمن، حيث لا يُعرف من يتحمل بالقصاص أو الدية، اعتبارًا بأنه لا يطل دم في الإسلام.
وتقرر المادة (256) في فقرتها الثانية، سقوط دعوى الضمان التي ترفع على الدولة بمرور ثلاث سنوات من وقت وقوع الحادث.
وتضع المادة (257) قيدًا عامًا على جميع حالات ضمان أذى النفس، مؤداه أن هذا الضمان لا يُستحق، إذا أثبت المدعى عليه أن المضرور قد تعمد إصابة نفسه، أو أن الإصابة قد لحقته نتيجة سوء سلوك فاحش ومقصود من جانبه. ولهذا القيد مسوغه، فالشخص الذي يتعمد أن يلحق بنفسه الأذى يُعتبر أنه أهدر دمه بنفسه، فلا يتوجب الرجوع على غيره بضمانه. ويأخذ حكم العمد سوء السلوك الفاحش المقصود، وهو خطأ يتدنى إلى حد يجعله غير مُغتفر.
وتعرض المادة (285) للجزاء المترتب على ضمان أذى النفس في جميع حالات وجوبه، قاصرة إياه على الدية كاملة كانت أم في جزء منها، على حسب الأحوال، ووفقًا لأحكام الشرع الإسلامي، وما يتضمنه جدول الديات، ومع مراعاة تحديد مقدار الدية الكاملة على نحو ما تقضي به المادة (251).
وتحفظ المادة (259) للمضرور حقه في الرجوع بدعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع، إذا توافرت شروطها، ليستوفي التعويض عن عناصر الضرر الأخرى غير إصابة النفس التي يكون قد أخذ الدية عنها، وذلك ما لم يثبت أنه، باقتصاره على طلب الدية، قد نزل عن حقه في الرجوع بالتعويض عن غير إصابة النفس من صروف الضرر.
وتظهر فائدة الحكم الذي تتضمنه المادة (259) على وجه الخصوص، في الحالة التي يقنع فيها المضرور مؤقتًا بدعوى الضمان، بسبب تعذر معرفة من يتحمل بالتعويض الكامل إعمالاً لأحكام المسؤولية عن العمل غير المشروع، ثم يتوصل إلى معرفته. ففي مثل هذه الحالة، يستطيع المضرور أن يرجع بدعوى المسؤولية، طالبًا جبر كل صروف الضرر، باستثناء إصابة النفس التي أخذ الدية عنها، حيث يحل من أداها له محله فيها، وفقًا لحكم المادة (260).
وتعرض المادة (260) للحالة التي تقوم فيها الدولة بدفع الدية للمضرور إعمالاً لحكم المادة (256) معطية إياها حق الحلول القانوني محل المضرور في استيفائها ممن يلتزم بها.
وتمنح المادة (260) في فقرتها الثانية حق امتياز الخزانة العامة للمبلغ الذي ترجع به الدولة على المسؤول، في مقابل الدية التي تكون قد دفعتها للمضرور، وذلك مراعاة للمصلحة العامة.
ويُخضع المشروع في المادة (261) ضمان أذى النفس لأحكام المسؤولية عن العمل غير المشروع التي أوردها في المواد من (227 إلى 254) فيما لا يتعارض مع الأحكام التي خصها هو به
الفصل الرابع: الفعل النافع أو الإثراء دون سبب على حساب الغير:
المواد (262 – 278):

أخذ قانون التجارة الكويتي عن القانون المصري بنظام الإثراء دون سبب، كمصدر عام منشئ للالتزام، ويأخذ المشروع بدوره بذلك النظام أيضًا باعتباره مصدرًا عامًا منشئًا للالتزام على نفس المستوى مع العقد والفعل الضار، بادئًا بتقريره كنظرية عامة منطلقة التطبيق، ليتناول بعد ذلك صورتين خاصتين له، وهما تسلم غير المستحق والفضالة.
وتعرض المادة (262) لنظام الإثراء دون سبب، أو نظام الإثراء غير المشروع، كما يطلق عليه في بعض الأحيان، فتُقر فكرته وتركز شروطه وأثره. فهي من ناحية أولى، ترسي مبدأ عامًا مؤداه أن كل من يُثرى على حساب غيره، بدون سبب مشروع، يلتزم بأن يؤدي له، في حدود ما أُثرِي هو به، ما يرفع الخسارة عنه. وهي من ناحية ثانية، تركز شروط إعمال نظام الإثراء دون سبب وأثره فهي تتطلب لإعماله إثراء شخص معين يصبح بسبب هذا الإثراء، مدينًا بالالتزام الذي ينشأ، وافتقار شخص آخر، يصبح دائنًا بالالتزام، بما يرفع عنه هذا الافتقار ولو جزئيًا، وتوافر علاقة ارتباط أو تقابل بين الإثراء والافتقار، على نحو يمكن معه القول إنه لولا هذا لما كان ذاك، وانتفاء السبب المشروع الذي يبرر الإثراء والافتقار.
ولا تُشترط أهلية ما فيمن يثُرى أو فيمن يفتقر. فكل منهما يصير مدينًا أو دائنًا نتيجة مجرد واقعة قد حصلت، هي واقعة إثراء أو واقعة افتقار. والأهلية لا تُلتزم في الوقائع وإنما في التصرفات فحسب.
ولا يحول دون نشأة الالتزام، أن يزول الإثراء بعد حصوله طالما أن زواله لا يعزى إلى من افتقر. فما دام الإثراء قد حصل بالفعل فإن الالتزام يترتب من وقت حصوله ويتقدر مداه في حدوده، حتى لو زال هذا الإثراء كله أو بعضه، في تاريخ لاحق ويساير المشروع في ذلك قانون التجارة الكويتي ومن قبله القانون المصري وغيره من القوانين العربية التي استوحته.
ويترتب على الإثراء على حساب الغير بدون سبب مشروع نشأة الالتزام في ذمة المثري لصالح المفتقر، بما يرفع عن هذا الأخير افتقاره، في حدود ما عاد من نفع على غريمه. وهكذا تتحدد دعوى الإثراء بمقدار ما عاد على المثري من نفع، وما لحق المفتقر من خسارة، أي القيمتين أقل.
وتعرض المادة (263) لوقت رفع دعوى الإثراء، مقررة أنها تسقط بانقضاء ثلاث سنوات من يوم علم المفتقر بحقه في التعويض، أو بانقضاء خمس عشرة سنة من وقت نشأة هذا الحق، أي المدتين أقرب. وعلم المفتقر بحقه في التعويض يتضمن بطبيعة الحال معرفته بمن يسوغ له الرجوع به عليه.

حظي نظام تسلم غير المستحق من المشروع بالكبير من اهتمامه، شأن المشروع في ذلك شأن قوانين عديدة في البلاد المختلفة، ومن بينها قانون التجارة الكويتي الحالي، وإذا كان المشروع قد أضفى على النظام اسم (تسلم غير المستحق) فهو لم يغفل عن أنه كثيرًا ما يُطلق عليه في الفكر القانوني اسم (دفع غير المستحق) أو (دفع ما لا يجب). فهو يطرح هذه التسمية الأخيرة إذ أنها تنظر إلى الأمور من زاوية الدافع الذي يقع ضحية الافتقار. وذلك في حين أن الذي يولد الالتزام بالرد هو تسلم القابض للشيء، اعتبارًا بأنه ينهض إثراءً له. ومن هنا كانت الأفضلية لاصطلاح (تسلم غير المستحق) أو (أخذ غير المستحق). وهو ما يتسق على وجه أدق وأوفى من ذاك الذي يضفي على النظام المبدأ: (الإثراء دون سبب). وقد شجع المشروع على ما انتهجه ما لاحظه من بدء شيوع التسمية التي تخيرها في الفكر القانوني المعاصر.
وترسي المادة (264) الأصل العام لنظام تسلم غير المستحق، قاضية بأن كل من تسلم شيئًا لا يكون مستحقًا له يلتزم برده.
والمقصود بالاستحقاق هنا ليس هو استحقاق الشيء ذاته للمتسلم، وإنما استحقاق تسلمه. فقد يكون الشيء مستحقًا في ذات نفسه لمن تسلمه، ومع ذلك يلتزم هذا برده، إذا لم يقع تسلمه إياه على النحو القانوني السليم، كما لو وقع الوفاء باطلاً بسبب انعدام أهلية الموفي، أو كان هذا الوفاء غير نافذ في مواجهة دائني المتسلم، بسبب إعمال دعوى عدم نفاذ التصرفات أو بسبب حصول الوفاء بعد الحكم بشهر الإفلاس.
والعبرة بالنسبة إلى عدم الاستحقاق هي بالنظر إليه من زاوية المتسلم، لا من زاوية الدافع، فإذا كان الشيء مستحقًا أخذه للمتسلم، فإنه لا يلتزم برده، حتى لو كان أداؤه غير واجب أصلاً على الدافع، كما لو قام هذا الأخير بدفع دين على غيره، على بينة من أمره، أي حالة كونه يعلم بأنه يدفع للقابض دينًا له على الغير.
وإذا كان الشيء غير مستحق تسلمه، فلا أهمية بعد ذلك لما إذا كان عدم الاستحقاق هذا راجعًا إلى الأمر الواقع نفسه، كما إذا استوفى المستلم دينًا ليس له أصلاً أو أخذ أكثر مما يستحق، أو كان عدم الاستحقاق ناجمًا عن اعتبار قانوني، كما هو الشأن عندما يتسلم الشخص شيئًا على أساس عقد باطل أو يتقرر إبطاله أو فسخه أو انفساخه.
وتسلم غير المستحق كافٍ كأصل عام لتحمل المتسلم بالالتزام بالرد، اعتبارًا بأن هذا الأخير يثُرى بغير وجه حق على حساب الغير بما يتسلمه. والمشروع إذ يقرر ذاك، قاصرًا المادة (264) عليه لم يغفل عن الفكرة التي تواجدت من قديم والتي تتطلب لقيام الالتزام بالرد، أن يكون الدافع قد دفع عن غلط، معتقدًا، بخلاف الحقيقة، بأنه يدفع دينًا واجبًا عليه اعتبارًا بأنه إذا كان قد دفع عن بينة من الأمر، أي على علم بأنه غير ملزم بما يدفع، فإنه يسوغ تفسير هذا منه على أنه قد قصد إما التبرع بما دفع، أو أداء التزام طبيعي عليه، أو دفع دين على غيره. وفي هذه الحالات يمتنع الاسترداد عليه قانونًا. لأن المتسلم يكون له حق فيما يأخذ. وهي فكرة تأثر بها القانون المصري (المادة 181/ 2) ومن بعده القوانين العربية الأخرى التي استوحته، ومن بينها قانون التجارة الكويتي (المادة 181/ 2).
على أن اشتراط الغلط في الدافع أصبح مضللاً الآن، بعد أن اتسع نظام (تسلم غير المستحق)، وأصبح يشمل إلى جانب تسلم شيء غير مستحق ماديًا، أي من حيث الواقع، تسلم شيء غير مستحق لمحض اعتبار قانوني، كبطلان التصرف الذي وقع التسليم بمقتضاه أو إبطاله أو انفساخه أو فسخه، فتطلب غلط الدافع يقع غير ذي موضوع في هذا المجال.
بل إن اشتراط غلط الدافع ليست له في الحقيقة أية جدوى حتى في مجال تسلم الشيء الذي لا يكون مستحقًا ماديًا، أي من حيث الواقع، لأن الذي يدخل في الاعتبار، في مجال (تسلم غير المستحق) ليس هو نية الدافع أو اعتقاده، وإنما هو أحقية المتسلم فيما يأخذ أو عدمها، فإذا أمكن حمل علم الدافع بأنه غير ملزم بما دفعه على أنه أراد بذلك، وعلى نحو قانوني سليم، التبرع بما أدى أو الوفاء بالتزام طبيعي، أو دفع دين على غيره، فإن دعوى الاسترداد تمتنع عليه، لا تأسيسًا على أنه لم يدفع عن غلط وإنما تأسيسًا على ثبوت الحق للمتسلم فيما أخذ.
وتعرض المادة (265) للحالة التي يقوم فيها المدين بأداء دين عليه حقيقة، ولكنه يؤديه قبل حلول أجل استحقاقه على جهل منه. ومؤدى نظام تسلم غير المستحق، لو أنه أُخذ على إطلاقه، أن يلتزم الدائن بأن يرد للمدين ما استوفاه منه، ليعود بعد ذلك ويسترجعه عند حلول الأجل، ولقد آثر المشروع أن يرخص هنا للدائن بأن يُبقي على ما استوفاه من الدين، على أن يدفع للمدين قيمة ما استفاده نتيجة قبضه الدين قبل أوانه، وذلك في حدود ما لحق المدين من ضرر نتيجة التبكير في أدائه دينه. والحكمة التي توخاها المشروع من ذلك تتمثل في رغبته في إسلاس التعامل والبعد به عن التعقيد، وهذا الحكم مستمد في أصله من المادة (183) من قانون التجارة الكويتي ومصادره التشريعية.
وتواجه المادة (266) صورة أخرى، وهي حالة الدائن الذي يأخذ قيمة دينه من غير المدين، حالة كون هذا الأخير معتقدًا أنه يؤدي دينًا على نفسه فيقوم الدائن، مدفوعًا بأنه استوفى دينه استيفاءً صحيحًا، بتجريد نفسه من سند الدين، أو مما كان يضمن الدين من تأمينات، أو بترك دعواه قِبل المدين الحقيقي المدة التي لا تسمع بعد فواتها.
ومؤدى القواعد العامة، في مثل هذه الحالة، أن الوفاء يقع باطلاً، لعدم استناده إلى سبب، الأمر الذي من شأنه أن يترخص للدافع أن يسترد من القابض ما دفعه إياه، حتى لا يثُرى هذا الأخير على حسابه بدون سبب مشروع، اعتبارًا بأن دينه على مدينه الحقيقي له ينقضي بالوفاء. ولكن المادة (266) تمنع الدافع هنا من الرجوع على الدائن، اعتبارًا بأن حق هذا الأخير على مدينه الحقيقي بات معرضًا لخطر الضياع، فكأن إثراءه غير مؤكد.
على أنه يُشترط هنا أن يكون الدائن قد أجرى العمل الذي يهدد بالضياع حقه على مدينه وهو حسن النية، أي معتقدًا بصحة الوفاء. إذ أنه في هذه الحالة وحدها يكون للدائن عذر واضح عما فعل، والدافع بعد ذلك وشأنه مع من أدى عنه دينه، حيث يكون له أن يرجع عليه بدعوى الإثراء.
والمادة (266) متوافقة في حكمها مع المادة (184) من قانون التجارة الكويتي الحالي والمادة (184) من القانون المدني المصري، وإن تضمنت تعديلاً في الصياغة اقتضته الملاءمة.
ويعرض المشروع، في المادة (267) لمضمون الالتزام بالرد الذي تنشغل به مسؤولية من يتسلم غير المستحق، وهو في ذلك ينحو منحى قانون التجارة الكويتي الحالي (المادة 185) والقانون المصري الذي استوحاه (المادة 185) فيفرق تفريقًا أساسيًا بين ما إذا كان القابض حسن أو سيئ النية.
فإن كان الفرض الأول، فإن القابض لا يلتزم بأن يرد إلا ما تسلمه بالفعل، دون ما عساه أن يكون قد أخذه من ثماره. فالثمار هنا تكون للقابض تأسيسًا على حيازته للشيء بحسن نية، وهو حكم تقضي به القواعد العامة في الحيازة.
أما إذا كان القابض سيئ النية، كما إذا كان يعلم بأنه يأخذ شيئًا غير مستحق له، فإنه يلتزم بأن يرد إلى جانب الشيء الذي قبضه الثمار التي جناها منه أو التي قصر في جنيها، وذلك من يوم تسلمه الشيء إذا كان يومئذٍ سيئ النية، أو من التاريخ الذي يصبح فيه سيئ النية إذا كان ذلك أمرًا طارئًا، وهو يلتزم على أية حال برد الثمار التي جناها أو تلك التي قصر في جنيها من يوم رفع الدعوى عليه برد الشيء، إذا قُضي له به، اعتبارًا بأنه يُعتبر سيئ النية من هذا التاريخ، وفقًا للقواعد العامة.
وتعرض المادة (268) لحالة خاصة من حالات تسلم غير المستحق، وهي تلك التي يكون فيها المتسلم غير مكتمل الأهلية، سواء أكان عديمها أو ناقصها، لتقضي أن المتسلم لا يكون ملتزمًا بالرد إلا في حدود ما عاد عليه من نفع معتبر قانونًا. وقد راعى المشروع في تقرير هذا الحكم أن المتسلم في الحالة المعنية، لا يقدر أصلاً، أو لا يقدر تقديرًا سليمًا، عواقب تسلمه ما لا حق له فيه، ثم إن هذا الحكم لا يعدو أن يكون تمشيًا مع المبدأ العام القاضي بأنه عند بطلان التصرف أو إبطاله، لا يتحمل من لا تتوافر فيه الأهلية بالالتزام بالرد إلا في حدود ما عاد عليه من نفع معتبر قانونًا، وهو مبدأ سبق للمشروع أن قننه في المادة (188).
أما المدة التي تسقط بعد فواتها دعوى استرداد ما دفع بغير وجه حق، فهي ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه المدعي بحقه في الاسترداد أو بانقضاء خمس عشرة سنة من اليوم الذي ينشأ فيه هذا الحق، أي المدتين أقرب، وهو الحكم الذي سبق للمشروع أن قرره في صدد دعوى الإثراء بوجه عام (المادة 263).
ثانيًا: الفضالة:
ويضمن المشروع أحكام الفضالة المواد من (269 إلى 278) وهي أحكام لا تخرج في عمومها عن تلك التي يقضي بها قانون التجارة الكويتي الحالي (المواد من 187 إلى 195) والقانون المصري الذي استوحاه (المواد من 188 إلى 197).
تبدأ المادة (269) ببيان مقومات الفضالة التي لا تكون بغير توافرها، فتتطلب في فقرتها الأولى، قيام الفضولي بأمرٍ عاجل ومن ثم ضروري لحساب شخص غيره، عن قصد منه لمنفعته، من غير أن يكون ملزمًا بذلك قانونًا، أي من غير أن يكون ملزمًا بأداء ما فعل امتثالاً لأمر يُلزمه به نص في القانون أو شرط في العقد أو حكم من القضاء.
وإذا كانت الأمور السابقة تتمثل المقومات الحقة للفضالة إلا أن المشروع، محتذيًا في ذلك حذو قانون التجارة الكويتي الحالي (المادة 187/ 2) وحذو القانون المصري (المادة 189/ 2) قد اعتبر في الفقرة الثانية من المادة (271) في حكم الفضالة، تولي الشخص شأن غيره أثناء توليه شأن نفسه، لما بين الشأنين من ترابط لا يمكن معه القيام بأحدهما دون الآخر.
وتعرض المادة (270) للحالة التي يقر فيها رب العمل ما قام به الفضولي، قاضية بسريان قواعد الوكالة في صدد ما قام به. وهذا الحكم لا يعدو أن يكون تطبيقًا لمبدأ أن الإقرار اللاحق كالوكالة السابقة.
على أن سريان قواعد الوكالة هنا يكون بطبيعة الحال في العلاقة بين الفضولي ورب العمل، أما بالنسبة إلى الغير الذي يكون الفضولي قد تعاقد معهم بصفته الشخصية، فيترخص لهم أن يعتبروا أن تعاملهم قد قام مع الفضولي باعتبار شخصه أو مع رب العمل باعتبار أن الفضولي كان وكيلاً عنه على حسب الأحوال.
وتفرض المادة (271) على الفضولي الالتزام بأن يمضي في العمل الذي بدأه إلى أن يتمكن رب العمل من أن يتولاه بنفسه، ما لم يكن هو قد أنهاه قبل ذلك، كما يفرض عليه أيضًا الالتزام بأن يبادر بإخطار رب العمل بتدخله في شأنه، عندما يتيسر له إجراء هذا الإخطار.
وتفرض المادة (272) على الفضولي التزامًا بأن يبذل في القيام بالعمل، الذي شاء لنفسه أن يتولاه، عناية الشخص العادي، حتى إذا ما قصر في بذل تلك العناية اعتبر مخطئًا، وحقت عليه المسؤولية عن تعويض الضرر الناجم عن خطئه.
وإذا كان المشروع قد أخذ الفضولي بعناية الشخص العادي، وحمله بالمسؤولية إن لم يبذلها، إلا أنه، نظرًا لعامل العجلة في تولي الأمر، واعتبارًا بخيرية الفضولي ونبيل قصده في التصدي لأمر يستهدف به نفع غيره دون إلزام عليه، فقد سوغ للقاضي في الفقرة الثانية من المادة (272) أن ينقص من مقدار التعويض المترتب على خطأ الفضولي أو أن يعفيه منه إذا رأى أن الظروف تبرر ذلك.
وتجيء المادة (273) لتقرر مسؤولية الفضولي، في مواجهة رب العمل، عن أعمال الغير الذين يكون الفضولي قد عهد إليهم بالقيام بشأن من شؤون رب العمل، وذلك دون إخلال بحق رب العمل نفسه في الرجوع مباشرة على هؤلاء الغير وفق ما تقضي به قواعد القانون.
وتقرر المادة (274) على الفضولي التزامًا بأن يرد لرب العمل كل ما يأخذه بسبب الفضالة، وبأن يقدم له حسابًا عما قام به من أعمال، وذلك على نحو ما يلتزم به الوكيل قبل الموكل.
وتعرض المادة (275) لحالة وفاة الفضولي ووفاة رب العمل، فتقرر في فقرتها الأولى أنه، في حالة وفاة الفضولي، يلتزم ورثته إزاء رب العمل، بما يلتزم به ورثة الوكيل إزاء الموكل، أما في حالة وفاة رب العمل فإن مركز الفضولي لا يتغير. ولذلك تقرر الفقرة الثانية بقاء الفضولي ملتزمًا نحو ورثة رب العمل بما كان ملتزمًا به نحوه.
وتعرض المادة (276) للصفة التي يخلعها القانون على الفضولي في قيامه بالعمل الذي يؤديه، قاضية بثبوت صفة النيابة له عن رب العمل.
وهكذا يعتبر الفضولي نائبًا عن رب العمل، سواء أقر هذا تصرفاته أم لم يقرها، فإن أقر رب العمل ما أجراه الفضولي من تصرفات، ثبتت للفضولي النيابة الاتفاقية أي الوكالة، وهو الحكم الذي سبق للمادة (270) من المشروع أن قننته، فإن لم يحصل من رب العمل إقرار لتصرفات الفضولي، كان لهذا الأخير وصف النيابة عنه، وإنما تكون نيابته هنا قانونية، على أن وصف النيابة القانونية لا يثبت بطبيعة الحال للفضولي إلا في حدود إدارة الشخص العادي، لأنه إذا خرج من يتولى شأن غيره عن حدود إدارة الشخص العادي، فإن وصف الفضولي يرتفع عنه في نطاق ما خرج فيه عنها، بل أنه يعرض نفسه للمسؤولية باعتباره مخطئًا، وفقًا لما تقضي به المادة (272) من المشروع.
ولا يرفع عن الفضولي وصف النائب، ما بقي في حدود إدارة الشخص العادي ألا تتحقق النتيجة المرجوة من عمله.
ويترتب على ثبوت صفة النيابة للفضولي انصراف آثار العقود التي أبرمها لرب العمل، فيكون هذا الأخير هو الدائن أو المدين على حسب الأحوال دون الفضولي، شريطة أن يكون الفضولي، عند التصرف قد أظهر لمن تعاقد معه صفته في النيابة، وتعاقد معه على هذا الأساس، فإن لم يتعاقد معه بهذه الصفة، وإنما بصفته الشخصية، كان لمن يتعاقد معه، كأصل عام، تجاهل رب العمل. وهنا يلتزم رب العمل بأن يعوض الفضولي عن التعهدات التي يتحمل غرمها.
وفي جميع الأحول يلتزم رب العمل بأن يدفع للفضولي كل المصروفات الضرورية والنافعة التي أداها، كما أنه يلتزم بأن يعوضه عن الضرر الذي لحقه بسبب قيامه بالعمل دون خروج منه عن حرص الشخص العادي، وذلك كله لو تجاوزت المصروفات أو الضرر مدى ما عاد على رب العمل من نفع، وفي هذا الصدد يتمثل الفارق الكبير الهام بين الأثر المترتب على الفضالة وذلك المترتب على الإثراء بدون سبب بوجه عام.
وإذا كان من مقتضى الفضالة أن يثبت للفضولي الحق في أن يرجع على رب العمل بكل ما ينفق من مصروفات ضرورية أو نافعة وبتعويض ما يتحمله من ضرر، إلا أن المشروع قد وضع حكمًا خاصًا لأجر الفضولي عن ذات عمله مقررًا عدم ثبوت حق له فيه، إلا أن يكون العمل الذي أداه داخلاً في أعمال مهنته، وقد راعى المشروع في تقرير هذا الحكم أن الفضولي يتبرع بجهده، فلا يستحق لذلك عنه أجرًا، إلا أن يكون العمل الذي أداه داخلاً في مهنته، فيستحق عنه الأجر المناسب، اعتبارًا بأن أداءه ربما يكون قد فوت عليه فرصة أداء عمل آخر مأجور.
ونص المادة (276) مأخوذ من نص المادة (193) من قانون التجارة الكويتي الذي هو بدوره مأخوذ من نص المادة (195) مدني مصري وذلك مع تعديل طفيف في الصياغة أجراه المشروع اقتضته الملاءمة، ومع استبعاد حق الفضولي في فوائد المصروفات التي أنفقها، تمشيًا مع النهج الذي التزمه المشروع من استبعاد الفوائد في شتي مظان وجودها.
وتعرض المادة (277) للحالة التي يكون الفضولي فيها غير مكتمل أهلية التعاقد، قاضية بعدم مسؤوليته قِبل رب العمل إلا في حدود ما أُثري به، ما لم يكن عمله قد تدنى إلى حد يصل به إلى المسؤولية التقصيرية.
وقد استوحى المشروع حكم المادة (277) من المادة (194) من قانون التجارة الكويتي الحالي، التي هي منقولة بدورها عن المادة (196) مدني مصري. على أن المشروع استبعد الحكم الذي جاء به سلفًا من أن مسؤولية رب العمل تبقى كاملة، ولو لم تتوافر فيه أهلية التعاقد، اعتبارًا منه بأن هذا الحكم أظهر من أن يقنن، إذ أن التزامات رب العمل إزاء الفضولي تثبت عليه نتيجة واقعة الفضالة ذاتها، وأهلية التعاقد إن لزمت في التصرفات، فلا مجال لها في الوقائع.
وتجيء المادة (278) لتبين المدة التي ترفع خلالها الدعوى الناشئة عن الفضالة، سواء رفعت من الفضولي على رب العمل أو من رب العمل على الفضولي. وهي في ذلك تقضي بسقوط هذه الدعوى بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه المدعي بحقه أو بانقضاء خمس عشرة سنة من اليوم الذي ينشأ فيه هذا الحق، أي المدتين أقرب.
الفصل الخامس: القانون:
(المادة 279):

يعرض المشروع، في المادة (279)، للالتزامات التي يرتبها القانون على وقائع أخرى غير العقد والإرادة المنفردة والفعل الضار والفعل النافع، محيلاً، في شأن حكمها، على النصوص الخاصة التي تقررها.

الباب الثاني: آثار الالتزام
الفصل الأول - التنفيذ الجبري:
المواد (280 – 306):

يعرض المشروع في المادة (280) للقاعدة العامة في أثر الالتزام الذي يتلخص في وجوب تنفيذه، والأصل أن يقوم المدين مختارًا بتنفيذ التزامه، وهذا التنفيذ الاختياري ينظمه المشروع في الباب الخاص بانقضاء الالتزام تحت عنوان الوفاء.
فإذا لم ينفذ المدين اختيارًا أجبر على التنفيذ إذا كان الالتزام مدنيًا، وهو الأصل الذي تنصرف إليه كلمة التزام إذا وردت من غير وصف، واستثناءً من هذا الأصل إذا كان الالتزام طبيعيًا، فلا يجبر المدين على تنفيذه.
والقاعدة التي وردت في المادة (280) موافقة لما قرره قانون التجارة الحالي في المادة (197) مع اختلاف في صياغة الفقرة الأولى حيث صرح المشروع بأن الجبر في التنفيذ يكون إذا لم ينفذ المدين الالتزام باختياره، وهو حكم مسلم ولا يحتمل الشك حتى في ظل النص الحالي الذي اكتفى بالقول (ينفذ الالتزام جبرًا على المدين) وذلك نقلاً عن القانون المصري. وقد أُريد بتعديل الصياغة والتصريح بهذا الحكم المسلم أن يكون النص أكثر وضوحًا.
ويعرض المشروع في المادة (281) لوجود الالتزام الطبيعي. وبدهي أن يرجع أولاً إلى نصوص التشريع، فإذا لم يوجد نص يقرر في حالة خاصة وجود التزام طبيعي، فالقاضي هو الذي يقدر ذلك.
وقد اكتفى نص المادة (198) تجاري، شأنه في هذا شأن القانون المصري (المادة 200) والقوانين التي نقلت عنه (السوري والجزائري)، بترك التقدير للقاضي دون أي توجيه من المشرع اللهم القيد الخاص بعدم قيام التزام طبيعي يخالف النظام العام، وهو قيد ربما أمكن عدم النص عليه لبداهته.
وحاول المشرع الليبي أن يخطو خطوة في سبيل إرشاد القاضي فنص على أن يقدر القاضي، عند عدم النص، ما إذا كان هناك التزام طبيعي (يقوم على أساس واجب أدبي أو اجتماعي). وهو توجيه محدود الفائدة أما المشرع الأردني فيبين معنى الالتزام الطبيعي، أو الحق الطبيعي على نحو ما قيل فيما يسمى النظرية التقليدية، فبعد أن نص في الفقرة الأولى من المادة (313) على أن ينفذ الحق جبرًا على المدين به عند استحقاقه متى استوفى الشرائط القانونية، نص في الفقرة الثانية على أنه (فإذا افتقد الحق حماية القانون لأي سبب فلا جبر في تنفيذه ويصبح حقًا طبيعيًا يجب في ذمة المدين)، كما نص في المادة (314) على أنه: (إذا أوفى المدين حقًا طبيعيًا فقد حماية القانون ...). وهذه فكرة ضيقة في تحديد حالات الالتزام الطبيعي، ذلك أن الاتجاه الحديث هو عدم حصر هذه الحالات في الالتزامات التي حال مانع قانوني دون أن تكون التزامات مدنية يجبر المدين على تنفيذها سواء كان المانع قد حال دون نشوء الالتزام كتخلف شرط شكلي في العقد أو كان قد حال دون بقاء الالتزام كما هي الحال بالنسبة للالتزام الذي لم تسمع الدعوى به لمرور الزمان، وإنما يمتد نطاق الالتزامات الطبيعية إلى واجبات خلقية منذ نشأتها ولكن درجة الوجوب فيها أقوى من درجة الوجوب في الواجبات الخلقية العادية فيرتفع إلى مستوى الوجوب الذي يرتب بعض الآثار القانونية.
وقد آثر المشروع أن يبين للقاضي الضابط الذي يقف عنده وهو ما إذا كان هناك التزام طبيعي، فنص على أن (يُقدر القاضي، عند عدم النص، متى يُعتبر الواجب الأدبي التزامًا طبيعيًا، مراعيًا في ذلك الوعي العام للجماعة)، فالقاضي وهو على علم بأحكام الالتزام الطبيعي يقدر ما إذا كان الواجب الخلقي يرتفع في ضمير الجماعة إلى مستوي هذا الالتزام الطبيعي بأحكامه التي نُص عليها في القانون، أم لا.
وتعرض المادة (282) التي تطابق المادة (199) من قانون التجارة الحالي، للأثر الأول من آثار الالتزام الطبيعي وهو حكم الوفاء الاختياري، وذلك بالنص على أنه (لا يسترد المدين ما أداه باختياره قاصدًا أن يوفي التزامًا طبيعيًا، ولا يُعتبر متبرعًا بما أداه)، فنظرًا إلى أن الالتزام الطبيعي، برغم عدم إمكان الجبر في تنفيذه لانتفاء عنصر المسؤولية فيه، هو التزام قائم في ذمة المدين وعليه واجب الوفاء به، فإن وفاه باختياره فهو يوفي بدين مستحق، ويرتب المشروع على ذلك نتيجتين، الأولى أن الموفي ليس له أن يسترد ما وفاه، والثانية هي أن الموفي لا يعتبر متبرعًا بما وفى به، ذلك أن الدائن قد استوفى حقًا له والمدين وفى بما يجب عليه، على أنه يشترط لهذا – بالإضافة إلى ضرورة توفر مقومات الالتزام الطبيعي أن يكون الموفي عند الوفاء عالمًا بأن التزامه هو التزام طبيعي أي أنه غير مجبر على الوفاء ومع ذلك قصد الوفاء به مختارًا، فإذا وفى وهو يعتقد أن الالتزام التزم مدني، أو أُكره على الوفاء، كان وفاؤه غير صحيح وجاز له أن يسترد ما وفاه، ومن ناحية أخرى فإذا كان الالتزام الذي وفى به لم يصل إلى درجة الالتزام الطبيعي وقصد الموفي المتبرع بما وفى طبقت أحكام التبرعات.
أما الحكم الوارد في المادة (283) وهو أن الالتزام الطبيعي يصلح سببًا لالتزام مدني، فالمقصود به مواجهة الفرض الذي يتعهد فيه المدين بالتزام طبيعي بأن يفي بهذا الالتزام، وهو يعلم أنه غير مجبر على الوفاء، فالمسلم أن تعهده يعتبر صحيحًا ويترتب عليه أن يصبح ملتزمًا بالتزام مدني يجبر على الوفاء به، وقد اختلف الرأي في أساس تحول الالتزام الطبيعي إلى التزام مدني، فقد قيل بفكرة تجديد الالتزام بتغيير الدين، وقيل أن الالتزام الطبيعي يقوم بدوره السبب في نشوء الالتزام المدني وهو التصوير الذي أخذ به نص قانون التجارة الحالي وتبناه المشروع، وهنا أيضًا لا يعتبر تعهد المدين تبرعًا، ما دام أنه قد قصد بالتعهد وفاء الالتزام الطبيعي.
أولاً: التنفيذ العيني:
وتضع المادة (284) المبدأ العام في التنفيذ العيني الجبري، وما يرد عليه من استثناء بما يتفق تقريبًا مع نص المادة (201) من قانون التجارة الحالي مع بعض التعديل في الصياغة.
أما الفقرة الثانية من المادة ففيها تعديل في الصياغة من ناحتين: الأولى، أن نص المشروع فضل عبارة (جاز للمحكمة أن تقصر حق الدائن على ....)، على العبارة الواردة في النص الحالي وهي (جاز له أن يقتصر على دفع تعويض ...) والناحية الثانية، وهي تعديل في الحكم، أن المشروع لم يرَ وجهًا لما يشترطه النص الحالي من أن يكون التعويض نقديًا، فقد يرى القاضي أن يستجيب لطلب المدين بالتعويض العيني، خاصةً إذا لم يعترض على ذلك الدائن، كما لو كان محل الالتزام تسليم أشياء من نوع معين بأوصاف محددة وتبين أن الحصول عليها يرهق المدين، ويمكن أن يُسلم أشياء أخرى تؤدي للدائن نفس الغرض أو على وجه قريب دون أن يلحقه من ذلك ضرر جسيم.
وعرض المشروع لبيان كيف يكون التنفيذ في صور الالتزام المختلفة، مبتدأ بالالتزام بإعطاء أي نقل حق عيني، ثم الالتزام بعمل ويقصد به الالتزام بعمل إيجابي غير الإعطاء، ثم الالتزام بالامتناع عن عمل.
وفيما يتعلق بالالتزام بالعمل على نقل حق عيني، لم يضع المشروع نصًا مقابلاً لنص المادة (202) من قانون التجارة الحالي التي تنص على أن: (الالتزام بنقل الملكية أو أي حق عيني آخر ينقل من تلقاء نفسه هذا الحق، إذا كان محل الالتزام شيئًا معينًا بالذات يملكه الملتزم وذلك دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالتسجيل) وعلة الاستبعاد أنه لا يوجد في الفرض الذي يتناوله النص التزام في حقيقة الأمر، وإنما ينتقل الحق بقوة القانون كأثر مباشر للسبب الذي من شأنه أن ينقل الحق. هذا مع ملاحظة أنه قد ورد في المشروع عند بيان أسباب كسب الملكية نص يقرر أن التصرف القانوني ينقل الملكية والحقوق العينية الأخرى إذا كان المتصرف هو صاحب الحق المتصرف فيه.
ولذلك اقتصر المشروع، فيما يتعلق بالالتزام بالعمل على نقل حق عيني، على نص المادة (285) التي تواجه حالة الشيء المعين بنوعه، وحكم النص يوافق حكم المادة (203) من قانون التجارة الحالي مع شيء من التعديل في الصياغة.
وعرض المشروع بعد ذلك إلى الالتزام بعمل، والمقصود هو العمل الإيجابي، وتمهيدًا للنصوص الخاصة بتنفيذ هذا الالتزام في صوره المختلفة، نص المشروع في المادة (286) وهي مطابقة للمادة (204) من قانون التجارة الحالي، على قاعدة تتعلق بوجود صورتين من صور الالتزام بعمل، هما الالتزام بالتسليم، والالتزام بالمحافظة على الشيء، إذ يوجد كل منهما متفرعًا عن الالتزام بنقل حق عيني.
وتقابل المادة (287) من المشروع نص المادة (205) من قانون التجارة الحالي مع شيء من التعديل، وبخاصة أن المشروع لم ينقل العبارة الواردة في صدر النص الحالي وهي: (إذا التزم المدين أن ينقل حقًا عينيًا أو أن يقوم بعمل، وتضمن التزامه أن يسلم شيئًا ...) إذ توحي هذه العبارة أن حكم النص يقتصر على بعض صور الالتزام بالتسليم في حين أنه يشمل كل صور هذا الالتزام، وهو ما صرحت به المذكرة الإيضاحية لمشروع النص المصري وهو أصل النص الكويتي.
وعن الالتزام بعمل فإنه إما أن يكون تنفيذه مما لا يقتضي تدخل المدين شخصيًا، وإما أن يكون التنفيذ يقتضي تدخل المدين بشخصه والحالة الأولى هي الأصل وتعتبر الثانية استثناءً، ولهذا بدأ المشروع بالحالة الأولى، في المادة (288) وذلك على خلاف قانون التجارة الحالي الذي قدم الحالة الثانية (المادة 206) على الحالة الأولى (المادة 207).
ونص المادة (288) مطابق لنص المادة (207) من قانون التجارة، وأكثر القوانين العربية الأخرى (المصري، والسوري، والعراقي، الليبي). ولم يرَ المشروع وجهًا لما ذهب إليه القانون الجزائري إذ استبعد حكم الفقرة الثانية الخاصة بحق الدائن في التنفيذ على نفقة المدين دون إذن القاضي في حالة الاستعجال، كما لم يرد المشروع الأخذ بمسلك القانون السوداني الذي استبعد إذن القاضي مكتفيًا بإخطار المدين، وعدم إخطاره في حالة الاستعجال. كما أن حكم القانون الأردني لا يختلف عن نص المشروع إلا في أنه يذكر الضرورة بدلاً من الاستعجال، وقد آثر المشروع أن ينص على الاستعجال لأنه يتضمن معنى الضرورة.
ويلاحظ في النهاية أنه إذا كان النص خاصًا بالالتزام بعمل الذي لا يقتضي تنفيذه تدخل المدين شخصيًا، فالنص لم يذكر هذا لأن تقدير ما إذا كان التنفيذ ممكنًا دون تدخل المدين موكول للدائن فهو الذي يقرر ما إذا كان يكتفي بتنفيذ الالتزام على نفقة المدين دون تدخله، ولهذا فقد كان المشروع التمهيدي للنص المصري، وهو الأصل التاريخي للنص، يقول (في الالتزام بعمل إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه، ولم يكن ضروريًا أن ينفذه بنفسه جاز للدائن...) ثم رئُي حذف عبارة (ولم يكن ضروريًا أن ينفذه بنفسه) لأن الدائن هو صاحب المصلحة فيجب أن يُترك له التقدير فيما إذا كان المدين يجب أن ينفذ الالتزام بنفسه أم لا.
وتعرض المادة (289) للتنفيذ العيني عندما تسمح طبيعة الالتزام بأن يقوم حكم القاضي مقام التنفيذ، كما لو كنا بصدد بائع امتنع عن تنفيذ التزام بالتصديق على إمضائه في عقد البيع تمهيدًا لتسجيل العقد، وكذلك إذا امتنع الواعد بالتعاقد، بعد أن أظهر الموعود له رغبته في التوقيع على العقد الموعود به.
ويختلف نص المشروع عن نص قانون التجارة الحالي (المادة 208) في أنه لم يخصص الحكم بعبارة (في الالتزام بعمل).
وفي النصوص السابقة التي عرض فيها المشروع للالتزام بعمل، كان المقصود هو الالتزام بتحقيق غاية، سواء في ذلك الالتزام بتسليم شيء أو الالتزام بإنجاز عمل آخر مثل إقامة مبنى، أما نص المادة (290) فيعرض للالتزام بعمل إذا كان واجب المدين يقتصر على بذل عناية، سواء كانت هذه العناية تتمثل في حفظ شيء أو في إدارته، أو كانت في القيام بعمل آخر مثل التزام الطبيب بالعلاج أو المحامي بالدفاع عن موكله. وفي هذا النوع من الالتزامات بعمل يكون المدين قد وفى بالتزامه إذا بذل العناية المطلوبة منه، والأصل في العناية التي تتطلب من المدين، وهي التي قررها النص، هي عناية الشخص العادي، ولكن قد ينص القانون على درجة من العناية أكبر أو أقل من عناية الشخص العادي، كما في التزام المستعير بحفظ الشيء المعار والتزام الوديع غير المأجور بحفظ الشيء المودع، كما قد يتفق على درجة خاصة من العناية تختلف عن عناية الشخص العادي، فإذا قام المدين بالعناية المطلوبة منه فلا يكون مسؤولاً ولو لم تتحقق الغاية التي قصد إليها الدائن لأن المدين لم يلتزم بتحقق هذه الغاية، على أنه إذا كان خطأ المدين يعتبر غشًا أو خطأ جسيمًا، فإنه يكون مسؤولاً في جميع الأحول أي حتى ولو اتفق على إعفائه من المسؤولية.
ونص المادة (290) موافق لنص المادة (211) من قانون التجارة الحالي والنصوص العربية المختلفة، مع قليل من التعديل في الصياغة.
وتعرض المادة (291) لتنفيذ الالتزام بالامتناع عن عمل، أو كما يقال أحيانًا، العمل السلبي، وهو الالتزام بالامتناع عن عمل كان من حق المدين أن يقوم به لولا وجود الالتزام، كالالتزام بعدم فتح محل تجاري من نوع معين في مكان معين أو الالتزام بعدم التمثيل على مسارح معينة، فإذا أخل المدين بالتزامه بأن قام بالعمل الذي وجب عليه أن يمتنع عنه، وكانت الأعمال التي قام بها المدين مما يمكن إزالتها، مثل غلق المحل التجاري، أو هدم البناء الذي أُقيم على خلاف الالتزام، كان للدائن أن يطلب من المحكمة الحكم بالإزالة، وله أن يطلب ترخيصًا من القضاء في أن يقوم بهذا الإزالة على نفقة المدين مع عدم الإخلال بحقه في التعويض، والأعمال التي للدائن أن يطلب إزالتها وفقًا لهذا النص هي، كما يتضح من الأمثلة المذكورة الأعمال المادية.
وذلك النص مطابق لنص المادة (210) من قانون التجارة الحالي.
وتعرض المادة (292) لما يسمى الغرامة التهديدية أو التهديد المالي، وهي وسيلة غير مباشرة لحمل المدين على التنفيذ العيني، يُلجأ إليها إذا كان التنفيذ العيني يقتضي أن يقوم به المدين شخصيًا إما لأنه غير ممكن أو لأنه يكون غير ملائم إلا إذا قام به المدين نفسه وقد يكون الدائن في ذات الوقت حريصًا على التنفيذ العيني.
والغرامة التهديدية التي يحكم بها القاضي ليست تعويضًا عن الضرر، وإنما هي وسيلة لتهديد المدين لحمله على التنفيذ، ولذلك لا يراعي القاضي في تقدير ما يحكم به التناسب مع الضرر بل يراعي ما يراه كافيًا لتهديد المدين، ولذلك إذا رأى أن ما حكم به لم يثنِ المدين عن إصراره على عدم التنفيذ فإنه يمكنه إعادة النظر والزيادة في مقدار الغرامة. وما دامت الغرامة هي مجرد تهديد للمدين فالحكم بها يكون حكمًا وقتيًا وليس واجب التنفيذ، وتنتفي علة وجوده إذا اتخذ المدين موقفًا نهائيًا إما بالتنفيذ أو الإصرار على عدم التنفيذ فيعيد القاضي النظر في حكمه ليفصل في الموضوع، فإن كان المدين قد نفذ فالقاضي لا يحكم عليه إلا بالتعويض عن التأخير في التنفيذ وإذا أصر المدين على عدم التنفيذ فيحكم القاضي بالتعويض عن عدم التنفيذ ويراعي القاضي في الحالتين ما لحق الدائن من ضرر، كما يراعي ما يكون قد بدا من المدين من عنت.
ونص المادة (292) موافق لنص المادتين (211 و212) كويتي، ولا يختلف عنهما إلا في الصياغة، فقد استبدل المشروع عبارة (جاز للدائن أن يطلب الحكم بإلزام المدين ...) بعبارة (جاز للدائن أن يحصل على الحكم بإلزام المدين ...) كما استبدل لفظ المحكمة بلفظ القاضي، وكذلك نص الفقرة الثالثة من المادة لا يختلف عن نص المادة (212) كويتي إلا في بعض الألفاظ، فقد استبدل عبارة (عدم التنفيذ) بعبارة (رفض التنفيذ) واستبدل لفظ المحكمة بلفظ القاضي.
ثانيًا: التنفيذ بطريق التعويض:
تعرض المادة (293) للقاعدة العامة في التنفيذ بطريق التعويض أي للمسؤولية عند عدم التنفيذ أو التأخر فيه، وهي تقابل المادة (162) من قانون التجارة الحالي، مع بعض التعديلات على النحو الآتي:
أولاً: نص قانون التجارة الحالي ورد تحت عنوان المسؤولية العقدية في الباب الخاص بآثار العقد. وقد آثر المشروع وضع النص مع النصوص الخاصة بتنفيذ الالتزام لأن حكمه لا يقتصر على الالتزام الناشئ من العقد وإنما ينصرف إلى الإخلال بأي التزام ولو لم ينشأ عن عقد، فإذا أخل الفضولي مثلاً بالتزامه بحفظ المال الذي في يده بسبب الفضالة وإدارته، سرى عليه حكم النص.
ثانيًا: نص قانون التجارة الحالي لم يصرح بركني الضرر والسببية بين الضرر والخطأ، فآثر المشروع التصريح بهما وذلك في عبارة (... بتعويض الضرر الذي لحق الدائن بسبب ذلك ...) والتصريح برابطة السببية بين الخطأ والضرر على هذا الوجه يستبعد احتمال أن تُفهم العبارة الأخيرة من النص وهي (... ما لم يثبت المدين أن عدم التنفيذ أو التأخير كان لسبب أجنبي لا يد له فيه) على أن المقصود بها هو نفي السببية بين ركني الخطأ والضرر، في حين أنه يقصد بها أن المدين له، برغم عدم التنفيذ - أن يُثبت أنه ليس منسوبًا إليه، وبالتالي فهو غير مقصر.
ثالثًا: رُئي الجمع بين التعويض عن عدم التنفيذ والتعويض عن التأخير فيه، في صيغة واحدة، في حين أن النص الحالي يضع الحكم بالنسبة للتعويض عن عدم التنفيذ ثم يقول بعد ذلك (وكذلك يكون الحكم إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه).
وتواجه المادة (294) ما يسمى الخطأ المشترك، وهي تقابل نص المادة (218) من قانون التجارة الكويتي، بعد تعديلها بما يجعل النص مقصورًا على حكم حالة (الخطأ المشترك) بالمعنى الفني لهذا المصطلح. ذلك أن اشتراك خطأ الدائن مع خطأ المدين في إحداث الضرر إذا فُهم بالمعنى اللغوي يحتمل ثلاثة فروض: أن يستغرق خطأ المدين خطأ الدائن وفي هذا الفرض تبقى مسؤولية المدين كاملة فيلتزم بتعويض الضرر كله، والفرض الثاني أن يستغرق خطأ الدائن خطأ المدين، وفي هذا الفرض نكون بصدد حالة من حالات السبب الأجنبي الذي يجعل المدين غير مسؤول أصلاً، والفرض الثالث هو ألا يستغرق أحدًا الخطأين الآخر، وهذا هو الخطأ المشترك بالمعنى الفني الذي يراد مواجهته بنص خاص حيث يحكم على المدين، بعد إنقاص التعويض بالقدر الذي يقابل خطأ الدائن.
ونص قانون التجارة الحالي يفيد أن المشرع واجه فرضين من الفروض الثلاثة المشار إليها، وهما الفرض الخاص بعدم استغراق أحد الخطأين للآخر وحيث يحكم بإنقاص التعويض، والفرض الخاص باستغراق خطأ الدائن لخطأ المدين وحيث لا تحكم المحكمة بأي تعويض، والفرض الأخير لا يحتاج إلى نص خاص وتحكمه المادة (295).
وتقابل المادتان (295 و296) أحكام الفقرتين الأولى والثانية من نص المادة (219) من قانون التجارة الكويتي، وتتفق مع الأحكام الواردة فيها، ولكن رئُي إفراد الحكم الوارد في المادة (295) بنص خاص لأنه يتعلق بصحة الاتفاق على صورة من صور تشديد المسؤولية على المدين، في حين أن المادة (296) والتي تقابل الفقرة الثانية من المادة (219) تجاري تواجه الاتفاقات على الإعفاء من المسؤولية.
أما الحكم الوارد في الفقرة الثالثة من المادة (219) تجاري والخاص ببطلان كل شرط يقضي بالإعفاء من المسؤولية المترتبة على العمل غير المشروع، فقد رئُي أن مكانه المناسب هو مع النصوص الخاصة بتلك المسؤولية.
وتعرض المادة (297) لضرورة الإعذار حتى يستحق التعويض وهي تقابل المادة (214) من قانون التجارة، وتختلف عنها: أولاً في عبارتها الأخيرة حيث تقول: (ما لم يقضِ الاتفاق أو ينص القانون على غير ذلك) فقد رئُي اعتبار حالة الاتفاق على عدم الإعذار من الحالات التي لا يلزم فيها الإعذار، بدلاً من الحكم الحالي الوارد في المادة (215) من قانون التجارة وهو اعتبار الاتفاق السابق إعذارًا إذ يقول النص بصدد بيان كيف يكون إعذار المدين (... كما يجوز أن يكون مترتبًا على اتفاق يقضي بأن يكون المدين معذرًا بمجرد حلول الأجل دون الحاجة إلى إنذار)، وثانيًا لم ينص المشروع على العبارة الواردة في النص الحالي وهو (... ولو كان سبق تحديده مقدمًا باتفاق بين المتعاقدين ...) لأن التعويض في هذه الحالة، والمقصود هو الشرط الجزائي، هو تعويض يصدق عليه النص دون حاجة إلى تصريح بذلك، كما أن القاعدة الخاصة بضرورة الإعذار تسري على التعويض الاتفاقي.
وتعرض المادة (298) لكيفية الإعذار، والوسيلة الأولى التي يتحقق بها هي الإنذار وهو ورقة رسمية توجه من الدائن إلى المدين، عن طريق مندوب الإعلان، يطلب فيها الدائن من المدين تنفيذ التزامه. ويقوم مقام الإنذار أي ورقة رسمية يتبين منها أن الدائن يريد أن يقوم المدين بتنفيذ التزامه بشرط أن تعلن إلى المدين، مثل صحيفة الدعوى أي التكليف بالحضور أمام المحكمة وكذلك إعلان السند التنفيذي الذي يسبق التنفيذ.
وكما يكون الإعذار بالإنذار أو ما يقوم مقامه فإنه يتفق في العقد على أن يكون الإعذار بوسيلة أخرى كخطاب مسجل أو برقية فإذا كان من الجائز أن يتفق على عدم ضرورة الإعذار فمن باب أولى يجوز الاتفاق على طريقة معينة للإعذار لأن القاعدة التي تستوجب الإعذار ليست من النظام العام.
وتقابل المادة (298) الحكم التي تنص عليه المادة (215) من قانون التجارة مع تعديل أدق في صياغتها وحكمها.
وتقابل المادة (299) نص المادة (216) من قانون التجارة الحالي وتختلف عنه من النواحي الآتية:
أولاً: أضاف نص المشروع الحالة ( أ ) التي تعتبر الاتفاق مقدمًا على أن يكون المدين مخلاً بالتزامه بمجرد عدم الوفاء به عند حلول الأجل اتفاقًا على عدم ضرورة الإعذار. وذلك بعد أن استبعد المشروع هذه الحالة من نص المادة (298) التي تبين كيفية الإعذار، على خلاف نص المادة (215) من القانون الحالي، فالواقع أن مثل هذه الاتفاق يغني عن الإعذار وليس طريقة من طرق الإعذار.
ثانيًا: آثر المشروع في الحالة (ب) ألا يذكر العبارة الواردة في نص المادة (216) من قانون التجارة والتي تبدأ بالقول (وعلى الأخص ...) وذلك اكتفاءً بالقاعدة العامة التي تسبقها. كما أضاف نص المشروع عبارة (أو غير مجدٍ) بعد عبارة (غير ممكن) وفي هذا يتفق المشروع مع نص القانون المصري والقوانين التي نقلت عنه.
ثالثًا: عدل المشروع تعديلاً لفظيًا في الحالتين (د)، (هـ) المقابلتين للحالتين الواردتين في نص قانون التجارة برقمي (3 و4).
وتعرض المادة (300) للأصل العام في تقدير التعويض، أو التعويض القضائي، حيث تقدره المحكمة وفقًا للضوابط التي وضعها المشروع وحكمها يقابل المادة (163) من قانون التجارة الذي وضعه المشرع تحت عنوان المسؤولية العقدية مع آثار العقد، وكان من نتيجة هذا أن قصر النص الضوابط التي وضعها لتقدير التعويض على حالة الالتزام الناشئ عن العقد، ولم يرَ المشروع أن يساير هذا الاتجاه لأن هذه الضوابط هي الواجبة الاتباع أيًا كان مصدر الالتزام ولهذا وضع النص مع النصوص الخاصة بالتنفيذ بطريق التعويض كما فعل المشرع المصري والقوانين الأخرى التي حذت حذوه.
هذا والضرر الذي يلحق الشخص بسبب عدم تنفيذ الالتزام، قد يكون ماديًا وقد يكون أدبيًا، والتعويض عن الضرر المادي، وهو ما يصيب المضرور في مصلحة مالية، لا يحتاج إلى نص، أما التعويض عن الضرر الأدبي، وهو يصيب الشخص في مصلحة غير مالية، فقد كان محل شك، وأخذت المادة (301) بمبدأ التعويض عن الضرر الأدبي اطرادًا مع قانون التجارة الكويتي (المادة 217). ثم أحالت إلى المادتين (231 و232) الواردتين مع أحكام المسؤولية التقصيرية وتعرضان لمن يجوز الحكم له بالتعويض عن الضرر المتمثل في الألم بسبب الموت، والأحوال التي يجوز فيها أن ينتقل التعويض ممن يستحقه ابتداء إلى غيره.
وتضع المادة (302) مبدأ جواز الاتفاق مقدمًا على تقدير التعويض الذي يستحق عند إخلال المدين بالتزامه، وهو المعروف بالشرط الجزائي أو التعويض الاتفاقي، وخلافًا لقانون التجارة (المادة 164/ 1)، حرص المشروع على أن ينص في صدر النص الذي وضعه على المجال الذي يصح فيه الاتفاق مقدمًا على مقدار التعويض، وهو حالة ما إذا لم يكن محل الالتزام مبلغًا من النقود. ذلك أنه إذا كان محل الالتزام هو دفع مبلغ من النقود، فيكون الاتفاق على التعويض عند إخلال المدين بالتزامه هو اتفاق على فائدة أما إذا لم يكن محل الالتزام مبلغًا من النقود، فالاتفاق على تقدير تعويض يلتزم به المدين عند إخلاله بالتزامه يعتبر صحيحًا عند جمهور فقهاء المسلمين ولا يبطل إلا عند الشافعية.
وتناول المشروع في المادتين (303 و304) ما يترتب على وجود الاتفاق على تقدير التعويض من نتائج.
ويتضح من حكم المادة (303) أن الاتفاق يُبقي على ركن الضرر فلا يحكم بالتعويض إذا لم يترتب على إخلال المدين بالتزامه أي ضرر بالدائن، ولكن يظهر أثر الاتفاق على تقدير التعويض فيما يتعلق بركن الضرر في مجال الإثبات، إذ يترتب عليه افتراض حصول ضرر مساوٍ لما قدره المتعاقدان، فلا يكلف الدائن بإثبات وجود الضرر، كما أن من يدعي من الطرفين أن الضرر الواقع فعلاً يقل أو يزيد عما هو متفق عليه، فعليه عبء إثبات ذلك.
فإذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر، فيكون أحد أركان المسؤولية قد تخلف وبالتالي لا تحكم المحكمة بأي تعويض. أما إذا لم يثبت المدين ذلك، ولكنه أثبت أن الضرر الحادث أقل من التعويض المتفق عليه، فيجوز للمحكمة أن تخفض التعويض في حالتين: الحالة الأولى، إذا أثبت المدين أن التقدير الاتفاقي للتعويض كان مبالغًا فيه إلى درجة كبيرة، فلا يكفي أن يثبت أن الضرر الواقع فعلاً أقل من المتفق عليه، والحالة الثانية أن يثبت المدين أن الالتزام قد نفذ في جزء منه، ذلك أن المفروض أن التقدير الاتفاقي كان لعدم التنفيذ الكلي، وكلا الحكمين المقررين في النص، وهما عدم الحكم بأي تعويض إذا ثبت عدم حصول الضرر، والحكم بتخفيض التعويض، يتعلق بالنظام العام وبالتالي فكل اتفاق على خلافه باطل لا أثر له.
وقد استمد المشروع حكم تلك المادة من قانون التجارة الكويتي (164/ 2) ومن مصادره التشريعية من القوانين العربية مع تعديل الصياغة على وجه أكثر دقةً وضبطًا.
وتعرض المادة (304) للحالة التي تبين فيها أن الضرر قد جاوز قيمة التعويض المتفق عليه، ولما كان المفروض أن الضرر مساوٍ لما قدره المتعاقدان، فإنه إذا ادعى الدائن أنه قد لحقه ضرر يزيد عن المتفق عليه كان عليه إثبات ذلك، وفي هذه الحالة لا تحكم المحكمة بزيادة التعويض لموجهة الزيادة في الضرر إلا إذا أثبت الدائن أن المدين قد ارتكب غشًا أو خطأ جسيمًا، ويرجع هذا الحكم على أن الاتفاق على تقدير التعويض مقدمًا يتضمن اتفاقًا على الإعفاء من المسؤولية عما يجاوز التعويض المتفق عليه من ضرر، والأصل أن هذا الاتفاق يعتبر صحيحًا ويُعمل به إلا في حالة غش المدين أو خطئه الجسيم.
ويتفق حكم تلك المادة مع الحكم المنصوص عليه بالمادة 164/ 2 من قانون التجارة الكويتي.
وقد سار المشروع على استبعاد نظام الفوائد، سواء كانت اتفاقية أو قانونية، في مقابل انتفاع المدين بمبلغ من النقود أو جزاء التأخر في الوفاء بالنقود، في كل موضع يكون فيه محل الالتزام مبلغًا من النقود.
وحتى لا يحمل السكوت عن النص على الفوائد محل تركها للاجتهاد أو في الأقل حتى لا يثور الشك حول مدى صحة الاتفاق على فائدة، رئُي وضع نص المادة (305) التي تقرر بطلان الاتفاق على الفائدة، ظاهرة كانت أو مستترة.
وإذا كان النص على بطلان الاتفاق الذي يلزم بفائدة لا يثير مشاكل في معاملات الناس تستحق الوقوف عندها، فتبقى مسألة قد يؤدي السكوت عنها إلى تأثير سيئ في النشاط الاقتصادي فيحجم الكثيرون عن ائتمان غيرهم، وهذا المسألة هي: ما الحكم إذا تأخر المدين بمبلغ من النقود عن الوفاء، وبخاصة إذا كان قادرًا ؟
وهذه المسألة هي التي عرض لها نص المادة (306) الذي أُريد به تحقيق شيء من الحماية للدائن الذي أخل المدين بثقته فيه، وبمقتضى هذا النص يجوز للمحكمة أن تحكم على المدين المتأخر بالتعويض، وذلك بمراعاة ما يلي:
أولاً: لا يعتبر المدين متأخرًا على النحو الذي يمكن معه الحكم بالتعويض إلا بعد إعذاره، وقد يبدو أن المشروع يشدد على المدين بأكثر مما هو متبع في نظام الفوائد حيث لا تستحق الفوائد إلا من وقت المطالبة القضائية بها، ولكن حكم المشروع قد روُعي فيه أولاً أن الحكم بالتعويض لا يكون إلا حيث يكون المدين قادرًا على الوفاء، وثانيًا لأن المشروع يهدف إلى حمل المدين على الوفاء دون أن يلجأ الدائن إلى الالتجاء إلى القضاء خاصة والخطر الذي يراد حماية الدائن منه، والفرض أن المدين مقتدر، هو حرمان الدائن من النقود في الفترة ما بين وقت استحقاق الدين والوقت الذي يتمكن فيه من استيفاء حقه بالتنفيذ على أموال المدين.
ثانيًا: يجب أن يثبت الدائن قدرة المدين على الوفاء، وتراعي المحكمة في ذلك طبيعة الأموال التي يملكها المدين والوقت اللازم لتدبير المبلغ المطلوب منه.
ثالثًا: لا يكون للدائن الحق في التعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب تأخر المدين في الوفاء أيًا كان هذا الضرر، بل لا بد كما يقول النص أن يكون الضرر غير مألوف، وهو ما يعني أن يكون ضررًا غير عادي له صفة الاستثناء، فلا يكفي مجرد حرمان الدائن من مبلغ من المال كان سيستثمره كما يستثمر الناس عادة أموالهم، ويمكن التمثيل للضرر غير المألوف بحالة ما إذا كان الدائن قد اعتمد على أنه سيستوفي حقه في موعد استحقاقه وارتبط بناءً على ذلك بصفقة يلتزم فيها بمبلغ يُستحق في موعد استحقاق الدين الذي له أو بعده بقليل، وبسبب عدم وفاء مدينه وبالتالي عدم وفائه بما عليه فُسخ العقد الذي تمت به الصفقة وحكم عليه بالتعويض، وكذلك حالة ما إذا كان الدائن قد اعتمد على المبلغ الذي لم يفِ به المدين ليفي دينًا عليه، ولما تأخر المدين تأخر الدائن في الوفاء بما عليه وانتهى الأمر بالحجز على منزله وبيعه جبرًا.
رابعًا: عندما تحكم المحكمة بالتعويض، لا تلتزم في ذلك بالقواعد العامة في تقدير التعويض، أي ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب بل تراعي، كما يقول النص، مقتضيات العدالة الأمر الذي يفتح الباب أمام القاضي ليُدخل في اعتباره كافة الظروف الخاصة بطرفي النزاع.
الفصل الثاني: الضمان العام للدائنين ووسائل المحافظة عليه:
المواد (307 - 322):

يعرض نص المادة (307) للضمان العام للدائنين، ويقصد به أن لكل دائن أن يستوفي حقه جبرًا عن المدين بالتنفيذ على أمواله، وعمومية الضمان تظهر من ناحيتين: ناحية أموال المدين فللدائن أن ينفذ على أي مال يوجد في ذمة المدين وقت التنفيذ، سواء أكان موجودًا وقت نشوء الحق الذي يراد استيفاؤه جبرًا أو وُجد في ذمة المدين بعد نشوء الحق، ولا يستثنى من أموال المدين إلا الأموال التي لا يجوز الحجز عليها، كما تظهر العمومية من ناحية أن الضمان مقرر لكل الدائنين. ويتساوى الدائنون في هذا الضمان بمعنى أنه إذا اشترك عدة دائنين في التنفيذ على مال للمدين ولم يكفِ المتحصل من بيعه للوفاء بكل ديونهم فيقسم بينهم قسمة الغرماء، ولكن هذه المساواة لا تكون إلا بالنسبة للدائنين العاديين، أما بالنسبة للدائنين الذين لهم حقوق تخولهم التقدم، كالرهن أو الامتياز، فيستوفون حقوقهم كل بحسب مرتبته، فإن بقي شيء اقتسمه الدائنون العاديون.
ونص المشروع مطابق لنص قانون التجارة الحالي (المادة 220).
أولاً: استعمال الدائن حقوق مدينه (الدعوى غير المباشرة):
تعرض المادة (308) وكذلك المادة (309) لحق الدائن في استعمال حقوق مدينه باسم هذا المدين، وهو ما يُطلق عليه في الاصطلاح السائد، وإن كان غير دقيق الدعوى غير المباشرة، فإن كان الغالب أن يكون استعمال حق المدين برفع دعوى باسمه فإنه يكون أيضًا باتخاذ إجراء آخر، مثل تسجيل عقد اشترى به المدين عقارًا، أو قيد رهن يضمن حقًا لمدينه قِبل الغير، أو تجديد قيد الرهن، أو إعلان حكم صدر لمصلحة المدين، أو الطعن في حكم صدر ضده، أو قطع التقادم الساري ضد المدين.
ونص المادة (308) موافق للأحكام الواردة في المادة (221) من قانون التجارة الحالي مع شيء من التعديل في الصياغة روُعي فيه على وجه الخصوص:
أولاً: تجنب نص المشروع عبارة (ولا يكون استعمال الدائن لحقوق مدينة مقبولاً ...) إذ توحي هذه العبارة بأن ما ورد بعدها شرط لقبول الدعوى، في حين أنه مشروط لجواز استعمال الحق، فعدم استعمال المدين حقوقه إذا كان من شأنه أن يؤدي إلى إعسار المدين أو زيادة إعساره من الشروط الموضوعية. ولهذا آثر المشروع في الفقرة الأولى أن يجعل شرط عدم استعمال المدين حقوقه وكذلك شرط أن عدم الاستعمال يؤدي إلى الإعسار أو زيادة الإعسار باعتبارهما شرطين موضوعيين.
ثانيًا: أفرد المشروع الفقرة الثانية للنص على عدم الحاجة إلى إعذار المدين، وهو حكم عام يشمل كل صور استعمال الدائن حقوق مدينه، سواء كان ذلك برفع دعوى أو دون رفع دعوى. وللنص أيضًا على وجوب إدخال المدين إذا كان استعمال الحق برفع دعوى، وهذا الواجب بالذات هو الذي يترتب على الإخلال به عدم قبول الدعوى، كما روُعي في الصياغة التي جاء بها المشروع تفادي صياغة النص الحالي بوجوب إدخال المدين في الدعوى بصيغة توحي أن استعمال الدائن لحقوق مدينه يكون دائمًا برفع دعوى، وهو غير صحيح، لذلك بدأ المشروع العبارة الخاصة بهذا الحكم بالقول (ولكن إذا رُفعت دعوى...).
وتعالج المادة (309) آثار استعمال الدائن حق مدينه وقد اكتفى المشروع بالنص على الفكرة التي تنبني عليها تلك الآثار وهي أن القانون يعتبر الدائن نائبًا عن مدينه. والنتيجة المنطقية لهذا هي أن يبقى الحق كما هو للمدين الذي يكون له حرية التصرف فيه، كما أن من يستعمل الدائن الحق ضده يستطيع أن يدفع بكافة الدفوع التي له قِبل المدين. وكل ما يترتب على استعمال الحق فإنه يكون للمدين فإذا حُكم في دعوى مثلاً بدين لمصلحة المدين دخل في ذمته هو وبالتالي لا يستأثر به الدائن الذي رفع الدعوى، وقد روُعي عدم مجاراة قانون التجارة الحالي فيما ضمنه بالمادة (222) من أن (كل فائدة تنتج عن استعمال هذه الحقوق تدخل في أموال المدين، وتكون ضمانًا لجميع دائنيه)، فهذه نتيجة لازمة لما نص عليه من أن الدائن يُعتبر في استعماله حقوق مدينه نائبًا عنه، وهو ليس النتيجة الوحيدة كما ذُكر من قبل. هذا بالإضافة إلى أن تلك العبارة، تنقصها الدقة، فهي وإن كانت تواجه الفرض الغالب في العمل وحيث يترتب على استعمال الدائن حقًا لمدينه أن يُدخل شيء ما في أموال المدين، فثمة فروض يقتصر استعمال الدائن فيها لحقوق مدينه على دفع خطر كان يتهدد ذمة المدين فلا يترتب عليه إدخال شيء في أموال هذا المدين، كما لو قطع الدائن التقادم الساري ضد مصلحة المدين أو جدد قيد رهن يضمن دينًا للمدين ضد الغير.
ثانيًا: دعوى عدم نفاذ التصرفات:
وتعرض المواد من (310 إلى 313) للشروط التي يجب أن تتوفر حتى يستطيع الدائن أن يطلب عدم نفاذ تصرف مدينه في حقه، وهذه الشروط هي:
أولاً: فيما يتعلق بحق الدائن الذي يطعن في تصرف مدينه فإنه يُشترط أن يكون الحق مستحق الأداء، وهو ما صرحت به المادة (310).
ثانيًا: فيما يتعلق بتصرف المدين الذي يطعن فيه الدائن فإنه يُشترط أن يكون ضارًا بالدائن، وهو ما صرحت به المادة (310) أيضًا ويترتب على هذا الشرط أن الدائن لا يستطيع أن يطعن في تصرف المدين إذا كان هذا التصرف سابقًا على وجود حق الدائن، كما يترتب عليه أن الدائن لا يستطيع أن يطعن في تصرف المدين فيما لا يجوز الحجز عليه، ويعتبر تطبيقًا لهذا الشرط ما صرح به النص من اشتراط أن يكون التصرف قد ترتب عليه إعسار المدين أو زيادة إعساره، وأنه وإن كان هذا يغني عما أضافه النص من أن التصرف المطعون فيه قد أنقص من حقوق المدين أو زاد في التزاماته، وهو ما يعبر عنه بأن يكون التصرف مفقرًا إلا أن النص حرص على تلك الإضافة للإفصاح صراحةً عن أن التصرف المفقر لا يقتصر على التصرف الذي ينقص من حقوق المدين بل يشمل كذلك التصرف الذي يزيد في التزاماته.
ثالثًا: وفيما يتعلق بالمدين المتصرف والمتصرف إليه، فإنه يشترط لعدم نفاذ التصرف في حق الدائن غش المدين وعلم المتصرف إليه بهذا الغش، إن كان التصرف معاوضة. وقد وضع المشروع قرينة على غش المدين فيكفي أن يثبت الدائن أن المدين كان يعلم وقت التصرف أنه معسر حتى يفترض فيه الغش أي نية الإضرار بالدائن، ولكنها قرينة بسيطة يستطيع المدين أن يثبت عكسها كما وضع قرينة بسيطة أخرى فيما يتعلق بإثبات علم المتصرف إليه بغش المدين فيكفي أن يثبت الدائن أن المتصرف له كان يعلم أن المدين معسر أو أنه كان ينبغي عليه أن يعلم بذلك حتى يفترض أنه يعلم بالغش (المادة 311).
وإذا تصرف خلف المدين إلى خلف آخر، فإن كان التصرف الأول معاوضة والثاني معاوضة فيشترط لعدم نفاذ التصرف أن يكون الخلف الثاني يعلم غش المدين كما يعلم أن الخلف الأول كان يعلم بهذا الغش، وإن كان التصرف الأول تبرعًا والثاني معاوضة فلا يشترط إلا علم الخلف الثاني بعسر المدين وقت تصرفه للخلف الأول (المادة 312).
وثمة صورتان من صور توالي التصرفات، لم يصرح النص بحكمها إذ يمكن استخلاص هذا الحكم من نص الفقرة الثانية من المادة (311)، وهي صورة ما إذا كان التصرف الأول تبرعًا والثاني تبرعًا، وكذلك إذا كان التصرف الأول معاوضة والثاني تبرعًا، فيكفي إعمال الفقرة الثانية لنصل إلى أنه لا يُشترط لعدم نفاذ التصرف أي شرط يتعلق بالغش أو العلم به في الصورة الأولى، وعدم اشتراط شرط جديد في الصورة الثانية.
تبقى مسألة إثبات أحد شروط عدم نفاذ التصرف وهو شرط إعسار المدين، فإذا كان الأصل أن الدائن هو الذي يقع عليه الإثبات، إلا أنه يكفي أن يثبت ما في ذمة المدين من ديون، وعلى المدين إذا أراد أن يثبت أنه موسر أن يثبت أن لديه من المال ما يساوي ما عليه من ديون أو يزيد عليها وهو ما نصت عليه المادة (313).
وقد استمد المشروع أحكام دعوى عدم نفاذ التصرفات بالمواد السابقة من قانون التجارة الكويتي (223 - 225) ومصادره التشريعية في القوانين العربية المادة (238) مصري وما بعدها والمادة (239) سوري وما بعدها والمادة (241) ليبي وما بعدها، مع تعديل في الصياغة وترتيب الأحكام اقتضته الملاءمة.
وتعرض المادة (314) لمن يستفيد من الحكم بعدم نفاذ التصرف، ومنه يتضح أن عدم النفاذ لا يكون بالنسبة للدائن الذي رفع الدعوى وحده ولكن يمتد إلى الدائنين الآخرين الذين صدر التصرف إضرارًا بهم، أي من كانوا يستطيعون التمسك بعدم نفاذ التصرف في حقهم ولو لم يشتركوا في الدعوى، وهم السابقة ديونهم على التصرف.
ويتفق هذا الحكم مع ما تنص عليه المادة (226) من قانون التجارة الكويتي والمواد المقابلة بمصادرها في التشريعات العربية، وأجرى المشروع تعديلاً طفيفًا في الصياغة
وتعرض المادة (315) لحق المتصَرف إليه في التخلص من الدعوى وحكمها يقابل حكم الفقرة الثالثة من المادة (227) من قانون التجارة الكويتي. ولم يرَ المشروع ما يدعو إلى النص على الأحكام التي أوردتها هذه المادة في الفقرتين الأولى والثانية لأنها محض تطبيق للقواعد العامة ولا تحتاج إلى نص بشأنها.
هذا ويختلف النص الذي جاء به المشروع عن النص الوارد في القانون الكويتي (المادة 227/ 3) والنصوص العربية الأخرى المقابلة إذ لوحظ على تلك النصوص أنها تقتصر على مواجهة الفرض الذي يكون فيه المتصرف إليه مشتريًا، ولم يدفع الثمن، وتقرر أن له أن يتخلص من الدعوى بإيداع الثمن. والواقع أن التخلص من الدعوى لا يحتاج إلى أكثر من إيداع قيمة المال المتصرف فيه بغض النظر عن كون المتصرف إليه مشتريًا أم لم يكن كذلك، فقد يكون متبرعًا إليه ويرغب في الاحتفاظ بالمال لسبب ما فيودع ما يساويه من قيمة، وكذلك فإن كان مشتريًا فلا معنى لاشتراط عدم دفعه الثمن للبائع، فإيداع قيمة المال هو الذي ينتفي معه شرط الضرر أيًا كانت ظروف المتصرف إليه.
وجاءت المادة (316) بنص مماثل في عمومه للمادة (228) من قانون التجارة ويعرض لحالات خاصة من تطبيقات دعوى عدم نفاذ التصرفات وهي:
أولاً: الحالة الأولى هي حالة ما إذا كان التصرف هو تفضيل دائن على آخر دون حق، بأن يعطيه تأمينًا خاصًا، وقد حرص المشروع على النص على هذه الحالة بالذات لأن إعمال القواعد العامة في دعوى عدم نفاذ التصرفات يثير الشك في انطباقها عليها إذ قد يُقال إن إنشاء الرهن لا يتضمن إنقاصًا من حقوق المدين ولا الزيادة في التزاماته، فورد النص قطعًا لهذا الشك ويترتب على ذلك وجوب التمييز بين فرضين، فإذا كان التصرف معاوضة كما لو قدم المدين رهنًا لأحد دائنيه في مقابل مد الأجل أو حط جزء من الدين، فيشترط غش المدين وعلم المتصرف إليه بهذا الغش وفقًا للقواعد العامة، أما إذا كان التصرف تبرعًا بأن أعطى المدين الرهن دون أي مقابل، فلا يُشترط الغش ولا علم المتصرف إليه بإعسار المدين: كما هو الشأن في التبرعات. هذا وقد عدل المشروع في صياغة الفقرة الأولى من المادة (228) من القانون القائم التي تواجه هذه الحالة وذلك حتى يتسع النص لكل تصرف بتفضيل دائن على غيره إذ أن النص الحالي لا يواجه إلا الفرض الذي يكون فيه المدين غاشًا، ومن ناحية أخرى فإن النص الحالي يقول في بيان أثر الطعن في التصرف، أنه لا يترتب عليه إلا حرمان الدائن من هذه الميزة، وهذا لا يعني أكثر من عدم نفاذ التصرف في حق الدائن.
ثانيًا: إذا وفى المدين المعسر أحد دائنيه قبل حلول الأجل أو بعد حلوله. وهنا أيضًا حرص المشروع تمشيًا مع القانون الحالي على بيان حكم الوفاء وجواز الطعن فيه، لأن ترك الأمر للقواعد العامة يثير الشك إذ أن الوفاء لأحد الدائنين قبل غيره ليس فيه إنقاص لحقوق المدين أو الزيادة في التزاماته، على أنه يجب التفرقة بين الوفاء قبل انقضاء الأجل، والوفاء بعد انقضائه.
فإذا وفى المدين أحد دائنيه قبل انقضاء الأجل، كان لكل من الدائنين الآخرين أن يطعنوا بعدم نفاذ التصرف وفقًا لأحكام التبرعات، أي دون حاجة إلى اشتراط غش المدين الموفي وعلم الدائن المستوفي بإعسار المدين. أما إذا كان الوفاء بعد حلول الأجل فلا يجوز الطعن بعدم نفاذه إلا في حالة التواطؤ بين المدين والدائن الذي استوفى حقه، وهو شرط أشد مما تقتضيه القاعدة العامة.
ثالثًا: الحق في الحبس:
وتعرض المادة (318) للحق في الحبس وبيان شروطه وحكمها يقابل نصوص المواد (230 و231 و232) من قانون التجارة الحالي.
وقد آثر المشروع الاكتفاء بوضع القاعدة العامة، دون سرد لبعض تطبيقاتها، وذلك على خلاف مسلك قانون التجارة الحالي الذي حذا حذو القانون العراقي، إذ بدأ بالنص في المادة (230) على حق البائع في حبس المبيع حتى يستوفي الثمن وحق العامل في حبس الشيء الذي يعمل فيه إلى أن يستوفي أجره، ثم بعد ذلك عمم الحكم على كل المعاوضات المالية حيث يكون لكل من المتعاقدين أن يحبس المعقود عليه وهو في يده حتى يقبض البدل المستحق، ثم عرض في المادة (231) لحق من أنفق على ملك غيره مصروفات وهو في يده في حبسه حتى يستوفي ما هو مستحق له. وبعد ذلك عاد فوضع القاعدة العامة في المادة (232) بصيغة تتسع لما سبق أن قرره في المادتين (230 و231). ونظرًا إلى أن تلك التطبيقات تحكم قاعدة عامة واحدة، فإن المشروع لم يفردها بأحكام خاصة. وقد أورد المشروع تلك القاعدة بالمادة (318) بفقرتها الأولى على وجه يتفق مع ما تقرره المادة (232) من القانون الحالي والمادة 246/ 2 مصري والنصوص التي نقلت عنه، وذلك بعد إجراء التعديلين التاليين:
فأولاً: صرح المشروع بأن يكون حق الدائن الذي يحق للمدين أن يُحبس حتى يستوفيه مستحق الأداء وهو حكم مسلم حتى في ظل النصوص التي لم تصرح به ومع ذلك آثر المشروع أن يصرح به.
وثانيًا: في بيان صلة التزام المدين بالتزام الدائن اكتفى المشروع بالنص على الارتباط بينهما، في حين أن النصوص العربية وكلها متأثرة في ذلك بالنص المصري، تتطلب وجود رابطة سببية بين الالتزامين، وهو حكم غير صحيح، ولعله وُجد في نص القانون المصري، ومن بعده في التشريعات العربية الأخرى، نتيجة خطأ في ترجمة عبارة النص الأصلي الذي كتب بالفرنسية للمشروع التمهيدي للقانون المصري، فقد تُرجمت عبارة
a l"coyasion أي بمناسبة بكلمة (بسبب) في النص العربي. فإذا كانت السببية هذه تتحقق عندما ينشأ الالتزامان من عقد ملزم للجانبين، فإن نطاق الحق في الحبس لا يقتصر على دائرة هذه العقود، فقد يكون خارج نطاق الروابط العقدية.
أما الفقرة الثانية من مادة المشروع، والتي تقابل الفقرة الثانية من النص المصري، والمادة (231) تجارة كويتي، فقد صيغت بطريقة مختلفة ذلك أن النص المصري، ومن بعده النصوص العربية الأخرى، قد أوردت الحكم الخاص بحق حائز الشيء أو محرزه في حبس الشيء حتى يسترد المصروفات باعتباره تطبيقًا أورده المشروع على وجه الخصوص، وفي نهاية النص يقرر عدم جواز الحبس إذا كان الالتزام بالرد ناشئًا عن عمل غير مشروع، والواقع أنه يكفي النص على هذا الحكم الأخير فيكون مؤدى ذلك أنه استثناء من القاعدة العامة في الحبس أو بتعبير آخر نكون بصدد شرط هو أن يكون وجود الشيء في يد حائزه أو محرزه بسبب مشروع. ولهذا صيغت الفقرة الثانية على نحو لا يبرز أن المشروع يضع تطبيقًا خاصًا، ولكن للإفصاح بأن الحبس في هذا الفرض غير جائز ما دام الالتزام بالرد نشأ عن عمل غير مشروع.
وتعرض المادة (319) لما يترتب على الحابس من التزامات بسبب حبسه الشيء، فعليه أن يقوم بالمحافظة عليه، وأن يقدم حسابًا عن غلته، وتفريعًا على الالتزام بالحفظ، إذا كان الشيء المحبوس يُخشى عليه من الهلاك أو التعييب أن يطلب من المحكمة الإذن له في بيعه كما يكون له في حالة الاستعجال أن يبيعه دون إذن، وينتقل الحق في الحبس في الحالين من الشيء إلى ثمنه. ونص المشروع لا يختلف عن أحكام الفقرتين الثانية والثالثة من المادة (233) من قانون التجارة إلا في أنه أضاف جواز البيع دون استئذان في حالة الاستعجال، وهو حكم لم تنص عليه التشريعات العربية المقارنة برغم أنه قد يحدث في العمل ألا يتسع الوقت للحصول على إذن المحكمة كما لو أن أمين النقل كان يحبس نوعًا من الفاكهة أو الخضروات التي لا تحتمل التأخير إلى حين الحصول على إذن القضاء وإلا تلفت.
وقد أفرد المشروع الحكم الخاص بأن حق الحبس في ذاته لا يعطي الحابس حق امتياز على الشيء المحبوس بمادة مستقلة، هي المادة (320) على خلاف قانون التجارة الحالي، الذي يجمع بينه وبين التزامات الحبس في المادة (233) السابقة، وقد حذا المشروع في تقرير الحكم الذي أخذ به حذو القانون الحالي وقوانين البلاد العربية الأخرى ما عدا القانون الأردني الذي ينص على أن الحابس أحق من باقي الغرماء في استيفاء حقه.
وتعرض المادة (321) لحلول ما قد يستحق عند هلاك الشيء المحبوس أو تلفه من مقابل أو تعويض، حلولاً عينيًا، وهو نص لا مقابل له في القانون الكويتي ولا في قوانين البلاد العربية الأخرى فيما عدا القانون السوداني (المادة 232).
هذا مع ملاحظة أن قانون التجارة الكويتي، والقوانين العربية الأخرى قد طبقت فكرة الحلول العيني في حالة خاصة وهي عندما يكون الشيء المحبوس مما يُخشى عليه الهلاك أو التلف، وحيث يكون للحابس أن يحصل على إذن المحكمة في بيعه، وينتقل الحق في الحبس من الشيء إلى ثمنه، وهو ما قرره المشروع في المادة (319) فرئُي تعميم حكم هذا الحلول العيني على الحالات الأخرى التي يهلك فيها الشيء المحبوس أو يتلف ويترتب على ذلك استحقاق مقابل أو تعويض يلتزم به من أهلك الشيء أو أتلفه وفقًا لأحكام المسؤولية التقصيرية، أو مبلغ التأمين الذي تلتزم به الشركة المؤمنة أو ما تدفعه الدولة نظير استملاك المال المحبوس، فليس ثمة مبرر لقصر الحلول العيني على حالة بيع الشيء الذي يُخشى عليه الهلاك أو التلف دون غيرها من الحالات.
ونص المشروع لا يختلف عن نص القانون السوداني إلا في أنه استبدل عبارة (إلى ما يُستحق بسبب ذلك من مقابل أو تعويض) بعبارة (إلى ما يحل محله) الواردة في النص السوداني، لأن الحلول في المعنى الفني للمصطلح هو الأثر الذي يرتبه القانون على الاستبدال الذي يعني وجود مال في الذمة بدلاً من مال آخر خرج منها، وبالتالي فالحلول في الفرض المنصوص عليه هو انتقال الحق في الحبس إلى مال البدل.
بقي أن انتقال الحق في الحبس من الشيء إلى ما يستبدل به، يثير مسألة كيف يمارس صاحب الحق في الحبس حقه على المال الذي حل محله، خاصة والغالب أن يكون مبلغًا من النقود، وقد رئُي تنظيم هذه المسألة بالنسبة للرهن الحيازي، عندما ينتقل حق الدائن المرتهن إلى ما يستبدل بالشيء المرهون على أثر الهلاك أو التلف، والاكتفاء هنا بالإحالة إلى أحكام الرهن الحيازي.
وتعرض المادة (322) لحالة خاصة من الحالات التي ينقضي فيها الحق في الحبس بعد وجوده وهي حالة خروج الشيء من يد الحابس، فالحق في الحبس ينقضي في حالات أخرى لا تحتاج إلى نص بشأنها، منها أن يقوم الدائن بالوفاء بالتزامه نحو الحابس، أو يقدم تأمينًا كافيًا للوفاء بهذا الالتزام. كما ينقضي الحق في الحبس بالنزول عنه صراحةً أو ضمنًا كما لو طلب الحابس بيع الشيء جبرًا على مالكه ليستوفي حقه من ثمنه فلا يكون له عندئذ أن يمتنع عن تسليم الشيء إلى الراسي عليه المزاد تمسكًا بحقه في الحبس.
والأصل كما تقرره المادة (322) أن الحبس ينقضي بخروج الشيء من يد الحابس، وقد آثر المشروع ألا ينقل العبارة المقابلة بقانون التجارة الحالي التي تتكلم عن زوال الحيازة، إذ أن الحبس لا يقتضي بالضرورة أن يكون الحابس حائزًا بالمعنى الفني لمصطلح الحيازة، ولهذا تكلم النص المصري عن الحيازة أو الإحراز.
على أنه إذا خرج الشيء من يد الحابس دون علمه أو رغم معارضته فله، وفقًا لنص الفقرة الثانية أن يطلب استرداده خلال ثلاثين يومًا من وقت علمه بخروج الشيء من يده وقبل انقضاء سنة من وقت خروجه وهذا الحكم متفق مع نص القانون الكويتي والقوانين العربية الأخرى.

الباب الثالث: الأوصاف المعدلة لآثار الالتزام
الفصل الأول: الشرط والأجل:
المواد (323 – 335):
أولاً: الشرط:

تعرض المادة (323) من المشروع لحكم الشرط فتتطلب أن يكون الالتزام الشرطي معلقًا في قيامه أو في زوال وجوده على أمر مستقبل وغير محقق الوقوع، أما إذا علق على أمر تم وقوعه في الماضي كان الالتزام منجزًا ولو كان المتعاقدان على جهل بذلك، وإن علق على أمر محقق الوقوع كان الالتزام مضافًا إلى أجل، ويتفق المشروع في ذلك مع ما تقرره المادة (236) من قانون التجارة الحالي مع تعديل في الصياغة يجعل المعنى المراد سهل التناول، وهو ما جرت به نصوص المواد (265) مصري، (252) ليبي، (265) سوري.
وقد أخذت المادة (324) من المشروع بما تقرره المادة (227) من قانون التجارة الحالي عن الشرط غير الممكن أو المستحيل مع تعديل في الصياغة أدنى إلى دقة العبارة وأوفى في الإحاطة بالحكم المقصود وقد حذا المشروع في ذلك حذو القانون المصري والقانون السوري والقانون الليبي بالمواد (266 و265 و252) على التوالي ويكون الشرط غير ممكن إذا كان أمرًا مستحيل الوقوع وعلى أن تكون الاستحالة مطلقة فإن كانت استحالة نسبية فإنها لا تعيب الالتزام وتعتبر الاستحالة نسبية إذا غلب على الفكر إمكان وقوعها.
وتقرر المادة (325) حكمًا يقضي بعدم قيام الالتزام المقترن بشرط واقف يتعلق بمحض إرادة الملتزم اعتبارًا بأنه من شأن الشرط في هذه الصورة أن يجعل عقدة الالتزام منحلة منذ البداية. فإذا جاء الشرط على أساس أن المدين يلتزم إذا شاء أو إن وجد ذلك مناسبًا له كان شرطًا باطلاً لا يولد معه الالتزام، إنما إذا كان الشرط فاسخًا فإنه يكون صحيحًا ولو تعلق بمحض إرادة المدين، لأن الالتزام قد وُجد صحيحًا ولو تعلق بمحض إرادة المدين، لأن الالتزام قد وجد صحيحًا وتامًا وتنطلق إرادة المدين بشأن الإبقاء عليه أو فسخه، ويراعى أيضًا أن الشرط يصح إذا كان رهينًا بإرادة الدائن وحده فيكون الالتزام المشروط معلقًا على إرادة هذا الدائن فله أن يقتضي الدين من المدين وله أن يحله منه، وغني عن البيان أن البطلان لا يتطرق إلى الشرط المختلط وهو ما يكون مرتبطًا بإرادة أحد الطرفين وبعامل أو عوامل خارجية لا تخضع لإرادته التحكمية وقد جاء المشروع بحكم المادة (325) نقلاً عن المادة (267) مصري والقوانين العربية التي نقلت عنها.
وأوردت المادة (326) ذات الحكم العام الذي تنص عليه المادة (238) من قانون التجارة الحالي، وإذ كان مؤدى النص الحالي على عدم قيام الالتزام إلا بتحقق الشرط الواقف هو عدم صلاحية الالتزام قبل تحقق هذا الشرط لمباشرة أي إجراء من إجراءات التنفيذ، إلا أن فترة بقاء الالتزام معلقًا على خطر الوجود قانونًا دون أن يكون مجرد أمل من الآمال يجعله أساسًا صالحًا لاتخاذ الإجراءات التحفظية وهو ما رئُي إضافته إلى حكم القانون الحالي وعلى نحو ما جرت عليه أكثر التشريعات العربية المقارنة (المادة 268 من القانون المصري وما يقابلها في التشريعات العربية التي نقلت عنه).
وتقابل المادتان (327 و328) من المشروع ما تقرره المادتان (239 و240) من قانون التجارة الحالي مع تعديل في أولاهما أدنى إلى الدقة في الصياغة وتمام التنسيق بين حكمها والحكم المنصوص عليه بالمادة (240) فقد نصت المادة (327) من المشروع على أن زوال الالتزام بتحقق الشرط الفاسخ لا يرتب الضمان على الدائن إذا استحال عليه الرد بسبب لا يعزى إليه، وبذلك يتسق حكمها مع ما تقضي به المادة (328) من المشروع (المقابلة للمادة 240 تجاري) من تجريد الشرط واقفًا كان أو فاسخًا من أثره الرجعي إذا أصبح محل الالتزام قبل تحقق الشرط مستحيلاً لسبب لا يد للمدين فيه، وهو ما رُوعي في التشريع المصري، بالمادتين (269 و270) مدني والتشريعات العربية التي سارت على منواله (المادة 270 سوري والمادة 257 ليبي والمادة 290 عراقي). وقد أخذ المشروع بنظرية القانون القائم وتلك التشريعات بشأن فكرة الأثر الرجعي اعتبارًا بأنها تمثل عادة النية المحتملة للمتعاقدين، ذلك أن مفهوم تعليق الالتزام على الشرط، أن المتعاقدين لا يعلمان وقت التعاقد إن كان الشرط يتحقق أو لا يتحقق ولو أنهما كانا على معرفة مسبقة بمآل الشرط لما علقا عليه الالتزام وجعلاه التزامًا منجزًا من اللحظة التي انعقد فيها العقد، ومن أجل ذلك لا يكون الأثر الرجعي للشرط متعلقًا بالنظام العام فيجوز للمتعاقدين أن يتفقا على خلاف مقتضاه، كما يمتنع الأثر الرجعي للشرط إذا تعارض وجوده مع طبيعة العقد.
ثانيًا: الأجل:
تتفق المواد (329 و330 و331) من المشروع على التوالي مع الأحكام المقررة بالمواد (241 و242 و243) من قانون التجارة الحالي، مع تعديل في صياغة أولاها التي تنص على معنى الأجل بنوعيه تحقيقًا للتجانس مع الصياغة التي آثرها المشروع بمادته (323) في بيان نوعي الشرط. والحق المقترن بأجل موقوف حق له وجود كامل فينتقل من صاحبه إلى الغير بكافة الأسباب التي تنتقل بها الحقوق الأخرى ولذلك تقرر المادة (330) أن لصاحبه أن يجري فيه الأعمال اللازمة للمحافظة عليه وصيانته، ولا يجوز للمدين أو غيره أن يحول بينه وبين ما يتخذه من هذه الأعمال، كما أن له أن يقوم بالأعمال والإجراءات التحفظية كوضع الأختام وقيد الرهون الرسمية والتدخل في القسمة وله بوجه خاص أن يطالب بتأمين إذا خشي إعسار المدين أو إفلاسه واستند في ذلك إلى سبب معقول يبرره، وفي هذه الحالة إذا لم يقدم المدين التأمين سقط الأجل وصار الالتزام منجزًا، وترتيبًا على ما للحق المؤجل من ماهية الوجود الكامل فإنه إذا هلك الشيء الذي يكون محلاً له بسبب أجنبي قبل حلول الأجل وقع هلاكه على الدائن لا على المدين. وتنص المادة (331) على حكم تمليه القواعد العامة وهو حلول الأجل بالنزول عنه ممن له مصلحة فيه، فلصاحب المصلحة وحده أن يتنازل عما تقرر من أجل لمصلحته هو، ويغلب أن يكون الأجل لمصلحة المدين وإنما يمكن أن يتمحض لمصلحة الدائن كما هي الحال في الوديعة فلا يملك التنازل عن الأجل في الحالة الأولى إلا المدين ولا يملكه في الحالة الثانية إلا الدائن فإذا كان الأجل لمصلحتهما معًا لم يجُز لأحدهما أن ينفرد بالتنازل بل يصبح تراضيهما شرطًا للتنازل في هذه الصورة.
وقد أخذ المشروع في المادة (332) بأسباب سقوط الأجل كما أوردتها المادة (244) من قانون التجارة الحالي وإنما رئُي أنه من الملائم في خصوص السبب الثاني من تلك الأسباب أنه إذا كان أضعاف التأمين قد وقع بعلة لا يد للمدين فيها، فإن المدين يكون له الخيار بين قبول سقوط الأجل أو تقديم تأمين كافٍٍ لتغطية الدين، فلا مبرر في هذه الصورة لما يجري به النص الحالي من جعل الخيار الثاني هو تكملة التأمين إلى القدر الذي كان عليه قبل أضعافه إذ يمكن أن تربو قيمته الأصلية كثيرًا على قدر الدين، وقد استمد المشروع هذا الحكم من المادة (273) مصري والتشريعات العربية التي حذت حذوه.
كذلك أخذ المشروع في المادة (333) بما تقضي به المادة (245) من قانون التجارة الحالي من أن موت المدين يترتب عليه حلول الدين المؤجل وهو حكم يرجع في أصله إلى بعض الآراء في الفقه الإسلامي، ويستثنى من ذلك الحكم الدين المضمون بتأمين خاص، ورأى المشروع إضافة استثناء آخر استمده من مذهب الحنابلة بمنع سقوط الأجل إذا قدم الورثة ضامنًا كافيًا تقديرًا بما في هذه الصورة من التصون لحق الدائن، وتتفق المادتان (334 و335) في حكمهما مع ما تنص عليه المادتان (246 و247) من قانون التجارة الحالي مع تعديلات لفظية طفيفة في الصياغة ومؤدى حكم أولاهما أنه إذا تبين من الظروف أن المدين قصد إضافة التزامه إلى أجل هو ميسرته أو قدرته على الوفاء فإنه يكون للدائن أن يطلب من المحكمة تعيين الموعد المناسب لذلك الوفاء، وتلتمس المحكمة من الظروف والملابسات الموعد الذي تقدر أن يكون المدين عند حلوله موسرًا أو مقتدرًا على الوفاء بالالتزام مراعية في التقدير موارد المدين عند نظر الدعوى وما يتوقع أن يرد إليه من أموال وموارد في المستقبل وواضعةً في اعتبارها أن المدين سينتهج فيما يجريه ذات درجة العناية التي يبذلها الشخص الحريص على الوفاء بالتزامه، وتنص المادة (335) المقابلة للمادة (247) على حكم تفرضه الطبيعة القانونية للأجل الفاسخ، فالحق المقترن بأجل من هذا القبيل يكون زواله محققًا منذ البداية وتبعًا لذلك يمتنع التأويل بأن نية الطرفين انصرفت إلى الأثر الرجعي إذ لا محل لهذا التأويل إزاء أمر محقق الوقوع.
الفصل الثاني: تعدد محل الالتزام:
المواد :(336 - 340):
أولاً: الالتزام التخييري:

جاء المشروع بالمادتين (336 و337) متفقًا مع ما تقضي به المادتان (248 و249) من قانون التجارة الحالي. ويعتبر الالتزام تخييريًا في حكم المادة الأولى إذا كان هناك تعدد في محل الالتزام على نحو يحقق مكنة الاختيار بين ما تعدد إليه المحل. فإذا لم يصح الالتزام بأكثر من أمر واحد بسبب عدم توفر الشروط القانونية فيما عداه لعدم مشروعيته أو لعدم إمكانه مثلاً فإن الالتزام يكون مجردًا من وصف التخيير وليس له إلا محل واحد وهو ذاك الذي صح الالتزام به، ويلزم ألا يتداخل في منطقة الالتزام التخييري نظم قانونية أخرى تشتبه به وأخصها الشرط الجزائي الذي لا يعدو أن يكون تقديرًا اتفاقيًا للتعويض عن إخلال المدين بالتزامه فهو بمثابة كل تعويض آخر لا يقوم محلاً ثانيًا إلى جانب المحل الأصلي الذي انصب الالتزام عليه فيمتنع على المدين أن يختار التعويض بالشرط الجزائي دون التنفيذ العيني إذا كان هذا التنفيذ ممكنًا وطالب به الدائن، كما يمتنع على الدائن أن يختار الشرط الجزائي إذا كان التنفيذ العيني ممكنًا وعرضه المدين، واستكمالاً لما تقرره المادة (249) من قانون التجارة أضاف المشروع إلى المادة (337) المقابلة لها حكمين جديدين يقضي أولهما بأنه إذا لم تعين مدة الخيار تولت المحكمة تعيين المدة المناسبة تبعًا للظروف، ويعالج الآخر حالة تعدد من يكون لهم الخيار كما هو الشأن في تعدد المدينين أو خلفاء المدين أو تعدد الدائنين أو خلفاء الدائن وقد استلزم النص اتفاق أولئك أو هؤلاء جميعًا الخيار في المدة المحددة له وإلا تولته المحكمة في الصورة الأولى وانتقل الخيار إلى المدين في الصورة الثانية، وقد استمد هذا الحكم الأخير من القانون المصري (مادة 276 والتشريعات العربية التي نقلت عنه المادة 276 سوري والمادة 263 ليبي وتقابلها في القانون العراقي المادة 299) والالتزام التخييري يقابله في الفقه الإسلامي خيار التعيين، ولا يجوز عندهم أن يقع على أكثر من ثلاثة أشياء ويلزم فيه ذكر المدة على خلاف في الرأي.
ويتفق حكم المادة (338) مع ما تنص عليه المادة (251) من قانون التجارة مع تعديلات لفظية فيه لضبط الصياغة ويقابله في التشريعات العربية وبغير مخالفة في الأحكام المادة (277) مصري، (277) سوري، (264) ليبي، (301) عراقي و(61) وما بعدها لبناني.
ومؤدى ذلك النص الذي أورده المشروع أنه إذا هلك أحد الشيئين موضع الخيار لسبب أجنبي فإن الالتزام ينحصر محله في الشيء الباقي ولا يكون للمدين إلا أن يختاره وهذا هو ما تقتضيه أيضًا تطبيق القواعد العامة، فإذا شمل الخيار أكثر من شيئين وهلك أحدهما كان للمدين أن يعين محل الالتزام في شيء من الخيارات الباقية، وإن هلكت الخيارات جميعًا انقضى الالتزام لاستحالة التنفيذ، أما إن كان الهلاك بخطأ المدين وتناول شيئًا واحدًا فإن محل الالتزام يتركز في الشيء الآخر أو يبقى للمدين خياره في الأشياء الباقية إذا تعدت وإن ترتب على خطأ المدين هلاك الشيئين أو الأشياء جميعها فإن التزام المدين ينحصر في آخر شيء هلك منها وبذلك يلتزم بدفع قيمة هذا الشيء الذي هلك أخيرًا.
وتقابل المادة (339) ما تنص عليه المادة (250) من قانون التجارة وتتفق معها في الحكم بأن المدين إذا مات قبل أن يعمل الخيار المقرر له انتقل حقه في هذا الشأن إلى ورثته، ويتفق هذا الحكم مع القواعد العامة في القانون وقد ورد عليه نص صريح بالمادة (300) من القانون العراقي والمادة (59) من القانون اللبناني وكذلك يرى الفقهاء المسلمون أن خيار التعيين ينتقل إلى الورثة بعد موت المدين.
ويترتب على تعدد ورثة المدين وامتناع أحدهم فقط أو بعضهم عن اختيار أحد محال الالتزام ما يترتب على مثل هذا الوضع في حالة تعدد المدينين في الأصل إذ يعتبر الورثة جميعهم في حكم الممتنعين عن إعمال حق الخيار ويتولى القاضي بنفسه تعيين محل الالتزام بناءً على طلب الدائن.
ثانيًا: الالتزام البدلي:
أخذ المشروع في المادة (340) بما يقرره قانون التجارة بالمادة (252) في شأن الالتزام البدلي ويكون الالتزام بدليًا كما هو واضح في النص إذا انحصر المحل في أمر واحد يعين ابتداء مع تخويل المدين الحق في الوفاء بمحل بديل عنه، ومثاله أن يتفق المقرض مع المقترض على أنه يجوز عند حلول الأجل بدلاً من الوفاء بمبلغ القرض تقديم عروض معينة أخرى وينبني على تقديمها براءة ذمة المقترض.
وإذا كان التكليف الأصلي هو وحده محل الالتزام البدلي على وجه الإفراد فإنه من ثم يكون هو المناط في تعيين طبيعة ذلك الالتزام، فتتحدد ماهية الالتزام البدلي على أساسه باعتباره عقاريًا أو منقولاً كما يقدر الالتزام بقدره فيما يتعلق بالقيمة والاختصاص، وإذا هلك التكليف الأصلي بخطأ المدين فلا يكون للدائن إلا أن يطالب بالتعويض عنه وليس له أن يطلب البدل فليس البدل محلاً للالتزام وإنما يجوز للمدين إذا شاء أن يوفي بالبديل فيتوقى دفع التعويض.
ويقابل تلك المادة في التشريعات العربية ويتفق معها في الحكم المواد (287) مصري، (378) سوري، (265) ليبي، (302) عراقي، (68) و(69) لبناني.
الفصل الثالث: تعدد طرفي الالتزام:
المواد (341 – 363):
أولاً: التضامن:

جاء المشروع بالمادتين (341 و342) مقابلاً للمواد (253 و254 و258) من قانون التجارة الحالي وهي تتفق مع الأحكام المقابلة في التشريعات العربية، المصري (279 و280) والسوري (279 و280) والليبي (266 و267)، والعراقي (315 و316). وتعين المادة (341) مصدر التضامن سواء بين الدائنين أو بين المدينين إذ تنص على أن التضامن في الحالين لا يفترض فلا يكون التضامن بنوعيه إلا بناءً على نص في القانون أو بناءً على اتفاق الطرفين وليس المقصود باتفاق الطرفين أن يكون التضامن مشروطًا بصريح العبارة إذ يكفي أن تنصرف إليه الإرادة ضمنًا بدلالة بينة لا خفاء فيها، فإذا لابس الشك هذه الأدلة وجب تأويلها لنفي التضامن لا لإثباته وذلك كله مع مراعاة قواعد التجارة.
1 - التضامن بين الدائنين:
وقد زيد على المادة (342) من المشروع المقابلة للمادة (254) من القانون الحالي حكم جديد يواجه الحالة التي تتسم بها رابطة بعض الدائنين بوصف يختلف عن رابطة الآخر كأن يكون دين أحدهم معلقًا على شرط أو مضافًا إلى أجل خلافًا للباقين ويقضي هذا الحكم بالاعتداد بالوصف إذا جاءت المطالبة من الدائن ذي الرابطة الموصوفة. وعدم الاحتجاج بذلك الوصف عندما تكون المطالبة من الدائنين الآخرين.
وقد استمد المشروع المواد (343 و344 و345) من المواد (255 و256 و257) على التوالي من قانون التجارة الحالي وبما يوافق أحكامها، ويتيح نص أولاها للمدين أن يوفي الدين بتمامه لمن يختاره من الدائنين المتضامنين ولا يكون لهذا الدائن أن يرفض استيفاء ما يزيد على نصيبه من الدين بل عليه أن يقبضه كله فإن امتنع جاز للمدين أن يعرضه عليه عرضًا حقيقيًا ويترتب عليه براءة ذمته قِبل ذلك الدائن وسائر الدائنين، ولكن لا يستطيع المدين أن يفرض على أحد الدائنين وفاءً بقدر حصته من الدين إذ يعتبر ذلك وفاءً جزئيًا يحق للدائن أن يرفضه، ولكل من الدائنين المتضامنين أن يعترض على وفاء المدين لأحدهم بكل الدين فقد يحدوه إلى ذلك الاعتراض التوقي من خطر إعسار الدائن الذي اختاره المدين للوفاء إليه ويتعين على المدين في هذه الصورة أن يوفي إلى المعترض قدر نصيبه في الدين وقد اشترط المشروع أن يكون الاعتراض بإنذار رسمي يُعلن إلى المدين لينحسم الإثبات على حصول الاعتراض وهو النهج الذي يتبعه قانون التجارة الحالي والقانون العراقي في المادة (317) خلافًا لما تجري به القوانين العربية الأخرى من الاكتفاء بالنص على أن المدين يمتنع عن الوفاء لمن اختاره من الدائنين إذا اعترض أحد هؤلاء على الوفاء (280 مصري، 280 سوري، 267 ليبي). وإذا مات أحد الدائنين المتضامنين انقسم الدين على ورثته فيما يختص بالعلاقة بينهم وبين المدين فلا يستطيع المدين أن يفي لأحد الورثة إلا بقدر حصته في الميراث ولا يجوز للوارث أن يطالبه إلا بنسبة هذه الحصة في الدين.
وتضع المادة (344) القاعدة العامة في حالة براءة ذمة المدين قِبل أحد الدائنين المتضامنين بسبب غير الوفاء وتقضي بأن المدين لا تبرأ ذمته بالنسبة إلى باقي الدائنين إلا بقدر حصة الدائن الأول في الدين اعتبارًا بأن أسباب انقضاء الالتزام بغير الوفاء هي أسباب خاصة بمن انقضى التزامه بسبب منها، فلا يُضار بها بقية الدائنين إذ تستمر ذمة المدين مشغولة بباقي الدين بالنسبة لهؤلاء الدائنين. كما لا يجوز أن ينفذ قبلهم أي عمل يقع من أحدهم إذا كان من شأنه الإضرار بهم.
وتُرسي المادة (345) القاعدة في العلاقة بين الدائنين المتضامنين وإذ كانت صلة الدائنين بالمدين تؤسس على اعتبار الدين وحدة لا تتجزأ فإن الصلة بين الدائنين المتضامنين بعضهم وبعض تؤسس على تقسيم الدين ومن ثم فإن ما يستوفيه أحدهم يُعتبر من حق جميعهم ويوزع بينهم بنسبة حصة كل منهم ما لم يوجد اتفاق أو نص في القانون يقضي بغير ذلك.
2 - التضامن بين المدينين:
وعالج المشروع بعد ذلك التضامن بين المدينين وجاء أولاً بالمادة (346) مقابلاً للمادة (259) من قانون التجارة وتنص بالفقرة الأولى على حق الدائن في مطالبة مدينيه المتضامنين معًا أو مطالبة أحدهم على سبيل الإفراد أو مطالبة بعضهم دون البعض اعتبارًا بأن هذا التضامن شأنه كالتضامن الإيجابي منوط بفكرتين الأولى وحدة المحل والأخرى تعدد الروابط والمقصود بوحدة المحل في مقام التضامن السلبي أن كلاً من المدينين المتضامنين ملزم في مواجهة الدائن بالدين كاملاً غير منقسم، والمقصود بتعدد الروابط أن كل مدين تربطه بالدائن رابطة مستقلة ومتميزة عن الروابط التي تربط المدينين الآخرين بهذا الدائن فإذا تعيبت الرابطة الخاصة بواحد من المدينين المتضامنين بقيت روابط سائر المدينين سليمة. وقد أُضيف إلى الفقرة الأولى حكم جديد يقضي بأن رجوع الدائن على مدينيه المتضامنين أو بعضهم يكون في حدود ما قد يُلابس روابطهم المتعددة من أوصاف يخالف بعضها بعضًا، فقد يكون أحدهم مدينًا تحت شرط ويكون دين غيره منجزًا أو مضافًا إلى أجل، فلا يكون للدائن أن يطالب المدين تحت شرط إلا عند تحقق الشرط أو أن يطالب المدين المؤجل دينه إلا عند حلول الأجل.
على أن المشروع لم ينقل إلى الفقرة الثانية ما تنص عليه المادة 259/ 2 من قانون التجارة من أنه (ولا يجوز للمدين الذي يطالبه الدائن بالوفاء أن يحتج بأوجه الدفع الخاصة بمدين آخر إلا بقدر نصيب هذا المدين إذا كان قد انقضى بوجه من الوجوه ولكن يجوز له أن يحتج بأوجه الدفع الخاصة به وبأوجه الدفع المشتركة بين المدينين جميعًا) وإنما آثر فيما أورده بالفقرة الجديدة نصًا أكثر سدادًا فيضع أولاً القاعدة العامة فيما يتعلق بالدفوع التي يتمسك بها كل من المدينين المتضامنين في مواجهة الدائن. ومؤدى هذه القاعدة أنه إذا كانت رابطة أحد المدينين المتضامنين خاضعة لدفع خاص به كأن يكون رضاه مشوبًا بغلط أو تدليس أو إكراه أو نقص في الأهلية فإنه يتمسك بهذا الدفع في مواجهة دائنه ولا يقبل من غيره من المدينين أن يحتج به، وأما أوجه الدفع المشتركة بين المدينين المتضامنين كما إذا كان العقد المنشئ للالتزام التضامني باطلاً في الأصل لعدم توافر شروط المحل أو السبب أو كان العقد قابلاً للفسخ لتخلف الدائن عن الوفاء بالتزامه المقابل للمدينين المتضامنين فإنه يكون لكل من هؤلاء أن يتمسك بالفسخ في وجه الدائن.
أما في أحوال انقضاء الالتزام فإنه إذا كان الانقضاء بسبب الوفاء عينًا أو بمقابل من جانب أحد المدينين المتضامنين فإن هذا السبب يُعتبر مشتركًا بين جميع المدينين ويكون لكل منهم أن يحاج الدائن به، وإذا كان انقضاء الالتزام قد وقع بالنسبة لأحد المدينين المتضامنين ولسبب غير الوفاء فإن المدينين الآخرين لا يكون لهم الاحتجاج به إلا في حدود نصيب المدين الذي انقضى الالتزام لصالحه وبما يتفق مع طبيعة كل سبب من تلك الأسباب وذلك على التفصيل المبين فيما يلي.
فقد جاء المشروع بالمادة (347) لتقرر حكم الوفاء من أحد المدينين وهو يتفق مع ما تنص عليه المادة (260) من قانون التجارة الحالي وإنما أُعيدت صياغتها لجلاء حكمها المقصود، واقتضى ذلك وضعها في فقرتين تنص الأولى على أنه إذا قضى أحد المدينين المتضامنين الدين بوفائه عينًا أو بمقابل فانه يبرأ من ذلك الدين ويبرأ معه بقية المدينين، فإذا رفض الدائن أن يستوفي الدين كله من أي مدين متضامن كان لهذا المدين أن يجبره على قبول الوفاء بأن يعرض الدين عليه عرضًا حقيقيًا وفقًا للإجراءات المقررة وبذلك تبرأ ذمته كما يبرأ باقي المدينين المتضامنين، وتقضي الفقرة الثانية بأنه إذا تمت حوالة الدين من أحد المدينين المتضامنين إلى شخص آخر برئ هذا المدين وبرئ أيضًا المدينون الآخرون ما لم يرضوا بالحوالة وذلك على اعتبار أن أولئك المدينين أجانب عن الحوالة فلا يجوز أن تسري في حقهم بغير رضاء من جانبهم، وبذلك يتحقق التنسيق واضحًا بين حكم هذه الفقرة وبين ما تنص عليه المادة (381) من المشروع والمقابلة للمادة (298) من قانون التجارة الحالي من أنه إذا تمت حوالة الدين فإن الكفيل عينيًا كان أو شخصيًا لا يبقى ملتزما قِبل الدائن إلا إذا رضي بالحوالة. وتقابل هذه المادة في القوانين العربية المواد (322) عراقي و(284) مصري و(284) سوري، (371) ليبي.
وفي شأن تجديد الدين بين الدائن وأحد مدينيه المتضامنين أخذ المشروع في المدة (348) بما يقرره قانون التجارة القائم في المادة (261) وهي مطابقة في الحكم والصياغة مع نصوص القوانين العربية بالمادة (286) مصري و(286) سوري و(273) ليبي، (323) عراقي كما تتفق مع حكم المادة (31) لبناني، وتقوم في أساسها على خصيصة يتميز بها التجديد إذ ينقضي به الالتزام الأصلي بتوابعه وتأميناته وينشأ في مكانه التزام جديد يختلف عن الالتزام القديم الذي انقضى بما كان له من صفات وتوابع وتأمينات، ويُعتبر من تأمينات الدين القديم التضامن بين المدينين فيقضي بانقضاء هذا الدين، وعلى ذلك إذا اتفق الدائن مع أحد المدينين المتضامنين على تجديد الدين استتبع ذلك قضاء الدين القديم وبراءة ذمة جميع المدينين دون أن يفقد التزام المدينين المتضامنين الآخرين بالدين القديم فيكون لزامًا عليه وقت إجراء التجديد أن يُفصح عن نيته بأنه لا يقصد من التجديد إبراء ذمة باقي المدينين المتضامنين كما أنه يمكنه من باب أولى أن يتفق مع هؤلاء المدينين على بقاء التزامهم التضامني القديم.
وتنص المادة (349) على الحكم في حالة وقوع المقاصة بين الدائن وأحد المدينين المتضامنين، وإذ كان من شأن المقاصة قضاء الدين الذي انصب عليه القصاص، ومن ثم يمتنع على الدائن أن يرجع على المدين الذي انقضى دينه بالمقاصة ولا يبقى له إلا الرجوع على بقية المدينين المتضامنين فيحق له مطالبة كل منهم بجملة الدين بعد استنزال حصة المدين الذي وقع القصاص معه. وقد نقل المشروع هذا الحكم عن المادة (262) من قانون التجارة القائم وهي مطابقة للمواد المقابلة في التشريعات العربية (287 مصري و287 سوري، 274 ليبي و324 عراقي).
ويواجه نص المادة (350) من المشروع حكم اتحاد الذمة بين الدائن وأحد مدينيه المتضامنين، ويتحقق ذلك إما عن طريق خلافة الثاني للأول، وإما عن طريق خلافة الأول للثاني، وفي كلتا الحالتين لا ينقضي الدين إلا بقدر حصة هذا المدين فيه وحكم هذه المادة مأخوذة عن المادة (263) من قانون التجارة الحالي وهو مطابق لما تنص عليه المادة (288) من القانون المصري وما يقابلها من القوانين العربية الأخرى.
وتعرض المادة (351) للحكم في حالة إبراء أحد المدينين المتضامنين على وجه يوافق نص المادة (264) من قانون التجارة الحالي مع تعديل في صياغتها أقرب إلى الدقة والوضوح، ومع إضافة حكم جديد إليها رئُي أن من الملائم النص عليه صراحةً وإن كان مما يتفق مع القواعد العامة وذلك حسمًا لأي خلاف محتمل في الرأي بشأنه، ذلك أن القانون القائم يقضي بأن الدائن إذا أبرأ أحد المدينين المتضامنين مع المدين كان له أن يرجع على المدينين المتضامنين الآخرين بالدين منقوصًا منه حصة من أبرئ، وقد أخذ المشروع بذلك الحكم وزاد عليه أن الدائن إذا كان عند إبرائه لمن أبرأه من المدينين قد احتفظ بحقه في الرجوع على بقية المدينين بكل الدين فإنه يحل له في هذه الصورة مطالبة هؤلاء المدينين أو من يشاء مطالبته منهم بالدين بتمامه، ويكون لمن يوفي الدين أن يرجع بدوره على المدين الذي أبرأه الدائن وبقدر حصته في ذلك الدين، واستمد المشروع هذا الحكم الذي أضافه من القانون المصري بالمادة (289) والقوانين العربية التي نقلت عنه (289 سوري و276 ليبي).
وفي المادتين (352 و353) استكمل المشروع بقية أحكام إبراء أحد المدينين المتضامنين سواء من الدين أو من التضامن فيه فقط بما يتفق مع أحكام المادتين (265 و266) من قانون التجارة القائم مع إعادة صياغة بعض عباراتهما صياغة أكثر دقة وضبطًا استمدها المشروع من بعض التشريعات العربية في المواد المقابلة (290 إلى 292 مصري، 290 إلى 292 سوري، 277 إلى 297 ليبي). وقد استبدل المشروع بما تجري به المادة (267) من نص على تقادم الدعوى العبارة التي أوردها بالمادة (354) وهي امتناع سماع الدعوى بمرور الزمان أخذًا بالمصطلح عليه في الفقه الإسلامي وعلى نحو ما يأخذ به نص المادة (329) من القانون العراقي.
وجاء المشروع في المادة (355) بحكم يطابق ما تنص عليه المادة (268) من قانون التجارة الحالي ويُشكل هذا الحكم تطبيقًا دقيقًا لقاعدة مستقرة بأن النيابة التبادلية بين المدينين المتضامنين تكون فيما ينفعهم وليس فيما يضرهم، فكل خطأ يقع في تنفيذ الالتزام لا يكون مسؤولاً عن التعويض عنه غير فاعله أو فاعليه من المدينين ومقدرًا بقدر خطئه جسيمًا كان أو يسيرًا ولا تتعدى المسؤولية عنه إلى المدينين الآخرين بل إن مسؤولية هؤلاء تبقى في حدود تنفيذ الالتزام تنفيذًا عينيًا وكذلك فإن إعذار أحد المدينين المتضامنين أو رفع الدعوى عليه لا ينتج أثره إلا بالنسبة إليه فلا يغير بحال من المراكز القانونية لباقي المدينين، أما إذا وجه أحد المدينين المتضامنين إعذارًا إلى الدائن فإن المدينين الآخرين يفيدون منه ويكون شأنهم في ذلك شأن المدين الذي صدر الإعذار عنه، ويتفق حكم هذه المادة مع ما تنص عليه المادة (293) من القانون المصري والقوانين العربية التي أخذته عن ذلك القانون (293 سوري، 280 ليبي، 330 عراقي).
وأخذ المشروع المادة (356) نقلاً عما تنص عليه المادة (269) من قانون التجارة القائم ومؤداها أن الصلح بين الدائن وأحد المدينين إذا انطوى على إبراء من الدين أو من جزء منه كان لباقي المدينين أن يفيدوا منه وكذلك يكون الحكم إذا تضمن الصلح بأية صورة من الصور تخفيفًا من أعباء الدين اعتبارًا بما بين المدينين من نيابة تبادلية فيما ينفع، وغني عن البيان أنه بالنظر إلى أن الصلح لا يقبل التجزئة فلا يجوز للمدينين المتضامنين الآخرين أن يتمسكوا بالجزء الذي يفيدهم في الصلح وأن يطرحوا ما يضرهم بل أنهم إذا ما احتجوا بالصلح لأنه في مجموعه يفيدهم فيجب أن يتحملوا به كله.
وعرض المشروع في المادتين (357 و358) لتطبيقات أخرى للقاعدة العامة في إعمال فكرة النيابة التبادلية بصدد الإقرار واليمين وحجية الشيء المقضي به آخذًا في ذلك مأخذ قانون التجارة في المادتين (270 و271) ولكن أدخل المشروع بعض التعديلات في الصياغة التي جاء بها كما آثر النص في الفقرة الثالثة من المادة (357) على أن حلف أحد المدينين المتضامنين لليمين يفيد منه الباقون واستبعد منه ما يضيفه الحكم المقابل في المادة (270) من القانون الحالي من أن هؤلاء المدينين الآخرين يستفيدون إذا انصبت اليمين على المديونية لا على التضامن، اعتبارًا بأن هذه الإضافة فضلة زائدة إذ لا يتصور استفادة المدينين من يمين يحلفها أحدهم ينكر بها وجود التضامن. ومما يجدر التنويه به أن المجال الذي يتناوله الحكم هو توجيه اليمين إلى واحد فقط من المدينين المتضامنين، أما إذا وجه الدائن اليمين إلى جميع المدينين فحلفها بعضهم ونكل بعض آخر فإن تطبيق القواعد العامة يؤدي إلى أن من نكل يُضار بنكوله ولا يستفيد من حلف الآخرين. وتقابل هذه الأحكام في التشريعات العربية أحكام المواد (295 و296) مصري و(295 و296) سوري و(282 و283) ليبي و(332 و333) عراقي.
وتناول المشروع في المادة (359) بفقراتها الثلاث علاقة المدينين فيما بينهم وتقابل الفقرة الأولى المادتين 272/ 1 و273/ 1 من قانون التجارة القائم مع تعديل في عباراتهما يقتضيه الإيضاح وتنسيق أحكامها مع القواعد العامة وتقضي تلك الفقرة بأنه إذا وفى أحد المدينين المتضامنين الدين كله أو ما يزيد على حصته فيه أو قام بهذا أو ذاك بطريق من الطرق الأخرى المعادلة للوفاء، فإنه يرجع على بقية المدينين كل بقدر حصته في الدين أو في تلك الزيادة، أي أن حقه في الرجوع يكون حيث يقضي الدين بوفائه عينًا أو بما يعادله سواء كان وفاء بمقابل أو تجديدًا أو مقاصة أو اتحاد ذمة، أما إذا انقضى الدين بالنسبة إلى أحد المدينين المتضامنين بسبب لا يُعتبر معادلاً للوفاء كالإبراء والتقادم فلا رجوع له على غيره من المدينين لأنه لم ينفع الدين أو مقابلاً له.
وأتى المشروع في الفقرة الثانية بحكم جديد يرسي القاعدة الأصلية في تقسيم الدين في العلاقة بين المدينين المتضامنين وهو يقضي بأن الدين ينقسم بين المدينين حصصًا متساوية فإذا وُجد اتفاق بينهم على خلاف ذلك انقسم الدين بالنسب المتفق عليها وإن كان هناك نص خاص في القانون بطريقة التقسيم حددت الحصص طبقًا لذلك النص. واستمد المشروع هذا الحكم من القانون المصري بالمادة 297/ 2 والقوانين العربية التي نقلته 297/ 2 سوري و284/ 2 ليبي. ويتفق مع أحكامها المادة (39) لبناني.
وأخذ المشروع الفقرة الثالثة من المادة (359) نقلاً عن المادة 272/ 2 من قانون التجارة الحالي الذي استمدها بدوره من نصوص القوانين العربية السابقة، ويؤدي حكمها إلى أن العبرة في قيام الإعسار بمن أعسر من المتضامنين والذي يتيح لمن أوفى الدين منهم الرجوع على سائرهم بنصيب المعسر، تكون بالوقت الذي يحصل فيه الرجوع إلا أن يثبت أن المدين الموفي قد تراخى في الرجوع حتى أعسر المعسر فيكون قد أخطأ من جانبه ولا يحق له أن يحمل المدينين الآخرين تبعة خطئه، على أنه إذا كان أحد المدينين المتضامنين هو وحده صاحب المصلحة في الدين، فإنه وإن كانت علاقة الدائن بالمدينين المتضامنين في هذه الصورة تظل محكومة بقواعد التضامن، إلا أنه في علاقة أولئك المدينين بعضهم ببعض فإن قواعد الكفالة هي التي تسري عليها، ومن ثم فإن المدين الذي تفرد بالمصلحة في الدين يتحمل به كله في صلته بالمدينين المتضامنين الآخرين، فإن قام هو بالوفاء لم يكن له الرجوع على غيره بشيء مما وفاه، وإن قام مدين متضامن آخر دونه بالوفاء رجع عليه وحده بالدين بتمامه، وقد أورد المشروع القاعدة التي تحكم هذا الموضوع بالمادة (360) نقلاً عما ينص عليه قانون التجارة بالمادة 273/ 2 مع تعديل في الصياغة اقتضته الملاءمة.
ثانيًا: عدم القابلية للانقسام:
ويعرض المشرع لعدم قابليه الالتزام للانقسام في المواد (361 و362 و363) وهي تتفق مع نصوص المواد (274 و275 و276) من قانون التجارة الحالي وما يقابلها في التشريعات العربية (المواد 300 - 302 مصري، 300 - 302 سوري، 287 - 289 ليبي، 336 - 338 عراقي، 70 وما بعدها لبناني) وتتناول المادة (361) الأحوال التي يكون فيها الالتزام غير قابل للانقسام فتنص على أن الالتزام يتسم بذلك الوصف إذا ورد على محل تمتنع فيه التجزئة بأصل طبعه كالالتزام بتسليم جواد مثلاً، أو إذا اتجهت النية المشتركة للمتعاقدين إلى عدم إجازة تجزئة الوفاء بالالتزام وبالأخص إذا تبين ذلك من الغرض الذي قصدا إليه ومثاله أن ينعقد البيع على قطعه أرض لإقامة مدرسة أو مستشفى عليها أو أي بناء آخر تقتضي إقامته في مفهوم الطرفين مساحة الأرض المبيعة كلها فيكون التزام البائع غير قابل للانقسام بسبب الغرض المقصود من البيع.
وتتناول المادة (362) حكم الالتزام غير القابل للانقسام في حالة تعدد المدينين فتقضي بالتزام كل منهم بوفاء الدين بتمامه إلى الدائن ولمن أوفى الرجوع على بقية المدينين كل بقدر حصته في الدين، وباعتبار أن الالتزام غير القابل للانقسام فإنه لا ينقسم بين ورثة المدين ويكون كل من الورثة مسؤولاً عن الالتزام كاملاً ولذلك يجري كثير من المتعاملين على اشتراط التزام المدين (ولو كان متضامنًا مع آخرين) التزامًا غير قابل للانقسام كيلا يتجزأ الدين بين الورثة.
وتعالج المادة (363) حالة تعدد الدائنين في الالتزام غير القابل للانقسام وهي تتيح لكل دائن أو لأي وارث من ورثته أن يقتضي الدين بتمامه من المدين، وإذا هو استوفاه فإنه يحق لسائر الدائنين الرجوع عليه كل بقدر حصته.

الباب الرابع: انتقال الالتزام
الفصل الأول:
المواد (364 – 376):

تُرسي المادة (364) الأصل العام في حوالة الحق على نحو ما يقرره قانون التجارة الحالي بالمادة (277) منه – نقلاً عن المادة (303) مصري والتشريعات العربية التي أخذت عنه (303 سوري، 290 ليبي، 362 عراقي) – وحاصل ذلك أن الحوالة ترد بصفة عامة على كافة الحقوق الشخصية، وأما محل الحوالة فإنه يكون في الأغلب الأعم التزامًا بمبلغ من النقود، ويمكن أن يكون محلها التزامًا بعمل كاستيفاء منفعة العين المؤجرة بمقتضى حق المستأجر في مواجهة المؤجر، على أن مبدأ حوالة الحقوق الشخصية لا يجري على إطلاقه إذ أن للطرفين الاتفاق على عدم جواز الحوالة كما يحول دونها أن يكون الحق نافيًا بطبيعته لمكنة الانتقال إلى دائن آخر كما هو الشأن في العقود التي يُنظر فيها إلى شخصية المتعاقد الذاتية وكذلك قد ينص القانون صراحةً على عدم جواز الحوالة لاعتبارات معينة، وتورد المادة (365) واحدًا من التطبيقات لهذه الحالة الأخيرة فتقضي بأنه لا تجوز الحوالة في الحق إلا في القدر القابل منه للحجز وهو حكم نقله المشروع عن المادة (279) من قانون التجارة الذي أخذه بدوره من المادة (304) مصري والتشريعات العربية التي نقلت عنه، وما لم يوجد أحد تلك الموانع التي تحول من حوالة الحق فإنه يكفي لانعقاد الحوالة التراضي بين المحيل والمحال له ودون حاجة إلى رضاء المدين الذي يصبح محالاً عليه بمجرد انعقاد الحوالة بين طرفيها. ومع ذلك فإن الحوالة إذا انعقدت صحيحة فإنها لا تُنفذ ولا تُعتبر حجة على المدين أو الغير إلا بتوفيته إجراءات معينة تكفلت ببيانها المادة (366) من المشروع – بما يطابق المادة (279) من قانون التجارة والمأخوذة في أصلها من المادة (305) مصري والمواد المقابلة بالتشريعات العربية التي سارت على نهجها – ومؤداها أن الحوالة لا تُعتبر حجة على المدين إلا بقبوله لها ويكون هذا القبول حجة على الغير إذا كان ثابت التاريخ، فإذا لم يصدر من المدين قبول للحوالة فإنها لا تنفذ في حقه أو في حق الغير إلا إذا أُعلنت إلى المدين وفقًا للأوضاع المقررة في قانون المرافعات.
وتعطي المادة (367) للمحال له الحق في اتخاذ الإجراءات التحفظية حتى قبل أن تصبح الحوالة نافذة بالنسبة للمدين والغير ويتفق ذلك مع الحكم المقرر بالمادة (280) من قانون التجارة الحالي مع تعديل طفيف في الصياغة، ولا يعدو هذا الحكم أن يكون تطبيقًا للقاعدة العامة في تخويل الدائن اتخاذ الإجراءات التحفظية ولو كان حقه معلقًا على شرط واقف أي معدومًا على خطر الوجود. فيثبت ذلك من باب أولى للمحال له ولو لم يكن حقه نافذًا. وقد أخذ القانون القائم بهذا الحكم من المادة (306) من القانون المصري والمواد المقابلة في التشريعات العربية المقارنة.
وتعين المادة (368) مدني الحق الذي تنقله الحوالة إلى المحال له فتقرر أن الحق ينتقل إلى المحال له بما يلازمه من صفات وما لحقه من توابع وما يضمنه من تأمينات وهي تقابل المادة (281) من قانون التجارة ولا تختلف عن حكمها إلا في استبعاد الفوائد مما تشمله الحوالة التزامًا بالقاعدة الأساسية التي انتهجها المشروع بحظر الفوائد عملاً بأحكام الشريعة الإسلامية ولم ينقل النص ما يجري به القانون الحالي من أن الحوالة تشمل الأقساط اعتبارًا بأن القواعد العامة تقتضيه دون حاجة إلى نص خاص عليه.
وتتطابق المادتان (369 و370) من المشروع مع المادتين (283 و282) على التوالي من قانون التجارة مع المخالفة في الترتيب مراعاةً لمنطق الأمور والحكم الذي تنص عليه المادة (369) تمليه طبيعة الحوالة وحكمها في انتقال الحق من المحيل إلى المحال له فإن ذلك يضع على عاتق المحيل الالتزام بتمكين المحال له من الحق الذي انتقل إليه فيكون عليه أن يمده بكافة ما يلزم من الوسائل لإثبات ذلك الحق، والحكم الذي تقرره المادة (370) نتيجة منطقية لانتقال الحق بذاته إلى المحال له، فيمكن للمحال عليه – تبعًا لذلك – أن يتمسك قِبل المحال له بالدفوع وأوجه الدفع التي كان يمكنه أن يتمسك بها قِبل المحيل وذلك بمراعاة أن الوقت الذي تصبح فيه الحوالة نافذة في حق المدين – سواء بقبوله لها أو بإعلانها إليه – يعين الحد الفاصل بين الدفوع وأوجه الدفع التي يكون للمدين أن يتمسك بها وبين ما عداها مما يمتنع عليه الاحتجاج به، وقد استمد القانون الحالي حكمه ذاك من المادة (312) من القانون المصري والقوانين العربية التي سارت على منواله.
وتعرض المواد (371 و372 و373) من المشروع لضمان المحيل للحق المحال به والأحوال التي يتحقق فيها هذا الضمان مع بيان لمداه في كل حالة ويتفق المشروع في ذلك مع ما يجري به قانون التجارة في المواد (284، 285، 286) وإنما أدخل المشروع تعديلات لفظية تحقيقًا لصياغة أفضل في المواد التي جاء بها، هذا وقد جعل المشروع في المادة (373) رجوع المحال له بالضمان على المحيل وفقًا للمادتين (371 و372) محدودًا كأصل عام فيما سبق أن دفعه مع المصروفات مستبعدًا الفوائد التي يضمها القانون الحالي مما يوجب رده، وإلى ذلك وضع المشروع استثناءً ملائمًا من ذلك الأصل الذي أخذ به فاستحدث بالفقرة الثانية من المادة (373) حكمًا يقضي بأن المحال له حسن النية يكون من حقه الرجوع أيضًا بالتعويض عما يلحقه من الضرر إذا كان المحيل يعلم وقت الحوالة بعدم وجود الحق المحال بذمة المدين الأصلي.
وجاء حكم المادة (374) من المشروع متفقًا مع ما تنص عليه المادة (378) من قانون التجارة الحالي مع تعديل لفظي لا يمس جوهر القاعدة المقررة به وهي ضمان المحيل لأفعاله الشخصية سواء كانت الحوالة معاوضة أو تبرعية، واعتبار كل شرط بعدم الضمان باطلاً ولا أثر له. هذا وينص القانون الحالي في المادة (288) التالية على أنه (تبرأ ذمة المدين إذا لم يقبل الحوالة ووفى المدين للمحيل قبل أن يعلم بها، ومع ذلك لا تبرأ ذمته بهذا الوفاء إذا أثبت المحال له أنه كان يعلم وقت الوفاء بصدور الحوالة). وقد رأى المشروع ألا ينقل هذا النص لأنه يتضمن حكمًا تفصيليًا يغني عنه تطبيق القواعد العامة بشأنه وهو نفس النهج الذي اتخذه التشريع المصري إذ أن المشروع التمهيدي للقانون المدني كان قد وضع هذا النص ضمن أحكامه بمادته (432)، ورئي حذفها في المراحل النهائية لإعداد المشروع لما رئي من عدم وجود حاجة إليها.
وتواجه المادتان (375 و376) أحكام التزاحم على الحق المحال في صورتين الأولى هي التزاحم بين محال له ومحال له آخر وتعالجه المادة (375)، والصورة الثانية هي التزاحم بين محال له ودائن حاجز أو دائنين حاجزين وتعالجه المادة (376)، ولم يأتِ المشروع بجديد في الأمرين عما ينص عليه قانون التجارة الحالي في المادتين (389 و290) والقانون المصري الذي نقل عنه، وإنما أدخل المشروع تعديلات لفظية في الصياغة التي وضعها تجعل المعنى المقصود أكثر وضوحًا، وحكم الصورة الأولى بين لا لبس فيه وليس يعدو أن يكون تطبيقًا للقواعد العامة في تصرف السلف في منقول معين إلى خلف ومن بعده إلى خلف آخر إذ تكون الأفضلية للأسبق منهما في الاستخلاف وبمراعاة أن السبق لا يتحدد هنا بتاريخ صدور كل من الحوالتين وإنما يثبت السبق للحوالة التي أصبحت نافذة في حق الغير قبل الحوالة الأخرى، وغني عن البيان أن التزاحم في تلك الصورة لا يوجد إلا إذا اتحد المحل في الحوالتين فإذا تلقى المحال له جزءًا من الحق وتلقى المحال له الآخر الجزء الباقي فإن كلاً منهما يرجع بما أحيل به بغير تزاحم.
وتعرض المادة (376) للتزاحم بين الحوالة والحجز في فرضين: الأول أن يكون الحجز أسبق في تاريخه من الوقت الذي أصبحت فيه الحوالة نافذة، بأن يقع الحجز تحت يد المدين (المحال عليه) وفي تاريخ لاحق لذلك يصير إعلان الحوالة إلى المحال عليه أو يقبلها قبولاً ذي تاريخ ثابت، وعندئذٍ يكون الحجز قد توقع على الحق المحال وهو ما زال على ملك المحيل ومن ثم فإن الحوالة التي تجيء بعد ذلك لا تضره وإنما تعتبر بمثابة حجز ثانٍ ويزاحم صاحبها الحاجز الأول ويقسم المال بينهما قسمة غرماء، أما الفرض الثاني الذي تواجهه المادة فإنه يعرض كالفرض السابق أن الحجز وقع أولاً ومن بعده جاءت الحوالة النافذة وإنما أعقب ذلك توقيع حجز ثانٍ على ذات الحق في تاريخ لاحق للتاريخ الذي أصبحت فيه الحوالة نافذة، وإذ كان هذا الحاجز المتأخر يقف على قدم المساواة مع الحاجز الأول – وفقًا للقواعد العامة – فيكون له أن يزاحمه، ولكن الحجز المتأخر يجب ألا يكون بذي أثر على الحوالة التي صارت نافذة في تاريخ سابق على توقيعه إذ أن الحوالة من شأنها نقل الحق من المحيل إلى المحال له من تاريخ نفاذها فتجب كل حجز لاحق لذلك التاريخ، وعلى هذين الأساسين، يصير تقسيم الدين قسمة غرماء بين الحاجز المتقدم والمحال له والحاجز المتأخر ثم يؤخذ بعد ذلك من نصيب الحاجز المتأخر ما يستكمل قيمة الحوالة.
الفصل الثاني - حوالة الدين:
المواد (377 – 390):

يجدر التنويه بادئ ذي بدء إلى أن قانون التجارة الحالي قد استمد أحكامه في حوالة الدين بصفة عامة من الفقه الإسلامي محتذيًا في ذلك الخصوص حذو القانون العراقي ومقتفيًا أسلوب هذا القانون في التنسيق بين الأحكام وفي صياغة النصوص وقد رأى المشروع الأخذ في تقنين هذا الفصل بمأخذ قانون التجارة والقانون العراقي وفي حدود ما التزماه من أحكام الفقه الإسلامي وإنما بمراعاة ما توجيه الأصول التشريعية من التوفيق بين المصطلحات الفنية في هذا الفصل وبين كافة ما يقابلها من المصطلحات السارية في أبواب المشروع وفصوله الأخرى والمنقولة بذاتها من قانون التجارة الحالي، ومع ما استلزمه ذلك من تعديل في صياغة بعض المواد صياغة جديدة تجعلها أدنى إلى الوضوح والدقة ودون إخلال بجوهر حكمها المقصود منها، ولم ينقل المشروع من مواد القانون الحالي ما يغني عنه تطبيق القواعد العامة دون لبس أو تردد، كما وجد من الملائم تنقية بعض المواد الأخرى من أحكام فرعية بها لا يوجبها المقام.
وعلى تلك الأسس السابقة فقد صيغت المادة (377) من المشروع المقابلة للمادة (291) تجارة والمادة (339) عراقي صياغة جديدة تلتزم بالمعنى المقصود ولكن دون نقل لعبارات هاتين المادتين أو لما بهما من مصطلحات رأى المشروع التجاوز عن استعمالها في أبوابه الأخرى واستعاض عنها بمصطلحات مقابلة استقرت في القوانين الحالية والأعراف القضائية، وتقرر المادة (377) بفقرتها الأولى القاعدة الأساسية في حوالة الدين وهي أنها تؤدى إلى نقل الدين من ذمة المدين الأصلي إلى ذمة شخص أخر هو المحال عليه، ولازم ذلك ومؤداه أن الدين لا ينتقل وحده إنما تنتقل معه المطالبة أيضًا، وهو ما يحدد مصدر المشروع في هذا الخصوص بعد أن اختلفت بشأنه الآراء في الفقه الإسلامي، فقد تمشى المشروع مع القانون الحالي في اعتماد رأى الأمام أبي حنيفة وأبي يوسف فيما قالا به من أن حوالة الدين تنقل الدين والمطالبة معًا، وذلك على خلاف آراء أخرى لدى الأحناف حيث يقول محمد أن تلك الحوالة تنقل المطالبة دون الدين ويقول زفر إنها لا تنقل الدين ولا المطالبة وإنما تضم ذمة إلى ذمة في سداد الدين، وعلى خلاف الآراء في بقية المذاهب التي تتجه في مجموعها إلى إقرار نوع واحد من الحوالة هو الحوالة المقيدة إذ يشترط لصحة الحوالة عندهم أن يكون المحال عليه مدينًا للمحيل.
وقد أبانت الفقرة الثانية من المادة (377) المعنى المقصود بكل من نوعي الحوالة المطلقة والمقيدة، وتجنبت في صياغتها ما يشوب النص المقابل في القانون الحالي من تفصيل وإسهاب لا محل لها.
وتتفق المادة (378) من المشروع مع المادة (292) من قانون التجارة في الحكم وإن خالفتها خلافًا طفيفًا في الصياغة.
أما المادة (379) فإنها تقابل المادة (293) من قانون التجارة وجاءت بتعديل في حكمها إذ تنص مادة قانون التجارة على أنه (يصح عقد الحوالة بين الدائن والمحال عليه، ويلزم المحال عليه بالأداء، ولكن ليس له الرجوع على المدين الأصلي إلا إذا أقر المدين الحوالة) وهو نص منقول عن المادة (341) من القانون المدني العراقي، والبادي أن صياغتها التزمت بما يراه جمهور الحنفية من أن الحوالة إذا تمت دون أمر من المحيل بأن كانت قد انعقدت بين الدائن والمحال عليه مباشرة ولم يقرها المحيل، فلا يكون للمحال عليه أن يرجع على المحيل بشيء ما، لقولهم إنه في هذه الصورة تنعقد الحوالة صحيحة ويعتبر المحال عليه متبرعًا (المادة 778 من مرشد الحيران والمادة 681 من المجلة، والزيلعي جزء 4 ص 173 وابن عابدين جزء 4 ص 305، ص 307 وابن نجيم جزء 6 ص 351)، وتوفيقًا بين تلك القاعدة وبين الأصل المقرر في القوانين الوضعية والمعتمد بهذا المشروع من أنه يجوز للغير الوفاء بدين المدين ولو بغير علمه أو رضاه فقد رُئي النص بالمادة التي جاء بها المشروع على أن المحال عليه لا يكون له الرجوع على المدين الأصلي طبقًا لأحكام الحوالة في حالة عدم إقرار هذا المدين للحوالة، ليكون باقيًا للمحال عليه في هذه الصورة حقه في الرجوع على المدين المذكور طبقًا لقواعد الإثراء بلا سبب إن لم يصرح بأنه كان متبرعًا. وهو ما يقول به بعض الفقهاء المسلمين (الدسوقي على الشرح الكبير للدردير جزء 3 ص 296).
ولم يجد المشروع وجهًا لنقل ما تنص عليه المادتان (294 و295) من القانون القائم من أنه يُشترط لصحة الحوالة أن يكون المحيل مدينًا للمحال له وإلا كان العمل وكالة، ومن أنه يشترط في المحال به أن يكون معلومًا وتصح به الكفالة، وذلك أن تلك الأحكام هي تطبيقات واضحة للقواعد العامة.
وتعرض المادة (380) من المشروع لما تعرض له المادة (296) من قانون التجارة مع التعديل فيها لأحكام الصياغة، وذلك أن النص الحالي يجري بأنه (إذا قبل المحال له الحوالة ورضي المحال عليه بها، برئ المحيل من الدين ومن المطالبة معًا، ويكون للمحال له حق مطالبة المحال عليه) وذلك في حين أن المفروض أصلاً أن حوالة الدين لا تقوم ولا تنعقد إلا إذا كان المحال عليه طرفًا فيها، ومن ثم فإن الحوالة إذا ما تم عقدها والمحال عليه طرف فيها بحكم اللزوم، فإن تطلب رضاء المحال عليه بعد ذلك لسريانها في حقه يكون تزيدًا لا يقتضيه المقام، وهو ما تلافاه المشروع في النص الذي جاء به مع التعديل في الصياغة على مقتضى الحال.
وأورد المشروع المادة (381) مقابلاً لما تنص عليه المادتان (297 و298) من قانون التجارة الحالي (المنقولتان عن المادتين 347 و348 عراقي) على أن المشروع لم يرَ محلاً لمحاكاة المادة (297) فيما أوردته من تمثيل وشرح لما يصح أن يكون وصفًا في الدين فمن الملائم ألا يردد التشريع بين أبوابه وفصوله شروحًا وتفصيلات عن أصول عامة وأساسية وإن التزم بوضعها مع ما لها من أحكام وآثار في مكانها المناسب بين النصوص، كما أن المشروع وقد أرسى في النص الذي وفق إليه القاعدة الأساسية بأن الدين المحال، يلازمه في تحوله من المدين الأصلي إلى (المحال عليه) كافة التأمينات الخاصة التي كانت تضمنه، لم يجد وجهًا بعد ذلك لمجاراة المادة (298) من القانون الحالي فيما استطردت إليه بقولها: (فإذا أحال الراهن المرتهن بالدين على آخر أو أحال المشتري البائع بالثمن على آخر لم يسقط حق المرتهن في الرهن ولا حق البائع في حبس المبيع أما إذا أحال المرتهن غريمًا له على الراهن فإن حقه في الرهن يسقط ولا يكون رهنًا للمحال له، وكذا إذا أحال البائع غريمًا له على المشتري بالثمن سقط حقه في حبس العين المبيعة) ذلك أن الشطر الأول من هذه الفقرة هو تطبيق بين للقاعدة أما شطرها الخير فانه استطراد لا يقتضيه المقام للتدليل على استبعاد القاعدة فيما لا تنعقد فيه العلاقة على أساس من حوالة دين مضمون بتأمين خاص، بأن كان المدين الأصلي الذي حول دينه إلى المحال عليه هو بذات الوقت دائن للمحال عليه بدين مضمون بتأمين خاص كرهن أو حق في الحبس، فإن ذلك المدين الأصلي إذ يحول الدين الذي عليه قبل دائنه فإنه ينقل هذا الدين كما هو إلى المحال عليه أي بغير تأمين خاص يضمنه، لأن الضمان الخاص القائم في العلاقات بين الأطراف لم يكن ضمانًا للدين المحال به، وإنما هو ضمان لدين آخر ذلك الدين الذي كان للمدين الأصلي (المحيل) بذمة المحال عليه وانقضى بينهما قصاصًا، بسبب الحوالة.
وجاء المشروع في المادة (382) بحكم يتفق مع حكم المادة (299) من قانون التجارة الحالي مع ضبط الصيغة على وجه أدق، فينص الشطر الأول من المادة (382) على حق المحال عليه في التمسك بما كان للمحيل من دفوع متعلقة بذات الدين وهو ما يغني عما يضيفه نص القانون الحالي من عدم أحقية المحال عليه في التمسك بالدفوع الخاصة بشخص المحيل، وكذلك ينص الشطر الثاني من المادة على حق المحال على في التمسك بالدفوع المستمدة من عقد الحوالة وهي بذاتها الدفوع التي يعبر عنها نص القانون الحالي بأنها الدفوع الخاصة بشخصه هو(شخص المحال عليه).
ولم يرَ المشروع موجبًا لنقل الحكم الذي تنص عليه المادة (300) من القانون الحالي ذلك أنها ترد انقضاء الدين الذي انتقل إلى المحال عليه للأسباب العامة في انقضاء الديون كافة.
وتعرض المادة (383) لحكم يتفق مع الحكم الذي تقرره المادة (302) من قانون التجارة الحالي مع صياغتها صياغة جديدة أقرب إلى ما يجري به الأسلوب التشريعي ولكن دون مساس بجوهر القاعدة كما استمده النص الحالي من الفقه الإسلامي وتقضي الفقرة الأولى من المادة التي أتى بها المشروع بأن الحوالة المقيدة تبقى قائمة ومنتجة لآثارها إذا ما برئ المحال عليه من الدين الذي عليه للمحيل بسبب عارض بعد انعقاد الحوالة، ومن ثم فإذا أحال البائع دائنه على المشتري مقيدًا بثمن البضاعة المبيعة، ثم احترقت هذه البضاعة أو تلفت قبل تسليمها إلى المشتري أو ردت بعيب أو خيار ما ولو بعد التسليم فإن الثمن يسقط عن المشتري ولكن الحوالة لا تبطل لأن الدين الذي قيدت به كان قائمًا عند عقدها (الموسوعة الفقهية نموذج 3 بند 292 الفتاوى الهندية 3/ 306 – والبحر الرائق 6/ 275) وتقضي الفقرة الثانية بأن الحوالة المقيدة تبطل إذا سقط الدين الذي قيدت به عن الحال عليه بسبب سابق على انعقادها ولا دخل للمحال عليه فيه، وعلى ذلك فإنه إذا أحال البائع دائنه على المشتري بثمن المبيع ثم استحق المبيع للغير فإن الحوالة تكون باطلة وذلك أنه قد تبين أن الحوالة علقت بمعدوم حكمًا إذ قيدت بدين لم يكن له وجود قط ويعود الدين على المدين الأصلي وهو المحيل (الموسوعة الفقهية نموذج 3 بند 281 – البحر الرائق 5/ 275 وابن عابدين على الدر 4/ 293)، وتقابل المادة (384) من المشروع ما تقرره المادة (303) من قانون التجارة ولا تختلف عنها في الحكم وإنما أدخل المشروع تعديلاً في الصياغة جعلها أدنى إلى الدقة والملاءمة.
وتعرض المادة (385) من المشروع لحكم الحوالة المقيدة بعين مودعة إذا ما هلكت الوديعة بغير خطأ من المودع أو استحقت للغير، ويرجع ذلك الحكم في أصله إلى الفقه الإسلامي، ويؤسسه الفقهاء المسلمون على أن فوات الأمانة بغير تعدٍ ممن هي عنده كالوديعة إذا احترقت أو سرقت من شأنه إنهاء الحوالة فتبرأ ذمة المحال عليه ويعود الدين على المحيل، وأنه إذا استحقت العين المقيدة بها الحوالة في يد الوديع فإن الحوالة تبطل لما تبين من أن العين التي قيدت بها غير مملوكة للمحيل فتفقد الحوالة أساسها (المادة 787/ 2، 788/ 2 مرشد الحيران، 694 من المجلة).
وقد أورد قانون التجارة ذلك الحكم بالمادة (304) بالنص التالي: (إذا أحال المدين غريمه على الوديع حوالة مقيدة بالعين المودعة عنده فهلكت الوديعة قبل أدائها بلا تعدٍ من الوديع بطلت الحوالة، واستحقاق الوديعة للغير مبطل للحوالة كهلاكها) وهو بذلك ينص على بطلان الحوالة سواء كانت العين المقيدة بها هلكت بلا تعدٍ من الوديع أو كانت قد استحقت للغير، ولعله جاء متأثرًا فيما أورده بالمشهور في الفقه الإسلامي من أن (استحقاق الوديعة مبطل للحوالة كهلاكها)، (الموسوعة الفقهية 4 ص 187 – وابن عابدين على الدر 4/ 293)، وإذ كان هلاك العين المقيدة بها الحوالة مؤداه في المصطلحات القانونية انفساخ الحوالة أو انحلالها خلافًا لحالة استحقاق تلك العين للغير، لذلك فقد آثر المشروع أن يعتمد في صياغته للمادة المقترحة وفي خصوص حالة هلاك العين تعبيرًا أكثر دقة وملاءمة وهو (ترتب على ذلك انفساخ الحوالة).
وجاءت المادة (386) من المشروع مطابقة لما تنص عليه المادة (305) من قانون التجارة الحالي، مع تعديل مناسب في الصياغة، ويرجع ذلك الحكم في أصله إلى المادتين (787، 788) من مرشد الحيران والمادة (695) من المجلة، وموسوعة الفقه الإسلامي على أن العين المغصوبة التي قُيدت بها الحوالة إذا لحقها الهلال لسبب طارئ كما لو ضاعت أو سُرقت فإن الحوالة تبقى كما هي ومطالبة المحال عليه متوجهة كما كانت من قبل التلف لأن الحوالة قيدت بشيء موجود فعلاً، فلا يضير ارتفاعه الطارئ لأن الشيء المضمون إذا هلك وجب مثله على ضامنه والمغصوب مضمون على الغاصب - الزيلعى جزء 4 ص (173) وابن عابدين جزء 4 ص 307) أما إذا استحقت العين المقيدة بها الحوالة وهي في يد الغاصب فإن حكمها لا يختلف عن الحكم في حالة استحقاقها وهي في يد الوديع، إذا يترتب عليه بطلان الحوالة.
وفي خصوص مسألة رجوع المحال له على المحيل، اختلفت المذاهب بل وتعددت الآراء في المذهب الواحد، فالراجح عند الحنفية أن للمحال له الرجوع على المحيل إذا تَوِيَ الدين على المحال عليه أي تعذر الوصول إليه عنده بسبب إفلاسه أو موته مفلسًا أو جحده الحوالة دون أن تكون هناك بينة عليه، ويرى جمهور الشافعية رفض التوى أي عدم جواز الرجوع إطلاقًا استنادًا إلى أن شرط الرجوع عند التوى منافٍ لمقتضى العقد فيبطُل والأصح عندهم أنه يُبطل الحوالة أيضًا، أما المالكية فيقولون بجواز الرجوع إذا شرط في العقد وهو مقتضى ما يقرره الإمامية في الشروط عامة من أن كل شرط ليس بمحظور شرعًا ولا يؤدي إلى الجهالة بالمشروط يعتبر شرطًا صحيحًا نافذًا، ورأي المالكية هو السائد لدى فقهاء العصر كما يتفق مع الأصل في التشريعات الحديثة بأن العقد شريعة المتعاقدين، وقد أخذ به قانون التجارة الحالي بالمادة 306/ 1، وحذا المشروع حذوه فنقل حكم تلك الفقرة إلى المادة (387) مع تعديل أكثر ضبطًا ودقة في الصياغة، على أن المشروع لم يورد ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة (306) بقولها (أما مجرد تعذر استيفاء الدين من المحال عليه ولو بأمر المحكمة فلا يوجب بطلان الحوالة وعود الدين على المحيل) إذ أن هذا الحكم ليس إلا ترديدًا زائدًا للحكم الوارد في الفقرة الأولى من المادة (الموسوعة الفقهية نموذج 3 بند 289 وما بعدها – المغني لابن قدامه 2/ 58 والفروع 2/ 484).
كذلك لم يجد المشروع وجهًا لإيراد نص على غرار نص المادة (307) من قانون التجارة الذي يقضي بأن الحوالة المشروطة بعدم براءة المحيل تعتبر كفالة عادية يثبت بها حق المحال له في الرجوع على أي من المحال عليه والمحيل، ذلك أن هذا الحكم تطبيق بين للقواعد العامة في القانون.
وجاء المشروع بالمادتين (388، 389) مقابلاً للمادتين (308 و309) من قانون التجارة الحالي المأخوذتين أصلاً من المادتين (359 و360) مدني عراقي ومصدرهما ما سنته المجلة في المادتين (691 و698) من أحكام الفقه الإسلامي في الخصوص الذي وردتا فيه، وتنص المادة (691) من المجلة على أنه (إذا أحال المحيل بصورة مطلقة ولم يكن له دين عند المحال عليه، رجع المحال عليه بعد الأداء على المحيل، وإن كان له دين يتقاص بدينه بعد الأداء) ويقول صاحب درر الحكام (جزء 2 ص 34) تعليقًا على المادة (698) من المجلة أنه (إذا لم يكن للمحيل مطلوب عند المحال عليه وعلى تقدير أن الحوالة أجريت بأمر المحيل فطبقًا للمادة (698) يرجع المحال عليه به على المحيل بعد الأداء، وإذا كان له مطلوب بذمة المحال عليه يتقاصان بعد الأداء).
وعلى هدْي ما تقدم وضع المشروع المادتين اللتين اقترحهما وهما تنصبان على الحوالة المطلقة التي تكون بالاتفاق مع المدين الأصلي أو بإقراره وهو ما حدا بالمشروع إلى تعديل صياغة المادة (388) (المقابلة للمادة 308 تجاري) على وجه يقطع في ذلك المعنى كيلا تختلط بحكم الحوالة التي لا يقرها ذلك المدين والمنصوص عليه بالمادة (379) من المشروع، ويُقصد بما أوردته المادة (388) أنه إذا لم يكن المحال عليه مدينًا للمحيل، فليس له الرجوع على المحيل إلا بعد أن يؤدي الدين المحال به إلى المحال له، ويكون رجوعه بقدر المحال به، ودون نظر إلى ما أداه، وأساس الرجوع أنه يفي دين المحيل بأمره (ابن عابدين رد المحتار جزء 4 ص 307) وأما الحكم الذي أوردته المادة (389) فيقضي أن المحال عليه وإن كان مدينًا للمدين الأصلي بدين أو عين، فإن التزامه بموجب الحوالة بالوفاء إلى المحال له لم يتقيد بهذه العين أو ذاك الدين، فيبقى حق المدين الأصلي المحيل في طلب الدين أو العين إلى حين قيام المحال عليه بالوفاء إلى المحال له، فإن أوفى إليه يُجرى القصاص بين ما أداه وبين ما للمحيل عنده (المرجع السابق).
ويتفق حكم المادة (390) مع ما تنص عليه المادة (310) من قانون التجارة القائم وإنما استبعد المشروع ما أورده القانون الحالي من تفصيلات وشروح، وذلك الحكم الذي نقله المشروع إنما يمليه ما للحوالة المقيدة من ماهية متميزة بتعيين العنصر الذي يستوفي منه المحال له دينه إذ يتحدد في دين معين بذمة المحال عليه أو في عين بذاتها عنده، ومن ثم فلا يكون للمحيل بعد انعقاد حوالة من هذا القبيل أن يطالب المحال عليه بالمال الذي قيد وفاء الحوالة به لدى المحال عليه، اعتبارًا بأن الحق فيه قد انتقل إلى المحال له. ويؤسس الأحناف هذا الحكم على أن الحوالة المقيدة تُسقط حق المدين الأصلي (المحيل) في المطالبة، وتمنع الوفاء إليه لأن حقه صار كالمرهون، والمعتبر في بقية المذاهب أن الحوالة المقيدة تبرئ المحال عليه من دين المحيل لأن حقه صار للمحال عليه (الموسوعة الفقهية نموذج 3 بند 260، وبند 261 – فتح القدير 5/ 451، وابن عابدين على الدر 4/ 294، ونهاية المحتاج 4/ 413 وما بعدها) ولم يجد المشروع وجهًا إلى النقل عما تنص عليه المادة (310) في فقرتها الثانية من أنه (ولو أعسر المحيل قبل أداء المحال عليه الدين، فليس لسائر الغرماء أن يشاركوا المحال له) اعتبارًا بأنها تقرر حكمًا يتفرع عن الأصل المقرر بالفقرة الأولى بانتقال الحق في المطالبة بما قيدت به الحوالة من المدين الأصلي إلى المحال له، وهو ما يتفق أيضًا مع رأي زفر حيث يرى أن للمحال له امتيازًا على المال المقيدة به الحوالة عند المحال عليه، لأن حق الغرماء تعلق مال المحيل، وما للمحيل عند المحال عليه صار أجنبيًا عن هذا المال بدليل أنه لا يستطيع أخذه حال حياته، فيكون كذلك بعد وفاته (البابرتي على هامش فتح القدير جزء 5 ص451 وابن الهمام جزء 5 ص 451).
الباب الخامس: انقضاء الالتزام
الحق الشخصي أي الالتزام له أجل محدود ينقضي به، فمصيره حتمًا إلى الزوال وهو في ذلك يختلف عن الحق العيني المتمثل بصفة خاصة في حق الملكية حيث تعتبر صفة التأييد أو الدوام من خصائصه الأصلية، وقد أخذ المشروع بأسباب انقضاء الالتزام مأخذ قانون التجارة الحالي والقانون المدني المصري الذي نقل عنه، فرد تلك الأسباب إلى تقسيم عملي على النحو التالي، القسم الأول ويشمل انقضاء الالتزام بتنفيذه عينًا أي بالوفاء وهو الطريق المألوف لقضاء الدين والقسم الثاني ويشمل أحوال انقضاء الالتزام بما يعادل الوفاء ويندرج تحته الوفاء بمقابل والتجديد والإنابة في الوفاء والمقاصة واتحاد الذمة، والقسم الثالث ويشمل أحوال انقضاء الالتزام دون أن ينفذ ويندرج تحت الإبراء واستحالة التنفيذ ويلحق به عدم سماع الدعوى لمرور الزمان الذي استمد المشروع أحكامه من القانون المدني العراقي والفقه الإسلامي واستعاض بها عن نظام انقضاء الالتزام بالتقادم المسقط الذي يأخذ به قانون التجارة الحالي.
الفصل الأول – الوفاء:
المواد (391 – 413):

جاء المشروع بالمادة (391) مقابلاً للمادة (311) من قانون التجارة الحالي مع تعديل أكثر إحكامًا في الصياغة، فلم يأخذ بما تنص عليه الفقرة الأولى عن (الوفاء من نائب المدين) إذ يغني عنها (الوفاء من المدين)، كما لم ينقل من تلك الفقرة ما تجري به نهايتها بقولها (إلا إذا كان ضروريًا أن يوفي المدين الدين بنفسه) واستعاض المشروع عنها بفقرة جديدة هي الفقرة الثالثة بالمادة التي جاء بها وهي القاعدة الأصلية للأحوال التي يجوز فيها للدائن أن يرفض الوفاء من غير المدين، سواء كان من يعرض هذا الوفاء له مصلحة فيه اعتبارًا بأن له حق الحلول محل الدائن أو ليست له هذه المصلحة وهي ذات القاعدة التي تحددها المادة (206) من قانون التجارة الحالي المستمدة من المادة (208) من القانون المصري.
ووضع المشروع المادة (392) في فقرتين جمع فيهما معًا الأحكام التي تنص عليها المادتان (312 و313) من قانون التجارة الحالي بعد تعديل الصياغة بما يتفق مع الجمع بين تلك الأحكام المترابطة بعضها مع البعض، وهو الأسلوب الذي جرى عليه التشريع المصري بالمادة (325) وتابعه فيه التشريع السوري بالمادة (324) والتشريع الليبي بالمادة (312) ومؤدى تلك الأحكام أن صحة الوفاء مشروطة بأن يكون الموفي سواء في ذلك المدين أو الغير مالكًا لما وفى به وأن تتوافر لديه أهلية التصرف فيه، فإذا لم يكن الموفي أهلاً للتصرف في الشيء الذي أوفى به كان وفاؤه قابلاً للإبطال بسبب نقص الأهلية على أنه إذا لم يُلحق الوفاء ضررًا بناقص الأهلية انتفت مصلحته في الدفع بالإبطال وبالتالي فإنه يمتنع عليه أن يتمسك به ويعتبر وفاؤه صحيحًا ويترتب عليه انقضاء الدين وبراءة ذمة المدين.
واستحث المشروع في المادة (393) حكمًا يقضي بأن الغير الذي أوفى الدين يكون له الرجوع على المدين بقدر ما أوفاه، أما إذا كان الوفاء رغم معارضة المدين أو بدون علمه فيكون للمدين أن يمنع رجوع الموفي عليه إذا أثبت أن له أية مصلحة في الاعتراض على الوفاء، مثل التمسك في مواجهة الدائن بالمقاصة القانونية، أو الدفع بانقضاء الدين لأي سبب آخر أو الدفع ببطلانه، ويوجه الحكم في الصورة الأولى أن الغير يرجع بدعوى الفضالة، ويوجهه في الصورة الأخرى أن الرجوع لا يستند إلا إلى دعوى الإثراء بلا سبب فيكون رجوعه بأقل القيمتين: مقدار ما دفعه الغير أو مقدار ما عاد على المدين من منفعة وقد نقل المشروع هذه المادة من القانون المدني المصري بالمادة (324) والتشريعات العربية التي أخذتها عنه.
ووجد من الملائم ألا ينقل المشروع ما تنص عليه المادة (314) من قانون التجارة الحالي من أنه (لا يصلح للمدين أن يوفي دين غرمائه في مرض موته إذا أدى هذا الوفاء إلى الإضرار ببقية الدائنين) فقد آثر المشروع أن يترك الحكم في ذلك الشأن للقواعد القانونية العامة التي تحكم سائر تصرفات المريض مرض الموت.
وأورد المشروع في المادة (394) الحكم في شأن حلول من أوفى الدين محل الدائن بحكم القانون وهو الحلول القانوني وحصر أحواله آخذًا – بصفة عامة – بما يقرره قانون التجارة القائم بالمادة (315) والتي سُنت في الأصل على غرار المادة (326) من القانون المصري والقوانين العربية التي نقلت عنه. ويبين جليًا بذلك الحكم أن الموفي الذي يحل محل الدائن بأمر القانون يكون دائمًا صاحب مصلحة في الوفاء بدين المدين وتبعًا لذلك يمكنه القانون من أن يفي بالدين رغم إرادة المدين والدائن على السواء، فيتم بذلك حلوله محل الدائن الذي وفاه، وتتحقق الحالة الأولى للحلول القانوني إذا كان الموفي ملزمًا بالدين مع المدين أو ملزمًا بوفائه عنه كالمدين المتضامن والكفيل الشخصي أو العيني إذ قد يكون لأي من هؤلاء مصلحة في درء مطالبة الدائن له بدين المدين أمام القضاء، وتتحقق الحالة الثانية إذا كان الموفي دائنًا عاديًا أو له تأمين عيني وأوفي الدين إلى دائن آخر له تأمين عيني مقدم عليه ويقوم حق الحلول في هذه الصورة رعايةً لمصلحة الموفي في منع الدائن المتقدم عليه في المرتبة من بيع المال المثقل بالتأمين في وقت غير مناسب، فقد يقدم هذا الدائن على البيع ولو بالوكس طالما كان الثمن الذي لا يزاحمه فيه غرماء يكفي للوفاء بدينه المتقدم في المرتبة، أما الحالة الثالثة من أحوال الحلول فقد لوحظ أن قانون التجارة القائم - متأثرًا بالقوانين العربية التي نقل عنها – قد اختص بها مشتري العقار الذي يفي بثمنه إلى الدائنين المخصص ذلك العقار لضمان دينهم في حين أن هذه الحالة ليست إلا تطبيقًا للحالة الأولى اعتبارًا بأن المشتري في هذه الصورة يعتبر مسؤولاً عن الدين عن المدين وفي حدود ثمن ما اشتراه، وهو اعتبار يصدق سواء أكان المبيع عقارًا أو منقولاً ومن أجل ذلك فقد استبدل المشروع في نطاق تلك الحالة كلمة الشيء بكلمة العقار، وتتوفر الحالة الرابعة للحلول القانوني كلما وجد نص خاص عليها في القانون.
وعرضت المادة (395) من المشروع لحكم الحلول الاتفاقي وإجراءاته على وجه مطابق للمادة (316) من قانون التجارة الحالي والقوانين العربية التي أخذ عنها مع تعديل طفيف في الصياغة، كما أُضيف إلى آخر الفقرة الثانية حكم يقضي بأنه لا يجوز للدائن الأصلي الذي يستوفي حقه من مال اقترضه المدين من شخص آخر أن يرفض ذكر هذه الواقعة في المخالصة المثبتة لسداد دينه إليه .. وقد نقل المشروع هذا الحكم من المادة 2102/ 3 من القانون المدني الإيطالي وذلك لإزالة كل لبس في أن الدائن الأصلي يعتبر ممتنعًا عن قبول الوفاء إذا رفض إثبات تلك الواقعة بالمخالصة مما يجيز إجباره على قبول الوفاء بطريق العرض الحقيقي والإيداع.
وتكلفت المادة (396) من المشروع ببيان آثار الحلول بنوعيه سواء أكان حلولاً قانونيًا أو حلولاً اتفاقيًا، وترد هذه الآثار إلى قاعدتين أساسيتين أولاهما أن الموفي يحل محل الدائن الذي أوفاه وفي نفس المركز القانوني الذي كان له، فينتقل إليه حق الدائن بكافة ماله من صفات وتوابع وتأمينات وما يلحقه من الدفوع أما القاعدة الثانية فهي أن الموفي الذي احتل محل الدائن الموفي له لا يرجع على المدين إلا بمقدار ما أداه، ولم يأتِ المشروع في ذلك بجديد غير ما هو مقرر بالمادة (317) من قانون التجارة القائم والمواد المقابلة بالتشريعات العربية التي استمد منها ذلك الحكم.
وتتفق المادة (397) من المشروع مع حكم المادة (318) من قانون التجارة الحالي مع تعديل طفيف في الصياغة يجعلها أدنى إلى الدقة، أما المادة (398) فقد استحدث بها المشروع حكمًا جديدًا يعالج به الصورة التي يكون فيها الدين مضمونًا بعدة رهون على عقارات متعددة ثم يباع كل منها إلى حائز على استقلال ويقوم أحد الحائزين بوفاء الدين كله، ويقرر النص المستحدث أن هذا الحائز لا يكون له أن يرجع على أي من الحائزين الآخرين إلا بقدر نصيبه في الدين بحسب قيمة العقار الذي يكون حائزًا له ومن ثم فإن شأن الحائز الموفي بكل الدين بالنسبة إلى الحائزين الآخرين كشأن المدين المتضامن الذي يوفي بالدين جميعه فيرجع على سائر المدينين الآخرين كل بقدر حصته وقد استمد المشروع ذلك الحكم من المادة (331) من القانون المصري والقوانين العربية التي نقلتها عنه.
وتقرر المادة (399) القاعدة العامة التي تنص عليها المادة (319) من قانون التجارة الحالي بأن الوفاء يكون للدائن ولكن دون استطراد إلى ما تردده من شروط بشأن أهلية الموفي له اغتناءً بما جاء به المشروع في الباب الأول من القواعد والأحكام لتصرفات ناقصي الأهلية وأصحاب الصفة في النيابة عنهم في تلك التصرفات، وإنما أضاف المشروع إلى المادة التي أوردها نصًا مستحدثًا يقضي بصحة الوفاء إلى من قدم للمدين مخالصة صادرة من الدائن ما لم يكن هناك اتفاق على الوفاء للدائن بشخصه أو لنائبه، وقد تغيا المشروع بذلك النص أن يجعل من التقدم بالمخالصة الموقعة من الدائن قرينة على ثبوت صفة مقدمها في استيفاء الدين، على أن تنتفي هذه القرينة بوجود اتفاق مسبق على أن يكون الوفاء للدائن بنفسه أو لمن ينوب عنه إذ يتعين عندئذٍ على المدين أن يرفض الوفاء حتى يستوثق من صفة من بيده المخالصة وقد استمد المشروع ذلك الحكم من بعض التقنينات العربية (332 مصري، 330 سوري، 319 ليبي).
ووضع المشروع المادة (400) بما يتفق مع ما تنص عيه المادة (320) من قانون التجارة القائم. وأضاف حالة أخرى تأخذ ذات الحكم المطبق على الحالتين الواردتين في النص الحالي، ولكن في حدود خاصة، وهي حالة الوفاء لغير الدائن إذا عادت منه منفعة على الدائن وعلى أن تكون براءة المدين الموفي بقدر هذه المنفعة، وتتحقق تلك الحالة مثلاً إذا كان المدين قد وفى الدين إلى شخص كان دائنًا للدائن وقبضه منه استيفاءً لحقه في ذمة ذلك الدائن وكان الحق خاليًا من النزاع وواجب الأداء ومقدمًا على سائر ديون الدائن، وتوجد للدائن مصلحة ما في الوفاء به، وقد استمد المشروع هذا النص من بعض التقنينات العربية (333 مصري، 331 سوري، 320 ليبي) أما قانون التجارة الكويتي فلم يورد نصًا مماثلاً مع أنه تطبيق للأحكام التي أوردها بشأن الفضالة والبادي أنه قد تأثر في ذلك بمسلك القانون العراقي (المادة 384) مع أن هذا القانون إذ لم ينقل تلك الحالة عن القوانين العربية الأخرى قد التزم منطقه الخاص بعدم الاعتراف بالفضالة وفي خصوص الحالة الأخيرة من الحالات التي يطبق عليها الحكم الوارد في النص آثر المشروع التعبير عنها بالأسلوب الذي صاغها به القانون الحالي مع تعديل طفيف في الصياغة، فقد رأى أنه أصح في النظر مما تجري به عبارة بعض التشريعات العربية في ذلك المقام بأنه (الوفاء لشخص كان الدين في حيازته).
عرض الدين عرضًا حقيقيًا وإيداعه:
أغفلت التشريعات الرئيسية الحالية بالكويت النظام القانوني لعرض الدين عرضًا حقيقيًا وإيداعه، على الرغم مما له من أهمية وخطر، حتى لقد دعت الضرورة بعض المتعاملين إلى الأخذ بقواعده الأساسية بدون نص واجتهد القضاء في إقرارهم على ما أخذوا به ما وسعته أسباب الاجتهاد، كذلك لمس المشروع مدى الحاجة إليه في بعض التشريعات الفرعية الحديثة، ففي المرسوم بقانون رقم (25) لسنة 1978 بشأن إيجار العقارات وضع نظام خاص لعرض الأجرة وإيداعها بإجراءات مناسبة لذلك النوع من الأنزعة، وكان حتمًا لدى اقتراح مشروعات للقوانين الرئيسية أن تضمن نصوصها قواعد شاملة لنظام العرض الحقيقي والإيداع تتناول إجراءاته وأحكامه الموضوعية على السواء. وبالنسبة للقواعد الإجرائية فقد احتواها مشروع قانون المرافعات المدنية والتجارية الذي تم إنجازه وأصبح معدًا ليأخذ طريقه إلى مراحله التشريعية، أما القواعد الموضوعية فقد أتى بها هذا المشروع في المواد من (401) إلى (404) وهي مستمدة من المواد (334 و335 و338 و340) من القانون المدني المصري ومن التشريعات العربية الأخرى التي نقلت عنه.
وتعرض المادة (401) من المشروع لحكم لا ينصب مباشرة على العرض الحقيقي والإيداع وإنما ينتظم مرحله يسلكها المدين إذا شاء تمهيدًا لاتخاذ إجراءات العرض والإيداع أو عوضًا عنها، وغاية تلك المرحلة هي وضع الدائن في موضوع التقصير إذا رفض قبول الوفاء بدون مبرر مقبول، مع بيان الآثار التي تترتب على ذلك، ولكي يعتبر الدائن في ذلك الوضع القانوني فإن ذلك يقتضي من المدين أن يعذره، بإعلان رسمي يسجل عليه فيه، إما أنه رفض وفاءً صحيحًا عرضه عليه، وإما أنه امتنع عن القيام بعمل من الأعمال اللازمة لإتمام الوفاء، وإما أنه أعلن عدم قبوله للوفاء، فيترتب على الإعذار إلى الدائن بأنه في حالة من هذه الحالات انتقال تبعة هلاك الشيء إلى عاتقه، والسماح للمدين بإيداع الشيء على نفقة الدائن مع الرجوع عليه بالتعويض عند الاقتضاء. وتتحقق الحالة الأولى كما لو عرض المدين على الدائن عرضًا فعليًا – ولو بدون إعلان رسمي – الدين بتمامه عند حلول الأجل وفي المكان المحدد للوفاء به أو حتى اكتفى بإبداء استعداده للوفاء بالدين على هذا الوجه فرفض الدائن ذلك الوفاء، وتتحقق الحالة الثانية إذا استلزم الوفاء من الدائن أن يتدخل بعمل من جانبه، كما لو كان الدين واجب الوفاء في موطن المدين وأبى أن يسعى إليه، أما الحالة الثالثة فإن الدائن يسبق فيها المدين بأن يُعلن من ناحيته أنه لن يقبل الوفاء إذا ما عُرض عليه، فإن وضع الدائن نفسه في حالة من تلك الحالات وسجلها عليه المدين بالإعذار إليه ترتبت على الإعذار آثاره السابقة.
وللمدين أن يعرض الدين عرضًا حقيقيًا على دائنه - سواء أكان قد أعذر إليه وفقًا لحكم المادة السابقة أم لا – وقد أورد مشروع قانون المرافعات بيان إجراءات العرض وكذلك الإيداع، ففصلت أحكامه كيفية القيام بالعرض الحقيقي وفقًا لطبيعة المعروض، فإن كان تسليمه ميسورًا في موطن الدائن وجب أن يحمله إليه مندوب الإعلان وإلا كلفه بتسلمه حيث يوجد، وإذا ما قبل الدائن العرض على ذلك الوجه فيكون الوفاء قد تم إليه منذ اللحظة التي يقترن فيها القبول بالعرض، وهو حكم واضح في تلك الصورة وفي غير حاجة إلى النص عليه في المشروع، أما إذا لم يقبل الدائن العرض فيكون من اللازم اتخاذ إجراءات الإيداع التي رسمها مشروع قانون المرافعات، وتتم بإيداع الشيء خزانة إدارة التنفيذ إذا كان المعروض نقودًا أو غيرها مما يقبل الإيداع بالخزانة، فإن لم يكن كذلك تعين استصدار أمر من القضاء بالإيداع في مكان أمين، أما إذا كان المعروض شيئًا يستحيل على الإيداع فإن الإجراء البديل هو استصدار أمر القضاء بوضعه تحت الحراسة، أما الأشياء التي يسرع إليها التلف فتباع بإذن القضاء ويودع الثمن المتحصل من البيع، على أن الدائن قد يعود بعد إتمام الإيداع أو الإجراء البديل عنه فيقبل العرض. كما أنه قد يظل على موقفه من رفض العرض والامتناع عن تسلم المعروض حتى يُقضى نهائيًا بصحة العرض والإيداع وتقرر المادة (402) من المشروع الحكم في الحالين فتقضي بأن العرض فيهما يعتبر بمثابة وفاء للدين ونصها قاطع في إسناد وقت الوفاء وبراءة ذمة المدين إلى التاريخ الذي تم فيه العرض الحقيقي على الدائن فابتدره بالرفض ولم يشأ أن يقبله في حينه.
وقد يحول بين المدين وبين إمكان التعرف على الدائن الواجب الوفاء إليه حائل، فيتعذر اتخاذ إجراءات عرض الدين عرضًا حقيقيًا، وكان لزامًا لذلك فتح الباب أمام المدين للخلوص من عبء الدين بإيداعه مباشرة إيداعًا غير مسبوق بالعرض الحقيقي في الأحوال التي يتحقق فيها قيام ذلك الحائل وقد حصرتها المادة (403) فيما يلي:
أولاً: إذا كان المدين يجهل شخصية الدائن أو موطنه، ثانيًا: إذا كانت أهلية الدائن مقيدة أو معدومة وليس له نائب يقوم عنه في استيفاء الدين، ثالثًا: إذا كان الدين محل نزاع بين عدة أشخاص ولم يتيسر للمدين التثبت من صاحب الحق فيهم، رابعًا: إذا كانت هناك أسباب جدية أخرى تبرر عدم إجراء العرض الحقيقي كما إذا كان المدين يطالب بالتزام مقابل لم يتيسر له استيفاؤه قبل تنفيذ التزامه، ومثال ذلك أن يكون المشتري راغبًا في الوفاء بالثمن إلى البائع ولكن البائع يمتنع عن الوفاء المقابل بالتصديق على توقيعه في عقد البيع تمهيدًا لتسجيل العقد ونقل الملكية، فلا يكون أمام المشتري مفر من إيداع الثمن مباشرة على ذمة البائع مشروطًا بعدم صرفه إليه إلا بعد توقيعه على العقد، وترتب المادة (403) على الإيداع (أو ما يقوم مقامه) في هذه الصورة أنه يكون بمثابة وفاء للدين، واعتبارًا من تاريخ القيام به، وبدهي أن الإيداع المقصود هو الإيداع الصحيح الذي قِبله من ثبت له الحق فيه دون أن ينازع في صحته أو الإيداع الذي يقضي بصحته لدى النزاع فيه.
ولا يعتبر العرض الحقيقي المشفوع بالإيداع لازمًا، ولذلك فقد أجازت المادة (404) من المشروع للمدين أن يرجع في عرضه ما دام لم يقبله الدائن وما دام لم يصدر حكم نهائي بصحته، ويرسم مشروع قانون المرافعات إجراءات الرجوع فيوجب على المدين إن أراد رجوعًا أن يُعلن الدائن بعزمه على ذلك وأن يتلبث ثلاثة أيام قبل أن يؤذن له في الرجوع، إذ يكون للدائن خلال هذه المهلة أن يقبل العرض فيقتضي الدين ويمتنع بذلك على المدين أن يرجع، أما إذا انتهت المهلة ولم يبد الدائن قبولاً للعرض ورجع المدين فإن العرض يعتبر كأن لم يكن، ومن ثم تبقى ذمة المدين مشغولة بالدين وملحقاته كما لا تنفك عن الدين ضماناته.
أما إذا جاء رجوع المدين في العرض بعد قبول الدائن له أو بعد الحكم نهائياً بصحته، فإن هذا الرجوع يكون قد وقع على غير محل من الدين الذي صار عرضه وانقضى بما كان له من كافة الضمانات، وحتى إذا كان الدائن لم يقبض الدين فعلاً في هذه الصورة ثم عاد وقبل من المدين الرجوع في العرض، فإن أثر هذا القبول يكون مقصورًا على العلاقة بينهما فتعود ذمة المدين مشغولة بدين جديد معادل للدين القديم الذي انقضى فلا يكون للدين الذي نشأ بذمة المدين ما كان للدين القديم المنقضي من الضمانات ما لم يوجد اتفاق بين ذوي الشأن على ذلك.
وأورد المشروع المادة (405) بحكم يتفق مع ما تقرره المادة (321) فقرة أولى من قانون التجارة الحالي مع تعديل أوفق في الصياغة، ومؤداه أن الوفاء ينبغي أن يكون بالشيء المستحق أصلاً، ولا يجوز أن يستبدل شيء آخر به ولو كانت له قيمة أكبر، إلا إذا وافق الدائن أو كان متعسفًا في قبول الوفاء، وقد رُئي عدم الحاجة إلى إيراد حكم خاص على نحو ما تقرره الفقرة الثانية من (319) بشأن حق المدين بدين لم يعين إلا بنوعه في أن يفي بمثله ولو لم يرضَ الدائن، اعتبارًا بأن هذا الحكم لا يعدو أن يكون تطبيقًا سلسًا للقواعد العامة وقد سبق إلى ذلك النهج القانون المصري بالمادة المقابلة (341) مدني والقوانين العربية التي حذت حذوه (339 سوري، 328 ليبي).
وأوردت المادة (406) من المشروع بفقرتها الأولى حكمًا مطابقًا للحكم المنصوص عليه في المادة (323) من قانون التجارة الحالي بشأن عدم جواز إجبار الدائن على قبول الوفاء بجزء من حقه، ما لم يكن هناك اتفاق أو نص في القانون يقضي بإلزامه بذلك، وإنما أجرى المشروع تعديلاً في العبارة لتكون الصياغة أكثر دقة وإحكامًا، وأورد المشروع فقرة جديدة بالمادة المقترحة تضع حلاً بينًا لكيفية الوفاء إذا كان هناك نزاع في جزء من الدين دون باقيه، ويقضي بأن للدائن في هذه الحالة أن يستوفي من المدين الجزء الذي يعترف به بغير انتظار لحسم النزاع في الجزء الذي انصب عليه ذلك النزاع، ولا يكون للمدين أن يرفض هذا الوفاء الجزئي متذرعًا بالتريث إلى الوقت الذي يتم فيه حسم النزاع في الجزء الآخر، وقد استمد المشروع هذا الحكم من المادة (342) فقرة ثانية من القانون المدني المصري، والقوانين العربية التي سارت على منواله.
وتأخذ المادة (407) من المشروع بحكم المادة 324/ 2 من قانون التجارة الحالي بشأن كيفية الخصم في حالة الوفاء بالدين وملحقاته، أما المادتان (408 و409) فتنصرفان إلى معالجة كيفية الخصم من أصل الديون المتعددة وهي مسألة تباينت فيها الحلول التشريعية، فمنها ما يذهب على أن المدين له عند الوفاء أن يعين الدين الذي يريد قضاءه، فإن لم يفعل كان للدائن أن يقوم بهذا التعيين ما لم يعترض عليه المدين أو يثبت أن الدائن أجرى التعيين في المخالصة بطريق الغش أو المباغتة (القانون الفرنسي المادة 1255) ومنها ما يذهب إلى إطلاق حق المدين في تعيين الدين الذي يوفِّي به ويستعمله كيف شاء وفي أي وقت يشاء بعد الوفاء وهو منهج القانون العراقي المادة 393/ 1 مدني وقانون التجارة الكويتي المادة 324/ 1 ويأخذ فريق ثالث من التشريعات بتحديد حق المدين في تعيين الدين في وقت قيامه بالوفاء أما إن سكت عن التعيين فإن القانون يتولى ذلك عنه آخذًا في الاعتبار نية المدين المفترضة وقت الوفاء، فإن لم يوجد من الاعتبارات ما يرجح اتجاه النية إلى تعيين دين بذاته فإن الحق في التعيين يؤول إلى الدائن وهو ما أخذ به القانون المدني المصري في المادتين (344 و345) والمدني السوري في المادتين (342 و343) والمدني الليبي في المادتين (331 و332)، وقد اختار المشروع منهج هذه القوانين ضمانًا لاستقرار المراكز القانونية، وتلافيًا للمنازعات حول مشروعية استعمال المدين لحقه المطلق في تعيين الدين بعد أن تم الوفاء دون تعيين.
وقد نصت المادة (408) من المشروع على أن للمدين أن يعين عند الوفاء الدين الذي يريد الخصم منه ما لم يمنعه اتفاق مسبق من ذلك أو يحول بينه وبين حقه في الاختيار نص في القانون كما إذا أراد أن يقع الخصم من دين لا يجوز فيه تجزئة الوفاء، ونصت المادة (409) من المشروع على كيفية إجراء الخصم إذا لم يعينه المدين عند الوفاء، بأن الوفاء يقع من الدين الذي حل تمشيًا مع النية المفترضة للمدين وقت أن أوفى، فإن تعددت الديون الحالة فإن الوفاء يقع من أشدها كلفة تقديرًا بأنه الأصلح للمدين والأكثر اتفاقًا مع قصده عندما أوفى دون تعيين، وعلى ذلك فلا يكون للمدين الذي لم يعين وقت الوفاء، أن يعود بعد هذا الوقت بزمن طال أو قصر فيختار الخصم من دين مؤجل حتى ولو كان الأجل لمصلحته دون الخصم من دين كان حالاً وقت الوفاء واستقر في يقين الدائن الموفي له عندئذٍ أن الوفاء قد انصب عليه، كما لا يكون للمدين بعد ذلك الوقت (وقت الوفاء) أن يعود فيؤثر الخصم من دين عادي على الخصم من دين مكفول كان معتبرًا وقت الوفاء أنه الأشد كلفة من ذلك الدين العادي.
وتطابق المادتان (410 و411) من المشروع الأحكام المقررة بالمادتين (325 و326) من قانون التجارة الحالي مع تعديل أحكم في صياغة أولاهما والاحتفاظ بجوهر الحكم على حاله. ويتضمن هذا الحكم أصلاً عامًا بأن الالتزام يكون مستحق الأداء بمجرد ترتبه بذمة المدين على أن هذا الأصل ليس مطلقًا فقد يوجد اتفاق بإضافة الالتزام إلى أجل فيصير أداؤه معلقًا على أجل واقف كما قد ينص القانون في بعض الأحوال رعايةً لمصلحة يقدرها على تحديد أجل للوفاء بالالتزام، وإلى جانب الأجل الاتفاقي والأجل القانوني أخذ المشروع مأخذ القانون الحالي ومصادره التشريعية بالأجل القضائي فأتاح للقاضي أن يمهل المدين في الوفاء أو يمنحه ما يسمى نظرة الميسرة، وذلك إذا توافرت في الموضوع الأسباب المشروطة قانونًا لذلك إذ يجب أن تكون حالة المدين تستأهل إيثاره بهذه المنحة وبالتالي فلا يجوز أن تعطى لمن تعمد عدم الوفاء أو قصر فيه قصورًا بينًا أو لمن كان معسرًا لا يرجى منه الاقتدار على الوفاء، كما يجب ألا يكون من شأن النظرة إلحاق ضرر شديد بالدائن فلا وجه لإغاثة المدين إذا كان السبيل إلى ذلك هو إنزال الأضرار البالغة بالدائن ويلزم أخيرًا ألا يوجد نص في القانون يمنع النظرة إذ يتعين عندئذٍ التزام حكمه، وغني عن البيان أن القاضي عليه أن يقدر مدى النظرة بالمدة الضرورية لتمكين المدين من الوفاء.
وجاء المشروع بالمادة (412) تتفق مع الحكم المقرر في المادة (327) من قانون التجارة الحالي بفقرتيها مع تعديل أكثر وضوحًا في العبارة، استمده المشروع مما تجري به صياغة المادة (347) من القانون المدني المصري مع التصرف بما اقتضاه المقام، ولم يرَ المشروع وجها لنقل ما تنص عليه المادة (328) من قانون التجارة الحالي من أنه (إذا أرسل المدين الدين مع رسوله إلى الدائن فهلك في يد الرسول قبل وصوله هلك من مال المدين، وإن أمر الدائن المدين بأن يدفع الدين إلى رسول الدائن فدفعه إليه وهلك في يده فهلاكه من مال الدائن ويبرأ المدين من الدين) وذلك تقديرًا من المشروع أن هذا الحكم لا يعدو أن يكون تطبيقًا للقواعد العامة ويمكن إعماله دون لبس وبغير حاجة إلى تخصيصه بالنص  أما المادة (413) فوضعها المشروع مطابقةً للمادة (329) من قانون التجارة في حكمها بأن نفقات الوفاء بالدين تكون على عاتق المدين إلا إذا اتفق على غير ذلك أو كان هناك نص أو عرف يجري على خلافه، والنفقات المقصودة في هذا المقام هي تلك التي تصرف في سبيل الوفاء بالدين مثل ثمن الشيك وأجرة الوزن أو الكيل ونفقات إرسال الدين إلى الدائن.  
الفصل الثاني - انقضاء الالتزام بما يعادل الوفاء:
المواد (414 - 434):
أولاً: الوفاء بمقابل:

أورد المشروع ماهية الوفاء بمقابل والقواعد التي تحكمه بالمادتين (414 و415) على نسق ما تجري به المادتان (330 و331) من قانون التجارة القائم ومصدرها في القوانين العربية (المادتان 350 و351 مصري والمواد المقابلة بالتشريعات العربية التي أخذت بها)، ويترتب على الوفاء بمقابل نقل الملكية شيء من ذمة المدين إلى ذمة الدائن وفاء لالتزام سابق بينهما فهو بهذه المثابة تجديد بتغيير الالتزام يتبعه بل ويمتزج به الوفاء بالالتزام الجديد على الفور، وبذلك ينطوي الوفاء بمقابل على نقل الملك بمقابل ومن هذا الوجه تنطبق عليه أحكام البيع كما يؤدي إلى انقضاء الالتزام فتسري عليه من هذا الوجه أحكام الوفاء، وقد رُئي التماسًا لوضوح العبارة بالمادة (415) الاستعاضة بعبارة (وبالأخص ما تعلق منها بتعيين الخصم في الوفاء من الديون المتعددة) عن الصياغة المقابلة بالمادة (331) والتي تجري عبارتها (وعلى الأخص ما تعلق منها بتعيين جهة الدفع).
ثانيًا التجديد:
وتتفق المادة (416) من المشروع مع المادتين (332 و333) من قانون التجارة وإنما أدخل المشروع تعديلاً لفظيًا طفيفًا في صياغة الفقرة الأولى المقابلة للمادة (332) من القانون.
واستحدث المشروع في المادة (417) نصًا على حكم التجديد في حالة بطلان أي من الالتزامين القديم أو الجديد، وتقضي هذه المادة بأن التجديد لا يقع إذ أن الالتزام القديم إذا كان باطلاً استتبع ذلك بطلان الالتزام الجديد لتخلف سببه، وإذا كان الالتزام الجديد باطلاً بقي الالتزام القديم قائمًا لامتناع أثر التجديد.
ونص المشروع في المادة (418) منه على أن التجديد لا يفترض بل يجب أن يتفق عليه صراحةً أو يُستخلص بوضوح من الظروف ذلك أن التجديد يستلزم ظهور إرادة الطرفين في القضاء على الالتزام القديم وفي إنشاء الالتزام الجديد ليكون بديلاً له ومختلفًا عنه، فضلاً عما ينطوي عليه التجديد من نزول من جانب الدائن عن الالتزام القديم ومن ثم لا يجوز افتراض التجديد أو استخلاصه من المظاهر المادية المجردة من قصد التجديد. فمن هذه المظاهر ما يفضي إلى خلق عمليات قانونية تكون صحيحة في ذاتها دون أن يقصد الطرفان منها قضاء الالتزام القديم الذي يستلزم توفر عنصر معنوي هو نية التجديد بإنشاء الالتزام الجديد، وقد نقل المشروع هذا الحكم عن المادة 354/ 1 مدني مصري والتشريعات العربية التي سارت على منواله.
وجاء المشروع في المادة (419) بحكم يطابق ما تنص عليه المادة (334) من قانون التجارة القائم مع صياغة أكثر ضبطًا لتأكيد المعنى المقصود منه وهو أن الالتزام الجديد غير الالتزام القديم وله مقوماته واستقلاله الخاصان به، وقد أضاف المشروع فقرة ثانية إلى المادة التي جاء بها للتأكيد على أن التأمينات لا تنتقل من الالتزام القديم إلى الالتزام الجديد ما لم يقضِ بذلك نص في القانون أو تبين أن النية قد انصرفت إلى ذلك. وقد جرى المشروع في هذه الإضافة على منوال التشريع المصري في المادة (356) من القانون المدني والتشريعات العربية التي حذت حذوه (354 سوري، 343 ليبي).
وقد لوحظ أن المادة (335) من قانون التجارة الحالي تنص على أنه (إذا كان الدين الأصلي مكفولاً بتأمينات شخصية أو عينية وصار تجديده سقطت التأمينات إلا إذا جُددت هي أيضًا) وهو حكم عام ومبهم، إذ أنه لا يفرق بين التأمينات العينية والتأمينات الشخصية مع ما بينهما من اختلاف في الطبيعة القانونية وفي الآثار، كما أنه جاء مرسلاً بلا تحديد للوسيلة القانونية لتجديد هذه أو تلك من نوعي التأمينات، كذلك فإنه ترك حقوق الغير دون تصون أو حماية حيث يقتضي الحال ذلك، وهذا كله من شأنه أن يوسع أسباب الخلاف في وضع الحلول القانونية في كثير من الصور بل وقد يضل الاجتهاد فيها، ولذلك فإن المشروع قد جاء بالمادتين (420 و421) ورسم بهما قواعد.
حاسمة لتحكم المسائل المتماثلة وتلك المخالفة كل بما يتفق مع طبيعتها من الأحكام، والأصل العام في جميعها استمده المشروع من القانون المدني المصري في مادتيه (357 و358) والقوانين العربية الأخرى التي نقلت عنه، ولكنه لم يلتزم النهج الذي سلكته تلك القوانين بحصر تطبيق الحكم المقرر في أولى المادتين (357 مصري وما يطابقها) في التأمينات العينية المقدمة من المدين، وإطلاق الحكم المقرر في المادة (358) على التأمينات المقدمة من غير المدين سواء أكانت عينية أو شخصية، وهو ما يثير اضطرابًا بشأن المفارقة في الحكم بين انتقال التأمينات العينية إذا كانت مقدمة من المدين، وبين انتقال تلك التأمينات إذا كانت مقدمة من غير المدين. مع ما بينهما من تقارب شديد في الطبيعة القانونية والآثار، ولذلك فإن المشروع آثر أن يفرد المادة (420) لحكم التأمينات العينية كافة سواء أكانت مقدمة من المدين أو من غيره، فتقضي هذه المادة أنه إذا كانت تلك التأمينات مقدمة من المدين وكان التجديد بتغيير الدين فإنها تنتقل إلى الدين الجديد بالاتفاق بين الدائن والمدين على ألا يؤثر ذلك على حقوق الغير، وعلى ذلك إذا اتفق الدائن والمدين على انتقال التأمين العيني لضمان الدين الجديد بقيمة تزيد على قيمة الدين القديم، فإن اتفاقهما على امتداد الضمان إلى القدر الزائد في الدين الجديد لا ينفذ ولا يسري في مواجهة الغير وهو كل دائن آخر يكون دينه مضمونًا بحق عيني على التأمين المقدم ضمانًا للدين القديم متى كان تاليًا له في المرتبة، وإن كان التجديد بغير المدين جاز للدائن والمدين الجديد الاتفاق على استبقاء التأمين بغير رضاء المدين الأصلي ويبقى التأمين على حاله يثقل العين المقدمة منه، ويعتبر هو عندئذٍ كفيلاً عينيًا للدين الجديد، وإن كان التجديد بتغيير الدائن فيصير الاتفاق بين أطراف التجديد ثلاثتهم على انتقال التأمينات - فإن كان التأمين العيني مقدمًا من سوى المدين فإنه لا ينتقل إلى الدين الجديد إلا بموافقة من قدم ذلك التأمين وبشرط ألا يضر ذلك بحقوق الغير، وفي جميع الأحوال وسواء كانت التأمينات العينية مقدمة من المدين أو من سواه فإن الاتفاق على انتقالها إلى الدين الجديد لا يعتبر نافذًا في حق الغير إلا إذا كان هذا الاتفاق معاصرًا وقت الاتفاق على التجديد، فإذا كان لاحقًا له في الزمان فإنه يكون من شأن التجديد الذي تم مجردًا من التأمينات العينية انقضاء الدين القديم مع تأميناته، ولا يكون في السعة إعادة تلك التأمينات بعد زوالها لضمان الدين الجديد وبذات المرتبة التي كانت في ضمان الدين القديم، حماية للغير وصيانة لحقوقه، وإن كان التأمين العيني موقعًا على العقار فيلزم لسريانه أيضًا اتباع الأحكام التي يقررها قانون التسجيل العقاري، وخصص المشروع المادة (421) لبيان الحكم في شأن انتقال التأمينات الشخصية فيقضي بأن هذه الأمينات لا تنتقل إلى الدين الجديد إلا برضاء الكفيل أو المدين المتضامن، ومن ثم فإن الكفالة الشخصية لا تضمن الوفاء بالدين الجديد ما لم يوافق الكفيل على ذلك، وكذلك إذا تم التجديد بموافقة بعض المدينين المتضامنين ترتب على ذلك انقضاء الدين الأصلي ونشوء دين جديد بالتضامن بين من وافقوا على التجديد، وتبرأ ذمة من عداهم من المدينين الذين كانوا متضامنين في الدين الأصلي، وإنما يجب التنويه في ذلك المقام بأن الدائن إذا احتفظ عند التجديد بحقه قبل من لم يرتضه من المدينين المتضامنين فإن هؤلاء يبقون ملزمين بالتضامن بالدين الأصلي بعد حط حصة المدين الذي أجرى التجديد وذلك عملاً بما تنص عليه المادة (348) من المشروع المقابلة للمادة (261) من قانون التجارة الحالي، وغني عن البيان أن موافقة الكفلاء الشخصيين أو المدينين المتضامنين ليست مشروطة في نفاذها بحق الغير بمعاصرة الاتفاق على التجديد، فيجوز أن يأتي رضاؤهم بكفالة الدين الجديد أو التضامن فيه عند حصول التجديد، كما يصح أن يكون لاحقًا له، وإذا جعلوا لرضائهم فيما لو كان لاحقًا أثرًا رجعيًا من تاريخ التجديد فإن التزامهم بالكفالة أو التضامن على ذلك الوجه يكون صحيحًا ونافذًا في حدود القواعد العامة في القانون.
ثالثًا: الإنابة في الوفاء:
وتعرض المادة (422) لحكم الإنابة في الوفاء مستلهمة نص المادة (336) من قانون التجارة القائم مع تعديل صياغته على وجه أكثر دقة، ونظام الإنابة يفترض وجود أطراف ثلاثة: المدين الأصلي وهو المنيب، الدائن وهو المناب له، والأجنبي وهو الشخص المناب، وتقع الإنابة كاملة إذا اتفق ثلاثتهم على إبراء المدين الأصلي من الدين، وأن يصير على المناب الالتزام بوفائه منفردًا، ويكون ذلك بمثابة تجديد للدين بتغير المدين، وتقع الإنابة ناقصة إذا لم ينعقد الاتفاق على التجديد وإنما تم الاتفاق على إنشاء الالتزام الجديد بذمة المناب إلى جانب الالتزام الأصلي الثابت بذمة المنيب (المدين الأول) وهذا النوع من الإنابة هو الأكثر أهمية وذيوعًا في المعاملات، ومع ذلك فقد لوحظ أن قانون التجارة الحالي في صدد تعريفه بالإنابة - لم يورد سوى عبارة موجزة ومرسلة في معناها - متأثرًا في ذلك ببعض القوانين العربية حيث قال: (إن الأجنبي يلتزم بوفاء الدين مكان المدين)، وهي صياغة يقصر مدلولها عن الإحاطة بالإنابة الناقصة مما حدا بالمشروع إلى تعديلها على الوجه الذي جاء به في النص الذي أورده بالمادة (422).
وقد استمد المشروع المادة (423) بفقرتيها من الأحكام المقررة بفقرتي المادة (337) من قانون التجارة الحالي. وتتناول الفقرة الأولى القاعدة العامة في الإنابة الكاملة المعتبرة تجديدًا للالتزام، وأهم الآثار التي تتميز بها تلك الإنابة وهي براءة ذمة المنيب قبل المناب لديه وقد أجرى المشروع تعديلاً في صياغة الفقرة الثانية لتكون عبارتها أكثر وضوحًا وبيانًا في أنه إذا لم يوجد اتفاق صريح على التجديد فلا تكون الإنابة إلا إنابة ناقصة يترتب عليها إنشاء التزام جديد بذمة المناب إلى جوار الالتزام الأول الثابت بذمة المدين المنيب.
وتتفق المادة (424) من المشروع مع ما تنص عليه المادة (338) من قانون التجارة القائم، ويفيد حكمها المطلق أنه يسري على الإنابة بنوعيها سواء كانت كاملة أو ناقصة، ويوجه هذا الحكم أن الأصل في الإنابة أيًا كان نوعها أنها - كما تقدم - تنشئ بذمة المناب التزامًا مجردًا من سببه، على أساس أن المناب لديه لا يتلقى إلا حقه، وأنه إنفاذًا للإنابة يستأديه من المناب بدلاً من أن يستأديه من المدين الأصلي، ومن ثم فإن الإنابة لا تتأثر ولا تندفع بما قد يكون واردًا على العلاقة بين المدين الأصلي (المنيب) وبين المناب من أسباب البطلان أو الدفوع، وغني عن البيان أن الحال يختلف إذا ورد في الإنابة تصريح بأن المناب يلتزم قبل المناب لديه بسبب العلاقة بينه وبين المنيب (أي بين المناب والمنيب) فسواء أكانت هذه العلاقة علاقة مديونية أو علاقة تبرعية فإن الإنابة لا تصح إلا بصحة الالتزام الذي اتخذ سببًا لها كما تدفع بما يدفع به ذلك السبب.
رابعًا: المقاصة:
لوحظ أن قانون التجارة الحالي وإن صرف عنايته إلى وضع النظام القانون للمقاصة القانوني للمقاصة القانونية وأورد فيه أحكامها الأساسية وما يترتب عليها من الآثار إلا أنه أشار من خلال نصوصه إشارات مبهمة إلى المقاصة الاختيارية وبعض من قواعدها بكيفية تثير الاضطراب في ماهية هذا النوع من المقاصة وفيما تناوله من تنسيق بين أحكامها وأحكام المقاصة القانونية كما سيبين فيما يلي من الإيضاحات، ولذلك فإن المشروع آثر السير على نهج القانون المدني المصري في المواد (362 - 369) والتشريعات العربية التي تابعته فاقتصر على إيراد ما تعلق بالمقاصة القانونية من الأحكام وما ترتب عليها من الآثار، ولم يرَ أن يتناول المقاصة الاختيارية بنصوص خاصة ذلك أن مجالها يكون حيث يتخلف شرط أو أكثر من الشروط اللازمة لوقوع المقاصة القانونية، وعندئذٍ تقع تلك المقاصة الإرادية بإرادة أحد الطرفين أو باتفاقهما معًا على التجاوز عن الشرط أو الشروط المقررة لمصلحة أيهما والمانعة من المقاصة القانونية، فأساسها إذا هو الإرادة وأولى أن يُترك حكمها للقواعد العامة التي تنظم التصرفات القانونية، كما أنها من وقت اتجاه الإرادة إليها أو اتفاق الطرفين عليها ترتب الآثار الناشئة عن المقاصة القانونية فلا تكون هناك حاجة إلى ترديد تلك الآثار في شأنها بنصوص على استقلال.
وترتيبًا على ما تقدم جميعه جاء المشروع بالمادة (425) وضمنها تعريفًا واضحًا بالمقاصة القانونية، وحكمها في انقضاء الدينين قصاصًا بمجرد توافر الشروط التي أحاط بها النص، وقد حذا المشروع فيما أخذ به من ذلك حذو القانون المدني المصري في مادته الـ (362) والتشريعات العربية التي نقلتها عنه، وهي تتفق في جوهرها مع الأحكام المقررة بالمادتين (339 و340) من قانون التجارة الكويتي، مضافًا إليها أن نظرة الميسرة التي يمنحها القاضي للمدين أو يتطوع بها الدائن من جانبه لا تمنع من وقوع المقاصة، وهي إضافة يقتضيها التطبيق السليم للقواعد العامة في القانون، ذلك أن العلة في النظرة تزول من أساسها بصيرورة المدين في مركز الدائن لدائنه بدين تتوافر فيه شروط المقاصة القانونية مع الدين الذي بذمته لذلك الدائن وأمهل في الوفاء به إشفاقًا على ظروفه سواء بالنظرة القضائية أو تفضلاً عليه من الدائن.
وفيما عدا ذلك فإن المشروع التزامًا بسياسته التي رسمها لم يُشر إلى المقاصة الاختيارية التي يقول عنها قانون التجارة الحالي في نصوصه بأنها تحصل بتراضي المتداينين، ومع ذلك فيلزم التنويه في هذا المقام - ودفعًا لأي لبس في حكم القواعد العامة بشأن تلك المقاصة - أن المقاصة الاختيارية كما تقع بتراضي الطرفين إذا كان المانع من تحقق المقاصة القانونية مقررًا لمصلحتهما معًا، فإنها تقع أيضًا بتصرف من جانب واحد إذا كان المانع من المقاصة القانونية لم يقرر إلا لمصلحة ذلك الجانب وحده فيكون له أن ينزل عن المانع ويطلب إلزام غريمه بالامتثال للمقاصة فتقع بين الدينين من تاريخ نزوله عن ذلك المانع.
واستحدث المشروع في المادة (426) الحكم المقرر بها وهو مستمد من المادة (363) من القانون المدني المصري والتشريعات العربية التي نقلت عنه، ويقضي بأنه لا يُشترط لوقوع المقاصة أن يكون الدينان المتقابلان واجبي الوفاء في مكان واحد تقديرًا بأنه لا ينبغي أن يشكل اختلاف مكان الوفاء مانعًا من تحقيق المزايا التي تكفلها المقاصة في المعاملات، وأنه يكفي في هذه الصورة إلزام من تمسك بالمقاصة بأن يعوض الطرف الآخر عما يلحقه من الضرر نتيجة لعدم استيفاء حقه أو عدم وفائه بدينه في المكان المتفق عليه، وتقابل المادة (427) من المشروع المادة (341) من قانون التجارة الحالي التي تنص على أنه (إذا كان للوديع دين على صاحب الوديعة من جنس واحد، أو كان للغاصب دين على صاحب العين المغصوبة من جنسها، فلا تصير الوديعة أو العين المغصوبة قصاصًا بالدين إلا إذا تقاص الطرفان بالتراضي) ويواجه الحكم في حالة الوديعة ما ينبغي أن يسود التعامل من الثقة في النزول على مقتضى التعاقد، ويوجهه في حالة العين المغصوبة القاعدة المستقرة بحظر انتصاف الشخص لنفسه، ومع ذلك فيؤخذ على هذه المادة أنها تقصر عن تناول حالة مماثلة حيث يكون مصدر أحد الدينين عارية استعمال فضلاً عن الحالة التي يكون فيها ذلك المصدر دينًا قابل للحجز وامتناع الحجز تمليه أسبابه تتصل بالنظام العام، ولذلك فقد اختار المشروع أن ينقل المادة التي جاء بها عن القانون المدني المصري بمادته الـ (364) إذ يكفل نصها مواجهة حالات القصور المشار إليها ويترك الشأن في المقاصة الاختيارية فيها للقواعد العامة في القانون، ولكن المشروع أضاف إلى الأحوال المنصوص عليها في القانون المصري حالة أخرى هي حالة ما إذا كان أحد الدينين مستحقًا للمنفعة وذلك ما لم يحصل التمسك بالمقاصة من مستحقها.
هذا ولم يجد المشروع وجهًا لمسايرة قانون التجارة الحالي فيما ينص عليه بالمادة (342) من أنه (إذا أتلف الدائن عينًا من مال المدين وكانت من جنس الدين سقطت قصاصًا، وإن كانت خلافه فلا تقع المقاصة إلا بتراضيهما) مؤثرًا أن يترك الحكم في ذلك الشأن ليجري وفقًا لما تمليه القواعد العامة في القانون.
وقد رُئي أيضًا التجاوز عن إعادة تقنين الحكم المقرر بالمادة (343) من القانون الحالي فيما تنص عليه من أنه (إذا كان للكفيل المحروم من حق التجريد دين على الدائن المكفول له من جنس المكفول به، فالدينان يلتقيان قصاصًا من غير رضاهما، وإن كانت من غير جنس الدين المكفول به، فلا يلتقيان قصاصًا إلا بتراضي الدائن المكفول له مع الكفيل لا مع المدين). فهذا النص في عمومه لا يعدو أن يكون تطبيقًا من تطبيقات القواعد العامة والأحكام الخاصة بالمقاصة، ذلك أن الكفيل المحروم من حق التجريد يكون حسب الأصل كفيلاً متضامنًا مع المدين، فيثبت الحق للدائن في الرجوع عليه بالدين وفي التنفيذ على أمواله ولو لم يجرد المدين المكفول أو يبدأ بالتنفيذ على أمواله، وعلى ذلك فإن الكفيل المتضامن مع المدين إذا صار دائنًا للدائن الذي يكفل له دينه بذمة المدين، فإنه يتحقق التقابل بين الدين المشغولة به ذمة ذلك الكفيل وبين الدين الذي نشأ بذمة الدائن لصالح الكفيل المذكور، ويتقاص الدينان بحكم القانون إذا توافرت الشروط الأخرى للمقاصة القانونية، أما إذا اختل شرط اتحاد الجنس في الدينين أو اختل أي شرط آخر من شروط المقاصة القانونية فلا يكون هناك مجال لغير المقاصة الاختيارية وتنعقد بالاتفاق بين الكفيل والدائن طبقًا للقواعد العامة.
وجاء المشروع بالمادة (428) مقابلاً للمادة (344) من قانون التجارة القائم وبغير مخالفة للحكم المقرر بها، وهو يوجب تمسك صاحب المصلحة بالمقاصة، وذلك تأكيدًا لعدم ارتباط المقاصة بالنظام العام فلا يكون للقضاء سلطة الحكم بها من تلقاء نفسه، وإنما أضاف المشروع حكمًا جديدًا يقضي بعدم جواز النزول عن المقاصة قبل ثبوت الحق فيها تلافيًا من اختلاف الرأي في ذلك الشأن.
والتزامًا بنهج المشروع في الاقتصار على تقنين المقاصة القانونية فإنه قد أفصح بالمادة (428) التي جاء بها عن حدود الأثر الذي ترتبه تلك المقاصة في انقضاء الدينين وهو اعتبار الانقضاء مستندًا إلى الوقت الذي حصل فيه التقابل بين الدينين المذكورين، وكذلك ودفعًا لكل لبس في كيفية المقاصة عند تعدد ديون أحد المدينين أورد المشروع حكمًا جديدًا أخر يقضي باحتساب الخصم في هذه الحالة كما يحتسب الخصم في الوفاء لدى تعدد الديون، وقد أخذ المشروع فيما أضافه من ذلك كله نقلاً عن المادة (365) من القانون المدني المصري بعد إدخال تعديلات لفظية عليها.
أما المادة (429) من المشروع فإنها تقابل الحكم الوارد بالمادة (345) من قانون التجارة الحالي وإنما عدل المشروع في صياغتها على وجه يتفق مع التزامه بمبادئ الفقه الإسلامي في أن الحقوق الشخصية لا تنقضي بالتقادم، وإنما لا تسمع دعوى المطالبة بها بمرور الزمان، وقد نقلت الصياغة المعدلة عن المادة النظيرة بالقانون المدني العراقي وهي المادة (414).
ويستند الحكم المقرر بالمادة (429) في أساسه التشريعي إلى ما للتمسك بالمقاصة من أثر رجعي يرتد إلى وقت التلاقي بين الدينين، فإذا تتحقق التلاقي بينهما قبل أن تتم المدة اللازمة لمنع سماع الدعوى بأحدهما، فإن ذلك لا يحول دون وقوع المقاصة وإن جاء التمسك بها في وقت لاحق لاكتمال تلك المدة.
وجاء المشروع بالمواد (430 و431 و432) مطابقة في أحكمها للمواد (346 و348 و347) - على التوالي - من قانون التجارة الحالي مع تعديلات لفظية في الصياغة ويجمع بين نصوصها مبدأ أساسي يقضي بعدم جواز الإضرار بحقوق كسبها الغير لا عن طريق التمسك بالمقاصة وهو ما يتناوله بالتطبيق المادة (430) (المقابلة للمادة 346 تجاري) ولا عن طريق النزول عن التمسك بالمقاصة وهو ما تناوله بالتطبيق المادتان (431 و432 المقابلتان للمادتين 348 و347).
فتضع المادة (430) بفقرتها الأولى القاعدة الأساسية حيث تقضي بأنه لا يجوز أن تقع المقاصة إضرارًا بحقوق كسبها الغير، وتورد بالفقرة الثانية تطبيقًا لتلك القاعدة، مؤداه أنه إذا أوقع الدائن حجزًا تحت يد مدين مدينه ثم نشأ بعد ذلك دين للمحجوز لديه بذمة صالح للمقاصة بالدين الموقع عليه الحجز، فإن المقاصة لا تقع في هذه الصورة لعدم المضارة بحقوق الحاجز الذي كسب حقًا بالحجز، أما إذا توقع الحجز بعد تلاقي الدينين لم يحل ذلك من التمسك بالمقاصة التي سبقته إذ أنها بمثابة الوفاء ويترتب عليها انقضاء الدينين بقدر الأقل منهما ومنذ اللحظة التي تم فيها التلاقي بينهما.
وأوردت المادة (431) حكمًا مؤداه أنه إذا توافرت شروط المقاصة القانونية بين دينين، وبعد ذلك حول أحد الطرفين حقه بذمة غريمه إلى شخص آخر، وقبل المدين المحال عليه هذه الحوالة دون تحفظ، فإنه لا يجوز له من بعد ذلك أن يتمسك بالمقاصة إذ يعتبر بقبوله للحوالة نازلاً عن تلك المقاصة فيلتزم بالوفاء إلى المحال له ويرجع بحقه الذي كان انقضى بالمقاصة التي نزل عنها ولكن لا يعود من التأمينات التي كانت تكفل هذا الحق ما تضر عودته بالغير مثل الكفالة الشخصية والعينية، أما إذ كان المدين قد أعلن بالحوالة فلا يُحمل ذلك على أنه قد قبل النزول عن المقاصة ومن ثم يكون له أن يتمسك بها، ومع ذلك فإنه لا يجوز للمحال عليه أن يتمسك بالمقاصة بين الدين المحال به وبين دين نشأ للمحال عليه المذكور بذمة المحيل بعد إعلان الحوالة ذلك أن من شأن إعلان الحوالة أولاً انتقال الدين ولا يبقى بعد انتقاله ثمة محل ترد المقاصة عليه.
أما الحكم الذي تناولته المادة (432) فمؤداه أنه إذا وفى المدين دينًا في ذمته وهو يعلم أنه له أن يطلب المقاصة فيه بحق له بذمة الدائن الذي أوفاه، فإن ذلك وإن كان يعد نزولاً عن المقاصة فإنه يجب ألا يكون من شأن هذا النزول إلحاق الضرر بالغير، فإن كان دينه بذمة غريمه مضمونًا بتأمينات مقدمة من الغير فإنه لا يملك التمسك بتلك التأمينات اعتبارًا بأنه إذا لم يكن قد دفع دينه إلى غريمه وتمسك بالمقاصة لانقضى الدينان قصاصًا وسقطت التأمينات، أما إذا أوفى المدين دينه وكان يجهل وجود هذا الحق فإن تطبيق القواعد العامة كان من شأنه وقوع المقاصة وانقضاء دين ذلك المدين بما يكفله من التأمينات، ويبقى له أن يسترد ما دفعه طبقًا لقواعد استرداد غير المستحق ولكن استثناءً من ذلك ورعايةً لما كان من حسن نية المدين رُئي الاعتداد بالوفاء الصادر منه على أنه وفاء لدين قائم بذمته لم تقع به المقاصة وأن حقه بذمة غريمه يكون قائمًا بما يكفله من التأمينات ولو كانت مقدمة من الغير.
خامسًا: اتحاد الذمة:
وتتفق المادتان (433 و434) في الصياغة والحكم مع المادتين (349 و350) من قانون التجارة الحالي مع تعديل بسيط في العبارة التي وردت بصدر أولاهما، وتتناول المادتان الكيفية التي يقع بها اتحاد الذمة وآثارها وما يترتب على زوالها إن كان بذي أثر رجعي، ومقتضاهما أن اتحاد الذمة يتحقق إذا ما اجتمعت لشخص واحد الصفة القانونية بأنه الدائن والمدين بالنسبة إلى التزام واحد ويقع ذلك أكثر ما يقع عن طريق الميراث كما لو ورث المدين دائنه فإنه إن كان الوارث الوحيد فإن وصف الدائن يثبت له مع صفته كمدين القائمة به فينقضي كل الدين الذي كان عليه إذ يستحيل أن يطالب به نفسه وإن كان معه ورثة آخرون انقضى من الدين بقدر حصته في الميراث، على أنه يلاحظ أنه إذا ورث الدائن مدينه فإن اتحاد الذمة يكون ممتنعًا لأن مقتضى قواعد الفقه الإسلامي أنه لا تركة إلا بعد سداد الديون. فالدائن لا يرث دينه الذي يكون له على التركة وإنما تبقى التركة منفصلة عنه حتى تسدد ديونها كافة، ومنها دين ذلك الوارث ثم يؤول الباقي بعد سداد الديون إلى الورثة جميعًا كل بقدر حصته في الميراث، ويمكن أن يقع اتحاد الذمة أيضًا عن طريق التصرف القانوني بين الأحياء كما لو اشترى المستأجر العين المؤجرة فأصبح دائنًا بالأجرة وهو بذات الوقت مدين بها، أو قام المسحوب عليه الكمبيالة بشرائها من المستفيد فصارت إلى ملكه وهو بذات الوقت مدين بها.
ويرى مما تقدم أن اتحاد الذمة ليس من شأنه أن يقضي الالتزام كما يقضيه الوفاء أو التجديد أو المقاصة، وإنما يتمحض اتحاد الذمة عن إنشاء حاجز منيع يحول دون نفاذ الالتزام، أو يجعل المطالبة به غير متصورة، وفي غير هذه الحدود يمكن أن يبقى للالتزام وجود يُعتد به وتترتب عليه آثار قانونية ومن تطبيقات ذلك ما تنص عليه المادة (350) من المشروع (المقابلة للمادة 263 من قانون التجارة القائم) من أنه " إذا اتحدت ذمة الدائن وأحد مدينيه المتضامنين فإن الدين لا ينقضي بالنسبة إلى باقي المدينين إلا بقدر حصة المدين الذي اتحدت ذمته مع الدائن " فلو أن الدين كان ينقضي باتحاد الذمة كما ينقضي بالوفاء لترتب على ذلك في الصورة التي يعالجها النص براءة ذمة سائر المدينين المتضامنين من الدين كله ومن الأمثلة التي تمليها البداهة الحالة التي يرث فيها الكفيل الدائن المكفول دينه، فإن اتحاد الذمة لا يقضي الدين بذمة المدين، إذ يكون للكفيل الذي أصبح وارثًا أن يرجع بذات الدين على المدين، خلافًا لما إذا كان الكفيل قد قضى الدين بطريق الوفاء إلى الدائن فإن الدين الأصلي ينقضي وتبرأ بهذا الوفاء ذمة المدين وإنما يكون للكفيل أن يرجع على المدين إما بدعوى الكفالة وإما بدعوى الحلول محل الدائن الذي أوفاه.
وإذا وجد من الأسباب ما يترتب عليه زوال اتحاد الذمة بأثر رجعي، فإن اتحاد الذمة يعتبر كأن لم يكن، فيعود الدين كما كان بأصله وترتد إليه قوته في المطالبة كما تعود له صفاته وتأميناته، ومثال ذلك أن يكون العقد الذي اشترى به المستأجر العين المؤجرة قابلاً للإبطال، ويُقضى ببطلانه، أما إذا زال اتحاد الذمة بسبب ليس له أثر رجعي فإن الدين الذي يبعث على ذلك الوجه لا تبقى له التأمينات المقدمة من الغير فإذا ما ورث المدين دائنه، واجتمعت له صفتا الدائنية والمديونية ثم قام بوصفه دائنًا بحوالة الحق إلى شخص آخر، فإنه يعود من جديد مدينًا للمحال له بالدين الذي كان بذمته لمورثه، وإنما تبرأ ذمة الكفيل الشخصي أو العيني الذي كان يكفل ذلك الدين اعتبارًا بأنه من الغير في الاتفاق الذي تم بين مكفوله وبين المحال له.

الفصل الثالث: انقضاء الالتزام دون وفاء:
المواد (435 – 453):
أولاً: الإبراء:

أورد المشروع المادتين (435 و436) بشأن الإبراء ويقابلهما المواد من (351 إلى 355) من قانون التجارة الحالي، وقد أخذ المشروع بماهية الإبراء من الفقه الإسلامي ناهجًا في ذلك نهج القانون الحالي وكثرة من التشريعات العربية (371 مدني مصري و465 مدني سوري و420 مدني عراقي و358 مدني ليبي).
وتقضي المادة (435) بأن الإبراء الصادر من الدائن يقضي الإلزام فلا يتوقف انقضاؤه على قبول من المدين، بل يترتب عليه هذا الأثر متى وصل إلى علم المدين ولم يرده، فإن رده عاد الدين كما كان وبذلك يعود مع مقوماته فتبقى له صفاته وتأميناته، كما يظل خاضعًا للدفوع التي تلابسه، وتأكيدًا لعودة الدين على ذلك الوجه استحدث المشروع فقرة ثانية تقضي بذلك الحكم تلافيًا من اختلاف الآراء في هذا الشأن.
ولتحديد الوقت الذي يصح فيه الرد يلزم الرجوع إلى الفقه الإسلامي باعتباره مصدر التشريع في ذلك الخصوص والرأي عندهم أن الرد يصح في مجلس الإبراء إن كان المدين حاضرًا فيه، فإذا انقضى المجلس صار الإبراء باتًا غير قابل للرد من المدين، أما إذا كان المدين غائبًا من المجلس فيجوز له الرد متى وصل الإبراء إلى علمه (المادة 1568 من مجلة الأحكام ومؤلف درر الحكام في شرح المجلة جزء 4 ص 64).
وتنص المادة (436) بأنه يسري على الإبراء القواعد الموضوعية التي تسري على التبرعات، وأنه لا يشترط في الإبراء شكل خاص حتى وإن وقع على التزام يتطلب ذلك الشكل، ويوجه هذا الحكم في شطره الأول أن الإبراء نزول عن الدين دون مقابل وهو بذلك تبرع محض فوجب أن تسري عليه من حيث موضوعه القواعد القانونية التي تحكم التبرعات، ويوجه الحكم في شطره الآخر أن الإبراء وإن كان يصدر على سبيل التبرع أو الهبة إلا إنه يعتبر من قبيل الهبات غير المباشرة التي لا يتطلب القانون الرسمية لانعقادها وعلى ذلك يصح الإبراء من الالتزام مصدره عقد شكلي وسواء كان الشكل مفروضًا بحكم القانون كعقد الوعد بالهبة أو كان الشكل لازمًا باتفاق الطرفين كاتفاقهما على أن يكون البيع بورقة رسمية، فإنه يصح إبراء الواعد من وعده بالهبة وإبراء المشتري من التزامه بثمن المبيع بغير ورقة رسمية وقد استمد المشروع نص المادة (436) من المادة (372) من القانون المدني المصري والقوانين العربية التي نقلتها عنه (466 سوري، 359 ليبي).
ولم يرَ المشروع موجبًا لمتابعة ما يزيد على ما تقدم من الأحكام التي أوردها قانون التجارة الحالي بالمواد من (352) إلى (355)، ذلك أن المادة (352) تنص على أنه يشترط لصحة الإبراء أن يكون المبرئ أهلاً للتبرع، ويغني عنها القاعدة العامة التي أرساها المشروع بخضوع الإبراء للأحكام الموضوعية التي تسري على التبرعات، وللأهلية مكان الصدارة بين تلك الأحكام.
وكذلك تنص المادة (353) من القانون الحالي على أن المدين إذا مات قبل قبول الإبراء لم يؤخذ الدين من تركته، وأنه يصح إبراء الميت، والحكمان كلاهما من قبيل التفصيلات التي تترتب على ماهية الإبراء – كما اعتمدها المشروع نقلاً عن الفقه الإسلامي – بأنه تصرف يصدر من الدائن بإرادته المنفردة ولا يستلزم قبول المدين ولا يرتد إلا أن يرده المدين، فإن مات المدين دون أن يقبل فإن مقتضى ذلك صيرورة الإبراء تامًا ولازمًا بغير لبس في الحكم، وكذلك فلا يوجد في القواعد العامة في القانون - ما يمنع الدائن من إبراء الميت من دينه – فيصبح الإبراء باتًا ما لم يرده الورثة (المادة 1569 من مجلة الأحكام).
أما المادة (354) من قانون التجارة الحالي فتنص على أنه (يصح تعليق الإبراء فإن علق الدائن إبراء مدينه من بعض الديون بشرط أداء البعض الآخر وأداه المدين برئ وإن لم يؤده فلا يبرأ ويبقى عليه الدين كله). وقد أُخذت هذه المادة من القانون العراقي، ومن الواضح أن هذا القانون لم يورد حكم تلك المادة إلا لتأكيد جواز تعليق الإبراء على الشرط اتفاقًا مع المبدأ العام الذي سار عليه بجواز اقتران الشرط بسائر التصرفات القانونية، فيكون بذلك قد أفصح عن أنه لم يلتزم بما يراه الجمهور من فقهاء المسلمين من عدم جواز تعليق الإبراء على الشرط (المادة 243 من مرشد الحيران، ودرر الحكام في شرح مجلة الأحكام جزء 4 ص 59 – والخانية ومجمع الأنهر)، ولم يكن المشروع بحاجة لذلك التحرز الذي اتخذه القانون العراقي وتابعه فيه قانون التجارة الكويتي بعد أن صرح في المادة (436) المشار إليها بأنه يسري على الإبراء القواعد الموضوعية التي تحكم التصرفات القانونية التبرعية، وأما المادة (355) من قانون التجارة الحالي فتنص على أنه (إذا اتصل بالصلح إبراء خاص بالمصالح عنه، فلا تُسمع الدعوى في خصوص ذلك، وتُسمع في غيره وإذا اتصل بالصلح إبراء عام عن الحقوق والدعاوى كافة، فلا تُسمع على المبرأ دعوى في أي حق كان قبل الصلح، وتسمع على الحق الحادث بعده، وحكم البراءة المنفرد عن الصلح كحكم البراءة المتصلة به في الخصوص والعموم) وقد نُقلت هذه المادة بدورها من المادة (524) من القانون المدني العراقي والحكم الوارد بها يهدف إلى وجوب التحرز في تفسير الإبراء، بأن يكون تفسيره في أضيق الحدود، وهو تفصيل زائد على حاجة النصوص إذ يترتب حتمًا على إعمال القواعد العامة في تفسير الأحكام القانونية، فإذا كان الإبراء نزولاً عن الحق دون مقابل وهو على ذلك الأساس بمنزلة التبرع فإنه لا يؤخذ في تفسيره بما يعد على أي وجه كان تجاوزًا للحدود التي وقع فيها أو انصب عليها.
ثانيًا: استحالة التنفيذ:
عرض المشروع لاستحالة التنفيذ كسبب من أسباب انقضاء الالتزام بالمادة (437) وجاء بها نقلاً عن المادة (356) من قانون التجارة الحالي والتي أُخذت بدورها من المادة (373) من القانون المدني المصري والتشريعات العربية التي تابعته (371 سوري، 360 ليبي، 425 عراقي، 341 لبناني). ومؤدى الحكم الذي أوردته أن الالتزام ينقضي إذا طرأ عليه بعد نشوئه ما يجعل تنفيذه مستحيلاً بسبب أجنبي عن المدين، ويستوي في ذلك أن تكون الاستحالة فعلية أو قانونية، كما يستوي أن يكون السبب الأجنبي هو الحادث الفجائي أو القوة القاهرة أو خطأ الدائن أو فعل الغير، ويترتب على انقضاء الالتزام عدم استيفاء الدائن لحقه لا عينًا ولا بمقابل.
وقد جاء قانون التجارة الحالي في فصل استحالة التنفيذ بالمواد (357 و358 و359) - نقلاً عن القانون العراقي - وأورد بها أحكامًا خاصة بتحمل تبعة هلاك الشيء، إذا كان قد هلك بعد انتقاله إلى يد غير يد صاحبه بناءً على عقد أو بدون عقد، وفي الأحوال التي تكون فيها اليد يد ضمان أو يد أمانة، ورأى المشروع ألا يجاري القانون الحالي بإيراد تلك الأحكام، وأن يحتذي حذو التشريع المصري والتشريعات العربية التي سارت على منواله التي آثرت أن يكون الرجوع في شأنها إلى القواعد العامة في آثار الالتزام وفي الأبواب الخاصة بالملكية وبالعقود التي ترد عليها أو تلك التي ترد على الانتفاع بالشيء.
ثالثًا: مرور الزمان المانع من سماع الدعوى:
تنص المادة (360) من القانون التجارة الحالي القائم على أنه (يتقادم الالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة فيما عدا الحالات التي ورد عنها نص خاص في القانون وفيما عدا الاستثناءات التالية). وقد نُقلت هذه المادة عن المادة (374) من القانون المدني المصري، كما سبق ونقلها القانون المدني السوري (المادة 372)، والقانون المدني الليبي (المادة 361)، وكذلك يتفق حكمها العام مع حكم المادة (344) من قانون الموجباب اللبناني التي يجري نصها على أنه (تسقط الموجباب بتقاعد الدائن الذي يتخلف عن التذرع بحقوقه سحابة مدة من الزمان ... إلخ).
أما القانون المدني العراقي فإنه ينص بالمادة (329) على أن: (الدعوى بالالتزام أيًا كان سببه لا تسمع على المنكر بعد تركها من غير عذر شرعي خمس عشرة سنة، (مع مراعاة ما وردت فيه أحكام خاصة).
وقد استمد القانون العراقي هذا الحكم في خصوص عدم سماع الدعوى بالحقوق الشخصية بمرور الزمان مدة معينة من المبادئ المقررة في الفقه الإسلامي كما قننتها مجلة الأحكام العدلية بشأن عدم سماع الدعوى لذلك السبب بأي حق من الحقوق كافة حيث تنص المادة (1660) من المجلة على أنه (لا تسمع دعوى الدين والوديعة والعقار المملوك والميراث وما لا يعود من الدعوى إلى العامة ولا إلى أصل الوقف في العقارات الموقوفة كدعوى المقاطعة أو التصرف بالإجارتين والتولية المشروطة)، (والغلة بعد أن تركت خمس عشرة سنة)، وتنص المادة (1661) على أنه (تسمع دعوى المتولي والمرتزقة المتعلقة بأصل الوقت إلى ست وثلاثين سنة) وتنص المادة (1662) على تعيين مدد أخرى تتراوح بين عشر سنين وست وثلاثين سنة يمتنع بعدها سماع الدعوى بحقوق مختلفة.
وتقوم فكرة انقضاء الالتزام بالتقادم في القوانين الوضيعة وبصفة عامة - على اعتبارات عملية، ودون نظر إلى القواعد الأخلاقية والواجبات الأدبية في التعامل، حتى أنه ليؤذن في بعض الأحوال بإسقاط الحق على صاحبه على الرغم من إقرار الملتزم به، وقد رأى المشروع أن يتجنب هذا التصوير في أثر مرور الزمان على الالتزام، وآثر الاقتداء بالقانون العراقي فنهل على غراره من القواعد والأحكام التي جاء بها الفقه الإسلامي في ذلك المجال.. فالمقرر عندهم أن الحق لا ينقضي ولا يسقط بتقادم الزمان وإنما يرتبون على مرور الزمان مدة معينة منع سماع الدعوى بالحق، وهو استحسان وجهه منع التزوير والحيل لأن ترك الدعوى مع التمكن من قيامها يدل على عدم وجود الحق ظاهرًا حتى إذا انتفت هذه العلة وجب سماع الدعوى مهما طالت مدة تركها، وورد في تنقيح الحامدية أن عدم سماع الدعوى بمرور الزمان ليس مبنيًا على بطلان الحق وإنما هو مجرد منع القاضي من سماعها مع بقاء الحق لصاحبه حتى لو أقر به الخصم لزمه، ومنع القاضي من سماع الدعوى في هذا المقام هو من قبيل تخصيص قضائه بالزمان والمكان والخصومة، (الحامدية، المادة 1801 من مجلة الأحكام - شرح سليم باز ص 1168).
وعلى أساس ما تقدم وضع المشروع نص المادة (438) وهو يقضي بأنه (لا تسمع عند الإنكار الدعوى بحق من الحقوق الشخصية بمضي خمسة عشرة سنة وذلك فيما عدا الأحوال التي يعين فيها القانون مدة أخرى والأحوال المنصوص عليها في المواد التالية). ووجد المشروع أن من الملائم أن تكون المدة اللازمة لمنع سماع الدعوى - كأصل عام - هو خمس عشرة سنة، أخذًا بالمقرر في ذلك الشأن منذ عهد مجلة الأحكام العدلية، على أن عادات الناس وأعرافهم جرت بالنسبة لأنواع معينة من الحقوق الشخصية - وبالنظر إلى ما لها من طبيعة خاصة وصفات - على مبادرة أصحابها باستيفائها، وعدم قعود الملزمين بها طويلاً دون الوفاء بها، ولذلك فإن القوانين التي أخذت بفكرة سقوط الحق بالتقادم (ومنها قانون التجارة الكويتي) لم تلتزم في شأن تلك الطائفة من الحقوق بمدة التقادم العام المعينة بخمس عشرة سنة بل جعلت التقادم في كل نوع من أنواعها بمدة دون ذلك وتناسب مجريات التعامل فيه والمدة المألوفة به وبمراعاة ظروف من يقع عليهم الالتزام بكل منها، ولذلك فقد اعتد المشروع في مواده اللاحقة بتلك المدد وجعل مرور الزمان بقدرها مانعًا من سماع الدعوى بالحقوق التي ترد عليها لدى إنكارها من الخصم.
وقد فضل المشروع أن يكون نص المادة (438) بمنع سماع الدعوى بحق من الحقوق، فلا يجري على منوال القانون العراقي في المادة المقابلة حيث نص على منع سماع الدعوى بالالتزام، وذلك أن الأقرب إلى المنطق الصحيح - أن صاحب الدعوى يدعيها بحقه هو بذمة غريمه، وإن يكن الالتزام ليس إلا الوجه السلبي للحق المدعى به، هذا إلى أن القانون العراقي قد عاد في مواده التالية فاستعمل عبارة عدم سماع الدعوى بالحقوق التي تناولتها تلك المواد وهو ما التزمه المشروع أيضًا فاكتمل له تنسيق الصياغة بين مواده جميعًا.
وجاء المشروع بالمادة (439) وهي تقابل المادة (361) من قانون التجارة الحالي مع تعديل حكمها بما يقتضيه التزام المشروع بقواعد الفقه الإسلامي، وتقضي الفقرة الأولى منها بأن المدة المقررة لعدم سماع الدعوى بالحقوق التي تناولتها خمس سنوات، وهي الحقوق التي لها صفة الدورية والتجدد (وذلك ما لم يوجد نص يقضي بخلافه)، أما الفقرة الثانية فتعرض لعدم سماع الدعوى بمرور خمس عشرة سنة بالنسبة إلى الريع في ذمة الحائز سيِّئ النية أو الريع الواجب على نظار الوقف أداؤه للمستحقين فهذه أو تلك لا تعتبر من الحقوق الدورية المتجددة ذلك أن الريع يتحول في ذمة الحائز سيئ النية إلى رأسمال يتعين الوفاء به للمالك، كما أن غلة الوقف تظل ملكًا للمستحق ما بقيت مفرزة بيد الناظر فإن خلطها بماله واستهلاكها بتعديه أو بتقصيره كان مسؤولاً مسؤوليته عن ديونه العادية فلا يمتنع سماع الدعوى بالمطالبة بها إلا بمرور خمس عشرة سنة.
ويعرض المشروع بالمادة (440) لحكم يقابل ما تنص عليه المادة (362) من قانون التجارة الحالي مع التعديل المناسب للأصول التي استنها بعدم سماع الدعوى بدلاً من القاعدة التي يجري عليها القانون القائم بتقادم الحق، هذا ولم يورد المشروع أصحاب المهن الحرة الذين يتناول النص الذي جاء به حقوقهم على سبيل الحصر بل سقاهم على سبيل التمثيل وأضاف إليهم عبارة (وغيرهم ممن يزاولون المهن الحرة ليشمل الحكم حقوق أصحاب المهن الحرة الآخرين كالمحاسبين والمصورين والفنانين ونحوهم. وقد استمد المشروع هذه الإضافة مما تجري به المادة " 341 أ " من القانون المدني العراقي).
ويعرض المشروع في المادة (441) للحكم بشأن عدم سماع الدعوى ومدته في المطالبة بالضرائب والرسوم المستحقة للدولة أو في المطالبة برد ما دفع منها بغير حق وهو الحكم الذي تناولته المادة (363) من قانون التجارة الحالي مع تعديل في الأساس والصياغة على النهج الذي التزمه المشروع كما تبين في الإيضاحات المتقدمة هذا وقد لوحظ أن القانون الحالي يحدد مدة التقادم بثلاث سنوات للمطالبة بالضرائب والرسوم كما يحدد ذات المدة للمطالبة بردها وتنص على سريان التقادم في هذه الحالة الأخيرة من يوم الدفع، وقد رُئي التماسًا لصواب التقدير إطالة مدة عدم سماع الدعوى في الحالين إلى خمس سنوات على أن يبدأ سريان المدة في حالة المطالبة بالرد من تاريخ التسوية النهائية، اعتبارًا بأنه على الممول بدءًا من ذلك التاريخ أن ينشط للمطالبة برد ما كان قد دفعه بغير حق، وأنه لم يكن له قبل حسم التسوية أن يسعى إلى استرداد حق لم يثبت له بعد، وكل ما تقدم دون الإخلال بما تقضي به القوانين الخاصة.
وتقابل المادة (442) من المشروع المادة (364) من قانون التجارة الحالي مع التغيير في لفظها وحكمها بما تقتضيه المناسبة التشريعية، وهي خاصة بالحقوق المستحقة للتجار والصناع عن أشياء وردوها لأشخاص لا يتجرون فيها، وحقوق أصحاب الفنادق والمطاعم عن أجر الإقامة وثمن الطعام وكل ما صرفوه لحساب عملائهم أو كذلك حقوق خدم المنازل ومن في حكمهم كالبستاني والطاهي والسائق الخاص وحارس المنزل الخصوصي. وقد أخذ المشروع في شأن ذلك الحكم بنظر القانون الحالي والتشريعات العربية المقارنة بأن الحقوق التي يتناولها يتم الوفاء بها فور استحقاقها، اعتبارًا بأن الدائنين يعولون عليها في نفقات معيشتهم ولذلك فمن المألوف أن يستأدوها دون تأخير ولا يظن أن يمهلوا المدينين بها أكثر من سنة، فإن مضت سنة ولم يطالبوا بها كان ذلك قرينة على الوفاء. ولكنها ليست قرينة كافية بذاتها بالنظر إلى قصر المدة لذلك ففقد استوجب المشروع للحكم بعدم سماع الدعوى بتركها مدة السنة أن يحلف المدين بأنه أدى الدين فعلاً، فإن كان الذي تمسك بعدم السماع غير المدين كالوارث أو النائب القانوني فعليه أن يحلف اليمين بأنه لا يعلم بوجود الدين أو بأنه بحصول الوفاء واليمين على هذا الوجه يمين إجبارية يوجهها القاضي من تلقاء نفسه ويترتب على حلفها وجوب الحكم بعدم سماع الدعوى.
وتقابل المواد (443 و444 و445) من المشروع المواد (365 و366 و367) من قانون التجارة الحالي مع تغيير في الصياغة والحكم على أسس التغيير في المواد السابقة بهذا الفصل.
وفي المادة (444) أخذ المشروع في كيفية حساب المدة المقررة لعدم سماع الدعوى، بذات الكيفية التي تحسب بها مدة التقادم في الحقوق بالمادة (366) من القانون القائم فجرى على اعتبارها بالأيام وليس بالساعات. وإغفال اليوم الأول، وعلى أن تكمل المدة بانقضاء آخر يوم منها، ولم يجد المشروع محلاً لنقل ما تضيفه المادة (366) إلى الحكم السابق من أن حساب المدة يكون بالتقويم الميلادي إذ يغني عن ذلك ما قرره المشروع في أحكامه العامة من اعتماد هذا التقويم في حساب كافة المدد المنصوص عليها فيه ما لم يرد بها حكم مخالف بشأن مدة معينة بذاتها.
وفي المادة (445) وضع المشروع القاعدة العامة في تحديد تاريخ بدء جريان المدة المقررة لعدم سماع الدعوى، على ذات الأساس الذي اعتمده القانون القائم في المادة (367) بشأن التاريخ المُجرى لتقادم الحقوق، وهو تاريخ الذي يصبح فيه الذين مستحق الأداء وهذا فيما لم يرد فيه نص خاص بحكم مخالف، إذ قد ينص القانون في بعض الأحوال لاعتبارات معينة، على جعل بدء سريان المدة في تاريخ لاحق لتاريخ الاستحقاق. كما هو الحال بالنسبة للالتزامات الناشئة عن العمل غير المشروع إذ يقضي أن المدة لا تسري إلا من الوقت الذي يعلم فيه الدائن بقيام الدين وبالشخص المسؤول عنه، كذلك قد توجب بعض الاعتبارات جعل بدء سريان المدة من تاريخ سابق لوقت الاستحقاق، ومن ذلك على سبيل المثال النص الذي منع سماع الدعوى بالنسبة لملحقات الدين تبعًا لمنع سماعها بالنسبة إلى الدين ذاته مع أن استحقاقها يكون لاحقًا في الغالب لاستحقاق الدين، وتقضي الفقرة الثانية من المادة (445) بأن ميعاد الوفاء إذا كان متوقفًا على إرادة الدائن سرت المدة منذ الوقت الذي يكون فيه للدائن أن يعلن إرادته، وينطبق هذا الوقت عادة على تاريخ نشوء الالتزام، فلا يعتد في هذا المقام بالوقت الذي يختاره الدائن للمطالبة بالوفاء، وذلك تلافيًا من تحكم الدائن في تحديد التاريخ الذي يبدأ به جريان المدة لعدم سماع الدعوى.
وتقابل المادة (446) من المشروع المادة (368) من قانون التجارة الحالي مع تعديل الصياغة بما تقتضيه الأصول التي اعتمدها المشروع، وتورد بالفقرة الأولى الحكم العام بشأن وقف التقادم وتقرر أن الوقف يتحقق إذا وجد ثمة مانع مادي أو أدبي يستحيل معه على الدائن المطالبة بحقه في الوقت المناسب وعلى ذلك فإنه كلما تحقق مانع من هذا القبيل أو ذاك وقف سريان التقادم طوال مدة وجود المانع، فلا تحسب ضمن المدة المقررة لعدم سماع الدعوى وإنما تحسب المدة السابقة لها والمدة التالية لزوال المانع، وكذلك تقف المدة فيما بين الأصيل والنائب طالما ظلت النيابة قائمة، اعتبارًا بأن حيازة النائب لمال الأصيل هي حيازة عارضة ولحساب الأصل نفسه.
على أن المشروع لم يجار الفقرة الثانية من المادة المقابلة بالقانون الحالي فيما تنص عليه من تحديد الوقف في التقادم بما يزيد على خمس سنوات بالنسبة لحقوق من لا يوجد لهم نائب قانوني من الأشخاص الذين لا تتوفر فيهم الأهلية أو الغائبين أو المحكوم عليهم بعقوبة جناية، وإنما رأى المشروع جعل الوقف ساريًا على التقادم أيًا كانت مدته بالنسبة لهؤلاء الأشخاص تقديرًا بأن عدم وجود النائب القانوني يعتبر بذاته مانعًا يتعذر معه المطالبة بالحق أيًا كان نوعه وأيًا كانت المدة المانعة من سماع الدعوى به، وقد استمد المشروع هذا الحكم من المادة (435) من القانون المدني العراقي والمادة (355) من قانون الموجبات والعقود اللبناني.
(انظر المادة " 1663 " من مجلة الأحكام التي تقضي بوقف المدة - إذا كان المدعي صغيرًا أو مجنونًا أو معتوهًا سواء كان له وصي أو لم يكن).
وتقابل المادة (447) من المشروع المادة (369) من قانون التجارة الحالي مع التعديل اللازم في الصياغة، وقد استمد القانون الحالي أصل الحكم الذي جاء به من المادة (436) من القانون المدني العراقي، وهو لا يعدو أن يكون تطبيقًا للقواعد العامة ذلك أن وقف مدة التقادم إذا كان مرجعه سببًا شخصيًا قائمًا بأحد الشركاء في الدين، فلا يفيد من هذا الوقف الشركاء الآخرون الذين لم يتحقق بهم سببه. وتقابل المادة (448) من المشروع المادة (370) من قانون التجارة الحالي مع التعديل اللازم في الصياغة ولا تخالف عن مضمون الحكم الذي تقرره تلك المادة وهي تورد الأسباب التي تنقطع بها مدة عدم سماع الدعوى وأولاها المطالبة القضائية ولو كانت الدعوى رُفعت إلى محكمة غير مختصة كما قد يقع ذلك من جراء خطأ مغتفر في تحديد جهات الاختصاص، ويترتب الانقطاع على المطالبة القضائية كلما توفر فيها معنى الطلب الواقع فعلاً للمحكمة والجازم بالحق الذي يُراد اقتضاؤه أما إذا كان سند الدين تنفيذيًا وامتنعت بالتالي الحاجة إلى المطالبة القضائية فإن الانقطاع يترتب على اتخاذ إجراءات التنفيذ وفاتحتها مقدمات التنفيذ بإعلان السند التنفيذي، وقد استعاض المشروع بعبارة إعلان السند التنفيذي عن عبارة التنبيه اتفاقًا مع الاصطلاح الفني لتلك الورقة في قانون المرافعات الكويتي وفي مصادره بقوانين الإجراءات المدنية المصرية منذ تشريع سنة 1949، وحتى ينتج إعلان السند التنفيذي أثره القاطع فإنه يجب أن تتوافر فيه مقومات صحته وفقًا لتشريع المرافعات فيشمل صورة من سند التنفيذ مذيلة بالصيغة التنفيذية مع تكليف المدين بأداء ما هو مطلوب منه وإنذاره بإجراء التنفيذ الجبري إن لم يقم بأدائه، وتنقطع المدة أيضًا بالحجز سواء أكان حجزًا تنفيذيًا أو حجزًا تحفظيًا، كما يأخذ حكم المطالبة القضائية في أحداث الانقطاع الطلب الذي يقدمه الدائن لقبول حقه في تفليس أو توزيع وكذلك أي إجراء يتخذه الدائن للتمسك بحقه أثناء سير الدعوى كما لو تدخل في دعوى مرفوعة من قبل مطالبًا بالحق لنفسه أو أبدى طلبًا عارضًا في دعوى مرفوعة ضده من مدينه.
وتقابل المادة (449) من المشروع المادة (371) من قانون التجارة الحالي مع التعديل اللازم في صياغتها وتطابق الحكم المقرر بها وهو أن إقرار المدين صريحًا كان أو ضمنيًا من شأنه قطع المدة، ويوجه هذا الحكم أن الإقرار ينطوي على معنى النزول عن الجزء الذي انقضى من المدة فينمحي أثره ويعتبره كأنه لم يوجد.
وتقضي الفقرة الثانية من المادة (449) بانقطاع المدة أيضًا إذا كان للمدين مال مرهون رهنًا حيازيًا إلى الدائن ضمانًا للدين أو كان الدائن قد حبس المال تحت يده تبعًا لحقه في عدم رده حتى يستوفي الدين المرتبط به، فإن ترك المدين لماله في الحالين يعتبرًا إقرارًا ضمنيًا بالدين يكون من شأنه استدامة الانقطاع طالما بقي المال في حيازة المرتهن أو تحت يد الحابس تقديرًا بأن الإقرار بهذه المثابة يبقى مستمرًا مهما طالت المدة على استحقاق الدين، وقد نقل المشروع حالة المال المرهون رهنًا حيازيًا من المادة المقابلة بالقانون الحالي وأضاف إليها حالة المال المحبوس تحت يد الدائن لما بينهما من تماثل في الدلالة على الإقرار الضمني بالدين.
وتقابل المادة (450) بفقرتيها الأحكام المنصوص عليها بالمادتين (365 و372) من قانون التجارة الحالي.
وتنص المادة (365) في فقرتها الأولى على أن الحقوق المشار إليها في المادتين (362 و364)، (وهي حقوق الأطباء وأصحاب المهن الحرة التي تتقادم بسنة واحدة) يبدأ سريان التقادم فيها من الوقت الذي يتم فيه الدائنون تقادماتهم، وتنص في فقرتها الثانية على أنه (إذا حُرر سند بحق من هذه الحقوق فلا يتقادم الحق إلا بانقضاء خمس عشرة سنة). وتنص المادة (372) على أنه (إذا انقطع التقادم بدأ تقادم جديد يسري من وقت انتهاء الأثر المرتب على سبب الانقطاع، وتكون مدته هي مدة التقادم الأول، على أنه إذا حُكم بالدين وحاز الحكم قوة الأمر المقضي أو إذا كان الدين مما يتقادم بسنة واحدة وانقطع تقادمه بإقرار المدين، كانت مدة التقادم الجديد خمس عشرة سنة، إلا أن يكون الدين المحكوم به متضمنًا لالتزامات دورية متجددة لا تستحق الأداء إلا بعد صدور الحكم).
وقد نقل هذان النصان من المادتين (379/ 2 و385) من القانون المدني المصري بغير التفات إلى التعرض القائم بين حكميهما، ذلك أن المادة (379/ 2) مصري (مصدر المادة 365/ 2 تجاري) تقضي أيضًا بأن إقرار المدين في سند كتابي بحق من الحقوق المعينة في المادتين (376 و378) وهي حقوق أصحاب المهن الحرة التي تتقادم بخمس سنوات وحقوق الصناع والتجار والعمال التي تتقادم بسنة واحدة يكون من شأنه تحول التقادم إلى المدة الطويلة فيبدأ بالإقرار تقادم جديد مدته خمسة عشرة سنة، على حين أن المادة (385) مصري (مصدر المادة 327 تجاري) تقصر التحول إلى التقادم الطويل الذي يقع نتيجة الإقرار على نوع واحد فقط من الديون التي يجري عليها التقادم القصير وهي تلك التي تتقادم بسنة واحدة، ولم تكن هذه المفارقة بين الحكمين مقصودة في التشريع المصري. وإنما جاءت وليدة السهو إذ كان المشروع التمهيدي في مراحله الأولى ينص في المادة المقابلة للمادة (376) من القانون المدني المصري على تقادم حقوق الأطباء وأصحاب المهن الحرة بسنة واحدة وبذلك فإنها كانت تدخل حتمًا ضمن الحقوق التي يتحول فيها التقادم من سنة واحدة إلى خمس عشرة سنة بإقرار المدين وفقًا للمادة (385) من ذلك القانون، وهكذا كان التناسق تامًا بين النصوص على أن المشروع التمهيدي قد عدل في مرحلة لاحقة بجعل مدة التقادم في حقوق أصحاب المهن الحرة خمس سنوات على الوجه الذي استقر عليه النص بالمادة (376)، ولم يجرَ تعديل مناسب لذلك في المادة (385) وبقيت على أصلها كما وقعت في المشروع التمهيدي وتقضي بأن الإقرار بحق يتقادم بسنة واحد يتحول إلى تقادم طويل، ومن ثم بدت على خلاف لا مبرر له مع نص المادة (379/ 2) التي تنص على أن التقادم سواء كان بسنة واحدة أو بخمس سنوات يتحول إلى تقادم طويل إذا حرر المدين سندًا بالحق مع أن تحرير السند يتمثل في إقرار بالحق وإن تطلب القانون أن يكون بصورة خاصة.
وقد تلافى المشروع كل ذلك في الصياغة التي أوردها بالمادة (450) للتوفيق بين الأحكام.
وتقابل المواد (451 و452 و453) الأحكام الواردة في المواد ( 373 و374 و375) من القانون التجارة الحالي مع تعديل في صياغتها تعديلاً يتفق مع نهج المشروع على عدم سماع الدعوى لمرور الزمان ونبذه للأساس الذي تقوم عليه أحكام القانون الحالي بتقادم الحقوق، وتقضي المادة (451) بأن عدم سماع الدعوى بأصل الحق يستتبع عدم سماعها بالنسبة للملحقات، ولو كانت مدة عدم السماع لم تكتمل بعد بشأن هذه الملحقات، وذلك اعتبارًا بأن الفرع يتبع الأصل فلا تسمع الدعوى به ما دامت لا تسمع بالأصل.
وتأخذ المادة (452) بالحكم المقرر بأن عدم سماع الدعوى لا يتعلق بالنظام العام وبذلك فليس للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، وإنما يجب أن يدفع المدين بعدم السماع، كما يجوز لدائن المدين ولأي شخص له مصلحة أن يتمسك بالدفع ولو لم يتمسك به المدين، ويصح الدفع به في أية حالة كانت عليها الدعوى ولو لأول مرة في مرحلة الاستئناف ما لم يبدر ممن تمسك بالدفع ما يدل على التنازل عنه.
وتقضي المادة (453) بأنه لا يجوز النزول عن الدفع قبل ثبوت الحق فيه ذلك أنه لو أجيز النزول المسبق لأصبح شرطًا مألوفًا يمليه الدائن على المدين وقت نشوء الدين فضلاً عن أنه يهدر الاعتبارات التي يقوم عليها الدفع بعدم السماع وإنما يكون النزول عنه مبررًا إذا كان بعد ثبوت الحق فيه، فنزول المدين عندئذٍ يكون طليقًا إلا مما يفرضه عليه الواجب والضمير، ويتضمن النص حكمًا آخر يقضي بعدم جواز الاتفاق على منع سماع الدعوى بمدة تختلف عما عينه القانون ذلك أن تعيين المدة التي لا تسمع بعدها الدعوى في كل حال من الحالات أمر يتصل أشد الاتصال بالنظام العام فلا يجوز أن يترك الأمر في تحديده لمشيئة الأفراد.

الكتاب الثاني: العقود المسماة
الباب الأول: العقود التي تقع على الملكية
الفصل الأول – البيع:
الفرع الأول - البيع بوجه عام:

البيع في المجلة - وفي الفقه الإسلامي عامة - يتسع لكل مبادلة مال بمال، وينقسم إلى أربعة أقسام: بيع المال بالثمن، ويسمى بالبيع المطلق، لأنه أشهر أقسام البيع. وبيع النقد بالنقد، وهو الصرف، وبيع العين بالعين وهو المقايضة. وبيع مؤجل بمعجل وهو السلم (المادتان 105 و120 من المجلة). وقد سارت بعض التقنينات العربية على ذلك النهج في تعريف البيع، فالتقنين العراقي جعل البيع شاملاً للبيع المطلق والصرف والمقايضة. ولم يرَ حاجة للإشارة إلى السلم بعد أن أصبح بيع الشيء المستقبل جائزًا بوجه عام، لا في بيع السلم فحسب، وكذلك فعل التقنين الأردني فأغفل أن الثمن يجب أن يكون نقدًا، وجعل البيع شاملاً للبيع المطلق والمقايضة والسلم (المواد من 532 - 538 ومن 552 - 556).  ولكن المشروع آثر أن يُجرى في تعريف البيع بالمادة (454) على المتعارف، وهو البيع المطلق، وأورد في التعريف الذي جاء به أهم خصائص عقد البيع، وهي تمليك المال - أي نقل ملكية الحق المالي - في مقابل عوض نقدي، فكونه ناقلاً للملكية، يميزه عن عقد الإيجار، وكونه معاوضة يميزه عن عقد الهبة، وكون العوض فيه مبلغًا من النقود يميزه عن عقد المقايضة. وهي خصائص حرصت غالبية التقنينات العربية الأخرى على إبرازها وتحدد  المادة (455) من المشروع ما يدخل في البيع ولو لم يذكر في العقد، فلخصت ما أوردته المجلة في هذا الشأن، مقررة أن البيع يشمل كل ما كان من ملحقات المبيع وتوابعه. ويهتدي في ذلك بطبيعة المعاملة وبالعرف وبقصد المتعاقدين، وقد وضع هذا النص في مكانه الصحيح، لتعلقه بالبيع، لا بالتسليم وهو ما لم تفطن إليه كثير من التقنينات الأخرى، التي قنعت بأن تحدد مشتملات التزام البائع بالتسليم. والأولى أن يحدد محل العقد ككل، حتى يتحدد على أساسه مشتملات التزامات البائع جميعها، وليس التزام التسليم فحسب.
أولاً: أركان البيع:
التراضي هو الركن الأساسي في عقد البيع، على أنه يلزم أن يتعلق التراضي بمبيع وثمن لذلك ينص قانون التجارة في الفقرة الأولى من المادة (376) على أن (ينعقد البيع بتراضي المتبايعين على المبيع والثمن)، وهو نص مأخوذ عن نص المادة (557) من المشروع التمهيدي للتقنين المصري. الذي كان يرمي - كما جاء في المذكرة الإيضاحية لذلك المشروع - إلى التمهيد بذكر المبيع والثمن لإيراد النصوص الخاصة بهما، ولكنه حُذف في لجنة المراجعة لأن حكمه مُستفاد من القواعد العامة. وقد آثر المشروع عدم ترديده أيضًا. وانتقل مباشرة - في المواد التالية - إلى بيان الأحكام المتعلقة بالتراضي على المبيع والثمن. فعرض أولاً للعلم بالمبيع ولبعض أنواع من البيوع، كالبيع بالعينة، والبيع بشرط التجربة وبشرط المذاق، التي تجمعها في الفقه الإسلامي الأحكام المتعلقة بخيار الرؤية وخيار الشرط، ثم عرض بعد ذلك لتحديد الثمن وأسس تقديره.
العلم بالمبيع:
طبقًا للقواعد العامة المتعلقة بتعيين محل الالتزام، يكفي أن يكون المبيع معينًا تعيينًا كافيًا يميزه عن غيره ويكون مانعًا من الجهالة الفاحشة ولو لم يكن المشتري عالمًا به، فلا يُشترط رؤية المشتري للمبيع ولا سابقة علمه به ولا وصفه بأكثر من الأوصاف التي تكفي لتعيينه، مع مراعاة ألا يكون المشتري واقعًا في غلط في صفة جوهرية في المبيع، وهو غلط يقع عبء إثباته على عاتق المشتري الذي يدعيه، ولكن الفقه الحنفي يثبت للمشتري الذي لم يرَ المبيع الخيار إذا رآه، فإن شاء أخذه بجميع الثمن، وإن شاء رده بعد رؤيته له، سواء رآه على الصفة التي وُصفت له أو على خلافها، ويُسمى بخيار الرؤية (لقوله صلى الله عليه وسلم) " من اشترى شيئًا لم يره فله الخيار إذا رآه " فخيار الرؤية إنما يثبت بعد صحة البيع لرفع الجهالة اليسيرة، أما البائع فلا خيار له، إذا باع ما لم يره، ويسقط خيار الرؤية برؤية المشتري للمبيع ورضائه به صراحة أو دلالة كما يسقط بهلاك بعض المبيع أو تعيبه أو تغيره قبل أن يختار وكذلك بتصرفه في المبيع. أما في فقه المذاهب الثلاثة الأخرى، فإن وصف المبيع يغني عن رؤيته. فالبيع على الوصف جائز ولا يكون للمشتري عند ذاك خيار الرؤية، وإنما يكون له خيار فوات الوصف.
وقد قننت المجلة أحكام العلم بالمبيع (والمقصود بها تعيينه) في المواد من (200 إلى 204)، كما قننت أحكام خيار الرؤية أخذًا عن الفقه الحنفي في المواد من (320 إلى 335)، وكذلك فعل التقنين الأردني (المواد من 184 - 188 والمادتان 466 و467).
أما التقنين المصري فقد عمد إلى التوفيق بين أحكام خيار الرؤية في الفقه الحنفي وبين القواعد العامة المتعلقة بتعيين المبيع، فأوجب في المادة (419) أن يكون المشتري عالمًا بالمبيع علمًا كافيًا - وهو ما يتحقق بالرؤية أصلاً - ولكن يُغني عن الرؤية إما وصف المبيع وصفًا كافيًا وإما إقرار المشتري في العقد بأنه عالم بالمبيع، وأخذت بذلك غالبية التقنينات العربية، ومنها قانون التجارة الكويتي بالمادة (376)، وقد نقل المشروع حكم هذه المادة إلى المادة (456) بعد تعديل طفيف في صياغتها، فالأصل في العلم بالمبيع أن يكون برؤية المبيع ذاتًا، على ما يقول به المذهب الحنفي، ولكنه يجوز تحصيل هذا العلم من اشتمال عقد البيع على بيان المبيع وأوصافه الأساسية بيانًا يمكن من تعرفه، فيقوم هذا الوصف مقام الرؤية، على نحو ما تأخذ به مذاهب السنة الثلاثة الأخرى. ثم إن إقرار المشتري في عقد البيع بأنه عالم بالمبيع أو سبقت له رؤيته يكون حجة عليه، فلا يكون له حق إبطال البيع بدعوى عدم علمه بالمبيع إلا إذا أثبت تدليس البائع. وذلك دون إخلال بحقه في طلب إبطال البيع تأسيسًا على الغلط وفقًا للقواعد العامة. وقد استحدث المشروع حكمًا جديدًا وإن كان مما تمليه القواعد العامة، فنص بالفقرة الأخيرة من المادة (456) على أنه إذا تسلم المشتري المبيع ولم يعترض عليه خلال فترة معقولة اعتبر ذلك قبولاً للمبيع فلا يكون له بعد ذلك أن يطلب إبطال البيع بدعوى عدم العلم بالمبيع.
البيع بالعينة:
وتعالج المادة (457) من المشروع حالة البيع على أساس عينة أو نموذج يتفق عليه المتعاقدان، وهو المسمى في الفقه الإسلامي بالبيع على رؤية بعض المبيع، وفي ذلك تنص المجلة على أن (الأشياء التي تباع على مقتضى أنموذجها تكفي رؤية الأنموذج منها فقط)، والأصل في هذا أن رؤية جميع المبيع غير مشروطة لتعذرها، فيكتفي برؤية ما يدل على العلم بالمقصود، ورؤية ذلك قبل الشراء كافية في سقوط خيار الرؤية، وبذلك يكون البيع قد انعقد على مبيع مطابق للعينة. ومن ثم وجب، عند تسلمه - أن يكون مطابقًا لها، وإلا جاز للمشتري أن يرفض المبيع أو أي جزء منه، ويكون الجزاء طبقًا للقواعد العامة، المطالبة بالتنفيذ العيني بإجبار البائع على تقديم ما يطابق العينة، أو فسخ البيع، أو طلب إنقاص الثمن إذا كانت قيمة المبيع أقل من قيمة ما يطابق العينة، وذلك دون إخلال بحق المشتري في التعويض، إذا كان له محل. أما المجلة، ويتابعها في ذلك كل من التقنين العراقي والتقنين الأردني فتجعل جزاء عدم المطابقة للنموذج، الفسخ أو الأخذ بالثمن المسمى.
وإذا تلف النموذج أو هلك، فإن كان ذلك وهو في يد المشتري كما هو غالب، وادعى هذا أن المبيع غير مطابق له، كان عليه هو أن يثبت ذلك، سواء كان التلف أو الهلاك بخطأ منه أو بقوة قاهرة، لأن البائع لا يد له في ضياع النموذج. حتى يثبت المشتري (المغايرة)، وإن كان النموذج في يد البائع وتلف أو هلك ولو بغير خطأ منه، وادعى المشتري أن المبيع غير مطابق له، فعلى البائع أن يثبت المطابقة. وهو حكم وارد في غالبية التقنينات المدنية العربية ويأخذ به أيضًا قانون لتجارة الكويتي م 378/ 2.
البيع بشرط التجربة أو بشرط المذاق:
تعرض المادة (458) لحالتي البيع بشرط التجربة والبيع بشرط المذاق، وقد رُئي أن يقتصر المشروع على إيراد نص واحد يتعلق بالبيعين دون تفرقة بينهما على عكس ما فعلت غالبية التقنينات العربية وقانون التجارة الكويتي، لأن المذاق في الحقيقة صورة من صور التجربة، فلا تقوم ثمة ضرورة للمباعدة بين البيعين، ويجيز المشروع اشتراط التجربة أو المذاق، مدة معلومة لقبول البيع أو رفضه دون تحديد لمداها، وإذا سكت المتبايعان، عند إبرام البيع، عن تحديد مدة، حملت على المدة المعتادة التي يترك تقديرها لقاضي الموضوع وفق ظروف الحال وعرف الجهة وطبيعة المعاملة، فإن انقضت المدة دون أن يعلن المشتري رفضه للبيع مع تمكنه من التجربة أو المذاق، اعتبر سكوته الملابس قبولاً، وبذلك فإن البيع لا ينعقد إلا من وقت قبول البيع صراحةً أو دلالةً.
تحديد الثمن:
وتقضي المادة (459) من المشروع بأنه يكفي في تعيين الثمن، أن يكون قابلاً للتقدير. وهو يعتبر كذلك ما دامت الأسس التي يقوم عليها تقديره متفقًا عليها بين المتبايعين، كان يكون أساس التقدير السعر المتداول في التجارة أو سعر السوق، وكما هو الحال في بياعات الأمانة. وأجاز المشروع أن يترك المتبايعان تحديد الثمن لأجنبي يتفقان عليه عند البيع. لأن الثمن هنا وإن لم يقدره المتبايعان، إلا أنهما جعلاه قابلا للتقدير. وما يقدره الأجنبي ثمنًا للبيع يكون ملزمًا لكل من البائع والمشتري، ما لم يثبت تدليسه. فإذا لم يحدد الأجنبي الثمن - في وقت مناسب - لأي سبب كان، كان الثمن هو ثمن المثل، اعتبارًا بأنه الثمن العادل، أما إذا لم يتفق المتعاقدان على تحديد الثمن أو على جعله قابلاً للتحديد، ببيان الأسس التي يحدد بمقتضاها أو بتفويض طرف ثالث في تحديده، فإن البيع يكون باطلاً لتخلف ركن من أركانه، ومع ذلك تقضي المادة (460) من المشروع بأنه لا يترتب على عدم تحديد الثمن على الوجه المتقدم بطلان البيع إذا تبين من الاتفاق أو الظروف قصد المتعاقدين التعامل بالسعر المتداول بينهما أو بسعر السوق. فقد يظهر من الظروف والملابسات - إذا كان بين المتبايعين تعامل سابق - أنهما متفقان ضمنًا على أن يكون الثمن هو السعر الذي جرى عليه التعامل السابق، كما قد يظهر أيضًا، أن سكوت المتبايعين عن تحديد الثمن ينطوي على اتفاق ضمني بترك تحديد الثمن إلى السعر المتداول في التجارة - كسعر البورصة أو سعر السوق - فيعتبر الثمن قابلاً للتقدير (ومثال ذلك بيع الاستئمان أو الاستسلام عند المالكية، وهو بيع يقوم على استئمان المشتري للبائع واستسلامه فيما يُخبر به من الثمن المتعارف للبيع)، فإذا كان أساس تقدير الثمن هو سعر السوق، فإنه يفترض طبقًا للفقرة الثانية من المادة (464) أن المقصود هو سعر السوق في الزمان والمكان الذي تم فيهما البيع، وهو افتراض أدنى إلى قصد المتعاقدين، فإذا لم يكن في مكان البيع سوق، اعتُبر المكان الذي يقضي العرف بأن تكون أسعاره سارية، وكل ذلك ما لم يتفق على غيره.
وقد استمد المشروع أحكامه في ذلك الخصوص من قانون التجارة القائم (المواد 386 و387 و388) ومن مصادره التشريعية في قوانين البلاد العربية بعد تعديل أكثر إحكامًا في الصياغة.
وتعرض المادة (461) لحالة تقدير الثمن على أساس الوزن، فتنص على أن العبرة في ذلك تكون بالوزن الصافي، ما لم يتفق الطرفان أو يستقر العرف على غيره. وهو ما تقضي به المادة (389) من قانون التجارة الحالي، في فقرتها الأولى، وقد آثر المشروع أن يأخذ بهذا الحكم عنها. لأنه أدنى إلى قصد المتعاقدين.
وعرض المشروع بالمادة (462) إلى بيوع التولية والإشراك والمرابحة والوضيعة. فقد يتفق المتبايعان على أن يتخذ الثمن الذي سبق أن اشترى به البائع أساسًا لتقدير ثمن البيع، فيشتري المشتري بمثل ما اشترى به البائع أو أكثر أو أقل. ولهذه الصور من البيع مكان خاص في الفقه الإسلامي وتسمى عندهم (بياعات الأمانة)، لأن المشتري يشتري من البائع على أساس الثمن الذي اشترى به، مطمئنًا إلى أمانته في البيان عن هذا الثمن، فإما أن يزيد عليه قدرًا معلومًا من الربح فيسمى البيع مرابحة وإما أن ينقصه قدرًا معلومًا يتحمله البائع فيسمى وضيعة أو مواضعة. وإما ألا يزيد ولا ينقص ويشتري من البائع يمثل ما اشترى به، فيسمى البيع تولية، إذا اشترى منه جميع ما اشترى، وإشراكًا إذا أخذ جزءًا منه بما يقابله من الثمن، ويجب لصحة العقد في هذا البيوع جميعًا، أن يكون الثمن الأول (رأس المال) معلومًا وقت إبرامه. ويلحق بالثمن ما جرت العادة على إلحاقه به من مصروفات، ولا يُكتفى من البائع ببيان مجمل عن الثمن، بل يجب عليه أيضًا أن يبين ما أحاط الثمن من ملابسات وما أقترن به من أوصاف قد تؤثر في رضاء المشتري بالصفقة. والكذب فيها أو الانتقاص منها يعتبر خيانة وتدليسًا.
ولم يعرض التقنين المصري والتقنينات الأخرى التي حذت حذوه لهذه البيوع، أما التقنين العراقي فقد عرض لها في المادة (530) منه، كما نص في الفقرة الثانية من المادة (121) على أنه (يعتبر تغريرًا عدم البيان في عقود الأمانة التي يجب التحرز فيها عن الشبهة بالبيان، كالخيانة في المرابحة والتولية والإشراك والوضيعة). وكذلك فعل التقنين الأردني في المادة (480). وقد نص المشروع على هذه البيوع في المادة (462) مشترطًا أن يكون الثمن الأول الذي اشترى به البائع معلومًا وقت العقد، وأن يكون مقدار الربح في المرابحة ومقدار الخسارة في الوضيعة محددًا، وذلك منعًا من الجهالة والغرر. كما نص على أنه إذا كتم البائع بعض الملابسات الجوهرية للثمن على وجه يعيب رضاء المشتري فإن هذا يعتبر غشًا يجيز للمشتري إبطال البيع للتدليس، وإذا لم يكتم البائع شيئًا من تلك الملابسات، ولكن أثبت المشتري أن الثمن الأول الذي ذكره البائع أعلى من الحقيقة، كان البيع صحيحًا، وإنما يكون للمشتري أن يتمسك بالثمن الحقيقي فيكون له أن يحط المقدار الزائد من رأس المال وما يناسبه من الربح إن كان البيع مرابحةً أو المقدار الزائد من رأس المال فقط إن كان البيع توليةً أو إشراكًا أو المقدار الزائد من رأس المال وما يناسبه من الخفض إن كان البيع وضيعه. ويسترد المشتري القدر الزائد إن كان قد دفعه، ولا يلتزم بدفعه له إن كان لم يدفعه كما يكون له في جميع الأحوال أن يرجع بالتعويض على البائع طبقًا للقواعد العامة إذا أثبت في جانبه غشًا أو تقصيرًا.
ثانيًا: آثار البيع:
أجملت المجلة - في المادتين (369 و374) - حكم البيع، وهو نقل الملك بحكم العقد أي بقوة القانون. ولكن مقتضى البيع في قانون التجارة الحالي أن ينشئ التزامًا في ذمة البائع بنقل ملكية المبيع إلى المشتري، ويتم تنفيذ هذا الالتزام بمجرد إبرام العقد، ومن ثم ينقضي في لحظة نشوئه. وهو ما يتنافى مع فكرة الالتزام في أبسط مظاهرها. فالالتزام عبء على المدين ينبغي أن يقوم هو بوفائه. ولذلك تكون المجلة - في تقنينها للفقه الحنفي - أكثر تمشيًا مع المنطق في التفرقة بين نقل ملكية المبيع إلى المشتري وبين الالتزامات التي يرتبها العقد في ذمة المتعاقدين. وهو ما أخذ به المشروع، فأجمل في المادة (463) حكم البيع، وهو نقل ملكية المبيع إلى المشتري، وذلك قبل أن يعرض - لما يرتبه العقد من التزامات في ذمة كل من البائع والمشتري. وعلى ذلك فإنه إذا كان المبيع عينًا معينة بالذات ومملوكًا للبائع انتقلت الملكية فورًا إلى المشتري بمجرد العقد، فإن لم يعين إلا بنوعه لا تنتقل ملكيته إلا بالإفراز، ذلك أن المعين بالنوع يكون، قبل الإفراز، غير محدد بالذات، فتكون هناك استحالة طبيعية في أن تنتقل ملكيته إلى المشتري قبل إفرازه. كل ذلك ما لم يجعل القانون أو الاتفاق انتقال الملكية رهنًا بالقيام بعمل معين. فقد ينُص القانون على عدم انتقال الملكية إلا بالتسجيل، كما قد يعلق الاتفاق انتقالها على الوفاء بكل ثمن، وهو ما يعرف بشرط الاحتفاظ بالملكية للبائع، وقد عرضت المادة (464) لهذا الشرط واستلهم المشروع حكمها من المادة (396) من قانون التجارة الحالي ومصادرها العربية (القانون المصري المادة 430 والقوانين التي أخذت عنه). بعد أن أجرى عليها تعديلاً في الصياغة جعلها أكثر دقة وإحكامًا، ودون أن ينقل عن التقنينات السابقة ما أوردته من تفصيلات تغني عنها القواعد العامة. وتعرض المادة (465) أيضًا لما يترتب على البيع وهو أن يكون للمشتري ثمر المبيع ونماؤه من وقت تمام العقد كما يكون عليه من هذا الوقت تكاليفه، كنفقات الحفظ أو الصيانة أو غير ذلك وهو حكم يماثل ما تنص عليه المجلة في المادة (236) من أن (الزيادة الحاصلة في المبيع بعد العقد وقبل القبض، كالثمرة وأشباهها، هي للمشتري) ولكن المشروع استحدث إلى جانب ذلك حكمًا آخر تمليه قواعد العدالة ويقضي بأنه، إذا لم يكن البائع قد استوفى الثمن بتمامه، فإنه لا يحرم من ثمار المبيع كلها وإنما يكون له منها بمقدار ما لم يستوفه من الثمن، ولا يكون للمشتري من هذه الثمار إلا بما يناسب ما أداه منه، وكل ذلك ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغيره.
1 - التزامات البائع:
ويعرض المشروع بعد ذلك لالتزامات البائع تباعًا فجاء في المادة (466) بحكم يقضي بأنه إذا كان ثمة أحوال لا تنتقل فيها الملكية بمجرد البيع، فإنه يكون على البائع أن يقوم بكل ما هو ضروري من جانبه لانتقالها، إلى المشتري، وأن يكف عن الأعمال التي تحول دون ذلك أو تجعله عسيرًا. فيكون عليه القيام بشهر حق الإرث، والتصدق على توقيعه، وتقديم مستندات الملكية حتى يتمكن المشتري من تسجيل العقد إذا كان المبيع عقارًا كما يكون عليه إفراز المنقول المعين بجنسه ونوعه فقط، إذا كان المبيع منقولاً وكذلك ينبغي له ألا يتصرف في المبيع إلى مشترٍ آخر تصرفًا يضر بالمشتري أو أن يخفي مستندًا لازمًا لتسجيل العقد، وقد استمد المشروع هذا الحكم من القانون المدني المصري (المادة 428) والقوانين العربية التي نقلت عنه.
وتعرض المادة (467) لالتزام البائع بالتسليم وتقضي بأن البائع ملزم بتسليم المبيع إلى المشتري بالحالة التي كان عليها وقت البيع. وهي قاعدة بديهية لأن التراضي الذي أنشأ العقد تعلق بالمبيع على الحالة التي كان عليها وقت قيامه، وقد أخذ المشروع بها نقلاً عن المادة (431) من القانون المدني المصري والنصوص المقابلة في القوانين العربية. وإذا كانت المجلة خالية من نص صريح يقرر هذه القاعدة، فإن حكمها مستفاد ضمنًا من نصوصها. ويتفرع على هذه القاعدة وجوب تسليم ذات المبيع. وهو ما عنته المجلة بقولها " المبيع يتعين في العقد " (م 204) ولكن إذا زاد المبيع بعد البيع فإن زوائده تكون للمشتري (م 236).
وغني عن البيان أن الالتزام بتسليم المبيع بالحالة التي كان عليها وقت البيع ليس من النظام العام، فيجوز للمتبايعين أن يتفقا على خلافه، كتسليم المبيع في حالة أحسن مما كانت عليه، أو في الحالة التي يكون عليها بعد استعماله فترة من الزمن.
كذلك يلتزم البائع أن يسلم المشتري كافة الوثائق والمستندات المتعلقة بالمبيع.
وأخذ المشروع الحكم الذي أورده بالمادة (468) عن المادة (573) من المشروع التمهيدي للتقنين المدني المصري، وهو يُلزم البائع أن يزود المشتري بكافة البيانات الضرورية عن المبيع، كأن يبين له حدوده وما يكون له من توابع أو ملحقات وما عليه من حقوق وتكاليف وكيفية الانتفاع به إذا كان من الأجهزة الدقيقة، وقد آثر المشروع أن يقنن هذا الحكم اعتبارًا بأنه تأكيد لالتزام البائع بتقديم ما يكون المشتري في حاجة ماسة إليه لتيسير كيفيه انتفاعه بالمبيع.
وتعرض المواد (469 و470 و471) لحكم النقص أو الزيادة في المبيع إذا كان معينًا بالذات وقد عُين مقداره في عقد البيع. والقاعدة العامة في المجلة أنه " إنما يعتبر القدر الذي يقع عليه البيع لا غيره " (مادة 222). وقد تضمنت المجلة نصوصًا تفصيلية في ذلك الشأن (المواد من 223 إلى 229) إذ تضع حلولاً تختلف باختلاف أحوال المبيع وطريقة تحديد ثمنه. ففي حالة بيع المكيلات والموزونات والمزروعات والعدديات المتقاربة التي ليس في تبعيضها ضرر، سواء حدد الثمن للجملة أو لكل كيل أو وزن أو ذرع أو عدد على حدة، إذا ظهر عند التسليم نقص في قدر المبيع، يكون للمشتري الخيار بين البيع أو أخذ القدر الموجود بحصته من الثمن أما إذا ظهر عند التسليم زيادة في قدر المبيع، فالزيادة تكون للبائع.
وفي حالة بيع الموزونات أو المزروعات التي في تبعيضها ضرر (ومنها الأراضي) إذا تحدد الثمن جملة واحدة، وزاد المبيع أو نقص، يكون للمشتري الخيار بين الفسخ أو إبقاء البيع بالثمن المسمى، فإذا تعين الثمن بسعر الوحدة، وظهر في قدر المبيع نقص أو زيادة كان للمشترى الخيار بين الفسخ، وبين أخذ المبيع بالثمن على حسب سعر الوحدة.
أما في حالة بيع العدديات المتفاوتة، فإنه إذا ذُكر في العقد ثمن مجموعها فقط، وظهر عند التسليم نقص أو زيادة في قدر المبيع فإن البيع في الحالين يكون فاسدًا لجهالة المبيع في صورة الزيادة، ولجهالة الثمن في صورة النقصان، وإذا ذكر في العقد أثمان آحاده، وظهر عند التسليم نقص في قدر المبيع، كان المشتري مخيرًا بين فسخ البيع أو أخذ المبيع بحصته في الثمن لتفرق الصفقة عليه. أما إذا ظهر عند التسليم زيادة في قدر المبيع فإن البيع يقع فاسدًا لجهالة المبيع.
وقد جرت بعض التقنينات العربية على مجاراة المجلة في إيراد تلك التفصيلات كلها أو بعضها - كالتقنين العراقي والتقنين الأردني - مع أن القواعد العامة تكفي في استخلاص الكثير منها، ولذلك آثر المشروع أن يقتصر – كما فعل التقنين المصري وما تابعه من التقنينات العربية الأخرى – ومنها قانون التجارة الحالي (المادة 399) – على نص عام يقضي بأن يكون البائع ضامنًا للقدر الذي عينه للمبيع بحسب ما يقضي به العرف، وهو ما يعني أنه إذا نقص المبيع عن القدر المعين في العقد يكون المشتري بالخيار بين الفسخ وبين إنقاص الثمن بقدر ما أصابه من ضرر، سواء كان المبيع مما يضره التبعيض أو مما لا يضره، وسواء كان الثمن محددًا بسعر الوحدة أو مقدرًا جملة واحدة، ولكنه لا يجوز للمشتري أن يطلب فسخ العقد في هذه الحالة، إلا إذا كان النقص من الجسامة بحيث أنه لو كان يعلمه لما أتم العقد – وهو ما تتضمنه المادة (469) من المشروع.
أما المادة (470) فإنها تعالج أحوال الزيادة في المبيع، وتفرق في ذلك بين تقدير الثمن جملة وبين تقديره بحسب الوحدة، ففي الحالة الأولى - وهي حالة لم يعرض لها التقنين المصري، تكون الزيادة للمشتري، لأن الغالب أن المتعاقدين قصدا أن يكون المبيع جميعه بهذا الثمن ولو زاد عن القدر المعين فالقدر هنا يكون وصفًا والوصف لا يقابله شيء من الثمن ولكن إذا كانت الزيادة من الجسامة بحيث لو علمها البائع لما أتم العقد فإنه يكون للمشتري الخيار بين زيادة الثمن بما يتناسب مع الزيادة في المبيع وبين فسخ البيع. وفي الحالة الثانية – وهي تقدير الثمن بسعر الوحدة – إذا كان المبيع قابلاً للتبعيض فإن الزيادة تكون للبائع، لأن القدر فيما لا يضره التبعيض يعتبر أصلاً بنفسه، ومن ثم إذا أراد المشتري أخذ الزيادة فإنه يكون عليه أن يدفع ما يقابلها الثمن، وهي حالة لم يعرض لها التقنين المصري أيضًا. وإذا كان المبيع غير قابل للتبعيض، فإنه يجب أن يكمل المشتري الثمن بقدر زيادة المبيع وذلك لأن القدر – مع إنه وصف للمبيع – متى أفرد بالثمن صار  أصلاً وكان له حصته من الثمن، ولكن إذا كانت الزيادة جسيمة فإنه يجوز للمشتري أن يطلب فسخ العقد.
وحدد المشروع مدة موحدة تسقط بمضيها الدعوة في جميع تلك الأحوال فنص في المادة (471) منه على أن دعوة المشتري بطلب إنقاص الثمن أو بطلب الفسخ تسقط بانقضاء سنة من وقت تسليم المبيع، وكذلك يكون الحكم بشأن دعوى البائع بتكملة الثمن أو بطلب رد الزيادة، وتتفق المدة التي حددها المشروع لسقوط الدعوة مع مقدار المدة التي يحددها قانون التجارة الحالي بالمادة (399) لتقادم تلك الدعوى في كافة الصور.
ووضع المشروع في المادة (472) القاعدة العامة في كيفية التسليم متفقًا في ذلك مع نصوص المجلة والقانون المصري (المادة 435/ 1 مدني) والتشريعات العربية التي نقلت عن ذلك القانون، فالتسليم يحصل بالتخلية بين المشتري والمبيع – يوضع تحت تصرفه – بحيث يتمكن من قبضه والانتفاع به دون حائل، حتى ولو لم يستولِ عليه استيلاءً ماديًا، ما دام البائع قد أعلمه بذلك أو أذن له به. ويكون التسليم في كل شيء حسب طبيعته أو اختلاف حاله. ولكن المشروع لم يورد ما أوردته المجلة من تطبيقات عديدة لكيفية التسليم لعدم ضرورتها.
وتقرر المادة (473) جواز التسليم الحكمي، وهو الذي يتم بمجرد تراضي المتعاقدين إذا كان المبيع في حوزة المشتري من قبل البيع (بإجارة أو إعارة أو وديعة أو رهن حيازة أو غير ذلك)، أو كان البائع قد استبقى المبيع في حوزته بعد البيع لسبب آخر غير الملك (كمستأجر أو مستعير أو مودع لديه أو مرتهن أو غير ذلك). وكلتا الصورتين ليستا إلا من تطبيقات المبدأ العام في انتقال الحيازة من شخص إلى آخر انتقالاً حكميًا ولم يرد في المجلة نصوص تتعلق بالتسليم الحكمي، ولكن الحنفية لا يرون في الصورة الثانية قبضًا من المشتري للمبيع، كما يفرقون في الصورة الأولى بين ما إذا كانت يد المشتري على المبيع قبل البيع، يد ضمان أم يد أمانة. فإذا كانت يد ضمان لم يكن في حاجة إلى قبض جديد ويقع التسليم حكمًا ويعتبر قابضًا للمبيع بمجرد إبرام العقد. أما إذا كانت يده على المبيع يد أمانة فإنه لا يعتبر متسلمًا له إلا بقبض جديد، ولا يكون التسليم الحكمي في هذه الحالة جائزًا. ولم يرَ المشروع أن يأخذ بهذه التفرقة فلم يستلزم في الصورتين حصول قبض جديد، وهو ما فعله التقنين العراقي (المادتان 539، 540) وسار عليه القانون المصري (435/ 2) والقوانين العربية التي أخذت عنه.
وغني عن البيان أن القواعد المتقدمة ليست من النظام العام فيجوز الاتفاق على ما يخالفها أو يعدل فيها.
وتعين المادة (474) زمان التسليم بأنه الوقت الذي يحدده العقد، فإذا لم يحدد العقد وقتًا التزم البائع بالتسليم فورًا بمجرد انعقاد البيع، وإذا اتفق على أن يتم التسليم في الوقت الذي يحدده المشتري التزم البائع بإجرائه فيه، وكل ذلك مع مراعاة المواعيد التي تستلزمها طبيعة المبيع أو يقضي بها العرف. وفي الفقه الحنفي يتعين على البائع تسليم المبيع فور أداء الثمن إذا كان الثمن معجلاً، ولكن لا يجوز أن يشترط البائع على المشتري تأجيل التسليم ولا أن يشترط المشتري على البائع تسليم المبيع قبل دفع الثمن إذا كان حالاً، ويترتب على الشرط في الحالتين فساد البيع. وقد قُنن هذا الفقه في مرشد الحيران (م 353) ولكن المجلة لم تأخذ بفقه الحنفية في الشروط الفاسدة - فكان يجوز الاتفاق في ظلها، على تسليم المبيع في وقت معين، سواء قبل دفع الثمن أو بعده وهو ما أخذ به المشروع ويجري به قانون التجارة الحالي (المادة 397).
وتحدد المادة (475) بفقرتها الأولى مكان التسليم، بأنه المكان الذي يوجد فيه المبيع وقت تمام العقد، ما لم يتفق على غير ذلك وهو ما يتفق مع حكم المادتين (285 و287) من المجلة. ويُعتبر المنقول، إذا لم يعين مكان وجوده موجدًا في موطن البائع ومن ثم يجب تسليمه فيه وهو ما تقضي به الفقرة الثانية من المادة (475). فإذا كان المبيع واجب الإرسال إلى مكان معين، فإن التسليم لا يتم إلا بوصوله فيه وجرى بذلك حكم المادة (476) نقلاً عن المادة (393) من قانون التجارة.
وتعرض المادة (477) لنفقات التسليم فتقضي بالتزام البائع بها لأنه هو الملتزم بالوفاء بالمبيع فيقع على عاتقه مصاريف نقل المبيع وفرزه أو عده أو وزنه ونحو ذلك وهذا ما لم يوجد اتفاق أو عرف مخالف، ويتفق حكم المشروع في ذلك الشأن مع ما ينص عليه قانون التجارة بالمادة (400) والمجلة بالمادتين (289، 291).
وقد عالج المشروع الأحوال التي يقع فيها هلاك المبيع والحكم في كل حالة بالمواد من (478 إلى 480). ويجدر التنويه بادئ ذي بدء إلى أنه في الفقه الحنفي يختلف حكم هلاك المبيع قبل القبض باختلاف سبب هلاكه فلو هلك بفعل - البائع، أو بفعل المبيع أو بآفة سماوية (أي بسبب أجنبي) بطل البيع (أي أنفسخ) ويرجع المشتري على البائع بالثمن إن كان قد قبضه. وإن هلك بفعل أجنبي يكون مضمونًا عليه بالقيمة أو بالمثل ويكون المشتري بالخيار إن شاء فسخ البيع فيعود المبيع إلى ملك البائع الذي يتبع الجاني بضمانه، وإن شاء أمضى البيع ودفع الثمن ويرجع هو بالضمان على الجاني. وإذا هلك بفعل المشتري فعليه ثمنه، لأنه صار قابضًا للمبيع بالإتلاف، إذ لا يمكنه إتلافه إلا بعد إثبات يده عليه.
أما إذا هلك بعض المبيع قبل قبضه، وكان الهلاك بآفة سماوية أو بفعل المبيع نفسه، فإنهم يفرقون بين نقصان القدر ونقصان الوصف. فإن كان نقصان قدر، بأن كان مكيلاً أو موزونًا أو معدودًا، يبطل البيع (ينفسخ) بقدر الهالك وتسقط عن المشتري حصة الفائت من الثمن وله الخيار في الباقي إن شاء أخذه وإن شاء تركه. وإن كان نقصان وصف، وهو كل ما يدخل في البيع بغير ذكر، لا يسقط شيء من الثمن لأن الأوصاف لا مقابل لها من الثمن، ولكن المشتري يكون بالخيار، إن شاء أخذ بجميع الثمن وإن شاء ترك لتعيب المبيع قبل قبضه. وإذا هلك بعض المبيع بفعل البائع، سقط من الثمن قدر النقص سواء كان نقصان قدر أو نقصان وصف (لأن الأوصاف لها حصة من الثمن عند ورود الجناية عليها)، وخير المشتري بين الفسخ والإمضاء أما إذا هلك بعض المبيع بفعل المشتري فلا يسقط عنه شيء من الثمن لأنه صار قابضًا للكل بإتلاف البعض، إذ لا يتمكن من إتلاف البعض إلا بإثبات اليد على الكل. وإذا وقع هلاك بعض المبيع بفعل أجنبي، فحكمه حكم هلاك المبيع كله.
ويتفق قانون التجارة الحالي مع الفقه الحنفي في تحميل البائع تبعة الهلاك الكلي قبل التسليم، إذا كان الهلاك لسبب أجنبي لا يد للبائع فيه، ولكنه ينقل تبعة الهلاك إلى المشتري إذا وقع الهلاك بعد إعذاره لتسلم المبيع (م 391). أما إذا وقع الهلاك بفعل البائع فإنه يكون مسؤولاً عنه طبقًا للقواعد العامة، ويلتزم بتعويض المشتري عن الضرر الذي لحقه منه، فلا يقتصر أثر الهلاك على سقوط الثمن أو رده كما يرى الأحناف، وفي حالة الهلاك الجزئي إذا نقصت قيمة المبيع قبل التسليم لتلف أصابه، يكون للمشتري الخيار بين الفسخ إبقاء البيع مع إنقاص الثمن، إذا كان النقص من الجسامة بحيث لو طرأ قبل العقد لامتنع المشتري عن الشراء، أما إذا لم يبلغ النقص هذا القدر من الجسامة فلا يكون للمشتري سوى إبقاء البيع وإنقاص الثمن (م 392)، وقد سبق إلى وضع أحكام مماثلة القانون المصري (437، 438 مدني) والقوانين العربية التي نسجت على منواله. وقد استبقى المشروع تلك الأحكام أيضًا بالنسبة للهلاك الكلي قبل التسليم وكذلك بالنسبة للهلاك الجزئي وكل ذلك إذا كان الهلاك أو التلف لسبب لا يد لأحد المتعاقدين فيه. وإذا أعذر البائع المشتري لتسلم المبيع قبل أن يهلك فإن تبعه الهلاك أو التلف تنتقل إلى المشتري وهو ما تنص عليه المادتان (478، 479) من المشروع.
أما إذا هلك المبيع أو تلف بفعل المشتري فإنه يبقى ملتزمًا بالثمن كاملاً. ويمتنع الفسخ سواء كان الهلاك كليًا أو جزئيًا. فإذا كان الهلاك لسبب يعزى إلى البائع، فإنه يكون للمشتري إذا فسخ أن يسترد الثمن وأن يتقاضى تعويضًا فوق ذلك فإن أبقى البيع أنقص الثمن بمقدار ما فات. وهو الحكم الذي تقرره المادة (480) من المشروع، وتعرض المادتان (481 و482) لضمان التعرض، وهو ضمان لم يعرفه الفقه الإسلامي بوجه محدد. كما لم يرد له ذكر في المجلة أو في قانون التجارة الحالي، وقد استمد المشروع أحكام هذا الضمان من القانون المدني المصري (مادة 439) ومن النصوص المقابلة بالتشريعات التي سارت على منوال ذلك القانون، وأفرد المدة (481) لضمان التعرض الصادر من البائع وخصص المادة التالية لضمان تعرض الغير، فطبقًا للمادة الأولى يلتزم البائع بعدم التعرض للمشتري في حيازته للمبيع وانتفاعه به وعدم منازعته في ملكيته، سواء كان تعرضه ماديًا أو قانونيًا، والتعرض المادي هو الذي لا يستند فيه البائع إلى حق يدعيه، كأن يفتح على مقربة من المحل التجاري الذي باعه محلاً تجاريًا آخر من نفس النوع ليجتذب عملاءه الأسبقين - أما التعرض القانوني، فهو الذي يستند إلى سبب قانوني، كأن يدعي البائع حقًا على المبيع في مواجهة المشتري، سواء كان هذا الحق سابقًا على البيع أو لاحقًا له. وطبقًا للمادة (482) يلتزم البائع بضمان تعرض الغير، الذي يدعي على المبيع حقًًا موجودًا وقت البيع يحتج به على المشتري، كما يكون ملزمًا بالضمان ولو ادعى المتعرض حقًا نشأ بعد البيع إذا كان هذا الحق قد آل إليه من البائع أو كان نتيجة لفعله. أما التعرض المادي من الغير فإنه لا يوجب الضمان وعلى المشتري أن يدفعه بما وضعه القانون في يده من وسائل، وغني عن البيان أنه في جميع الأحوال فإن الضمان لا يجب على البائع إلا إذا حصل التعرض فعلاً من الغير، أما احتمال وقوعه فلا يكفي.
وقد تعرض المشروع في المواد من (483 إلى 488) لكيفية تنفيذ الالتزام بضمان التعرض، سواء كان تنفيذًا عينيًا بدفع تعرض الغير، أو تنفيذًا بطريق التعويض أو ضمان الاستحقاق. مراعيًا في ذلك أن يكون متفقًا بقدر الإمكان مع أحكام الفقه الحنفي الذي يعرف ضمان الاستحقاق. فتقضي المادة (483) أنه إذا رفعت على المشتري دعوى باستحقاق المبيع، وجب عليه المبادرة بإدخال البائع فيها ليقوم بتنفيذ التزامه بضمان التعرض تنفيذًا عينيًا. وهو حكم له أصل في الفقه الحنفي، وله نظير في بعض التقنينات (كالتقنين البولوني في المادتين 314 و318) وفيه قصد في الوقت والإجراءات فضلاً عن أنه يكفي المشتري مؤونة دفع دعوى الغير - وقد لا يعرف عنها شيئًا - كما يجنبه عاقبة التهمة أو الخطأ في الدفاع. فإذا لم يقم المشتري بإدخال البائع في الدعوى وصدر لصالح الغير حكم نهائي فإن ضمان البائع يسقط إذا أثبت أن إدخاله في دعوى الاستحقاق كان من شأنه أن يؤدي إلى رفضها، والحكم الذي جاء به المشروع يفضل ما تأخذ به القوانين العربية من جعل دخول البائع في الدعوى متروكًا لتقديره حتى لو أخطره المشتري بها (440 مدني مصري والمواد المقابلة بالقوانين العربية الأخرى).
وإذا أدخل المشتري البائع في الدعوى فلم يحضر أو حضر وفشل في دفعها يصبح ضامنًا لاستحقاق المبيع. فإن حكم باستحقاق المبيع كله، كان البائع مسؤولاً عن تعويض المشتري عما لحقه من خسارة أو فاته من كسب بسبب هذا الاستحقاق. ومع ذلك يقتصر حق المشتري على استرداد الثمن، إذا أثبت البائع أنه لم يكن يعلم عند البيع بسبب الاستحقاق وهو الحكم الذي جاء به المشروع في المادة (484).
أما إذا قُضي باستحقاق بعض المبيع، أو ثبت عليه حق للغير، وكانت خسارة المشتري من ذلك تبلغ قدرًا لو علمه لما أتم العقد، كان له أن يرد المبيع وما أفاده منه، على أن يعوض وفقًا لأحكام المادة السابقة. فإذا اختار المشتري استبقاء المبيع، أو كانت الخسارة التي لحقته لم تبلغ قدرًا لو علمه لما أتم العقد، فإنه لا يكون له إلا المطالبة بالتعويض عما أصابه من ضرر بسبب الاستحقاق وهو ما تقرره المادة (485).
وقد نقل المشروع عن القانون المدني السوداني (المادة 381) حكمًا ملائمًا وقننه بالمادة (486) وهو يقضي بعدم ضمان البائع لبعض الحقوق التي تنقص من انتفاع المشتري في الحالات التالية:
أولاً: إذا كان البائع قد أبان عن الحق للمشتري وقت التعاقد، إذ يعتبر سكوت المشتري بعد علمه به رضاء ضمنيًا بإسقاط ضمان البائع له.
ثانيًا: إذا كان الحق ارتفاقًا ظاهرًا، فيستطيع المشتري وقت البيع - وهو يعاين المبيع - أن يرى معالمه، أو كان يستطيع أن يراها ظاهرة فيكون سكوته دليلاً على رضائه بعدم ضمان البائع.
ثالثًا: إذا كان سبب نقص انتفاع المشتري بالمبيع ناشئًا عن قيد من القيود القانونية التي ترد على حق الملكية، وهذه القيود وأن كانت بحسب الأصل لا يضمنها البائع لأن القانون هو الذي يقررها والمشتري يعرفها أو ينبغي أن يعرفها، سواء كانت مظاهرة أو غير ظاهرة، إلا أن المشروع آثر النص عليها تأكيدًا لعدم دخولها في الضمان حتى ولو لم تكن ظاهرة.
ويعرض المشروع في المادتين (487 و488) للاتفاق على تعديل أحكام الضمان سواء بالزيادة أو الإنقاص أو الإسقاط فأحكام الضمان ليست من النظام العام ولذلك فأنه يجوز الاتفاق على تعديلها، ولكن هذا الاتفاق يجب أن يكون صريحًا واضحًا. على أنه يشترط في إنقاص الضمان أو إسقاطه ألا يكون البائع قد تعمد إخفاء سبب الاستحقاق وألا يكون الاستحقاق ناشئًا عن فعله، وإلا وقع الاتفاق على ذلك باطلاً أما إذا كان الاستحقاق ناشئًا عن فعل الغير ولم يتعمد البائع إخفاء حق هذا الغير فإن شرط عدم الضمان يكون صحيحًا، وكلما جاء شرط عدم الضمان صحيحًا فإن البائع يبقى مسؤولاً عن رد الثمن إلا إذا أثبت أن المشتري كان يعلم وقت البيع بسبب الاستحقاق، أو أنه اشترى ساقط الخيار، وقد استمد المشروع حكم هاتين المادتين من القانون المدني المصري (المادتان 445 و446) ومن القوانين العربية التي أخذت عنه وإنما أدخل المشروع من التعديلات ما يقتضيه المقام.
وعرض المشروع لضمان العيوب الخفية في المواد من (489 إلى 497) وهذا الضمان - وهو كضمان التعرض والاستحقاق - يجاوز نطاقه عقد البيع إلى كل عقد ناقل للملكية، بل وإلى كل عقد ينقل الانتفاع وبخاصة إذا كان من عقود المعاوضة. ولكن لما كان عقد البيع هو العقد الرئيسي الذي ينقل الملكية والحيازة، فقد وضعت فيه القواعد العامة لهذا الضمان، مع الإشارة إليها في العقود الأخرى وبيان ما تقتضيه طبيعة كل عقد من تعديلات خاصة، لا سيما في عقود التبرع. ويقتضي ضمان العيوب الخفية في البيع أن يلتزم البائع بتسليم المبيع خاليًا من العيب فإن ظهر في المبيع عيب ينقص من قيمته أو يجعله غير صالح لما أعده له المشتري، كان البائع ملزمًا بالضمان.
وقد عرضت المجلة لخيار العيب في المواد (336 – 355)، ورتبت على ظهور العيب، ثبوت الخيار للمشتري بين الفسخ أو إبقاء المبيع بالثمن المسمى، لأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن، أما قانون التجارة الحالي فلم يعرض للعيب إلا في مادة واحدة أوجب فيها على المشتري إخطار البائع بالعيب فور كشفه، وإلا سقط حقه في الرجوع عليه بسبب العيب (المادة 401).
وقد انتهج المشروع نهج القوانين العربية في سن أحكام تفصيلية لذلك الضمان اعتبارًا بما يحظى به من أهمية في التعامل فأورد بالمادة (489) حكمًا يقضي بالتزام البائع بالضمان وقفًا لأحكام المادة (485) منه إذا كان بالمبيع وقت البيع عيب ينقص من قيمته أو من نفعه بحسب الغاية المقصودة منه مستفادة مما هو مبين في العقد أو مما هو ظاهر من طبيعة المبيع أو الغرض الذي أعد له وإنما يشترط في العيب أن يكون مؤثرًا بحيث ينقص من قيمة المبيع أو نفعه، ويرجع في تقدير ذلك إلى معيار مادي، فينظر إلى قصد المتعاقدين كما هو مبين في العقد وإلى طبيعة المبيع وإلى الغرض الذي أعد له.
قد جرى المشروع في المادة (490) على اعتبار أن العيب لا يعتبر مؤثرًا إذا كان العرف قد جرى على التسامح فيه، كما إذا وجد المشتري في الحبوب المشتراة كمية من الأتربة جرى العرف على التسامح فيها واستلهم المشروع هذا الحكم من المادة (448) من القانون المدني المصري والقوانين العربية التي نقلته عنه وكذلك عن المفهوم العام للمادتين (353 و354) من مجلة الأحكام.
واشترط الشروع في وضوح بالمادة (491) أن يكون المشتري غير عالم بالعيب ولم يكن في استطاعته أن يعلم به.
فإذا كان يعرف العيب وقت البيع أو كان العيب من الظهور بحيث يستطيع أن يتبينه بنفسه لو أنه فحص المبيع بما ينبغي من العناية، فإن العيب لا يكن خفيًا ولا يضمنه البائع وذلك ما لم يكن البائع قد أكد للمشتري خلو المبيع من هذا العيب أو أنه قد تعمد إخفاءه غشًا منه وقد أخذ المشروع بذلك الحكم نقلاً عن القانون المدني المصري (المادة 447/ 2).
وكذلك أوجب المشروع في المادة (492) على المشتري أن يقوم عند تسلم المبيع بالتحقق من حالته بمجرد أن يتمكن من ذلك، وفقًا لما هو مألوف في التعامل، فإذا كشف عيبًا يضمنه البائع وجب عليه أن يبادر بإخطاره به وإلا سقط حقه في الضمان هذا إذا كان العيب مما يمكن الكشف عنه بالفحص المعتاد، أما إذا كان العيب مما يحتاج في كشفه إلى خبرة فنية، فإنه يجب على المشتري بمجرد كشفه أن يخطر به البائع وإلا سقط حقه في الضمان. وقد استمد المشروع هذا الحكم من المادة (401/ 1، 2) من قانون التجارة الحالي والتي نقلته في الأصل عن القانون المصري (المادة 449).
وعرض المشروع في المادة (493) لحكم ذلك الضمان إذا هلك المبيع مقررًا بأن دعوى الضمان تبقى حتى لو هلك المبيع بسبب العيب أو هلك قضاءً وقدرًا حتى تنتفي الشبهة في أن هلاك المبيع قد يُسقط دعوى الضمان، وهو حكم سبق إليه القانون المصري (المادة 451) وكثير من القوانين العربية التي تأثرت به.
وتقضي المادة (494) من المشروع بأنه إذا علم المشتري بوجود عيب في المبيع ثم تصرف فيه تصرف الملاك فلا رجوع له بالضمان اعتبارًا بما ينطوي عليه ذلك من رضاء المشتري بالمبيع متعيبًا، وغني عن البيان أن رضاء المشتري بالعيب بعد العلم به يسقط حقه في الضمان لأن ضمان العيب يتأسس على فوات السلامة المشروطة في المبيع دلالة. ورضاء المشتري بالعيب بعد علمه به، دليل على أنه ما شرط السلامة فيه، وقد أخذ المشروع بذلك الحكم من القانون المدني العراقي (المادة 566 مدني) والقانون الأردني (المادة 515) وهو يتفق مع الحكم الذي سنته المجلة بالمادة (344).
ولما كانت أحكام الضمان غير متعلقة بالنظام العام، فقد أجاز المشروع بالمادة (495) للمتعاقدين أن يعدلا فيها باتفاق خاص فيزيدا في الضمان أو ينقصا منه أو يسقطا هذا الضمان، على أن يبطل الشرط إذا كان البائع قد تعمد إخفاء العيب غشًا منه، لأنه في هذه الحالة يكون قد اشترط عدم مسؤوليته عن الغش وهذا غير جائز وقد قال رسول الله عليه وسلم (لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعًا وفيه عيب إلا بينه له) وقد سبق إلى الأخذ بهذا الأصل القانون المدني المصري بالمادة (453) وغالبية القوانين العربية.
ونص المشروع في المادة (496) منه على سقوط دعوى ضمان العيب إذا انقضت سنة من وقت تسليم المبيع، ولو لم يكتشف المشتري العيب إلا فيما بعد، وذلك حتى يستقر التعامل ولا يكون البائع مهددًا بالضمان أمدًا يتعذر بعده التعرف على منشأ العيب، وهذا ما لم يقبل البائع أن يلتزم بالضمان لمدة أطول. وما لم يتعمد إخفاء العيب عن غش منه وقد أخذ المشروع في تقدير المدة التي تسقط بعدها الدعوى بالمدة التي ينص عليها قانون التجارة الحالي لتقادم دعوى الضمان.
كما نص المشروع في المادة (497) على أنه لا ضمان للعيب في البيوع القضائية ولا في البيوع الإدارية، إذا تمت بطريق المزايدة العلنية لما توفره هذه البيوع من ضمانات في إجراءاتها، وقد سبق إلى ذلك الحكم كثير من القوانين العربية والأجنبية فأخذه المشروع عنها.
وقد استحدث المشروع أيضًا حكمًا جديدًا بشأن الوصف المشروط في المبيع فقد لوحظ خلو قانون التجارة الحالي من وجه الحكم فيه، وإن كانت مجلة الأحكام العدلية قد عالجت الأمر في المواد (310 – 312) فرتبت على فوات الوصف ثبوت الخيار للمشتري بين الفسخ أو إبقاء المبيع بالثمن المسمى، اعتبارًا بأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن وبذلك لم تعرض للأضرار التي يمكن أن تلحق بالمشتري، أما التقنين المصري فقد أدمج ضمان البائع لمثل ذلك الوصف بضمانه للعيوب في المبيع (المادة 447 مدني) مقتفيًا في ذلك أثر بعض التقنينات الأجنبية وقد آثر المشروع الفصل بينهما فأفرد لفوات الوصف نصًا خاصًا هو نص المادة (498)، فالبائع يلتزم بتسليم المبيع بالوصف المتفق عليه في العقد، فإن فات هذا الوصف كان للمشتري أن يطلب الفسخ مع التعويض. أو أن يستبقي المبيع مع طلب التعويض عما لحقه من ضرر بسبب عدم توافر ما كفل البائع وجوده في المبيع من صفات، وغني عن البيان أن للبائع - طبقًا للقواعد العامة - أن يتوقى الفسخ إذا قدم مبيعًا تتوافر فيه الصفات المكفولة.
واستحدث المشروع بالمادة (499) حكمًا آخر بشأن ضمان البائع صلاحية المبيع مدة معينة وأخذه نقلاً عن التقنين المصري (المادة 455) والتقنينات العربية التي تأثرت به، ويقصد به ضمان صلاحية المبيع وبخاصة إذا كان من الأجهزة الدقيقة التي انتشرت في الوقت الحاضر كالأجهزة الميكانيكية والكهربائية وغيرها فإذا وُجد شرط صريح بضمان المبيع للعمل مدة معلومة ثم ظهر فيه خلل أثناء هذه المدة، وجب على المشتري أن يخطر البائع بهذا الخلل في مدة شهر من ظهوره. فإذا لم يقم البائع بالإصلاح، كان للمشتري أن يطلب الفسخ مع التعويض أو أن يستبقي المبيع ويقتصر على طلب التعويض عما لحقه من ضرر بسبب الخلل. وفي الحالين يجب على المشتري أن يقيم دعواه في مدة ستة أشهر من تاريخ إخطاره البائع بوجود الخلل وإلا سقط حقه في الضمان. وكل هذا ما لم يتفق على غيره.
2 - التزامات المشتري:
ويعرض المشروع بعد ذلك لالتزامات المشتري تباعًا فيحدد زمان وفاء المشتري بالثمن بالمادة (500) وهي تنص على أن الثمن يكون مستحق الوفاء فورًا بمجرد تمام البيع، حتى تنفذ الالتزامات المتقابلة في وقت واحد، وذلك ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغيره، فقد يتفق المتبايعان على أجل لدفع الثمن، فلا يلتزم المشتري بدفعه إلا عند حلول هذا الأجل وقد يقضي العرف بأن يكون دفع الثمن في وقت معين، فيتعين اتباع هذا العرف، ومع ذلك فإنه يجوز للمشتري أن يحبس الثمن إذا تعرض له أحد مستندًا إلى حق سابق على البيع أو آيل إليه من البائع أو نتيجة لفعله، أو إذا خاف على المبيع أن ينزع من يده، كأن يظهر على المبيع رهن أو يتبين أن ملكية البائع معلقة على شرط فاسخ أو أنه لم يدفع ثمن المبيع. ويترتب ذات الحكم على العيب الخفي أيضًا. ويظل حق المشتري في حبس الثمن قائمًا إلى أن ينقطع التعرض أو يزول خطر الاستحقاق، أو حتى يحسم النزاع المتعلق بالعيب، وإنما يجوز للبائع أن يطلب استيفاء الثمن، إذا قدم للمشتري كفالة شخصية أو عينية تضمن له ما عسى أن يتعرض له من خطر. على أنه يجوز الاتفاق بين الطرفين على عدم حبس الثمن لكل أو لبعض الأسباب السابقة، وقد نقل المشروع حكم هذه المادة (403) من قانون التجارة الحالي والمادة (457) من القانون المصري.
وعين المشروع مكان الوفاء بالمادة (501) التي تنص على أن الثمن يكون مستحق الوفاء في المكان الذي يتم فيه تسليم المبيع، وذلك حتى يتم تنفيذ الالتزامات المتقابلة معًا، وهو حكم يتفق مع ظاهر أحكام المجلة. فإذا لم يكن الثمن مستحقًا وقت تسليم المبيع تحدد المكان الذي يدفع فيه بموطن المشتري اتفاقًا مع القواعد العامة في الوفاء، وذلك حكم لم تعرض له المجلة. وكل ذلك ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغيره وقد نقل المشروع الحكم الذي جاء به من قانون التجارة الحالي (المادة 402) وهو مستمد في أصله من القانون المصري المادة (456) والقوانين العربية التي تأثرت به.
وتعرض المواد (502 إلى 504) لجزاء الإخلال بالالتزام بدفع الثمن فتقضي أولاها بأنه إذا لم يدفع المشتري الثمن في ميعاد استحقاقه أو إذا أخل بأي التزام آخر يرتبه العقد كان البائع بالخيار بين طلب إلزامه بالتنفيذ أو طلب فسخ العقد وهو حكم تمليه القواعد العامة التي انتهجها المشروع ويأخذ بها قانون التجارة الحالي على أن الحنفية لا يقرون ذلك الحكم فعندهم أنه إذا أخل المشتري بالتزامه بدفع الثمن فلا يكون للبائع سوى اقتضائه بطريق التنفيذ على ماله وليس له الفسخ لاسترداد المبيع (مرشد الحيران م 393) بمقولة إن البائع بعد البيع يصبح مجرد دائن وليس للدائن إلا طلب حقه بل إنه إذا قبض المشتري المبيع ثم مات مفلسًا قبل أداء الثمن، فإن البائع - طبقًا لنصوص المجلة (م 295) - يكون مثل الغرماء. أما الشافعية والحنابلة فإنهم يجيزون الفسخ إذا لم يكن الثمن حاضرًا، أو كان المشتري معسرًا، أو كان موسرًا وماله في بلد بعيد ويجد المشروع في ذلك مسندًا له من الفقه الإسلامي.
وأما المادة (503) فجاءت بحكم يقضي بأحقية البائع في حبس المبيع حتى يستوفي الثمن المستحق جميعه ويثبت له هذا الحق ولو قدم المشتري تأمينًا ما لم يكن البائع قد منح المشتري أجلاً، وهو حكم منقول عن المادة (404) من القانون التجارة الحالي والمادة (459) من القانون المصري ويتفق كذلك مع الفقه الحنفي إذ تجيز المجلة للبائع في البيع بثمن حالٍ، أن (يحبس المبيع إلى أن يؤدي المشتري جميع الثمن) (م 278). ويؤسسون ذلك على المساواة التي يجب تحقيقها بين المتعاوضين، كما يستندون فيه إلى الحديث الشريف (الدين مقضي) فلو تأخر دفع الثمن عن تسليم المبيع لم يكن هذا الدين مقضيًا. وإنما يشترط لقيام حق البائع في حبس المبيع، أن يكون الثمن حالاً، فإذا كان الثمن مؤجلاً لا يثبت للبائع هذا الحق (م 283) ويستوي في ذلك أن يكون الأجل متفقًا عليه في العقد، أو قبله البائع بعد إبرامه (م 284). وللبائع أن يحبس جميع المبيع حتى يستوفي الثمن كله، ولو كان المبيع قابلاً للتجزئة. ويعتبر تسليم المبيع للمشتري قبل دفع الثمن نزولاً من البائع عن حقه في حبسه فلا يستطيع استرداده (م 281) ولكن حق الحبس لا يسقط إذا قدم المشتري رهنًا أو كفيلاً بالثمن (م 280) لأنهما لا يسقطان الثمن عن ذمة المشتري، ولا حق المطالبة به، فكانت الحاجة إلى تعيينه بالقبض قائمة، فيبقى حق الحبس لاستيفائه، وكذلك لا يسقط حق الحبس بموت المشتري وللبائع حبس المبيع إلى أن يستوفي الثمن من تركته.
وغني عن البيان أن البائع يكون له الحق الحبس ولو لم يحل الأجل المشترط لدفع الثمن، إذا كان المشتري قد أضعف ما قدمه من تأمينات للوفاء به، أو بوجه عام إذا سقط حقه في الأجل وفقًا للقواعد العامة، وكل ذلك ما لم يتفق على غيره.
وتعرض المادة (504) للحكم فيما لو حبس البائع المبيع وهلك في يده فتقضي بأنه إذا هلك المبيع في يد البائع وهو حابس له، كان هلاكه على المشتري، ما لم يكن قد هلك بفعل البائع على أنه يجب أن يثبت أنه قد باشر حق الحبس على المبيع بأن يكون مثلاً قد طولب بالتسليم فعلاً فامتنع لعدم الوفاء بالثمن، وهو ذات الحكم الذي أخذ به قانون التجارة الحالي بالمادة (405) بعد أن نقلها عن القانون المصري (المادة 460).
وتورد المادة (505) حكمًا خاصًا ببيع المنقول. فالمنقولات بطبيعتها تقتضي سرعة التداول، وبخاصة في التجارة، حين تكون هذه المنقولات سلعًا وبضائع يتعجل البائع تسليمها إلى مشتريها وقبض ثمنها في ميعاد محدد، وإلا كان في حل من بيعها إلى غيره واعتبار البيع الأول مفسوخًا دون حاجة إلى حكم أو إعذار لذلك افترض المشروع أن اتفاق بائع المنقول مع مشتريه على ميعاد لدفع الثمن كله أو أكثره وتسلم المبيع ينطوي على شرط فاسخ يكون البيع بموجبه مفسوخًا من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم أو إعذار إذا حل ميعاد تسليم المبيع ودفع الثمن ولم يتقدم المشتري لدفع الثمن، وهو ما يقترب من خيار النقد في الفقه الإسلامي الذي أخذت به المجلة في المادة (313) وما بعدها، مع مراعاة أن المشروع قد اشترط في الحكم الذي جاء به ألا يكون الباقي من الثمن قليل الأهمية بالنسبة لما دفع منه، وهو أمر متروك لتقدير قاضي الموضوع، وإذ كان ذلك الحكم ليس من النظام العام فقد أجاز النص الاتفاق صراحة أو ضمنًا على غيره، وإذا كان مقررًا لمصلحة البائع، فله ألا يعتبر البيع مفسوخًا وأن يطالب المشتري بالتنفيذ بالرغم من تأخره في دفع الثمن وذلك حسب ما يراه متفقًا مع مصلحته.
وتعرض المادة (506) لزمان التسلم ومكانه وتنص على أنه إذا لم يوجد اتفاق أو عرف فإنه على المشتري أن يتسلم المبيع في المكان الذي يوجد فيه وقت البيع، ويجب أن يقوم بالتسلم دون إبطاء إلا ما يقتضيه ذلك من زمن. وغني عن البيان أن هذا الحكم خاص بالمبيع المعين بالذات لأنه هو الذي يكون له مكان، أما المبيع المعين بنوعه فإن تسليمه يكون في موطن البائع.
وأخيرًا جمع المشروع الأحكام المتعلقة بما يتحمله المشتري من نفقات ومصروفات في نص واحد هو نص المادة (507)، فالمشتري يلتزم بنفقات عقد البيع، ويدخل فيها أتعاب كتابة العقد وما يقضي العرف بأن يتحمله المشتري من السمسرة ورسوم التسجيل، ويوافق ذلك ما تنص عليه المجلة من أن أجرة كتابة السندات والحجج وصكوك المبيعات تلزم على المشتري (م 292). ويتحمل المشتري أيضًا نفقات الوفاء بالثمن، إذا كان هذا الثمن يقتضي نفقات لدفعه، كما يتحمل نفقات تسلم المبيع وهو ما تنص عليه المادتان (329 و409) من قانون التجارة الحالي. وكل ذلك ما لم يقضِ الاتفاق أو العرف بغيره.
الفرع الثاني - بعض أنواع البيوع:
1 - بيع الوفاء:

بيع الوفاء هو بيع يحتفظ فيه البائع - خلال مدة معينة - بحق استرداد المبيع من المشتري في مقابل رد الثمن ومصروفات المبيع إليه، وقد اختلف موقف التشريعات العربية إزاء هذا البيع اختلافًا بينًا، فبعضها أجازه وأخذ به، كالتقنين اللبناني، وكذلك التقنينان التونسي والمغربي، وبعضها أبطله كالتقنين المصري والتقنينات التي حذت حذوه، ولكن بعضًا آخر - كالتقنين العراقي - توسط بين الموقفين فجعل بيع الوفاء لا بيعًا صحيحًا، ولا بيعًا باطلاً، وأقام قرينة قانونية غير قابلة لإثبات العكس على أن بيع الوفاء رهن حيازي وذلك جريًا على تقاليد الفقه الحنفي. وقد اختلفت أقوال الفقهاء المسلمين في شأن بيع الوفاء فاعتبره بعضهم بيعًا فاسدًا وأقره آخرون بيعًا صحيحًا مفيدًا لبعض أحكامه، ولكن أكثرهم اعتبره رهنًا لا يفترق عنه في حكم من الأحكام لأن طرفيه وإن سمياه بيعًا، غرضهما منه الاستيثاق للدين، وقد تأثر تنظيم بيع الوفاء في المجلة بهذه النظرة الأخيرة، فتنص المادة الثالثة منها على إجراء حكم الرهن عليه لأن العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني، وهو ما آثر المشروع الأخذ به في المادة (508) إقرارًا لما جرى عليه العمل واستقر في الأذهان سنوات طويلة، فإذا احتفظ البائع عند البيع بحق استرداد المبيع من المشتري في مقابل رد الثمن والمصروفات إليه، اعتُبر العقد قرضًا مضمونًا برهن حيازي وسرت عليه جميع أحكام الرهن الحيازي بما فيها بطلان الاتفاق على تملك العقار المبيع عند عدم رد الثمن أو الاتفاق على بيعه دون مراعاة للإجراءات التي فرضها القانون، وذلك حماية للبائع.
2 - بيع ملك الغير:
واجه المشروع حكم بيع ملك الغير في المادة (509) وآثر تطبيق القواعد العامة في شأنه فهذا البيع لا يكون نافذًا بالنسبة للمالك الحقيقي إلا إذا أقره، أما فيما بين المتعاقدين فإن البيع لا يبطل لمجرد كونه واردًا على ملك الغير وإنما يكون للمشتري وفقًا للقواعد العامة أن يطلب إبطال البيع تأسيسًا على الغلط إذا كان يجهل عند إبرام العقد عدم ملكية البائع، فإذا آلت الملكية إلى البائع أو أقر المالك الحقيقي البيع، أمكن للبيع أن ينتج أثره في نقل الملكية وإلا جاز للمشتري طبقًا للقواعد العامة أيضًا أن يطلب فسخ البيع تأسيسًا على عدم وفاء البائع بالتزاماته فضلاً عن التعويض إن كان له محل، وذلك دون إخلال بحق المشتري في التمسك بالعقد، والرجوع بضمان الاستحقاق على أساسه.
3 - بيع الحقوق المتنازع فيها:
وعرض المشروع لبيع الحق المتنازع فيه في المواد من (510) إلى (513) والأصل أن هذا البيع من بيوع الغرر، لأن وجود الحق المبيع وثبوته يتوقف على مصير النزاع القائم بشأنه، مما يجعل مشتريه مخاطرًا بل ومضاربًا. وفي الفقه الإسلامي إذا صاحب عقد البيع غرر فإنه يفسده، فبيع ما في تسليمه للمشتري خصومة، كمغصوب في يد غاصبه، غرر وجهالة بإمكان قبض المبيع وعدمه، وقيل يصح بيع المغصوب لقادر على أخذه من غاصبه. وكذلك يفسد بيع ما فيه معنى المقامرة.
لذلك كانت نظرة المشروع إلى بيع الحق المتنازع فيه نظرة ريبة، لأنه ينطوي في القليل على فكرة المضاربة واستغلال الخصومات، ومن أجل ذلك خول في المادة (510) لمن عليه الحق المتنازع فيه أن يسترده ويتخلص من المطالبة، إذا هو رد إلى مشتريه ما دفعه من ثمن في شرائه وما تكبده من مصروفات في سبيل اكتساب الحق المتنازع فيه والحصول عليه. وذلك حتى ينحسم النزاع في أمر لا تُعرف مغبته.
ويُعتبر الحق متنازعًا فيه، إذا رفعت بموضوعه دعوى أو قام في شأنه نزاع جدي.
ويسقط حق الاسترداد بمضي ثلاثين يومًا من تاريخ علم المسترد بالبيع (مادة 511) عملاً على استقرار المراكز القانونية. ولما كان حق الاسترداد قد شرع للقضاء على المضاربة في الحقوق المتنازع فيها ولمنع استغلال الخصومات، فقد استثنى المشروع (في المادة 512) أربع حالات لا يجوز فيها الاسترداد لانتفاء فكرة المضاربة فيها، وهذه الحالات هي:
( أ ) إذا كان الحق المتنازع فيه يدخل ضمن مجموعة أموال بيعت جزافًا بثمن واحد، كبيع التركة، وهي مجموع من المال بما له من حقوق وما عليه من ديون، فإذا كان في التركة حق متنازع فيه، فإن هذا الحق يفقد ذاتيته ويفنى مع العناصر الأخرى في مجموع التركة، فتنعدم فكرة المضاربة في هذا الحق بالذات ومن ثم فلا يجوز الاسترداد.
(ب) إذا كان حق المتنازع فيه شائعًا، وباع أحد الشركاء نصيبه فيه لشريك آخر - كوارث يبيع نصيبه من وارث آخر، أو مالك على الشيوع يبيع نصيبه في الحق من شريكه، لأن شراء الشريك لنصيب شريكه لا يقصد به المضاربة بل هو قسمه أو خطوة في سبيل القسمة، ومن ثم فإن الاسترداد لا يجوز.
(ج) إذا كان الحق قد تصرف فيه صاحبه لدائن له وفاءً لدين مستحق في ذمته، لأن الدائن عندما قبل ذلك التصرف، لم يقصد المضاربة وإنما قصد أن يستوفي حقه.
(د) إذا كان الحق المتنازع فيه مضمونًا برهن يثقل عقارًا وبيع الحق لحائز هذا العقار لتطهيره، ذلك أن الذي دفع حائز العقار إلى شراء الحق المتنازع فيه لم يكن فكرة المضاربة، بل تطهير العقار وتجنب الإجراءات التي يتخذها الدائن المرتهن قبله.
وإذا كان تخويل حق الاسترداد للمدين، قد بني على مظنة المضاربة واستغلال الخصومات، بشراء الحقوق المتنازع فيها، فإن شراء عمال القضاء لهذه الحقوق ينطوي فوق ذلك على شبهة استغلال النفوذ أو في القليل يلقي على الشراء ظلال الشبهة في حيدة القضاء، ولذلك حرص المشروع في المادة (513) على أن يحرم عليهم أن يشتروا - ولو باسم مستعار - حقًا متنازعًا فيه، وإلا كان العقد باطلاً بطلانًا مطلقًا حتى ولو كان الشراء في مزاد علني، كما عدد المشروع عمال القضاء على سبيل الحصر على النحو الذي اتبعه التقنين المصري والتقنينات التي أخذت عنه.
وتتفق المادة (514) بفقرتيها مع ما تقضي به المادتان (412 و413) من قانون التجارة الحالي، فتحظر الفقرة الأولى منها على السماسرة والخبراء أن يشتروا ولو باسم مستعار، الأموال المعهود إليهم في بيعها أو في تقدير قيمتها أو مباشرة الخبرة في شأنها، سواء كان الشراء بالممارسة أو بطريق المزايدة العلنية وهو حكم تمليه القواعد العامة في النيابة عن الغير، وتقضي الفقرة الثانية بتصحيح العقد المخالف لحكم الفقرة الأولى إذا أقره الأصيل الذي تم البيع لحسابه.
وتقضي المادة (515) بسحب الحظر الذي تفرضه المادتان السابقتان على الأزواج والأقارب والأصهار حتى الدرجة الثانية دفعًا لكل شبهة.

يليه الجزء الثالث .....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق